الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١٠

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 389

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 389
المشاهدات: 66464
تحميل: 3699


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 389 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 66464 / تحميل: 3699
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 10

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لمـّا تعرّضت الدنيا عرضت لها

بحرص نفسي وفي الأطباع ادهانُ

نفس تعفّ واُخرى الحرص يقلبها

والمرء يأكل تبناً وهو غرثانُ

أمّا عليٌّ فدينٌ ليس يشركه

دنياً وذاك له دنيا وسلطانُ

فاخترت من طمعي دنياً على بصر

وما معي بالذي أختار برهانُ

إلى آخر أبيات مرّت في ج ٢: ١٢٨، ومرّ لعمرو بن العاص قوله:

معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل

بذلك دنيا فانظرن كيف تصنعُ

فإن تعطني مصراً فأربح بصفقة

أخذت بها شيخاً يضرُّ وينفعُ

وما الدين والدنيا سواء وإنَّني

لآخذ ما تُعطي ورأسي مقنَّعُ

إلى آخر ما أسلفناه في ج ٢: ٤٤.

٨ - من كتاب لمحمَّد بن مسلمة الأنصاري إلى معاوية: وأمّا أنت فلعمري ما طلبت إلّا الدنيا، ولا اتَّبعت إلّا الهوى. فإن تنصر عثمان ميتاً فقد خذلته حيّاً. كتاب صفّين ص ٨٦.

٩ - قال نصر: لمـّا اشترطت عكّ والأشعرون على معاوية ما اشترطوا من الفريضة والعطاء فأعطاهم(١) ، لم يبق من أهل العراق أحدٌ في قلبه مرضٌ إلّا طمع في معاوية وشخص بصره إليه حتى فشا ذلك في الناس، وبلغ ذلك عليّاً فساءه، وجاء المنذر بن أبي حميصة الوادعي(٢) وكان فارس همدان وشاعرهم فقال: يا أمير المؤمنين؟ إنّ عكّاً والأشعريّون طلبوا إلى معاوية الفرائض والعطاء فأعطاهم، فباعوا الدين بالدنيا، وإنّا رضينا بالآخرة من الدنيا، وبالعراق من الشام، وبك من معاوية، والله لآخرتنا خيرٌ من دنياهم، ولعراقنا خير من شامهم، ولَإمامنا أهدى من إمامهم، فاستفتحنا بالحرب، وثق منّا بالنصر، واحملنا على الموت. ثمَّ قال في ذلك:

إنَّ عكّاً سالوا الفرائض والأشـ

ـ عر سألوا جوائزاً بَثَنيَّهْ(٣)

____________________

١ - اشترطوا على معاوية أن يجعل لهم فريضة ألفى رجل فى الفين الفين، ومن هلك فابن عمه مكانه [كتاب صفين ٤٩٣].

٢ - الوادعى: نسبة إلى وادعة: بطن من همدان.

٣ - البثنية: منسوبة إلى قرية بالشام بين دمشق وأذرعات، واليها تنسب الحنطة البثنية، وهى أجود أنواع الحنطة.

٦١

تركوا الدين للعطاء وللفر

ض فكانوا بذاك شرَّ البريّهْ

وسألنا حسن الثواب من الله

وصبراً على الجهاد ونيَّهْ

فلكلّ ما ساله ونواه

كلّنا يحسب الخلاف خطيَّهْ

ولَأهل العراق أحسن في الحر

ب إذا ما تدانت السمهريَّهْ

ولَأهل العراق أحمل للثقـ

ـل إذا عمَّت العباد بليّهْ

ليس منّا من لم يكن لك في

الله وليّاً يا ذا الوَلا والوصيَّهْ

فقال عليٌّ: حسبك رحمك الله، وأثنى عليه خيراً وعلى قومه. وانتهى شعره إلى معاوية فقال معاوية: والله لأستميلنَّ بالأموال ثقات عليّ، ولأقسمنَّ فيهم المال حتى تغلب دنياي آخرته.

كتاب صفّين ص ٤٩٥، شرح ابن ابي الحديد ٢: ٢٩٣.

١٠ - من كتاب لمولانا أمير المؤمنين إلى معاوية: واعلم يا معاوية؟ أنّك قد ادّعيت أمراً لست من أهله لا في القِدَم ولا في الولاية، ولست تقول فيه بأمرٍ بيِّن تُعرف لك به أثرة، ولا لك عليه شاهد من كتاب الله، ولا عهد تدَّعيه من رسول الله، فكيف أنت صانع؟ إذا انقشعت عنك جلابيب ما أنت فيه من دنيا أبهجت بزينتها، وركنتَ إلى لذّتها، وخُلّي فيها بينك وبين عدوّ جاهد ملحّ، مع ما عرض في نفسك، من دنياً قد دعتك فأجبتها، وقادتك فاتّبعتها، وأمرتك فأطعتها، فاقعس عن هذا الأمر، وخُذ اُهبة الحساب، فإنّه يوشك أن يقفك واقفٌ على ما لا يُجنّك منه مِجنّ، ومتى كنتم يا معاوية! ساسة للرعيَّة؟ أو ولاةً لأمر هذه الاُمّة بغير قَدَمٍ حسن؟ ولا شرفٍ سابق على قومكم، فشمِّر لما قد نزل بك، ولا تمكّن الشيطان من بغيته فيك، مع أنّي أعرف انّ الله ورسوله صادقان، فنعوذ بالله من لزوم سابق الشقاء، وإلّا تفعل أعلمك ما أغفلك من نفسك، فإنَّك مُترفٌ قد أخذ منك الشيطان مأخَذه، فجرى مِنكَ مَجرى الدّم في العروق.

كتاب صفّين ص ١٢٢، نهج البلاغة ٢: ١٠، شرح ابن أبي الحديد ٣: ٤١٠.

١١ - روي: انّ الحسن بن علي رضي الله عنهما قال لحبيب(١) بن مسلمة في

____________________

١ - نزيل الشام كان مع معاوية في حروبه.

٦٢

بعض خرجاته بعد صفّين: يا حبيب! رُبّ مسير لك في غير طاعة الله. فقال له حبيب: أمّا إلى أبيك فلا. فقال له الحسن: بلى والله ولقد طاوعت معاوية على دنياه وسارعت في هواه، فلئن كان قام بك في دنياك لقد قعد بك في دينك، فليتك إذا أسأت الفعل أحسنت القول فتكون كما قال الله تعالى: وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيّئاً. ولكنَّك كما قال الله تعالى: بل ران على قلوبهم ما كانوا يسكبون(١) .

١٢ - قال القحذمي: لمـّا قدم معاوية المدينة، قال: أيُّها النَّاس؟ انَّ أبا بكر رضي الله عنه لم يرد الدنيا ولم ترده، وأمّا عمر فأرادته الدنيا ولم يردها، وأمّا عثمان فنال منها ونالت منه، وأمّا أنا فمالت بي وملت بها، وأنا ابنها وهي اُمّي وأنا ابنها، فإن لم تجدوني خيركم فأنا خير لكم. العقد الفريد ٢: ٣٠٠.

إلى كلمات اُخرى تعرب عن مدى غايات معاوية وتركاضه وراء حطام الدُّنيا وملكها العضوض.

