الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١١

الغدير في الكتاب والسنة والأدب14%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 402

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 402 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 159327 / تحميل: 3904
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١١

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الجنابة وكان لوط وآله يتنظفون من الغائط ويتطهرون من الجنابة، وكان لوط ابن خالة إبراهيم وإبراهيم ابن خالة لوط وكانت امرأة إبراهيم سارة أخت لوط، وكان إبراهيم ولوط نبيين مرسلين منذرين، وكان لوط رجلا سخيا كريما يقري الضيف(١) إذا نزل به ويحذره قومه، قال: فلما راى قوم لوط ذلك قالوا: انا ننهاك عن العالمين لا تقرى ضيفا ينزل بك، فانك ان فعلت فضحنا ضيفك وأخزيناك فيه، وكان لوط إذا نزل به الضيف كتم أمره مخافة أن يفضحه قومه، وذلك ان لوطا كان فيهم لا عشيرة له. قال: وان لوطا وإبراهيم لا يتوقعان نزول العذاب على قوم لوط، وكانت لإبراهيم ولوط منزلة من الله شريفة، وان الله تبارك وتعالى كان إذا هم بعذاب قوم لوط أدركته فيهم مودة إبراهيم وخلته ومحبة لوط فيراقبهم فيه فيؤخر عذابهم، قال أبو جعفر: فلما اشتد أسف الله على قوم لوط وقدر عذابهم وقضاه أحب أن يعوض إبراهيم من عذاب قوم لوط بغلام عليم فيسلى به مصابه بهلاك قوم لوط، فبعث الله رسلا إلى إبراهيم يبشرونه بإسماعيل، فدخلوا عليه ليلا ففزع منهم وخاف أن يكونوا سراقا، قال: فلما ان رأته الرسل فزعا وجلا قالوا: سلاما قال سلام( قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ قالَ ) أبو جعفرعليه‌السلام : والغلام العليم هو إسمعيل من هاجر فقال إبراهيم للرسل:( أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ ) فقال إبراهيم للرسل: فما خطبكم بعد البشارة؟( قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ ) انهم كانوا قوما فاسقين لننذرهم عذاب رب العالمين، قال أبو جعفرعليه‌السلام : فقال إبراهيم للرسل:( إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ ) ( فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ ) يقول: من عذاب الله لننذر قومك العذاب( فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ ) يا لوط إذا مضى من يومك هذا سبعة أيام ولياليها( بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ ) قال أبو جعفرعليه‌السلام فقضوا إلى لوط ذلك الأمر

__________________

(١) قرى الضيف: أضافه وأجاره وأكرمه.

٢١

( أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ ) قال أبو جعفرعليه‌السلام : فلما كان يوم الثامن مع طلوع الفجر قدم الله رسلا إلى إبراهيم يبشرونه بإسحاق ويعزونه بهلاك قوم لوط «الحديث» وقد كتبناه بتمامه في هود.

٧٥ ـ في كتاب الخصال عن الصباح مولى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كنت مع أبي عبد الله فلما مررنا بأحد قال: ترى الثقب الذي فيه؟ قلت: نعم، قال اما انا فلست أراه. وعلامة الكبر ثلث: كلال البصر(١) وانحناء الظهر ورقة القدم.

٧٦ ـ في تفسير العيّاشي عن صفوان الجمال قال: صليت خلف أبي عبد اللهعليه‌السلام فأطرق ثم قال: أللهمّ لا تقنطني من رحمتك، ثم جهر فقال:( وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ) .

٧٧ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى معاذ بن جبل حديث طويل عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول فيه: قال الله يا ابن آدم بإحساني إليك قويت على طاعتي وبسوء ظنك بي قنطت من رحمتي.

٧٨ ـ في بصائر الدرجات حدثني السندي بن الربيع عن الحسن بن عليّ بن فضال عن علي بن رئاب عن أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ليس مخلوق إلّا وبين عينيه مكتوب: مؤمن أو كافر، وذلك محجوب عنكم وليس محجوبا عن الائمة من آل محمد صلوات الله عليهم، ثم ليس يدخل عليهم أحد إلّا عرفوه مؤمن أو كافر، ثم تلا هذه الآية: إنّ في ذلك لآيات للمتوسمين.

٧٩ ـ أحمد بن الحسن بن أحمد بن إبراهيم عن الحسن بن البرة عن علي بن حسان عن عبد الكريم بن كثير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ويحك يا أبا سليمان! إنّه ليس من عبد يولد إلّا كتب بين عينيه مؤمن أو كافر، قال اللهعزوجل :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) نعرف عدونا من ولينا، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٨٠ ـ في أصول الكافي أحمد بن مهران عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنى عن ابن ابى عمير قال: أخبرنى أسباط بياع الزطي قال: كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فسئله

__________________

(١) كل بصره: أعيا ونبأ ولم يحقق المنظور.

٢٢

رجل عن قول اللهعزوجل :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ ) قال: نحن المتوسمون والسبيل فينا مقيم.

٨١ ـ محمد بن يحيى عن سلمة بن الخطاب عن يحيى بن إبراهيم، قال حدثني أسباط بن سالم قال: كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فدخل عليه رجل من أهل هيت(١) فقال له: أصلحك الله ما تقول في قول اللهعزوجل :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) قال: نحن المتوسمون والسبيل فينا مقيم.

٨٢ ـ محمد بن إسمعيل عن الفضل بن شاذان عن حماد بن عيسى عن ربعي بن عبد الله عن محمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) قال: هم الامة، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللهعزوجل في قول الله(٢) عزوجل ( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) .

٨٣ ـ محمد بن يحيى عن الحسن بن عليّ الكوفي عن عبيس بن هشام عن عبد الله بن سليمان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) فقال: هم الائمة( وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ ) قال: لا يخرج منا أبدا.

٨٤ ـ محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن أسلم عن إبراهيم بن أيوب عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في قوله:( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المتوسم وأنا من بعده، والائمة من ذريتي المتوسمون وفي نسخة اخرى: أحمد بن مهران عن محمد بن عليّ عن محمد بن أسلم عن إبراهيم بن أيوب باسناده مثله.

٨٥ ـ أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى عن الحسن بن عليّ الكوفي عن عبيس بن هشام عن عبد الله بن سليمان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن الامام فوض الله إليه كما فوض إلى سليمان بن داود؟ فقال: نعم وذلك ان رجلا سأله عن مسألة فأجابه فيها، وسأله

__________________

(١) هيت: بلدة على الفرات من نواحي بغداد فوق الأنبار ذات نخل كثير وخيرات واسعة واسم قرية في نواحي دمشق أيضا.

(٢) متعلق بقوله: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢٣

آخر عن تلك المسألة فأجابه بغير جواب الاول، ثم سأله آخر فأجابه بغير جواب الأولين ثم قال:( هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ ) أعط بغير حساب» وهكذا هي في قراءة علىعليه‌السلام ، قال: فقلت: أصلحك الله فحين أجابهم بهذا الجواب يعرفهم الامام؟ قال: سبحان الله أما تسمع الله يقول:( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) وهم الائمة( وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ ) لا تخرج منها أبدا، ثم قال لي: نعم ان الامام إذا أبصر إلى الرجل عرفه وعرف لونه، وان سمع كلامه من خلف حائط عرفه وعرف ما هو، ان الله يقول:( وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ ) وهم العلماء، فليس يسمع شيئا من الأمر ينطق به إلّا عرفه ناج أو هالك، فلذلك يجيبهم بالذي يجيبهم.

٨٦ ـ في روضة الواعظين للمفيد (ره) بعد أن ذكر الصادقعليه‌السلام وروى عنه حديثا وقالعليه‌السلام : إذا قام قائم آل محمدعليه‌السلام حكم بين الناس بحكم داود لا يحتاج إلى بينة، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه. ويخبر كل قوم بما استنبطوه، ويعرف وليه من عدوه بالتوسم قال اللهعزوجل :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ ) .

٨٧ ـ في مجمع البيان وقد صح عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله، قال: إنّ لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم، ثم قرء هذه الآية.

٨٨ ـ وروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال: نحن المتوسمون والسبيل فينا مقيم، والسبيل طريق الجنة، ذكره عليّ بن إبراهيم في تفسيره(١) .

٨٩ ـ في عيون الاخبار في باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام في وجه دلائل الائمة والرد على الغلاة والمفوضة لعنهم الله، حدّثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضى الله عنه قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا أحمد بن عليّ الأنصاري عن الحسن بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون يوما وعنده علي بن موسى الرضاعليه‌السلام وقد اجتمع الفقهاء

__________________

(١) «الذي في تفسير عليّ بن إبراهيم الرواية الاخيرة»، وانما لم نأخذها منه لأنها فيه بلفظ «قال» كما هي عادته، فأخذناها من مجمع البيان للتصريح باسمه فيهعليه‌السلام . «منه عفى عنه» (عن هامش بعض النسخ)

٢٤

وأهل الكلام من الفرق المختلفة فسأله بعضهم فقال له: يا بن رسول الله بأي شيء تصح الامامة لمدعيها؟ قال: بالنص والدليل، قال له: فدلالة الامام فيما هي؟ قال: في العلم واستجابة الدعوة قال فما وجه أخباركم مما يكون؟ قال ذلك بعهد معهود إلينا من رسول الله، قال: فما وجه أخباركم مما في قلوب الناس؟ قال له: أما بلغك قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله على قدر ايمانه ومبلغ استبصاره وعلمه، وقد جمع الله للائمة منا ما فرقه في جميع المؤمنين، وقالعزوجل في كتابه العزيز:( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) فأول المتوسمين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم أمير المؤمنينعليه‌السلام من بعده، ثم الحسن والحسين والائمة من ولد الحسين إلى يوم القيمة، قال: فنظر إليه المأمون فقال له: يا أبا الحسن زدنا مما جعل الله لكم أهل البيت، فقال الرضاعليه‌السلام : إنّ الله تعالى قد أيدنا بروح منه مقدسة مطهرة، ليست بملك، لم تكن مع أحد ممن مضى إلّا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي مع الائمة منا تسددهم وتوفقهم، وهو عمود من نور بيننا وبين الله تعالى.

٩٠ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إذا قام القائمعليه‌السلام لم يقم بين يديه أحد من خلق الرحمان إلّا عرفه صالح هو أم طالح، ألا وفيه آية للمتوسمين وهو سبيل المقيم.

٩١ ـ في كتاب معاني الأخبار الهلالي أمير المدينة يقول: سألت جعفر بن محمد فقلت له: يا بن رسول الله في نفسي مسألة أريد أن أسئلك عنها، قال: إنْ شئت أخبرتك بمسألتك قبل أن تسألنى، وان شئت فاسئل، قال: فقلت له: يا بن رسول الله وبأي شيء تعرف ما في نفسي قبل سؤالى عنه؟ قال: بالتوسم والتفرس، أما سمعت قول اللهعزوجل :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله.

٩٢ ـ في تفسير العيّاشي عن عبد الرحمن بن سالم الأشل رفعه في قوله:( لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) قال: هم آل محمد الأوصياءعليهم‌السلام .

٢٥

٩٣ ـ عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام [ان] في الامام آية للمتوسمين، وهو السبيل المقيم، ينظر بنور الله وينطق عن الله، لا يعزب عنه شيء مما أراد.

