الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١١

الغدير في الكتاب والسنة والأدب14%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 402

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 402 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 159229 / تحميل: 3900
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١١

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

ولا تجامع أهلك على سقوف البنيان، فانه إن قضي بينكما ولد يكون منافقاً مرائياً مبتدعاً (1) .

ولكي نختم كلامنا هنا بالمسك نذكر درراً من كلمات المولى زين العابدين وسيد الساجدين الامام علي بن الحسين عليه‌السلام في حقوق الزوجة.

حق الزوجة:

قال عليه‌السلام : وأما حق الزوجة: فان تعلم أنّ الله - عزّ وجل - جعلها لك سكناً وأنساً، فتعلم أنّ ذلك نعمة من الله - عزّ وجل - عليك فتكرمها وترفق بها - وإن كان حقك عليها أوجب، فان لها عليك أن ترحمها لأنها أسيرك، وتطعمها وتكسوها، واذا جهلت عفوت عنها (2) .

* * *

__________________

(1) أنظر للمزيد: الفقيه 3 / 553 باب النوادر، وسائل الشيعة 20 / 252، بحار الأنوار 100 / 282 باب 8 آداب الجماع وفضله، الاختصاص: 134 أحاديث وصايا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام ، أمالي الصدوق: 569 المجلس 84، مكارم الأخلاق: 211 الفصل الرابع في آداب الزفاف.

(2) الفقيه 2 / 621 باب الحقوق ح 3214، وسائل الشيعة 15 / 172 باب 3 ح 20226، أمالي الصدوق: 318 المجلس 59 ح 1، الخصال 2 / 567 الحقوق الخمسون ح 1، مكارم الأخلاق: 419 الفصل الأول في ذكر الحقوق (لزين العابدين عليه‌السلام .

٤١

الفصل السادس

قانون الوراثة

٤٢

قانون الوراثة

لقد نص قانون الوراثة في الاسلام على أنّ ما يقدمه الرجل من خير وفضيلة طلباً لرضا الله - تعالى - يعود عليه وعلى ولده وذريته.

روى في البحار عن تفسير العياشي عن الصادق عليه‌السلام : إنّ الله ليفلح بفلاح الرجل المؤمن ولده وولد ولده، ويحفظه في دويرته ودويرات حوله، فلا يزالون في حفظ الله لكرامته على الله، ثم ذكر الغلامين فقال: ( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ) ألم تر أنّ الله شكر صلاح أبويهما لهما (1) .

وفي الارشاد للدليمي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله يحفظ الرجل في ولده وولد ولده ودويرات حوله.

قال: وجاء في تأويل قوله تعالى ( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ) إنّه كان بينهما وبين أبيهما الصالح سبعة أجداد وقيل: سبعين جداً (2) .

وقد قدّم أبو طالب عليه‌السلام كلّ خدمة، وضحى بكلّ شيء من أجل رعاية يتيم أخيه عبد الله وحفظه والقيام بشؤونه، وكان بذلك أكفأ من نفذ وصية عبد المطلب في

__________________

(1) بحار الأنوار 13 / 312 باب 10 ح 49 عن تفسير العياشي 2 / 337.

(2) الارشاد (للدليمي) 1 / 143.

٤٣

حفيده، فعوّضه الله عن تلك التضحية ولداً فذاً فريداً عقمت عن مثله النساء كأمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، فانك لا ولم ولن تجد له نداً قط. فقد آمن بالنبي ورسالته وهو في العاشرة من عمره، فنال وسام «أول من آمن»، وشارك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في كل مواقفه وأيامه ومصائبه ومحنه، وكان عضده وحامل رايته وسيفه الذي أقام به أسس رسالته، وشيّد بيده أركان دينه، ولم يتخلف عنه في موقف مهما كان صغيراً أو كبيراً.

فدخل معه الشعب وتحمل ما تحمل معه هناك من مضايقات ومصاعب، وختم جهاده في مكة بعد ثلاثة عشر عاماً بالفداء ليلة المبيت حيث فدى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه وشراها الباري منه بأغلى ثمن، وأنزل فيه قرآناً يتلى إلى يوم القيامة.

ثم هاجر معه إلى المدينة فكان هناك السبّاق إلى المكرمات والمضحي الأول الذي ذبّ الكرب عن وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكان المقدام الذي اقتحم غمار الموت في كلّ حروب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وغزواته من أجل ترسيخ دعائم الدين الحنيف.

وبعد ذلك كلّه دعا الله مخلصاً أن يؤتيه ولداً شجاعاً وفياً ينصر ابن بنت نبيه كما نصر هو بنفسه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأتاه الله «العباس بن علي عليه‌السلام ». فكان ناصراً ومعيناً لأبي عبد الله الحسين عليه‌السلام .

* * *

٤٤

الفصل السابع

فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام

٤٥

فضائل

أمير المؤمنين عليه‌السلام

لما كان الكتاب الحاضر في حياة أم البنين عليها‌السلام ومكارمها كان المناسب أن نتعرض لشطر من فضائل زوجها مولى المتقين وأمير المؤمنين عليه‌السلام تيمناً وتبركاً، نسمعها من أفواه أعدائه وأحبائه، ثم تعود مرة أخرى للحديث عن أم البنين عليها‌السلام وأبنائها.

* * *

٤٦

الأول

علي عليه‌السلام

في القرآن والسنة

ذكر العلامة الحلي في كتاب «نهج الحق» ثمانية وثمانين دليلاً من القرآن الكريم لاثبات إمامة الامام علي عليه‌السلام حيث شهد أهل السنة أنفسهم أنها نزلت في علي عليه‌السلام .

وأضاف اليها في «ملحقات إحقاق الحق» أربعة وتسعين موضعاً استند فيها إلى كتب العامة.

وقد ورد في كتبهم أنّه ما نزل آية فيها ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلّا وكان علي عليه‌السلام سيدهم وأميرهم.

والأحاديث النبوية في فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام قد تجاوزت حدّ الاحصاء والحصر، وقد ذكر في «ملحقات إحقاق الحق» فقط ثمانية مجلدات ضخمة في فضائله المروية عن طريق السنة (1) .

وسنروي لك باقة منها كنموذج ليس إلّا.

__________________

(1) اسلام شناسي (للشيخ أبي طالب تجليلي التبريزي): 192.

٤٧

1 - قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله - تعالى - أوحى إليّ في علي ثلاثة أشياء ليلة أسري بي: أنّه سيد المرسلين، وامام المتقين، وقائد الغر المحجلين (1) .

2 - وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ أخي ووزيري وخير من أخلف بعدي علي بن أبي طالب عليه‌السلام (2) .

3 - عن بريدة قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لكلّ نبي وصي ووارث وإنّ علياً وصي ووارثي (3) .

4 - قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتاني جبرئيل وقد نشر جناحيه فاذا فيها مكتوب على أحدهما «لا اله الا الله محمد النبي» ومكتوب على الآخر «لا إله إلّا الله علي الوصي» (4) .

5 - قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام (5) .

6 - وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : علي بن أبي طالب يزهر في الجنة ككوكب الصبح لأهل الدنيا (6) .

__________________

(1) ميزان الاعتدال 7 / 206، ذخائر العقبى: 70، المستدرك على الصحيحين 3 / 148، مجمع الزوائد 9 / 121، المعجم الصغير 2 / 192 ح 1012.

(2) البحار 38 / 12 باب 56، مودة القربى: 22، ينابيع المودة 2 / 299 الباب 56 ح 855.

(3) ذخائر العقبى: 71 وقال: أخرجه الحافظ أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة، المناقب للخوارزمي: 84 ح 74، المناقب لابن المغازلي: 200 ح 238، ينابيع المودة 1 / 235 باب 15 ح.

(4) كشف الغمة 1 / 297 في ذكر أنّه أقرب الناس إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كشف اليقين: 10 الفصل الاول، الصراط المستقيم 1 / 243 الفصل 24، البحار 27 / 9 باب 10.

(5) البحار 39 / 39 باب 73، عن كتاب المصنف في فضائل الصحابة للبيهقي، إرشاد القلوب 2 / 217، الصراط المستقيم 1 / 212 الفصل 18، كشف الغمة 1 / 114، كشف اليقين: 53 المبحث الثاني: نهج الحق: 236 الثاني العلم، ينابيع المودة 2 / 83 باب 56، الفردوس للديلمي 3 / 90 ح 3997.

(6) البحار 40 / 76 باب 91، العمدة: 363، الجامع الصغير 2 / 178 ح 5599.

٤٨

7 - قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :... يا معشر الأنصار ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً؟

قالواو: بلى يا رسول الله.

قال: هذا علي فأحبوه بحبي، وأكرموه بكرامتي، واتبعوه، إنه مع القرآن والقرآن معه، وإنّه يهديكم إلى الهدى ولا يدلكم على الردى، فان جبرئيل أخبرني بالذي قلته لكم عن الله عزّ وجل (1) .

8 - وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : علي خير البشر من شكّ فيه فقد كفر (2) .

9 - قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مكتوب على باب الجنة قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بألفي عام «لا إله الا الله محمد رسول الله وعلي أخوه» (3) .

10 - عن ابن مسعود قال: خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من بيت زينب بنت جحش وأتى بيت أم سلمة - وكان يومها - فجاء علي فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله :

يا أم سلمة؛ هذا علي أحبيه، لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو عيبة علمي.

واسمعي واشهدي؛ إنه قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي، وهو قاسم أعدائي، ومحيي سنتي.

واسمعي واشهدي؛ لو أنّ عبداً عبد الله ألف عام وألف عام وألف عام بين الركن والمقام، ولقى الله - تعالى - مبغضاً لعلي أكبّه الله على منخريه في جهنم يوم القيامة (4) .

__________________

(1) ذخائر العقبى: 70 فضائل علي 7، ينابيع المودة 2 / 161 الباب 56 ح 455، بحار الانوار 40 / 59 باب 91، تفسير فرات: 163 سورة التوبة.

(2) كنوز الحقائق: 98، الفردوس (للدليمي) 3 / 89 ح 3994، ينابيع المودة 2 / 78 باب 56 ح 80، مودة القربي: 14، منتخب كنز العمال 5 / 35.

(3) المناقب (لابن المغازلي): 91 ح 134، حلية الأولياء 7 / 256، ذخائر العقبى: 66، مجمع الزوائد 9 / 111، منتخب كنز العمال 5 / 35، ينابيع المودة 2 / 237 باب 56 ح 662.

(4) فرائد السمطين 1 / 331 ح 657، ينابيع المودة 1 / 390 باب 44 ح 2، ذيل اللئالي: 65.

٤٩

11 - وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : حق علي على هذه الأمة كحق الوالد على ولده (1) .

12 - وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تزول قدم عن قدم يوم القيامة حتى يسأل الرجل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن جسده فيم أبلاه، وعن ماله ممّ كسبه وفيم أنفقه، وعن حبنا أهل البيت... (2) .