ابن عمر يحيى أحداث أبيه

هاهنا يوقفنا السبر عن أخبار ابن عمر على مواقف اتّباعه أحداث والده واتِّخاذه آرائه الشاذَّة عن الكتاب والسنَّة ديناً بعد تبيّن الرشد من الغيِّ، ما بالهم إذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها؟!.

( منها ) : ذكر الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ٤: ٢٦٥ عن ابن عمر لمـّا سُئل عن المتعة، قال: حرامٌ. فقيل: إنّ ابن عبّاس لا يرى بها بأساً. فقال: والله لقد علم ابن عباس أنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عنها يوم خيبر وما كنّا مسافحين.

وأخرج البيهقي في السنن الكبرى ٧: ٢٠٦ عن عبد الله بن عمر أنّه سُئل عن متعة النساء فقال: حرامٌ، أما إنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه لو أخذ فيها أحداً لرجمه بالحجارة.

إنّ الرجل متقوّلٌ على الله وعلى رسوله بحكمه الباتِّ بحرمة المتعة، والسائل إنّما سأله عن دين الله لا عمّا أحدثه أبوه، وهو في قوله هذا مكذِّبٌ لأبيه حيث يقول:

____________________

١ - الاستيعاب ١: ١٢٣.

٦٣

متعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أنهى عنهما واُعاقب عليهما. ويقول: ثلاثٌ كنَّ على عهد رسول الله أنا محرِّمهنَّ ومعاقبٌ عليهنَّ: متعة الحجِّ. ومتعة النساء. وحيَّ على خير العمل. ولم يستثن من ذلك العهد شيئاً ونسب التحريم إلى نفسه، وقد عُدّ من اوليات عمر.

ومكذِّبٌ أيضاً ابن عبّاس وقاذفٌ إيّاه بأنّه كان يعلم حكم الله ويحكم بخلافه، ويحلف بالله في قوله الفاحش، وحاشى حبر الاُمّة عن هذه الطامّة الكبرى.

ومكذّبٌ فحول الصحابة نظراء جابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري، وعمران ابن حصين، القائلين بإباحة المتعة في السنّة الشريفة، وانّهم تمتّعوا على عهد أبي بكر وشطر من خلافة عمر، وانّ عمر هو الذي نهى عنها.

ومكذِّبٌ سيّد العترة امير المؤمنينعليه‌السلام في عزوه النهي عن المتعة إلى عمر، وقوله: لولا نهيه عنها ما زنى إلّا شقيّ.

على أنَّ النهي عن المتعة بخيبر يكذِّبه به إطباق الحفّاظ وشرّاح البخاري على عدم وجود النّهي عنها يومئذ، وقد سبق القَول عن السهيلي وأبي عمرو الزرقاني في الجزء السّادس ص ٢٢٦ ط ٢ بأنّه وهمٌ وغلطٌ لا يعرفه أحدٌ من أهل السير ورواة الأثر.

مرَّ الكلام حول هذا البحث ضافياً في الجزء السادس ص ١٩٨ - ٢٤٠ ط ٢.

( ومنها ) : نهيه عن البكاء على الأموات إحتذاءً منه سيرة أبيه خلاف ما جاء في السنّة الشريفة من فعل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقوله وتقريره، وكان ذلك بعد قيام الحجَّة عليهما كما مرّ في الجزء السادس، وكان الرجل يقول: مرّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقبر فقال: إنّ هذا ليعذّب الآن ببكاء أهله عليه فقالت عائشة: غفر الله لأبي عبد الرّحمن انّه وهم، إنّ الله تعالى يقول: ولا تزر وازرةٌ وزر اُخرى. إنّما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ هذا ليعذّب الآن وأهله يبكون عليه(١)

فصَّلنا القول في المسئلة في الجزء السّادس ١٥٩ - ١٦٧ ط ٢ وفي هذا الجزء ص ٤٣، ٤٤.

( ومنها ) : استنكافه من الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذاً برأي أبيه، السابق

____________________

١ - مسند احمد ٢: ٣١، ٣٨.

٦٤

ذكره في ج ٦ ص ٢٩٤ ط ٢، قال الشعبي: قعدت مع ابن عمر سنتين أو سنة ونصفاً فما سمعته يحدِّث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا حديثاً(١) .

( ومنها ) : قوله في طواف الوداع على الحائض التي أفاضت حذو رأي أبيه خلاف السنَّة النبويّة الشريفة، وكان على ذلك ردحاً من الزمن، ثمّ لمـّا لم يَر مَن وافقه في الرأي لم يجد بدّاً من البخوع للحقّ فأخبت إليه كما أسلفناه في ج ٦: ١١١ ط ٢.

( ومنها ) : حضُّه النّاس على ما أحدثه أبوه من المنع عن السؤال عمّا لم يقع(٢) وقوله: يا أيّها الناس لا تسألوا عمّا لم يكن فإنّي سمعت عمر بن الخطاب يلعن من سأل عمّا لم يكن(٣) .

ألا تعجب من سوء حظّ امّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تدعم الاُحدوثة فيها بالمسبّة، وتنهى عن المعروف بالفسوق؟.

( ومنها ) : قوله في المتطيّب عند الإحرام اقتداءً باُحدوثة أبيه خلاف السنّة الثابتة، أخرج البخاري ومسلم من طريق ابراهيم بن محمّد بن المنتشر عن أبيه قال: سمعت ابن عمر يقول: لأن أصبح مطلّياً بقطران أحبّ اليّ من أن أصبح محرماً اُنضخ(٤) طيباً قال: فدخلت على عائشة فأخبرتها بقوله فقالت: طيّبت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فطاف على نسائه ثمّ أصبح محرماً.

وفي لفظ البخاري: ذكرته لعائشة فقالت: يرحم الله أبا عبد الرَّحمن، كنت اُطيِّب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيطوف على نسائه ثمَّ يصبح محرماً ينضخ طيباً.

وفي لفظ النسائي: سألت ابن عمر عن الطيب عند الإحرام فقال: لإن أطلي بالقطران أحبُّ إليَّ من ذلك. فذكرت ذلك لعائشة فقالت: يرحم الله أبا عبد الرَّحمن قد كنت اطيّب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيطوف في نسائه ثمَّ يصبح ينضخ طيباً(٥) .

____________________

١ - سنن الدارمى ١: ٨٤، سنن ابن ماجة ١: ١٥، مسند احمد ٢: ١٥٧، ولفظه: جالست ابن عمر سنتين ما سمعته روى شيئا عن رسول الله.

٢ - مرّ البحث عنه فى ج ٦: ٢٩٣ ط ٢.

٣ - كتاب العلم لابى عمر ٢: ١٤٣، مختصر كتاب العلم ص ١٩٠.

٤ - النضخ بالخاء المعجمة كاللطخ فيما يبقى له اثر يقال: نضخ ثوبه بالطيب. والنضح بالمهملة فيما كان رقيقا مثل الماء.

٥ - صحيح البخارى ١: ١٠٢، ١٠٣، صحيح مسلم ٤: ١٢، ١٣، سنن النسائى ٥: ١٤١.

