الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 14

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 14
المشاهدات: 1784
تحميل: 2765


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 14 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 1784 / تحميل: 2765
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

كتاب مقدس

أُلقي إلينا من شيخنا الأكبر آية الله سماحة الشيخ محمّد الرضا آل ياسين الكاظمي النجفي دامت أيّامه وإفاضاته وإنّه:

بسم الله الرحمن الرحيم

ألحمدُ لله الواحد الأحد، والصّلاة والسّلام على نبيِّه محمّد وآله، صلاةً لا يحصيها عدد.

كنت أتجافى عن التقريظ لِما قد يُوافي المطري من المجازفة في الثناء فيتجاوز المدح حدَّه، ويوقع صاحبه في ورطة المحاباة، لِما تحدوه إليه عين الرضا، وما يجري مجراها من عوامل المغالاة، وربَّما قصر البيان عن القدر اللازم فيكون الإنسان قد بخس حقّاً من حقوق أخيه المؤمن.

لكنِّي سبرت كتاب «الغدير» ذلك الكتاب المبين الذي لا ريب فيه هدىً للمتَّقين، فوجدت شأواً له بعيداً لا يلحقه البيان، وللقوم فيه متَّسعاً تنبو عنه جمل الإطراء، فمهما تشدَّق القائل فيه وأطنب فهو دون حقيقته، وإنَّ في السكوت عن تقريظ كتاب مثله - يرشد الجاهل، وينبِّه الغافل، ويَهدي الضالّ، ويميط عن الحقائق الدينيّة أسدال الشبه، ويوقف الباحث على جليّة الحقِّ الواضح - تثبّطاً عن نصرة الحقّ، وقعوداً عن الواجب، فتصفّحته وقرأته فامتلأت نفسي إعجاباً وإكباراً له حين ألفيت فيه تلك الضالَّة المنشودة التي كان قد استأثر بها عالم الغيب طوال هذه الحقب المتمادية فلم يخرجها إلى عالم الشهادة حتّى تبرّز بها هذا الحبر الأمين، المأمون على الدنيا و الدين، الذي جمع الله له إلى قوَّة الإيمان قوَّة العلم وقوَّة البيان فكان له من تظافر هذه القوى الثلاث قوَّة لا تثبت أمامها قوَّة، لَشدَّ ما شدَّ بها على أباطيل فصرعها، وعلى أضاليل فقمعها، وعلى مخاريق فمزَّقها وصدعها.

تلك لعمر الله موهبةٌ عظمي لا ينالها إلّا ذو حظٍّ عظيم، ومَن أجدر بهذه الموهبة من

١

هذا المجاهد الأكبر الذي وقف نفسه لمناصرة الحقِّ ومناجزة الباطل؟ فما فتى دائباً ليله ونهاره، مكدوداً في سرِّه وجهره حرصاً على العمل بواجبه، فبارك الله له وفيه كما بارك في جهوده ومساعيه، وحسبه من الكرامة على الله جلَّ شأنه أن ادَّخر له هذه المكرمة ليفيضها عليه ويجريها على يديه كما تجري المعاجز على أيدي الأنبياء. والسّلام عليه أوَّلاً وأخيراً ورحمة الله وبركاته.

الراجي

محمّد رضا آل ياسين

إنّا لله وإنّا إليه راجعون

لقد فاجأنا بعد إثبات هذا التقريظ في الطبعة الأولى القضاء الحاتم بمصيبة الدنيا والدين، والكارثة الملمّة بجامعة المسلمين، فقد هذا القائد الروحيّ العظيم من آل ياسين، شيخ العلم والفقاهة، ورجل التقوى والصّلاح، والزعيم الدينيّ الأوحد تغمّده الله برحمته، وأسبل عليه شآبيب فضله، لقد عاش رحمه الله محمود السيرة، كريم النقيبة، محفوفاً بالفضائل والفواضل، وخلف من بعده فخراً خالداً، وذكراً حميداً، وفضلاً لا يخلقه مرّ الجديدين. قدَّس الله سرّه.

