موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

موسوعة الأسئلة العقائديّة5%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-05-8
الصفحات: 667

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 667 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 309727 / تحميل: 7143
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٥-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

القسم بغير الله :

( عبد المجيد البحراني ـ )

جائز ولكن لا يصحّ :

س : توجد رواية ذكرت في أكثر من مصدر من مصادرنا ، ونصّ الرواية عن الإمام المعصوم : « إنّ لله عزّ وجلّ أن يقسم من خلقه بما شاء ، وليس لخلقه أن يقسموا إلاّ به »(١) .

فيقول السائل : نجد أنّ البعض يقسم على الآخر بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وسائر الأئمّة عليهم‌السلام ، فكيف نجمع بين هذه الرواية وبين ما يفعله البعض؟

ج : إنّ الأحاديث المروية في الوسائل(٢) ، والمقارنة والجمع فيما بينها ، يوصلنا إلى نتيجة : أنّ هذه الرواية لا تدلّ على الحرمة ، بل على عدم ترتّب آثار اليمين ، فلا يكون يميناً ، وليس عليه كفّارة إن خالف ، لأنّ اليمين الذي تترتّب عليه الآثار ، وتجب بمخالفته الكفّارة ، هو الحلف بالله وأسمائه الخاصّة ، حتّى أنّك تشاهد في الرسائل العملية التعبير : بلا يصحّ الحلف بالله وبأسمائه تعالى ، ولم يقولوا : لا يجوز.

وللتوضيح أكثر ، فإنّ الروايات المروية في هذا الباب على قسمين :

__________________

١ ـ الكافي ٧ / ٤٤٩ ، من لا يحضره الفقيه ٣ / ٣٧٦ ، تهذيب الأحكام ٨ / ٢٧٧.

٢ ـ وسائل الشيعة ٢٣ / ٢٥٩.

٦١

قسم : تنهى عن القسم بغير الله ، كهذا الحديث وأمثاله.

وقسم فيها القسم بغير الله ، كقول الإمام الرضاعليه‌السلام في حديث : « لا وقرابتي من رسول الله »(١) ، وقول الإمام الرضاعليه‌السلام أيضاً : « تعدوا وبيت الله الحقّ »(٢) ، وقول أبي جرير القمّي لأبي الحسنعليه‌السلام : جعلت فداك ، قد عرفت انقطاعي إلى أبيك ثمّ إليك ، ثمّ حلفت له : وحقّ رسول الله ، وحقّ فلان وفلان حتّى انتهيت إليه(٣) .

ولمّا سمع أمير المؤمنينعليه‌السلام رجلاً يقول : لا والذي احتجب بسبع طباق ، قال : فعلاه بالدرّة وقال له : «ويحك إنّ الله لا يحجبه شيء عن شيء » ، فقال الرجل : فأُكفّر عن يميني يا أمير المؤمنين؟ قال : «لا ، لأنّك حلفت بغير الله »(٤) .

فالجمع بين هذه الأحاديث جعل العلماء يفتون بعدم صحّة القسم بغير الله ، بمعنى عدم ترتّب آثار القسم عليه ، لا عدم الجواز.

( الغريب ـ أمريكا ـ ٣٠ سنة ـ مهندس كهرباء )

يترتّب عليه أثر دنيوي وأُخروي :

س : هل يترتّب أثر دنيوي أو أُخروي للقسم بالقرآن الكريم كذباً؟

ج : أمّا من حيث الأثر التكليفي كالكفّارة فلا ، لانحصاره بالحلف بـ « الله » فقط ، نعم يترتّب عليه أثر دنيوي وأُخروي لفرية الكذب ، منها : حرمان الهداية ، قال تعالى :( إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) (٥) ، ووراثة الفقر ، فعن الإمام عليعليه‌السلام : « واعتياد الكذب يورث الفقر »(٦) .

__________________

١ ـ الكافي ١ / ١٨٧.

٢ ـ الأمالي للشيخ الصدوق : ٧٧٩.

٣ ـ الكافي ١ / ٣٨٠.

٤ ـ الفصول المختارة : ٦٥.

٥ ـ غافر : ٢٨.

٦ ـ الخصال : ٥٠٥.

٦٢

وذهاب البهاء ، قال النبيّ عيسىعليه‌السلام : «من كثر كذبه ذهب بهاؤه »(١) ، وقد جُعل الكذب شرّ مفاتيح الشرّ ، قال الإمام الباقرعليه‌السلام : «إنّ الله جعل للشرّ أقفالاً ، وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب ، والكذب شرّ من الشراب »(٢) .

ومن الآثار الآخروية التعرّض لعقاب الله تعالى ، والمكوث في النار ، قال المولى جلّ وعلا :( وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ) (٣) .

وهذا العمل ، أي الحلف بالقرآن الكريم كاذباً ، فيه جناية مزدوجة ، الأُولى جرأة صارخة على كتاب الله العزيز ، الذي قال المولى سبحانه فيه :( لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللهِ ) (٤) ، والثانية جريمة الكذب والافتراء التي تمحق الحقوق وتهدر الكرامات.

أعاذنا الله من شرور أنفسنا ، ووفّقنا لما يحبّه ويرضاه.

( أحمد ـ ـ ٣١ سنة )

حكمه في المذاهب الأربعة :

س : هل يجوز الحلف بغير الله عزّ وجلّ؟ وما هو حكمه عند المذاهب الأربعة؟ وشكراً.

ج : تضافر الحلف بغير الله تعالى في الكتاب العزيز والسنّة النبوية ، فقد حلف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في غير مورد بغير اسم الله.

فعن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله أيّ الصدقة أعظم أجراً؟ فقال : «أما وأبيك لتنبئنه أن تصدق وأنت صحيح شحيح ، تخشى الفقر وتأمل البقاء »(٥) .

__________________

١ ـ الكافي ٢ / ٣٤١.

٢ ـ المصدر السابق ٢ / ٣٣٩.

٣ ـ الجاثية : ٧.

٤ ـ الحشر : ٢١.

٥ ـ صحيح مسلم ٣ / ٩٣.

٦٣

هذا وقد حلف غير واحد من الصحابة بغير الله تعالى كأبي بكر ، فعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه ، أنّ رجلاً من أهل اليمن ـ أقطع اليد والرجل ـ قدم فنزل على أبي بكر ، فشكا إليه أنّ عامل اليمن قد ظلمه ، فكان يصلّي من الليل ، فيقول أبو بكر : وأبيك ، ما ليلك بليل سارق(١) .

وهذا علي بن أبي طالبعليه‌السلام قد حلف بغيره تعالى في غير واحد من خطبه ، كقوله : « ولعمري ما عليّ من قتال من خالف الحقّ ، وخابط الغي من إدهان ولا إيهان »(٢) ، وكقولهعليه‌السلام : «ولعمري ما تقادمت بكم ولا بهم العهود »(٣) ، إلى غير ذلك من الأقسام الواردة في كلامهعليه‌السلام وسائر أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

ومجمل القول : إنّ الكتاب العزيز هو الأُسوة للمسلمين عبر القرون ، فإذا ورد فيه الحلف من الله تعالى بغير ذاته تعالى من الجماد والنبات والإنسان ، فيستكشف منه أنّه أمر سائغ لا يمتّ إلى الشرك بصلة ، وتصوّر جوازه لله سبحانه دون غيره أمر غير معقول ، فإنّه لو كان حقيقة الحلف بغير الله شركاً ، فالخالق والمخلوق أمامه سواء.

نعم ، الحلف بغير الله لا يصحّ في القضاء وفضّ الخصومات ، بل لابدّ من الحلف بالله تعالى ، أو بإحدى صفاته التي هي رمز ذاته ، وقد ثبت هذا بالدليل ، ولا علاقة له بالبحث.

وأمّا المذاهب الفقهية فغير مجمعين على أمر واحد.

أمّا الحنفية فقالوا : بأنّ الحلف بالأب والحياة ـ كقول الرجل : وأبيك ، أو : وحياتك وما شابه ـ مكروه.

وأمّا الشافعية فقالوا : بأنّ الحلف بغير الله ـ لو لم يكن باعتقاد الشرك ـ فهو مكروه.

__________________

١ ـ الموطّأ ٢ / ٨٣٥.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ١ / ٣٣١.

٣ ـ المصدر السابق ٦ / ٣٨٧.

٦٤

وأمّا المالكية فقالوا : إنّ في القسم بالعظماء والمقدّسات ـ كالنبيّ والكعبة ـ فيه قولان : الحرمة والكراهة ، والمشهور بينهم : الحرمة.

وأمّا الحنابلة فقالوا : بأنّ الحلف بغير الله وبصفاته سبحانه حرام ، حتّى لو كان حلفاً بالنبيّ أو بأحد أولياء الله تعالى.

هذه فتاوى أئمّة المذاهب الأربعة ، ولسنا الآن بصدد مناقشتهم ، ولكن الحري بفقهائهم ـ ولاسيّما في العصر الراهن ـ فتح باب الاجتهاد والرجوع إلى المسألة والنظر إليها بمنظار جديد ، إذ كم ترك السلف للخلف.

