الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١١

الغدير في الكتاب والسنة والأدب14%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 402

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 402 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 158854 / تحميل: 3878
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١١

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

ومنها: ما نطَقَ بتقبيل جابر رِجل السجّادعليه‌السلام في كربلاء ساعَة ورودهعليه‌السلام لزيارة الأربعين(١) .

ومنها: ما ورَد في تقبيل القاسم بن الحسنعليه‌السلام يدي الحسينعليه‌السلام ورجليه؛ لتحصيل الإذن في الجهاد يوم الطف(٢) .

ــــــــــــــــــ

(١) ذكر العلاّمة المازندرانيرحمه‌الله المتوفّى (١٣٨٤) في معالي السبطين: ج٢، ص١٨٣، ط قم الشريف الرضي، عن عطيّة العوفي بعدما جاء مع جابر بن عبد الله الأنصاري لزيارة الأربعين بينما كنّا مشغولين بمراسم الزيارة والدعاء، فإذا بسوادٍ قد أقبل علينا من ناحية الشام، فقلت: يا جابر أنّي أرى سواداً عظيماً مقبلاً علينا من ناحية الشام، فالتفتَ جابر إلى غلامه وقال لـه:

انطلق وانظر ما هذا السواد ؟ فإنْ كانوا من أصحاب عبيد الله بن زياد لعلّنا نلجأ إلى ملجأ، وإنْ كان هذا سيّدي ومولاي زين العابدين فأنتَ حرّ لوجه الله، فانطلق الغلام فما كان بأسرع من أنْ رجعَ إلينا وهو يلطم على وجهه وينادي قم يا جابرُ واستقبل حرمَ رسول الله فهذا سيّدي ومولاي عليّ بن الحسينعليه‌السلام قد أقبل مع عمّاته وأخواته ليجدّدوا العهدَ بزيارة الحسينعليه‌السلام ، فقام جابر ومَنْ معه واستقبلهم بصراخٍ وعويل يكادُ الصخرُ أنْ يتصدّع منه، ولمّا دنى من الإمام انكبّ على أقدامه يُقبلها ويقول: سيّدي عظّم اللهُ لك الأجر بعموتك وأخوتك، فقال الإمامعليه‌السلام : أنتَ جابر قال: نعم سيّدي أنا جابر، فقالعليه‌السلام : يا جابر هاهنا قُتِلَ أبو عبد الله، يا.جابر هاهنا ذُبِحتْ أطفال أبي.

(٢) قال الشيخ عبّاس القمّيرحمه‌الله المتوفّى (١٣٥٩هـ) في نَفَس المهموم: ص٢٩٢، ط قم: ( قيل لمّا نظر الحسينعليه‌السلام إليه ـ القاسم بن الإمام الحسنعليه‌السلام ـ قد برزَ اعتنقه وجعلا يبكيان حتّى غُشِيَ عليهما، ثُمّ استأذن الحسينعليه‌السلام في المبارزة، فأبىعليه‌السلام أنْ يأذنَ لـه، فلم يزل الغلام يُقبّل يديه ورجليه حتّى أذِنَ لـه...) فراجع مقتل الحسينعليه‌السلام للشيخ محمّد حسين كاشف الغطاءرحمه‌الله المتوفّى (١٣٧٣هـ): ص٥٤، ط قم، ومعالي السبطين للمازندراني: ج١، ص٤٥٣، ومقتل الحسينعليه‌السلام أو واقعة الطفّ للسيّد محمّد تقي آل بحر العلوم المتوفّى (١٣٩٣هـ): ص٣٥٦، ط قم.

٢١

إلى غير ذلك من الأخبار الحاكِيَة لوقوع التقبيل لأرْجُل الأئمّةعليهم‌السلام وعدم منعهمعليهم‌السلام المقبِّل عن ذلك(١) ، والذي أظنّ والله العالم إنّ مَنْعَهعليه‌السلام

أبا حمزة في الخبر المزبور من تقبيل قَدَميه، معلّلاً بحرمة السجود لغير الله سبحانه إنّما وقع تقيّةً وخوفاً.

ــــــــــــــــــ

(١) منها ما ورد في الكافي: ج٢، ص١٤٥، ح٤، باب التقبيل: (محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحجال، عن يونس ابن يعقوب قال: قلتُ لأبي عبد اللهعليه‌السلام : ناولني يدك أُقبلهُا فأعطانيها، فقلتُ: جُعِلتُ فداك رأسك ففعل فقبلّته، فقلتُ: جُعِلتُ فداك رجلاك، فقال أقسمتُ، أقسمتُ، أقسمتُ ثلاثاُ وبقي شيء، وبقي شيءٌ وبقي شيءٌ).

قال السيّد عبد الله شبّررحمه‌الله في مصابيح الأنوار: ج٢، ص٥٤، ط بيروت: هذا الحديث من الغوامض ويُحتمل وجوهاً: فذكررحمه‌الله ستّ احتمالات منها:

أنْ يكونَ المعنى أقسمتَ أنتَ أنْ تُقبل الأعضاء الثلاثة وقد قبلّتَ اثنين منها وبقي شيءٌ واحد وهو الرجل فقبّلها لتبرَّ قسمك فخذ قبلّها.

وأيضاً من الأحاديث المجوّزة للتقبيل ما ذكره الكليني في الكافي: ج٢، ص١٨٥، ح٢، باب التقبيل: (عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن رفاعة بن موسى، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ( لا يُقبّل رأسَ أحدٍ ولا يده إلاّ يدُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو مَنْ أُريد به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال السيّد عبد الله شبّر المتوفى (١٣٢٤هـ) في مصابيح الأنوار: ج٢، ص٥٥، ح٢١: (يُحتمل أن يكون المراد بَمنْ أُريد به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عترته الطاهرين والأئمّة المعصومين).

وممّا يعضد كلامهرحمه‌الله الحديث المروي في الكافي: ج٢، ص١٨٥، ح٣، بعده مباشرةً: عن زيد النرسي، عن عليّ بن مزيد صاحب السابري قال: دخلتُ على أبي عبد اللهعليه‌السلام فتناولتُ يده فقبّلتُها، فقال: ( أما إنّها لا تصلح إلاّ لنبيٍّ أو وصيّ نبيّ ).

وعلّق قائلاً ـ السيّد شبّرـ: (ويُحتمل أنْ يراد به ما هو أعم من ذلك لسائر صالحي ذرّيّته بل لصالحي المؤمنين أيضاً فإنّ تقبيل يدهم من حيثُ صلاحهم وإيمانهم بالله وبرسول الله وإتباعهم لـه، إنّما اُريد به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل شمول الحكم للعلماء بالله العاملين بأمره الهادين الناس ممّن وافق قولهم فعلهم أولى فإنّهم خلفاء رسول الله كما يدلّ عليه قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( اللهم ارحم خلفائي، بل هم ورثته الروحانيون، فإنّ العلماء ورَثَة الأنبياء ).

وقال العلاّمة المجلسيرحمه‌الله في البحار: ج٧٣، ص٣٨، ح٣٥، ط بيروت مؤسّسة الوفاء معلّقاً على هذا الحديث الشريف: تبيان: قولهعليه‌السلام ( أو مَن أُريد به رسول الله ) من الأئمّةعليهم‌السلام إجماعاً وغيرهم من السادات والعلماء على الخلاف، وإنْ لم أرَ في كلام أصحابنا تصريحاً بالحرمة، قال بعض المحقّقين: لعلّ المراد بمَنْ أُريد رسول الله الأئمّة المعصومونعليهم‌السلام ، ويُحتمل شمول الحكم العلماء بالله وبأمر الله مع العاملين بعلمهم والهادين للناس.

٢٢

الدليل الثاني على عدم جواز التقبيل

الثاني:

إنّ تقبيل الأعتاب المقدّسة مستلزم السجود لصاحب العتبة، والسجود لغير الله سبحانه مُحرّم، أمّا الكُبرى فواضحة بالنصوص المتواترة(١) ، وإجماع الشيعة بل المسلمين قاطبة، وأمّا الصغرى؛ فلأنّ السجودَ لغةً: هو الخضوع والانحناء وتَطأطئ الرأس كما ذكره أهل اللغة(٢) ونقله الفقهاء عنهم فعن المعتبر(٣) ، والمنتهى(٤) ، ونهاية الأحكام(٥) وإرشاد الجعفريّة(٦) ، والمقاصد العَليّة(٧) ، والروض(٨) وغيرها أنّ السجودَ لغةً الخُضوع، ومن البيّن تضمّن الهويّ لتقبيل الأعتاب المقدّسة الخضوع، والانحناء وتَطأطئ الرأس.

ــــــــــــــــــ

(١) راجع وسائل الشيعة: ج٦، باب عدم جواز السجود لغير الله.

(٢) قال الفيروز آبادي المتوفى (٨٧١) في القاموس المحيط: ص٣١١، حرف (الدال)، فصل (السين): (سَجَدَ: خَضعَ، وأسجدَ: طأطأ رأسه، وانحنى).

(٣) قال المحقّق الحلّي في المعتبر: ج٢، ص٢٠٦؛ (السجود وهو في اللغة: الخضوع.

(٤) منتهى المطلب للعلاّمة الحلّي: ج٤، ص٣٥١.

(٥) نهاية الأحكام، للعلاّمة الحلّي: ج١، ص٤٨٦، ط: قم إسماعيليان: (السجود لغةً: الانحناء).

(٦) إرشاد الجعفريّة وإرشاد الأذهان للعلاّمة الحلّيرحمه‌الله : ج١، ص٢٥٥، ط جماعة المدرّسين قم.

(٧) جامع المقاصد للمحقّق الكركيرحمه‌الله : ج٢، ص٢٩٦، ط مؤسّسة آل البيتعليهم‌السلام .

(٨) روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان؛ للشهيد الثانيرحمه‌الله : ص٢٧٤، قال: السجود: وهو لغةً: الخضوع، وشرعاً: وضعُ الجبهة على الأرض.

٢٣

والجواب عن ذلك:

أولاً: منعُ كون السجود في اللغة لمطلق الانحناء وتَطأطئ الرأس، بل مع قيد وضع الجبهة على الأرض، ألا ترى إلى تفسير الجوهري في الصحاح(١) ، وابن الأثير في النهاية(٢) ، وصاحب التاج(٣) وغيرهم لـه بوضع الجبهة على الأرض، وكذا الفيّومي في المصباح المُنير حيثُ قال: وسجدَ الرّجلُ وضعَ جبهته على الأرض. انتهى(٤) .

وذلك قرينة على إرادة مَنْ أطلق تفسيره بالخضوع والانحناء وتَطأطئ الرأس الخضوع بِوَضع الجبهة على الأرض.

وثانياً: إنّه لو سُلِّم كونه بمعنى مطلق الانحناء وكونه في خُصوص وضع الجبهة مجازاً، فلا ينبغي التأمّل في بلوغ ذلك في العُرف العام فضلاً عن عُرف المُتشرّعة مبلغ الحقيقة، فلا يُقال في حقّ مَنْ انحنى لقتلِ الحيّة والعقرب، أو لأخذِ شيءٍ من الأرض ونحوهما(٥) ممّا لا وضع فيه للجبهة على الأرض إنّه ركَع أو سجد، بل يُطلق على الانحناء ما لم تصل الجبهةُ الأرضَ بالسجود، وغايته عدم اعتبار مباشرة خُصوص الجبهة للأرض، فيكفي في صِدقهِ وضعها على الأرض بواسطة أو وسائط ما لم يبلغ حدّ العُلوّ المفرط، ومن البيّن عدم تضمّن انحناء المُنحني لتقبيل العتبة والرِّجل وضع الجبهة على الأرض.

ــــــــــــــــــ

(١) قال الجوهري: (السجود وضع الجبهة على الأرض) (الصحاح: ج١، ص٤٨٠).

(٢) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير: ج٢، ص٣٤٢، قال: (وهو وضع الجبهة على الأرض، ولا خضوع أعظم منه).

(٣) تاج العروس للزُبَيدي: ج٢، ص٣٧١، قال: ( وهو وضع الجبهة على الأرض ولا خضوع أعظم منه، والاسم السجدة ).

(٤) المصباح المُنير للفيّومي الّمتوفّى (٧٧٠هـ): ج١، ص٢٦٦، حرف (السين) ط قم دار الهجرة. وهذا ممّا يَتناسب مع معناه الشرعي حيث قال عكرمة: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا صلاة لمَنْ لا يُصيب أنفه مِن الأرض، ما يُصيب الجَبهة )، وعن ابن عمر: ( إنّ النبي قال: ( إذا سجدتَ فمّكنْ جبهتكَ من الأرض ) ). راجع سنن الدار قطني: ج١، ص٣٤٨، ح٢.