٢

صحيفة بيضاء

تفضّل بها صاحب الفخامة، علّامة الوزراء، ووزير الأعلام، رئيس الوزراء الأسبق، سيِّدنا المفخّم سماحة السيِّد محمّد الصدر دامت معاليه.

سماحة العلّامة الأوحد، البحّاثة الفذّ المتتبّع، الشيخ الأمينيّ، أعزَّ الله بك المسلمين، وأدامك نصيراً للعلم والدين.

تحيّة مقدِّر لا ينفكّ ذاكراً لجهودك العلميّة ما دام حيّاً.

وبعد فقد أدهشني سِفرك، وراقني سَبرك وغَورك، فوجدتني مندفعاً لتسجيل إعجابي وإكباري لمجهودك القيِّم الخالد، الذي أينع وأزهر، وأنتج وأثمر، وآتى أُكله شهيّاً جنيّاً، ولعمري فهو نتاج عبقريّتك الفذَّة، وعصارة مواهبك الجبّارة، وخلاصة جهادك ونضالك في ميادين العلم والفضيلة، ولئن حقَّ للأُمم أن تفخر بعظمائها، وتعتزَّ بتأريخها فما أجدرك - وأنت العالم النحرير والبحّاثة المنقطع النظير - أن تشمخ بشخصيَّة الإمام المرتضى أمير المؤمنين وسيِّد الوصيِّين، تلك الشخصيَّة المثاليّة الفذّة التي أطّلت على العالم بعظمتها، فإذا العالم خاشعٌ لجلالها، ناطقٌ بفضلها وإفضالها، وهل مؤلّفك المبارك الكريم «الغدير» إلّا أثرٌ من آثار تلك الشخصيّة الإلهيّة التي خصّها الله دون سواها بالوصاية وحباها بالإمامة والولاية، فما زالت ولم تزل نبراساً للأصلاب والأعقاب، وهدىً ونوراً للأجيال والأحقاب.

وإنِّي إذا أتقدّم لشخصك الكريم بتهاني القلبيّة الحارَّة على عظيم موفّقيّتك بمشروعك الجليل الحافل، لا أشكُّ أنَّها نفحةٌ من نفحات أمير المؤمنين سلام الله عليه شاء الله أن يمنحك إيّاها هبة عظيمةً، إن دلَّت على شيئ فإنَّما تدلُّ على وجاهتك لديه

٣

وقربك منه، وحقّاً فقد برز كتابك الجليل إلى العالم ساطعاً لامعاً يحمل بين دفَّتيه من العلم والأدب ما لا تقوى عليهما المجامع العلميّة والأدبيّة، فكيف بك ؟ وقد صمدت له براسخ قدمك، وأنجزته بروائع فكرك وقلمك، فكان واضح النهج، قويّ الحجّة، متين العبارة، لطيف الإشارة، أقمت فيه الأدلّة القاطعة التي أصغت إليها المسامع طائعةً مختارةً، وتقبّلتها القلوب والأفئدة مؤمنةً مذعنةً، حتّى لكأنّك مزاج مائها، وبلسم دوائها، فجزاك الله عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه خير جزاء المحسنين، ولا زلت مصدراً للعمل الصالح، إنَّ الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

محمّد الصدر

١١ رمضان سنة ١٣٦٩

٢٦/٦/١٩٥٠

٤

خطاب مبين

تكرَّم به صاحب المعالي، الشريف الشهم البطل سيِّدنا المبجّل السيّد عبد المهدي المنتفكي المشغل منصّة وزارة المعارف، والإقتصاد والأشغال والمواصلات، دوراً بعد دور. دامت فواضله.