على أنّ نسبة الحرمة إلى الحنابلة غير ثابتة أيضاً ، لأنّ ابن قدامة يصرّح في كتاب المغني ـ الذي كتبه على غرار فقه الحنابلة ـ : « أنّ أحمد بن حنبل أفتى بجواز الحلف بالنبيّ ، وأنّه ينعقد لأنّه أحد ركني الشهادة »(١) .

وقال أحمد : « لو حلف بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله انعقدت يمينه ، لأنّه حلف بما لا يتمّ الأيمان إلاّ به فتلزمه الكفّارة »(٢) .

__________________

١ ـ أُنظر : المغني لابن قدامة ١١ / ٢٠٩.

٢ ـ المجموع ١٨ / ١٨.

٦٥
٦٦

قول آمين في الصلاة :

( السيّد سلمان ـ البحرين ـ )

لا يصحّ لتوقيفية العبادات :

س : أمّا بعد ، لا أرى أيّ مانع في استخدام كلمة آمين في الصلاة ، إذا كانت بمعنى : اللهم استجب ، فالصلاة في طبيعة الحال هي نوع من أنواع الدعاء ، الذي تصحبه حركات نصّ الباري عليها ، ليقوم بها العبد للتأكيد على صدقية هذا الدعاء ، والحاجة إليه ، وللاعتراف بربوبية الله عزّ وجلّ.

كما أنّ كلمة آمين كثيراً ما تنطلق من أفواه خطبائنا على المنابر بعد الفراغ من مجالس الذكر ، فهل يجوز ذكرها على المنابر؟ ولا تجوز في الصلاة؟ وما هو الفرق؟

ج : إنّ العبادات توقيفية ، بمعنى عدم جواز الإضافة من عندنا ، وأن كانت حسنة المعنى ، بل الالتزام بكُلّ تفاصيلها بما ورد من نصوص في ذلك.

وكلمة آمين كلمة حسنة ، نستعملها ونستعمل غيرها من الألفاظ ، ولكنّ استعمالها في الصلاة يحتاج إلى نصّ صريح ، ولم يرد النصّ فتكون بدعة ، والبدعة : إدخال شيء ما في الدين وهو ليس منه.

ونعطيك مثالاً آخر يوضّح لك المطلب : من المستحبّات صلاة ألف ركعة في شهر رمضان ، كانت تصلّى هذه الألف في عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبي بكر فرادى ،

٦٧

ولمّا كان في عهد عمر بن الخطّاب ، دخل المسجد فرأى الناس يصلّونها فرادى ، فجمعهم فصلّى بهم هذه النافلة جماعة ، ثمّ قال : نعمت البدعة هذه(١) .

أُنظر يا أخي ، تارة يكون الملاك الالتزام بما جاء به الشرع ، وتارة يكون بالذوقيات ، لا بما حدّده الشرع ، والعقل والفطرة والقرآن والسنّة كُلّها تدلّ على وجوب الالتزام بما جاء به الشرع ، وإلاّ فكان الدين لعبة بيد الحكّام ، تتلاعب به الأذواق.

( عبد السلام ـ هولندا ـ سنّي )

مبطل للصلاة :

س : شكراً لكم على هذه الصفحة العقائدية الهادفة ، وأتمنّى لكم دوام النجاح.

سؤالي هو بخصوص آمين ، حيث أنّ علماء الشيعة لم يتوحّدون على جواب واحد : فمنهم من يقول : إنّ آمين تبطل الصلاة ، لأنّ أي زيادة أو نقصان في الصلاة هو مبطل لها ، مع أنّكم تستحبّون بقول شيء آخر غير آمين ، ولا أتذكر بالضبط القول الذي تقولونه بعد( وَلاَ الضَّالِّينَ ) .

فهل يوجد حديث يحرّم أو ينهي على قول آمين ، سواء في كتب العامّة؟ أو في كتبكم؟ وشكراً لكم.

ج : الكلام في قول آمين كما يلي : إنّ هذه اللفظة لم ترد على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد الحمد ، وبما أنّ العبادات ـ وعلى رأسها الصلاة ـ توقيفية ، بمعنى أنّها موقوفة على إذن الشارع وما ورد عنه ، فيجب التقيّد بما صدر عنه فيها.

فإذا لم تكن لفظة آمين واردة عن الشارع ، فإمّا أن يقصد المصلّي من الإتيان بها بعد الحمد أنّها جزء من الصلاة ـ كما يفعله أهل السنّة ـ أو لا يقصد الجزئية بها.

__________________

١ ـ أُنظر : صحيح البخاري ٢ / ٢٥٢ ، المصنّف للصنعاني ٤ / ٢٥٩ ، صحيح ابن خزيمة ٢ / ١٥٥ ، المغني لابن قدامة ١ / ٧٩٨ ، الموطّأ ١ / ١١٤.

٦٨

فإن كان الأوّل فالصلاة باطلة ، لدخولها تحت عنوان البدعة ، والتي هي : إدخال ما ليس من الدين في الدين.

وإن لم يقصد بها الجزئية ـ سواء الجزء الواجب أو المستحبّ ـ فتارة يقصد بها مطلق الدعاء لله تعالى ، والذي هو بمعنى : ربّ استجب ، وأُخرى يأتي بها لا بعنوان الدعاء.

فإن قصد الأوّل فلابأس به ، ويجوز الإتيان بها بعنوان مطلق استحباب الدعاء في إثناء الصلاة ، وإن لم يقصد الدعاء فالصلاة باطلة ، لأنّه لغو وكلام زائد في الصلاة ، وقد اتفق الأعلام على أنّ الكلام الزائد في الصلاة عمداً مبطل لها.

وأمّا ما تقوله الشيعة بعد سورة الحمد ، فهو عبارة عن دعاء ، قولهم : الحمد لله ربّ العالمين ، وقد وردت النصوص والروايات الكثيرة في استحباب هذا الدعاء بعد سورة الحمد ، مضافاً إلى الأدلّة العامّة ، والتي تقول باستحباب الدعاء وذكر الله في كُلّ وقت ومكان.

( أبو أحمد ـ الكويت ـ )

من البدع التي أُحدثت بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

س : نشكركم على جهودكم الطيّبة ، وجعلها الله في ميزان حسناتكم.

أمّا بعد : هل توجد روايات في كتب العامّة ، من أنّ أوّل من سنّها في الصلاة عمر؟ أي : قول آمين ، هذا وتقبّلوا منّا فائق الاحترام والشكر.

ج : لم يقل أحد من الشيعة أو السنّة بأنّ عمر سنّ قول آمين في الصلاة ، ولكنّ الوارد في رواياتنا عن أهل البيتعليهم‌السلام : أنّها من البدع التي أُحدثت بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن هنا حكم فقهاء الشيعة ببطلان الصلاة حال التلفّظ بها بقصد الجزئية ، كما يفعله أهل السنّة.

٦٩

وما ورد في روايات أهل السنّة عن قول آمين كُلّها تعاني من مشاكل في أسانيدها ، فمنها المرسل ، ومنها مروية عن رجال متّفق على تضعيفهم ، ومنها مروية عن رجال مختلف فيهم ، ومنها مروية عن مجهولين ، وهكذا.

إذاً ، كُلّها أحاديث عليها علامات استفهام ، ولا يصحّ الاعتماد عليها.

( عبد السلام ـ هولندا ـ سنّي )

الروايات الدالّة على مشروعيتها ضعيفة السند :

س : أنا سنّي مالكي ، أُريد الإجابة على سؤالي : ما هو الدليل بأنّ التأمين بدعة ، يوجد حديث في الكتب السنّية بأنّ التأمين سنّة نبوية ، فما هو تعقيبكم على ذلك؟ ولكم جزيل الشكر.

ج : التأمين في الصلاة بعد قراءة الحمد محظور ومبطل عند الشيعة ، لخروجه عن مصداقية الصلاة ، إذ هو من كلام الآدميين ، ولا يصلح شيء منه في الصلاة ، ولهم في هذا المجال أحاديث وردت عن طريق أئمّتهمعليهم‌السلام .

ويؤيّد هذا الحكم بأنّ الروايات التي وردت عند أهل السنّة لمشروعية التأمين ، بأجمعها غير صالحة للاستناد بسبب ضعف السند ، إذ أكثرها نقلت عن أبي هريرة ، وهو كما نعلم مغموز فيه ، ويكفيك أن تقرأ كتابي : أبو هريرة للسيّد شرف الدين ، وشيخ المضيرة أبي هريرة للشيخ محمود أبو ريّة ، لتطلّع على شخصيته.

وبعضها القليل قد جاء في طريقه محمّد بن كثير العبدي ، الذي جرّحه يحيى بن معين ، وبعضها الآخر قد اشتمل على حجر بن عنبس في السند ، الذي أنكره ابن القطّان ، وقال : إنّه لا يعرف ، وأحياناً وردت عن أبي عبد الله ، الذي أنكره صاحب الزوائد ، وعن بشر بن رافع ، الذي ضعّفه أحمد ، ونسبه ابن حبّان بالوضع في الرواية.