13 - وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : حبّ علي براءة من النار (3) .

14 - وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو أنّ عبداً عبد الله مثل ما قام نوح في قومه وكان له مثل أحد ذهباً فانفق في سبيل الله، ومدّ في عمره حتى يحج ألف عام على قدميه، ثم سعى بين الصفا والمروة، ثم قتل مظلوماً، ثم لم يوالك يا علي لم يشم رائحة الجنة ولم يدخلها (4) .

15 - وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي؛ لو أنّ أمتي صاموا حتى يكونوا كالحنايا، وصلّوا حتى يكونوا كالأوتار، ثم أبغضوك لأكبهم الله - تعالى - على وجوههم في النار (5) .

__________________

(1) كنوز الحقائق (للمناوي): 69، الفردوس (للدليمي) 2 / 132 ح 2674، فرائد السمطين 1 / 297 ح 235، ينابيع المودة 1 / 370 باب 41 ح 5، المناقب (للخوارزمي): 310 ح 306، المناقب (لابن المغازلي): 47 ح 70.

(2) المناقب (للخوارزمي): 76 ح 59، جواهر العقدين 2 / 246، المناقب (لابن المغازلي): 119 ح 157، مجممع الزوائد 9 / 346، سنن الترمذي 4 / 36 ح 2532 (كتاب صفة القيامة)، كنز العمال 14 / 379 ح 38982، ينابيع المودة 2 / 360 باب 58 ح 27 و 28.

(3) كنوز الحقائق: 67، الفردوس (للدليمي) 2 / 226 ح 2545، مودة القربى: 20، ينابيع المودة 2 / 75 باب 56 ح 55.

(4) مودة القربى: 21، المناقب (لابن شهر آشوب) 3 / 198، ينابيع المودة 2 / 293 باب 56 ح 845.

(5) فرائد السمطين 1 / 51 باب 4 حديث 16، المناقب (لابن المغازلي): 90 ح 133 و 297 ح 340، مقتل الحسين (للخوارزمي): 108 ح 250، المستدرك (للحاكم) 3 / 160، كفاية الطالب: 318، ترجمة الامام علي (لابن عساكر) 1 / 143 ح 179، ينابيع المودة 1 / 271 ح 5 باب 20.

٥٠

16 - عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو أنّ الرياض أقلام، والبحر مداد، والجن حساب، والانس كتاب، ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب (1) .

17 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لما أسري بي في ليلة المعراج فاجتمع عليّ الأنبياء في السماء، فأوحى الله - تعالى - إليّ: سلهم يا محمد بماذا بعثتم؟

فقالوا: بعثنا على شهادة أن لا إله الا الله وحده، وعلى الاقرار بنبوتك، والولاية لعلي بن أبي طالب (2) .

18 - قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا اجتمع الناس على حبّ علي بن أبي طالب ما خلق الله النار (3) .

19 - قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليلى أسري بي إلى السماء أمر بعرض الجنة والنار عليّ فرأيتهما جميعاً، رأيت الجنة وألوان نعيمها، ورأيت النار وألوان عذابها، وعلى كلّ باب من أبواب الجنة الثمانية: «لا اله الا الله محمد رسول الله علي ولي الله» (4) .

20 - قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رأيت ليلى أسري بي إلى السماء الرابعة ديكاً، بدنه درة بيضاء، وعيناه ياقوتتان حمراوان، ورجلاه من الزبرجد الأخضر، وهو ينادي: «لا إله إلّا الله محمد رسول الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ولي الله فاطمة وولدها الحسن والحسين صفوة الله، يا غافلين اذكروا الله، على مبغضيهم لعنة الله» (5) .

__________________

(1) مائة منقبة (لابن شاذان): ح 99، المناقب (للخوارزمي): 328 ح 341، كفاية الطالب: 151، ينابيع المودة: 2 / 254 باب 56 ح 713.

(2) ينابيع المودة 2 / 246 باب 56 ح 692، الصراط المستقيم: 141، روضة الواعظين 1 / 59.

(3) الفردوس (للدليمي) 3 / 419 ح 5175، ينابيع المودة 2 / 244 باب 56 ح 684.

(4) البحار 27 / 10 باب 10 ح 24.

(5) البحار 37 / 47 باب 50 ح 24، اليقين: 391 باب 141.

٥١

نقش خاتم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله «علي ولي الله»:

التختم من السنن الشرعية، وهو زينة للانسان، وفيه من المنافع المعنوية والنفسية والقيم الجمالية الشيء الكثير.

وكان في سالف الزمان لكلّ فرد خاتم ينقش عليه كلمة أو عبارة خاصة تعد بمثابة «الختم» في العصور المتأخرة، فكما يضرب بالختم في نهاية الكتاب الرسمي أو ما شاكل لتأكيد الانتساب، كان الخاتم في ذلك الزمان يؤدي نفس الدور.

وقد روى لنا المولى أبو عبد الله الحسين عليه‌السلام ذكرى جميلة عن خاتم جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: أعطى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله علياً عليه‌السلام خاتماً لينقش عليه «محمد بن عبد الله» فأخذه أمير المؤمنين عليه‌السلام فأعطاه النقاش فقال له: انقش عليه «محمد بن عبد الله»، فنقش النقاش عليه «محمد رسول الله».

فجاء أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال: ما فعل الخاتم؟

فقال: هو ذا.

فأخذه ونظر إلى نقشه فقال: ما أمرتك بهذا!

قال: صدقت، ولكن يدي أخطأت.

فجاء به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رسول الله ما نقش النقاش ما أمرت به، وذكر أنّ يده أخطأت، فأخذه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ونظر اليه فقال: يا علي أنا محمد بن عبد الله وأنا محمد رسول الله، وتختم به.

فلما أصبح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى خاتمه فاذا تحته منقوش «علي ولي الله»، فتعجب من ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فجاء جبرئيل عليه‌السلام فقال: كان كذا وكذا.

فقال: يا محمد كتبت ما أردت وكتبنا ما أردنا (1) .

__________________

(1) أمالي الطوسي: 705 المجلس 41 ح 2، البحار 40 / 37 باب 91 ح 72.

٥٢

اعتراف عمر بأن عين علي عليه‌السلام عين الله:

جاء رجل يستعدى عمر على علي عليه‌السلام فقال: يا أمير... إنّ علياً لطم عيني.

فوقف عمر حتى مرّ علي فقال: ألطمت عين هذا يا أبا الحسن؟

فقال علي عليه‌السلام : نعم رأيته يتأمل حرم المؤمنين.

فقال عمر: أحسنت يا أبا الحسن.

ثم قال للرجل: اذهب وقعت عليك عين من عيون الله، وحجاب من حجب الله، تلك يد الله اليمنى يضعها حيث يشاء (1) .

اعتراف معاوية:

قال ابن عبد البر القرطبي في الاستيعاب:

وكان معاوية يكتب فيما ينزل به ليسأل له علي بن أبي طالب عليه‌السلام عن ذلك، فلما بلغه قتله قال: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب.

فقال له أخوه عتبة: لا يسمع هذا منك أهل الشام.

فقال له: دعني عنك (2) .

وقال معاوية لضرار صف لي علياً.

قال: اعفني يا أمير....

قال: لتصفنه.

قال: أما إذا لابد من وصفه، فكان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، ويستوحش من

__________________

(1) فيض القدير 4 / 357، انظر البحار 39 / 88، المناقب (لابن شهر آشوب) 3 / 272.

(2) الاستيعاب 3 / 44 حرف العين - القسم الاول - ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، بحار الانوار 33 / 171 باب 7 ح 451، العدد القوية: 250.

٥٣

الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، وكان غزير العبرة، طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، كان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، وينبئنا إذا استنبأناه، ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له، يعظم أهل الدين، ويقرّب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله.

وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه، قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكى بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غري غيري، إليّ تعرضت؟! أم إليّ تشوّقت؟! هيهات! هيهات! قد باينتك ثلاثاً لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك حقير، آه من قلة الزاد، وبعد السفر ووحشة الطريق.

فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن كان - والله - كذلك (1) ...

وقال معاوية: والله لو كان عند علي جبل من تبن وجبل من تبر لأنفق تبره قبل تبنه.

النظر إلى وجه علي عليه‌السلام عبادة:

روى ابن المغازلي وغيره مسنداً عن عائشة قالت: رأيت أبا بكر يكثر النظر إلى وجهعلي فقلت: يا أبة أراك تكثر النظر إلى وجه علي عليه‌السلام ؟

فقال: يا بنية؛ سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: النظر إلى وجه علي عبادة (2) .

__________________

(1) الاستيعاب 3 / 44 ترجمة الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام .

(2) ابن المغازلي في المناقب: 206 و 244 وما بعدها، الخوارزمي في المناقب: 361 ح 373، فرائد السمطين 1 / 181، مستدرك الحاكم 3 / 141 و 142، حلية الاولياء 5 / 58 و 2 / 183، بحار الانوار 38 / 200 باب 64.

٥٤

وروى ابن كثير من حديث أبي بكر وعمر وعثمان وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وعمران بن حصين وأنس وثوبان وعائشة وأبي ذر وجابر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «النظر إلى وجه علي عبادة».

وعن عائشة «ذكر علي عبادة» (1) .

قال المناوي في فيض القدير:... النظر إلى علي أمير المؤمنين عليه‌السلام عبادة: أي رؤيته تحمل النطق بكلمة التوحيد، لما علاه من سيماء العبادة.

قال الزمخشري عن ابن العربي: إذا برز قال الناس: لا إله الا الله ما أشرق هذا الفتى؟! ما أعلمه؟! ما أكرمه؟! ما أحلمه؟! ما أشجعه؟! فكانت رؤيته تحمل النطق بالعبادة فيالها من سعادة (2) .

وقال المناوي: وكان عمر يتعوذ من كلّ معضلة ليس لها أبو الحسن، ولم يكن أحد من الصحب يقول: «سلوني» إلا هو....

وأخرج أحمد أن عمر أمر برحم امرأة فمر بها علي فانتزعها فأخبر عمر فقال: ما فعله إلّا لشيء، فأرسل اليه فسأله.

فقال: أما سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: رفع القلم عن ثلاث... الحديث؟

قال: نعم.

قال: فهذه مبتلاة بني فلان فلعله أتاها وهو بها.

فقال عمر: لو لا علي هلك عمر.

واتفق له مع أبي بكر نحوه - أي أن أبا بكر كان يقول أيضاً - لولا علي لهلك أبو بكر.

فأخرج الدار قطنى عن أبي سعيد أنّ عمر كان يسأل علياً عن شيء فأجابه فقال عمر: أعوذ بالله أن أعيش في قوم ليس فيهم أبو الحسن.

__________________

(1) البداية والنهاية المجلد الرابع / الجزء السابع: 371.

(2) فيض القدير 6 / 299.

٥٥

وفي رواية: لا أبقاني الله بعدك يا علي (1) .