١٣ رمضان سنة ١٣٦٩

٢٨ حزيران سنة ١٩٥٠

بسم الله الرحمن الرحيم

ولله الحمد

تخرَّج المطابع في كلِّ يوم مئات من الكتب فلا يجد المطالع إلّا في القليل النادر منها بغيته، وما يطمّن رغبته من كافَّة النواحي وجميع الجهات، ولذلك فإنَّ تقدير قيمة الكتاب لا تكون إلّا بمقدار ما يتركه في نفس المطالع من الأثر الصالح النافع، وإنَّ خير ما جادت به علينا القرائح، وما أتحفتنا به المطابع، فكان له في النفوس الأثر الصالح البليغ، هو كتاب «الغدير» الذي جاء سفراً جليلاً جمع فأوعى، فغدا نبراساً منيراً ودليلاً هادياً، سمى أن يُحدّد بالقيم أو يُقيّد بالمقاييس، إذ هو بطبيعته يعلو فوق كل نسبة، وبجليل أثره وفائدته يتعدّى كلَّ قياس، ولاغرو أن يكون «الغدير» كذلك فإنَّه من فيض ذلك البحر الزاخر بالمعقول والمنقول، ومن نتاج تلك القريحة الوقادة التي حُبي بها العلّامة الجليل شيخنا الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني أمدَّ الله في أيّامه، ومتّعنا في حياته.

فحسب «الغدير» من التقريظ والإطراء إنَّه من نتاج هذه الشخصيّة الفذَّة الجليلة وبهذه النسبة :

تجاوز حدَّ المنح حتّى كأنّه

بأحسن ما يُثني عليه يُعاب

عبد المهدي

٥

الغدير يوحّد الصفوف

في الملأ الإسلامي

قد يرى خِدن الدجل ممَّن خالف الحقَّ وخابط الغيَّ بادهان وايهان وجه الحيلة في أن يرمي جهودنا الجبّارة في إعلاء كلمة الحقِّ وإصلاح المجتمع إلى تفريق الكلمة، وفصم عرى التوحيد في الشعب الدينيِّ، لقد إبتغوا الفتنة من قبلُ وقلّبوا لك الأُمور، لا جرم أنَّ الله يعلم ما يُسرّون وما يعلنون، ولعمر الحقِّ نحن لا نبالي قطّ بالتصويب والتصعيد ولا نصيخ إلى تلكم الجلبة واللغط، ولا نكترث لكلِّ دمدمة وهمهمة من أيِّ ابن قوّال مَذماذ تجاه نداء الحقِّ الصراح، نداء كتاب الله العزيز، نداء الاسلام المقدَّس، نداء المشرِّع الأعظم، بعد ما تلقّاه بالقبول ملوك الاسلام أصحاب الجلالة، بعد ما لبّى ندائنا زعماء الدين، وأعلام الأُمّة، وقادتها، وساستها، وأُمرائها، وأساتذتها، في الحواضر الدينيَّة، واقتفت هذا الأثر الكريم من أولئك الأفذاذ وغيرهم زرافاتٌ و أُممٌ، وأتتنا من مختلف الطبقات صفوفٌ موحَّدة تحت لواء ولاء العترة الطاهرة صلوات الله عليهم، وُهدوا إلى الطيِّب من القول، وهُدوا إلى صراط الحميد، وقالوا : ربَّنا آتنا من لدنك رحمةً وهيِّئ لنا من أمرنا رَشدا، أُولئك عليهم صلواتٌ من ربِّهم ورحمة وأُولئك هم المهتدون.

*(الغدير في مصر)*

هذه صحف الإسلام الغرّاء في أرجاء العالم من المجلّات والجرائد وهي ألسنة الأُمم الناطقة، ومقياس شعورها الحيِّ وحسِّها المشترك، تجد في طيّاتها حول الكتاب عقوداً منضّدة، وجملاً ضافية في الإطراء والثناء عليه، وتقدير ما فيه من الأبحاث القيِّمة والدروس العالية، وفي مقدّم تلكم الصحف مجلّة «الكتاب» البيضاء المصريَّة التي تمثِّل معارف عاصمة الشرق الأوسط «القاهرة» فمديرها الأستاذ «العادل» يَسقي قرّاءها كأساً دهاقاً من سلسل بيانه، ويُعرب عن كتابنا وعن مبلغه من العلم، ومقداره من العظمة،

٦

ومحلّه من التحقيق، في عدد بعد عدد(١) .