٩٤ ـ عن جابر بن يزيد الجعفي قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : بينما أمير المؤمنينعليه‌السلام جالس بمسجد الكوفة قد احتبى بسيفه والقى برنسه وراء ظهره(١) إذ أتته امرأة مستعدية على زوجها، فقضى للزوج على المرأة، فغضبت فقالت: لا والله ما هو كما قضيت، لا والله ما تقضى ولا تعدل بالرعية، ولا قضيتك عند الله بالمرضية، قال: فنظر إليها أمير المؤمنينعليه‌السلام فتأملها ثم قال لها: كذبت يا جرية يا بذية أيا سلسع أيا سلفع(٢) أيا التي تحيض من حيث لا تحيض النساء، قال: فولت هاربة وهي تولول وتقول: يا ويلي ويلي ويلي ثلثا، قال فلحقها عمرو بن حريث(٣) فقال لها: يا امة الله أسئلك، فقالت: ما للرجال والنساء في الطرقات؟ فقال: انك استقبلت أمير المؤمنين عليّا بكلام سررتينى به ثمّ قرعك أمير المؤمنين بكلمة فوليت مولولة؟ فقالت: إنّ ابن أبى طالب والله استقبلني فأخبرنى بما هو كتمته من بعلى منذ ولى عصمتي، لا والله ما رأيت طمثا من حيث يرينه النساء، قال: فرجع عمرو بن حريث إلى أمير المؤمنين فقال: له يا أمير المؤمنين ما نعرفك بالكهانة فقال له: وما ذلك يا ابن حريث؟ فقال له يا أمير المؤمنين ان هذه المرأة ذكرت انك أخبرتها بما هو فيها وانها لم تر طمثا قط من حيث تراه النساء، فقال له: ويلك يا بن حريث ان الله تبارك وتعالى خلق الأرواح قبل الأبدان بألفى عام، وركب الأرواح في الأبدان، فكتب بين أعينها

__________________

(١) احتبى احتباء: جمع بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها ليستند إذ لم يكن للعرب في البوادي جدران تستند إليها في مجالسها، والبرنس، قلنسوة طويلة كانت تلبس في صدر ـ الإسلام. كل ثوب رأسه ملتزق به.

(٢) البذية: الفحاشة. والسلفع: السليط. وامرأة سلفع يستوي فيه المذكر والمؤنث. يقال: سليطة جريئة. ولم أجد للسلسع معنى في كتب اللغة.

(٣) عمرو بن حريث القرشي المخزومي من أعداء أمير المؤمنينعليه‌السلام وأولياء بني أميّة ويظهر من هذا الحديث خبثه وزندقته وعداوتهعليه‌السلام ، وقد ورد في ذمه روايات كثيرة فراجع تنقيح المقال وغيره.

٢٦

كافر ومؤمن، وما هي مبتلاة به إلى يوم القيمة، ثم أنزل بذلك قرآنا على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال:( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المتوسم ثم انا من بعده، ثم الأوصياء من ذريتي من بعدي، إنّي لما رأيتها تأملتها فأخبرتها بما هو فيها ولم أكذب.

٩٥ ـ في عيون الاخبار عن الرضاعليه‌السلام حديث طويل وفيه قالعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ) قال: العفو من غير عتاب.

٩٦ ـ في أمالي الصدوق (ره) باسناده عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيهعليهما‌السلام قال قال علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ) قال: العفو من غير عتاب.

٩٧ ـ في تهذيب الأحكام محمد بن علي بن محبوب عن العباس عن محمد بن أبى عمير عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن السبع( الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) هي الفاتحة؟ قال: نعم، قلت: بسم الله الرحمن الرحيم من السبع المثاني؟ قال: نعم هي أفضلهن.

٩٨ ـ في تفسير العيّاشي ابن عبد الرحمن عمن رفعه قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) قال: هي سورة الحمد، وهو سبع آيات: منها( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) وانما سميت المثاني لأنها تثنى في الركعتين.

٩٩ ـ عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال: إذا كانت لك حاجة فاقرأ المثاني وسورة اخرى وصل ركعتين وادع الله. قلت: أصلحك الله وما المثاني؟ فقال: فاتحة الكتاب:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) .

١٠٠ ـ عن سورة بن كليب عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سمعته يقول: نحن المثاني التي أعطى نبينا.

١٠١ ـ عن يونس بن عبد الرحمن عمن رفعه قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله:( وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) قال: إنّ ظاهرها الحمد، وباطنها

٢٧

ولد الولد، والسابع منها القائمعليه‌السلام (١) .

١٠٢ ـ قال حسان: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله:( وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) قال: ليس هكذا تنزيلها، إنّما هي:( وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي ) [نحن هم] والقرآن العظيم» ولد الولد.

١٠٣ ـ عن القاسم بن عروة عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله:( وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) قال: سبعة أئمة والقائم.

١٠٤ ـ عن السدي عمن سمع عليّاعليه‌السلام يقول:( سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي ) فاتحة الكتاب.

١٠٥ ـ عن سماعة قال: قال أبو الحسنعليه‌السلام :( وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) قال: لم يعط الأنبياء إلّا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهم السبعة الائمة الذين يدور عليهم الفلك، «والقرآن العظيم» محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

١٠٦ ـ عن محمد بن مسلم عن أحدهماعليه‌السلام قال: سٌّألته عن قوله:( آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) قال: فاتحة الكتاب يثنى فيها القول.

١٠٧ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي (ره) روى عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن عليّعليهم‌السلام قال: قال عليٌّعليه‌السلام لبعض أحبار اليهود في أثناء كلام طويل يذكر فيه مناقب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وزاد الله عز ذكره محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله السبع الطوال، وفاتحة الكتاب، وهي السبع( الْمَثانِي، وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) .

__________________

(١) قال المحدث الكاشاني (ره): ولعلهم إنّما عدوا سبعا باعتبار اسمائهم فانها سبعة، وعلى هذا فيجوز أن يجعل المثاني من الثناء، وأن يجعل من التثنية باعتبار تثنيتهم مع القرآن، وأن يجعل كناية عن عددهم الاربعة عشر بأن يجعل نفسه واحدا منهم بالتغاير الاعتباري بين المعطى والمعطى له «انتهى».

وقال بعض: إنّ المراد بالسبع المثاني النبي والائمة وفاطمة عليهم‌السلام فهم أربعة عشر سبعة وسبعة، لقوله: المثاني، فكل واحد من السبعة مثنى وللعلامة المجلسي (ره) وكذا المحدث الحر العاملي قدس‌سرهما أيضا بيان في هذا الحديث وما يتلوه في التعبير فراجع البحار ج ٧: ١١٤ وإثبات الهداة ج ٧: ١٠٢.

٢٨

١٠٨ ـ في عيون الاخبار عن الرضاعليه‌السلام حديث طويل وفي آخره: وقيل لأمير المؤمنينعليه‌السلام : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) هي من فاتحة الكتاب؟ فقال: نعم، كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقرأها ويعدها آية منها، ويقول: فاتحة الكتاب هي السبع المثاني.

١٠٩ ـ وباسناده إلى الحسن بن عليّ عن أبيه علي بن محمد عن أبيه محمد بن عليّ عن أبيه الرضا عن آبائه عن عليٍّعليه‌السلام أنّه قال: إنّ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) آية من فاتحة الكتاب، وهي سبع آيات تمامها( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إنّ الله تعالى قال لي: يا محمّد( وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) فأفرد الامتنان على بفاتحة الكتاب وجعلها بإزاء القرآن العظيم.

١١٠ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى أبى سلام عن بعض أصحابنا عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: نحن المثاني التي أعطاها الله نبينا،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونحن وجه الله، نتقلب في الأرض بين أظهر كم عرفنا من عرفنا، ومن جهلنا فامامه اليقين(١) .

وفى أصول الكافي مثله.

١١١ ـ في مجمع البيان السبع المثاني هي فاتحة الكتاب وهو قول عليٍّعليه‌السلام وروى ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام .

١١٢ ـ في أصول الكافي عليّ بن إبراهيم عن صالح بن السندي عن جعفر بن بشير عن سعد الإسكاف قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أعطيت السور الطوال مكان التوراة، وأعطيت المئين مكان الإنجيل(٢) وأعطيت المثاني مكان الزبور.

١١٣ ـ أبو على الأشعري عن الحسن بن علي بن عبد الله وحميد بن زياد عن الخشاب جميعا

__________________

(١) كذا في النسخ لكن في تفسير العيّاشي وتفسير عليّ بن إبراهيم والمنقول عنهما في البحار وغيره «فامامه السعير» وهو الظاهر ويحتمل التصحيف أيضا، ولم أظفر على الحديث في مظانه في أصول الكافي.

(٢) قد مر في المجلد الاول صفحة ٢٥٨ لهذا الحديث بيان عن الطبرسي (ره) في الذيل فراجع.

٢٩

عمرو بن جميع عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ومن أوتى القرآن فظن ان أحدا من الناس أوتى أفضل مما أوتى، فقد عظم ما حقر الله، وحقر ما عظم الله.

١١٤ ـ عليّ بن إبراهيم عن أبيه وعلى بن محمد القاساني جميعا عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن علي بن الحسينعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أعطاه الله القرآن فرأى ان رجلا اعطى أفضل مما أعطى فقد صغر عظيما، وعظم صغيرا، والحديثان طويلان أخذنا منهما موضع الحاجة.

١١٥ ـ في تفسير العيّاشي عن حماد عن بعض أصحابه عن أحدهماعليهما‌السلام قول الله:( لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ ) قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في نزل به ضيقة، [فاستسلف من يهودي](١) فقال اليهودي: والله ما لمحمد ثاغية ولا راغية(٢) فعلى ما أسلفه؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي لامين الله في سمائه وأرضه ولو ائتمنتني على شيء لأديته إليك، قال: فبعث بدرقة(٣) فرهنها عنده، وأنزلت عليه:( وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا ) .

١١٦ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم أخبرنا أحمد بن إدريس قال: حدّثنا أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: لما نزلت هذه الآية( لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، ومن رمى ببصره إلى ما في يدي غيره كثر همه ولم يشف غيظه، ومن لم يعلم ان لله عليه نعمة إلّا في مطعم أو ملبس فقد قصر علمه ودنا عذابه، ومن أصبح على الدنيا حزينا أصبح على الله ساخطا، ومن شكى مصيبة نزلت به فانما يشكو ربه، ومن دخل النار من هذه الامة ممن قرأ القرآن فهو ممن يتخذ آيات الله هزوا، ومن أتى ذا ميسرة فتخشع له طلب ما في يديه ذهب ثلثا دينه.

__________________

(١) استسلف: اقترض.

(٢) الثاغية: الشاة، والراغية: الناقة.

(٣) الدرقة ـ محركة ـ: الترس من الجلود. ليس فيه خشب ولا عقب.

٣٠

١١٧ ـ في مجمع البيان وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا ينظر إلى ما يستحسن من الدنيا.

١١٨ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم قال عليّ بن إبراهيم في قوله:( الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) قال: قسموا القرآن ولم يؤلفوه على ما أنزله الله، فقال:( لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ ) .

١١٩ ـ في تفسير العيّاشي عن محمد بن مسلم عن أحدهما قال: قال في الذين أبرزوا القرآن عضين، قال: هم قريش.

١٢٠ ـ في أصول الكافي محمد بن أبي عبد الله ومحمد بن الحسن عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن الحسن بن عباس بن الحريش عن أبي جعفر الثانيعليه‌السلام قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : سئل رجل أبى فقال: يا ابن رسول الله سآتيك بمسئلة صعبة، أخبرنى عن هذا العلم ما له لا يظهر كما كان يظهر مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال: فضحك أبىعليه‌السلام وقال: أبى الله أن يطلع على علمه إلّا ممتحنا للايمان، كما قضى على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يصبر على أذى قومه ولا يجاهدهم إلّا بامره، فكم من اكتتام قد اكتتم به، حتّى قيل له:( فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) وايم الله إنّه لو صدع قبل ذلك لكان آمنا، ولكنه إنّما نظر في الطاعة وخاف الخلاف، فلذلك كف فوددت أن عينك تكون مع مهدي هذه الامة، والملائكة بسيوف آل داود بين السماء والأرض، تعذب أرواح الكفرة من الأموات، وتلحق بهم أرواح أشباههم من الأحياء، ثم اخرج سيفا ثم قال: ها ان هذا منها قال: فقال أبى: أي والذي اصطفى محمدا على البشر، قال: فرد الرجل اعتجاره(١) وقال: انا إلياس، ما سألتك عن أمرك وبى منه جهالة، غير أنّي أحببت أن يكون هذا الحديث قوة لأصحابك، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٢١ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى محمد بن عليّ الحلبي

__________________

(١) الاعتجار: لف العمامة على رأسه. والرد هنا في مقابل الفتح المذكور في صدر الحديث في قوله: «ففتح الرجل عجيرته واستوى جالسا وتهلل وجهه اه» وان شئت الوقوف على تمام الحديث راجع الأصول: باب شأن( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) الحديث الاول.