ولا يخفى أنّ عمر قد قال كلمته هذه عشرات المرات أمام الملأ، كما قالها أبو بكر وعثمان كذلك.

فقد أخرج الحافظ العاصمي في كتاب «زين الفتى في شرح سورة هل أتى»: أنّ رجلاً أتى عثمان بن عفان وهو أمير... وبيده جمجمة انسان ميت فقال: إنكم تزعمون النار يعرض على هذا، وإنه يعذب في القبر، وأنا قد وضعت عليها يدي فلا أحسّ منها حرارة النار.

فسكت عنه عثمان، وأرسل إلى علي بن أبي طالب المرتضى يستحضره.

فلما أتاه وهو في ملأ من أصحابه قال للرجل: أعد المسألة فأعادها.

ثم قال عثمان بن عفان: أجب الرجل عنها يا أبا الحسن.

فقال علي: ايتوني بزند وحجر، والرجل السائل والناس ينظرون اليه، فأتي بهما، فأخذهما وقدّح منهما النار، ثم قال للرجل: ضع يدك على الحجر، فوضعها عليه، ثم قال: ضع يدك على الزند، فوضعها عليه.

فقال: هل أحسست منهما حرارة النار، فبهت الرجل.

فقال عثمان: لو لا علي لهلك عثمان (2) .

محبو علي في درجة الأنبياء يوم القيامة:

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : من أحبك - يا علي - كان مع النبيين في درجتهم يوم القيامة، ومن مات وهو يبغضك فلا يبالي مات يهودياً أو نصرانياً (3) .

__________________

(1) فيض القدير 4 / 357.

(2) الغدير 8 / 256.

(3) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام 2 / 58 باب 31 ح 221، بحار الانوار 27 / 79 باب 4 ح 16، مودة القربي: 220، ينابيع المودة 2 / 291 باب 56 ح 837.

٥٦

الثاني

اسم الامام علي عليه‌السلام

يزيّن الاذان

ينبغي أن نتعرض هنا إلى عظمة وليد الكعبة أمير المؤمنين عليه‌السلام من حيث أنّ الله - تبارك وتعالى - أمر بذكر اسمه الشريف بعد اسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الأذان، فنذكر آراء العلماء في ذلك، ونتعرض إلى بدعة التثويب التي ابتدعها عمر وجعلها بدلاً عن قول «حي على خير العمل».

كيف شرّع الأذان؟

عن الحسين بن علي - صوات الله عليه وعلى الأئمة من ولده - أنّه سئل عن قول الناس في الأذان: أنّ السبب كان فيه رؤيا رآها عبد الله بن زيد فأخبر بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأمر بالأذان؟!

فقال الحسين عليه‌السلام : الوحي ينزل على نبيكم وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبد الله بن زيد، والأذان وجه دينكم، وغضب عليه‌السلام وقال:

بل سمعت أبي علي بن أبي طالب عليه‌السلام يقول: أهبط الله - عزّ وجل - ملكاً حتى عرج برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وساق حديث المعراج بطوله إلى أن قال:

٥٧

فبعث الله ملكاً، لم ير في السماء قبل ذلك الوقت ولا بعده، فاذّن مثنى مثنى، وأقام مثنى، وذكر كيفية الأذان ثم قال:

قال جبرئيل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا محمد هكذا أذّن للصلاة (1) .

حي على خير العمل:

قال السيد المرتضى في الانتصار:

«ومما انفردت به الامامية أن يقول في الأذان والاقامة بعد قوله «حي على الفلاح» «حي على خير العمل» والوجه في ذلك إجماع الفرقة المحقّة عليه» (2) .

وأنّ علي بن الحسين عليه‌السلام كان يقول في أذانه إذا قال: «حي على الفلاح» قال: «حي على خير العمل» ويقول: هو الأذان الأول.

إلّا أنّه قال: قال الشيخ: وهذه اللفظة لم تثبت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله !!!.. ونحن نكره الزيادة فيه (3) .

وعليه ذهب أهل السنة إلى تحريمها في الأذان والاقامة، فيما ذهب الشيعة ألى أنّ تركها عمداً يوجب بطلان الأذان والاقامة باعتبارها جزء مشرع فيهما (4) .

وما رواه البيهقي يؤكد أنّ هذه العبارة كانت في الأذان الأول، وهي تشريع

__________________

(1) مستدرك الوسائل 4 / 17 - 18 باب 1 ح 2، بحار الانوار 81 / 156 باب 13 ح 54، الجعفريات: 42 كتاب الصلاة، دعائم الاسلام 1 / 142 ذكر الاذان والاقامة.

(2) الانتصار: 39.

(3) سنن البيهقي 2 / 197 - 198.

(4) أنظر: وسائل الشيعة.

٥٨

ربّاني أوحاه إلى نبيه الكريم، إلّا أنّ «أهل السنة» اتبعوا في ذلك عمر وتركوا سنة النبي.

والدليل عليه ما ذكره القوشجي المتوفي سنة (879) في «شرح التجريد» في مبحث الامامة: إنّ عمر قال وهو على المنبر: أيها الناس ثلاث كن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أنهى عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن: متعة النساء، ومتعة الحج، و «حي على خير العمل» (1) .

ثم اعتذر عنه بقوله: إنّ ذلك ليس مما يوجب قدحاً فيه، فانّ مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع (2) .

ومن العجب أن يقابل النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله بواحد من أمته، ويجعل كلاً منهما مجتهداً، وما ينطقه الرسول الأمين هو عين ما ثبت في اللوح المحفوظ، و ( إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ) فأين هو عن الاجتهاد برد الفرع إلى الأصل واستعمال الظنون في طريق الاستنباط؟!

هذا؛ بالاضافة إلى أنّ السائغ من المخالفة الاجتهادية إنّما هو ما إذا قابل المجتهد مجتهداً مثله لا من اجتهد تجاه النص المبين، وارتأى أمام تصريحات الشريعة من قول الشارع وعمله (3) .

على أننا لا نعلم للخليفة علماً يقاس بعوام المسلمين فضلاً عن سيد أولى الألباب وخاتم المرسلين، فكيف نقول من ثم باجتهاده؟!

أجل؛ كان ثمة سبب آخر من وراء ذلك سوى قصة الاجتهاد، وهو أنّ الناس التفتوا بعد حين أن خليفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حلقاً أصبح جليس داره، وأنّ الآخرين اغتصبوا

__________________

(1) شرح التجريد (للقوشجي): 484، الغدير 6 / 283.

(2) المصدر نفسه.

(3) انظر الغدير 6 / 283.

٥٩

مقامه، وأنذ حكومتهم تفتقد الشرعية، وأنّ ما تقوم به من فتوح إنّما هو «توسعة» وتوسيع لرقعة الامبراطورية، وليست جهاداً، فتقاعسوا عنهم، فأراد الخليفة أن يعبأ الناس لما يسميه «جهاداً»، ويعظّم الجهاد في نفوسهم؛ لئلا يفكر أحدهم أنّ العبادات والصلاة أهم من الجهاد.

فقد روى أبو حنيفة وأبو يوسف القاضي وغيرهم أنّ «حي على خير العمل» كانت في الأذان على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي بكر وصدراً من أيام عمر إلّا أنّ عمر أمر بتركها وقال: أخشى أن يتوجه الناس إلى الصلاة ويعرضوا عن الجهاد (1) .

وروي عن الباقر عليه‌السلام قال: كان الأذان «حي على خير العمل» على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبه أمروا أيام أبي بكر وصدراً من أيام عمر، ثم أمر عمر بقطعه وحذفه من الأذان والاقامة، فقيل له في ذلك فقال: اذا سمع عوام الناس أنّ الصلاة خير العمل تهاونوا بالجهاد وتخلفوا عنه (2) .

وعن عكرمة قال:

قلت لابن عباس: أخبرني لأي شيء حذف من الأذان «حي على خير العمل»؟

قال: أراد عمر بذلك أن يا يتّكل الناس على الصلاة ويدعوا الجهاد؛ فلذلك حذفها من الاذان (3) .

قال المجلسي رحمه‌الله : يدلّ هذا على أنّ عمر وأتباعه يزعمون أنهم أعلم من الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنهما لم يفطنا بهذه المفسدة وتفطن بها هذا الشقي الغبي، ولم يمنع ذلك أصحاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في زمانه، وأصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام عن الجهاد، بل كانوا مع مواظبتهم على «حي على خير العمل» أشد اهتماماً بالجهاد من سائر العباد (4) .

__________________

(1) الايضاح: 202.

(2) البحار 81 / 156 باب 35 ح 54 عن دعائم الاسلام.

(3) البحار 81 / 140 باب 35 ح 34، عن علل الشرائع 2 / 56.

(4) البحار 81 / 140 ذيل ح 34.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

ما أعيى هذا الملك [ المأخوذ فيه البأس والشدَّة من الله شديد البطش ] حتّى تمكّن منه إنسانٌ فصفعه وفقأ عينه؟ ثمَّ لم يزل الخوف مزيج نفسيّته حتّى تخفّى عن الّذين هم في قبضته، ورهن تصرّفه، حيث وكّل بهم وبقبض أرواحهم، ولا كرامة لهم على الله ككرامة موسى النبيّعليه‌السلام فيحاذر الصفعة منهم.

وإن تعجب فعجبٌ انَّ مرسل ملك الموت وهو الله سبحانه لِم لَم يعطه بأساً يفوق كلَّ بأس وهو يعلم مَن خلق، وانَّ فيهم مَن يجرأ على رسوله فيصفعه فيفقأ عينه، وفيهم مَن يخافه الرَّسول فيخفي نفسه عنه؟ أكان ذلك غفلة؟ أم أنَّ خزانة القدرة قد نفدت؟ أم لم يكن يعلم ما يقع - وهو علّام الغيوب - حتّى وقعت الواقعة؟ أم لم يكن في صفوف الموظّفين بعالم الملكوت أيَّ تدريب حتّى يتمكّنوا مقابلة الشّدايد إلى عهد موسى، ثمَّ اطرّد التدريب بإخفاء الموظّف نفسه عند تنفيذ وظيفته؟! تعالى الله عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيرا.

وهلمَّ معي إلى النبيِّ المعصوم موسى على نبيّنا وآله وعليه‌السلام ونراه كيف يتجرَّأ على ملك الموت، وهو يعلم انّه رسولٌ من الله العظيم، وانّه إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون، وانّه لا تُجديه الصفعة والفقأة، وعلى فرض أن يهرب عنه هذا الرَّسول أو ينسحب عنه بانتظام فإنّه يأتيه غيره أشدّ منه بأساً، لأنّ الله سبحانه مميته لا محالة، ولا مردَّ لمجري قضائه، وهب انَّه تخلّص من بأس هذا الملك فهل يتخلّص من بأس مُرسله المنتقم القهّار، وقد أثار غضبه بمجابهة ممثّله؟ أبعد الله الإفك والزّور عليه سبحانه وعلى رسوله وملائكته، وانتقم من كلِّ أفّاك أثيم.