(٥) قال الشيخ جواد الكربلائي في الأنوار الساطعة في شرح الزيارة الجامعة: ( لم تعلم كون الهَوِيّ لتقبيل العتبة من السجدة حتّى يقصد بها سجدة الشكر، وإلاّ لكان مطلق الهويّ لتقبيل زوجته النائمة سجدة...).

٢٤

وثالثاً: إنّ السجود من الأفعال العقلائيّة المُتشخّصّة عن مُشابهاتها بالقصد، ومن المعلوم أنّ المنحني لتقبيل العتبة أو الرِّجل لم يَقصد الخضوع بإنحائه لنفسه، بل قصدَ الخضوع بتقبيله، وذلك غيرُ مُحرّم؛ للأصل بعدم الدليل على تحريمه(١) ، بل الدليل على جوازه واضح السبيل، وهو الأخبار المزبورة الحاكية لإنكباب الشيعة على أقدام الأئمّةعليهم‌السلام للتقبيل وعدم منعهمعليهم‌السلام إياهم من ذلك(٢) ، وأقلّ مراتبها الدلالة على الجواز.

ورابعاً: إنّ الإنكباب لتقبيل الأرض المجاورة للإمامعليه‌السلام لو كان سجوداً لَمَا صدر من الأئمّةعليهم‌السلام الإنكباب على قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقبور الأئمّةعليهم‌السلام ، بل قبور بعض أولادهم للتقبيل، ولَمَا أثنى الإمامعليه‌السلام على مَنْ قبّل مكان جلوس إمامه كما ورد في الأخبار، ألا ترى إلى ما رواه في البحار، عن رجال الكشّي، عن سليمان بن جعفر قال: قال لي عليّ بن عُبيد الله بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب: أشتهي أنْ أدخل على أبي الحسن الرضاعليه‌السلام اُسلّم عليه قلت: فما يمنعك من ذلك؟ قال: الإجلال والهيبة لـه وأتّقي عليه.

قال: فاعتلَّ أبو الحسنعليه‌السلام عِلّةً خفيفةً وقد عاده الناس، فلَقيتُ عليَّ بن عُبيد الله، فقلتُ: قد جاءكَ ما تريد، قد اعتلَّ أبو الحسنعليه‌السلام علّةً خفيفةً وقد عاده النّاس فإنْ أردتَ الدخول عليه فاليوم، قال: فجاء إلى أبي الحسنعليه‌السلام عائداً فلَقيَه أبو الحسنعليه‌السلام بكلِّ ما يجب من المنزلة والتعظيم، فَفَرِح بذلك عليّ بن عُبيد الله فرحاً شديداً، ثُمّ مرض عليّ بن عبيد الله فعاده أبو الحسنعليه‌السلام وأنا معه، فجلس حتّى خرج مَنْ كان في البيت فلمّا خرجنا أخبرتني مولاةٌ لنا إنّ أمّ سَلَمَة امرأة عليّ بن عُبيد الله كانت من وراء الستر تنظر إليه، فلمّا خَرج خرجَتْ وانكبّت على الموضع الذي كان أبو الحسن فيه جالساً، تقبّله وتَتَمسّح به.

قال سليمان: ثُمّ دخلْتُ على عليّ بن عُبيد الله فأخبرَني بما فَعَلتْ أمُّ سلمة، فخبّرت به أبا الحسنعليه‌السلام ، فقال: يا سلمان إنّ عليّ بن عُبيد الله وامرأتهُ وولده من أهل الجنّة يا سليمان إنّ وِلْدَ عليّ وفاطمةعليهم‌السلام إذا عرفهم هذا الأمر لم يكونوا كالناس. الحديث(٣) .

ــــــــــــــــــ

(١) لا يوجد دليل على حرمة تقبيل العتبة أو الرجل أو اليد، والأصل الجواز والإباحة، وكلُّ مَنْ يدّعي الحرمة فعليه إبراز الدليل قبل أنْ يتّهمَ الآخرين بعبادة غير الجليل.

(٢) تقدّم ذكر الروايات التي بيّنت كيفيّة التقبيل من الشيعة الكرام لأئمّتهم الأبرارعليهم‌السلام .

(٣) رجال الكشّي: ص٤٩٥، رقم (٤٨٥)، عنه البحار: ج٤٩، ص٢٢٣، ح١٥، باب١٦.

٢٥

انظر: يَرحمُك الله تعالى إلى رضا الإمامعليه‌السلام بفعل أمّ سلمة(١) ، وإخباره بأنّها من أهل الجنّة وما ذاك إلاّ لِمَا ذكرنا.

وخامساً: إنّ الإنكباب لتقبيل الأرض المجاورة لهمعليهم‌السلام لو كان سُجوداً محرّماً لما قرّرواعليهم‌السلام تَقبيل مَن قَبّلَ الأرض قدّامهم، ولَنَهَوا عن ذلك؛ لإتحاد المناط في العتبة والأرض(٢) قدّامهم، ومَنْ راجع الأخبار ظَهَر لـهُ وقوع ذلك من شيعتِهم وغيرهم مراراً وعدم نهيهم عن ذلك، وعدم النهي منهمعليهم‌السلام في غير مقام التقيّة تقرير، وقد تقرّر في محلّه حجّيّة تقريرهم كقولهمعليهم‌السلام (٣) .

ــــــــــــــــــ

(١) كما لا يخفى أنْ رضا الإمامعليه‌السلام وإقراره حجّةٌ كما هو مذكور في علم الأصول.

(٢) اتّحاد المناط أو وحدة المناط: هو تَمييز علّة الحكم عن سائر الأوصاف والحيثيّات المذكورة في الخطاب، ومع تميُّزها تكون النتيجة هي إمكان الاستفادة من العلّة لإثبات نفس الحُكم لموضوعات أُخرى غير الموضوع المنصوص عليه في الخطاب، بمعنى إمكان تَعْدِيَة الحكم من مورد النصّ الذي اكتنف بمجموعة من الأوصاف والحيثيّات إلى موارد أُخرى ليست واجدة لتلك الأوصاف والحيثيّات، ما عدا العلّة المنقّحة.

(٣) سكوت المعصومعليه‌السلام إنّه دليلٌ على الإمضاء والموافقة؛ لأنّ المعصومعليه‌السلام إذا واجه سُلوكاً معيّناً وتصرّفاً خاصّاً وسكتَ عنه، فهذا السكوت والإمضاء منهعليه‌السلام يُعتبر دليلاً على الإمضاء. ومن المعلوم أنّ السكوت إنما يدلُّ على الإمضاء في حالة مواجهة المعصومعليه‌السلام لسلوك معيّن يكون على نحوين:

أـ مواجهة سلوك فرد خاصّ يتصرّف أمام المعصوم، كأن يمسح أمام المعصوم منكوساً ويسكت عنه.

ب ـ مواجهة سلوك اجتماعي وهو ما يُسمّى بالسيرة العقلائيّة، كما إذا كان العقلاء بما هم عقلاء يسلكون سلوكاً معيّناً في عصر المعصومعليه‌السلام ، فإنّه بحكم تواجده بينهم يكون مواجهاً لسلوكهم العامّ، ويكون سكوته دليلاً على الإمضاء ـ لهذا العمل ـ فمن هنا أمكن الاستدلال بالسيرة العقلائيّة عن طريق استكشاف الإمضاء من سكوت المعصومعليه‌السلام .

فبهذا البيان قد تبيّن لك أنّ تقبيلَ أيدي وأرجُل المعصومينعليه‌السلام كان سلوكاً اجتماعيّاً وليس فرديّاً يواجهه المعصومعليه‌السلام فيقرّه، علماً أنّ هذا العمل كان يصدر من العقلاء بما هم عقلاء، فإذاً هذا الفعل عقلي قبل أنْ يكون شرعي.

٢٦

الدليل الثالث على عدم جواز التقبيل

الثالث:

إنّ الزيارةَ ومتعلّقاتها عبادةٌ والعبادات أمورٌ توقيفيّة، فلابدَّ من الدليل على رُجحان تقبيل الأعتاب فلا نقول برجحانه.

ردُّ الدليل الثالث:

والجواب:

إنّا إلى الآن كنّا بصدد إثبات الجواز لا الرُجحان وقد عَرَفتَ أنّ الجواز لا غائلة فيه، وأمّا الرُجحان فيُمكن الاستدلال لـهُ بوجوه:

الأوّل: السيّرة المستمرّة التي سُمِعتَ من الشهيدرحمه‌الله في الدروس حيثُ عبَّر عنها: بأنّ الإماميّة على ذلك(١) .

الثاني: إنّ في ذلك تعظيماً للشعائر، وقد قال الله تعالى:( وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (٢) .

والمناقشة في التمسّك به بأنّ في تفسيرها اختلافاً عظيماً، فعن ابن زيد: إنّها معالم الدين، وعن مجاهد: إنّها البُدن في الحجّ، وتعظيمها استسمانُها و استحسانُها، وعن ابن عبّاس: أنّ الشعائر جمع شعيرة وهي البُدن إذا أُشعِرَت أي أُعلِمَت عليها بأنْ يُشقّ سنامها من الجانب الأيمن؛ ليُعلم أنّها هدي فالذي يهدي مندوب إلى طلب ( الاثمن )(٣) و الأسمن بالثاء أو بالسين.

وقيل: شعائر الله دين الله تعالى كلّه، وتعظيمها التزامها ومنافعها كركوب ظهورها، وشرب ألبانها إذا احتيج إليها وهو المروي عن الصادقعليه‌السلام (٤) ، فلا يبقى للآية إطلاق يُتمسّك به.

ــــــــــــــــــ

(١) الدروس: ج٢، ص٢٥، ط قم جماعة المدرّسين.

(٢) الحجّ: ٣٢.

(٣) بين القوسين في المصدر غير موجود.

(٤) هذا التفسير للآية المباركة ذكره أمينُ الإسلام الطبرسيرحمه‌الله في مجمع البيان: ج٧، ص١١٣، ط بيروت.ولكن في الأخير قال: (وهو المروي عن أبي جعفرعليه‌السلام بينما قال العلاّمة المامقاني: وهو المروي عن الصادقعليه‌السلام .

٢٧

دفعُ الإشكال

مدفوعة بأنّ المحقّق في محلّه إنّ التفسير الوارد لا يُنافي حجيّة إطلاق الآية بعد تضمّن القرآن بطوناً، وكون مورد الآية الهَدْي لا يمنع من حجيّة عُمومها سيّما مع تداول الفقهاء (رضي الله عنهم)، من قديم العصر يداً بيد التمسك بهذه الآية، لإثبات رُجحان كلّ ما يكون تعظيماً للشعائر،(١) بل ببالي القاصر أنّي وقفتُ فيما سَلَف على تمسّك الإمامعليه‌السلام بالآية على ذلك(٢) ، فلا ينبغي التأمّل في الاستدلال بها على إثبات رُجحان تقبيل الأعتاب المقدّسة.

الثالث: الآيات(٣) والأخبار المتواترة الآمرة بحبّ ذوي القربى ومودّتهم و مطلوبيّة إظهار آثار الحبّ والوداد(٤) ، وقد أشرنا إلى أنّ تقبيل ما يتعلّق بالمحبوب من ثياب، أو دار، أو قبر أو مكتوب أو غير ذلك إظهاراً للحبِّ لـه ممّا جرت عليه عادة بني آدم، واستمرّت عليه طريقتهم، وعليه ورد تشريع تقبيل الحجر الأسود والبيت وبابه(٥) ، وتقبيل القرآن المجيد، الضرائح المقدّسة، وتقبيل يد(٦) مَنْ اُنتسِب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنسبٍ أو فقهٍ في دينه ونحو ذلك.

ــــــــــــــــــ

(١) قال الشهيد الأوّلرحمه‌الله في القواعد: ج٢، ص١٥٩، قاعدة ٢٠٩: ( يجوز تعظيم المؤمن بما جرت به عادة الزمان، وإنْ لم يكن منقولاً عن السلف؛ لدلالة العمومات عليه، قال الله تعالى: ( ذلك ومَن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) وقال تعالى: ( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ) . وأيضاً راجع جواهر الكلام: ج٣، ص٤٧.

(٢) لم أعثر على هذا التمسّك من خلال مراجعتي لأكثر من ٢٠ تفسيراً لهذه الآية الشريفة.

(٣) راجع تفسير قوله تعالى في سورة الشورى آية٢٣:( قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّةَ في القربى ) وللمزيد والوقوف على هذا الموضوع راجع كتابنا (أهل البيتعليهم‌السلام في تفاسير السُنّة).

(٤) أخرج السيوطي المتوفّى (٩١١) في إحياء الميّت بفضائل أهل البيت، ص٣٧، ح٤٧، عن الديلمي، عن عليّ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أثبتكم على الصراطِ أشدُّكم حبّاً لأهل بيتي ).