٣١

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: اكتتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مختفيا خائفا خمس سنين، ليس يظهر أمره وعلىعليه‌السلام معه وخديجة، ثم أمره اللهعزوجل أن يصدع بما أمر، فظهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأظهر أمره.

١٢٢ ـ وفي خبر آخر أنّهعليه‌السلام كان مختفيا بمكة ثلث سنين.

١٢٣ ـ وباسناده إلى عبد الله بن عليّ الحلبي قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: مكث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكة بعد ما جاء الوحي عن الله تبارك وتعالى ثلثة عشر سنة، منها ثلث سنين مختفيا خائفا لا يظهر، حتّى أمره اللهعزوجل ان يصدع بما أمر، فأظهر حينئذ الدعوة.

١٢٤ ـ في تفسير العيّاشي عن محمد بن عليّ الحلبي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: اكتتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكة سنين ليس يظهر وعلى معه وخديجة، ثم أمره الله أن يصدع بما يؤمر وظهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فجعل يعرض نفسه على قبائل العرب، فاذا أتاهم قالوا: كذاب امض عنا.

١٢٥ ـ عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها ) قال: نسختها:( فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) .

١٢٦ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم قوله:( فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) فانها نزلت بمكة بعد أن نبئ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بثلث سنين، وذلك ان النبوة نزلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الاثنين وأسلم على يوم الثلثاء ثم أسلمت خديجة بنت خويلد زوجة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم دخل أبو طالب إلى النبي وهو يصلى وعلى بجنبه، وكان مع أبي طالب جعفر فقال له أبو طالب: صل جناح ابن عمك، فوقف جعفر على يسار رسول الله فبدر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من بينهما، فكان يصلى رسول الله وعلىعليه‌السلام وجعفر وزيد بن حارثة وخديجة، فلما أتى لذلك ثلث سنين، أنزل الله عليه:( فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) وكان المستهزؤن برسول الله خمسة الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن المطلب، والأسود بن عبد يغوث، و

٣٢

الحارث بن طلاطلة الخزاعي، فمر الوليد بن المغيرة وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دعا عليه لما كان بلغه من أذائه واستهزائه، فقال: أللهمّ أعم بصره، واثكله بولده، فعمي بصره وقتل ولده ببدر(١) فمر الوليد بن المغيرة برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه جبرئيلعليه‌السلام ، فقال جبرئيل: يا محمّد هذا الوليد بن المغيرة وهو من المستهزئين بك. قال: نعم، وقد كان مر برجل من خزاعة وهو يريش نبالا له، فوطئ على بعضها فأصاب أسفل عقبه قطعة من ذلك، فدميت فلما مر بجبرئيلعليه‌السلام أشار إلى ذلك، فرجع الوليد إلى منزله ونام على سريره، وكانت ابنته نائمة أسفل منه فانفجر الموضع الذي أشار إليه جبرئيلعليه‌السلام أسفل عقبه فسال منه الدم حتّى صار إلى فراش ابنته، فانتبهت ابنته فقالت: يا جارية أتحل وكاء القربة(٢) ؟ قال الوليد: ما هذا وكاء القربة ولكنه دم أبيك، فاجمعى لي ولدي وولد أخى فانى ميت فجمعتهم فقال لعبد الله بن أبي ربيعة: إنّ عمارة بن الوليد بأرض الحبشة بدار مضيعة، فخذ كتابا من محمد إلى النجاشي ان يرده، ثم قال لابنه هاشم وهو أصغر ولده: يا بنى أوصيك بخمس خصال فاحفظها: أوصيك بقتل أبي دهم الدوسي فانه غلبني على امرأتى وهي بنته، ولو تركها وبعلها كانت تلد لي ابنا مثلك، ودمي في خزاعة وما تعمدوا قتلى، وأخاف ان تفتنوا بعدي، ودمي في بنى خزيمة بن عامر ودياتي(٣) في ثقيف فخذه ولا سقف نجران على مائتا دينار فاقضها، ثم فاضت نفسه، ومر ربيعة بن الأسود برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأشار جبرئيل إلى بصره فعمي ومات، ومر به الأسود بن عبد يغوث، فأشار جبرئيل إلى بطنه فلم يزل يستسقى حتّى شق بطنه، ومر العاص بن وائل فأشار جبرئيل إلى رجله فدخل يداه(٤) في أخمص قدميه وخرجت من ظاهره

__________________

(١) وفي المصدر بعد قوله «ببدر» هكذا: «وكذلك دعا على الأسود بن عبد يغوث والحارث بن طلاطلة الخزاعي، فمر الوليد اه».

(٢) الوكاء ـ ككتاب ـ: رباط القربة.

(٣) وفي السيرة لابن هشام «ربائى». وفي المصدر «دياني».

(٤) كذا في النسخ والظاهر أنّه مصحف وفي المصدر والمنقول عنه في البحار وغيره «فدخل عود في أخمص قدمه اه».

٣٣

ومات، ومر ابن الطلاطلة فأشار جبرئيل إلى وجهه فخرج إلى جبال تهامة فأصابته السمائم(١) واستسقى حتّى انشق بطنه، وهو قول الله:( إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقام على الحجر فقال: يا معشر قريش، يا معاشر العرب ادعو كم إلى شهادة ان لا إله إلّا الله، وانى رسول الله، وأمر كم بخلع الأنداد والأصنام فأجيبوني تملكون بها العرب، وتدين لكم العجم، وتكونون ملوكا في الجنة، فاستهزؤا منه وقالوا: جن محمد بن عبد الله، ولم يجسروا عليه لموضع أبي طالب، فاجتمعت قريش إلى أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب ان ابن أخيك قد سفه أحلامنا وسب آلهتنا، وأفسد شباننا، وفرق جماعتنا، فان كان يحمله على ذلك الغرم جمعنا له مالا فيكون أكثر قريش مالا، ونزوجه أي امرأة شاء من قريش، فقال له أبو طالب: ما هذا يا ابن أخى؟ فقال: يا عم هذا دين الله الذي ارتضاه لأنبيائه ورسله، بعثني الله رسولا إلى الناس، فقال: يا بن أخى ان قومك قد أتونى يسألوني ان أسئلك أن تكف عنهم، فقال: يا عم إنّي لا أستطيع انْ أخالف أمر ربّي، فكفّ عنه أبو طالب، ثمّ اجتمعوا إلى أبي طالب فقالوا: أنت سيد من ساداتنا فادفع إلينا محمدا لنقتله وتملك علينا، فقال أبو طالب قصيدته الطويلة، ويقول فيها: ولما رأيت القول لاود بينهم(٢) وقد قطعوا كل العرى والوسائل كذبتم وبيت الله يبزى محمد ولما نطاعن دونه ونناضل(٣) وننصره حتّى نصرع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل(٤)

__________________

(١) السمائم جمع السموم: الريح الحارة.

(٢) قوله: «بينهم» في المصدر «عندهم». والعرى جمع العروة: كلما يوثق به ويعول عليه.

(٣) قوله «يبزى» أي يقهر ويغلب، قال في البحار أراد «لا يبزى» فحذف لا من جواب القسم وهي مرادة أي لا يقهر ولم نقاتل وندافع «انتهى» والصحيح كما في الغدير ج ٧: ٣٣٨ «نبزى» أي نقهر، وناضل عنه: حامي وجادل ودافع وتكلم عنه بعذره.

(٤) صرعة: طرحه على الأرض شديدا. وذهل عنه: نسيه. والحلائل جمع الحليلة: الزوجة.

٣٤

قال: فلما اجتمعت [قريش] على قتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكتبوا الصحيفة القاطعة، جمع أبو طالب بنى هاشم وحلف لهم بالبيت والركن والمقام والمشاعر في الكعبة، لئن شاكت محمدا شوكة لاتين عليكم يا بنى هاشم فأدخله الشعب، وكان يحرسه بالليل والنهار قائما بالسيف على رأسه أربع سنين، فلما خرجوا من الشعب حضرت أبا طالب الوفاة، فدخل عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يجود بنفسه، فقال: يا عم ربيت صغيرا وكفلت يتيما، فجزاك الله عنى خيرا أعطني كلمة اشفع لك بها عند ربي، فروى أنّه لم يخرج من الدنيا حتّى أعطى رسول الله الرضا، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو قمت المقام المحمود لشفعت لابي وأمي وعمى وأخ كان لي مواخيا في الجاهلية(١) .

١٢٦ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي (ره) روى موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن عليّعليهم‌السلام قال: إنّ يهوديا من يهود الشام وأحبارهم قال لأمير المؤمنينعليه‌السلام : فان هذا موسى بن عمران قد أرسله الله إلى فرعون وأراه الآية الكبرى؟ قال له علىعليه‌السلام : لقد كان كذلك ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أرسله الله إلى فراعنة شتى مثل أبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة وشيبة وأبي البختري والنضر بن الحرث، وأبي بن خلف، ومنبه ونبيه إبني الحجاج، والى المستهزئين: الوليد بن المغيرة المخزومي، والعاص بن وائل السهمي، والأسود بن عبد يغوث الزهري، والأسود بن المطلب، والحارث بن الطلاطلة فأراهم الآيات في الآفاق وفي أنفسهم حتّى تبين لهم أنّه الحق، قال اليهودي: لقد انتقم الله لموسى من فرعون؟ قال له عليعليه‌السلام : لقد كان كذلك ولقد انتقم الله جل اسمه لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله من الفراعنة، فاما المستهزؤن فقد قال اللهعزوجل :( إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) فقتل

__________________

(١) غير خفي على المحقق الخبير والمطالع البصير لأخبار أهل بيت العصمة صلوات الله عليه ان أبا طالب كان مؤمنا ينقى قومه ويستر دينه، وعليه الشيعة الامامية، ويعرف ذلك من سيرته وكلماته وأشعاره أيضا، وقد أفرد العلامة الأستاذ الأميني دام ظله في كتابه الغدير لذلك بابا يذكر فيه اشعاره وأحواله، ويدفع الشبهات الواهية المنقولة عن بعض العامة في ايمانه وإسلامه رضى الله عنه فراجع ج ٧ ـ: ٣٣٠ ـ ٤٠٩. فما في هذا الخبر اما هو مأخوذ عن العامة وأورده القمى (ره) على عقيدتهم، أو كان منهصلى‌الله‌عليه‌وآله على ظاهر حال ابى طالب والله العالم.

٣٥

الله خمستهم كل واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد، فاما الوليد بن المغيرة فمر بنبل لرجل من خزاعة قد راشه ووضعه في الطريق، فأصابه شظية منه(١) فانقطع أكحله حتّى أدماه فمات، وهو يقول قتلني رب محمد، واما العاص بن وائل السهمي فانه خرج في حاجة له إلى موضع فتدهده(٢) تحته حجر فسقط فتقطع قطعة قطعة فمات وهو يقول: قتلني رب محمد، واما الأسود بن عبد يغوث فانه خرج يستقبل ابنة زمعة فاستظل بشجرة فأتاه جبرئيلعليه‌السلام فأخذ رأسه فنطح به الشجرة فقال لغلامه: إمنع عنّى هذا فقال: ما أرى أحدا يصنع بك شيئا إلّا نفسك فقتله، وهو يقول: قتلني ربّ محمّد، وأمّا الأسود بن الحارث فان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دعا عليه أن يعمى بصره وان يثكله ولده، فلمّا كان في ذلك اليوم خرج حتّى صار إلى موضع، فأتاه جبرئيلعليه‌السلام بورقة خضراء فضرب بها وجهه فعمي، وبقي حتّى أثكله اللهعزوجل ولده، وأمّا الحارث بن الطلاطلة فانه خرج من بيته في السموم فتحول حبشيا فرجع إلى أهله فقال: أنا الحارث فغضبوا عليه فقتلوه وهو يقول: قتلني ربّ محمّد، وروى ان الأسود بن الحارث أكل حوتا مالحا فأصابه عليه العطش فلم يزل يشرب الماء حتّى انشق بطنه فمات، وهو يقول: قتلني ربّ محمّد كل ذلك في ساعة واحدة، وذلك انهم كانوا بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا له: يا محمّد ننتظر بك إلى الظهر فان رجعت عن قولك وإلّا قتلناك، فدخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله منزله فأغلق عليه بابه مغتما لقولهم، فأتاه جبرئيلعليه‌السلام عن الله من ساعته فقال: يا محمّد السّلام يقرء عليك السّلام وهو يقول:( فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) يعنى أظهر أمرك لأهل مكّة وادعهم إلى الايمان قال: يا جبرئيل كيف أصنع بالمستهزئين وما أوعدونى؟ قال له:( إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) قال: يا جبرئيل كانوا الساعة بين يدي! قال: قد كفيتهم فاظهر أمره عند ذلك، واما بقيتهم من الفراعنة فقتلوا يوم بدر بالسيف، وهزم الله الجمع وولّوا الأدبار، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٢٧ ـ في كتاب الخصال عن أبان الأحمر رفعه قال: المستهزؤن بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) الشظية: كل فلقة من شيء كفلقة العود أو القضبة.