٧٠

فهي كما ترى لا يوجد فيها حديث صحيح السند ، قابل للاعتماد في إثبات هذه السنّة المزعومة!!

ثمّ على فرض ورود أحاديث في هذا المجال ، فهي متعارضة مع روايات أُخرى تحدّثت عن صلاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يرد فيها التأمين ، فعلى سبيل المثال :

عن محمّد بن عمرو بن عطاء قال : سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي فقال أبو حميد الساعدي : أنا أعلمكم بصلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالوا : فأعرض علينا ، قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ يقرأ ثمّ يكبّر(١) ، فلم يذكر التأمين ، وعليه فيجب علينا إسقاط طرفي المعارضة من الحجّية ـ كما هو مقرّر في علم الأُصول ـ ثمّ الحكم بعدم ورود التأمين في الصلاة.

__________________

١ ـ السنن الكبرى للبيهقي ٢ / ٧٢ ، سنن الدارمي ١ / ٣١٣ ، شرح معاني الآثار ١ / ٢٢٣ ، صحيح ابن حبّان ٥ / ١٩٦.

٧١
٧٢

القياس :

( أحمد أزهر ـ الإمارات ـ )

في نظر الشيعة :

س : هل تؤمن الشيعة بمبدأ القياس في التشريع الإسلامي؟

ج : الشيعة لا تعمل بالقياس في أحكامها الشرعية ، وذلك لوجود النهي عنه في النصوص الشرعية ، ولبطلانه عقلاً ، ولوجود قواعد كُلّية وأدلّة تامّة تغنينا عن إعمال القياس.

( علي نزار ـ الكويت ـ ٢٣ سنة ـ طالب كُلّية الدراسات التجارية )

تعريفه :

س : ما معنى القياس الذي يعدّه العامّة مصدراً من مصادر التشريع في فقههم؟ ومن المعلوم أنّ القياس باطل في عرف مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام الحقّة ، ودمتم سالمين.

ج : إنّ القياس في اللغة هو : التقدير ، ومنه قست الثوب بالذراع ، إذ قدّرته به ، وفي الاصطلاح عرّف تارة بالاجتهاد ، وأُخرى ببذل الجهد لاستخراج الحقّ ، ولكن يرد على هذين التعريفين أنّهما غير جامعين ولا مانعين.

أمّا كونهما غير جامعين ، فلخروج القياس الجلي عنهما ، إذ لا جهد ولا اجتهاد فيه في استخراج الحكم.

٧٣

وأمّا كونهما غير مانعين ، فلدخول النظر في بقية الأدلّة ، كالكتاب والسنّة ، وغيرهما من مصادر التشريع ضمن هذا التعريف ، مع أنّها ليست من القياس المصطلح بشيء.

والمشهور أنّه : حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما ، أو نفيه عنهما بأمر جامع بينهما ، من حكم أو صفة.

ولكن سجّلت على هذا التعريف عدّة مفارقات ، لعلّ أهمّها ما أورده الآمدي عليه من لزوم الدور ، ولهذا عرّفه الآمدي بأنّه : « عبارة عن الاستواء بين الفرع والأصل في العلّة المستنبطة من حكم الأصل »(١) .

وعرّفه ابن الهمام : « هو مساواة محلّ لآخر في علّة حكم له شرعي ، لا تدرك بمجرّد فهم اللغة » ، ويبدو أنّ هذا التعريف أسلم التعاريف من الإشكالات والمؤاخذات.

ثمّ إنّ الذي رفضه أهل البيتعليهم‌السلام من القياس ، هو القياس في الأحكام الشرعية ، لعدم إحراز علّة الحكم التي بنى الشارع عليها حكمه ، وأمّا القياس في مجال أُصول العقائد فلا مانع فيه.

( جابر عبد الواحد ـ البحرين ـ )

أدلّته :

س : أشكركم على جهودكم ، وأسألكم عن أدلّة القياس التي أعتمد عليها أهل السنّة في حجّيته؟ مع ذكر ردّ علمائنا عليهم ، وأرجو أن يكون فيه شيء من التطويل ، وجزاكم الله خير الجزاء.

ج : الأدلّة التي ذكرها المثبتون للقياس كثيرة ، وهذه الأدلّة تعتمد على الكتاب ، والسنّة ، والإجماع ، والعقل.

أدلّتهم من الكتاب : وقد استدلّوا من الكتاب بعدّة آيات هي :

__________________

١ ـ الإحكام في أُصول الأحكام للآمدي ٣ / ١٩٠.

٧٤

١ ـ قوله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) (١) .

وتقريبها : أنّ القياس بعد استنباط علّته بالطرق الظنّية من الكتاب والسنّة ، يكون ردّاً إلى الله والرسول ، ونحن مأمورون بالرجوع إليهما بهذه الآية ، ومعناه أنّنا مأمورون بالرجوع إلى القياس عند التنازع ، وليس معنى الأمر بذلك إلاّ جعل الحجّية له.

ولكن يرد عليه بعض المؤاخذات وهي :

أ ـ إنّ دلالة الآية متوقّفة على أن يكون القياس الظنّي ردّاً إلى الله والرسول ، وهو موضع النزاع ، ولذلك احتجنا إلى هذه الآية ونظائرها لإثبات كونه ردّاً.

ب ـ الآية إنّما وردت في التنازع والرجوع إلى الله والرسول لفضّ النزاع والاختلاف ، ومن المعلوم أنّ الرجوع إلى القياس لا يفضّ نزاعاً ولا اختلافاً ، لاختلاف الظنون.

وعلى هذا ، فالآية أجنبية عن جعل الحجّية لأيّ مصدر من مصادر التشريع قياساً أو غير قياس ، وموردها الرجوع إلى من له حقّ القضاء ، والحكم باسم الإسلام لفضّ الخصومات.

ج ـ إنّ الآية لا تدلّ على حجّية القياس بقول مطلق ، إلاّ بضرب من القياس ، وذلك لورودها في خصوص باب التنازع ، فتعميمها إلى مقام الإفتاء والعمل الشخصي ، لا يتمّ إلاّ من طريق السبر والتقسيم أو غيره.

٢ ـ قوله تعالى :( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ ) (٢) .

__________________

١ ـ النساء : ٥٩.

٢ ـ الحشر : ٢.

٧٥

موضع الدلالة من الآية كلمة اعتبروا ، بدعوى أنّ في القياس عبوراً من حكم الأصل ومجاوزة عنه إلى حكم الفرع ، فإذا كنّا مأمورين بالاعتبار فقد أُمرنا بالعمل بالقياس ، وهو معنى حجّيته.

ولكن هذه الاستفادة كسابقتها لا يتّضح لها وجه ، وذلك :

أ ـ إنّ إثبات الحجّية لمطلق الاعتبار بحيث يشمل المجاوزة القياسية موقوف على أن يكون المولى في مقام البيان من هذه الجهة ، والمقياس في كونه في مقام البيان ، هو أنّنا لو صرّحنا بالمعنى الذي يراد بيانه لكان التعبير سليماً ، وظاهر الدلالة على كونه مراداً لصاحبه.

ب ـ مع التنزّل وافتراض مجيئها لبيان هذا المعنى ولو بإطلاقها ، إلاّ أنّها واردة لجعل الحجّية لأصل القياس كدليل.

٣ ـ قوله تعالى :( قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (١) .

وقد قرّب دلالتها صاحب مصادر التشريع بقوله : إنّ الله عزّ وجلّ ، استدلّ بالقياس على ما أنكره منكرو البعث ، فإنّ الله عزّ وجلّ قاس إعادة المخلوقات بعد فنائها على بدأ خلقها وإنشائها أوّل مرّة ، لإقناع الجاحدين بأنّ من قدر على بدأ خلق الشيء قادر على أن يعيده ، بل هذا أهون عليه ، فهذا الاستدلال بالقياس إقرار لحجّية القياس وصحّة الاستدلال به ، وهو قياس في الحسّيات ، ولكنّه يدلّ على أنّ النظير ونظيره يتساويان.

والجواب على هذا التقريب :

أ ـ إنّ هذه الآية لو كانت واردة لبيان الإقرار على حجّية القياس ، لصحّ أن يعقّب بمضمون هذا الإقرار ، ولسلّم الكلام كأن نقول : قل يحييها الذي أنشأها أوّل مرّة ، فقيسوا النبيذ على الخمر.

__________________

١ ـ يس : ٧٨ ـ ٧٩.

٧٦

ب ـ لو سلّم ذلك ـ جدلاً ـ فالآية غاية ما تدلّ عليه ، هو مساواة النظير للنظير ، أي جعل الحجّية لأصل القياس لا لمسالكه ، والدليل الذي يتكفّل حجّية الأصل لا يتكفّل بيان ما يتحقّق به.

ج ـ ولو سلّمنا أيضاً دلالته على حجّية مسالكه ، فهي لا تدلّ عليها بقول مطلق ، إلاّ بضرب من القياس ، لأنّ الآية إنّما وردت في قياس الأُمور المحسوسة بعضها على بعض ، فتعميمها إلى الأُمور الشرعية موقوف على السبر والتقسيم أو غيره ، فيلزم الدور.