وأيضاً أخرج ابن المغازلي عن ابن عبّاس، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا تزول قدما عبدٍ حتّى يُسأل عن أربع: عن عُمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله فيما أنفقه ومن أين اكتسبه، وعن حبّنا أهل البيت)، مناقب علي بن أبي طالبعليه‌السلام : ص١١٩.

وأيضاً أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه: ج٢، ص١٤٦، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( شفاعتي لأمّتي مَن أحبّ أهل بيتي ).

(٥) قال المحقّق الحلّيرحمه‌الله في الشرائع: ج١، ص٢١٢، كتاب الحجّ: ( واستلام الحَجَر على الأصح وتقبيله...).

(٦) إشارة إلى الصحيح عن أبي عبد اللهعليه‌السلام إنّه قال: ( لا تُقبّل رأسَ أحدٍ ويدَه، إلاّ يد رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو مَنْ أُريد به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه عفا الله عنه). تقدّمت الإشارة إلى هذا الحديث الشريف وأخرجناه من الكافي: ج٢، ص١٨٥، ح٢، وذكرنا احتمالات السيّد عبد الله شبّررحمه‌الله فيه. فراجع.

٢٨

الرابع: الأخبار الكثيرة الحاكية لإنكباب الأئمّةعليهم‌السلام على قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقبور مَن قبلهم من الأئمّةعليهم‌السلام وأولادهم(١) وتقبيلهم إيّاه ومسح الخدّين به كما لا يخفى على مَنْ لاحظ أخبار الزيارات(٢) ، وفعلهم لا يكون إلاّ راجحاً وعدم الفرق بين القبر والعتبة واضح، والمناط فيهما متحدّ بلا شبهة.

الخامس: إنّ تقبيل الأرض قدّام الأئمةعليهم‌السلام قد صدر من الرّعيّة بالنسبة إليهم ولم ينكروه، بعد عدم الفرق بين العتبة والأرض قدّامهم، ولا بين حياتهم ووفاتهم؛ لأنّهم أحياءٌ عند ربّهم يُرزقون(٣) أمّا الكبرى فواضحة وأمّا الصغرى وهو وقوع التقبيل للأرض قدّامهمعليهم‌السلام .

فلِما رواه في الباب التاسع والعشرين والمائة من أبواب العشرة، من كتاب الحجّ من وسائل الشيعة عن الصدوقرحمه‌الله في العيون مسنداً عن صفوان بن يحيى قال: سألني أبو قرّة صاحب الجاثليق أنْ أوصله إلى الرضاعليه‌السلام ، فاستأذنته في ذلك، فقال: دخّله عليَّ فلمّا دخل عليه قبّلَ بساطه وقال: هكذا علينا في ديننا أنْ نفعل بأشراف زماننا. الحديث(٤) .

وليس فيه إنكارٌ لذلك.

ولو لم يكن هذا الأدب مُمضى في شرعنا لمنعَ الإمامعليه‌السلام عن ذلك؛ لأنّ الكفّار مكلّفون بالفروع(٥) والسكوت عن المنكر لا يصدر من المعصومعليه‌السلام (٦) .

ــــــــــــــــــ

(١) أشار بذلك إلى ما وردَ في زيارة مولانا عليّ الأكبر روحي فداه في الأوّل من رجب والنصف من شعبان بالإنكباب على قبره بعد زيارته ثُمّ تقول: زادكم اللهُ شرفاً إلى آخره. (منه عفى الله عنه).

(٢) راجع المصباح للكفعميرحمه‌الله المتوفّى (٩٠٠) ص٦٥٢، ط بيروت الأعلمي، هذا في زيارة الإمام الحسين في شهر رجب، وأيضاً في زيارة الإمام الكاظم والجوادعليهما‌السلام : ص٦٥٤، وأيضاً في زيارة العسكريّينعليهما‌السلام : ص٦٥٦، وزيارة الحسين في ليلة عَرفة: ص٦٦٤، وللمزيد راجع زاد المعاد للعلاّمة المجلسي المتوفّى (١١١١)، ومفاتيح الجنان للشيخ عبّاس القمّي، وغيرها من كتب الأدعية والزيارات.

(٣) إشارة إلى قوله تعالى:( ولا تحسبنَّ الذينَ قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عندَ ربّهم يُرزقون ) (سورة آل عمران: ١٦٩).

(٤) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام للشيخ الصدوق: ج٢، ص٢٣٠، ح١، وسائل الشيعة: ج١٢، ص٢٢٨، ح١، باب١٢٩، حكم تقبيل البساط بين يدَي الأشراف.

(٥) مكلّفون بها وتجب عليهم ولكن لا تصحُّ منهم لفقدانهم النيّة.

(٦) لو سكتَ المعصوم عن النهي عن المنكر والأمر بالمعروف انتفى الغرض حينئذٍ.

٢٩

وما رواه الصدوقرحمه‌الله في محكي كمال الدين، ورواه في البحار في باب ذكر مَنْ رأى الحجّة المنتظر (عجّل الله فرجه) من الخبر المتضمّن لوصول قافلة من قم ورواحهم إلى جعفر، وإرسال ولي العصر (عجّل الله فرجه وجعل أرواحنا فداه) غلامه وجلبه إياهم، وإخباره إياهم بأوصاف ما عندهم من الأموال، ووقوعهم شكراً لله تعالى على أنْ وفّقهم لمعرفة إمام زمانهم، ثُمّ تقبيلهم الأرض قدّام الإمامعليه‌السلام تكريماً، وسؤالهم عمّا كانوا يحتاجون إليه من المسائل(١) .

فإنّ ظاهر الخبر أنّ تقبيل الأرض قدّام الإمامعليه‌السلام كان مرسوماً وعدم نهيهعليه‌السلام لهم عن ذلك في ذلك المحضر الشريف الخالي من الأغيار يدلّ على جوازه، بل رجحانه.

ــــــــــــــــــ

(١) رواه الصدوقرحمه‌الله المتوفّى (٣٨١) في كمال الدين، ج٢، ص٥٠٣، ح٢٥، باب ذكر مَن شاهد القائمعليه‌السلام ، والحديث طويل ولكن نقتطف موضع الحاجة وبيت القصيد: ( لمّا قُبض سيّدنا أبو محمّد الحسن العسكري وفد من قم وفود) إلى أنْ قال: ( فإذا ولده القائم سيّدناعليه‌السلام قاعد على سرير كأنّه فلقة قمر، عليه ثياب خُضر، فسلّمنا عليه، فردَّ علينا السلام، ثُمّ قال: ( جملة المال كذا وكذا ديناراً، حمل فلان كذا، وحمل فلان كذا، ولم يزل يصف حتّى وصف الجميع ثُمّ وصف ثيابنا ورحالنا وما كان معنا من الدواب، فخررنا سُجّداً لله عزّ وجلّ شكراً لما عرّفنا، وقبلّنا الأرضَ بين يديه...) رواه العلاّمة المجلسي في البحار: ج٩٢، ص٤٩، ح٣٤، ط مؤسّسة الوفاء.

٣٠

ويُؤيّد الخبَرَين قصّة الوزير الناصبي لحاكم البحرين المنقول في البحار عند تعداد مَنْ رأى مولانا الحجّة المنتظر (عجّل الله فرجه وجعلنا مِن كلِّ مكروهٍ فداه) المتضمّن بتقبيل محمّد بن عيسى الأرض قدّام الإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام) وعدم منعه إيّاه من ذلك، وتقريرهم حجّة(١) .

ــــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي: ج٥٢، ص١٧٨، قالرحمه‌الله : (ومنها ما أخبرني به بعض الأفاضل الكرام، والثقات الأعلام، قال : أخبرني بعض مَنْ أثق به يرويه عمّن يثق به، ويطريه أنّه قال : لما كان بلدة البحرين تحت ولاية الإفرنج، جعلوا واليها رجلاً من المسلمين، ليكون أدعى إلى تعميرها وأصلح بحال أهلها، وكان هذا الوالي من النواصب ولـه وزير أشدُّ نصباً منه يُظِهر العداوةَ لأهل البحرين لحبّهم لأهل البيتعليهم‌السلام ويحتال في إهلاكهم وإضرارهم بكلّ حيلة.

فلمّا كان في بعض الأيام دخل الوزير على الوالي وبيده رمّانة فأعطاها الوالي فإذا كان مكتوبا عليها (لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ خلفاء رسول الله) فتأمّل الوالي فرأى الكتابة من أصل الرمانة بحيث لا يُحتمل عنده أنْ يكون من صناعة بشر، فتعجب من ذلك وقال للوزير : هذه آية بيّنة، وحجّة قويّة، على إبطال مذهب الرافضة، فما رأيك في أهل البحرين. فقال لـه : أصلحك الله إنّ هؤلاء جماعة مُتعصّبون، ينكرون البراهين، وينبغي لك أنْ تحضرهم وتريهم هذه الرّمانة، فإنْ قبلوا ورجعوا إلى مذهبنا كان لك الثواب الجزيل بذلك، وإنْ أبَوا إلا المقام على ضلالتهم فخيّرهم بين ثلاث : إمّا أنْ يؤدّوا الجِزية وهُم صاغرون، أو يأتوا بجواب عن هذه الآية البيّنة التي لا مَحيص لهم عنها، أو تَقتل رجالهم وتَسبي نساءهم وأولادهم، وتأخذ بالغنيمة أموالهم.

فاستحسن الوالي رأيه، وأرسل إلى العلماء والأفاضل الأخيار، والنُجَبَاء والسادة الأبرار، من أهل البحرين وأحضرهم وأراهم الرّمانة، وأخبرهم بما رأى فيهم إنْ لم يأتوا بجواب شافٍ: من القتل والأسر وأخذ الأموال أو أخذ الجزية على وجه الصغار كالكفّار، فتحيّروا في أمرها، ولم يقدروا على جواب، وتغيّرت وجوهُهم وارتعدت فرائصُهم. فقال كُبَراؤهم: أمهلنا أيّها الأمير ثلاثة أيّام لعلّنا نأتيك بجواب ترتضيه وإلاّ فاحكم فينا ما شئتَ، فأمهلهم، فخرجوا من عنده خائفين مرعوبين مُتحيّرين. فاجتمعوا في مجلس وأجالوا الرأي في ذلك، فاتّفق رأيهم على أنْ يختاروا من صُلحاء البحرين وزُهّادهم عشرة، ففعلوا، ثمّ اختاروا من العشرة ثلاثة فقالوا لأحدِهم: اخرج الليلة إلى الصحراء واعبُد الله فيها، واستغِث بإمام زماننا، وحجّة الله علينا، لعلّه يُبيّن لك ما هو المخرج من هذه الداهية الدهماء.

فخرج وبات طول ليلته مُتعبّداً خاشعاً داعياً باكياً يدعو الله، ويستغيث بالإمامعليه‌السلام ، حتّى أصبح ولم يرَ شيئاً، فأتاهم وأخبرهم فبعثوا في الليلة الثانية الثاني منهم، فرجع كصاحبه ولم يأتهم بخبر، فازداد قلقهم وجزعهم. فأحضروا الثالث وكان تقيّا فاضلا اسمه محمّد بن عيسى، فخرج الليلة الثالثة حافياً حاسر الرأس إلى الصحراء وكانت ليلة مظلمة فدعا وبكى، وتوسّل إلى الله تعالى في خلاص هؤلاء المؤمنين وكشف هذه البليّة عنهم واستغاث بصاحب الزمان. =

٣١

= فلما كان آخر الليل، إذا هو بِرَجُلٍ يُخاطبه ويقول: يا.محمّد بن عيسى ما لي أراك على هذه الحالة، ولماذا خرجت إلى هذه البرّيّة ؟ فقال لـه: أيّها الرجل دعني فإنّي خرجتُ لأمرٍ عظيم وخطبٍ جسيم، لا أذكره إلاّ لإمامي ولا أشكوه إلاّ إلى مَنْ يقدر على كشفه عنّي. فقال: يا محمّد بن عيسى ! أنا صاحب الأمر فاذكر حاجتك، فقال: إنْ كنتَ هو فأنت تعلم قصّتي ولا تحتاج إلى أنْ أشرحها لك، فقال لـه: نعم، خرجت لما دهَمَكم من أمر الرّمانة، وما كُتِبَ عليها وما أوعدكم الأمير به، قال: فلمّا سَمِعت ذلك توجّهت إليه وقلت له: نعم يا مولاي، قد تعلم ما أصابنا، وأنت إمامنا وملاذنا والقادر على كشفه عنا.