(٢) تدهده الحجر: تدحرج.

٣٦

خمسة الوليد بن المغيرة المخزومي، والعاص بن وائل السهمي والأسود بن عبد يغوث الزهري والأسود بن المطلب، والحارث بن عطية الثقفي.

١٢٨ ـ في أصول الكافي محمد بن الحسين وغيره عن سهل عن محمد بن عيسى ومحمد بن يحيى ومحمد بن الحسين جميعا عن محمد بن سنان عن إسمعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمرو عن عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث طويل يقول فيه حاكيا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر من فضل وصيه ذكرا، فوقع النفاق في قلوبهم فعلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك وما يقولون، فقال الله جل ذكره: يا محمّد و( لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ ) ( فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ ) لكنهم يجحدون بغير حجة لهم وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتألفهم ويستعين ببعضهم على بعض، ولا يزال يخرج لهم شيئا في فضل وصيه حتّى نزلت هذه السورة، فاحتج عليهم حين أعلم بموته ونعيت إليه نفسه.

١٢٩ ـ عليّ بن إبراهيم عن أبيه وعلى بن محمد القاساني جميعا عن القاسم بن محمد الاصبهانى عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث قال: قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : يا حفص ان من صبر صبر قليلا، وان من جزع جزع قليلا، ثم قال: عليك بالصبر في جميع أمورك، فان اللهعزوجل بعث محمدا فأمره بالصبر والرفق فصبرصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى نالوه بالعظايم ورموه بها فضاق صدره فأنزل اللهعزوجل :( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٣٠ ـ في مجمع البيان: و( كُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ) أي المصلين عن الضحاك وابن عباس قال: وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا حزنه أمر فرغ إلى الصلوة(١) .

__________________

(١) فرغ إلى الشيء: قصد.

٣٧

بسم الله الرحمن الرحيم

١ ـ في كتاب ثواب الأعمال باسناده إلى أبي جعفرعليه‌السلام قال: من قرأ سورة النحل في كل شهر كفى المغرم في الدنيا، وسبعين نوعا من أنواع البلاء أهونه الجنون والجذام والبرص، وكان مسكنه في جنة عدن وهي وسط الجنان.

٢ ـ في مجمع البيان أبي بن كعب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من قرءها لم يحاسبه الله تعالى بالنعم التي أنعمها عليه في دار الدنيا، وان مات في يوم تلاها أو ليلته أعطى من الأجر كالذي مات وأحسن الوصية.

٣ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : أول من يبايع القائمعليه‌السلام جبرئيل، ينزل في صورة طير أبيض فيبايعه ثم يضع رجلا على بيت الله الحرام ورجلا على بيت المقدس، ثم ينادى بصوت ذلق(١) تسمعه الخلايق:( أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) .

٤ ـ عن ابن مهزيار عن القائمعليه‌السلام حديث طويل وفيه أنّهعليه‌السلام تلى:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ) فقلت: يا سيدي يا ابن رسول الله فما الأمر؟ قال: نحن أمر اللهعزوجل وجنوده.

٥ ـ في تفسير العيّاشي عن هشام بن سالم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سئلته عن قول الله:( أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) قال: إذا أخبر الله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بشيء إلى وقت فهو قوله:( أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) حتّى يأتى ذلك الوقت، وقال: إنّ الله إذا أخبر ان شيئا كائن فكأنه قد كان. وفيه بعد أن نقل أبان بن تغلب عن أبي عبد اللهعليه‌السلام كما نقلنا عنه سابقا، وفي

__________________

(١) الذلق: الفصيح.

٣٨

رواية أخرى عن أبان عن أبي جعفرعليه‌السلام نحوه.

٦ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم ( أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) قال: نزلت لما سألت قريش رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ان ينزل عليهم(١) فأنزل الله تبارك وتعالى( أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) .

٧ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن علي بن أسباط عن الحسين بن أبي العلا عن سعد الإسكاف قال: أتى رجل أمير المؤمنينعليه‌السلام يسئله عن الروح أليس هو جبرئيل؟ فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : جبرئيل من الملائكة والروح غير جبرئيل، فكرر ذلك على الرجل، فقال له: لقد قلت عظيما من القول، ما أحد يزعم ان الروح غير جبرئيل، فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : انك ضال تروى عن أهل الضلال يقول اللهعزوجل لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ ) والروح غير الملائكةعليهم‌السلام .

٨ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إله إلّا أَنَا فَاتَّقُونِ ) يقول: بالكتاب.

وقال عليّ بن إبراهيم في قوله:( خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ) قال: خلقه من قطرة من ماء منتن(٢) فيكون خصيما متكلما بليغا، وقال أبو الجارود في قوله: و( الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ ) والدفء: حواشي الإبل، ويقال بل هي الادفاء(٣) من البيوت والثياب.

٩ ـ في كتاب الخصال عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن عليٍّعليه‌السلام قال: سئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أي المال خير؟ قال: زرع زرعه صاحبه وأدى( حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ) ، قيل: وأى مال بعد الزرع خير؟ قال: رجل في غنمه قد تبع بها مواقع القطر، يقيم الصلوة ويؤتى الزكاة، قيل: فأى المال بعد الغنم خير؟ قال: البقر تغدو بخير وتروح بخير

__________________

(١) وفي المصدر «أن ينزل عليهم العذاب».

(٢) وفي المصدر «من قطرة من ماء مهين».

(٣) ادفأه من الحائط وغيره كنه أي ستره.

٣٩

قيل: فأى المال بعد البقر خير؟ قال: الراسيات(١) في الوحل المطعمات في المحل(٢) نعم المال النخل، من باعه فانما ثمنه بمنزلة رماد على شاهقة( اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ ) ، إلّا أن يخلف مكانها، قيل: يا رسول الله فأى المال بعد النخل خير؟ فسكت فقال له رجل: فأين الإبل؟ قال: فيه الشقاء والجفاء والعناء وبعد الدار، تغدو مدبرة وتروح مدبرة لا يأتى خيرها إلّا من جانبها الأشأم.

١٠ ـ عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الغنم إذا أقبلت أقبلت، وإذا أدبرت أقبلت، والبقر إذا أقبلت أقبلت، وإذا أدبرت أدبرت، والإبل أعناق الشياطين إذا أقبلت أدبرت، وإذا أدبرت أدبرت، ولا يجيء خيرها إلّا من الجانب الأشأم، قيل: يا رسول الله فمن يتخذها بعد ذا؟ قال: فأين الأشقياء الفجرة؟.

١١ ـ عن الحارث قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليكم بالغنم والحرث فإنهما يروحان بخير ويغدوان بخير، قال: فقيل له: يا رسول الله فأين الإبل؟

قال: تلك أعناق الشياطين ويأتى خيرها من الجانب الأشأم، قيل: يا رسول الله ان سمع الناس بذلك تركوها فقال: إذا لا يعدمها الأشقياء الفجرة.

١٢ ـ عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أفضل ما يتخذه الرجل في منزله لعياله الشاة، فمن كان في منزلة شاة قدست عليه الملائكة مرتين في كل يوم، وكذلك في الثلاث يقول: بورك فيكم.

١٣ ـ عن الحسن بن مصعب قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إنّ لله تعالى في كل يوم وليلة ملكا ينادى مهلا مهلا عباد الله عن المعاصي فلو لا بهائم رتع وصبية رضع وشيوخ ركع لصب عليكم العذاب صبا ترضون به رضا.

١٤ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم قوله: و( لَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ) قال: حين ترجع من المرعى، قوله: و( تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ ) قال: إلى مكة والمدينة وجميع البلدان.

١٥ ـ في الكافي أبو على الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى

__________________

(١) أي الثابتات في أماكنها لا تزول لعظمها.

(٢) المحل: الشدة والجدب وانقطاع المطر ويبس الأرض من الكلاء.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

٣٩ - وجد أبو الفتح يوسف القوّاس في كتبه جزءاً له فيه فضايل معاوية وقد قرضته الفأرة، فدعا الله تعالى على الفأرة التي قرضته، فسقطت من السَّقف ولم تزل تضطرب حتّى ماتت، تاريخ بغداد للخطيب الحافظ ١٤: ٣٢٧.

هلمَّ واضحك على عقليَّة هذا الحافظ المعتوه الذي يرى من كرامة معاوية على الله أن أهلك لأجله فأرة قرضت جزءاً فيه فضائل معاوية، وقد أصفق ائمَّة الحديث كما أسلفناه على انَّه لا يصحّ منها شيىء، وهل الفئران كلّفت بولاء ابن آكلة الأكباد، والفأرة التي أصابته الدَّعوة قد شذَّت وخالفت امّتها وعادت معاوية فحقَّت عليها كلمة العذاب؟ وهل المسكينة كانت عارفة بما في ذلك الجزء فانكرته وسخطت عليه وقرضته وهي على بصيرة من أمرها؟ وهل كانت لأبي الفتح القوّاس سابقة معرفة بتلك الفأرة فلمّا سقطت وماتت عرف أنَّها هي هي؟ إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين.

٤٠ - قال الكلواذي في قصيدة له:

ولابن هند في الفؤاد محبَّةٌ

معروسةٌ فليرغمنَّ مفنّدي

ردَّ عليه العلّامة شهاب الدّين احمد الحفظي الشافعي بقوله:

قل لابن كلواذي وخيم الموردِ

أوقعت نفسك في الحضيض الأوهدِ

أفأنت تطمع يا سخيف العقل! في

ارغام طه والوصيِّ المهتدي؟

والمسلمين الصّادقي ايمانهم

بالله جلَّ وبالنبيِّ محمَّد؟

أوَ لست أنت القائل البيت الذي

تصلى به وهج السّعير المؤصدِ

[ ولابن هند في الفواد محبّة

مغروسة فليرغمنَّ مفنّدي ]

أرأيت ويلك ذا يقين لا يفنّد

ما يفوه به لسان الأبعدِ؟

أوَ هل ترى إلّا بقلب منافق

غرست محبّة عجلك المتمرّدِ؟

أوَ ما علمت بأنَّ مَن أحببته

رأس البغاة وخصم كلِّ موحِّدِ؟

لعن الوصيَّ وبدَّل الأحكام وار

تكب الكبائر باللسان وباليدِ

إنَّ المحبَّ مع الحبيب مقرُّه

ولسوف تعلم مستقرَّك في غدِ

١٠١

فعليكما سخط الإله~ ومقته

وعلى الّذي بك في العقيدة يقتدي(١)

توجد جملةٌ ضافيةٌ من الآراء والأقوال الساقطة والأحلام الخياليَّة التافهة في الثناء على ابن هند في تاريخ إبن كثير ٨: ١٣٩، ١٤٠، وتطهير الجنان واللسان عن الخطورٍ والتفوّه بثلب معاوية بن أبي سفيان لابن حجر الهيتمي(٢) وغيرهما وفي المذكور غنىّ وكفاية.

فويلٌ لَهمْ مِمّا كتبتْ أيديهِمْ وويلٌ

لَهمْ مِمّا يَكسِبون

____________________

١ - تقوية الايمان ص ١٠٧.

٢ - طبع فى هامش الصواعق المحرقة له.