٦٥

( ومنها ) : ما أخرجه الشيخان(١) من طريق مجاهد قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله بن عمر جالسٌ إلى حجرة عائشة والناس يصلّون الضحى في - المسجد فسألناه عن صلاتهم فقال: بدعة. فقال له عروة: يا أبا عبد الرَّحمن! كم اعتمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: أربع عمر إحداهنَّ في رجب، فكرهنا أن نكذِّبه ونردَّ عليه، وسمعنا استنان عائشة في الحجرة فقال عروة: ألا تسمعين يا امّ المؤمنين! إلى ما يقول أبو عبد الرّحمن؟ فقالت: وما يقول؟ قال: يقول: اعتمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربع عمر إحداهنَّ في رجب. فقالت: يرحم الله أبا عبد الرَّحمن، ما اعتمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا وهو معه، وما اعتمر في رجب قطُّ.

الظاهر من الرواية انّ ابن عمر تعمَّد باختلاق عمرة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رجب وإن كره مجاهد، وعروة أن يكذّباه، وانّما فعل ذلك روماً لتدعيم ما تأوّل به رأي أبيه الشاذّ في متعة الحجِّ ممّا رواه أحمد في مسنده ٢: ٩٥ من قوله: إنَّ عمر لم يقل لكم إنّ العمرة في أشهر الحجّ حرام ولكنَّه قال: إنّ أتمّ العمرة أن تفردوها من أشهر الحج.

فأراد ابن عمر بعزو عمرة رجب المختلقة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تأييداً لتأويله الذي يضادّ صريح قول أبيه: إنِّي اُحرِّمها واُعاقب عليها. وقد فصّلنا القول فيها في ج ٦.

ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما اعتمر في رجب قطُّ كما جاء في حديث أنس أيضاً: اعتمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربع عمر كلّها في ذي العقدة(٢) وأخرج ابن ماجة في سننه ٢: ٢٣٣ من طريق ابن عبّاس قال: لم يعتمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمرة إلّا في ذي العقدة.

وكان ابن عمر يحسب أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اعتمر مرّتين فأنكرت عليه عائشة ايضاً، ولعلّه كان قبل إنكارها السابق عليه، أخرج أبو داود وأحمد(٣) من طريق مجاهد قال: سُئل ابن عمر: كم اعتمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال: مرّتين. فقالت عائشة: لقد علم ابن عمر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد اعتمر ثلاثاً سوى التي قرنها بحجَّة الوداع.

____________________

١ - صحيح البخارى ٣: ١٤٤، صحيح مسلم ٤: ٦١، مسند احمد ٢: ٧٣، ١٢٩، ١٥٥، وفى تيسير الوصول ١ ص ٣٣٦: أخرجه الخمسة الا النسائى.

٢ - صحيح البخارى ٣: ١٤٥، صحيح مسلم ٤: ٦٠، سنن أبى داود ١: ٣١٢، الاجابة للزركشى ص ١١٥.

٣ - راجع سنن ابى داود ١: ٣١٢، مسند احمد ٢: ٧٠، ١٣٩، فتح البارى ٣، ٤٧٣.

٦٦

ولعلّ الباحث يقرب من عرفان حقيقة ابن عمر إن أمعن النظر فيما أخرجه ابن عساكر من طريق إمام الحنابلة أحمد عن إبن ابزي: انّ عبد الله بن الزبير قال لعثمان يوم حصر: إنّ عندي نجائب قد أعددتها لك، فهل لك أن تتحوّل إلى مكّة فيأتيك من أراد أن يأتيك؟ قال: لا، إنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: يلحد بمكّة كبشٌ من قريش اسمه عبد الله عليه نصف أوزار الناس، ولا أراك إلّا إيّاه أو عبد الله بن عمر ( تاريخ ابن عساكر ٧: ٤١٤ ).

وأخرج أحمد في مسنده ٢: ١٣٦: أتى عبد الله بن عمر عبد الله بن الزبير فقال: يا ابن الزبير إيّاك والإلحاد في حرم الله تبارك وتعالى فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: انّه سيلحد فيه رجلٌ من قريش لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلّين لرجحت. قال: فانظر لا تكونه.

الفريق الثاني.

أمّا الفريق الثاني من أخبار ابن عمر فحدّث عنه ولا حرج، تراه لا يدعه عداءه المحتدم ونفسيَّته الواجدة على أمير المؤمنين، أو حبّه المعمى والمصمّ للبيت العبشمي أن يجري علي لسانه اسم عليّ وذكر أيّام خلافته فضلاً عن أن يبايعه، مرّ حول حديث ذكرناه في هذا الجزء صفحة ٢٤ قول ابن حجر: لم يذكر ابن عمر خلافة عليّ لأنَّه لم يبايعه لوقوع الإختلاف عليه. إلى آخر كلامه.

وسبق في ص ٣٦ من طريق الحافظ ابن عساكر ذكر ابن عمر الخلافة الإسلاميّة و عدّه خلفائها الإثني عشر من قريش: أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية ويزيد والسفاح و منصور وجابر والأمين وسلام والمهدي وأمير العصب وقوله فيهم: إنّ كلّهم صالحٌ لا يوجد مثله.

أيَّ نفسيَّة ذميمة أو عقليّة ساقطة دعت الرجل إلى هذه العصبيَّة عصبيّة الجاهليَّة الاولى، هب أنّ خلافة أمير المؤمنين كانت غير مشروعة - العياذ بالله - ولكن هل كانت من السقوط على حدّ هو أسوء حالاً من أيّام يزيد الطاغية الباغية وملكه العضوض الذي استساغ الرجل أن يلهج به دون عهد امير المؤمنين وخلافته؟ وهلّا تسوغ تسمية أيّام الفراعنة والجبابرة لدى سرد تاريخ قصّة أو قضيّة؟ وقد ثبت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند

٦٧

القوم انّ الخلافة بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلثون عاماً، ثمّ ملك عضوض، ثمَّ كائن عتوّاً وجبريّة و فساداً في الاُمّة، يستحلّون الفروج والخمور(١)

وهل كان على لسان الرجل عقال عيَّ به عن سرد فضائل أمير المؤمنين وتبكّمت عليه ممّا ملأ بين الخافقين، وقد نزلت فيهعليه‌السلام ثلاثمائة آية، وجاءت في الثناء عليه آلاف من الحديث لم تُروَ منها عن ابن عمر إلّا نزرٌ يعدّ بالأنامل، وذلك بصورة مصغّرة مشوّهة، يضمّ آرائه السخيفة إليها مثل ما أخرجه أحمد في مسنده ٢: ٢٦ عن ابن عمر قال: كنّا نقول في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رسول الله خير الناس. ثمّ أبو بكر، ثمّ عمر، ولقد اوتى ابن أبي طالب ثلاث خصال لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم: زوّجه رسول الله ابنته وولدت له. وسدّت الأبواب الّا بابه في المسجد. وأعطاه الراية يوم خيبر.

وفي حديث: قيل لابن عمر: ما قولك في عليّ وعثمان رضي الله عنها؟ فقال ابن عمر: أمّا عثمان فقد عفى الله عنه فكرهتم أن تعفو، وأمّا عليّ فابن عمّ رسول الله وختنه(٢) .