فقال صلوات الله عليه: يا محمّد بن عيسى إنّ الوزير لعنَه الله في داره شجرة رمّان فلمّا حملت تلك الشجرة صنع شيئا من الطين على هيئة الرّمانة، وجعلها نصفين وكَتَب في داخل كلّ نصف بعض تلك الكتابة ثمّ وضعهما على الرمّانة، وشدّهما عليها وهي صغيرة فأثّر فيها، وصارت هكذا. فإذا مضيتم غداً إلى الوالي، فقل لـه: جئتك بالجواب ولكنّي لا أُبديه إلاّ في دار الوزير فإذا مضيتم إلى داره فانظر عن يَمينك، ترى فيها غرفة، فقل للوالي: لا أُجيبك إلاّ في تلك الغرفة، وسيأبى الوزير عن ذلك، وأنت بالغ في ذلك ولا ترضَ إلاّ بصعودها فإذا صعد فاصعد معه، ولا تتركه وحده يتقدّم عليك، فإذا دخلت الغرفة رأيت كوّة فيها كيس أبيض، فانهض إليه وخذه فترى فيه تلك الطينة التي عملها لهذه الحيلة، ثمّ ضعها أمام الوالي وضع الرمانة فيها لينكشف له حيلة الحال.

وأيضا يا محمّد بن عيسى قل للوالي : إنّ لنا معجزة أُخرى وهي أنّ هذه الرمانة ليس فيها إلاّ الرماد والدخان وإنْ أردت صحّة ذلك فأمر الوزير بكسرها، فإذا كسرها طار الرماد والدخان على وجهه ولحيته. فلمّا سمع محمّد بن عيسى ذلك من الإمام، فرح فرحاً شديداً وقبّلْ بين يدي الإمامعليه‌السلام ، وانصرف إلى أهله بالبشارة والسرور.

فلما أصبحوا مضوا إلى الوالي ففعل محمّد بن عيسى كلّ ما أمره الإمام وظهر كلّ ما أخبره، فالتفت الوالي إلى محمّد بن عيسى وقال لـه: مَنْ أخبرك بهذا ؟ فقال : إمام زماننا، وحجّة الله علينا، فقال: ومَنْ إمامكم ؟ فأخبره بالأئمّة واحداً بعد واحد إلى أنْ انتهى إلى صاحب الأمر (صلوات الله عليهم). فقال الوالي: مدّ يدك فأنا أشهد أنْ لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وأنّ الخليفة بعده بلا فصل أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ثمّ أقرّ بالأئمّة إلى آخرهمعليهم‌السلام وحَسُن إيمانه، وأمر بقتل الوزير واعتذر إلى أهل البحرين وأحسن إليهم وأكرمهم.

٣٢

السادس: الأمر بخصوص تقبيل عتبة أمير المؤمنينعليه‌السلام فيما رواه الشيخ المفيدرحمه‌الله وغيره عن صفوان الجمّال(١) كما لا يخفى على مَنْ راجع البحار(٢) ، وتحفة الزائر وغيرهما من المزارات في الزيارات المطلقة(٣) .

بعد وضوح عدم الفرق بينها وبين سائر الأعتاب المقدّسة، فَبَانَ من ذلك كلِّه أنّ رُجحان تقبيل الأعتاب المقدّسة ممّا لا ينبغي فيه الريب والوَسوَسَة، عصمنا اللهُ تعالى وإيّاكَ من التسويلات المتداولة بين أهل العلم في هذه الأزمنة، بزعم أنّها تحقيقاتٌ رشيقة مع أنّها كَسَراب بقيعة.

نعم الأحوط عدم وضع الجبهة على العتبة إلاّ بقصد سجدة الشكر،(٤) ولا بأس بِمَسحِها عليها تبرّكاً؛ لأنّها غير السجدة.

هذا ما تيسّر لي عاجلاً من الكلام في هذا المقام، قد جرى ذلك بِيَمناه الداثرة.

العبد الفاني (عبد الله المامقاني عفا عنه ربُّهُ) ابن الشيخقدس‌سره في ليلة الأربعاء التاسع والعشرين من ذي الحجّة الحرام من شهور سنة ألف وثلاثمائة وإحدى وثلاثين من الهجرة الشريفة على مهاجرها وآله آلاف الصلاة والسلام والتحيّة ٢٩/ذج/١٣٣١هـ(٥) .

ــــــــــــــــــ

(١) قال ابن داود في رجاله: ص١١١، رقم ٧٨١: صفوان بن مهران بن المُغيرة الأسدي مولاهم ثُمّ مولى بني كاهل، كوفي ثقة يُكنّى أبا محمّد كان سكن بني خزام بالكوفة، وكان صفوان جمّالاً فباع جماله امتثالاً لأمر الكاظمعليه‌السلام .

(٢) أخرجها الشيخ المفيدرحمه‌الله المتوفّى (٤١٣هـ) في المزار ص٧٦، ط قم مدرسة الإمام المهدي، وابن المشهدي في المزار الكبير: ص٢١٤، ح٥، ط قم نشر قيّوم، والسيّد ابن طاوس في مصباح الزائر: ص٧٧، والكفعمي في المصباح: ص٦٣٣، والعلاّمة المجلسي: ج١٠٠، ص٣٠٤، والشيخ عبّاس القمّي في مفاتيح الجنان: ص٤١٥، وص٤٢٣: قال صفوان: (وردتُ مع سيدي أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمّدعليه‌السلام ففعل مثل هذا ودعا بهذا الدُّعاء بعد أنْ صلّى وودّع، ثُمّ قال لي: يا صفوان تعاهد هذه الزيارة وادعُ بهذا الدُّعاء وزرهما بهذه الزيارة إلى أنْ قال صفوان: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : يا صفوان إذا حدث لك إلى الله حاجة فزُره بهذه الزيارة من حيثُ كنتَ. إلى أنْ قال:

ثُمّ انكبَّ على القبرِ فقبّله وقل: سلامُ الله وسلام ملائكته المقرّبين، والمُسلّمين لك بقلوبهم يا أمير المؤمنين، والناطقين بفضلك...).

(٣) وللمزيد راجع المزار للشهيد الأوّلرحمه‌الله ، وزاد المعاد، وتحفة الزائر كلاهما للعلاّمة المجلسي، وكامل الزيارات، لابن قولويه، وغيرها من كتب الزيارات.

(٤) وهذا هو ما يحصل ويصدر عادةً من أبناء الفرقة الحقّة لا غير.

(٥) تمَّ تحقيق هذه الرسالة الشريفة في الثالث من ربيع الأوّل ١٤٢٧هـ

في مدينة قم الطيّبة.

نزار الحسن

٣٣

الفهرست

الإهداء: ٢

١- مقدّمة التحقيق: ٣

الرسالة وعَمَلنا ٣

٢- نُبذة من أحوال المؤلِّف رحمه‌الله.. ٤

الشيخ المامقاني والإمام المهدي عليه‌السلام.... ٥

أهم مؤلّفاته وآثاره: ٦

مقدّمة المؤلِّف: ٩

السجود على الأعتاب.. ١١

الدليل على عدم جواز التقبيل. ١١

مناقشةُ الرواية المانعة من التقبيل. ١٣

وقفةٌ مع هذه الأخبار ١٥

أدلّـةُ التقبيل. ١٧

الدليل الثاني على عدم جواز التقبيل. ٢٣

الدليل الثالث على عدم جواز التقبيل. ٢٧

ردُّ الدليل الثالث: ٢٧

دفعُ الإشكال. ٢٨

٣٤

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

ما أعيى هذا الملك [ المأخوذ فيه البأس والشدَّة من الله شديد البطش ] حتّى تمكّن منه إنسانٌ فصفعه وفقأ عينه؟ ثمَّ لم يزل الخوف مزيج نفسيّته حتّى تخفّى عن الّذين هم في قبضته، ورهن تصرّفه، حيث وكّل بهم وبقبض أرواحهم، ولا كرامة لهم على الله ككرامة موسى النبيّعليه‌السلام فيحاذر الصفعة منهم.

وإن تعجب فعجبٌ انَّ مرسل ملك الموت وهو الله سبحانه لِم لَم يعطه بأساً يفوق كلَّ بأس وهو يعلم مَن خلق، وانَّ فيهم مَن يجرأ على رسوله فيصفعه فيفقأ عينه، وفيهم مَن يخافه الرَّسول فيخفي نفسه عنه؟ أكان ذلك غفلة؟ أم أنَّ خزانة القدرة قد نفدت؟ أم لم يكن يعلم ما يقع - وهو علّام الغيوب - حتّى وقعت الواقعة؟ أم لم يكن في صفوف الموظّفين بعالم الملكوت أيَّ تدريب حتّى يتمكّنوا مقابلة الشّدايد إلى عهد موسى، ثمَّ اطرّد التدريب بإخفاء الموظّف نفسه عند تنفيذ وظيفته؟! تعالى الله عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيرا.

وهلمَّ معي إلى النبيِّ المعصوم موسى على نبيّنا وآله وعليه‌السلام ونراه كيف يتجرَّأ على ملك الموت، وهو يعلم انّه رسولٌ من الله العظيم، وانّه إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون، وانّه لا تُجديه الصفعة والفقأة، وعلى فرض أن يهرب عنه هذا الرَّسول أو ينسحب عنه بانتظام فإنّه يأتيه غيره أشدّ منه بأساً، لأنّ الله سبحانه مميته لا محالة، ولا مردَّ لمجري قضائه، وهب انَّه تخلّص من بأس هذا الملك فهل يتخلّص من بأس مُرسله المنتقم القهّار، وقد أثار غضبه بمجابهة ممثّله؟ أبعد الله الإفك والزّور عليه سبحانه وعلى رسوله وملائكته، وانتقم من كلِّ أفّاك أثيم.

أضف إلى ذلك كلّه ما قاله سيّدنا الحجَّة شرف الدّين العاملي في كتاب أبي هريرة ص ٨٦ ممّا لفظه:

ونحن لِمَ برئنا من أصحاب الرسّ وفرعون موسى وأبي جهل وأمثالهم ولعنّاهم بكرة وأصيلا؟ أليس ذلك لأنّهم آذوا رُسل الله حين جاؤوهم بأوامره؟ فكيف نجوّز مثل فعلهم على أنبياء الله وصفوته من عباده؟ حاشا لله انَّ هذا لبهتانٌ عظيمٌ.

ثمَّ إنَّ من المعلوم انَّ قوّة البشر بأسرهم، بل قوَّة جميع الحيوانات منذ خلقها

١٤١

الله تعالى إلى يوم القيامة لا تثبت أمام قوّة ملك الموت فكيف ( والحال هذه ) تمكّن موسىعليه‌السلام من الوقيعة فيه؟ وهلاّ دفعه الملك عن نفسه، مع قدرته على ازهاق روحه، وكونه مأموراً من الله تعالى بذلك؟

ومتى كان للملك عينٌ يجوز أن تفقأ؟!

ولا تنس تضييع حقِّ الملك وذهاب عينه ولطمته هدراً إذ لم يُؤمر الملك من الله بأن يقتصَّ من موسى صاحب التَّوراة التي كتب الله فيها: إنَّ النفس بالنفس، والعين بالعين، والأنف بالأنف، والاُذن بالاُذن، والسنَّ بالسنَّ والجروح قصاص(١) ولم يعاتب الله موسى على فعله هذا بل أكرمه إذ خيَّره بسببه بين الموت والحياة سنين كثيرة بقدر ما تواريه يده من شعر الثّور.

وما أدري ما الحكمة في ذكر شعر الثّور بالخصوص؟! الخ.

هذه جملةٌ ممّا وجدنا من كرامات الإمام أحمد، وكم وكم لها من نظير؟ وأنت حدِّث العاقل بما لا تقبله عقله فإن صافقك عليه فهو معتوهٌ، لكن القوم عقلاء وقبلوها، ونحن إذا عزونا ما هو أخفُّ وأخفُّ وطئةً من هذه ممّا يساعده العقل والمنطق والإعتبار إلى أئمَّة أهل بيت الوحي عليهم السَّلام الذّين أذهب الله عنهم الرِّجس وطهّرهم تطهيرا، فهنالك الجلبة واللغط، والتركاض والصخب، وهتافٌ من شتىّ الجوانب: هذا لا يكون، هذا غير معقول، حديثٌ واه، هذا قول غلاة الشيعة، هذا قول الرافضة، هذا لا يصحُّ وإن صحَّ إسناده، إسناده صحيحٌ غير انَّ في قلبي منه شيئاً، هذا لا يصحُّ وإن جاء بألف طريق. إلى أمثال هذه التهجّمات الفارغة.