١٠٢

الغلو الفاحش

هاهنا ننهي البحث عن المغالاة في مناقب الخلفاء، ويهمّنا عندئذ أن نوقف القارئ على شرذمة قليلة من الكثير الوافي ممّا نسجته يد الغلوّ من قصص الخرافة، وما لفّقته الأهواء والشَّهوات من فضائل اُناس من القوم منذ عهد الصّحابة وهلمّ جرّا، ونلمسك باليد الغلوّ الفاحش:

_ ١ _

زيد بن خارجة يتكلم بعد الموت

أخرج البيهقي باسناده عن سعيد بن المسّيب: انَ زيد بن خارجة الأنصاري توفّي زمن عثمان بن عفان فسجّي بثوبه، ثمَّ إنّهم سمعوا جلجلة في صدره ثمّ تكلّم ثمَّ قال: أحمد أحمد في الكتاب الأوّل، صدق صدق أبو بكر الصدّيق، الضعيف في نفسه، القويّ في أمر الله في الكتاب الأوّل، صدق صدق عمر بن الخطاب القويّ الأمين في الكتاب الأوّل، صدق صدق عثمان بن عفّان على منهاجهم مضت أربع وبقيت ثنتان أتت بالفتن وأكل الشَّديد الضعيف، وقامت السّاعة، وسيأتيكم عن جيشكم خبر بئر أريس، وما بئر أريس؟.

وفي لفظ آخر من طريق النعمان بن بشير قال: الأوسط أجلد الثلاثة الّذي كان لا يبالي في الله لومة لائم، كان يأمر النّاس أن يأكل قويّهم ضعيفهم، عبد الله أمير المؤمنين صدق صدق كان ذلك في الكتاب الأول. ثمّ قال: عثمان أمير المؤمنين وهو يعافي النّاس من ذنوب كثيرة، خلت اثنتان وبقي أربع، ثمّ اختلف النّاس وأكل بعضهم بعضا، فلا نظام وانتجت الأكما، ثمّ ارعوى المؤمنين وقال: كتاب الله وقدره، أيّها الناس: أقبلوا على أميركم واسمعوا وأطيعوا، فمن تولّى فلا يعهدنّ دماً وكان أمر الله قدراّ مقدورا، الله اكبر هذه الجنّة وهذه النّار، ويقول النبيّون والصدّيقون: سلامٌ عليكم، يا عبد الله إبن رواحة! هل أحسست لي خارجة لأبيه وسعداً اللّذين قتلا يوم اُحد؟ كلّا إنَّها

١٠٣

لظى نزّاعة للشّوى تدعو من أدبر وتولّى وجمع فأوعى. ثمّ خفت صوته. فسألت الرَّهط عمّا سبقني من كلامه فقالوا: سمعناه يقول: أنصتوا أنصتوا. هذا أحمد رسول الله، سلام عليك يا رسول الله! ورحمة الله وبركاته. أبو بكر الصدّيق الأمين، خليفة رسول الله كان ضعيفاّ في جسمه قويّاً في أمر الله صدق صدق، وكان في الكتاب الاوّل إلخ.

وفي لفظ القاضي في الشَّفا: قال: انصتوا انصتوا.محمّد رسول الله النّبيّ الامّي و خاتم النبيّين كان ذلك في الكتاب الأوّل. الخ.

راجع الاستيعاب ١: ١٩٢، تاريخ إبن كثير ٦: ١٥٦، الشفا للقاضي عياض، الروض الانف ٢: ٣٧٠، الاصابة ١: ٥٦٥، ج ٢، ٢٤، تهذيب التهذيب ٣: ٤١٠، الخصائص الكبرى ٢: ٨٥، شرح الشفا للخفاجى ٣: ١٠٨ فقال: هذا ممّا روته الطبرانى وأبو نعيم وابن مندة و رواه ابن ابى الدنيا عن أنس. وحكاه ص ١٠٥ عن ابن عبد البر وابن سيد الناس وابن الاثير والذهبي وابن الجوزى وابن ابى الدنيا.

قال الأميني: نعمت الدّعاية إلى مبادئ إعتنقها القوم ولم يقتنعوا بابتداعها حتّى دعموها بأمثال هذه، وللمنقّب أن يسهب في القول هاهنا لكنّا نحيله إلى رويّة القارئ ولنا أن نُسائل صاحب هذا المهزأة: هل القيامة قد قامت يوم مات فيه ابن خارجة فكلّم الله فيه الموتى؟ أو كان ذلك جواباً عن مسائلة البرزخ قد سمعه الملأ الحضور؟ أو أنَّ عقيدة الإماميّة في مسألة الرجعة قد تحقّقت فرجع ابن خارجة - ولم يكن رجوعه في الحسبان - لتحقيق الحقايق، غير أنّ تحقيقه إيّاها لم يعدُ التافهات؟ وهل كان ابن خارجة متأثّراً من عدم إشادته بأمر خلافة الخلفاء إبّان حياته وكان ذلك حسرة في قلبه حتى تداركه بعد الموت، وكان من كرامته على الله سبحانه أن منحه بما دار في خلده وهو ميّت؟ أو أنَّ الله تعالى كلّمه لإقامة الحجَّة على الاُمَّة وأراه من الكتاب الأوَّل ما لم يُره نبيّه الرّسول الأمين، وأرجأ هذا البلاغ لابن خارجة ومنحه ما لم يمنحه صاحب الرّسالة الخاتمة؟ وليت شعري لو كان إبن خارجة كشفت له عن الحقايق الرّاهنة الثابتة في الكتاب الأوّل، وأذن له ربّه أن يبلّغ امّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما فيه نجاحها ونجاتها، فلما ذا أخفى عليها اسم رابع الخلفاء الرّاشدين - أو الخليفة الحقّ - ولم يذكره؟! أو مَن الّذي أنساه ايّاه فجاء بلاغاً مبتوراً؟ أفتراه لم يأت ذكره في الكتاب الأوّل وما صدق وما

١٠٤

صدق، وهو نفس النبيّ الأعظم في الكتاب الثاني، والمطهّر بآية التطهير، وقد قرنت ولايته بولاية الله وولاية رسوله؟ إنّ هذا لشيءٌ عجاب.

ولعلّك لا تعجب من هذه الهضيمة بعد ما علمت أنَّ سلسلة هذه الرّواية تنتهي إلى سعيد بن المسيّب ونعمان بن بشير وهما هما، وقد أسلفنا البحث عنهما وأنّهما في طليعة مناوئي أمير المؤمنينعليه‌السلام :

وهنا مشكلةٌ اُخرى لا تنحلّ ألا وهي: انَّ ابن خارجة توفّي في عهد عثمان و أيّام خلافته، فهل الصّحابة العدول أو عدول الصّحابة رأوا هذه المكرمة من كثب و صدّقوها واذعنوا بنبأ إبن خارجة العظيم، ثمَّ نسوها مع قرب عهدهم بها كما نسوا عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم في مائة الف أو يزيدون، وأصفقوا على بكرة أبيهم المهاجر منهم والأنصار على قتل عثمان بعد تلك الحجّة البالغة وما شذَّ منهم محتجّاً على المتجمهرين عليه بنبأ ابن خارجة، كأن لم يكن شيئاً مذكورا؟

وأنت تعرف مقدار عقليّة اولئك الحفّاظ ومكانتهم من العلم والدِّين والثقة بروايتهم أمثال هذه المخازي وعدّهم إيّاها من الصّحاح والمسانيد، قاتل الله الحبَّ المعمي والمصمّ.

_ ٢ _

أنصارىّ يتكلم بعد القتل

أخرج البيهقي في عدّ من تكلّم بعد الموت قال: أنا أبو سعيد بن أبي عمر: ثنا ابو العبّاس محمّد بن يعقوب: ثنا يحيى بن أبي طالب: أنا عليّ بن عاصم: أنا حصين بن عبد الرّحمن، عن عبد الله بن عبيد الأنصاري قال: بينما هو يُوارون القتلى يوم صفين أو يوم جمل إذ تكلّم رجلٌ من الأنصار من القتلى فقال: محمّد رسول الله. ابو بكر الصدّيق عمر الشهيد، عثمان الرَّحيم. ثمَّ سكت(١) .

قال الأميني: في الاسناد يحيى بن أبي طالب، قال موسى بن هارون: أشهد أنّه يكذب عنّي في كلامه(٢) وعليّ بن عاصم قال خالد الحذّاء: كذّابٌ فاحذروه. وعن

____________________

١ - تاريخ ابن كثير ٦: ١٥٨.

٢ - لسان الميزان ٦: ٢٦٢.

١٠٥

شعبة أنّه قال: لا تكتبوا عنه. وعن يحيى بن معين: كذّابٌ ليس بشيء: وعنه: ليس بشيء ولا يحتجُّ به، ليس ممّن يكتب حديثه، وقال يزيد بن هارون: ما زلنا نعرفه بالكذب وقال البخاري: ليس بالقويِّ عندهم(١) .

والنظر في المتن لدة النظر في سابقه فيأتي هاهنا جميع ما ذكر هنالك فليس القتيل الأنصاري عن ابن خارجة ببعيد.

_ ٣ _

شيبان يحيى حماره

عن الشعبي قال: خرج رجلٌ من النخع يقال له: شيبان في جيش على حمار له في زمن عمر، فوقع الحمار ميّتاً، فدعاه أصحابه ليحملوه ومتاعه فامتنع، فقام فتوضّأ ثمَّ قام عند رأسه فقال: أللّهم إنّي أسلمت لك طائعاً، وهاجرت مختاراً في سبيلك ابتغاء مرضاتك، وإنَّ حماري كان يعينني ويكفيني عن النّاس، فقوِّني به، وأحيه لي، ولا تجعل لأحد عليَّ منَّة غيرك. فنفض الحمار رأسه وقام فشدَّ عليه ولحق بأصحابه. وذكر ابن أبي الدنيا من طريق مسلم بن عبد الله النخعي قصَّةً مثل هذه وسمّى صاحب الحمار نباتة بن يزيد. وأخرج الحسن بن عروة قصّة حمار عن أبي سبرة النخعي وقال: أقبل رجلٌ من اليمن. الخ.

تاريخ ابن كثير ٦: ١٥٣، ٢٩٢، الاصابة ٢: ١٦٩.

قال الأميني: ليس عزيزٌ على الله أن يخلق في مجاهيل امّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عسكر عمر مَن يضاهي روح الله عيسى بن مريم يحيي الموتى باذنه ولو كان المحيى حماراً، غير انَّ هذه وأمثالها تخصُّ برجال زمان أبي بكر وعمر وعثمان ومن بعدهم بمن يحبّهم و يعتنق ولائهم، وإن جاء حديث في كرامة غيرهم فمن الصَّعب المستصعب قبوله، والعقل والشَّرع والمنطق والبرهنة تأباه، وهنالك يحقُّ كلُّ جبلة ولغط، ويجري كلُّ ما يتصوّر من المناقشة في الحساب لماذا هي كلّها؟ أنا لا أدري وإن كان المحاسب يدري.

وللقوم قصَّة حمار عدّوها من دلائل النبوّة ذكرها ابن كثير بالاسناد المتّصل في تاريخه ٦: ١٥٠ ونحن نذكرها محذوف السند ونحيل البحث عنها إلى اولي الألباب

____________________

١ - تهذيب التهذيب ٧: ٣٤٥ - ٣٤٨.

١٠٦

من الامَّة المسلمة.

عن أبي منظور قال: لمـّا فتح الله على نبيِّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيبر أصابه من سهمه أربعة أزواج بغال، وأربعة أزواج خفاف، وعشر اواق ذهب وفضّة، وحمار اسود ومكتل، قال: فكلّم النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحمار، فكلّمه الحمار فقال له: ما اسمك؟ قال: يزيد بن شهاب، أخرج الله من نسل جدّي ستّين حماراً كلّهم لم يركبهم إلّا نبيّ، لم يبق من نسل جدّي غيري، ولا من الأنبياء غيرك، وقد كنت أتوقّعك أن تركبني، قد كنت قبلك لرجل يهودي، وكنت أعثر به عمداً، وكان يجيع بطني ويضرب ظهري، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سمّيتك يعفور، يا يعفور! قال: لبّيك. قال: تشتهي الاناث؟ قال: لا. فكان النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يركبه لحاجته فإذا نزل عنه بعث به إلى باب الرَّجل فيأتي الباب فيقرعه برأسه فإذا خرج إليه صاحب الدار أومأ إليه أن أجب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا قبض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء إلى بئر كان لأبي الهيثم بن التيهان فتردّى فيها فصارت قبره جزعاً منه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

_ ٤ _

عصا اسيد وعباد

عن أنس: كان اُسيد بن حضير، وعبّاد بن بشر عند النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ليلة ظلماء حندس، فلمّا خرجا أضاءت عصا أحدهما فمشيا في ضوئها، فلمّا افترقت بهما الطريق أضاءت عصا الآخر.