وتتلوها رسالة تلك الأُمَّة الإسلاميَّة الراقية مجلّة «الرسالة» الغرّاء(٢) في سنتها الثامنة عشرة بنشر ما جادته قريحة شاعر الأهرام المفلق الأستاذ البحّاثة محمَّد عبد الغني حسن(٣) صاحب التآليف الممتعة، من الإعراب عمّا في نفسه من تجلّيات الحقّ وأنوار الهداية المقتبسة من صفحات الغدير، ونحن نشكر الجميع ونُعيد إلى قصيدة الأستاذ العصماء جِدّتها، وهي آيةٌ محكمةٌ في الوحدة والوئام، تُعرب عن البخوع إلى الحقائق الراهنة، وتدعو إلى توحيد الكلمة مهما اختلفت المذاهب، وإلى الايتلاف تحت راية الاسلام وحبِّ أهل البيت الطاهر «هي المسك ما كرَّرته يتضوَّع» ألا وهي:

حيِّ الأمينيَّ الجليل وقل له :

أحسنتَ عن آل النبيِّ دفاعا

أرهفتَ للدفع الكـريم مَناصلاً

وشهرتَ للحقِّ الهضيم يراعا

وجمعتَ من طول السنين وعرضها

حججاً كآيات الصَّباح نِصـاعا

وأذبتَ من عينيك كـلَّ شعاعة

كالنور ومضاً والشموس شعاعا

وطويتَ مـن ميمون عمرك حِقبةً

تسع الزمان رحـابةً وذراعا

ونزلتَ ميدان البيان مُناضلاً

وشأوتَ أبطال الكلام شجاعا

مــا ضـقتَ يوماً بالدليل ولم تكن

بالـحجَّة الــغرّاء أقــصر باعا

* * *

لله من قلمٍ لديك موثَّق

كالسيل يَجري صاخباً دفّاعا

يجلو الحقيقة فـي ثياب بلاغةٍ

ويُزيح عن وجـه الكلام قناعا

يشتدُّ في سبب الخصومة لهجةً

لكن يرقُّ خليقةً وطِباعا

وكذلك العلماء في أخلاقهم

يتباعدونَ ويلتقون سِراعا

فــي الـحقِّ يـختلفون إلّا أنَّهم

لا يبتغون إلـى الــحقوق ضياعا

____________________

(١) من العدد الرابع من سنتها الأولى سنة ١٣٦٤ ه‍ وهلمّ جرّا وقد نشرنا من تلكم الكلم القيمة كلمة في الجزء الثالث ط ٢.

(٢) العدد الـ ٨٨٢ الصادر يوم الاثنين ١١ شعبان سنة ١٣٦٩ ه‍.

(٣) من شعراء الغدير يأتي شعره وترجمته في شعراء القرن الرابع عشر إن شاء الله تعالى.

٧

يا أيُّها الثقة الأمين تحيـَّةً

تجتاز نحوك بالعـراق بقاعا

تطوي إليك من الكنانة أربعاً

ومن العروبة أدؤراً ورباعا

إنّا لتجمعنا العقيدة أُمّةً

ويضمُّنا دين الهدى أتباعا

ويؤلِّف الإسلام بين قلوبنا

مهما ذهبنا في الهوى أشياعا

ونحبُّ أهل البيت حبّاً خالصاً

تطوي القلوب عليه والأضلاعا

يـَجزيك بالإحـسان ربّك مثلما

أحسنت عن يوم «الغدير» دفـاعا

هذه القصيدة نشرتها مجلّة البيان النجفيَّة الغرّاء أيضاً في عددها ال‍ ٧٨ من سنتها الرابعة ص ١٧٤، وشطّرها النطاسيُّ المحنّك الأستاذ ميرزا محمّد الخليلي النجفي صاحب كتاب «معجم أدباء الأطباء» نُشر مع الأصل في مجلّة «البيان» الغرّاء في عددها ال‍ ٨٠ من سنتها الرابعة ص ٢٢٣ ونحن نذكر التشطير في ترجمة الأستاذ الخليلي بإذن الله تعالى.