٤ ـ قوله تعالى :( فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (١) .

قد استدلّ بها الشافعي على حجّيته ، حيث قال : « فهذا تمثيل الشيء بعدله ، وقال تعالى :( يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ) ، وأوجب المثل ، ولم يقل أيّ مثل ، فوكّل ذلك إلى اجتهادنا ورأينا »(٢) .

والجواب : إنّ الشارع وإن ترك لنا أمر تشخيص الموضوعات ، إلاّ أنّه على وفق ما جعل لها الشارع ، أو العقل من الطرق ، وكون القياس الظنّي من هذه الطرق كالبيّنة هو موضع الخلاف ، والآية أجنبية عن إثباته.

٥ ـ قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ) (٣) .

قد استدلّ بها ابن تيمية على القياس بتقريب : أنّ العدل هو التسوية ، والقياس هو التسوية بين مثلين في الحكم ، فيتناوله عموم الآية.

وقد أجاب عنه الشوكاني : « بمنع كون الآية دليلاً على المطلوب بوجه من الوجوه ، ولو سلّمنا لكان ذلك في الأقيسة التي قام الدليل على نفي الفارق فيها ، فإنّه لا تسوية إلاّ في الأُمور المتوازنة ، ولا توازن إلاّ عند القطع بنفي الفارق ، لا في

__________________

١ ـ المائدة : ٩٥.

٢ ـ إرشاد الفحول ٢ / ١٢٧.

٣ ـ النحل : ٩٠.

٧٧

الأقيسة التي هي شعبة من شعب الرأي ، ونوع من أنواع الظنون الزائفة ، وخصلة من خصال الخيالات المختلّة »(١) .

والأنسب أن يقال : إنّ هذه لو تمّت دلالتها على الأمر بالقياس ، بما أنّه عدل ، فهي إنّما تدلّ على أصل القياس ، لا على مسالكه المظنونة ، والكلام إنّما هو في القياس المعتمد على استنباط العلل.

أدلّتهم من السنّة : أمّا ما استدل به من السنّة ، فروايات تكاد تنتظم في طائفتين تتمثّل :

أولاهما : حديث معاذ بن جبل ، حيث ورد فيه : لمّا بعثهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى اليمن قال : «كيف تقضي إذا عرض لك قضاء »؟ قال : أقضي بكتاب الله ، قال : « فإن لم تجد في كتاب الله »؟ قال : فبسنّة رسول الله ، قال : «فإن لم تجد في سنّة رسول الله ، ولا في كتاب الله »؟ قال : أجتهد رأيي ، قال : فضرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صدره ، وقال : «الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يرضاه رسول الله »(٢) .

وتقريبه : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أقرّ الاجتهاد بالرأي في طول النصّ ، بإقراره لاجتهاد معاذ ، وهو شامل بإطلاقه للقياس.

ويردّ على الاستدلال بالرواية :

١ ـ إنّها ضعيفة بجهالة الحارث بن عمرو ، حيث نصّوا على أنّه مجهول ، وبإغفال راويها لذكر من أخذ عنهم الحديث من الناس من أصحاب معاذ.

٢ ـ إنّ هذا الحديث غير وافي الدلالة على ما سيق لإثباته ، وذلك :

أ ـ إنّ إقرار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمعاذ ربما كان لخصوصية يعرفها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه ، تبعده عن الوقوع في الخطأ ، ومجانبة الواقع ، وإلاّ لما خوّله هذا التخويل المطلق في استعمال الرأي.

__________________

١ ـ إرشاد الفحول ٢ / ١٢٨.

٢ ـ مسند أحمد ٥ / ٢٣٠ و ٢٣٦ و ٢٤٢ ، سنن الدارمي ١ / ٦٠ ، الجامع الكبير ٢ / ٣٩٤ ، السنن الكبرى للبيهقي ١٠ / ١١٤ ، مسند أبي داود : ٧٦.

٧٨

ب ـ إنّ هذا الحديث وارد في خصوص باب القضاء ، وربما اختصّ باب القضاء بأحكام لا تسري إلى عالم الإفتاء.

ج ـ إنّ هذا الحديث معارض بما دلّ على الردع عن إعمال الرأي ، ولا أقلّ من تخصيصه بخروج الآراء الفاسدة جمعاً بين هذه الأدلّة.

ثانيهما : ما ورد من الأحاديث المشعر بعضها باستعمال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للقياس ، وبما أنّ عمله حجّة باعتباره سنّة واجبة الإتباع ، فإنّ هذه الطائفة من الأحاديث دالّة على حجّية القياس.

والأحاديث التي ذكروها كثيرة :

منها : حديث الجارية الخثعمية أنّها قالت : يا رسول الله ، إنّ أبي أدركته فريضة الحجّ شيخاً زمناً لا يستطيع أن يحجّ ، إن حججت عنه أينفعه ذلك؟ فقال لها : «أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته ، أكان ينفعه ذلك »؟ قالت : نعم ، قال : «فدين الله أحقّ بالقضاء ».

ووجه الاحتجاج به كما قرّبه الآمدي : إنّه ألحق دين الله بدين الآدمي في وجوب القضاء ونفعه ، وهو عين القياس.

ومنها : الحديث الذي جاء فيه : إنّه قال لأُمّ سلمة ، وقد سئلت عن قُبلة الصائم : هل أخبرته أنّي أُقبّل وأنا صائم ، وإنّما ذكر ذلك فيما يقول الآمدي تنبيهاً على قياس غيره عليه.

ومنها : قوله لما سئل عن بيع الرطب بالتمر : أينقص الرطب إذا يبس؟ فقالوا : نعم ، فقال : «فلا إذن »(١) .

والجواب على هذه الأحاديث :

١ ـ إنّ هذه الأحاديث لو كانت واردة في مقام جعل الحجّية للقياس ، فغاية ما يستفاد منها ، جعل الحجّية لمثل أقيستهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ممّا كان معلوم العلّة لديه ، كما هو مقتضى ما تلزم به رسالته ، من كونه لا يعدو في تشريعاته ما أمر بتبليغه من الأحكام.

__________________

١ ـ الإحكام في أُصول الأحكام للآمدي ٤ / ٣٤.

٧٩

ومثل هذا العلم بالحكم لا يتوفّر إلاّ عند العلم بالعلّة في الفرع ، على أنّ نسبة ما يصدر منه للقياس موقوف على إمكان صدور الاجتهاد منه ، أمّا إذا نفينا ذلك عنه ، وقصرنا جميع تصرّفاته على خصوص ما يتلقّاه من الوحي( إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (١) ، فتشبيه قياساتنا بقياساته ، وإثبات الحجّية لها على هذا الأساس قياس مع الفارق الكبير ، وقد أشار عمر بن الخطّاب إلى هذا الفارق في بعض خطبه ، بقوله : يا أيّها الناس ، إنّ الرأي إنّما كان من رسول الله مصيباً ، لأنّ الله كان يريه ، وإنّما هو منّا الرأي والتكلّف(٢) .

ومع هذا الفارق ، كيف يمكن لنا أن نسري الحكم إلى قياساتنا المظنونة ، أليست صحّة هذه التسرية إليها مبنية على ضرب من القياس المظنون ، وهو موضع الخلاف!

٢ ـ إنّ هذه الأنواع من الأحاديث ليست من القياس في شيء ، فرواية الخثعمية واردة في تحقيق المناط من قسمة الأوّل ، أي تطبيق الكبرى على صغراها.

فالكبرى ـ وهي مطوية ـ : « كُلّ دين يقضى » هي في واقعها أعمّ من ديون الله وديون الآدميين ، وقد طبّقها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على دين الله لأبيها ، فحكم بلزوم القضاء ، وأين هذا من القياس المصطلح؟ على أنّا لو سلّمنا أنّه منه ، فهو من قبيل قياس الأولوية بقرينة قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «فدين الله أحقّ » أي أولى بالقضاء ، وهو ليس من القياس.

وما يقال عن رواية الخثعمية ، يقال عن الرواية الثالثة حيث نقّحصلى‌الله‌عليه‌وآله بسؤاله صغرى لكبرى كُلّية ، وهي كُلّما ينقص لا يجوز بيعه.

ولسان الرواية الثانية يأبى نسبة مضمونها إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو أسمى من أن يشهر بشيء يعود إلى شؤونه وعوالمه الخاصّة مع نسائه.

__________________

١ ـ النجم : ٤.

٢ ـ الإحكام في أُصول الأحكام لابن حزم ٦ / ٧٧٩.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : يا رسول الله إن لقيت كافراً فاقتتلنا ، فضرب يدي بالسيف فقطعها ، ثمّ لاذ بشجرة وقال : أسلمت لله ، أأقتله بعد أن قالها؟

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا تقتله » ، قال : يا رسول الله ، فإنّه طرح إحدى يدي ، ثمّ قال ذلك بعدما قطعها أأقتله؟ قال : «لا تقتله ، فإن قتلته فإنّه بمنزلتك قبل أن تقتله ، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال »(١) .