صحيح البخاري ٦: ٣، إرشاد السّاري ٦: ١٥٤، طرح التثريب ١: ٣٥، اسد الغابة ٣: ١٠١، تاريخ ابن كثير ٦: ١٥٢.

قال الأميني: أتصدّق انَّ أحداً لم يكن من عليّة الصّحابة كانت له هذه الكرامة الباهرة في اوليات الاسلام على عهد الصّادع الكريم، وتخفى على كلّ الناس وينحصر علمها بأنس ولم يروها غيره، ولم تشتهر عنه في الملأ الدينيّ؟!؟!

أتصدّق أن يكون الرَّجلان لهذه المكانة الرابية من الفضيلة وهما من متأخّري المسلمين أسلما بالمدينة، ولم يذكرهما نبيّ العظمة بتلك الكرامة ولو همسا، ولم

١٠٧

يعرّفهما امَّته ولو ركزا، ولم يعرفهما رجال الدّين تبلكم المكرمة طيلة حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

لعلّك لا يعزب عنك لماذا استحقّ اُسيد هذه المنقبة، وانّها انّما اختلقت بعد رسول الله للرَّجل لتقدّمه على المهاجرين والأنصار يوم السَّقيفة ببيعة أبي بكر، وهو أوّل رجل من الأنصار بايع يوم ذاك وشقّ عصا المسلمين، قال ابن الأثير(١) له في بيعة أبي بكر أثرٌ عظيم. وقال: كان ابو بكر الصدّيق يكرمه ولا يقدّم عليه أحداً. فهو حريٌّ بتلك البيعة أن يُشرّف بوسام من محبّذي ذلك الإنتخاب الدستوري الّذي لم يكن عن جدارة، كما استحقّ بها أبو عبيدة الجرّاح - حفّار القبور - أن يقبّل رجله عمر بن الخطاب(٢) ومن هنا تجد عائشة تثني على اُسيد بقولها: كان من أفاضل النّاس وقولها: ثلاثة من الأنصار لم يكن أحدٌ يعتدّ عليهم فضلاً بعد رسول الله: سعد بن معاذ، واُسيد بن حضير، وعبّاد بن بشر(٣) ، تقوله امّ المؤمنين وهي تعلم أنَّ من الأنصار بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقيّةٌ صالحةٌ بدريّون عقمت اُمُّ الدهور أن تأتي بمثلها كأبي أيّوب الأنصاري، وخزيمة ذي الشَّهادتين، وجابر بن عبد الله، وقيس بن سعد، إلى اناس آخرين. نعم: هؤلاء لا يروق امّ المؤمنين ذكرهم لأنّهم علويّون في ولائهم، وأمّا اُسيد فهو جديرٌ بهذه المدحة البالغة من امّ المؤمنين لنقضه عهد المصطفى في أخيه علم الهدى، وتسرّعه إلى بيعة أبيها وتدعيمه خلافته، فهو تيميُّ المبدأ والمنتهى. وعبّاد بن بشر لا تقصر خطواته في تلك الخلافة عن اُسيد، وقد قُتل تحت راية أبي بكر يوم اليمامة، ولعائشة ثناءٌ جميل عليه.

_ ٥ _

خمر صارت عسلا بدعاء خالد

عن الأعمش عن خيثمة قال: أتى خالد بن وليد برجل معه زقّ خمر فقال له خالد: ما هذا؟ فقال: عسل. فقال: أللهمّ اجعله خلّا فلمّا رجع إلى أصحابه قال: جئتكم

____________________

١ - اسد الغاية: ١: ٩٢.

٢ - تاريخ ابن كثير ٧: ٥٥.

٣ - اسد الغابة ٣: ١٠٠، مجمع الزوايد ٩: ٣١٠.

١٠٨

بخمر لم يشرب خمرٌ مثله. ثمَّ فتحه فإذا هو خلٌّ. فقال: أصابته والله دعوة خالد رضي الله عنه. وفي لفظ: اللّهم اجعله عسلاً فصار عسلاً. تاريخ ابن كثير ٧: ١١٤، الإصابة ١: ٤١٤.

قال الأميني: إقرأ صحيفة حياة خالد السّوداء ممّا مرّ في الجزء السّابع ص ١٥٦ - ١٦٨ ط ١ وسل عنه بني جذيمة ومالك بن نويرة وامرأته، وسل عنه عمر الخليفة، حتى تعرفه بعُجره وبُجره، ثمّ احكم بما تجد الرَّجل أهلاّ له.

_ ٦ _

أبو مسلم لا تحرقه النار

دعا الأسود العنسي - المتنبّي - أبا مسلم الخولاني عبد الله بن ثوب اليمني التابعيّ المتوفّى ٦٠ / ٦٢ فأجّج الأسود ناراً عظيمة وألقى فيها أبا مسلم فلم تضرّه، وأنجاه الله منها، فكان يشبه بإبراهيم الخليل، فوفد على أبي بكر مسلّماً فقال: ألحمد لِلّه الذي لم يمتني حتّى أراني من امَّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مَن فعل به ما فعل بابراهيم خليل الله.

وفي لفظ ابن كثير: فقدم على الصدّيق فاجلسه بينه وبين عمر وقال له عمر: ألحمد لله الذي لم يمتني حتّى اُري في امَّة محمّد مَن فُعل به كما فُعل بابراهيم الخليل وقبَّله بين عينيه.

الاستيعاب ٢: ٦٦٦، صفة الصفوة ٤: ١٨١، تاريخ ابن عساكر ٧: ٣١٨، تذكرة الحفّاظ للذهبي ١: ٤٦، تاريخ ابن كثير ٨: ١٤٦، شذرات الذهب ١: ٧٠، تهذيب التهذيب ١٢: ٢٣٦، وذكره السيّد محمّد أمين ابن عابدين في العقود الدريّة ٢: ٣٩٣ عن جدّه العمادي في رسالته ( الرّوضة الريّا فيمن دفن في داريا ) نقلاً عن أبي نعيم وابن عساكر وابن الزملكاني وابن كثير.

_ ٧ _

أبو مسلم يقطع دجلة بدعائه

أتى أبو مسلم الخولاني يوماً على دجلة وهي ترمي بالخشب من مدّها فوقف عليها ثمَّ حمد الله تبارك وتعالى وأثنى عليه، وذكر مسير بني إسرائيل في البحر، ثمَّ نهر دابَّته فخاضت الماء وتبعه الناس حتّى قطعوا.

١٠٩

أخرجه ابن عساكر في تاريخه ٧: ٣١٧.

_ ٨ _

سبحة أبى مسلم تسبّح بيده

كان أبو مسلم الخولاني بيده سبحة يسبّح بها فنام والسّبحة بيده فاستدارت والتفّت على ذراعه وجعلت تسبّح فالتفت إليها وهي تدور في ذراعه وهي تقول: سبحانك يا منبت النبات، ويا دائم الثبات. فقال لزوجته: هلمّي يا امّ مسلم! وانظري أعجب الأعاجيب، فجاءت والسَّبحة تدور تسبّح فلمّا جلست سكتت أخرجه الحافظ ابن عساكر في تاريخ الشّام ٧: ٣١٨.

_ ٩ _

وفد يسافر بلا زاد ولا مزاد

كان أبو مسلم الخولاني أتاه جماعةٌ من قومه فقالوا له: أما تشتاق إلى الحجِّ؟ قال: بلى لو أصبت لي أصحاباً فقالوا: نحن أصحابك، فقال: لستم لي بأصحاب أنا أصحابي قومٌ لا يريدون الزّاد ولا المزاد قالوا: سبحان الله وكيف يسافر قومٌ بلا زاد و لا مزاد؟ فقال لهم: ألا ترون إلى الطّير تغدو وتروح بلا زاد ولا مزاد والله يرزقها وهي لا تبيع ولا تشتري ولا تحرث ولا تزرع؟ قالوا: فإنّا نسافر معك فقال لهم: تهيّأوا على بركة الله. فغدوا من غوطة دمشق ليس معهم زادٌ ولا مزاد، فلمّا انتهوا إلى المنزل قالوا: يا أبا مسلم! طعامٌ لنا وعلفٌ لد وابّنا فقال لهم: نعم فتنحّى بعيداً فتسنّم أحجاراً فصلّى فيه ركعتين، ثمّ جثى على ركبتيه فقال: الـ~ـهي قد تعلم ما أخرجني من منزلي، و إنّما خرجت زائراً لك، وقد رأيت البخيل من أولاد آدم تنزل به العصابة من الناس فيوسعهم قِرى وإنّا أضيافك وزوَارك فأطعمنا واسقنا واعلف دوابّنا، فاُتي بسفرة فمدّت بين أيديهم، وجيء بجفنة من ثريد تنجر، وجيء بقلّتين من ماء، وجيء بالعلف لا يدرون من يأتي به، فلم تزل هذه حالهم منذ خرجوا من عند أهاليهم حتّى رجعوا لا يتكلّفون زاداً ولا مزاداً.

أخرجه الحافظ ابن عساكر في تاريخ الشّام ٧: ٣١٨.

قال الأميني: أنا لم أفض في المقام بذأمة، وإنّما اُوجّه نظر الباحث شطر كلمة

١١٠

طاش كبرى زادة قال في مفتاح السعادة ٣: ٣٤٥: من يخوض في البراري من غير زاد لتصحيح التوكّل ذلك بدعةٌ إذ السّلف كانوا يأخذون الزّاد ويتوكّلون.

_ ١٠ _

دعاء أبى مسلم لمرأة وعليها

كان أبو مسلم الخولاني إذا دخل داره فكان في وسطها كبر فيدخل فينزع ردائه وحذاءه وتأتيه إمرأته بطعام فيأكل فجاء ذات ليلة فكبّر فلم تجبه، ثمَّ أتى باب البيت فكبّر وسلّم وكبَّر فلم تجبه، وإذا البيت ليس فيه سراجٌ وإذا هي جالسةٌ بيدها ود « كذا » تنكت به الأرض فقال لها: مالكِ؟ فقالت: الناس بخير وأنت أبو مسلم لو انّك أتيت معاوية فيأمر لك بخادم ويعطيك شيئاً تعيش به؟ فقال: أللّهم من أفسد عليَّ أهلي فاعم بصره. وكانت أتتها امرأة فقالت: أنت امرأة أبي مسلم الخولاني فلو كلّمت زوجك يكلّم معاوية ليخدمكم ويعطيكم. فبينا هذه المرأة في منزلها إذا أنكرت بصرها فقالت: سراجكم طفئ؟ فقالوا: لا. فقالت: إنّا لِلَّه، ذهب بصري، فأتت إلى أبي مسلم فلم تزل تناشده الله وتطلب إليه حتى دعا الله فردَّ بصرها ورجعت امرأته إلى حالها التّي كانت عليها. أخرجه إبن عساكر في تاريخه ٧: ٣١٧.

قال الأميني: ما أقسى صاحب هذه المعاجز حيث أعمى امرأة مسلمة من غير ذنب تستحقّ لأجله مثل هذه العقوبة؟ فإنَّ مراجعة معاوية كبقيَّة المسلمين وهو أميرهم فيما حسبوه - والرّجل في الرَّعيل الأوَّل من شيعته - للتوسيع عليه ليس فيها إقتراف مأثم ولا اجتراح سيّئة تستحقُّ المسكينة عليها التنكيل بها، فهلاّ دعا الله سبحانه أن يهديها وامرأته أن يثبت قلبيهما على الصّبر والتقوى إن كان يعلم من نفسه إجابة دعوته؟ لكنّه أبى إلّا القسوة، أو أنَّ المغالي في فضله إفتعل له ذلك ذاهلاً عن انَّ ما افتعله يمسّ كرامة الرَّجل، ونحن نجلّ ساحة قدس المولى سبحانه عن أن تكون عنده إجابة لمثل هذه الدَّعوة الصادرة عن الجهل.