*(الغدير في حلب)*

ومن نماذج ما أسلفناه من الدعوى كتاب كريم أرسله عاقد سمطه من حلب إلى العلّامة الحجَّة الشيخ محمَّد الحسين المظفّري النجفي، وقد أهدى إليه مجلّدات الغدير فمازجت روحيّات الكتاب نفسه الكريمة، وانكفأ مُرتوياً بزلاله العذب، واثقاً بحجَّته القويمة، وهو إمام جمعة وجماعة في أريحا من نواحي حلب، يتدفَّق فضلاً ويكاد يسيل لطفاً، ويتَّقد ذكاءاً، وكانت أمانة شيخنا المظفّري تصدُّه عن أن يُجيز لنا في نشر ذلك الخطاب على صفحات الغدير، فراسله مُستجيزاً، ولم يزل مُتريّثاً حتى وافاه الإذن الصريح، فإليك صورتي الإذن والكتاب المبين من مُفرغ سبائكه في بوتقة البيان ألا و هو الأستاذ الناقد البصير الشيخ محمَّد السعيد دحدوح، ونتقدَّم إليه بالشكر أوَّلاً وأخيراً

٨

صورة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي وفَّقنا لحبّ أهل ودّه، وغرس في قلوبنا إحترام وتفضيل العترة الطاهرة والشجرة الباسقة التي أصلها وفرعها في السَّماء، والتي مَن أخذ بأفنانها ووصل حبله بأسبابها إرتقى من الدنيا والآخرة على غيره، وصلاة الله وسلامه على سيّد الوجود محمَّد صلّى الله عليه وآله وصحبه الطيّبين، وكلّ مولود يتَّصل فرعه بأصله، ويدلُّ فعله على قوله، لم يخالف أمراً، ولم يجترح منكراً وكان مؤيّداً لوحيه عليه السلام وآخذاً بنصحه.

سيّدي المفضال! أرسلت تَخبرني بأنَّك رأيت أن ترسل لي الغدير الكبير بدلاً من الجدول لصغير، وأعلمتني أنَّ قيمته وإن غلت وعلت فإنَّني عندك أغلى وأعلى، والحقيقة هو أنَّ ذاتك الصافية وشخصيَّتك المثلى تجلّى نورها على مرآة نفسك الطاهرة، فانعكس ضياؤها على لوح وجودك، وتراءى لك من شعاعها ونورها ما حدَّثتني به وأنت الصّادق، ولكن ينبوعه أنت وليس له نبراس سواك، أدامك الله لي وللناس سراجاً وهّاجاً، وجعلني عند حسن ظنِّك ووفَّقني وحبَّبني إلى مَن يحبّه ويرضاه ورضي عنه.

سيِّدي أخذتُ (الغدير) وقرأته وقبل أن أصل عبابه عُمت فيه، وغرفت منه، وذُقت طعمه، فإذا هو الغدير الأوَّل بماء غير آسن، يفيض عذوبةً أصفى من قطرات المزن، ومدامة أعبق وأطيب من شذا المسك، وألذُّ من كلِّ شراب.

ولولا مَن وضع حوله السدود، وأقام أمامه الحواجز من العصور الأُولى لكان مضيّاً على وجه البسيطة وينتفع به خلق الله أجمعين.

وما أعظمه من غدير وقف فيه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله يوصي أصحابه وأُمَّته بابن عمِّه ويحضُّهم على التمسُّك بهديه والسير وراء زوج إبنته الزهراء ووالد السبطين عليهم الصَّلاة والسَّلام.

٩

ولكن : كان أمر الله قدراً مقدوراً، وتلك أُمَّةٌ قد خلت، ونحن الناشئة إن عتبنا على الأوَّلين، فإنَّ عتبنا على الخلف أشدّ وأعظم، وعلى المؤرِّخين الجُدد من أبناء عصرنا هذا أهل السنَّة أوسع وأكبر.