لمّا خاطب ذو الخويصرة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : اتق الله قال خالد بن الوليد : يا رسول الله! ألا أضرب عنقه؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا ، لعلّه أن يكون يصلّي » ، فقال خالد : كم مصلّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ، ولا أشقّ بطونهم »(٢) .

وفي هذه الأحاديث نجد الدلالة واضحة في النهي عن تكفير أهل القبلة ، وأهل الشهادتين كذلك ، والنهي عن رمي الناس بالكفر أو الشرك لأدنى ذنب أو خلاف.

ومن أقوال العلماء في النهي عن تكفير أهل القبلة والناطقين بالشهادتين ، قال ابن حزم عندما تكلّم فيمن يكفّر ولا يكفّر : « وذهبت طائفة إلى أنّه لا يكفّر ولا يفسّق مسلم بقول قاله في اعتقاد أو فتيا ، وإنّ كُلّ من اجتهد في شيء من ذلك فدان بما رأى أنّه الحقّ ، فإنّه مأجور على كُلّ حال ، إن أصاب فأجران ، وإن أخطأ فأجر واحد.

وهذا قول ابن أبي ليلى وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري وداود بن علي ، وهو قول كُلّ من عرفنا له قولاً في هذه المسألة من الصحابة ، لا نعلم منهم في ذلك خلافاً أصلاً »(٣) .

وعن أحمد بن زاهر السرخسي ـ أجلّ أصحاب الشيخ أبي الحسن الأشعري ـ قال : « لمّا حضرت الشيخ أبا الحسن الأشعري الوفاة في داري ببغداد قال لي :

__________________

١ ـ المصدر السابق ٨ / ٣٥.

٢ ـ المصدر السابق ٥ / ١١١.

٣ ـ الفصل بين الملل والأهواء والنحل ٣ / ٢٤٧.

٥٠١

أجمع أصحابي ، فجمعتهم ، فقال لنا : أشهدوا على أنّي لا أقول بتكفير أحد من عوام أهل القبلة ، لأنّي رأيتهم كُلّهم يشيرون إلى معبود واحد ، والإسلام يشملهم ويعمّهم »(١) .

وقال القاضي الإيجي : « جمهور المتكلّمين والفقهاء على أنّه لا يكفّر أحد من أهل القبلة »(٢) .

وقال المنّاوي : « فمخالف الحقّ من أهل القبلة ليس بكافر ، ما لم يخالف ما هو من ضروريات الدين ، كحدوث العالم وحشر الأجساد »(٣) .

بل إنّنا نجد أنّه قد جاء عن ابن تيمية ما هذا لفظه : « جميع أُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله موحّدون ، ولا يخلّد في النار من أهل التوحيد أحد »(٤) .

ولا تظنّ أنّ ابن تيمية يريد بأهل التوحيد أمراً غامضاً معقّداً أكثر ممّا هو وارد في الروايات الواردة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله السالفة الذكر ، من النطق بالشهادتين والإتيان بالفرائض وعدم جحدها.

وقال الإمام الشافعي : « فأعلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن فرض الله أن يقاتلهم حتّى يظهروا أن لا إله إلاّ الله ، فإذا فعلوا منعوا دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها »(٥) .

وقال القاضي عياض : « اختصاص عصم النفس والمال بمن قال : لا إله إلاّ الله ، تعبير عن الإجابة إلى الإيمان ، أو أنّ المراد بهذا مشركو العرب وأهل الأوثان ومن لا يوحّد ، وهم كانوا أوّل من دعي إلى الإسلام وقوتل عليه ، فأمّا غيرهم ممّن يقرّ بالتوحيد ، فلا يكتفي في عصمته بقوله لا إله إلاّ الله ، إذا كان يقولها في كفره وهي من اعتقاده ، ولذلك جاء في الحديث الآخر : وأنّي رسول الله ، ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة »(٦) .

__________________

١ ـ اليواقيت والجواهر : ٥٠.

٢ ـ المواقف في علم الكلام ٣ / ٥٦٠.

٣ ـ فيض القدير ٥ / ١٢.

٤ ـ مجموع الفتاوى ١١ / ٤٨٧.

٥ ـ الأُم ٧ / ٣١١.

٦ ـ بحار الأنوار ٦٥ / ٢٤٣.

٥٠٢

وبعد هذا لم نجد عند الوهّابيين ما ينهضون به لتكفير المسلمين ، ومنهم أتباع أهل البيتعليهم‌السلام من دليل راجح ، سوى شبهات احتطبوها هنا وهناك من قشور فهم سقيم للشريعة المقدّسة ، فانكبّوا على المسلمين يكفّرونهم لمجرّد التوسّل بالأولياء ، أو لمجرّد زيارة قبورهم ، أو الدعاء عند أضرحتهم الشريفة ، وأمثال هذه الأُمور التي بيّن موارد جوازها علماء المسلمين من جميع المذاهب الإسلامية ـ عدا المخالفين في ذلك لأدلّة الجواز الواردة في القرآن والسنّة كالوهّابيين مثلاً ـ بما لا مزيد عليه.

٥٠٣
٥٠٤

يزيد بن معاوية :

( أُم زهراء ـ السعودية ـ )

مخلّد في النار لقتله أهل البيت :

س : ما حكم من يعتقد بأنّ يزيد قد يستحقّ العفو والرحمة يوم القيامة؟

ج : نعتقد أنّ صاحب هذا القول مبتدع ، لأنّه خلاف النصوص الواردة ، فقد ورد بالتخليد في جهنّم لمن يرتكب قتل إنسان مؤمن عادي ، فكيف بمن يرتكب قتل سيّد الشهداءعليه‌السلام .

بالإضافة إلى النصوص الخاصّة لمن يقتل أهل البيتعليهم‌السلام ، وأن قتلتهم مخلّدون في النار ، ولا تشملهم الشفاعة ، ولا تدركهم الرحمة ، وأنّ من مات مبغضاً لآل محمّد جاء يوم القيامة آيس من رحمة الله ، إلى آخره من النصوص العديدة ، والقول باحتمال شمول العفو والرحمة لمثل هؤلاء ابتداع في الدين.

( ـ ـ )

مصادر سنّية تكفّره وتجوّز لعنه :

س : أرجو التكرّم بتزويدي بمصادر من أهل السنّة عن سيرة يزيد ، والمصادر التي تجيز لعنه لديهم.

ج : قد أفتى كُلّ من سبط بن الجوزي ، والقاضي أبو يعلى ، والتفتازاني ، والسيوطي ، وغيرهم من أعلام السنّة القدامى ، بكفر يزيد وجواز لعنه.

٥٠٥

قال اليافعي : « وأمّا حكم من قتل الحسين أو أمر بقتله ممّن استحلّ ذلك ، فهو كافر »(١) .

وقال التفتازاني في شرح العقائد النسفية : « والحقّ إنّ رضا يزيد بقتل الحسين ، واستبشاره بذلك ، وإهانته أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا تواتر معناه لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه »(٢) .

وقال الذهبي : « كان ناصبياً فظّاً غليظاً ، يتناول المسكر ويفعل المنكر ، افتتح دولته بقتل الحسين ، وختمها بوقعة الحرّة ، فمقته الناس »(٣) .

وقالوا : « إنّه كان مع ذلك إماماً فاسقاً »(٤) .

وقال المسعودي : « ولمّا شمل الناس جور يزيد وعمّاله ، وعمّهم ظلمه وما ظهر من فسقه : من قتله ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنصاره ، وما أظهر من شرب الخمور ، وسيره سيرة فرعون ، بل كان فرعون أعدل منه في رعيّته ، وأنصف منه لخاصّته وعامّته : أخرج أهل المدينة عامله عليهم ، وهو عثمان بن محمّد بن أبي سفيان »(٥) .

وقال عبد الله بن حنظلة الغسيل : « فو الله ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء ، إنّ رجلاً ينكح الأُمّهات والبنات والأخوات ، ويشرب الخمر ويدع الصلاة »(٦) .

وقال الذهبي : « ولما فعل يزيد بأهل ما فعل ، وقتل الحسين واخوته وآله ، وشرب يزيد الخمر ، وارتكب أشياء منكرة ، بغضه الناس ، وخرج عليه غير واحد ، ولم يبارك الله في عمره »(٧) .

__________________

١ ـ شذرات الذهب ١ / ١٢٤.

٢ ـ المصدر السابق ١ / ١٢٣.

٣ ـ نفس المصدر السابق.

٤ ـ البداية والنهاية ٨ / ٢٤٥.

٥ ـ مروج الذهب ٣ / ٦٨.

٦ ـ الطبقات الكبرى ٥ / ٦٦ ، تاريخ مدينة دمشق ٢٧ / ٤٢٩ ، تاريخ الإسلام ٥ / ٢٧ ، تاريخ الخلفاء : ٢٠٩.

٧ ـ تاريخ الإسلام ٥ / ٣٠.

٥٠٦

هذا ، وقد صنّف أبو الفرج ابن الجوزي ـ الفقيه الحنبلي الشهير ـ كتاباً في الردّ على من منع لعن يزيد واسماه : « الردّ على المتعصّب العنيد ».