_ ١١ _

ألظبى يحبس بدعاء ابى مسلم

أخرج إبن عساكر في تاريخه ٧: ٣١٧ عن بلال بن كعب قال: ربما قال الصّبيان

١١١

لأبي مسلم الخولاني: ادع الله يحبس علينا هذا الظبي فيدعو الله فيحبسه حتّى يأخذوه بأيديهم.

قال الأميني: لقد راق القوم أن لا يدعوا للأنبياء والرّسل معجزة أو آية إلّا و سحبوها إلى مَن أحبّوه من رجال عاديّين، بل راقهم أن يثبتوا لأوليائهم كلّ شيء أباحه العقل أو أحاله، أنا لا أدري أيريدون بذلك تخفيضاً من مقام الرُّسل؟ أو ترفيعاً لهؤلاء؟! وأيّاماً أرادوا فحسب رواة السّوء رواية غير المعقول، وخلط الحابل بالنابل.

أتعرف أبا مسلم الخولاني صاحب هذه الخزعبلات؟ أتدري لماذا استحقّ الرَّجل بنسج هذه الكرامات له على نول الإفتعال؟ أتصدِّق أن يكون تحت راية ابن هند في الفئة الباغية رجلٌ إلـ~ـهيّ يؤمَن به وبايمانه، ويصدَّق زلفاه إلى ربّه، فضلاً عن أن يكون صاحب حفاوة وكرامة؟! أتزعم أن تربِّي قاعة الشّام في عصر معاوية إنساناً يعرف ربّه، ويكون من أمره على بصيرة، ولا تزحزحه عن سبيل الحقِّ والرشاد رضايخ ذلك الملك العضوض؟! نعم إنَّما نسجت يد الإختلاق هذه المفتعلات كوسام لأبي مسلم شكراً على تقدّمه في ولاء أبناء بيت اميَّة، وعداءه المحتدم لأهل بيت الوحي، كان الرجل عثمانيّاً امويَّ النزعة، خارجاً على إمام زمانه تحت راية القاسطين، وهو القائل: يا أهل المدينة! كنتم بين قاتل وخاذل، فكلًّا جزى الله شرّا، يا أهل المدينة! لأنتم شرٌّ من ثمود إنَّ ثمود قتلوا ناقة الله، وأنتم قتلتم خليفة الله، وخليفة الله اكرم عليه من ناقته.

وهو الّذي كان سفير معاوية إلى عليّ في حرب صفّين، وقد أتى ببعض كتبه إلى الامامعليه‌السلام ولمـّا أقامعليه‌السلام عليه الحجّة وأفحمه فخرج وهو يقول: الآن طاب الضِّراب.

وهو الذي كان يرتجز يوم صفّين ويقول:

ما علّتي ما علّتي. وقد لبست درعتي. أموت عند طاعتي؟!(١)

أترى مَن يموت في طاعة ابن هند، ويركض وراء أهوائه وشهواته، ويتَّخذه إماماً متَّبعاً في أفعاله وتروكه، ويحارب إمام زمانه المطهَّر بلسان الله تعالى ولم يعرفه، ويضرب الصَّفح عمّا جاء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حرب عليّعليه‌السلام وسلمه عامّة، وفي

____________________

١ - صفين نصر بن مزاحم ٩٥ - ٩٨، تاريخ ابن عساكر ٧: ٣١٩، شرح ابن ابى الحديد ٣: ٤٠٨.

١١٢

قتاله يوم صفّين خاصّة، وتكون له خطوات واسعة وأشواط بعيدة في تلكم البوائق المدلهمَّة، والمواقف الموبقة، توهب له من المولى سبحانه وتعالى تلك المنزلة الرّفيعة من الكرامة الّتي تضاهي منازل الأنبياء، ويقصر عنها مقام كلّ وليّ صادق؟! لا ها الله، إن هي إلّا اختلاق، لا تساعدها البرهنة الصّادقة، ولا يسوّغها الاسلام ومبانيه ومباديه، ولا يقبلها العقل والمنطق.

قاتل الله العصبيّة العمياء، إلى أيّ هوَّة من التعاسة والإنحطاط تحدو البشر؟ تجعل أبا مسلم الشاميَّ الخارجيَّ الباغي المحارب إمام وقته زاهداً عابداً ناسكاً ذا كرامات ومقامات، وتعرِّف سيّد غفار أشبه النّاس بعيسى بن مريم زهداً وهدياً وبرّاً ونسكاً، الممدوح بلسان النبيِّ الأعظم(١) شيوعيّاً اشتراكيّاً يموت في المعتقل غفرانك اللّهم وإليك المصير.

_ ١٢ _

الربيع يتكلم بعد الموت

عن ربعي بن خراش(٢) العبسي قال: مرض أخي الربيع بن خراش فمرَّضته ثمَّ مات فذهبنا نجهِّزه، فلمّا جئنا رفع الثوب عن وجهه ثمّ قال: السَّلام عليكم، قلنا: وعليك السَّلام، قدمت؟ قال: بلى ولكن لقيت بعدكم ربّي ولقيني بروح وريحان وربّ غير غضبان، ثمَّ كساني ثياباً من سندس أخضر، وإنِّي سألته أن يأذن لي أن اُبشّركم فأذن لي، وإنَّ الأمر كما ترون، فسدِّدوا وقاربوا، وبشِّروا و لا تنفروا(٣) .

وفي لفظ أبي نعيم: انّه توفّي أخي - ربيع بن حراش - فبينا نحن حوله وقد بعثنا من يَبتاع له كفناً إذ كشف عن وجهه فقال: السَّلام عليكم. فقال القوم: وعليك السَّلام يا أخاه! عيشاً بعد الموت؟ يعني حياة. قال: نعم إنِّي لقيت ربِّي بعدكم فلقيت

____________________

١ - راجع الجزء الثامن ص ٣١٥ - ٣٢٤ ط ١.

٢ - كذا بالمعجمة فى غير واحد من المصادر والصحيح كما فى تهذيب التهذيب: حراش. مهملة الاول.

٣ - تاريخ ابن كثير ٦: ١٥٨، الروض الانف ٢: ٣٧٠، صفة الصفوة ٣: ١٩.

١١٣

ربّاً غير غضبان، واستقبلني بروح وبريحان واستبرق، ألا وإنَّ أبا القاسمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينتظر الصَّلاة عليَّ، فعجّلوا بي ولا تؤخّروني، ثمَّ كان بمنزلة حصاة رمي بها في الطست(١) .

وفي لفظ: مات أخي الربيع فسجّيته فضحك فقلت: يا أخي! أحياةٌ بعد الموت؟ قال: لا، ولكنّي لقيت ربّي فلقيني بروح وريحان ووجه غير غضبان، فقلت: كيف رأيت الأمر؟ قال: أيسر ممّا تظنّون، فذكر لعائشة فقالت: صدق ربعي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من امّتي مَن يتكلّم بعد الموت(٢) .

قال الأميني: لست أدري لماذا استحال القوم القول بالرّجعة، وليست هي إلّا رجوع الحياة للميِّت بعد زهوق النّفس، وهم يروون أمثال هذه الرّواية وما مرّ في ص ١٠٣ مخبتين إليها من دون أيّ غمز بها، وإن مغزاها إلّا من مصاديق الرَّجعة. نعم لهم أن يناقشوننا الحساب باقترابها من الموت وبُعدها عنه، أو بطول أمدها وقصره، أو بقصر جوازها على تأييد المذهب فحسب، أو بحصر نطاقها بغير العترة الطاهرة فقط، غير انَّ هذه كلّها لا تؤثّر في جوهريَّة الامكان، ولا تصيّره محظوراً غير سائغ عقلاً أو شرعاً.

وشتّان بين قصَّة ابن حراش هذه وبين ما جاء به ابن سعد في طبقاته ٣: ٢٧٣ عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: سمعت رجلاً من الأنصار يقول: دعوت الله أن يُريني عمر في النوم فرأيته بعد عشر سنين وهو يمسح العرق عن جبهته فقلت: يا أمير المؤمنين! ما فعلت؟ فقال: الآن فرغت، ولولا رحمة ربّي لهلكت. وذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء ص ٩٩.

وأخرج ابن الجوزي في سيرة عمر ص ٢٠٥ عن عبد الله بن عمر قال: رأى عمر في المنام فقال: كيف صنعت؟ قال: خيراً. كاد عرشي يهوى لولا إنّي لقيت ربّاً غفورا. فقال: منذ كم فارقتكم؟ فقلت: منذ اثنتي عشر سنة. فقال: إنَّما انفلت الآن من الحساب وروى نحوه الحافظ المحبّ الطبري في الرّياض ٢: ٨٠.

هذا عمر الخليفة وحراجة موقفه في الحساب، لا يستقبله ربّه بروح وريحان، ولا يكسوه ثياباً من استبرق أخضر، ولا انتظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يصلّي عليه، وقد انفلت

____________________

١ - حلية الاولياء ٣: ٢١٢.

٢ - الخصايص الكبرى ٢: ١٤٩.

١١٤

من الحساب بعد اثنتي عشرة سنة، ولولا رحمة ربّه لهلك. وذاك ابن حراش(١) . وأمره الاِمر السَّريع، فانظر مآل الرَّجلين واحكم.

_ ١٣ _

أربعة آلاف تعبر الماء

عن أبي هريرة وأنس قالا: جهَّز عمر بن الخطاب جيشاً واستعمل عليهم العلاء بن الحضرمي، وكنت في غزاته فأتينا مغازينا فوجدنا القوم قد بدروا بنا فعفّوا آثار الماء والحرّ شديد، فجهدنا العطش ودوابّنا وذلك يوم الجمعة، فلمّا مالت الشَّمس لغروبها صلّى بنا ركعتين، ثمّ مدَّ يده إلى السَّماء، وما نرى في السَّماء شيئاً، قال: فوالله ما حطَّ يده حتّى بعث الله ريحاً وأنشأ سحاباً، وأفرغت حتّى ملأت الغُدُر والشِّعاب، فشربنا وسقينا ركابنا واستقينا، ثمَّ أتينا عدوَّنا وقد جاوزوا خليجاً في البحر إلى جزيرة، فوقف على الخليج وقال: يا عليّ يا عظيم يا حليم يا كريم. ثمَّ قال: أجيزوا بسم الله. قال: فأجزنا ما يبلّ الماء حوافر دوابّنا، فلم نلبث إلّا يسيراً فأصبنا العدوّ عليه فقتلنا وأسرنا وسبينا، ثمَّ أتينا الخليج فقال مثل مقالته، فأجزنا ما يبلّ الماء حوافر دوابّنا. وفي لفظ الصَّفوري: وكان الجيش أربعة الآف.

فلم نلبث إلّا يسيراً حتّى رُمي في جنازته. قال: فحفرنا له وغسَّلناه ودفنّاه، فأتى رجلٌ بعد فراغنا من دفنه فقال: مَن هذا؟ فقلنا: هذا خير البشر، هذا ابن الحضرمي فقال: إنَّ هذه الأرض تلفظ الموتى، فلو نقلتموه إلى ميل أو ميلين إلى أرض تقبل الموتى، فقلنا: ما جزاء صاحبنا أن نعرضه للسِّباع تأكله، قال: فاجتمعنا على نبشه فلمّا وصلنا إلى اللّحد إذا صاحبنا ليس فيه، وإذا اللّحد مدّ البصر نور يتلألأ، قال: فأعدنا التراب إلى اللّحد ثمَّ ارتحلنا(٢) .

قال الأميني: نحن لا ننبس هاهنا ببنت شفة ولا نحوم حول إسناده الباطل، ولا نؤاخذ رواة القصَّة بقولهم في الحضرمي: هذا خير البشر. وانّه كذب فاحش يخالف

____________________

١ - لا يوجد له ذكر فى معاجم التراجم.

٢ - تاريخ ابن كثير ٦: ١٥٥، نزهة المجالس ٢: ١٩١، و اوعز اليها ابنا الاثير وحجر فى اسد الغابة ٤: ٧، والاصابة ٢: ٤٩٨ فقالا: خاض البحر بكلمات قالها ودعا بها.