وتراه يوازن أبا بكر وعمر وعثمان مع رسول الله ويزنهم بميزان قسطه الذي فيه ألف عين ثمّ يرفعه ولم تلحق الزنة عليّاً، أخرج أحمد في المسند ٢: ٧٦ من طريق ابن عمر قال: خرج علينا رسول الله ذات غداة بعد طلوع الشمس فقال: رأيتُ قبيل الفجر كأنّي اُعطيت المقاليد والموازين، فامّا المقاليد فهذه المفاتيح، وأمّا الموازين فهي التي تزنون بها فوضعتُ في كفّة ووضعت اُمّتي في كفّة، فوزنت بهم فرجحت، ثمّ جيء بأبي بكر فوزن بهم فوزن، ثمّ جيء بعمر فوزن، ثمّ جيء بعثمان فوزن بهم. ثمّ رفعت.

يؤيِّد ابن عمر بهذه الاُسطورة رأيه في المفاضلة بين الصحابة، وانّه لا تفاضل بينهم بعد أبي بكر وعمر وعثمان، وإذا ذهبوا استوى الناس.

نعم: ثقيل على ابن عمر أن يذكر عليّاً بخير، ويبوح بشيء من فضائله الجمّة، وهو يأتي في غيره بما لا يقبله قطّ ذو مسكة، ولا يساعده فيه العقل والمنطق مثل قوله: كنت عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنده أبو بكر الصدّيق عليه عباءة قد خلّها على صدره بخلال، فنزل

____________________

١ - راجع الخصايص الكبرى ٢: ١١٩، فيض القدير ٣: ٥٠٩.

٢ - أخرجه البخارى.

٦٨

عليه جبريل فقال: ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلّها على صدره بخلال؟ إلى آخر ما مرّ في ج ٥ ص ٢٧٤ ط ١، و ٣٢١ ط ٢.

وقوله مرفوعاً: لو وزن ايمان أبي بكر بايمان أهل الأرض لرجح. لسان الميزان ٣: ٣١٠.

وقوله مرفوعاً: اُتيت في المنام بعسّ مملوء لبناً فشربت منه حتّى امتلأت فرأيته يجري في عروقي، فضلت فضلة فأخذها عمر بن الخطاب فشربها. إلى آخر ما أسلفناه في ج ٥: ٢٧٩ ط ١، و ٣٢٦ ط ٢.

وقوله مرفوعاً: اُحشر يوم القيامة بين أبي بكر وعمر، حتّى أقف بين الحرمين فيأتيني أهل مكّة والمدينة.

وقوله مرفوعاً: هبط جبريل فقال: إنَّ ربّ العرش يقول لك: لمـّا أخذت ميثاق النبيّين أخذت ميثاقك وجعلتك سيّدهم وجعلت وزيرك أبا بكر وعمر.

وقوله مرفوعاً: لمـّا اُسري بي إلى السّماء فصرت إلى السَّماء الرّابعة سقطت في حجري تفَّاحة فأخذتها بيدي فانفلقت فخرج منها حوراء تقهقه فقلت لها: تكلّمي لمن أنت؟ قالت: للمقتول شهيداً عثمان بن عفّان.

وقوله مرفوعاً: أما إنّ معاوية يبعث يوم القيامة عليه رداءٌ من نور الإيمان.

وقوله مرفوعاً: انّه اوحي إليّ أن اُشاور ابن أبي سفيان في بعض أمري.

وقوله: لمـّا نزلت آية الكرسي قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمعاوية: اكتبها فقال لي: ما لي بكتبها إن كتبتها؟ قال: لا يقرؤها أحدٌ إلّا كُتب لك أجرها.

وقوله مرفوعاً: الآن يطلع عليكم رجلٌ من أهل الجنّة. فطلع معاوية، فقال: أنت يا معاوية! منّي وأنا منك، لتزاحمني على باب الجنّة كهاتين. وأشار باصبعيه.

وقوله مرفوعاً: يطلع عليكم رجل من أهل الجنّة. فطلع معاوية، ثمّ قال من الغد مثل ذلك، فطلع معاوية، ثمّ قال من الغد مثل ذلك، فطلع معاوية.

وقوله: إنّ جعفر بن أبي طالب أهدى إلى النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سفرجلاً فأعطى معاوية ثلاث سفرجلات وقال: تلقاني بهنَّ في الجنّة.

٦٩

إلى روايات اُخرى أسلفناها في الجزء الخامس في سلسلة الموضوعات، ونحن وإن ماشينا القوم هنالك وأخذنا بتلكم الطامّات اُناساً آخرين من رجال أسانيدها، غير انَّ ما صحّ عن ابن عمر من أخباره كحديث المفاضلة، وما علم من نزعاته الوبيلة، وما ثبت عنه من أفعاله وتروكه تقرّب إلى الذّهن انّه هو صائغ تلكم الصحاصح، ولا رجحان لغيره عليه في كفّة الإختلاق والتقوّل، كما أنّ له في نحت الأعذار لمن انحاز إليهم من الأمويِّين قَدماً وقِدماً، وقد مرّ شطرٌ من شواهد ذلك ومنها ما أخرجه أحمد في مسنده ٢: ١٠١ من طريق عثمان بن عبد الله بن موهب قال: جاء رجلٌ من مصر يحجّ البيت قال فرأى قوماً جلوساً فقال: من هؤلاء القوم؟ فقالوا: قريش.

قال: فمَن الشيخ فيهم؟ قالوا: عبد الله بن عمر. قال: يا ابن عمر إنِّي سائلك عن شيء أو أنشدك بحرمة هذا البيت، أتعلم أنّ عثمان فرّ يوم اُحد؟ قال: نعم. قال: فتعلم أنّه غاب عن بدر فلم يشهده؟ قال: نعم. قال: وتعلم أنّه تغيّب عن بيعة الرضوان؟ قال: نعم. قال فكبّر المصريُّ، فقال ابن عمر: تعال اُبيّن لك ما سألتني عنه، أمّا فراره يوم اُحد فأشهد انّ الله قد عفى عنه وغفر له، وأمّا تغيّبه عن بدر فانّه كانت تحته ابنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانّها مرضت فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لك أجر رجل شهد بدر أو سهمه. أمّا تغيّبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحدُ أعزّ ببطن مكّة من عثمان لبعثه، بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عثمان، وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان، فضرب بها يده وقال: هذه لعثمان. قال: وقال ابن عمر: اذهب هذا الآن معك. وأخرجه البخاري في صحيحه ٦: ١٢٢. وفي مرسلة عن المهلب بن عبد الله انَّه دخل على سالم بن عبد الله بن عمر رجلٌ وكان ممّن يحمد عليّاً ويذمُّ عثمان فقال الرجل: يا أبا الفضل؟ ألا تخبرني هل شهد عثمان البيعتين كلتيهما: بيعة الرضوان وبيعة الفتح؟ فقال سالم: لا. فكبّر الرجل وقام ونفض ردائه و خرج منطلقاً فلمّا أن خرج قال له جلساؤه: والله ما أراك تدري ما أمر الرجل، قال: أجل، وما أمره؟ قالوا: فإنّه ممّن يحمد عليّاً ويذمّ عثمان فقال: عليَّ بالرجل فأرسل إليه فأتاه فقال: يا عبد الله الصالح إنّك سألتني: هل شهد عثمان. البيعتين كلتيهما: بيعة الرضوان وبيعة الفتح؟ فقلت: لا. فكبّرت وخرجت شامتاً فلعلّك ممّن يحمد عليّاً ويذمّ عثمان؟

٧٠

فقال: أجل والله إنِّي لمنهم، قال: فاستمع منِّي ثمّ اردد عليَّ فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمـّا بايع الناس تحت الشجرة كان بعث عثمان في سريَّة وكان في حاجة الله وحاجة رسوله و حاجة المؤمنين فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا إنّ يميني يدي وشمالي يد عثمان، فضرب شماله على يمينه وقال: هذه يد عثمان وانّي قد بايعت له، ثمّ كان من شأن عثمان في البيعة الثانية: انَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث عثمان إلى عليّ فكان أمير اليمن فصنع به مثل ذلك.