( موالي ـ الكويت ـ ١٩ سنة ـ طالب )

ما ذكر من مناقبه غير صحيح :

س : أمّا بعد ، هناك بعض الروايات التي يدّعي بعض العامّة بأنّها مناقب ليزيد بن معاوية ، منها :

١ ـ أخرج البخاري عن خالد بن معدان : أنّ عمير بن الأسود العنسي حدّثه : أنّه أتى عبادة بن الصامت ـ وهو نازل في ساحل حمص وهو في بناء له ـ ومعه أُمّ حرام ، قال عمير : فحدّثتنا أُمّ حرام أنّها سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « أوّل جيش من أُمّتي يغزون البحر قد أوجبوا ».

قالت أُمّ حرام : قلت : يا رسول الله أنا فيهم؟ قال : « أنت فيهم » ، ثمّ قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أوّل جيش من أُمّتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم » ، فقلت : أنا فيهم يا رسول الله؟ قال : « لا »(١) .

٢ ـ وأخرج البخاري أيضاً ، عن محمود بن الربيع في قصّة عتبان بن مالك ، قال محمود : فحدّثتها قوماً فيهم أبو أيوب صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوته التي توفّي فيها ، ويزيد بن معاوية عليهم ـ أي أميرهم ـ بأرض الروم(٢) .

٣ ـ قدم ابن عباس وافداً على معاوية ، أمر معاوية ابنه يزيد أن يأتيه ـ أي أن يأتي ابن عباس ـ فأتاه في منزله ، فرحّب به ابن عباس وحدّثه ، فلمّا نهض يزيد من عنده قال ابن عبا السؤال : إذا ذهب بنو حرب ذهب علماء الناس(٣) .

فما رأي سماحتكم في هذه الأحاديث؟

ج : في مقام الجواب ننبّهك إلى عدّة نقاط :

__________________

١ ـ صحيح البخاري ٣ / ٢٣٢.

٢ ـ المصدر السابق ٢ / ٥٦.

٣ ـ البداية والنهاية ٨ / ٢٥١.

٥٠٧

١ ـ إنّ استشهاد الشيعة بمصادر أهل السنّة ليس من باب القول بحجّيتها ، وإنّما من باب الإلزام : «الزموهم بما الزموا به أنفسهم » ، والشيعة وعلى مرّ العصور لم تعتبر صحاح ومسانيد أهل السنّة حجّة عليهم ، لأنّها قد ورد القدح في طرقها وفي مؤلّفيها ، فهي غير سليمة من ناحية الأسانيد ، لذلك لا تكون حجّة ، وإنّما يبحث فيها الشيعة من باب الإلزام.

فإذا استدلّ أهل السنّة بحديث أو أحاديث من صحاحهم أو مسانيدهم ، حاول علماء الشيعة في نقضه الاعتماد على نفس مصادرهم في الجرح والتعديل ، ليكون الزم في الحجّة ، فلو فرضنا أنّ حديثاً ما عندهم لم نتمكّن من إبطاله على مصادرهم ، فهو لا يكون حجّة علينا.

٢ ـ إنّ الأيادي الأثيمة التي حرّفت التاريخ وكانت مستأجرة من قبل السلطان ، أدّت إلى أن لا يصل التاريخ والحوادث المهمّة فيه بصورة نقية ، فأكثر التاريخ الذي رواه أهل السنّة متّهم ، لا يمكن الاعتماد عليه ، يحتاج إلى بحث عميق ، وملاحظة سائر القرائن للتثبّت من الأحداث.

٣ ـ بالنسبة إلى الحديث الأوّل والثاني ، نشاهد بوضوح بأنّه ليس من المتسالم عليه في كتب القوم أنّ يزيد قاد أوّل جيش غزا مدينة قيصر ، حيث ذكر ابن خلدون في تاريخه : « بعث معاوية سنة خمسين جيشاً كثيفاً إلى بلاد الروم مع سفيان بن عوف ، وندب يزيد ابنه ، فتثاقل فتركه ، ثمّ بلغ الناس أنّ الغزاة أصابهم جوع ومرض ، وبلغ معاوية أن يزيد أنشد في ذلك »(١) .

وكذلك نُقل عن ابن التين وابن المنير نفيهما حضور يزيد في تلك الغزوة ، وذهب إلى النفي غيرهم من المؤرّخين.

٤ ـ ذهب ابن التين وابن المنير ـ كما عنهما في فتح الباري ـ أنّ يزيد على فرض وجوده في الجيش ، فإنّ المراد بالمغفرة لمن وجد شرط المغفرة ، قالا : أنّه لا يلزم من دخوله في ذلك العموم أن لا يخرج بدليل خاصّ ، إذ لا يختلف أهل العلم أنّ

__________________

١ ـ تاريخ ابن خلدون ٣ / ٩.

٥٠٨

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «مغفور لهم » ، مشروط بأن يكونوا من أهل المغفرة حتّى لو ارتدّ واحد ، ممّن غزاها بعد ذلك لم يدخل في ذلك العموم اتفاقاً ، فدلّ على أنّ المراد : مغفور لمن وجد شرط المغفرة فيه منهم(١) .

٥ ـ الرواية الثالثة ضعيفة غير متصلة السند ، فهي مرفوعة ، وأغلب الظنّ كونها أيضاً من وضع أُولئك الذين تلاعبوا في التاريخ ليغيّروا الحقائق.

٦ ـ وأخيراً : فإنّ كُلّ هذا معارض بما روي في ذمّ يزيد ، وكونه خارج عن الجادّة المستقيمة ، ومجموع ما روي في ذمّ يزيد يعطينا اطمئناناً بصدور هذا الذمّ في حقّه ، وهنا نشير إلى بعض ما روي من ذلك ، موكلين التفصيل فيه إلى مراجعة الكتب المؤلّفة في ذلك الموضوع :

عن عبد الله بن جعفر : وكان فيه أيضاً إقبال على الشهوات ، وترك بعض الصلوات في بعض الأوقات ، وإماتتها في غالب الأوقات.

وقد قال الإمام أحمد : حدّثنا أبو عبد الرحمن ، ثنا حيوة ، حدّثني بشير بن أبي عمرو الخولاني : أنّ الوليد بن قيس حدّثه أنّه سمع أبا سعيد الخدري يقول : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «يكون خلف من بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة ، واتبعوا الشهوات ، فسوف يلقون غياً ، ثمّ يكون خلف يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، ويقرأ القرآن ثلاثة : مؤمن ومنافق وفاجر »

وقال الحافظ أبو يعلى : حدّثنا زهير بن حرب ، ثنا الفضل بن دكين ، ثنا كامل أبو العلاء : سمعت أبا صالح ، سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «تعوّذوا بالله من سنة سبعين ، ومن إمارة الصبيان ».

وروى الزبير بن بكار ، عن عبد الرحمن بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أنّه قال في يزيد بن معاوية :

لست منّا وليس خالك منّا

يا مضيع الصلوات للشهوات

__________________

١ ـ فتح الباري ٦ / ٧٤.

٥٠٩

وقال الحافظ أبو يعلى : حدّثنا الحكم بن موسى ، ثنا يحيى بن حمزة ، عن هشام بن الغاز ، عن مكحول ، عن أبي عبيدة : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لا يزال أمر أُمّتي قائماً بالقسط ، حتّى يثلمه رجل من بني أُمية يقال له يزيد »

وقد رواه ابن عساكر من طريق صدقة بن عبد الله الدمشقي ، عن هشام بن الغاز ، عن مكحول ، عن أبي ثعلبة الخشني ، عن أبي عبيدة ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لا يزال أمر هذه الأُمّة قائماً بالقسط ، حتّى يكون أوّل من يثلمه رجل من بني أُمية يقال له يزيد »

وقال أبو يعلى : حدّثنا عثمان بن أبي شيبة ، ثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن عوف ، عن خالد بن أبي المهاجر ، عن أبي العالية قال : كنّا مع أبي ذر بالشام ، فقال أبو ذر : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «أوّل من يغيّر سنّتي رجل من بني أُمية ».

ورواه ابن خزيمة عن بندار ، عن عبد الوهّاب بن عبد المجيد ، عن عوف : حدّثنا مهاجر بن أبي مخلّد ، حدّثني أبو العالية ، حدّثني أبو مسلم ، عن أبي ذر فذكر نحوه

وكذا رواه البخاري في التاريخ ، وأبو يعلى عن محمّد بن المثنّى ، عن عبد الوهّاب ، وقد أورد ابن عساكر أحاديث في ذمّ يزيد بن معاوية(١) .

وكذا أورد غيره ، وهي بمجموعها تبعث الاطمئنان على صدور الذمّ من الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّ يزيد ، وأنّه على غير الصراط المستقيم.

وذكر ابن كثير عن عرقدة بن المستظل قال : « سمعت عمر بن الخطّاب يقول : قد علمت وربّ الكعبة متى تهلك العرب ، إذا ساسهم من لم يدرك الجاهلية ، ولم يكن له قدم في الإسلام.

قلت : يزيد بن معاوية أكثر ما نقم عليه في عمله شرب الخمر ، وإتيان بعض الفواحش ، فأمّا قتل الحسين فإنّه كما قال جدّه أبو سفيان يوم أُحد لم يأمر بذلك ولم يسؤه

__________________

١ ـ البداية والنهاية ٨ / ٢٥٢.