_ ٤٤ _

امام المالكية يرى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ كلّ ليلة

ذكر الحريفيش في ( الرّوض الفائق ) ص ٢٧٠ قال: قال المثنّى بن سعيد القصير:

____________________

١ - إشارة الى الآية ٤٥ من سورة المائدة وقد وجدنا في الفقرة الـ‍ ٢٣ من الاصحاح ٢١ من اصحاحات الخروج من التوراة الموجودة فى أيدى اليهود والنصارى فى هذه الايام ما هذا لفظه: ان حصلت أذيّة تعطى نفساً بنفس، وعيناً بعين، وسناً بسن، ويداً بيد، ورجلاً برجل، وكيّا بكّي، وجرحاً بجرح، ورضا برضّ.

١٤٢

سمعت مالكاً - إمام المالكيّة - يقول: ما بتُّ ليلة إلّا رأيت النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها.

قال الأميني: هل يكذَّب الإمام في دعواه الّذي لا يُعلم إلّا من قبله؟ أو يُرمى ابن سعيد بالإفك وإن كان قصيراً؟ أو يُعاتب الحُريفيش في نقله وإن كان مصغّراً؟

وللإمام مالك موقف خطر مع الملكين العظيمين: منكر ونكير، لا يقلّ عن موقف الإمام أحمد معهما ذكره الشعراني في الميزان ١: ٤٦ قال: لمـّا مات شيخنا شيخ الإسلام الشيخ ناصر الدين اللقاني رآه بعض الصّالحين في المنام فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال: لمـّا أجلسني الملكان في القبر ليسألاني أتاهم الإمام مالك فقال: مثل هذا يحتاج إلى سؤال في إيمانه بالله ورسوله؟ تنحيّا عنه، فتنحّيا عنّي.

قال الأميني: ألا من معبّر يعبّر هذه الأحلام؟ ولعلَّ كلّ فرد من المعبّرين يقول: أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين. وإن اتَّخذها الحفّاظ كأصل مسلّم استندوا إليها عند المغالاة في الفضائل. كأنَّ الملكين لم يكن عندهما عرفان بمن يحتاج إلى سؤال في إيمانه، ولم يكن هنالك ناموسٌ مطّردٌ من المولى سبحانه يتَّبعانه، أعوذ بالله من ضئولة العقل.

_ ٤٥ _

الملكان وابو العلاء الهمدانى

قال ابن الجوزي في المنتظم ١٠: ٢٤٨: رأى شخصٌ انَّ يدين خرجتا من محراب مسجد فقال: ما هذه اليدان؟ فقيل: هذه يد آدم بسطها ليعانق أبا العلاء الحافظ - الحسن بن أحمد المتوفّى ٥٦٩ - وإذا بأبي العلاء قد أقبل، قال: فسلّمت عليه فردَّ عليَّ السَّلام وقال: يا فلان! رأيت ابني احمد حين قام على قبري يلقّنني؟ أما سمعت صوتي حين صبحت؟ على الملكين؟ فما قدرا أن يقولا شيئاً فرجعا.

نظراً إلى هذه المزعمة يجب أن يكون أبو العلاء أشجع من عمر الذي خاف النكيرين وارتعد منهما، ثمَّ لمـّا قالا له: نُم. قال: كيف أنام وقد أصابني منكما هذه الرّعدة وقد صحبت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) ولعلّهما قبلا وصيَّة عمر لمـّا انشدهما أن لا يأتيا مؤمناً إلّا بصورة جميلة ففعلا، فلم يهبهما أبو العلاء فصاح عليهما، وخاشنهما الإمام

____________________

١ - مرّ تمام القصة في ص ١٤٠ من هذا الجزء.

١٤٣

أحمد، وطردهما مالك عن ناصر الدين اللقاني، أو أنّهما أتى عليهما الشّيخوخة والهرم منذ عهد الخليفة إلى هذه العصور المتأخّرة، وبلغ منهما الضعف فأخفق بسالتهما، فلم يُهب جانبهما، وإلى الغاية لم ينكشف لنا سرُّ تسليط المولى سبحانه هؤلاء الأعلام على الملكين الكريمين، وفيه اختلال النظام المقرّر المطّرد الإلـ~ـهي، نعوذ بالله من هذه المزاعم التافهة كلّها.

_ ٤٦ _

غمامة تظلّ على جنازة

قال الحافظ الجزري في طبقات القرّاء ٢: ٢٧١: توفّي ابن الأخرم محمّد بن النضر الدّمشقي سنة ٢٤١ / ٢ بدمشق قال عبد الباقي: وصلّيت عليه في المصلّى بعد صلاة الظهر وكان يوماً صائفاً وصعدت غمامة على جنازة من المصلّى إلى قبره فكانت شبه الآية.

قال الأميني:

وفي كلِّ شيىء له آيةٌ

تدلُّ على انَّه واحدُ.

_ ٤٧ _

شابّ ينظر الاذن من ربّه

ذكر الحريفيش في الرّوض الفائق ص ١٢٦ عن ذي النّون المصري انّه قال: رأيت شابّاً عند الكعبة يكثر الرّكوع والسّجود فدنوت منه وقلت له: إنِّك لتكثر الصَّلاة، فقال: أنتظر الإذن من ربّي في الإنصراف، قال: فرأيت رقعةً سقطت فيها مكتوبٌ:

من العزيز الغفور إلى عبدي الصّادق: إنصرف مغفوراً لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر.

قال الأميني: لقد جنى من نزلت إليهم هذه الرُّقاع(١) حيث لم يوصوا بالتّحفّظ عليها لتستفيد بها الاُمّة وتتبرَّك بها في أجيالها المتأخّرة وتتّخذها معتبراً عوضاً عن أن تكون خبراً، وتزدان بها متاحف الآثار، لكن لهم عذراً وهو انّهم لم يشاهدوها فلم يوصوا بها، وإنَّما هي شباكٌ طنّبت لاقتناص الأغرار من امّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

____________________

١ - وما أكثرها وألطفها؟ راجع ما مر في هذا الجزء ص ١٢١، ١٢٥، ١٣٧، وما يأتي.

١٤٤

_ ٤٨ _

شجرة امّ غيلان تثمر رطباً

قال بكر بن عبد الرّحمن رحمه الله: كنّا مع ذي النّون المصري - المتوفّى ٢٤٥ - في البادية فنزلنا تحت شجرة امّ غيلان فقلنا: ما أطيب هذا الموضع لو كان فيه رطب؟ فتبسّم ذو النّون وقال: تشتهون رطباً؟ وحرَّك الشّجرة وقال: أقسمت عليك بالّذي أنبتك وخلقك شجرة إلّا ما نثرت علينا رطباً جنيّا، ثمَّ حرّكها فنثرت رطباً فأكلنا وشبعنا، ثمَّ نمنا وانتبهنا وحرّكنا الشّجرة فنثرت علينا شوكاً.

الرَّوض الفائق ص ١٢٦، مرآت الجنان لليافعي ٢: ١٥١ وقال: ذكره خلائق من الصّالحين، ورواه عنهم كثيرٌ من العلماء العاملين.

قال الأميني: إلى المولى سبحانه نبتهل في أن يهب لأولئك الصّالحين والعلماء العاملين عقلاً وافياً يزعهم عن الخضوع للخرافات.

_ ٤٩ _

ابن ابى الجوارى فى التنّور

روى ابنا عساكر وكثير: انّ أحمد بن أبي الحواري(١) كان قد عاهد أبا سليمان الدّاراني ألّا يغضبه ولا يخالفه فجاءه يوماً وهو يحدِّث النّاس فقال: يا سيِّدي! هذا قد سجروا التنّور، فماذا تأمر؟ فلم يردّ عليه أبو سليمان لشغله بالنّاس، ثمَّ أعادها أحمد ثانية وقال له في الثالثة: إذهب فاقعد فيه. ثمَّ اشتغل أبو سليمان في حديث النّاس، ثمَّ استفاق فقال لمن حضره: إنِّي قلت لأحمد: إذهب فاقعد في التنّور وإنّي أحسب أن يكون قد فعل ذلك، فقوموا بنا إليه فذهبوا فوجدوه جالساً في التنّور ولم يحترق منه شيءٌ ولا شعرة واحدة. تاريخ ابن كثير ١٠: ٣٤٨.

ألا تعجب من ابن كثير يسجّل أمثال هذه الاُسطورة كحقايق ثابتة ثمَّ لمـّا يبلغ به السّير والبحث إلى فضيلة معقولة من فضائل أهل بيت الوحي عليهم السّلام أربد وجهه، وأزبد فمه، وعاد صدره ضيّقاً حرجاً كأنّما يصّعد في السّماء، وأطلق لسانه البذيّ على مَن جاء بذلك الذكر الشّذيّ؟ كذلك يجعل الله الرِّجس على الّذين لا يؤمنون

____________________

١ - احد الاعلام يروى عنه أبو داود وابن ماجة وابو حاتم توفى ٢٤٦.

١٤٥

_ ٥٠ _

كتاب من الله الى ابن الموفّق

عن أبي الحسن عليّ بن الموفّق المتوفّى ٢٦٥ قال: خرجت يوماً لاُؤذِّن فأصبت قرطاساً فأخذته ووضعته في كمّي فأذَّنت وأقمت وصلّيت فلمّا صلّيت قرأته فإذا فيه مكتوبٌ: بسم الله الرَّحمن الرَّحيم يا عليّ بن الموفَّق! تخاف الفقر وأنا ربّك؟.

تاريخ الخطيب البغدادي ١٢: ١١٢، صفة الصَّفوة لابن الجوزي ٢: ٢١٨.

كان حقّاً على الحافظين الخطيب وابن الجوزي أن يذكرا شطراً من حياة هذا الرَّجل بعد الكتاب المذكور المغمورة باليسار والنعمة لتكون تصديقاً للخبر وشاهداً على صحّة المزعمة، لكنّهما أغفلا عن ذلك فلم يقم لنا شاهدٌ ولا حجَّةٌ.

_ ٥١ _

الحوراء تكلم أبا يحيى

قال أبو يحيى زكريّا بن يحيى النّاقد(١) : إشتريت من الله حوراء بأربعة آلاف ختمة، فلمّا كان آخر ختمة سمعت الخطاب من الحوراء وهي تقول: وفيت بعهدك فها أنا الّتي قد إشتريتني.

تاريخ بغداد للخطيب ٨: ٤٦٢، المنتظم لابن الجوزي ٦: ٨، مناقب أحمد لابن الجوزي ص ٥١٠.

ليس لك أن تناقش في المدَّة التي ختم أبو يحيى فيها الأربعة آلاف ختمة، فإنَّ من الممكن عند القوم أن يختمها في بضع دقايق فإنّ أبا مدين المغربي كان يختم في اليوم واللّيلة سبعين ألف ختمة. راجع الجزء الخامس ص ٣٥.

_ ٥٢ _

دعاوى سهل بن عبد الله التسترى

ذكر الشّعراني في طبقات الأخيار ١: ١٥٨ نقلاً عن كتاب « الجواهر » لسهل بن عبد الله التستري المتوفّى ٢٨٣ انَّه قال: أشهدني الله تعالى ما في العُلى وأنا ابن ستّ سنين، ونظرت في اللّوح المحفوظ وأنا ابن ثمان سنين، وفككت طلسم السّماء وأنا

____________________

١ - أحد الاعلام المجتهدين وأئمة الحديث من تلمذة احمد بن حنبل إمام الحنابلة توفى سنة ٢٨٥.

١٤٦

إبن تسع سنين، ورأيت في السّبع المثاني حرفاً معجماً حار فيه الجنُّ والإنس ففهمته، وحمدت الله على معرفته، وحرَّكت ما سكن وسكّنت ما تحرّك بإذن الله تعالى وأنا ابن اربع عشرة سنة.

قال الأميني: ليت شعري متى ما أشهد الله ما في العُلى نبيّه الأعظم صاحب الرِّسالة الخاتمة؟ ومتى ما نظرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اللّوح المحفوظ وفكّ طلسم السّماء؟ وهل رأى ذلك الحرف المعجم الّذي حار فيه الجنُّ والإنس وفهمه، وهل حرَّك وسكّن باذن الله؟

أيم الله انَّ هذه الأساطير المشمرجة لا يبوح بها إلّا مَن يتخبّطه الشّيطان من المسّ وإن هي إلّا سمُّ ناقع على روح الإسلام، تمسُّ كرامة الأولياء، وتشوّه سمعة الاُمّة المسلمة، وتسوِّد صحيفة تاريخها عند الاُمم، وتضحك الملأ على عقليَّة اولئك المؤلّفين الّذين جمعت بيراعهم أشتات التّاريخ الاسلاميّ.