١١٥

ما أجمعت عليه الاُمَّة، وليس على الله بعزيز أن يجعل أفراد جيش جهّزه عمر كلّها صاحب كرامة، لكنّا لا نعرف معنى قولهم: إنّ هذه الأرض تلفظ الموتى، أيّ أرض هذه؟ وفي أيِّ قطر هي؟ وهل هي تعرف بهذه الصَّفة عند الملأ؟ وهل هي شاعرة بخاصّتها هذه أو لا تشعر؟ وهل هي باقيةٌ عليها إلى يومنا هذا؟ وكيف شذّت عن بقاع الأرض بهذه الخاصّة؟ ولماذا هي؟ وكيف تخلّفت عن ذاتيّها في خصوص هذا المقبور؟ وهل كان الرّجل في القبر لمـّا نبشوه مجلّلاً بالأنوار وقد أعشتهم عن رؤيته فحسبوه مفقوداً، أو انّه غادر القبر إلى جهة لا تُعرف، وترك فيه أنواره؟ أنا لا أدري، وهل في مُنَّة الرّاوي أو مدوّن القصَّة أو مفتعلها أو من قاصَّها الجواب عن هذه الأسؤلة؟

_ ١٤ _

جيش تعبر الماء بدعاء سعد

أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيشاً إلى مدائن كسرى، فلمّا بلغوا شاطئ الدَّجلة لم يجدوا سفينة فقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو أمير السريَّة، وخالد بن الوليد رضي الله عنه: يا بحر! انّك تجري بأمر الله، فبحرمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعدل عمر رضي الله عنه إلّا ما خلّيتنا والعبور. فعبروا هم وخيلهم وجمالهم فلم تبتلّ حوافرها(١) .

قال الأميني: ليس في إمكان حوافر الخيل والجمال أن تبتلَّ بعد دعاء ذلك الرّجل الالـ~ـهيّ العظيم - سعد - المتخلّف عن بيعة الإمام المعصوم، والخارق لاجماع الاُمَّة وهي لا تجتمع على الخطاء، ولا سيّما إذا شفعته بزميله خالد بن الوليد الزاني الفاتك الهاتك صاحب المخازي والمخاريق، وإلى الغاية لم يتّضح لنا انّ الله تعالى بماذا أبرَّ قسم الرَّجل أبمجموع المقسم به من حرمة محمّد وعدل عمر؟ بحيث كان إبرار القسم منبسطاً عليهما معاً على حدّ سواء. أم أنّه وليد القسم بحرمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحسب؟ لما نرتأيه من عدم قيام وزن لعدل عمر عند من أمعن النظرة في أفعاله وتروكه، وقد أسلفنا نبذاً من ذلك في نوادر الأثر في الجزء السّادس.

____________________

١ - نزهة المجالس للصفورى ٢: ١٩١.

١١٦

_ ١٥ _

دعاء سعد يؤخر أجله

اخرج ابن الجوزي في صفة الصفوة ١: ١٤٠ من طريق لبيبة قال: دعا سعد فقال: يا ربّ إنّ لي بنين صغاراً فأخر عنّي الموت حتّى يبلغوا، فأخَّر عنه الموت عشرين سنة.

قال الأميني: ما أكرم أولاد سعد على الله وفيهم عمر بن سعد قاتل الإمام السّبط الشهيد؟ فحقّاً كان على الله أن يستجيب دعوة سعد ويؤخّر أجله حتى يربّي مَن له قدمٌ وأيّ قدم في قتل ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإبادة أهله.

وليتني أدري من الّذي أخبر سعداً أو لبيبة أو من روى القصّة ومن حفظها بأنَّ سعداً قد أتاه أجله المحتوم الّذي( إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَ لاَ يَسْتَقْدِمُونَ‌ ) (١) ( وَ مَا کَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ کِتَاباً مُؤَجَّلاً ) (٢) فأخّره الله عنه ببركة دعاءه عشرين عاماً مدّة معيّنة؟ هل تجد مثل هذا العلم عند العاديّين من البشر أمثال سعد ولبيبة؟ وهل لكلّ ابن اُنثى طريق إلى الكشف عن تلكم المغيّبات؟ نعم ليس على الله بمستنكر أن يطلع على غيبه أيَّ إنسان خلق جهولاً سعيداً أو شقيّا،( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً، إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُکُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ) (٣) .

_ ١٦ _

سحابة تروى وتنبت

عن الحسن البصري قال: مات هرم بن حيّان - في خلافة عثمان - في يوم صائف شديد الحرّ فلمّا نفضوا أيديهم عن قبره جاءت سحابة تسير حتّى قامت على قبره فلم تكن أطول منه ولا أقصر فرشَّته حتّى روّته ثمَّ انصرفت.

وفي لفظ قتادة: امطر قبر هرم بن حيّان من يومه، وأنبت العشب من يومه(٤) . نحن لا نستعظم هذه الكرامة لهرم بن حيّان في مماته، فإنَّ بقائه في بطن امّه اربع

____________________

١ - سورة يونس ٤٩.

٢ - سورة آل عمران: ١٤٥.

٣ - سورة الجن: ٢٦، ٢٧.

٤ - حلية الاولياء ٢: ١٢٢، صفة الصفوة ٣: ١٣٩، الاصابة ٣: ٦٠١.

١١٧

سنين(١) أعظم وأعجب، سبحان الخالق القادر.

_ ١٧ _

ابراهيم التيمى يواصل اربعين

عن الأعمش قال: قلت لابراهيم التيميّ المتوفّى ٩٢: بلغني انَّك تمكث شهراً لا تأكل شيئاً.

فقال: نعم وشهرين، وما أكلت منذ أربعين ليلة إلّا حبَّة عنب ناولنيها أهلي فأكلتها ثمَّ لفظتها في الحال.

كذا في طبقات الشَّعراني ١: ٣٦، وفي إحياء العلوم للغزالي ١: ٣٠٩: انَّه كان يمكث أربعة أشهر لم يطعم ولم يشرب.

لعلَّ النّطس وعلماء الطبِّ يضحكون على هذه العقليَّة السَّخيفة، غير انَّ قصَّة الطويِّ عندِ القوم مشكلةٌ لا تنحلّ، يحار دونها العقل، ولا يسمع فيها قضاء الطبيعة، ولا يتّخذ فيها الناموس المطّرد ممّا خلق الله عليه البشر، ولا يصحّحها إلّا المغالاة في الفضائل، وهناك فئةٌ تضاهي إبراهيم التيميَّ في هذه الدَّعوى المجرّدة، أو تربو عليه في الفضيلة، وسيوافيك ذكر بعضها.

_ ١٨ _

حافظ دعا على رجل فمات

روى غيلان بن جرير البصري: إنَّ رجلاً كذب على مطرف بن عبد الله الحافظ البصري المتوفّى سنة ٩٥ فقال مطرف، اللّهم إن كان كاذباً فأمته فخرَّ مكانه ميّتاً(٢) .

قال الأميني: ليس هذا المستجاب دعوته ببعيد في القسوة عن أبي مسلم الخولاني الّذي أعمى المرأة من غير ذنب، والكذب وإن كان محرَّماً لكن ليس الجزاء عليه إعدام صاحبه، وليس من السَّهل السائغ أن تستجاب دعوة كلِّ غير معصوم على من عادى عليه وفيهم من رجال الغضب الثائر مثل أبي مسلم الخولاني ومطرف البصري، وإلّا لوجب على الاُمَّة المستجابة دعوتهم أن تدعو على الكذبة، وعلى الله أن يجيبهم بقتل رواة هذه

____________________

١ - راجع تفسير روح البيان ٤: ٣٤٧.

٢ - طبقات الحفاظ الذهبى ١: ٦٠، دول الاسلام ١: ٤٧، الاصابة ٣: ٤٧٩، تهذيب التهذيب ١: ١٧٣.

١١٨

القصص فتشاد وتعمر بقاعٌ بأجداث كثيرين من الحفّاظ وأئمّة الحديث ورماة القول على عواهنه، حتى تستريح اُمَّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذه السَّفاسف التّي لا مقيل لها من الإعتبار، ولا لها نهاية.

_ ١٩ _

سحابة تظل كرز بن وبرة

عن أبي سليمان المكتب: قال صحبت كرز بن وبرة إلى مكة فكان إذا نزل أخرج ثيابه فألقاها في الرَّحل ثمّ تنحّى للصّلاة فإذا سمع رغاء الإبل أقبل، فاحتبس يوماً عن الوقت، فانبثَّ أصحابه في طلبه فكنت فيمن طلبه قال: فأصبته في وهدة يصلّي في ساعة حارَّة وإذا سحابةٌ تظلّه فلمّا رآني أقبل نحوي فقال: يا أبا سليمان! لي إليك حاجة، قال: قلت: وما حاجتك يا أبا عبد الله؟! قال: اُحبُّ أن تكتم ما رأيت. قال: قلت ذلك لك يا أبا عبد الله! فقال: أوثق لي فحلفت ألّا اُخبر به أحداً حتّى يموت.

حلية الأولياء للحافظ أبي نعيم ٥: ٨٠، الإصابة ٣: ٣٢١.

_ ٢٠ _

فقير يجعل الارض ذهباً

عن الحسن البصري رحمة الله عليه قال: كان بعبادان رجلٌ فقيرٌ أسود يأوي إلى الخرابات فحصل معي شيىءٌ فطلبته فلمّا وقعت عينه عليَّ تبسّم وأشار بيده إلى الأرض فصارت الأرض كلّها ذهباً تلمع ثمَّ قال: هات ما معك. فناولته وهالني أمره فهربت. الروض الفائق ص ١٢٦.

إقرأ وتعجّب. اضحك أو ابك.

_ ٢١ _

الغطفاني ميت يتبسم

عن الحارث الغنوي قال: آلى ربعي بن حراش الغطفاني المتوفّى ١٠١ / ٤، أن لا يضحك حتّى يعلم في الجنّة هو أو في النّار، فلقد أخبرني غاسله انَّه لم يزل متبسّماً على سريره ونحن نغسّله حتّى فرغنا منه. صفة الصّفوة لابن الجوزي ٣: ١٩، طبقات الشّعراني ١: ٣٧، تاريخ ابن عساكر ٥: ٢٩٨.

١١٩

_ ٢٢ _

عمر بن عبد العزيز في التوراة

عن خالد الرّبعي قال: مكتوبٌ في التوراة: انَّ السّماء والأرض لتبكي على عمر بن عبد العزيز أربعين صباحاً.

الروض الفائق للحريفيش ص ٢٥٥.

لعلَّ هذه الخاصّة لعمر بن عبد العزيز خاصّة بتوراة الرّبعي فإنَّ توراة موسىعليه‌السلام ما كانت موجودة في تلكم العصور، فلا يقف عليها الرّبعي وغيره، وأمّا التوراة المحرّفة فأيّ حجّة لما فيها من أساطير، على انَّ نسخ التوراة الموجودة الآن على اختلاف طبعاتها خاليةٌ عن هذا العز والمختلق.

وحسبك في عرفان خطر عمر بن عبد العزيز قول الإمام أحمد بن حنبل لمـّا سُئل: ايّما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز: فقال: لغبارٌ لحق بأنف جواد معاوية بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيرٌ من عمر بن عبد العزيز(١)

وقال عبد الله بن المبارك: ترابٌ في أنف معاوية أفضل من عمر بن عبد العزيز. و في لفظ: لترابٌ في منخري معاوية مع رسول الله خيرٌ و افضل من عمر بن عبد العزيز(٢) . فما خطر رجل يكون تراب منخر ابن هند أو منخر جواده أفضل منه حتّى يُذكر في التوراة؟ أو تبكي عليه السّماء والأرض اربعين يوماً؟ فما بكت عليهم السّماء والأرض وما كانوا منظرين.

_ ٢٣ _

رعاء الشاة فى خلافة عمر بن عبد العزيز

قال اليافعي في - روض الرَّياحين - ص ١٦٥: حكي انّه لمـّا ولي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الخلافة قال رعاء الشّاة في رأس الجبال: مَن هذا الخليفة الصّالح الّذي قد قام على النّاس؟ فقيل لهم: وما أعلمكم بذلك؟ قالوا: إنّه إذا قام خليفةٌ صالحٌ كفَّ الذئاب والاُسد عن شياهنا.

____________________

١ - شذرات الذهب ١: ٦٥.

٢ - تاريخ ابن كثير ٨: ١٣٩، الصواعق ص ١٢٧.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402