الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١١

الغدير في الكتاب والسنة والأدب14%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 402

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 402 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 159401 / تحميل: 3910
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١١

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

شاركه في الرؤية؟ ولعلَّ صاحب الهذيان يجد نفسه مربيةً على نبيِّ الله موسى الّذي هو من اولي العزم من الرُّسل، وخوطب بقول الله العزيز: لن تراني يا موسى! هكذا فليكن السّالك المجاهد الغزّال.

_ ٦٣ _

يد الغزالى فى يد سيد المرسلين

قال الشيخ الإمام الزاهد شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن محمّد الجلاليّ النسائيّ الشافعيّ: رأيت في بعض تصانيف الشيخ الامام مسعود الطرازي: انَّ الإمام أبا حامد الغزالي رحمه الله كان قد أوصى أن يلحده الشّيخ أبو بكر النسّاج الطوسي تلميذ الشيخ الامام أبي القاسم الكرساني قال: فلمّا ألحده وخرج من اللّحد خرج متغيّراً منتقع اللّون فقيل له في ذلك فلم يخبر بشيء، فأقسموا عليه بالله إلّا ما أخبرتهم فقال: إنّي لمـّا وضعته في اللّحد شاهدت يداً يُمنى قد خرجت من تجاه القبلة وسمعت هاتفاً يقول: ضع يد محمّد الغزالي في يد سيّد المرسلين محمّد المصطفى العربيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضعتها فيها ثمَّ خرجت كما ترون أو كما قال قدّس الله روحه العزيز(١) .

لقد علم الغزالي أنَّ للنساج عليه يداً واجبة بتكحيله بأثمده المتقدّم ذكره، فكان منه بدء هدايته، فأحبَّ أن يكون هو المجهّز له في الغاية، وعرف انَّ الرّجل نسيج وحده في وشي الخرافات، فأوصى إليه ما أوصى، وأحسب انَّ يد الغزالي التي وضعها في يد النبيِّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير الّتي حمل القلم الذي خطَّ به كتاب « الإحياء » المشحون بالأباطيل والأضاليل أو غيره من كتبه التي تحوي أمثال قصّة الرؤية والأثمد.

_ ٦٤ _

إحياء العلوم للغزالي

عن الامام أبي الحسن المعروف بابن حرازم - ويقال: ابن حرزم - وكان مطاعاً في بلاد المغرب انّه لمـّا وقف على [ إحياء العلوم ] للغزالي أمر باحراقه. وقال: هذا بدعةٌ مخالفٌ للسنّة، فأمر بإحضار ما في تلك البلاد من نسخ الإحياء، فجمعوا وأجمعوا على إحراقها يوم الجمعة، وكان إجماعهم يوم الخميس، فلمّا كان ليلة الجمعة رأى

____________________

١ - مفتاح السعادة ٢: ٢٠٧.

١٦١

ابو الحسن في المنام كأنّه دخل من باب الجامع، ورأى في ركن المسجد نوراً وإذا بالنبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر جلوسٌ والإمام الغزالي قائمٌ وبيده « الإحياء » وقال: يا رسول الله! هذا خصمي ثمَّ جثا على ركبتيه وزحف عليهما إلى أن وصل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فناوله ( كتاب الإحياء ) وقال: يا رسول الله! انظر فيه فإن كان فيه بدعةٌ مخالفةٌ لسنَّتك كما زعم تبت إلى الله، وإن كان شيئاً تستحسنه حصل لي من بركتك فأنصفني من خصمي، فنظر فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورقةً ورقةً إلى آخره ثمَّ قال: والله إنَّ هذا شيىءٌ حسنٌ، ثمَّ ناوله أبا بكر رضي الله عنه فنظر فيه كذلك، ثمَّ قال: نعم، والّذي بعثك بالحقِّ يا رسول الله! إنَّه لحسنٌ. ثمَّ ناوله عمر رضي الله عنه فنظر فيه كذلك ثمَّ قال كما قال أبو بكر رضي الله عنه. فأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتجريد أبي الحسن وضربه حدّ المفتري فجرِّد وضُرب ثمَّ شفع فيه أبو بكر بعد خمسة أسواط وقال: يا رسول الله! إنَّما فعل ذلك إجتهاداً في سنَّتك وتعظيماً. فعفا عنه أبو حامد عند ذلك، فلمّا استيقظ ( أبو الحسن ) من منامه وأصبح أعلم أصحابه بما جرى ومكث قريباً من الشَّهر مُتألمـّاً من الضَّرب ثمَّ سكن عنه الألم ومكث إلى أن مات وأثر السِّياط على ظهره وصار ينظر كتاب « الإحياء » ويعظّمه وينتحله أصلاً أصيلا.