_ ٥٣ _

سهل وجبل قاف

عن سهل بن عبد الله قال: صعدت جبل قاف فرأيت سفينة نوح مطروحة فوقه. و قيل لأبي يزيد رضي الله عنه: هل بلغت جبل قاف؟ فقال: جبل قاف أمره قريبٌ بل جبل كاف وجبل صاد وجبل عين وهي محيطةٌ بالأرض حول كلّ أرض جبل بمنزلة حائطها، وجبل قاف بهذه الأرض وهي أصغر الأرضين، وهو أيضاً أصغر الجبال، وهو جبل من زمرّدة خضراء وقيل: إنَّ خضرة السَّماء من خضرته. وروى: انَّ الدُّنيا كلّها خطوةٌ للوليِّ. وحكي: إنَّ وليّاً من أولياء الله تعالى احتاج إلى النّار فرفع يده إلى القمر فاقتبس منه جذوة في خرقة كانت معه(١) .

قال الأميني: حقّاً قيل: الجنون فنون: وأيم الله يميت القلب ويجلب الهمَّ ضياع التّاريخ الإسلاميّ بيد هؤلاء المعشوذين الّذين شوَّهوا صحائفه بأمثال هذه الترَّهات الّتي لم يُخلق مثلها في أساطير الاوَّلين.

____________________

١ - روض الرياحين لليافعى ١٧٢.

١٤٧

_ ٥٤ _

وحشيّ أتي بماء الوضوء

قال سهل بن عبد الله رضي الله عنه: أوّل ما رأيت من العجائب والكرامات إنّي خرجت يوماً إلى موضع خالٍ فطاب لي المقام فيه فوجدت من قلبي قرباً إلى الله تعالى وحضرَت الصَّلاة وأردت الوضوء وكانت عادتي من صباي تجديد الوضوء لكلِّ صلاة، فكأنّي اغتممت لفقد الماء، فبينما أنا كذلك وإذا دبٌّ يمشي على رجليه كأنَّه إنسانٌ معه جرَّة خضراء قد أمسك بيديه عليها، فلمّا رأيته من بعيد توهّمت انّه آدميٌّ حتّى دنا منّي وسلّم عليَّ ووضع الجرَّة بين يديَّ، فجاءني إعتراض العلم فقلت: هذه الجرّة والماء من أين هو؟ فنطق الدبّ وقال: يا سهل! إنّا قومٌ من الوحوش قد انقطعنا إلى الله تعالى بعزم المحبّة والتوكّل، فبينما نحن نتكلّم مع أصحابنا في مسألة إذ نودينا: ألا إنَّ سهلاً يريد ماءً ليجدِّد الوضوء. فوضعت هذه الجرَّة بيدي وإذا بجنبي ملكان فدنوت منهما فصبّا فيها الماء من الهواء وأنا أسمع خرير الماء. إلى آخر القصّة. روض الرّياحين ص ١٠٤، ١٠٥.

قال الأميني: سل عن هذه العجائب الدبَّ الطلِق الذَّلِق صاحب الجرّة الخضراء، أو بقيّة الوحوش المنقطعة إلى الله بعزم المحبَّة والتوكّل، أو سل الملكين إن سهل لك السَّبيل إليهما، وإن لم تجدهما فسل عقلك واتَّخذه حكماً، واستعذ بالله من هذه الأوهام المخزية.

_ ٥٥ _

قص ّ ة فيها كرامتان

قال عبد الله بن حنيف رحمه الله: دخلت بغداد قاصداً الحجَّ ولم آكل الخبز أربعين يوماً ولم أدخل على الجنيد وكنت على طهارة فرأيت ظبياً على رأس البئر وهو يشرب وكنت عطشاناً، فلمّا دنوت إلى البئر ولَّى الظبي فإذا الماء في أسفل البئر فمشيت وقلت: يا سيِّدي مالي محلّ هذا الظبي؟ فنوديت من خلفي: جرَّبناك فلم تصبر فارجع وخذ فرجعت فإذا البئر ملآنةٌ ماءً فملأت ركوتي فكنت أشرب منه وأتطهَّر إلى المدينة ولم أنفد، ولّما استقيت سمعت هاتفاً يقول: إنَّ الظبي جاء بلا ركوة ولا حبل، وأنت

١٤٨

جئت معك الرّكوة. فلمّا رجعت من الحجِّ دخلت الجامع فلمّا وقع بصر الجنيد عليَّ قال: لو صبرت ولو ساعة لنبع الماء من تحت رجليك. الرّوض الفائق ص ١٢٧.

قال الأميني: أوهامٌ متراكمة بعضها فوق بعض، وهل ترك الجنيد للأنبياء والرّسل علماً بالمغيب لم يبح به، وهل أتي البئر العميقة وليُّ من الأولياء بلا ركوة ولا حبل كالظباء اللّاتي يفقدنهما ولا يسعهنّ التأهّب بأمثالهما، وأمّا الإنسان العادي فليس له وهو سارٍ في عالم الأسباب إلّا أن يحمل معه أدوات حاجته، هكذا خلق الله البشر، وهو ظاهر كثير من الأحاديث الشريفة. وحسبك سيرة النبيّ الأعظم والمرسلين من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين. وكلّهم لِلَّه أولياء، وجميعهم أفضل من ابن حنيف.

_ ٥٦ _

حلق اللحية لِلَّه

أخرج الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء ١٠: ٣٧٠ قال: سمعت أبا نصر يقول: سمعت أحمد بن محمّد النهاوندي يقول: مات للشِّبلي(١) إبن كان إسمه غالباً، فجزَّت اُمّه شعرها عليه، وكان للشِّبلي لحيةٌ كبيرةٌ فأمر بحلق الجميع، فقيل له: يا استاذ! ما حملك على هذا؟ فقال: جزَّت هذه شعرها على مفقود، فكيف لا أحلق لحيتي أنا على موجود؟

قال الأميني: أهلاً بالنّاسك الفقيه، ومرحباً بالأولياء أمثال هذا المتخلّع الجاهل بحكم الشّريعة، وزهٍ بمدوِّن أخبارهم، ومنتفي آثار الأوحديِّين منهم كأبي نعيم، كيف خفي على هذا الفقيه البارع في مذهب مالك فتوى مالك وحرمة حلق اللّحية، وإصفاق بقيّة الأئمة معه على ذلك؟ كيف خفي عليه الحكم؟ وهو ذلك الفقيه المتضلّع الذي أجاب في دم الحيض المشتبه بدم الإستحاضة بثمانية عشر جواباً للعلماء، وقد جالس الفقهاء عشرين سنة(٢) ؟ وهلّا وقف وهو مدرِّس الحديث عشرين عاماً على المأثورات النبويّة الدالّة على حرمة حلق اللّحية المرويَّة من عدَّة طرق؟ منها:

١ - عن عائشة مرفوعاً: عشرٌ من الفطرة فذكر منها: اعفاء اللّحية. وجاء من

____________________

١ - أبو بكر دلف بن جحدر فقيه عالم محدث توفى ٣٣٤ / ٥.

٢ - راجع تهذيب التهذيب.

١٤٩

طريق أبي هريرة ايضاً.

صحيح مسلم ١: ١٥٣، سنن البيهقى: ١٤٩، سنن ابى داود ١: ٩، ١٠، صحيح الترمذى ١٠: ٢١٦، مشكل الاثار ١: ٢٩٧، المعتصر من المختصر ٢: ٢٢٠، طرح التثريب ١: ٧٣، نيل الاوطار ١: ١٣٥ عن احمد ومسلم والنسائى والترمذى.

٢ - عن ابن عمر مرفوعاً: اعفوا اللّحى، واحفوا الشّوارب، خالفوا المشركين. صحيح مسلم ١: ١٥٣، سنن النسائى ١: ١٦، جامع الترمذى ١٠: ٢٢١ بلفظ: احفوا الشوارب واعفوا اللحى، سنن البيهقى ١: ١٤٩ عن الصحيحين، المحلى لابن حزم ٢: ٢٢٢، تاريخ الخطيب ٤: ٣٤٥.

٣ - عن ابن عمر مرفوعاً: خالفوا المشركين، وفّروا اللّحى، واحفوا الشوارب.

أخرجه البخارى فى صحيحه، ومسلم فى الصحيح ١: ١٥٣ بلفظ: خالفوا المشركين، وحفوا الشوارب واوقوا اللحى. سنن البيهقى ١: ١٥٠، نيل الاوطار ١: ١٤١ قال: متفق عليه.

٤ - عن ابي هريرة مرفوعاً: جزّوا الشوارب، وارخوا اللّحى، وخالفوا المجوس صحيح مسلم ١: ١٥٣، سنن البيهقى ١: ١٥٠، تاريخ الخطيب ٥: ٣١٧ بلفظ: احفوا الشوارب واعفوا اللحى، زاد المعاد لابن القيم ١: ٦٣ بلفظ: قصّوا الشوارب. وفى ص ٦٤ بلفظ: جّزوا الشوارب. نيل الاوطار ١: ١٤١ عن أحمد ومسلم.

٥ - عن ابن عمر قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر باحفاء الشّوارب واعفاء اللّحى.

صحيح مسلم ١: ١٥٣، صحيح الترمذى ١٠: ٢٢١، سنن ابى داود ٢: ١٩٥، سنن البيهقى ١: ١٥١.

٦ - عن أبي امامة قال: قلنا: يا رسول الله! إنَّ أهل الكتاب يقصّون عثانينهم(١) ويوفّرون سبالهم فقال: قصّوا سبالكم، ووفّروا عثانينكم، وخالفوا أهل الكتاب. أخرجه احمد في المسند ٥: ٢٦٤.

٧ - من حديث ابن عمر في المجوس: إنَّهم يوفّرون سبالهم، ويحلقون لحاهم، فخالفوهم.

أخرجه ابن حبان فى صحيحه كما ذكره العراقى فى تخريج الاحياء للغزالى المطبوع في ذيله ج ١ ص ١٤٦.

٨ - عن أنس: احفوا الشّوارب، واعفوا اللّحى، ولا تشبّهوا باليهود.

أخرجه الطحاوى كما فى شرح راموز الحديث: ١: ١٤١.

٩ - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدَّه: إنَّ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأخذ من لحيته

____________________

١ - جمع العثنون: اللحية.

١٥٠

من عرضها وطولها.

صحيح الترمذى ١٠: ٢٢٠.

وكيف عزب عن الشّبلي ما ذهب إليه القوم من أنَّ حلق اللّحية من تغيير خلق الله الوارد في قوله تعالى:( وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ) (١) . وقد أفرط جمعٌ في الأخذ به فقال بحرمة حلق اللّحية والشّارب للمرأة ايضاً.

قال الطبري: لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها الّتي خلقها الله عليها بزيادة أو نقصٍ التماس الحسن لا للزِّوج ولا لغيره، كمن تكون مقرونة الحاجبين فتزيل ما بينهما توهم البلج أو عكسه، ومن تكون لها سنٌّ زائدة فتقلعها، أو طويلة فتقطع منها، أو لحية أو شارب أو عنفقة فتزيلها بالنتف، ومن يكون شعرها قصيراً أو حقيراً فتطوّله أو تغزّره بشعر غيرها، فكلّ ذلك داخلٌ في النهي، وهو من تغيير خلق الله تعالى. قال: ويستثنى من ذلك ما يحصل به الضّرر والأذيَّة كمن يكون لها سنٌّ زائدة أو طويلة تعيقها في الأكل، أو إصبع زائدة تؤذيها أو تؤلمها فيجوز ذلك، والرَّجل في هذا الأخير كالمرأة(٢) .

وقال القرطبّي في تفسيره ٥: ٣٩٣ في تفسير الآية: لا يجوز لها [ للمرأة ] حلق لحية أو شارب أو عنفقة إن نبتت لها، لأنَّ كلَّ ذلك تغيير خلق الله.

وكيف خفي على الشِّبلي ما انتهى إلى ابن حزم الظاهري من الإجماع الّذي نقله في كتابه [ مراتب الإجماع] ص ١٥٧ على انَّ حلق جميع اللّحية مثلةٌ لا تجوز، ولا سيّما للخليفة، والفاضل، والعالم، وعدَّ في ص ٥٢ ناتف اللّحية ممَّن لا تُقبل شهادته. وهلمّ إلى كلمات أعلام الفقه:

١ - قال الحافظ العراقي في طرح التثريب ١: ٨٣: من خصال الفطرة إعفاء اللّحية، وهو توفير شعرها وتكثيره، وإنَّه لا يؤخذ منه كالشّارب. من عفا الشيئ إذا كثر وزاد. وفي الصَّحيحين من حديث ابن عمر الأمر بذلك ( اعفوا اللّحى ) وفي رواية: اوفوا. وفي رواية: وفّروا. وفي رواية: ارخوا وهي بالخاء المعجمة على المشهور وقيل بالجيم. من التّرك والتأخير، وأصله الهمزة فحذف تخفيفاً كقوله: ترجي من تشاء منهنَّ.

____________________

١ - سورة النساء: ١١٩.

٢ - فتح البارى ١٠: ٣١٠.