كنّا نسمع من أساتذتنا أساتذة الأخذ والتأليف عفى الله عنهم إن كانوا لا يعلمون: إنَّ قصة الغدير أُسطورةٌ صنعها الشيعة، وأيَّدها ملوكهم لحوائج سياسيَّة.

وهذا مبلغنا أو مبلغهم من العلم إذ ذاك، أمّا في زمننا هذا وبعد ما قرأت بعض فصول وأبواب وأجزاء الغدير، أراني أمام بحر زاخر لا غدير سائل فيه اللؤلؤ والمرجان والدر الوضّاء. نعم: فيه الحجَّة البالغة، وفيه البرهان الصريح، وفيه العلم الوافر، وفيه وفيه ما ليس في وسعي أن أحصيه وأُعدِّده، كلّها تنطق: إنَّ النّاس مهما أرادوا أن يحجبوا ضوء البدر، ومهما أتوا بسحب وعوارض تمنع إضاءته فليس في مقدورهم طالما خلّف (المرتضى) عليه السلام أمثالكم شيعة باعت لذائذ الحياة ترف الزمان، وعكفت على تأيُّد الحقِّ؛ وإظهار الصواب؛ وهدي التائه؛ وإرشاد الضالِّ؛ بكلِّ ما أُتيت من قوَّة.

فنعم السلف والخلف، أنتم رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم مَن قضى نحبه مرضيّاً عنه، ومنهم مَن يعمل خدمةً للإسلام حتّى يرى ربَّه بوجه طلقٍ سجيحٍ ويلقى هناك النبيّ والصدِّيقينَ والشهداء والمجاهدينَ وحَسُن أُولئك رفيقا.

نعم: وقفتُ أمام ثبج (الغدير) وخضتُ غماره، وسجتُ فيه، فإذا أمامي مشاهد التاريخ، وأفلام الزمان، وأقلام المؤلِّفين، وفصول الكتب، ونشيد الشعر، وأريج الحديث، كلّها تدلّني على أنَّ الغدير حقٌّ ليس بمختلقٍ، وأنَّ النَّاس يقولون ما لا يعلمون، إمّا ابتغاءً للفتنة، أو تقرُّباً للملوك الظالمين، أوجبناً عن النطق بالصواب والواقع، فجزى الله مؤلّفه «عبد الحسين» وحفظه وأبقاه سيفاً صارماً مسلولاً ومناراً للحقِّ، وجزاك أنت يا سيِّدي المظفَّري! على معروفك الذي لا يتناهى والذي ورثته عن آبائك الطهر الميامين.

سيِّدي المظفَّري! أرجوك إرسال بقيَّة الأجزاء، وأخبرني عن ثمنها، وإنَّ مَن يطلب الحسناء لم يُغله المهر. وكان بوسعي ومن واجبي أن أُرسل لكم الثمن قبل هذا التحرير، ولكن رأيت إنَّ ذلك ليس بصحيح، فإنَّ من الأشياء أنواعاً لا تُقدَّر بثمن،

١٠

ولا تدخل تحت تقويم أهل العرف، فكيف بغديرٍ؟ تغنّي بمدحه الشعراء، وألَّف المؤلّفون، وأُنزل فيه:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .

أرجوك تبليغ الأخوين الجليلين والشبلين الكريمين سلامنا وسلام الوالد والأهل والأحباب وكلّ مَن يودُّ أن يرانا ونراه خصوصاً صاحب (الغدير) ومؤلّفه، وخبِّره إنَّنا نحترم جهوده، أبقاه الله وأبقاكم للحقِّ أنصاراً، وللعلم مناراً، ولآل النبوَّة شيعة تذبُّون عنهم إفك المفترين، وتُظهرون فضلهم الواضح الوضّاء الذي لعبت ببعضه إن لم أقل أكثره أيدي العابثين، والسَّلام في البدء والختام من المعترف بمعروفكم ومن هو بمحمَّد وآله عليه وعليهم الصّلاة والسَّلام (سعيد) في الحياتين وخادمكم.