إلى آخر الرواية وهي طويلة أخرجها المحبّ الطبري في الرياض النضرة ٢: ٩٤ وقد حذف إسنادها تحفّظاً عليها، وفي متنها شواهد تدّل على وضعها وانّها مكذوبةٌ مختلقة وهي تغنينا عن عرفان رجال السند.

وأخرج الحاكم في المستدرك ٣: ٩٨ من طريق حبيب بن أبي مليكة، قال: جاء رجلٌ إلى ابن عمر رضي الله عنهما فقال: أشهد عثمان بيعة الرضوان؟ قال: لا. قال: فشهد بدراً؟ قال: لا. قال: فكان ممّن استزلَّه الشيطان قال: نعم. فقام الرجل، فقال له بعض القوم: إنّ هذا يزعم الآن إنّك وقعت في عثمان. قال: كذلك يقول؟ قال: ردّوا عليَّ الرجل، فقال: عقلتَ ما قلتُ لك؟ قال: نعم سألتك هل شهد عثمان بيعة الرضوان؟ قلت: لا. وسألتك هل شهد بدراً؟ فقلت: لا. وسألتك هل كان ممّن استزلّه الشيطان؟ فقلت: نعم. فقال: أمّا بيعة الرضوان فإنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام فقال: إنَّ عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله.

فضرب له بسهم ولم يضرب لأحد غاب غيره، وأمّا الذين تولّوا يوم التقى الجمعان إنّما استزلّهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفى الله عنهم إنَّ الله غفورٌ حليم.

ألا تعجب من هذه الأعذار المفتعلة الباردة وقد خفيت على الصحابة الحضور يوم بدر البالغ جمعهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً(١) وعلى الذين بايعوا تحت الشجرة وكانوا ألفاً وأربعمائة أو أكثر(٢) لم يك يعلم بها إلّا رجلين أحدهما ابن عمر الذي كان

____________________

١ - صحيح البخارى ٦: ٧٤ فى المغازى، تاريخ الطبرى ٢: ٢٧٢، سيرة ابن هشام ٢: ٣٥٤.

٢ - صحيح البخارى ٧: ٢٢٣ فى تفسير سورة الفتح، تفسير القرطبى ١٦: ٢٧٦.

٧١

يوم بدر واُحد صبيّاً لم يبلغ الحلم وقد استصغره رسول الله في اليومين وكان له يوم بيعة الرضوان ستّ عشر سنة(١) وثانيهما نفس عثمان الغائب عن هاتيك المواقف، فالرواية مدبّرة بين اثنين بين صبيّ وغايب يوم حوصر عثمان وتبعهما في بعضها أنس فحسب، ومن الغريب جِدّاً انَّ عبد الرَّحمن بن عوف أخا عثمان(٢) وصاحبه الذي أقعده دست الخلافة، وكان حاضراً في بدر واُحد لم يكن قرع سمعه شيءٌ من تلكم الأعذار إلى يوم حوصر عثمان، ولو كانت بمقربة من الصحّة لكانت الألسن تتداولها، والأندية لا تخلو عن ذكرها، فجاء عبد الرّحمن ينتقد الرجل بعدم حضوره في الغزوتين وتركه سنّة عمر فبلغ ذلك عثمان فتخلّص عنه بما خلق له ابن عمر أو اختلق هو، أخرج أحمد في مسنده ١: ٦٨ من طريق شقيق قال: لقي عبد الرّحمن بن عوف الوليد بن عقبة فقال له الوليد: مالي أراك قد جفوت أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه؟ فقال له عبد الرَّحمن: أبلغه: إنّي لم افرّ يوم عينين - قال عاصم: يقول: يوم اُحد - ولم أتخلّف يوم بدر، ولم أترك سنّة عمر رضي الله عنه قال: فانطلق فخبّر ذلك عثمان رضي الله عنه فقال: أمّا قوله: إنّي لم أفرّ يوم عينين فكيف بذنب؟ وقد عفا الله عنه، فقال: إنَّ الّذين تولّوا منكم يوم التقى الجمعان إنّما استزلّهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم، وأمّا قوله: إنِّي تخلّفت يوم بدر، فانِّي كنت أمرض رقية بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين ماتت و قد ضرب لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسهمي ومن ضرب له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسهمه فقد شهد. وأمّا قوله: إنِّي لِمَ أترك سنّة عمر رضي الله عنه، فإنِّي لا اُطيقها ولا هو، فأته و حدِّثه بذلك.

دع ابن عمر يصوّر لبعث عثمان إلى مكّة صورة مكبّرة من أنّه لم يبعثه إلّا لأنّه أعزّ مَن في بطن مكّة(٣) فإنَّ الواقف على القصّة جِدّ عليم بأنَّ تلك البعثة ما كانت لها صلة بالعزَّة والذلَّة فانّها كانت إلى أبي سفيان يريد بها التخفيف من وطئته في استهواء قريش واستهدائه على استثارتها على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان طبع الحال يستدعي

____________________

١ - راجع صفحة ٤ من هذا الجزء.

٢ - آخى رسول الله صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله‌ بينهما يوم المؤاخاة الاولى:

٣ - كما مر فى ص ٧٠.

٧٢

أن يبعث إليه رجلاً من حامّته يأمن من بطشه ويؤمّل تنازله له لما بينهما من واشجة الرَّحم والقرابة، ولذلك انتخب لها عثمان، إن لم يقل القائل: إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنَّما بعثه ليغيب عن بيعة الرضوان وفضلها حتّى لا يُقال غداً: إنَّ عدول الصحابة قد اجمعت على قتل رجل من أهل بيعة الرضوان.

هاهنا ننهي البحث عن حديث المفاضلة - الذي جاء به ابن عمر وصحّحه البخاري - وانّه باطلٌ لا يعتمد عليه، يخالف الكتاب والسنَّة والعقل والقياس والإجماع والمنطق ونرجع إلى بقيَّة ما جاء في المناقب:

٥ - عن أنس: إنّ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان على حراء وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أثبت حراء فما عليك إلّا نبيّ وصدّيق وشهيدان.

قال الأميني: أخرجه الخطيب في تاريخه ٥: ٣٦٥ من طريق محمّد بن يونس الكديمي ذلك الكذّاب الوضاع الذي وضع على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من الف حديث كما مرَّ في الجزء الخامس في سلسلة الكذّابين ص ٢٣٠، وفي هذا الجزء فيما يأتي. عن قريش بن أنس الأموي البصري. قال ابن حبان: اختلط فظهر في حديثه مناكير فلم يجز الإحتجاج بأفراده. وقال البخاري: إختلط ستَّ سنين(١) عن

سعيد بن أبي عروبة البصري قال ابن سعد: اختلط في آخر عمره. وقال ابن حبان بقي في اختلاطه خمس سنين، ولا يُحتجّ إلّا بما روى القدماء مثل يزيد بن زريع وابن المبارك. وقال الذهلي: عاش بعد ما خولط تسع سنين. وقال غيرهم: اختلط سنين لم يجز الإحتجاج بحديثه فيما انفرد(٢) .