١٥١

واستدَّل به الجمهور على أنَّ الأولى ترك اللّحية على حالها، وأن لا يقطع منها شيىءٌ وهو قول الشّافعي وأصحابه، وقال القاضي عياض: يكره حلقها وقصّها وتحريقها.

وقال القرطبيّ في المفهم: لا يجوز حلقها ولا نتفها ولا قصُّ الكثير منها قال القاضي عياض: وأمّا الأخذ من طولها فحسن. قال: وتكره الشّهرة في تعظيمها كما يكره في قصّها، وجزّها قال: وقد اختلف السَّلف هل لذلك حدٌّ: فمنهم من لم يحدّد شيئاً في ذلك إلّا أنّه لا يتركها لحدّ الشّهرة ويأخذ منها، وكره مالك طولها جدّاً، ومنهم من حدَّد بما زاد على القبضة فيزال، ومنهم من كره الأخذ منها إلّا في حجّ أو عمرة.

٢ - قال الغزالي في الإحياء ١: ١٤٦: قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اعفوا اللّحى. أي كثّروها وفي الخبر: إنَّ اليهود يعفون شواربهم، ويقصّون لحاهم، فخالفوهم وكره بعض العلماء الحلق ورآه بدعة. وقال في ص ١٤٨: وقد اختلفوا فيما طال منها فقيل: إن قبض الرَّجل على لحيته وأخذ ما فضل عن القبضة فلا بأس، فقد فعله ابن عمر وجماعة من التّابعين، واستحسنه الشعبى وابن سيرين، وكرهه الحسن وقتادة وقالا: تركها عافية احبّ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اعفوا اللّحى. والأمر في هذا قريب إن لم ينته إلى تقصيص اللّحية وتدويرها من الجوانب، فإنَّ الطول المفرط قد يشوِّه الخلقة ويطلق ألسنة المغتابين بالنبز إليه، فلا بأس بالإحتراز عنه على هذه النيّة.

٣ - قال ابن حجر في فتح الباري ١٠: ٢٨٨ عند ذكر حديث نافع: كان ابن عمر إذا حجَّ أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه: الّذي يظهر أنَّ ابن عمر كان لا يخصُّ هذا التخصيص بالنسك، بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة التي تشوّه فيها الصّورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه، فقد قال الطبري: ذهب قومٌ إلى ظاهر الحديث فكرهوا تناول شيىء من اللحية من طولها ومن عرضها، وقال قومٌ: إذا زاد على القبضة يؤخذ الزائد، ثمَّ ساق بسنده إلى ابن عمر انَّه فعل ذلك، وإلى عمر انَّه فعل ذلك برجل، ومن طريق أبي هريرة انَّه فعله، وأخرج ابو داود من حديث جابر بسند حسن قال: كنّا نعفّي السّبال إلّا في حجّ أو عمرة. وقوله: نعفّي. بضمّ اوّله وتشديد الفاء أي نتركه وافراً، وهذا يؤيِّد ما نقل عن ابن عمر فإنَّ السِّبال بكسر المهملة وتخفيف الموحّدة جمع سبلة بفتحتين وهي ما طال من شعر اللحية فأشار جابر

١٥٢

إلى أنَّهم يقصرون منها في النسك ثمَّ حكى الطبري اختلافاً فيما يؤخذ من اللّحية، هل له حدٌّ أم لا؟ فأسند عن جماعة الاقتصار على أخذ الّذي يزيد منها على قدر الكفّ، وعن الحسن البصري: انّه يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش، وعن عطاء نحوه قال: وحمل هؤلاء النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصِّها وتخفيفها، قال: وكره آخرون التعرّض لها إلّا في حجّ أو عمرة، وأسنده عن جماعة واختار قول عطاء، وقال: إنَّ الرجل لو ترك لحيته لا يتعرَّض لها حتى أفحش طولها وعرضها لعرض نفسه لمن يسخر به، واستدلَّ بحدث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه انَّ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها، وهذا أخرجه الترمذي، ونقل عن البخاري انّه قال في رواية عمر بن هارون: لا أعلم له حديثاً منكراً إلّا هذا، وقد ضعّف عمر بن هارون مطلقا جماعة.

وقال عياض: يكره حلق اللّحية وقصّها وتجذيفها، وأمّا الأخذ من طولها وعرضها إذا عظمت فحسنٌ، بل تكره الشّهرة في تعظيمها كما يكره في تقصيرها كذا قال: وتعقّبه النووي بانّه خلاف ظاهر الخبر في الأمر بتوفيرها قال: والمختار تركها على حالها وأن لا يتعرَّض لها بتقصير ولا غيره. وكان مراده بذلك في غير النسك لأنَّ الشافعي نقصَّ على استحبابه فيه.

وقال في ص ٢٨٩: أنكر ابن التين ظاهر ما نقل عن ابن عمر فقال: ليس المراد أنّه كان يقتصر على قدر القبضة من لحيته بل كان يمسك عليها فيزيل ما شذَّ منها فيمسك من أسفل ذقنه بأصابعه الأربعة ملتصقة فيأخذ ما سفل عن ذلك ليتساوى طول لحيته، قال أبو شامة: وقد حدث قومٌ يحلقون لحاهم وهو أشدّ ممّا نقل عن المجوس انَّهم كانوا يقصّونها. وقال النّووي: يستثنى من الأمر باعفاء اللّحى ما لو نبتت للمرأة لحية فانّه يستحبُّ لها حلقها، وكذا لو نبت لها شاربٌ أو عنفقة.

٤ - قال المناوي في [ فيض القدير ] ١: ١٩٨: اعفوا اللّحى وفّروها، فلا يجوز حلقها ولا نتفها، ولا قصّ الكثير منها، كذا في التنقيح، ثمَّ زاد الأمر تأكيداً مشيراً إلى العلّة بقوله: ولا تشبّهوا باليهود في زيّهم الذي هو عكس ذلك، وفي خبر ابن حبّان بدل اليهود: المجوس. وفي آخر: المشركين. وفي آخر: آل كسرى. قال الحافظ العراقي:

١٥٣

والمشهور أنَّه من فعل المجوس فيكره الأخذ من اللحية، واختلف السَّلف فيما طال منها فقيل: لا بأس أن يقبص عليها ويقصّ ما تحت القبضة كما فعله إبن عمر، ثمَّ جمع من التّابعين واستحسنه الشعبي وابن سيرين، وكرهه الحسن وقتادة، والأصحُّ كراهة أخذ ما لم يتشعَّث ويخرج عن السّمت مطلقا.

٥ - قال السيّد عليّ القاري في شرح الشَّفا للقاضي(١) : حلق اللّحية منهيُّ عنه، وأمّا إذا طالت زيادة على القبضة فله أخذها.

٦ - في شرح الخفاجي على الشّفا ١: ٣٤٣: وتقصير اللّحية حسنٌ كما مرَّ، و هيئته تحصل بقصِّ ما زاد على القبضة، ويؤخذ من طولها أيضاً، وأمّا حلقها فمهنيُّ عنه لأنّه عادة المشركين.

٧ - قال الشّوكاني في [ نيل الأوطار ] ١: ١٣٦: اعفاء اللّحية توفيرها كما في القاموس، وفي رواية للبخاري: وفّروا اللّحى. وفي رواية اخرى لمسلم: اوفوا اللحىّ. وهو بمعناه، وكان من عادة الفرس قصُّ اللّحية فنهى الشّارع عن ذلك وأمر باعفائها. قال القاضي عياض: يكره حلق اللّحية وقصّها وتحريقها، وأمّا الأخذ من طولها وعرضها فحسنٌ. ثمَّ نقل الأقوال في حدَّ ما زاد.

وقال في ص ١٤٢: قد حصل من مجموع الأحاديث خمس روايات: اعفوا. واوقوا. وأرخوا. وارجوا. ووفّروا. ومعناها كلّها تركها على حالها. قوله: خالفوا المجوس. قد سبق انّه كان من عادة الفرس قصُّ اللّحية فنهى الشَّرع عن ذلك.

٨ - في شرح راموز الحديث ١: ١٤١: أشار إلى العلّة في خبر ابن حبّان: المجوس بدل اليهود، وفي آخر: المشركين. وفي اُخرى: كسرى. قال العراقي: المشهور: انَّه فعل المجوس، فكره الأخذ من اللّحية، واختلف السّلف فيما طال. ثمَّ نقل الأقوال الّتي ذكرناها.

٩ - أحسن كلمة تجمع شتات الفتاوى وآراء أئمَّة المذاهب في المسئلة ما أفاده الاستاذ محفوظ في [الإبداع في مضارّ الابتداع ](٢) ص ٤٠٥ قال: ومن أقبح العادات ما اعتاده

____________________

١ - هامش شرح الخفاجى ١: ٣٤٣.

٢ - تأليف الاستاذ الكبير الشيخ على محفوظ أحد مدرسى الازهر الشريف ( الطبعة الرابعة )

١٥٤

الناس اليوم من حلق اللّحية وتوقير الشارب، وهذه البدعة كالتي قبلها سرت إلى المصريِّين من مخالطة الأجانب واستحسان عوائدهم حتّى استقبحوا محاسن دينهم وهجروا سنَّة نبيّهم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعن إبن عمر رضي الله عنه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: خالفوا المشركين وفروا اللّحى واحفوا الشوارب. وكان ابن عمر إذا حجَّ أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه. رواه البخاري وروى مسلم عن ابن عمر إيضاً عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: احفوا الشَّوارب واعفوا اللّحى [ إلى أن قال بعد ذكر عدَّة من أحاديث الباب ]: والأحاديث في ذلك كثيرةٌ وكلّها نصُّ في وجوب توقير اللّحية وحرمة حلقها والأخذ منها على ما سيأتي.

ولا يخفى أن قوله: خالفوا المشركين وقوله: خالفوا المجوس. يؤيّدان الحرمة فقد أخرج أبو داود وابن حبّان وصحّحه عن ابن عمر قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من تشبَّه بقوم فهو منهم. وهو غاية في الزَّجر عن التشبّه بالفسّاق أو بالكفّار في أيّ شيء ممّا يختصّون به من ملبوس أو هيأة، وفي ذلك خلاف العلماء منهم من قال بكفره وهو ظاهر الحديث. ومنهم من قال: لا يكفر ولكن يؤدّب.

فهذان الحديثان بعد كونهما أمرين دالّان على أنَّ هذا الصّنع من هيآت الكفّار الخاصّة بهم إذ النَّهي إنّما يكون عمّا يختصّون به. فقد نهاناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن التشبّه بهم عامّاً في قوله: من تشبّه. ومن افراد هذا العامّ حلق اللّحية. وخاصّاً في قوله: وفّروا اللّحى خالفوا المجوس، خالفوا المشركين.

ثمَّ ما تقدّم من الأحاديث ليس على اطلاقه فقد روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأخذ من لحيته من عرضها وطولها. وروى ابو داود والنسائي: انَّ ابن عمر كان يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكفِّ. وفي لفظ: ثمَّ يقصّ ما تحت القبضة. وذكره البخاري تعليقاً.

فهذه الأحاديث تقيّد ما رويناه آنفاً. فيحمل الإعفاء على إعفائها من أن يأخذ غالبها أو كلّها.

وقد اتَّفقت المذاهب الأربعة على وجوب توفير اللّحية وحرمة حلقها والأخذ القريب منه.

الأوَّل: مذهب الحنفيّة قال في [ الدرّ المختار ]: ويحرم على الرّجل قطع لحيته

١٥٥

وصرَّح في النهاية بوجوب قطع ما زاد على القبضة ( بالضمِّ ) وأمّا الأخذ منها وهي دون ذلك كما يفعله بعض المغاربة ومخنّثة الرّجال فلم يبحه أحدٌ. وأخذ كلّها فعل يهود الهند ومجوس الأعاجم ا ه وقوله: وما وراء ذلك يجب قطعه. هكذا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه كان يأخذ من اللّحية من طولها وعرضها، كما رواه الإمام الترمذي في جامعه، ومثل ذلك في أكثر كتب الحنفيّة.

الثاني: مذهب السّادة المالكيّة حرمة حلق اللّحية وكذا قصّها إذا كان يحصل به مثلة. وأمّا إذا طالت قليلاً وكان القصّ لا يحصل به مثلة فهو خلاف الأولى أو مكروهٌ كما يؤخذ من شرح الرّسالة لأبي الحسن وحاشيته للعلّامة العدوي رحمهم الله.

الثالث: مذهب السّادة الشافعيَّة، قال في شرح العباب: فائدةٌ قال الشيخان: يكره حلق اللّحية. واعترضه ابن الرّفعة بأنَّ الشافعي رضي الله عنه نصَّ في الامّ على التحريم. وقال الأذرعي: الصّواب تحريم حلقها جملة لغير علّة بها. ا هـ ومثله في حاشية ابن قاسم العبادي على الكتاب المذكور.