أضف إلى ذلك كلّه ما قاله سيّدنا الحجَّة شرف الدّين العاملي في كتاب أبي هريرة ص ٨٦ ممّا لفظه:

ونحن لِمَ برئنا من أصحاب الرسّ وفرعون موسى وأبي جهل وأمثالهم ولعنّاهم بكرة وأصيلا؟ أليس ذلك لأنّهم آذوا رُسل الله حين جاؤوهم بأوامره؟ فكيف نجوّز مثل فعلهم على أنبياء الله وصفوته من عباده؟ حاشا لله انَّ هذا لبهتانٌ عظيمٌ.

ثمَّ إنَّ من المعلوم انَّ قوّة البشر بأسرهم، بل قوَّة جميع الحيوانات منذ خلقها

١٤١

الله تعالى إلى يوم القيامة لا تثبت أمام قوّة ملك الموت فكيف ( والحال هذه ) تمكّن موسىعليه‌السلام من الوقيعة فيه؟ وهلاّ دفعه الملك عن نفسه، مع قدرته على ازهاق روحه، وكونه مأموراً من الله تعالى بذلك؟

ومتى كان للملك عينٌ يجوز أن تفقأ؟!

ولا تنس تضييع حقِّ الملك وذهاب عينه ولطمته هدراً إذ لم يُؤمر الملك من الله بأن يقتصَّ من موسى صاحب التَّوراة التي كتب الله فيها: إنَّ النفس بالنفس، والعين بالعين، والأنف بالأنف، والاُذن بالاُذن، والسنَّ بالسنَّ والجروح قصاص(١) ولم يعاتب الله موسى على فعله هذا بل أكرمه إذ خيَّره بسببه بين الموت والحياة سنين كثيرة بقدر ما تواريه يده من شعر الثّور.

وما أدري ما الحكمة في ذكر شعر الثّور بالخصوص؟! الخ.

هذه جملةٌ ممّا وجدنا من كرامات الإمام أحمد، وكم وكم لها من نظير؟ وأنت حدِّث العاقل بما لا تقبله عقله فإن صافقك عليه فهو معتوهٌ، لكن القوم عقلاء وقبلوها، ونحن إذا عزونا ما هو أخفُّ وأخفُّ وطئةً من هذه ممّا يساعده العقل والمنطق والإعتبار إلى أئمَّة أهل بيت الوحي عليهم السَّلام الذّين أذهب الله عنهم الرِّجس وطهّرهم تطهيرا، فهنالك الجلبة واللغط، والتركاض والصخب، وهتافٌ من شتىّ الجوانب: هذا لا يكون، هذا غير معقول، حديثٌ واه، هذا قول غلاة الشيعة، هذا قول الرافضة، هذا لا يصحُّ وإن صحَّ إسناده، إسناده صحيحٌ غير انَّ في قلبي منه شيئاً، هذا لا يصحُّ وإن جاء بألف طريق. إلى أمثال هذه التهجّمات الفارغة.

_ ٤٤ _

امام المالكية يرى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ كلّ ليلة

ذكر الحريفيش في ( الرّوض الفائق ) ص ٢٧٠ قال: قال المثنّى بن سعيد القصير:

____________________

١ - إشارة الى الآية ٤٥ من سورة المائدة وقد وجدنا في الفقرة الـ‍ ٢٣ من الاصحاح ٢١ من اصحاحات الخروج من التوراة الموجودة فى أيدى اليهود والنصارى فى هذه الايام ما هذا لفظه: ان حصلت أذيّة تعطى نفساً بنفس، وعيناً بعين، وسناً بسن، ويداً بيد، ورجلاً برجل، وكيّا بكّي، وجرحاً بجرح، ورضا برضّ.

١٤٢

سمعت مالكاً - إمام المالكيّة - يقول: ما بتُّ ليلة إلّا رأيت النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها.

قال الأميني: هل يكذَّب الإمام في دعواه الّذي لا يُعلم إلّا من قبله؟ أو يُرمى ابن سعيد بالإفك وإن كان قصيراً؟ أو يُعاتب الحُريفيش في نقله وإن كان مصغّراً؟

وللإمام مالك موقف خطر مع الملكين العظيمين: منكر ونكير، لا يقلّ عن موقف الإمام أحمد معهما ذكره الشعراني في الميزان ١: ٤٦ قال: لمـّا مات شيخنا شيخ الإسلام الشيخ ناصر الدين اللقاني رآه بعض الصّالحين في المنام فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال: لمـّا أجلسني الملكان في القبر ليسألاني أتاهم الإمام مالك فقال: مثل هذا يحتاج إلى سؤال في إيمانه بالله ورسوله؟ تنحيّا عنه، فتنحّيا عنّي.

قال الأميني: ألا من معبّر يعبّر هذه الأحلام؟ ولعلَّ كلّ فرد من المعبّرين يقول: أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين. وإن اتَّخذها الحفّاظ كأصل مسلّم استندوا إليها عند المغالاة في الفضائل. كأنَّ الملكين لم يكن عندهما عرفان بمن يحتاج إلى سؤال في إيمانه، ولم يكن هنالك ناموسٌ مطّردٌ من المولى سبحانه يتَّبعانه، أعوذ بالله من ضئولة العقل.

_ ٤٥ _

الملكان وابو العلاء الهمدانى

قال ابن الجوزي في المنتظم ١٠: ٢٤٨: رأى شخصٌ انَّ يدين خرجتا من محراب مسجد فقال: ما هذه اليدان؟ فقيل: هذه يد آدم بسطها ليعانق أبا العلاء الحافظ - الحسن بن أحمد المتوفّى ٥٦٩ - وإذا بأبي العلاء قد أقبل، قال: فسلّمت عليه فردَّ عليَّ السَّلام وقال: يا فلان! رأيت ابني احمد حين قام على قبري يلقّنني؟ أما سمعت صوتي حين صبحت؟ على الملكين؟ فما قدرا أن يقولا شيئاً فرجعا.

نظراً إلى هذه المزعمة يجب أن يكون أبو العلاء أشجع من عمر الذي خاف النكيرين وارتعد منهما، ثمَّ لمـّا قالا له: نُم. قال: كيف أنام وقد أصابني منكما هذه الرّعدة وقد صحبت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) ولعلّهما قبلا وصيَّة عمر لمـّا انشدهما أن لا يأتيا مؤمناً إلّا بصورة جميلة ففعلا، فلم يهبهما أبو العلاء فصاح عليهما، وخاشنهما الإمام

____________________

١ - مرّ تمام القصة في ص ١٤٠ من هذا الجزء.

١٤٣

أحمد، وطردهما مالك عن ناصر الدين اللقاني، أو أنّهما أتى عليهما الشّيخوخة والهرم منذ عهد الخليفة إلى هذه العصور المتأخّرة، وبلغ منهما الضعف فأخفق بسالتهما، فلم يُهب جانبهما، وإلى الغاية لم ينكشف لنا سرُّ تسليط المولى سبحانه هؤلاء الأعلام على الملكين الكريمين، وفيه اختلال النظام المقرّر المطّرد الإلـ~ـهي، نعوذ بالله من هذه المزاعم التافهة كلّها.

_ ٤٦ _

غمامة تظلّ على جنازة

قال الحافظ الجزري في طبقات القرّاء ٢: ٢٧١: توفّي ابن الأخرم محمّد بن النضر الدّمشقي سنة ٢٤١ / ٢ بدمشق قال عبد الباقي: وصلّيت عليه في المصلّى بعد صلاة الظهر وكان يوماً صائفاً وصعدت غمامة على جنازة من المصلّى إلى قبره فكانت شبه الآية.

قال الأميني:

وفي كلِّ شيىء له آيةٌ

تدلُّ على انَّه واحدُ.

_ ٤٧ _

شابّ ينظر الاذن من ربّه

ذكر الحريفيش في الرّوض الفائق ص ١٢٦ عن ذي النّون المصري انّه قال: رأيت شابّاً عند الكعبة يكثر الرّكوع والسّجود فدنوت منه وقلت له: إنِّك لتكثر الصَّلاة، فقال: أنتظر الإذن من ربّي في الإنصراف، قال: فرأيت رقعةً سقطت فيها مكتوبٌ:

من العزيز الغفور إلى عبدي الصّادق: إنصرف مغفوراً لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر.

قال الأميني: لقد جنى من نزلت إليهم هذه الرُّقاع(١) حيث لم يوصوا بالتّحفّظ عليها لتستفيد بها الاُمّة وتتبرَّك بها في أجيالها المتأخّرة وتتّخذها معتبراً عوضاً عن أن تكون خبراً، وتزدان بها متاحف الآثار، لكن لهم عذراً وهو انّهم لم يشاهدوها فلم يوصوا بها، وإنَّما هي شباكٌ طنّبت لاقتناص الأغرار من امّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

____________________

١ - وما أكثرها وألطفها؟ راجع ما مر في هذا الجزء ص ١٢١، ١٢٥، ١٣٧، وما يأتي.

١٤٤

_ ٤٨ _

شجرة امّ غيلان تثمر رطباً

قال بكر بن عبد الرّحمن رحمه الله: كنّا مع ذي النّون المصري - المتوفّى ٢٤٥ - في البادية فنزلنا تحت شجرة امّ غيلان فقلنا: ما أطيب هذا الموضع لو كان فيه رطب؟ فتبسّم ذو النّون وقال: تشتهون رطباً؟ وحرَّك الشّجرة وقال: أقسمت عليك بالّذي أنبتك وخلقك شجرة إلّا ما نثرت علينا رطباً جنيّا، ثمَّ حرّكها فنثرت رطباً فأكلنا وشبعنا، ثمَّ نمنا وانتبهنا وحرّكنا الشّجرة فنثرت علينا شوكاً.

الرَّوض الفائق ص ١٢٦، مرآت الجنان لليافعي ٢: ١٥١ وقال: ذكره خلائق من الصّالحين، ورواه عنهم كثيرٌ من العلماء العاملين.

قال الأميني: إلى المولى سبحانه نبتهل في أن يهب لأولئك الصّالحين والعلماء العاملين عقلاً وافياً يزعهم عن الخضوع للخرافات.

_ ٤٩ _

ابن ابى الجوارى فى التنّور

روى ابنا عساكر وكثير: انّ أحمد بن أبي الحواري(١) كان قد عاهد أبا سليمان الدّاراني ألّا يغضبه ولا يخالفه فجاءه يوماً وهو يحدِّث النّاس فقال: يا سيِّدي! هذا قد سجروا التنّور، فماذا تأمر؟ فلم يردّ عليه أبو سليمان لشغله بالنّاس، ثمَّ أعادها أحمد ثانية وقال له في الثالثة: إذهب فاقعد فيه. ثمَّ اشتغل أبو سليمان في حديث النّاس، ثمَّ استفاق فقال لمن حضره: إنِّي قلت لأحمد: إذهب فاقعد في التنّور وإنّي أحسب أن يكون قد فعل ذلك، فقوموا بنا إليه فذهبوا فوجدوه جالساً في التنّور ولم يحترق منه شيءٌ ولا شعرة واحدة. تاريخ ابن كثير ١٠: ٣٤٨.