هذا ما في إسناد هذه الاكذوبة من العلل غير أنَّ الخطيب مرَّ بها كريماً، لا تسمع منه حولها ركزا، ولم ينبس فيها ببنت شفة، عادته في فضائل من أعماه حبّه وأصمّه.

٦ - أخرج الدارقطني في سننه عن إسماعيل بن العبّاس الورّاق عن عباد بن الوليد أبي بدر عن الوليد بن الفضل عن عبد الجبّار بن الحجّاج الخراساني عن مكرم بن حكيم عن سيف بن منير عن أبي الدرداء قال: أربع سمعتهنَّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

____________________

١ - تهذيب التهذيب ٨: ٣٧٥.

٢ - تهذيب التهذيب ٤: ٦٣ - ٦٦.

٧٣

لا تكفّروا أحداً من أهل قبلتي بذنب وإن عملوا الكبائر، وصلّوا خلف كلِّ إمام، وجاهدوا أو قال: قاتلوا، ولا تقولوا في أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ إلّا خيراً قولوا: تلك اُمّة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت(١) .

رجال الاسناد:

١ - الوليد بن الفضل المقبري. قال ابن حبان: يروي الموضوعات لا يجوز الإحتجاج به بحال، وقال الذهبي: هو الذي حديثه في جزء ابن عرفة عن اسماعيل بن عبيد الله: إنَّ عمر حسنةٌ من حسنات أبي بكر رضي الله عنه. وإسماعيل هالك، والخبر باطل، وفي سنن الدارقطني: حدَّثنا إسماعيل بن العبّاس الورّاق ثنا عباد بن الوليد أبو بدر ( وذكر الحديث بالإسناد المذكور ) فقال: قال الدارقطني: من بعد عبّاد ضعفاء ( يعني الوليد وعبد الجبّار ومكرم وسيف ).

وقال ابن حجر: لفظ الدارقطني بين عبّاد وأبي الدرداء ضعفاء، فدخل فيهم عبد الجبّار كما دخل في قول العقيلي: إسنادٌ مجهول، ووقع هنا سيف بن منير وفي الرواية الاُخرى: منير بن سيف، فلعلّه انقلب. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه مجهولٌ، وقال الحاكم وأبو نعيم وأبو سعيد النقاش: روى عن الكوفيين الموضوعات.

« ميزان الإعتدال ٣: ٢٧٣، لسان الميزان ٦: ٢٢٥ »

٢ - عبد الجبّار بن الحجّاج الخراساني، ذكره ابن حجر في لسان الميزان ٣: ٣٨٧ وذكر شطراً من الحديث بالإسناد وقال: هذا غير محفوظ، وليس في هذا المتن إسنادٌ ثبت، وضعّفه الدارقطني فإنّه ساق في السنن الحديث المذكور من الطريق المذكور لكنّه من رواية عباد بن الوليد الغبري(٢) ، عن الوليد بن الفضل وقال: من بعد عبّاد ضعيفٌ فدخل عبد الجبار فيهم كما دخل ابن منير.

[لسان الميزان ٣: ٣٨٨].

٣ - مكرم بن حكيم الخثعمي: قال الذهبي في الميزان: روى خبراً باطلاً ( يعني هذا الحديث) وقال: قال الأزدي: ليس حديثه بشيء.

____________________

١ - ميزان الاعتدال ٣: ٢٧٣ و ج ٦: ٢٢٦.

٢ - بضم المعجمة وفتح الموحدة المخففة.

٧٤

وقال ابن حجر: وزاد ( يعني الازدي ) انّه مجهولٌ، والحديث مذكورٌ في ترجمة الوليد بن الفضل، وقد ضعّفه الدارقطني أيضاً. [الميزان ٣: ١٩٨، لسان الميزان ٦: ٨٥].

٤ - سيف بن منير: قال الذهبي: يجهل وضعّفه الدارقطني لكونه أتى بأمر معضل عن أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعاً: لا تكفروا أهل ملّتي وإن عملوا الكبائر. لكنّه من رواية مكرم بن حكيم أحد الضعفاء عنه.

وقال ابن حجر: وذكره الأزدي فقال: ضعيفٌ مجهولٌ يكتب حديثه، وإسناد حديثه ليس بالقايم. وقال صاحب الحافل: رواه عنه مكرم بن حكيم وليس بشيء، والحديث في سنن الدارقطني. ميزان الاعتدال ١: ٤٣٩: لسان الميزان ٣: ١٣٣.

٧ - عن أنس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما من نبيّ إلّا وله نظيرٌ في امّتي فأبو بكر نظير إبراهيم، وعمر نظير موسى، وعثمان نظير هارون، وعليّ بن أبي طالب نظيري.

قال الأميني: أخرجه ابن الأعرابي عن محمّد بن زكريا الغلابي البصري عن أحمد ابن غسان الهجيمي عن أحمد بن عطاء أبي عمر. والهجيمي عن عبد الحكم عن أنس.

قال الذهبي في الميزان ١: ٥٦: أخاف أن يكون الغلّابي كذبه، وقال في ٣: ٥٨: هو ضعيفٌ. وقال ابن مندة: تكلّم فيه. وقال الدارقطني: يضع الحديث.

وذكر الحاكم في تاريخه حديثاً من طريق محمّد بن زكريا الغلابي فقال: رواته ثقات إلَّا محمّد بن زكريا وهو الغلابي فهو آفته.

وفي الإسناد أحمد بن عطاء، قال الدارقطني: متروكٌ. وقال الأزدي: كان داعية إلى القدَر متعبّداً مغفّلاً يحدّث بما لم يسمع، وقال زكريَّا الساجي قبله مثله، وقال ابن المديني: أتيته يوماً فجلست إليه فرأيت معه درجاً يحدّث به فلمّا تفرَّقوا عنه قلت له: هذا سمعته؟ قال: لا، ولكنه اشتريته وفيه أحاديث حسان اُحدِّث بها هؤلاء ليعملوا بها واُرغّبهم واُقرّبهم إلى الله، ليس فيه حكمٌ ولا تبديل سنّة، قلت له: أما تخاف الله تقرِّب العباد إلى الله بالكذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟.

ميزان الاعتدال ١: ٥٦، ج ٣: ٥٨، لسان الميزان ١: ٢٢١، و ج ٥: ١٦٨.

٧٥

٨ - ذكر المحبّ الطبري في الرياض النضرة ١: ٣٠ عن محمّد بن إدريس الشافعي قال: بسنده إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: كنت أنا وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ أنواراً على يمين العرش قبل أن يخلق آدم بألف عام، فلمّا خُلق اسكنّا ظهره، ولم نزل ننتقل في الأصلاب الطاهرة إلى أن نقلني الله صلب عبد الله، ونقل أبا بكر إلى صلب أبي قحافة، ونقل عمر إلى صلب الخطّاب، ونقل عثمان إلى صلب عفّان، ونقل عليَّاً إلى صلب أبي طالب ثمَّ اختارهم لي أصحاباً فجعل أبا بكر صدّيقاً، وعمر فاروقاً، وعثمان ذا النورين، وعليّاً وصيّاً، فمن سبَّ أصحابي فقد سبَّني، ومن سبَّني فقد سبّ الله، ومن سبَّ الله أكبّه في النار على منخره، أخرجه الملّا في سيرته.