الرّابع: مذهب السَّادة الحنابلة نصَّ في تحريم حلق اللّحية. فمنهم من صرّح بأنَّ المعتمد حرمة حلقها. ومنهم من صرَّح بالحرمة ولم يحك خلافاً كصاحب الإنصاف، كما يُعلم ذلك بالوقوف على شرح المنتهى وشرح منظومة الآداب وغيرهما.

وممّا تقدَّم تعلم أنَّ حرمة حلق اللّحية هي دين الله وشرعه الّذي لم يُشرّع لخلقه سواه، وأنَّ العمل على غير ذلك سفهٌ وضلالةٌ، أو فسقٌ وجهالةٌ، أو غفلةٌ عن هدي سيِّدنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .اهـ

نعم: لم يكن الشّبلي ولا الحافظ الّذي يثني عليه بحلق لحيته في حبِّ الله، ولا الحفّاظ الآخرون الذين أطنبوا القول حول لحية أبي بكر الصّدّيق محتاجين إلى اللّحية، بل كانوا يفتقرون إلى عقل تامّ كما جاء فيما ذكره السَّمعاني في الأنساب في [ الرّستمي ] عن مطين بن احمد قال: رأيت النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام فقلت له: يا نبيَّ الله! أشتهي لحية كبيرة. فقال: لحيتك جيّدة وأنت محتاج إلى عقل تامّ.

١٥٦

_ ٥٧ _

عمود نور من السماء الى قبر الحنبلى

ذكر ابن العماد الحنبلي في شذرات الذَّهب ٣: ٤٦ في ترجمة أبي بكر عبد العزيز بن جعفر الحنبليّ المعروف بغلام الخلّال المتوفّى سنة ٣٦٣ قال: حكى أبو العبّاس ابن أبي عمرو الشرابيّ قال: كان لنا ذات ليلة خدمة أمسيت لأجلها، ثمَّ إنّي خرجت منها نوبة الناس وتوجَّهت إلى داري بباب الأزج، فرأيت عمود نور من جوف السَّماء إلى جوف المقبرة فجعلت أنظر إليه ولا ألتفت خوفاً أن يغيب عنّي إلى أن وصلت إلى قبر أبي بكر عبد العزيز فإذا أنا بالعمود من جوف السّماء إلى القبر: فبقيت متحيّراً ومضيت وهو على حاله.

قال الأميني: أبو بكر الحنبليّ هذا هو شيخ الحنابلة وعالمهم في عصره صاحب التصانيف وهو الرّاوي عن الخلّال عن الحمصيّ عن إمام الحنابلة أحمد: انَّه سُئل عن التّفضيل فقال: مَن قدَّم عليّاً على أبي بكر فقد طعن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن قدَّمه على عمر فقد طعن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى أبي بكر، ومن قدَّمه على عثمان فقد طعن على أبي بكر وعمر وعثمان وعلى أهل الشّوري والمهاجرين والأنصار.

وليت مثقال ذرّة من ذلك النّور الخياليِّ الممتدِّ من قبر الرِّجل سطع على مكمن بصيرته ابّان حياته، فلا يخضع لكلمة شيخه التافهة هذه الّتي تخالف الكتاب والسنَّة وإنَّ مقدار الرّجل ينبو عن التدخّل في هذا الشأن العظيم الّذي ليس هو من رجاله لكن ( حنَّ قِدحٌ ليس منها ) أنّى يقع قوله في التَّفضيل مع آيتي المباهلة والتطهير؟ ومقتضى الاولى اتّحاد مولانا امير المؤمنينعليه‌السلام مع صنوه النبيِّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما يمكن اتّحاد شخصين فيه، وليست هي إلّا الفضائل والفواضل والمكارم والمآثُر ما خلا النبوّة فما ظنّك برجل يوازنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما ذكرناه من الفضل؟ أليس من السَّخف أن يقال: من قدَّم عليّاً. إلخ؟ ومقتضى الثّانية عصمته صلوات الله عليه عن جميع الذّنوب والمعاصي، وهل يوازي المعصوم من يجترح السيّئات ويقترف الآثام؟ لكن صاحب النّور يروي: من قدَّم عليّاً. إلخ. ولا يبالي بما يروي.

فمقتضى المقام أن يقال: من قدَّم أحداً على مولانا أمير المؤمنين فقد طعن على

١٥٧

الكتاب الكريم ومَن صدع بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومَن أنزله جلّت عظمته.

وأنّى يقع قول صاحب النّور المرويّ عن إمامه أحمد أمام السنَّة المتواترة الواردة من شتّى النّواحي في فضل الإمام صلوات الله عليه المتقدّمة في الأجزاء السّابقة من هذا الكتاب(١) ؟ فمن قدّمه سلام الله عليه على أبي بكر وصاحبيه فقد جاء بالحجّة البالغة، والنّور السّاطع، وأخذ بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها.

_ ٥٨ _

تمرٌ ينقلب رطباً لابن سمعون

أخرج الخطيب في تاريخه ١: ٢٧٥ قال: حدَّثنا أبو بكر محمّد بن محمّد الطاهري قال: سمعت أبا الحسين ابن سمعون(٢) يذكر أنّه خرج من مدينة الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قاصداً بيت المقدس، وحمل في صحبته تمراً صيحانيّاً، فلمّا وصل إلى بيت المقدس ترك التّمر مع غيره من الطّعام في الموضع الّذي كان يأوي إليه، ثمَّ طالبته نفسه بأكل الرّطب فأقبل عليها باللّائمة وقال: من أين لنا في هذا الموضع رطبٌ؟ فلمّا كان وقت الإفطار عمد إلى التمر ليأكل منه فوجده رطباً صيحانيّاً! فلم يأكل منه شيئاً، ثمَّ عاد إليه من الغد عشيّة فوجده تمراً على حالته الاولى فأكل منه.

وذكره ابن العماد في الشّذرات ٣: ١٢٦.

_ ٥٩ _

ابن سمعون يخبر عمّا يراه النائم

أخرج ابن الجوزي في المنتظم ٧: ١٩٩ من طريق أبي بكر الخطيب البغدادي عن أبي طاهر محمّد بن علي بن العلّاف قال: حضرت أبا الحسين ابن سمعون يوماً في مجلس الوعظ وهو جالسٌ على كرسيّه يتكلّم، وكان أبو الفتح القوّاس جالساً إلى جنب الكرسيِّ فغشيه النّعاس ونام، فأمسك أبو الحسين عن الكلام ساعة حتّى استيقظ

____________________

١ - وسيوافيك قول أحمد وجمع آخرين من ائمة الحديث: لم يرد في حق أحد من الصحابة بالاسانيد الحسان اكثر مما جاء فى حق على بن أبى طالب. وقول حبر الامة ابن عباس: ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل فى على.

٢ - الواعظ الشهير الامام القدوة الناطق بالحكمة كما فى المنتظم والشذرات توفى ٣٨٧.

١٥٨

أبو الفتح ورفع رأسه فقال له أبو الحسين: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نومك؟ قال: نعم، فقال أبو الحسين: لذلك أمسكت عن الكلام خوفاً أن تنزعج وتنقطع عمّا كنت فيه.

_ ٦٠ _

ابن سمعون وصبية الرصاص

قال إبن الجوزي في المنتظم ٧: ١٩٨: حُكي أنَّ الرّصّاص الزاهد كان يقبّل رجل إبن سمعون دائماً فلا يمنعه فقيل له في ذلك فقال: كان في داري صبيّة خرج في رِجلها الشّوكة فرأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في النوم فقال لي: قل لابن سمعون: يضع رِجله عليها فإنّها تبرأ، فلمّا كان من الغد بكرت إليه فرأيته قد لبس ثيابه فسلّمت عليه فقال: بسم الله فقلت: لعلّ له حاجة أمضي معه وأعرض عليه في الطريق حديث الصبيّة فجاء إلى داري فقال: بسم الله. فدخلت وأخرجت الصبيّة إليه وقد طرحت عليها شيئاً فترك رجله عليها، وانصرف وقامت الجارية معافاةً فأنا اُقبّل رجله أبدا.

_ ٦١ _

ملك ينزل لابى المعالى

كان أبو المعالي البغدادي المتوفّى ٤٩٦ من الصّلحاء الزّهاد، ذكر انّه أصابته فاقةٌ شديدةٌ في شهر رمضان فعزم على الذّهاب إلى بعض الأصحاب ليستقرض منه شيئاً قال: فبينما أنا اُريده إذا بطائر قد سقط على كتفي وقال: يا أبا المعالي! أنا الملك الفلانيّ لا تمض إليه نحن نأتيك به. قال: فبكر إليَّ الرّجل.

رواه ابن الجوزي في المنتظم ٩: ١٣٦، وابن كثير في تاريخه ١٢: ١٦٣.

ألا تعجب من ابن الجوزي لا يمرُّ على منقبة من مناقب آل الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا وحكم عليها بالوضع أو الضعف أو الوهن، لكنّه يرسل هذه الخزعبلات إرسال المسلّم، ولا ينبس في اسنادها ببنت شفة، ولا في متونها بما يقتضيه المقام من التنفيذ والإحالة؟ كلُّ ذلك لأنّه غالٍ فيمن يحبّهم، وقالٍ لمن يشنأهم.

_ ٦٢ _

ألله يكلم أبا حامد الغزالى

قال صاحب مفتاح السّعادة ٢: ١٩٤: قال - أبو حامد الغزالي(١) - في بعض

____________________

١ - أبو حامد محمد بن محمد الطوسى الشافعى حجة الاسلام الغزالى صاحب كتاب ( إحياء العلوم ) ولد بطوس ٤٥٠ وتوفي ٥٠٥.

١٥٩

مؤلّفاته: كنت في بدايتي منكراً لأحوال الصّالحين ومقامات العارفين حتّى حظيت بالواردات، فرأيت الله تعالى في المنام فقال لي يا أبا حامد! قلت: أو الشّيطان يكلّمني؟ قال: لا. بل أنا الله المحيط بجهاتك الستّ ثمَّ قال: يا أبا حامد! ذر أساطيرك وعليك بصحبة أقوام جعلتهم في أرضي محلّ نظري، وهم أقوامٌ باعوا الدّارين بحبّي. فقلت: بعزّتك إلّا أذقتني برد حسن الظنِّ بهم. فقال: قد فعلت ذلك والقاطع بينك وبينهم تشاغلك بحبِّ الدنيا، فاخرج منها مختاراً قبل أن تخرج منها صاغراً، فقد أمضيت عليك نوراً من أنوار قدسي، فقم وقل. قال: فاستيقظت فرحاً مسروراً وجئت إلى شيخي يوسف النسَّاج فقصصت عليه المنام فتبسّم وقال: يا أبا حامد! هذا ألواحنا في البداية فمحوناها، بلى إن صحبتني سأكحل بصر بصيرتك بأثمد التأييد حتّى ترى العرش ومَن حوله، ثُمَّ لا ترضى بذلك حتّى تشاهد ما لا تدركه الأبصار، فتصفو من كدر طبيعتك، وترتقى على طور عقلك، وتسمع الخطاب من الله تعالى - كما كان لموسىعليه‌السلام -: أنا الله ربُّ العالمين.

قال الأميني: مادح نفسه يقرءك السّلام. ليت شعري هل كان يضيق فم الشّيطان عن أن يقول: أنا الله المحيط بجهاتك الستّ، كما لم تضق أفواه المدّعين للربوبيّة في سالف الدَّهر؟ فمن اين عرف الغزالي بصرف الدَّعوى انَّه هو الله؟ ولِماذا لم يحتمل بعدُ انّه هو الشّيطان؟ وإن كان قد صدّق الرؤيا وأذعن بانَّ الله هو الذي خاطبه فلماذا لم يدع الأساطير وقد خوطب ب‍: ذر الأساطير. ولم ينسج على نول النسّاج شيخه إلّا التافهات؟ وليته كان يوجد في صيدليّة النسّاج كحلٌ آخر تحدُّ بصر الغزالي وبصيرته حتّى لا يبوء بإثم كبير ممّا في إحيائه من رياضيّات غير مشروعة محبّذة من قِبله كقصّة لصّ الحمّام وغيرها، وحديث منعه عن لعن يزيد اللّعين في باب آفات اللّسان إلى أمثاله الكثير الباطل.

وما أحدَّ أثمد النسّاج الّذي يترك من اكتحل به لا يرضى بَعد رؤيته العرش ومَن حوله، حتّى يشاهد ما لا تدركه الأبصار، ويسمع الخطاب - كما سمعه موسى -: أنا الله ربُّ العالمين؟ وأنا إلى الغاية لا أدري انَّ موسىعليه‌السلام المشارك له في السّماع هل

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402