ألا تعجب من ابن كثير يسجّل أمثال هذه الاُسطورة كحقايق ثابتة ثمَّ لمـّا يبلغ به السّير والبحث إلى فضيلة معقولة من فضائل أهل بيت الوحي عليهم السّلام أربد وجهه، وأزبد فمه، وعاد صدره ضيّقاً حرجاً كأنّما يصّعد في السّماء، وأطلق لسانه البذيّ على مَن جاء بذلك الذكر الشّذيّ؟ كذلك يجعل الله الرِّجس على الّذين لا يؤمنون

____________________

١ - احد الاعلام يروى عنه أبو داود وابن ماجة وابو حاتم توفى ٢٤٦.

١٤٥

_ ٥٠ _

كتاب من الله الى ابن الموفّق

عن أبي الحسن عليّ بن الموفّق المتوفّى ٢٦٥ قال: خرجت يوماً لاُؤذِّن فأصبت قرطاساً فأخذته ووضعته في كمّي فأذَّنت وأقمت وصلّيت فلمّا صلّيت قرأته فإذا فيه مكتوبٌ: بسم الله الرَّحمن الرَّحيم يا عليّ بن الموفَّق! تخاف الفقر وأنا ربّك؟.

تاريخ الخطيب البغدادي ١٢: ١١٢، صفة الصَّفوة لابن الجوزي ٢: ٢١٨.

كان حقّاً على الحافظين الخطيب وابن الجوزي أن يذكرا شطراً من حياة هذا الرَّجل بعد الكتاب المذكور المغمورة باليسار والنعمة لتكون تصديقاً للخبر وشاهداً على صحّة المزعمة، لكنّهما أغفلا عن ذلك فلم يقم لنا شاهدٌ ولا حجَّةٌ.

_ ٥١ _

الحوراء تكلم أبا يحيى

قال أبو يحيى زكريّا بن يحيى النّاقد(١) : إشتريت من الله حوراء بأربعة آلاف ختمة، فلمّا كان آخر ختمة سمعت الخطاب من الحوراء وهي تقول: وفيت بعهدك فها أنا الّتي قد إشتريتني.

تاريخ بغداد للخطيب ٨: ٤٦٢، المنتظم لابن الجوزي ٦: ٨، مناقب أحمد لابن الجوزي ص ٥١٠.

ليس لك أن تناقش في المدَّة التي ختم أبو يحيى فيها الأربعة آلاف ختمة، فإنَّ من الممكن عند القوم أن يختمها في بضع دقايق فإنّ أبا مدين المغربي كان يختم في اليوم واللّيلة سبعين ألف ختمة. راجع الجزء الخامس ص ٣٥.

_ ٥٢ _

دعاوى سهل بن عبد الله التسترى

ذكر الشّعراني في طبقات الأخيار ١: ١٥٨ نقلاً عن كتاب « الجواهر » لسهل بن عبد الله التستري المتوفّى ٢٨٣ انَّه قال: أشهدني الله تعالى ما في العُلى وأنا ابن ستّ سنين، ونظرت في اللّوح المحفوظ وأنا ابن ثمان سنين، وفككت طلسم السّماء وأنا

____________________

١ - أحد الاعلام المجتهدين وأئمة الحديث من تلمذة احمد بن حنبل إمام الحنابلة توفى سنة ٢٨٥.

١٤٦

إبن تسع سنين، ورأيت في السّبع المثاني حرفاً معجماً حار فيه الجنُّ والإنس ففهمته، وحمدت الله على معرفته، وحرَّكت ما سكن وسكّنت ما تحرّك بإذن الله تعالى وأنا ابن اربع عشرة سنة.

قال الأميني: ليت شعري متى ما أشهد الله ما في العُلى نبيّه الأعظم صاحب الرِّسالة الخاتمة؟ ومتى ما نظرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اللّوح المحفوظ وفكّ طلسم السّماء؟ وهل رأى ذلك الحرف المعجم الّذي حار فيه الجنُّ والإنس وفهمه، وهل حرَّك وسكّن باذن الله؟

أيم الله انَّ هذه الأساطير المشمرجة لا يبوح بها إلّا مَن يتخبّطه الشّيطان من المسّ وإن هي إلّا سمُّ ناقع على روح الإسلام، تمسُّ كرامة الأولياء، وتشوّه سمعة الاُمّة المسلمة، وتسوِّد صحيفة تاريخها عند الاُمم، وتضحك الملأ على عقليَّة اولئك المؤلّفين الّذين جمعت بيراعهم أشتات التّاريخ الاسلاميّ.

_ ٥٣ _

سهل وجبل قاف

عن سهل بن عبد الله قال: صعدت جبل قاف فرأيت سفينة نوح مطروحة فوقه. و قيل لأبي يزيد رضي الله عنه: هل بلغت جبل قاف؟ فقال: جبل قاف أمره قريبٌ بل جبل كاف وجبل صاد وجبل عين وهي محيطةٌ بالأرض حول كلّ أرض جبل بمنزلة حائطها، وجبل قاف بهذه الأرض وهي أصغر الأرضين، وهو أيضاً أصغر الجبال، وهو جبل من زمرّدة خضراء وقيل: إنَّ خضرة السَّماء من خضرته. وروى: انَّ الدُّنيا كلّها خطوةٌ للوليِّ. وحكي: إنَّ وليّاً من أولياء الله تعالى احتاج إلى النّار فرفع يده إلى القمر فاقتبس منه جذوة في خرقة كانت معه(١) .

قال الأميني: حقّاً قيل: الجنون فنون: وأيم الله يميت القلب ويجلب الهمَّ ضياع التّاريخ الإسلاميّ بيد هؤلاء المعشوذين الّذين شوَّهوا صحائفه بأمثال هذه الترَّهات الّتي لم يُخلق مثلها في أساطير الاوَّلين.

____________________

١ - روض الرياحين لليافعى ١٧٢.

١٤٧

_ ٥٤ _

وحشيّ أتي بماء الوضوء

قال سهل بن عبد الله رضي الله عنه: أوّل ما رأيت من العجائب والكرامات إنّي خرجت يوماً إلى موضع خالٍ فطاب لي المقام فيه فوجدت من قلبي قرباً إلى الله تعالى وحضرَت الصَّلاة وأردت الوضوء وكانت عادتي من صباي تجديد الوضوء لكلِّ صلاة، فكأنّي اغتممت لفقد الماء، فبينما أنا كذلك وإذا دبٌّ يمشي على رجليه كأنَّه إنسانٌ معه جرَّة خضراء قد أمسك بيديه عليها، فلمّا رأيته من بعيد توهّمت انّه آدميٌّ حتّى دنا منّي وسلّم عليَّ ووضع الجرَّة بين يديَّ، فجاءني إعتراض العلم فقلت: هذه الجرّة والماء من أين هو؟ فنطق الدبّ وقال: يا سهل! إنّا قومٌ من الوحوش قد انقطعنا إلى الله تعالى بعزم المحبّة والتوكّل، فبينما نحن نتكلّم مع أصحابنا في مسألة إذ نودينا: ألا إنَّ سهلاً يريد ماءً ليجدِّد الوضوء. فوضعت هذه الجرَّة بيدي وإذا بجنبي ملكان فدنوت منهما فصبّا فيها الماء من الهواء وأنا أسمع خرير الماء. إلى آخر القصّة. روض الرّياحين ص ١٠٤، ١٠٥.

قال الأميني: سل عن هذه العجائب الدبَّ الطلِق الذَّلِق صاحب الجرّة الخضراء، أو بقيّة الوحوش المنقطعة إلى الله بعزم المحبَّة والتوكّل، أو سل الملكين إن سهل لك السَّبيل إليهما، وإن لم تجدهما فسل عقلك واتَّخذه حكماً، واستعذ بالله من هذه الأوهام المخزية.

_ ٥٥ _

قص ّ ة فيها كرامتان

قال عبد الله بن حنيف رحمه الله: دخلت بغداد قاصداً الحجَّ ولم آكل الخبز أربعين يوماً ولم أدخل على الجنيد وكنت على طهارة فرأيت ظبياً على رأس البئر وهو يشرب وكنت عطشاناً، فلمّا دنوت إلى البئر ولَّى الظبي فإذا الماء في أسفل البئر فمشيت وقلت: يا سيِّدي مالي محلّ هذا الظبي؟ فنوديت من خلفي: جرَّبناك فلم تصبر فارجع وخذ فرجعت فإذا البئر ملآنةٌ ماءً فملأت ركوتي فكنت أشرب منه وأتطهَّر إلى المدينة ولم أنفد، ولّما استقيت سمعت هاتفاً يقول: إنَّ الظبي جاء بلا ركوة ولا حبل، وأنت

١٤٨

جئت معك الرّكوة. فلمّا رجعت من الحجِّ دخلت الجامع فلمّا وقع بصر الجنيد عليَّ قال: لو صبرت ولو ساعة لنبع الماء من تحت رجليك. الرّوض الفائق ص ١٢٧.

قال الأميني: أوهامٌ متراكمة بعضها فوق بعض، وهل ترك الجنيد للأنبياء والرّسل علماً بالمغيب لم يبح به، وهل أتي البئر العميقة وليُّ من الأولياء بلا ركوة ولا حبل كالظباء اللّاتي يفقدنهما ولا يسعهنّ التأهّب بأمثالهما، وأمّا الإنسان العادي فليس له وهو سارٍ في عالم الأسباب إلّا أن يحمل معه أدوات حاجته، هكذا خلق الله البشر، وهو ظاهر كثير من الأحاديث الشريفة. وحسبك سيرة النبيّ الأعظم والمرسلين من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين. وكلّهم لِلَّه أولياء، وجميعهم أفضل من ابن حنيف.