٥١٠

وقيل : إنّ يزيد فرح بقتل الحسين أوّل ما بلغه ، ثمّ ندم على ذلك ، فقال أبو عبيدة معمر بن المثنّى : إنّ يونس بن حبيب الجرمي حدّثه قال : لمّا قتل ابن زياد الحسين ومن معه بعث برؤوسهم إلى يزيد ، فسرّ بقتله أوّلاً ، وحسنت بذلك منزلة ابن زياد عنده ، ثمّ لم يلبث إلاّ قليلاً حتّى ندم »(١) !

وهذا من ابن كثير ليس ببعيد ، فإنّه معروف عنه من دفاعه عن النواصب ومحاولاته لخلق التبريرات لقبائحهم ، وليس العجيب من ابن كثير محاولاته لإيجاد التبريرات ليزيد ، وإنّما العجيب قبوله شرب الخمر ليزيد ، وأنّه فرح بقتل الحسين في البداية.

هذا ، وإنّ من أشدّ قبائح يزيد بعد قتله للحسينعليه‌السلام ما فعله من إباحة المدينة ثلاثة أيّام ، وما جرى في تلك الواقعة ، حتّى اضطر ابن كثير إلى الاعتراف ببعض هذه القبائح فقال : ولكن تجاوز الحدّ بإباحة المدينة ثلاثة أيّام ، فوقع بسبب ذلك شر عظيم كما قدّمنا(٢) .

__________________

١ ـ المصدر السابق ٨ / ٢٥٤.

٢ ـ المصدر السابق ٨ / ٢٥٥.

٥١١
٥١٢

الأسئلة المتفرّقة :

( هاني ـ الكويت ـ )

عيد النيروز والغسل فيه :

س : لماذا تعظّمون عيد النيروز؟ وما هي الأدلّة على أنّ الغُسل في ذلك اليوم سنّة مؤكّدة؟

ج : إنّ عيد النيروز هو بإجماع المسلمين ليس من الأعياد التأسيسية التي جاء بها الإسلام ، وكُلّ من قال به فقد قال أنّه عيد تقريري ، أي أنّه قد كان شرّع في الأُمم والشرائع الأُخرى ، والإسلام لم يخالف ذلك بل قرّره ، لما فيه من ميّزات تعبّدية ، فشرّع فيه الغسل والدعاء والصلاة ، وبعض الأذكار الربّانية ، على أنّه لا يخفى عليك أنّ خلفاء أهل السنّة العباسيين كانوا يحتفلون فيه ويعدّونه عيداً ، يوزّعون فيه الهدايا والأموال.

وعليه ، فهذا العيد لم يختصّ بطائفة أو مذهب ، وبما أنّ الشريعة الإسلامية لم تخالف ذلك فنحن نقبله ، لا على أنّه شريعة ودين أتى به الإسلام ، بل على أنّه عيد فيه العبادة والخضوع ، والتوجّه إلى الله تعالى ، والتواصل بين المؤمنين ، وزيارة الأحبّة والأقرباء ، وخصوصاً كبار العائلة ـ من جدّ وأب وأُمّ و ـ وفيه صارت بعض البشارات للأنبياء والرسل والصالحين.

٥١٣

( العرادي ـ البحرين ـ )

الفتوحات الإسلامية :

س : أمّا بعد ، يذهب المسلمون عموماً إلى أنّ الإسلام لم ينتشر بالسيف ، وأنّه( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّين ) (١) ، فمن شاء أن يسلم فله إسلامه ، ومن أبى فعليه ذنبه.

ولكن ما هو تفسير الفتوحات الإسلامية في عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ ومن بعده الخلفاء؟ فمنها ما كان بالسيف ، وأنّه من يؤمن ويدخل بالإسلام فقد نجى ، ومن يأبى فقد كفر ، أُريد جواب واضح عن ذلك ، وجزاكم الله خيراً.

ج : فلم يثبت أنّ الجيش الإسلامي بأمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قد هاجم مدينةً آمنةً ، أو مجتمعاً آمناً مسالماً بدون مبرّر ، بل التحديد يثبت أنّ كُلّ حرب من الحروب ، أو فتح من تلك الفتوحات كان لسبب مبرّر للقتال ، من قبيل قتل دعاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث كانوا يذهبون لنشر الدعوة الإسلامية في بعض البلدان فيتعرّضون للقتل ، أو من قبيل اضطهاد طغاة تلك البلدان المسلمين في تلك البلدان ، هذا بالنسبة إلى المجتمعات الكافرة.

وأمّا المجتمعات غير الكافرة المسالمة ، التي لم تعلن الحرب على المسلمين ، ولا على الدولة الإسلامية ، ولا على دعاة الإسلام ، ولم تشكّل خطراً على الإسلام والمسلمين( لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ ) (٢) فمثل هذا الصنف الكافر المسالم لم يثبت أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله شنّ عليهم الحرب.

كلامنا في تلك الفتوحات التي جرت على زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي في الواقع بعنوان فتوحات قليلة ، مثلاً من بينها فتح مكّة ، والبقية كانت على شكل حروب دفاعية يتصدّى فيها الجيش الإسلامي للكفّار المعتدين ، كما اعتدى

__________________

١ ـ البقرة : ٢٥٦.

٢ ـ الممتحنة : ٨.

٥١٤

الكافرون في أُحد ، وجمّعوا قواهم وأحزابهم في واقعة الخندق ، وهكذا بقية الحروب ، فالفتح لم يكن في زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ قليلاً كفتح مكّة.

أمّا الفتوحات في زمن الخلفاء ، إن ثبت خروج بعض تلك الحروب عن الضوابط ، فذلك ممّا يتحمّل حاكم الوقت آنذاك مسؤوليته ، إذا كان غير المعصوم.

أمّا الإمام المعصومعليه‌السلام فنقطع أنّه كان يسير بحسب الضوابط العسكرية الفقهية في هذا المجال ، كما في عهد الإمام عليعليه‌السلام ، وأشهر قليلة في عهد الإمام الحسنعليه‌السلام .

وأمّا ما عدا ذلك من الحكومات التي لم يكن الحاكم بها المعصومعليه‌السلام ، فإن كانت منطبقة على الضوابط فهي تمثّل الإسلام وإلاّ فلا.

ثمّ بالنسبة إلى الفتوحات فيها كلام ، في أنّ بعض الفتوحات لم تكن على الضوابط ، وإنّما كانت حركة توسّعية لا مبرّر لها ، وبهذا لا يمكننا أن نحمل كُلّ تصرّفات الأمويين أو العباسيين ـ بل وحتّى الخلفاء الثلاثة ـ على الإسلام ، وندّعي أنّها تمثّل خطّ الإسلام الأصيل.

وبالنسبة إلى ما حدث للإمام عليعليه‌السلام ، وأن كان قليلاً لكنّا نجزم أنّه كان مطابقاً للضوابط الإسلامية ، كما وأن أكثر الفتوحات كذلك.

( أُمّ يحيى ـ السعودية ـ )

من البرامج الروحية التزكية والتحلية :

س : ما هي أهمّ البرامج الروحية التي يجب على السالك إلى الله انتهاجها؟

ج : من أهمّ الأُمور التي ينبغي على المؤمن أن يأتي بها هي التزكية والتحلية.

فالتزكية تحصل بالامتناع عن مجموعة من الأُمور التي تجرّ الإنسان إلى الأُمور المادّية الدنيوية ، وتبعده عن التقرّب إلى الله تعالى.

٥١٥

والتحلية تحصل بإتيان مجموعة من الأُمور العبادية التي تقرّب الإنسان إلى الله تعالى ، من قبيل الصلاة ، فإنّها قربان كُلّ تقي ، وقربان كُلّ مؤمن ـ كما ورد في الروايات ـ وخصوصاً إتيانها في أوّل وقتها ، بالإضافة إلى صلاة الليل ، فإنّ لها آثار كبيرة وعظيمة على الإنسان.

ومن قبيل الصوم ، فإنّه زكاة لكم ـ كما ورد في الحديث ـ ففيه أيضاً آثار جليلة للإنسان ، وغير هذه الأُمور التي نصّ الشارع المقدّس عليها ، ويجب إتباع الشارع فيها ، وعدم تجاوزها إلى أعمال من قبيل الصوفية وأمثالها.

( محمّد ـ السعودية ـ ١٦ سنة ـ طالب ثانوية )

جاء الإسلام بالعدالة لا بالمساواة :

س : الإسلام جاء بالمساواة بين الناس ، ولكن نرى في حكم القصاص إذا قتل الحرُّ عبداً ، فإنّ الحرّ لا يُقتل ، بينما إذا قتل العبدُ الحرَّ فإنّه يُقتل ، نرجو التوضيح.

ج : إنّ الإسلام لم يأت بالمساواة بين الناس ، وإنّما جاء الإسلام بالعدالة بين الناس ، وفرق بين العدالة والمساواة ، فتارة تتحقّق العدالة ولا مساواة ، وبعبارة أُخرى : يكون تحقّق العدالة بعدم المساواة ، ومورد سؤالكم من هذا القبيل.