قال الأميني: نحن في إبطال هذا الحديث في غنى عن النظرة إلى إسناده المحذوف لكنّا مهما ذهلنا عن شيء فلا يفوتنا العلم بأنَّ الأصلاب الأمويّة غير طاهرة وإنّما هي الشجرة الملعونة في القرآن راجع الجزء الثّامن ص ٢٥٤، ٢٥٥ ط ١.

إنَّ الخيار من البريّة هاشمٌ

وبنو اُميَّة أرذَل الأشرارِ

وبنو اُميّة عدوهم مِن خروع

ولها شم في المجد عود نضارِ

أمّا الدعاة إلى الجنان فهاشم

وبنو اُميِّة مِن دُعاةِ النّارِ

وبهاشم زكت البلاد وأعشبت

وبنو اُميّة كالسراب الجاري

ذكرها الزمخشري في ربيع الأبرار باب ٦٦ لأبي عطاء أفلح السندي.

وتجد في غضون أجزاء كتابنا هذا نبذاً وافية عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام وبقيّة الصّحابة ممّا فيه غنى وكفاية في سقوط الأمويِّين عن مستوى الإعتبار والنزاهة في الجاهليّة والإسلام، على ما يؤثر عنهم في العهدين من المخازي والمخاريق المؤكّدة لذلك كلّه، فنحن نحاشي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أن يصف تلكم الأصلاب بالطهارة في عداد الأصلاب الطاهرة التي تنقل فيها الرَّسول الأطهر ووصيّه المطهَّر أمير المؤمنين علي عليهما وآلهما السّلام.

وهي الشجرة الطيِّبة التي أصلها ثابت وفرعها في السَّماء تؤتي أكلها كلَّ حين.

على أنّا لم نجد في أبي قحافة والخطّاب وأسلافهما ما يمكن أن يعدَّ من المآثر البشريَّة فضلاً عن المآثر الدينيّة التي نقطع بعدم تحلّيهما بها فقد أسلفنا الكلام حول

٧٦

اسلام أبي قحافة في الجزء السّابع ص ٣١٢ - ٣٢١ ط ١ وأمّا الخطّاب فمن المقطوع به أنّه لم يسلم وقد ثبت عن عمر قوله لعبّاس عمِّ النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم أسلم: يا عبّاس! فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحبّ إليَّ من اسلام الخطاّب لو أسلم(١) .

وأما عفّان فسل عنه الكلبي والبلاذري فإنّ لهما في « المثالب » و « الانساب » جملٌ تُعرب عن مجمل حقيقة الرجل دون تفصيلها.

وإنَّا أسلفنا القول حول الألقاب في ج ٢: ٣١٢ - ٣١٤ و ج ٣: ١٨٧ ط ٢: وانَّ الصدِّيق والفاروق من الألقاب الثابتة الخاصَّة بمولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام وانّما تداولتهما النّاس للرّجلين وعند ذلك وضعوا مثل هذه المفتعلات.

ونحن لا نسترسل في بيان حكم سبّ الصّحابة لكنّا لو أخذنا بإطلاق هذه الرّواية وقلنا: أنَّ المخاطبين منهم كانوا مكلّفين بمفادها لأشكل الأمر في أكثر الصحابة الذين اطّرد بينهم السباب المقذع، والوقيعة الفاضحة، والعداء المحتدم حتّى انّه كان قد يؤل الأمر من جرّاء ذلك إلى المقاتلة، فهل هؤلاء كلّهم يكبّون في النار على مناخرهم؟ أنا لا أدري.

٩ - قال المحبُّ الطبري في الرياض النضرة ١: ٢٤: عن ابن يخامر السكسكي انَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أللّهمَّ صلِّ على أبي بكر فانّه يحبّك ويحبُّ رسولك، أللّهم صلِّ على عمر فإنّه يحبّك ويحبّ رسولك، أللّهمَّ صلِّ على عثمان فانّه يحبّك ويحبُّ رسولك، أللّهمّ صلّ على أبي عبيدة بن الجراح فانّه يحبّك ويحبُّ رسولك، أللّهمَّ صلِّ على عمرو بن العاص فإنّه يحبّك ويحبُّ رسولك. أخرجه الخلعي.

قال الأميني: ليت المحبّ الطبري أوقفنا على إسناد هذا الحديث المبتور حتّى نعرف عدد مَن فيه من الوضّاعين، وليته بعد أن موّه الأمر في ذلك عرّفنا ابن يخامر السكسكي مَن هو أمن الصّحابة؟ أم من التابعين؟ أم ممّن بعدهم من طبقات الرجال؟ وهل سمع هو مَن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أنّه موَّه ودلَّس؟ أو أنّه بشرٌ لم يُخلق بعدُ؟ وإن تعجب فعجبٌ انّه حذف بين الأسماء من يُقطع بأنّه يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله كمولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام الذي استفاض النقل الصحيح بذلك عن

____________________

١ - سيرة ابن هشام ٤: ٢١، عيون الاثر ٢: ١٦٩، الشفاء للقاضى ٢ ص ١٨.

٧٧

النبيِّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم راجع ج ٣ ص ٢١ - ٢٣ ط ٢ وتقدَّم في الجزء السابع ١٩٩ ط ١ وفي صفحات هذا الجزء أحاديث جمَّة تدلُّ على أنّه أحبّ الناس إلى الله وإلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن المعلوم إذن انَّ هذه المرتبة من الحبِّ متبادلٌ بينه سلام الله عليه وبينهما ويدلّ على هذا التبادل بنحو الإطلاق قوله تعالى: إنْ كنتم تحبُّون الله فاتّبعوني يحببكم الله.

وكان في الصحابة أناسٌ آخرون يتهالكون في المحبَّة لله ولرسوله لا يفوقهم مَن ذُكر وإن كنّا نعتقد انّهم دون اولئك المنسيِّين بمنازل كثيرة كسلمان وأبي ذر والمقداد وعمّار والعبّاس عمّ النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى كثيرين من نظرائهم. لكنَّ نوبة الحبّ وصلت إلى الأبتر ابن الشائن الأبتر، إلى ابن النابغة، إلى ابن الأمة السوداء المجنونة الحمقاء التي كانت تبول من قيام، ويعلوها اللّئام، ركبها في يوم واحد أربعون رجلاً، إلى ابن العاصي، إلى ابن الجزّار، إلى ابن دعيِّ ستَّة، إلى المدافع عن نفسه في معترك القتال بإسته، إلى من رأى فحل زوجته على فراشه فلم يغر ولم ينكر، إلى الوغد اللّئيم، إلى النكد الذميم، إلى الوضيع الزنيم(١) إلى مناوئي الحقِّ ونصير الباطل، إلى إلى...

نعم: وصلت نوبة الحبِّ إليه ولم تصل إلى من ذكرناهم من رجال الدين وأفذاذ الإسلام وأعاظم الاُمّة وصلحاء الصَّحابة.