وفي لفظ اليافعي: وبقيت متوجّعاً لذلك خمساً وعشرين ليلة، ثمَّ رأيت النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء ومسح عليَّ وتوَّبني فشفيت ونظرت في « الإحياء » ففهمته غير الفهم الاوَّل. و ذكره السبكي في طبقاته ٤: ١٣٢ وقال: هذه حكايةٌ صحيحةٌ حكاها لنا جماعةٌ من ثقات مشيختنا عن الشّيخ العارف وليّ الله سيّدي ياقوت الشاذلي، عن شيخنا السّيد الكبير وليّ الله أبي العبّاس المرسي، عن شيخه الشّيخ الكبير وليّ الله أبي الحسن الشاذلي قدس الله تعالى أسرارهم(١)

وذكره المولى احمد طاش كبرى زاده في مفتاح السّعادة ٢: ٢٠٩، واليافعي في مرآت الجنان ٣: ٣٢٢:

وقال السّبكي في طبقاته: ٤: ١١٣: كان في زماننا شخصٌ يكره الغزالي ويذمّه

____________________

١ - كذا حكى عن السبكى والمطبوع من طبقاته يخالفه فى بعض الالفاظ.

١٦٢

ويستعيبه في الدِّيار المصريّة فرأى النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما بجانبه والغزالي جالسٌ بين يديه وهو يقول: يا رسول الله! هذا يتكلّم فيَّ، وانَّ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: هاتوا السِّياط، وأمر به فضرب لأجل الغزالي، وقام هذا الرَّجل من النوم وأثر السِّياط على ظهره، ولم يزل كان يبكي ويحكيه للنّاس. وسنحكي منام أبي الحسن ابن حرزم المغربي المتعلّق بكتاب « الإحياء » وهو نظير هذا.

قال الأميني: نعمّا هي لو صدقت الأحلام؟ إنّا نحن نربأ صاحب الرِّسالة عن الإصفاق على تصديق مثل هذا الكتاب الّذي هو في كثير من مواضيعه على الطّرف النّقيض لما صدع به من شريعته المقدَّسة، وليست أباطيل الغزالي بألغاز لا يحلّها إلّا الفنيُّ فيها، وإنّما هي سردٌ متعارفٌ يعرفها كلُّ من وقف عليها من أهل العلم، وليس فهمها قصراً على قوم دون آخرين، فهي فتقٌ لا يرتق، وصدعٌ لا يرأب.

قال ابن الجوزي في المنتظم ٩: ١٦٩: أخذ في تصنيف كتاب ( الإحياء ) في القدس ثمّ أتمّه بدمشق إلّا انّه وضعه على مذهب الصّوفيّة وترك فيه قانون الفقه مثل انّه ذكر في محو الجاه ومجاهدة النَّفس: انَّ رجلاً أراد محو جاهه فدخل الحّمام فلبس ثياب غيره، ثمَّ لبس ثيابه فوقها، ثمَّ خرج يمشي على محل حتّى لحقوه فأخذوها منه وسمّي سارق الحمّام، وذكر مثل هذا على سبيل التعليم للمريدين قبيحٌ، لإنَّ الفقه يحكم بقبح هذا فإنّه متى كان للحمّام حافظٌ وسرق سارقٌ قطع، ثمَّ لا يحلُّ لمسلم أن يتعرَّض بأمر يأثم النّاس به في حقّه. وذكر انَّ رجلاً اشترى لحماً فرأى نفسه تستحيي من حمله إلى بيته فعلّقه في عنقه ومشى، وهذا في غاية القبح، ومثله كثيرٌ ليس هذا موضعه، وقد جمعت أغلاط الكتاب وسمّيته [ إعلام الأحياء بأغلاط الإحياء ] وأشرت إلى بعض ذلك في كتابي المسمّى [ بتلبيس ابليس ] مثل ما ذكر في كتاب النّكاح: انّ عائشة قالت للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت الّذي تزعم انّك رسول الله. وهذا محالٌ. إلى أن قال:

وذكر في كتاب ( الإحياء ) من الأحاديث الموضوعة وما لا يصحُّ غير قليل، وسبب ذلك قلّة معرفته بالنقل، فليته عرض تلك الأحاديث على مَن يعرف، وإنّما نقَل نقْل حاطب ليل. وكان قد صنّف للمستظهر كتاباً في الردِّ على الباطنيَّة، وذكر في آخر

١٦٣

مواعظ الخلفاء فقال: روي انّ سليمان بن عبد الملك بعث إلى أبي حازم: ابعث إليَّ من إفطارك. فبعث إليه نخالة مقلوّة فبقي سليمان ثلاثة أيام لا يأكل، ثمَّ أفطر عليها وجامع زوجته، فجاءت بعبد العزيز، فلمّا بلغ ولد له عمر بن عبد العزيز. وهذا من أقبح الأشياء لأنَّ عمر ابن عمِّ سليمان وهو الذي ولّاه، فقد جعله ابن ابنه، فما هذا حديث مَن يعرف من النقل شيئاً أصلا. الخ.