( محمّد ـ السعودية ـ ١٦ سنة ـ طالب ثانوية )

أعمال الكفّار لا تُقبل :

س : هل أعمال الكفّار تُقبل؟

ج : قد قرّر علماؤنا : أنّ أعمال الكفّار لا تُقبل ، لأنّ قبولها مشروط بالإيمان ، إذاً ما لم يؤمن الإنسان فلا قيمة لأعماله عند الله تعالى.

٥١٦

( حفيظ بلخيرية ـ تونس ـ ٤٠ سنة )

تشكّل الجنّ بشكل الإنسان :

س : جاء في حديثكم : وأنّ الجنّ يتشكّل بشكل الإنسان ، فكيف يمكن أن نأمن على أموالنا وأنفسنا ونسائنا و مع العلم أنّ الآية الكريمة تقول :( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ ) (١) .

لي سؤال آخر في موضوع الجنّ وهو : جاء في قوله تعالى :( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرض ) (٢) مع العلم أنّ الجنّ يسبح كما يريد في الفضاء ، إلاّ أماكن استراق السمع ، فلماذا جمعتهم الآية مع الإنس؟

ج : إنّ ما ذكر : من أنّ الجنّ يتشكّل بشكل الإنسان ليس على عمومه ، بل في موارد خاصّة ، فلا يكون خارجاً عن الإرادة والتخطيط الإلهي ، وعليه فلا يشكّل خطراً على حياة الإنسان بدون نزول أوامر السماء ، حيث يقول جل وعلا :( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ) (٣) .

وأمّا آية( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُه ) فلا تنفي إمكانية تشكّل الجنّ بأنواع الصور ، بل تبيّن سعة نظره التي هي من مقوّمات وجوده ، إذ هو يرى الإنسان ، ولا يراه الإنسان في الحالات العادية.

وأمّا آية( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ ) فتبيّن لنا أهمّية تحصيل العلم في سبيل الإشراف ، وسعة الإطلاع على الآيات التكوينية المخلوقة في عالم الوجود ، هذا من جانب.

ومن جانب آخر ، تنفي عدم انخرام السماوات في وجه الإنس والجنّ ـ كما كان يعتقده أصحاب الفلسفة اليونانية ـ بل تصرّح بإمكانية التوغّل والنفوذ إلى أبعد حدٍ في عالم المادّة ، بشرط الاستعانة بالعقل والعلم.

__________________

١ ـ الأعراف : ٢٧.

٢ ـ الرحمن : ٣٣.

٣ ـ الانفطار : ١٠.

٥١٧

ثمّ من المعلوم ، أنّ الجنّ ـ وبحسب كيفية خلقهم ـ يمكن لهم التردّد في الفضاء في حدودٍ معيّنة ، وهذا لا يزيد في شأنهم ، إذ لا دور لهم في تحديد هذه الإمكانية ، ولا في أصل وجودها ، بل أنّهم خلقوا هكذا.

وممّا ذكرنا يظهر أنّهم أيضاً ـ كالإنس ـ مخاطبون بهذه الآية إلى توسيع دائرة علومهم في معرفة الكون ، بمعونة تحصيل الأسباب والمقدّمات العلمية.

( حسن البحراني ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالب )

معنى آية الله :

س : هناك أُناس جهّال ، عندما يسمعون كلمة « آية الله » يسخرون منها ، ويقولون : بأن لا يصحّ هذا القول إلاّ للقرآن فقط ، وإنّما أناس مثلنا لا نقول لهم هذه الكلمة.

ج : إنّ معنى الآية في اللغة : العلامة ، وآية الرجل بمعنى شخصه ، لذا تسمّى آيات القرآن آية ، لأنّها علامة لانقطاع الكلام ، وتأتي أيضاً بمعنى العبرة ، قال تعالى :( لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ ) (١) ، أي أُمور وعبر مختلفة.

وإذا استقصيت آيات القرآن الكريم لوجدت أنّ معنى الآية هي العلامة والعبرة ، والحجّة والدليل والبرهان إلى غير ذلك من المترادفات.

قال تعالى :( سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ) (٢) ، وقال تعالى :( أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ) (٣) ، وقال تعالى :( وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا ) (٤) ، وقال تعالى :( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ) (٥) ، إلى آخر الآيات الكريمة التي تعطي مجتمعة بمعنى الحجّية ، أي لو ضممنا

__________________

١ ـ يوسف : ٧.

٢ ـ البقرة : ٢١١.

٣ ـ آل عمران : ٤٩.

٤ ـ الأنعام : ٢٥.

٥ ـ هود : ١٠٣.

٥١٨

جميع المعاني إلى بعضها ، لكان المعنى المستحصل من الآية بمعنى الحجّة والحجّية التي يحتجّ بها الله تعالى على عباده ، سواء كان مصداق الحجّية نبيّاً من الأنبياء ، أو كان كافراً من الكافرين.

فعلى الأوّل كما في قوله تعالى :( وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ) (١) ، وعلى الثاني كما في قوله تعالى واصفاً مآل فرعون ومصيره :( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ) (٢) ، فكلا المصداقين يكونان في مقام الحجّية التي يحتجّ الله بها على عباده ، إلاّ أنّ مقام المصداقين متغايران ، فأحدهما مصداق الطاعة ـ كما في مريم وابنها ـ والآخر مصداق المعصية ـ كما في فرعون وقومه ـ وكذلك إذاً تتعدد أغراض الآية ، فكُلّ بحسبه.

وهكذا دأبت الإمامية في أدبياتها المرجعية أن تطلق على كُلّ من يكون حجّة بينها وبين الله تعالى في أخذ الأحكام بكونه آية ـ أي دليلاً ومرجعاً للناس في أخذ الأحكام الإلهية ـ ونسبة الآية إلى الله تعالى ، بمعنى حجّة الله على عباده ، كي يحتجّ بها عليهم في التبليغ والإرشاد.

فهل من مانع لغوي أو اصطلاحي يدفع بهؤلاء أن يستغربوا من المصطلح؟ أو يؤدّي بهم إلى الاستهزاء كما عبّرتم؟ وهذا لعلّه جهلاً منهم بمنشأ الاصطلاح وسببه ، والناس أعداء ما جهلوا.

( خليفة ـ ـ )

مفهوم نحوسة الأيّام :

س : ما هو تعريف النحوسة؟ وما هي مسبّباتها؟ وهل توجد روايات صحيحة السند مروية عن الرسول وأهل بيته عليهم‌السلام ؟ شاكرين لكم جهودكم رعاكم الله.

__________________

١ ـ المؤمنون : ٥٠.

٢ ـ يونس : ٩٢.

٥١٩

ج : إنّ النحوسة قد وردت في النصوص الدينية ، ففي الكتاب قوله تعالى :( فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ ) (١) ، وقوله تعالى :( فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ ) (٢) ، وأما في الروايات فكثير ، يمكنك لمشاهدتها مراجعة كتاب بحار الأنوار ، الجزء التاسع والخمسين ، أبواب التعويذات من الأدعية ، وعليه ، فلا مجال لإنكارها ، إلاّ ما دلّ عليه دليل عقلي أو نقلي صحيح.

وأمّا مفهوم نحوسة الأيّام ، فهو ليس بمعنى شؤم اليوم نفسه ، بل هو إشارة إلى الظرف الزماني الذي لا يناسب العمل الكذائي ، وهذا لا بُعد فيه ، بل قد يؤيّده العقل والنقل.

وتوضيحه : أنّ ظروف الحياة البشرية وجميع مستلزماتها وملابساتها لم تكن معلومةً في جميع أبعادها ، فكُلّ جزءٍ منها يرتبط بملايين العوامل المؤثّرة والمنفعلة في الكون ، والتشريعات والأديان السماوية بما أنّها تمتدّ جذورها إلى مبدأ الخلق والتكوين ، فإنّها تنظر بعين الحقيقة إلى كافّة الظروف والشرائط الزمانية والمكانية في حياة الإنسان ، لتحسين وضعه ، وتجنّبه المساوئ والسلبيّات ، فترى مثلاً : أنّ العمل الفلاني في مقطع خاصّ من الزمان ، قد يؤدّي إلى إرهاقه وعرقلة سيره في حياته نحو الأفضل ، وهذه هي عبارة أُخرى عن نحوسة ذلك المقطع الخاصّ من الزمان ، وهكذا.

وبالجملة : فالنحوسة ـ وما يقابلها أي السعادة ـ ليست صفة للأيّام في الواقع ، بل إنّها إشعار وإشارة إلى عدم ملائمة الوقت لفعلٍ ما ، ويؤيّد ما ذكرناه أنّه قد ورد في بعض النصوص أنّ اليوم الفلاني نحس بالنسبة لفعلٍ ما ، أو شخصٍ معيّنٍ ما ، وفي نفس الوقت لم يكن نحساً لأعمال أُخرى ، أو أشخاص آخرين.

__________________

١ ـ القمر : ١٩.

٢ ـ فصّلت : ١٦.

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667