إن دام هذا ولم يحدث به غيرٌ

لم يُبك ميتٌ ولم يُفرح بمولود

نعم: راق ذلك السكسكي أو مَن قبله من الوضّاعين ولم يرقهم غيره. وكم في صفحات تاريخ عمرو بن العاصي وقرناءه الأربعة شواهد دالَّة على ما عزاهم إليه مختلق الرّواية من حبِّ الله وحبّ رسوله، نكل الوقوف عليها إلى سعة باع الباحث.

١٠ - أخرج ابن عدي عن أحمد بن محمّد الضبيعي عن الحسين بن يوسف عن أبي هاشم أصرم بن حوشب عن قرّة بن خالد البصري عن الضحاك عن ابن عبّاس مرفوعاً: أنا الاوّل وأبو بكر الثاني، وعمر الثالث، والناس بعدنا على السبق الاوَّل فالاوَّل.

قال الأميني: قال السيوطي في اللئالي ١: ٣١١: موضوعٌ آفته أصرم.

____________________

١ - تجد تفصيل هذه الجمل الى أمثالها الكثيرة المعربة عن حقيقة ابن العاصى في الجزء الثانى ١٢٠ - ١٧٠ ط ٢.

٧٨

وقال الذهبي: أصرم هالكٌ، قال يحيي: كذّابٌ خبيثٌ، وقال البخاري ومسلم والنسائي: متروك الحديث، وقال الدارقطني: منكر الحديث، وقال السعدي: كتبت عنه بهمدان سنة اثنتين ومائتين وهو ضعيفٌ، وقال ابن حبّان: كان يضع الحديث على الثقات، وقال ابن المديني: كتبت عنه بهمدان وضربت على حديثه. وقال الفلاس: متروكٌ يرى الإرجاء.

وقال ابن حجر: أورد له العقيلي حديثاً عن زياد بن سعد وقال: لا يتابع عليه و لا يُعرف به، وليس له أصلٌ من جهة يثبت. وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: هو متروك الحديث. وتكلّم فيه يحيي بن معين. وقال ابن المديني: لقيناه بهمدان ثمَّ حدَّث بعدنا بعجائب وضعَّفه جدّاً، وقال الحاكم والنقّاش: يروي الموضوعات. وقال الخليلي: روى عن نهشل عن الضحاك عن ابن عبّاس رضي الله عنهما مناكير، وروى الأئمّة عنه ثمَّ رأوا ضعفه فتركوه.

ميزان الإعتدال ١: ١٢٦، لسان الميزان ١: ٤٦١.

على أنَّ الضحّاك لم يسمع من ابن عبّاس كما في تاريخ ابن عساكر ٥: ١٤٢، و كان شعبة لا يحدِّث عن الضحاك وينكر أن يكون لقي ابن عبّاس، وقال: يحيي بن سعيد: الضحّاك عندنا ضعيفٌ. ( تاريخ ابن عساكر ٥: ١٦٠ )

١١ - أخرج ابن عساكر في تاريخه ٦: ٤٠٥ عن ابن عبّاس مرفوعاً: إنَّ أحبَّ أصهاري إليَّ، وأعظمهم عندي منزلة، وأقربهم من الله وسيلة، وأنجح أهل الجنَّة أبو بكر. والثاني عمر يعطيه الله قصراً من لؤلؤة ألف فرسخ في ألف فرسخ قصورها ودورها ومجانبها وجهاتها وسررها وأكوابها وطيرها من هذه اللؤلؤة الواحدة، وله الرضا بعد الرضا. والثالث عثمان بن عفان وله في الجنّة ما لا أقدر على وصفه، يعطيه الله ثواب عبادة الملائكة أوَّلهم وآخرهم. والرابع عليّ بن أبي طالب، بخٍ بخٍ مَن مثل عليّ؟ وزيري عند [ ](١) وأنيسي عند كربتي، وخليفتي في اُمّتي، وهو منّي على دعاي ومَن مثل أبي سفيان؟ لم يزل الدين به مؤيَّدا قبل أن يسلم وبعد ما أسلم، ومَن مثل أبي سفيان إذا أقبلت من عند ذي العرش اريد الحساب فإذا أنا بأبي سفيان معه كاسٌ

____________________

١ - بياض فى الاصل.

٧٩

من ياقوتة حمراء يقول: اشرب يا خليلي، أعار بأبي سفيان، وله الرضا بعد الرضا رحمه الله.

قال الأميني: لقد أعرب عن بعض الحقيقة الحافظ ابن عساكر نفسه بقوله: هذا حديثٌ منكر.

أيّ منكر هذا يعدّ أبا سفيان ممّن لم يزل الدّين به مؤيَّداً قبل اسلامه وبعده؟ فكأنَّه غير رأس المشركين يوم اُحد، وغير مجهِّز جيش الأحزاب والمجلب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والرافع عقيرته وهو يرتجز بقوله: اَعلِ هُبل، اَعلِ هُبل. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا تجيبونه؟ قالوا: يا رسول الله؟ ما نقول؟ قال: قولوا: ألله أعلى وأجلّ. فقال أبو سفيان إنَّ لنا العزّى لا عزّى لكم، فقال رسول الله ألا تجيبونه؟ فقالوا: يا رسول الله! ما نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم(١)

وكأنَّه ليس من أئمّة الكفر الذين نزل فيهم قوله تعالى:( فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ) . سورة التوبة ١٢(٢)

وكأنَّه غير مَن اُريد بقوله عزّ وجلّ:( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) . سورة الأنفال: ٣٦.

أخرج نزوله فيه ابن مردويه من طريق ابن عبّاس، وعبد بن حميد وابن جرير و ابو الشيخ من طريق مجاهد، وهؤلاء وغيرهم من طريق سعيد بن جبير، وابن جرير، وابن المنذر وابن ابي حاتم وابو الشيخ من طريق الحكم بن عتيبة(٣) .

وكأنّه غير المعنيِّ هو وأصحابه بقوله تعالى:( قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ ) . سورة الأنفال(٤) .

وكأنّه غير مَن مشى مع جمع من رجال قريش إلى أبي طالب قائلين له: إنّ ابن

____________________

١ - سيرة ابن هشام ٣: ٤٥، تاريخ ابن عساكر ٦: ٣٩٦، عيون الاثر ٢: ١٨، تفسير القرطبى ٤: ٢٣٤.

٢ - تفسير الطبرى ١٠: ٢٦٢، تاريخ ابن عساكر ٦: ٣٩٣، تفسير ابن جزى ٢: ٧١، تفسير السيوطى، تفسير الخازن ٢: ٢١٨، تفسير الالوسى ١٠: ٥٩.

٣ - تفسير الطبرى ٩: ١٥٩، تاريخ ابن عساكر ٦: ٣٩٣، الكشاف ٢: ١٣، تفسير الرازى ٤: ٣٧٩، تفسير ابن جزى ٢: ٦٥، تفسير ابن كثير ٤: ٣٧، تفسير الخازن ٢: ١٩٢، تفسير الشوكانى ٢: ٢٩٣، تفسير الالوسى ٩: ٢٠٤.

٤ - تفسير النسفى هامش تفسير الخازن ٢: ١٩٣، تفسير الالوسى ٩: ٢٠٦.

٨٠