محمّد سعيد دحدوح

٥ ربيع الأنور سنة ١٣٧٠ وفق

١٤/١٢/١٩٥٠

١١

صورة الإذن

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله ربّ العالمين، وصلاته وسلامه على سيِّدنا محمَّد وعليٍّ وعلى إخوانه والأنبياء وآله الأصفياء وصحابته الأتقياء وكافّة المؤمنين.

السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد: لقد وصلني كتابك الكريم المؤرَّخ ٢٠ ربيع الأول سنة ١٣٧٠ وجزئا الغدير: الثالث والرابع. والغدير في الإسلام(١) فجزاكم الله عنّي وعمَّن سيستفيد منها خير ما جزى العالمين العاملين.

سيِّدي المظفّري! أرسلتَ تُخبرني إنَّ كُتيبي الذي ذكرت به «الغدير» ببعض مزاياه راقَ عندك وحسن لديك - وهذا من فضل ربِّي ومن حبِّك فيَّ - حتّى جعلك تذهب به إلى العلّامة مؤلِّفه أبقاه وأبقاكم الله للحقّ أنصاراً ولآله حصنا.

وهو حفظه الله كرماً منه وتشجيعاً ومكافأة فوق إحسانه «والبحر يمطره السَّماء وماؤه من مائه» طلب منك أن تسمح له بنشره، ولكنك تخبرني تواضعاً منك - وخير ما أدَّبكم الآل عليهم السَّلام هذا الأدب: التواضع من غير زلفى - إن كنتُ أُحبُّ نشره ولا يضرّني أمره وكلمه ومتنه فإنَّك تقدّمه له وهو سينشره في الجزء الثامن بنصِّه وفصِّه.

وما أحلاها ذكرى ؟ وما أجملها بشرى أخبرتني بها أيّها السيِّد؟ وكيف لا أُريد أن يسجَّل إسمي السعيد بحبّكم وحبِّ آلي وآلكم آل العترة عليهم السّلام؟ ويبقى كلامي الداثر في غديرٍ عذبٍ زاجرٍ، كلّما شرب منه مؤمنٌ وعاقلٌ إرتوى إيماناً وامتلأ يقيناً وعلماً وصدقاً، تُذكر مؤلِّفه ومقرِّظه ومادحه بالخير والدعاء.

وهل كان الزمان يجود لي مثل هذه المكرمة؟ لولا استادي صاحب الفضل أوّلاً

_____________________

١ ـ تأليف العلامة الفذ الشيخ محمد رضا فرج الله، مر الايعاز إليه ج ١ : ١٥٧ ط ٢.

١٢

وآخراً عليَّ وعلى أولادي ومن سيخرج من أصلابنا وأهل بلدي العقلاء.

ولقد ورثكم الآل عليهم السَّلام أخلاقاً ما رأينا مثلها على سواكم، أللّهم إلّا النذر القليل من الخلّص الأتقياء، ويا سيِّدي! قديماً كنّا نسمع: أنَّ الرجل الصّادق هو الذي يدلُّك على الله حاله لا مقاله، ولم نكن نفهم معناها، أو لم نكن نرى صدق مبناها إلّا حينما أشرقت الشهباء بطلعتكم، وعندما أرسلتم تخبرني وتستشيرني بأمر أنت المنعم به عليَّ.

وفي الختام تقبَّل سلامَ مَن لا يزال على العهد مقيماً.

تلميذك ومحبُّك

محمّد سعيد دحدوح

ربيع الأوَّل ١٣٧٠ وفق

٧/١/١٩٥١

( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ

وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ) .( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ

كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ) .( وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ

قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا ) .( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ: اتّبِعُوا

مَا أَنزَلَ اللّهُ ) .( قَالُوا : بَلْ نَتّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ

آبَاءَنَا، إِن يَتّبِعُونَ إِلّا الظّنّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ،

وَلَقَدْ جَاءَهُم مِن رَبّهِمُ الْهُدَى )

١٣

١٤