_ ٥٦ _

حلق اللحية لِلَّه

أخرج الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء ١٠: ٣٧٠ قال: سمعت أبا نصر يقول: سمعت أحمد بن محمّد النهاوندي يقول: مات للشِّبلي(١) إبن كان إسمه غالباً، فجزَّت اُمّه شعرها عليه، وكان للشِّبلي لحيةٌ كبيرةٌ فأمر بحلق الجميع، فقيل له: يا استاذ! ما حملك على هذا؟ فقال: جزَّت هذه شعرها على مفقود، فكيف لا أحلق لحيتي أنا على موجود؟

قال الأميني: أهلاً بالنّاسك الفقيه، ومرحباً بالأولياء أمثال هذا المتخلّع الجاهل بحكم الشّريعة، وزهٍ بمدوِّن أخبارهم، ومنتفي آثار الأوحديِّين منهم كأبي نعيم، كيف خفي على هذا الفقيه البارع في مذهب مالك فتوى مالك وحرمة حلق اللّحية، وإصفاق بقيّة الأئمة معه على ذلك؟ كيف خفي عليه الحكم؟ وهو ذلك الفقيه المتضلّع الذي أجاب في دم الحيض المشتبه بدم الإستحاضة بثمانية عشر جواباً للعلماء، وقد جالس الفقهاء عشرين سنة(٢) ؟ وهلّا وقف وهو مدرِّس الحديث عشرين عاماً على المأثورات النبويّة الدالّة على حرمة حلق اللّحية المرويَّة من عدَّة طرق؟ منها:

١ - عن عائشة مرفوعاً: عشرٌ من الفطرة فذكر منها: اعفاء اللّحية. وجاء من

____________________

١ - أبو بكر دلف بن جحدر فقيه عالم محدث توفى ٣٣٤ / ٥.

٢ - راجع تهذيب التهذيب.

١٤٩

طريق أبي هريرة ايضاً.

صحيح مسلم ١: ١٥٣، سنن البيهقى: ١٤٩، سنن ابى داود ١: ٩، ١٠، صحيح الترمذى ١٠: ٢١٦، مشكل الاثار ١: ٢٩٧، المعتصر من المختصر ٢: ٢٢٠، طرح التثريب ١: ٧٣، نيل الاوطار ١: ١٣٥ عن احمد ومسلم والنسائى والترمذى.

٢ - عن ابن عمر مرفوعاً: اعفوا اللّحى، واحفوا الشّوارب، خالفوا المشركين. صحيح مسلم ١: ١٥٣، سنن النسائى ١: ١٦، جامع الترمذى ١٠: ٢٢١ بلفظ: احفوا الشوارب واعفوا اللحى، سنن البيهقى ١: ١٤٩ عن الصحيحين، المحلى لابن حزم ٢: ٢٢٢، تاريخ الخطيب ٤: ٣٤٥.

٣ - عن ابن عمر مرفوعاً: خالفوا المشركين، وفّروا اللّحى، واحفوا الشوارب.

أخرجه البخارى فى صحيحه، ومسلم فى الصحيح ١: ١٥٣ بلفظ: خالفوا المشركين، وحفوا الشوارب واوقوا اللحى. سنن البيهقى ١: ١٥٠، نيل الاوطار ١: ١٤١ قال: متفق عليه.

٤ - عن ابي هريرة مرفوعاً: جزّوا الشوارب، وارخوا اللّحى، وخالفوا المجوس صحيح مسلم ١: ١٥٣، سنن البيهقى ١: ١٥٠، تاريخ الخطيب ٥: ٣١٧ بلفظ: احفوا الشوارب واعفوا اللحى، زاد المعاد لابن القيم ١: ٦٣ بلفظ: قصّوا الشوارب. وفى ص ٦٤ بلفظ: جّزوا الشوارب. نيل الاوطار ١: ١٤١ عن أحمد ومسلم.

٥ - عن ابن عمر قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر باحفاء الشّوارب واعفاء اللّحى.

صحيح مسلم ١: ١٥٣، صحيح الترمذى ١٠: ٢٢١، سنن ابى داود ٢: ١٩٥، سنن البيهقى ١: ١٥١.

٦ - عن أبي امامة قال: قلنا: يا رسول الله! إنَّ أهل الكتاب يقصّون عثانينهم(١) ويوفّرون سبالهم فقال: قصّوا سبالكم، ووفّروا عثانينكم، وخالفوا أهل الكتاب. أخرجه احمد في المسند ٥: ٢٦٤.

٧ - من حديث ابن عمر في المجوس: إنَّهم يوفّرون سبالهم، ويحلقون لحاهم، فخالفوهم.

أخرجه ابن حبان فى صحيحه كما ذكره العراقى فى تخريج الاحياء للغزالى المطبوع في ذيله ج ١ ص ١٤٦.

٨ - عن أنس: احفوا الشّوارب، واعفوا اللّحى، ولا تشبّهوا باليهود.

أخرجه الطحاوى كما فى شرح راموز الحديث: ١: ١٤١.

٩ - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدَّه: إنَّ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأخذ من لحيته

____________________

١ - جمع العثنون: اللحية.

١٥٠

من عرضها وطولها.

صحيح الترمذى ١٠: ٢٢٠.

وكيف عزب عن الشّبلي ما ذهب إليه القوم من أنَّ حلق اللّحية من تغيير خلق الله الوارد في قوله تعالى:( وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ) (١) . وقد أفرط جمعٌ في الأخذ به فقال بحرمة حلق اللّحية والشّارب للمرأة ايضاً.

قال الطبري: لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها الّتي خلقها الله عليها بزيادة أو نقصٍ التماس الحسن لا للزِّوج ولا لغيره، كمن تكون مقرونة الحاجبين فتزيل ما بينهما توهم البلج أو عكسه، ومن تكون لها سنٌّ زائدة فتقلعها، أو طويلة فتقطع منها، أو لحية أو شارب أو عنفقة فتزيلها بالنتف، ومن يكون شعرها قصيراً أو حقيراً فتطوّله أو تغزّره بشعر غيرها، فكلّ ذلك داخلٌ في النهي، وهو من تغيير خلق الله تعالى. قال: ويستثنى من ذلك ما يحصل به الضّرر والأذيَّة كمن يكون لها سنٌّ زائدة أو طويلة تعيقها في الأكل، أو إصبع زائدة تؤذيها أو تؤلمها فيجوز ذلك، والرَّجل في هذا الأخير كالمرأة(٢) .

وقال القرطبّي في تفسيره ٥: ٣٩٣ في تفسير الآية: لا يجوز لها [ للمرأة ] حلق لحية أو شارب أو عنفقة إن نبتت لها، لأنَّ كلَّ ذلك تغيير خلق الله.

وكيف خفي على الشِّبلي ما انتهى إلى ابن حزم الظاهري من الإجماع الّذي نقله في كتابه [ مراتب الإجماع] ص ١٥٧ على انَّ حلق جميع اللّحية مثلةٌ لا تجوز، ولا سيّما للخليفة، والفاضل، والعالم، وعدَّ في ص ٥٢ ناتف اللّحية ممَّن لا تُقبل شهادته. وهلمّ إلى كلمات أعلام الفقه:

١ - قال الحافظ العراقي في طرح التثريب ١: ٨٣: من خصال الفطرة إعفاء اللّحية، وهو توفير شعرها وتكثيره، وإنَّه لا يؤخذ منه كالشّارب. من عفا الشيئ إذا كثر وزاد. وفي الصَّحيحين من حديث ابن عمر الأمر بذلك ( اعفوا اللّحى ) وفي رواية: اوفوا. وفي رواية: وفّروا. وفي رواية: ارخوا وهي بالخاء المعجمة على المشهور وقيل بالجيم. من التّرك والتأخير، وأصله الهمزة فحذف تخفيفاً كقوله: ترجي من تشاء منهنَّ.

____________________

١ - سورة النساء: ١١٩.

٢ - فتح البارى ١٠: ٣١٠.

١٥١

واستدَّل به الجمهور على أنَّ الأولى ترك اللّحية على حالها، وأن لا يقطع منها شيىءٌ وهو قول الشّافعي وأصحابه، وقال القاضي عياض: يكره حلقها وقصّها وتحريقها.

وقال القرطبيّ في المفهم: لا يجوز حلقها ولا نتفها ولا قصُّ الكثير منها قال القاضي عياض: وأمّا الأخذ من طولها فحسن. قال: وتكره الشّهرة في تعظيمها كما يكره في قصّها، وجزّها قال: وقد اختلف السَّلف هل لذلك حدٌّ: فمنهم من لم يحدّد شيئاً في ذلك إلّا أنّه لا يتركها لحدّ الشّهرة ويأخذ منها، وكره مالك طولها جدّاً، ومنهم من حدَّد بما زاد على القبضة فيزال، ومنهم من كره الأخذ منها إلّا في حجّ أو عمرة.

٢ - قال الغزالي في الإحياء ١: ١٤٦: قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اعفوا اللّحى. أي كثّروها وفي الخبر: إنَّ اليهود يعفون شواربهم، ويقصّون لحاهم، فخالفوهم وكره بعض العلماء الحلق ورآه بدعة. وقال في ص ١٤٨: وقد اختلفوا فيما طال منها فقيل: إن قبض الرَّجل على لحيته وأخذ ما فضل عن القبضة فلا بأس، فقد فعله ابن عمر وجماعة من التّابعين، واستحسنه الشعبى وابن سيرين، وكرهه الحسن وقتادة وقالا: تركها عافية احبّ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اعفوا اللّحى. والأمر في هذا قريب إن لم ينته إلى تقصيص اللّحية وتدويرها من الجوانب، فإنَّ الطول المفرط قد يشوِّه الخلقة ويطلق ألسنة المغتابين بالنبز إليه، فلا بأس بالإحتراز عنه على هذه النيّة.

٣ - قال ابن حجر في فتح الباري ١٠: ٢٨٨ عند ذكر حديث نافع: كان ابن عمر إذا حجَّ أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه: الّذي يظهر أنَّ ابن عمر كان لا يخصُّ هذا التخصيص بالنسك، بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة التي تشوّه فيها الصّورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه، فقد قال الطبري: ذهب قومٌ إلى ظاهر الحديث فكرهوا تناول شيىء من اللحية من طولها ومن عرضها، وقال قومٌ: إذا زاد على القبضة يؤخذ الزائد، ثمَّ ساق بسنده إلى ابن عمر انَّه فعل ذلك، وإلى عمر انَّه فعل ذلك برجل، ومن طريق أبي هريرة انَّه فعله، وأخرج ابو داود من حديث جابر بسند حسن قال: كنّا نعفّي السّبال إلّا في حجّ أو عمرة. وقوله: نعفّي. بضمّ اوّله وتشديد الفاء أي نتركه وافراً، وهذا يؤيِّد ما نقل عن ابن عمر فإنَّ السِّبال بكسر المهملة وتخفيف الموحّدة جمع سبلة بفتحتين وهي ما طال من شعر اللحية فأشار جابر

١٥٢

إلى أنَّهم يقصرون منها في النسك ثمَّ حكى الطبري اختلافاً فيما يؤخذ من اللّحية، هل له حدٌّ أم لا؟ فأسند عن جماعة الاقتصار على أخذ الّذي يزيد منها على قدر الكفّ، وعن الحسن البصري: انّه يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش، وعن عطاء نحوه قال: وحمل هؤلاء النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصِّها وتخفيفها، قال: وكره آخرون التعرّض لها إلّا في حجّ أو عمرة، وأسنده عن جماعة واختار قول عطاء، وقال: إنَّ الرجل لو ترك لحيته لا يتعرَّض لها حتى أفحش طولها وعرضها لعرض نفسه لمن يسخر به، واستدلَّ بحدث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه انَّ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها، وهذا أخرجه الترمذي، ونقل عن البخاري انّه قال في رواية عمر بن هارون: لا أعلم له حديثاً منكراً إلّا هذا، وقد ضعّف عمر بن هارون مطلقا جماعة.

وقال عياض: يكره حلق اللّحية وقصّها وتجذيفها، وأمّا الأخذ من طولها وعرضها إذا عظمت فحسنٌ، بل تكره الشّهرة في تعظيمها كما يكره في تقصيرها كذا قال: وتعقّبه النووي بانّه خلاف ظاهر الخبر في الأمر بتوفيرها قال: والمختار تركها على حالها وأن لا يتعرَّض لها بتقصير ولا غيره. وكان مراده بذلك في غير النسك لأنَّ الشافعي نقصَّ على استحبابه فيه.

وقال في ص ٢٨٩: أنكر ابن التين ظاهر ما نقل عن ابن عمر فقال: ليس المراد أنّه كان يقتصر على قدر القبضة من لحيته بل كان يمسك عليها فيزيل ما شذَّ منها فيمسك من أسفل ذقنه بأصابعه الأربعة ملتصقة فيأخذ ما سفل عن ذلك ليتساوى طول لحيته، قال أبو شامة: وقد حدث قومٌ يحلقون لحاهم وهو أشدّ ممّا نقل عن المجوس انَّهم كانوا يقصّونها. وقال النّووي: يستثنى من الأمر باعفاء اللّحى ما لو نبتت للمرأة لحية فانّه يستحبُّ لها حلقها، وكذا لو نبت لها شاربٌ أو عنفقة.

٤ - قال المناوي في [ فيض القدير ] ١: ١٩٨: اعفوا اللّحى وفّروها، فلا يجوز حلقها ولا نتفها، ولا قصّ الكثير منها، كذا في التنقيح، ثمَّ زاد الأمر تأكيداً مشيراً إلى العلّة بقوله: ولا تشبّهوا باليهود في زيّهم الذي هو عكس ذلك، وفي خبر ابن حبّان بدل اليهود: المجوس. وفي آخر: المشركين. وفي آخر: آل كسرى. قال الحافظ العراقي:

١٥٣

والمشهور أنَّه من فعل المجوس فيكره الأخذ من اللحية، واختلف السَّلف فيما طال منها فقيل: لا بأس أن يقبص عليها ويقصّ ما تحت القبضة كما فعله إبن عمر، ثمَّ جمع من التّابعين واستحسنه الشعبي وابن سيرين، وكرهه الحسن وقتادة، والأصحُّ كراهة أخذ ما لم يتشعَّث ويخرج عن السّمت مطلقا.

٥ - قال السيّد عليّ القاري في شرح الشَّفا للقاضي(١) : حلق اللّحية منهيُّ عنه، وأمّا إذا طالت زيادة على القبضة فله أخذها.

٦ - في شرح الخفاجي على الشّفا ١: ٣٤٣: وتقصير اللّحية حسنٌ كما مرَّ، و هيئته تحصل بقصِّ ما زاد على القبضة، ويؤخذ من طولها أيضاً، وأمّا حلقها فمهنيُّ عنه لأنّه عادة المشركين.

٧ - قال الشّوكاني في [ نيل الأوطار ] ١: ١٣٦: اعفاء اللّحية توفيرها كما في القاموس، وفي رواية للبخاري: وفّروا اللّحى. وفي رواية اخرى لمسلم: اوفوا اللحىّ. وهو بمعناه، وكان من عادة الفرس قصُّ اللّحية فنهى الشّارع عن ذلك وأمر باعفائها. قال القاضي عياض: يكره حلق اللّحية وقصّها وتحريقها، وأمّا الأخذ من طولها وعرضها فحسنٌ. ثمَّ نقل الأقوال في حدَّ ما زاد.

وقال في ص ١٤٢: قد حصل من مجموع الأحاديث خمس روايات: اعفوا. واوقوا. وأرخوا. وارجوا. ووفّروا. ومعناها كلّها تركها على حالها. قوله: خالفوا المجوس. قد سبق انّه كان من عادة الفرس قصُّ اللّحية فنهى الشَّرع عن ذلك.

٨ - في شرح راموز الحديث ١: ١٤١: أشار إلى العلّة في خبر ابن حبّان: المجوس بدل اليهود، وفي آخر: المشركين. وفي اُخرى: كسرى. قال العراقي: المشهور: انَّه فعل المجوس، فكره الأخذ من اللّحية، واختلف السّلف فيما طال. ثمَّ نقل الأقوال الّتي ذكرناها.

٩ - أحسن كلمة تجمع شتات الفتاوى وآراء أئمَّة المذاهب في المسئلة ما أفاده الاستاذ محفوظ في [الإبداع في مضارّ الابتداع ](٢) ص ٤٠٥ قال: ومن أقبح العادات ما اعتاده

____________________

١ - هامش شرح الخفاجى ١: ٣٤٣.

٢ - تأليف الاستاذ الكبير الشيخ على محفوظ أحد مدرسى الازهر الشريف ( الطبعة الرابعة )

١٥٤

الناس اليوم من حلق اللّحية وتوقير الشارب، وهذه البدعة كالتي قبلها سرت إلى المصريِّين من مخالطة الأجانب واستحسان عوائدهم حتّى استقبحوا محاسن دينهم وهجروا سنَّة نبيّهم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعن إبن عمر رضي الله عنه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: خالفوا المشركين وفروا اللّحى واحفوا الشوارب. وكان ابن عمر إذا حجَّ أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه. رواه البخاري وروى مسلم عن ابن عمر إيضاً عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: احفوا الشَّوارب واعفوا اللّحى [ إلى أن قال بعد ذكر عدَّة من أحاديث الباب ]: والأحاديث في ذلك كثيرةٌ وكلّها نصُّ في وجوب توقير اللّحية وحرمة حلقها والأخذ منها على ما سيأتي.

ولا يخفى أن قوله: خالفوا المشركين وقوله: خالفوا المجوس. يؤيّدان الحرمة فقد أخرج أبو داود وابن حبّان وصحّحه عن ابن عمر قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من تشبَّه بقوم فهو منهم. وهو غاية في الزَّجر عن التشبّه بالفسّاق أو بالكفّار في أيّ شيء ممّا يختصّون به من ملبوس أو هيأة، وفي ذلك خلاف العلماء منهم من قال بكفره وهو ظاهر الحديث. ومنهم من قال: لا يكفر ولكن يؤدّب.

فهذان الحديثان بعد كونهما أمرين دالّان على أنَّ هذا الصّنع من هيآت الكفّار الخاصّة بهم إذ النَّهي إنّما يكون عمّا يختصّون به. فقد نهاناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن التشبّه بهم عامّاً في قوله: من تشبّه. ومن افراد هذا العامّ حلق اللّحية. وخاصّاً في قوله: وفّروا اللّحى خالفوا المجوس، خالفوا المشركين.

ثمَّ ما تقدّم من الأحاديث ليس على اطلاقه فقد روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأخذ من لحيته من عرضها وطولها. وروى ابو داود والنسائي: انَّ ابن عمر كان يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكفِّ. وفي لفظ: ثمَّ يقصّ ما تحت القبضة. وذكره البخاري تعليقاً.

فهذه الأحاديث تقيّد ما رويناه آنفاً. فيحمل الإعفاء على إعفائها من أن يأخذ غالبها أو كلّها.

وقد اتَّفقت المذاهب الأربعة على وجوب توفير اللّحية وحرمة حلقها والأخذ القريب منه.

الأوَّل: مذهب الحنفيّة قال في [ الدرّ المختار ]: ويحرم على الرّجل قطع لحيته

١٥٥

وصرَّح في النهاية بوجوب قطع ما زاد على القبضة ( بالضمِّ ) وأمّا الأخذ منها وهي دون ذلك كما يفعله بعض المغاربة ومخنّثة الرّجال فلم يبحه أحدٌ. وأخذ كلّها فعل يهود الهند ومجوس الأعاجم ا ه وقوله: وما وراء ذلك يجب قطعه. هكذا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه كان يأخذ من اللّحية من طولها وعرضها، كما رواه الإمام الترمذي في جامعه، ومثل ذلك في أكثر كتب الحنفيّة.

الثاني: مذهب السّادة المالكيّة حرمة حلق اللّحية وكذا قصّها إذا كان يحصل به مثلة. وأمّا إذا طالت قليلاً وكان القصّ لا يحصل به مثلة فهو خلاف الأولى أو مكروهٌ كما يؤخذ من شرح الرّسالة لأبي الحسن وحاشيته للعلّامة العدوي رحمهم الله.

الثالث: مذهب السّادة الشافعيَّة، قال في شرح العباب: فائدةٌ قال الشيخان: يكره حلق اللّحية. واعترضه ابن الرّفعة بأنَّ الشافعي رضي الله عنه نصَّ في الامّ على التحريم. وقال الأذرعي: الصّواب تحريم حلقها جملة لغير علّة بها. ا هـ ومثله في حاشية ابن قاسم العبادي على الكتاب المذكور.

الرّابع: مذهب السَّادة الحنابلة نصَّ في تحريم حلق اللّحية. فمنهم من صرّح بأنَّ المعتمد حرمة حلقها. ومنهم من صرَّح بالحرمة ولم يحك خلافاً كصاحب الإنصاف، كما يُعلم ذلك بالوقوف على شرح المنتهى وشرح منظومة الآداب وغيرهما.

وممّا تقدَّم تعلم أنَّ حرمة حلق اللّحية هي دين الله وشرعه الّذي لم يُشرّع لخلقه سواه، وأنَّ العمل على غير ذلك سفهٌ وضلالةٌ، أو فسقٌ وجهالةٌ، أو غفلةٌ عن هدي سيِّدنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .اهـ

نعم: لم يكن الشّبلي ولا الحافظ الّذي يثني عليه بحلق لحيته في حبِّ الله، ولا الحفّاظ الآخرون الذين أطنبوا القول حول لحية أبي بكر الصّدّيق محتاجين إلى اللّحية، بل كانوا يفتقرون إلى عقل تامّ كما جاء فيما ذكره السَّمعاني في الأنساب في [ الرّستمي ] عن مطين بن احمد قال: رأيت النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام فقلت له: يا نبيَّ الله! أشتهي لحية كبيرة. فقال: لحيتك جيّدة وأنت محتاج إلى عقل تامّ.

١٥٦

_ ٥٧ _

عمود نور من السماء الى قبر الحنبلى

ذكر ابن العماد الحنبلي في شذرات الذَّهب ٣: ٤٦ في ترجمة أبي بكر عبد العزيز بن جعفر الحنبليّ المعروف بغلام الخلّال المتوفّى سنة ٣٦٣ قال: حكى أبو العبّاس ابن أبي عمرو الشرابيّ قال: كان لنا ذات ليلة خدمة أمسيت لأجلها، ثمَّ إنّي خرجت منها نوبة الناس وتوجَّهت إلى داري بباب الأزج، فرأيت عمود نور من جوف السَّماء إلى جوف المقبرة فجعلت أنظر إليه ولا ألتفت خوفاً أن يغيب عنّي إلى أن وصلت إلى قبر أبي بكر عبد العزيز فإذا أنا بالعمود من جوف السّماء إلى القبر: فبقيت متحيّراً ومضيت وهو على حاله.

قال الأميني: أبو بكر الحنبليّ هذا هو شيخ الحنابلة وعالمهم في عصره صاحب التصانيف وهو الرّاوي عن الخلّال عن الحمصيّ عن إمام الحنابلة أحمد: انَّه سُئل عن التّفضيل فقال: مَن قدَّم عليّاً على أبي بكر فقد طعن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن قدَّمه على عمر فقد طعن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى أبي بكر، ومن قدَّمه على عثمان فقد طعن على أبي بكر وعمر وعثمان وعلى أهل الشّوري والمهاجرين والأنصار.

وليت مثقال ذرّة من ذلك النّور الخياليِّ الممتدِّ من قبر الرِّجل سطع على مكمن بصيرته ابّان حياته، فلا يخضع لكلمة شيخه التافهة هذه الّتي تخالف الكتاب والسنَّة وإنَّ مقدار الرّجل ينبو عن التدخّل في هذا الشأن العظيم الّذي ليس هو من رجاله لكن ( حنَّ قِدحٌ ليس منها ) أنّى يقع قوله في التَّفضيل مع آيتي المباهلة والتطهير؟ ومقتضى الاولى اتّحاد مولانا امير المؤمنينعليه‌السلام مع صنوه النبيِّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما يمكن اتّحاد شخصين فيه، وليست هي إلّا الفضائل والفواضل والمكارم والمآثُر ما خلا النبوّة فما ظنّك برجل يوازنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما ذكرناه من الفضل؟ أليس من السَّخف أن يقال: من قدَّم عليّاً. إلخ؟ ومقتضى الثّانية عصمته صلوات الله عليه عن جميع الذّنوب والمعاصي، وهل يوازي المعصوم من يجترح السيّئات ويقترف الآثام؟ لكن صاحب النّور يروي: من قدَّم عليّاً. إلخ. ولا يبالي بما يروي.

فمقتضى المقام أن يقال: من قدَّم أحداً على مولانا أمير المؤمنين فقد طعن على

١٥٧

الكتاب الكريم ومَن صدع بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومَن أنزله جلّت عظمته.

وأنّى يقع قول صاحب النّور المرويّ عن إمامه أحمد أمام السنَّة المتواترة الواردة من شتّى النّواحي في فضل الإمام صلوات الله عليه المتقدّمة في الأجزاء السّابقة من هذا الكتاب(١) ؟ فمن قدّمه سلام الله عليه على أبي بكر وصاحبيه فقد جاء بالحجّة البالغة، والنّور السّاطع، وأخذ بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها.

_ ٥٨ _

تمرٌ ينقلب رطباً لابن سمعون

أخرج الخطيب في تاريخه ١: ٢٧٥ قال: حدَّثنا أبو بكر محمّد بن محمّد الطاهري قال: سمعت أبا الحسين ابن سمعون(٢) يذكر أنّه خرج من مدينة الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قاصداً بيت المقدس، وحمل في صحبته تمراً صيحانيّاً، فلمّا وصل إلى بيت المقدس ترك التّمر مع غيره من الطّعام في الموضع الّذي كان يأوي إليه، ثمَّ طالبته نفسه بأكل الرّطب فأقبل عليها باللّائمة وقال: من أين لنا في هذا الموضع رطبٌ؟ فلمّا كان وقت الإفطار عمد إلى التمر ليأكل منه فوجده رطباً صيحانيّاً! فلم يأكل منه شيئاً، ثمَّ عاد إليه من الغد عشيّة فوجده تمراً على حالته الاولى فأكل منه.

وذكره ابن العماد في الشّذرات ٣: ١٢٦.

_ ٥٩ _

ابن سمعون يخبر عمّا يراه النائم

أخرج ابن الجوزي في المنتظم ٧: ١٩٩ من طريق أبي بكر الخطيب البغدادي عن أبي طاهر محمّد بن علي بن العلّاف قال: حضرت أبا الحسين ابن سمعون يوماً في مجلس الوعظ وهو جالسٌ على كرسيّه يتكلّم، وكان أبو الفتح القوّاس جالساً إلى جنب الكرسيِّ فغشيه النّعاس ونام، فأمسك أبو الحسين عن الكلام ساعة حتّى استيقظ

____________________

١ - وسيوافيك قول أحمد وجمع آخرين من ائمة الحديث: لم يرد في حق أحد من الصحابة بالاسانيد الحسان اكثر مما جاء فى حق على بن أبى طالب. وقول حبر الامة ابن عباس: ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل فى على.

٢ - الواعظ الشهير الامام القدوة الناطق بالحكمة كما فى المنتظم والشذرات توفى ٣٨٧.

١٥٨

أبو الفتح ورفع رأسه فقال له أبو الحسين: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نومك؟ قال: نعم، فقال أبو الحسين: لذلك أمسكت عن الكلام خوفاً أن تنزعج وتنقطع عمّا كنت فيه.

_ ٦٠ _

ابن سمعون وصبية الرصاص

قال إبن الجوزي في المنتظم ٧: ١٩٨: حُكي أنَّ الرّصّاص الزاهد كان يقبّل رجل إبن سمعون دائماً فلا يمنعه فقيل له في ذلك فقال: كان في داري صبيّة خرج في رِجلها الشّوكة فرأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في النوم فقال لي: قل لابن سمعون: يضع رِجله عليها فإنّها تبرأ، فلمّا كان من الغد بكرت إليه فرأيته قد لبس ثيابه فسلّمت عليه فقال: بسم الله فقلت: لعلّ له حاجة أمضي معه وأعرض عليه في الطريق حديث الصبيّة فجاء إلى داري فقال: بسم الله. فدخلت وأخرجت الصبيّة إليه وقد طرحت عليها شيئاً فترك رجله عليها، وانصرف وقامت الجارية معافاةً فأنا اُقبّل رجله أبدا.

_ ٦١ _

ملك ينزل لابى المعالى

كان أبو المعالي البغدادي المتوفّى ٤٩٦ من الصّلحاء الزّهاد، ذكر انّه أصابته فاقةٌ شديدةٌ في شهر رمضان فعزم على الذّهاب إلى بعض الأصحاب ليستقرض منه شيئاً قال: فبينما أنا اُريده إذا بطائر قد سقط على كتفي وقال: يا أبا المعالي! أنا الملك الفلانيّ لا تمض إليه نحن نأتيك به. قال: فبكر إليَّ الرّجل.

رواه ابن الجوزي في المنتظم ٩: ١٣٦، وابن كثير في تاريخه ١٢: ١٦٣.

ألا تعجب من ابن الجوزي لا يمرُّ على منقبة من مناقب آل الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا وحكم عليها بالوضع أو الضعف أو الوهن، لكنّه يرسل هذه الخزعبلات إرسال المسلّم، ولا ينبس في اسنادها ببنت شفة، ولا في متونها بما يقتضيه المقام من التنفيذ والإحالة؟ كلُّ ذلك لأنّه غالٍ فيمن يحبّهم، وقالٍ لمن يشنأهم.

_ ٦٢ _

ألله يكلم أبا حامد الغزالى

قال صاحب مفتاح السّعادة ٢: ١٩٤: قال - أبو حامد الغزالي(١) - في بعض

____________________

١ - أبو حامد محمد بن محمد الطوسى الشافعى حجة الاسلام الغزالى صاحب كتاب ( إحياء العلوم ) ولد بطوس ٤٥٠ وتوفي ٥٠٥.

١٥٩

مؤلّفاته: كنت في بدايتي منكراً لأحوال الصّالحين ومقامات العارفين حتّى حظيت بالواردات، فرأيت الله تعالى في المنام فقال لي يا أبا حامد! قلت: أو الشّيطان يكلّمني؟ قال: لا. بل أنا الله المحيط بجهاتك الستّ ثمَّ قال: يا أبا حامد! ذر أساطيرك وعليك بصحبة أقوام جعلتهم في أرضي محلّ نظري، وهم أقوامٌ باعوا الدّارين بحبّي. فقلت: بعزّتك إلّا أذقتني برد حسن الظنِّ بهم. فقال: قد فعلت ذلك والقاطع بينك وبينهم تشاغلك بحبِّ الدنيا، فاخرج منها مختاراً قبل أن تخرج منها صاغراً، فقد أمضيت عليك نوراً من أنوار قدسي، فقم وقل. قال: فاستيقظت فرحاً مسروراً وجئت إلى شيخي يوسف النسَّاج فقصصت عليه المنام فتبسّم وقال: يا أبا حامد! هذا ألواحنا في البداية فمحوناها، بلى إن صحبتني سأكحل بصر بصيرتك بأثمد التأييد حتّى ترى العرش ومَن حوله، ثُمَّ لا ترضى بذلك حتّى تشاهد ما لا تدركه الأبصار، فتصفو من كدر طبيعتك، وترتقى على طور عقلك، وتسمع الخطاب من الله تعالى - كما كان لموسىعليه‌السلام -: أنا الله ربُّ العالمين.

قال الأميني: مادح نفسه يقرءك السّلام. ليت شعري هل كان يضيق فم الشّيطان عن أن يقول: أنا الله المحيط بجهاتك الستّ، كما لم تضق أفواه المدّعين للربوبيّة في سالف الدَّهر؟ فمن اين عرف الغزالي بصرف الدَّعوى انَّه هو الله؟ ولِماذا لم يحتمل بعدُ انّه هو الشّيطان؟ وإن كان قد صدّق الرؤيا وأذعن بانَّ الله هو الذي خاطبه فلماذا لم يدع الأساطير وقد خوطب ب‍: ذر الأساطير. ولم ينسج على نول النسّاج شيخه إلّا التافهات؟ وليته كان يوجد في صيدليّة النسّاج كحلٌ آخر تحدُّ بصر الغزالي وبصيرته حتّى لا يبوء بإثم كبير ممّا في إحيائه من رياضيّات غير مشروعة محبّذة من قِبله كقصّة لصّ الحمّام وغيرها، وحديث منعه عن لعن يزيد اللّعين في باب آفات اللّسان إلى أمثاله الكثير الباطل.

وما أحدَّ أثمد النسّاج الّذي يترك من اكتحل به لا يرضى بَعد رؤيته العرش ومَن حوله، حتّى يشاهد ما لا تدركه الأبصار، ويسمع الخطاب - كما سمعه موسى -: أنا الله ربُّ العالمين؟ وأنا إلى الغاية لا أدري انَّ موسىعليه‌السلام المشارك له في السّماع هل

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402