وقال ابن الجوزي في ( تلبيس إبليس ) ص ٣٥٢: قد حكى أبو حامد الغزالي في كتاب ( الإحياء ) قال: كان بعض الشّيوخ في بداية إرادته يكسل عن القيام فألزم نفسه القيام على رأسه طول اللّيل لتسمح نفسه بالقيام عن طوع. قال: وعالج بعضهم حبَّ المال بأن باع جميع ماله ورماه في البحر إذا خاف من تفرقته على النّاس رعونة الجود ورياء البذل. قال: وكان بعضهم يستأجر من يشتمه على ملأ من الناس ليعوّد نفسه الحلم. قال: وكان آخر يركب البحر في الشّتاء عند اضطراب الموج ليصير شجاعاً. ثمَّ قال:

قال المصنّف رحمه الله: أعجب من جميع هؤلاء عندي أبو حامد كيف حكى هذه الأشياء ولم ينكرها؟ وكيف ينكرها وقد أتى بها في معرض التعليم؟ وقال قبل أن يورد هذه الحكايات: ينبغي للشيّخ أن ينظر إلى حالة المبتدئ فإن رأى معه مالاً فاضلاً عن قدر حاجته أخذه وصرفه في الخير، وفرغ قلبه منه حتّى لا يلتفت إليه. وإن رأى الكبرياء قد غلب عليه أمره أن يخرج إلى السّوق للكدّ ويكلّفه السّؤال والمواظبة على ذلك.

وإن رأى الغالب عليه البطالة استخدمه في بيت الماء وتنظيفه وكنس المواضع القذرة وملازمة المطبخ ومواضع الدّخان. وإن رأى شره الطعام غالباً عليه ألزم الصّوم، وإن رآه عزباً ولم تنكسر شهوته بالصّوم أمره أن يفطر ليلة على الماء دون الخبز وليلة على الخبز دون الماء ويمنعه اللّحم رأساً. فقال:

قلت: وإنّي لا تعجّب من ( أبي حامد ) كيف يأمر بهذه الأشياء الّتي تخالف الشّريعة؟ وكيف يحلّ القيام على الرأس طول اللّيل فينعكس الدّم إلى وجهه ويورثه ذلك مرضاً شديداً؟ وكيف يحلّ رمي المال في البحر؟ وقد نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن إضاعة المال. وهل يحلّ سبّ مسلم بلا سبب؟ وهل يجوز للمسلم أن يستأجر على ذلك

١٦٤

وكيف يجوز ركوب البحر زمان اضطرابه؟ وذاك زمان قد سقط فيه الخطاب بأداء الحجّ، وكيف يحلُّ السّؤال لمن يقدر أن يكتسب؟ فما أرخص ما باع أبو حامد الغزالي الفقه بالتصوُّف؟.

وقال: وحكى أبو حامد: انَّ أبا تراب النخشبي قال لمريد له: لو رأيت أبا يزيد مرَّة واحدة كان أنفع لك من رؤية الله سبعين مرّة. فقال: قلت: وهذا فوق الجنون بدرجات.

هذه جملةٌ من كلمات ابن الجوزي حول [ إحياء العلوم ] ومن أمعن النّظر في أبحاث هذا الكتاب يجده أشنع ممّا قاله ابن الجوزي، وحسبك ما جاء به من حلّية الغناء والملاهي وسماع صوت المغنّية الاجنبيّة والرّقص واللّعب بالدرق والحراب، ونسبة كلّ ذلك إلى نبيِّ القداسة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال(١) بعد سرد جملة من الموضوعات تدعيماً لرأيه السَّخيف: فيدلّ هذا على انَّ صوت النِّساء غير محرَّم تحريم صوت المزامير، بل إنَّما يحرم عند خوف الفتنة، فهذه المقاييس والنّصوص تدلُّ على إباحة الغناء، والرَّقص، والضَّرب بالدفِّ، واللّعب بالدرق والحراب، والنظر إلى رقص الحبشيّة والزنوج في أوقات السّرور كلّها قياساً على يوم العيد فانَّه وقت سرور، وفي معناه يوم العرس، والوليمة، والعقيقة، والختان، ويوم القدوم من السَّفر، وسائر أسباب الفرح وهو كلّ ما يجوز به الفرح شرعاً، ويجوز الفرح بزيارة الإخوان ولقائهم واجتماعهم في موضع واحد على طعام أو كلام فهو ايضاً مظنّة السّماع. ثمّ ذكر سماع العشّاق تحريكاً للشّوق وتهييجاً للعشق وتسليةً للنفس. وفصَّل القول في ذلك بما لا طائل تحته، وخلط الحابل بالنابل، وجمع فيه بين الفقه المزيّف وبين السّلوك بلا فقاهة.

ومن طامّات كتاب ( الإحياء ) أو من شواهد جهل مؤلّفه المبير ومبلغه من الدّين والورع رأيه السّاقط في اللّعن قال في ج ٣: ١٢١: وعلى الجملة ففي لعن الأشخاص خطرٌ فليجتنب، ولا خطر في السُّكوت عن لعن ابليس مثلاً فضلاً عن غيره، فإن قيل: هل يجوز لعن يزيد لأنَّه قاتل الحسين أو أمره به؟ قلنا: هذا لم يثبت أصلا، فلا يجوز

____________________

١ - راجع احياء العلوم ٢: ٢٧٦.

١٦٥

أن يقال: إنّه قتله، أو أمر به ما لم يثبت فضلاً عن اللّعنة، لأنّه لا تجوز نسبة مسلم إلى كبيرة من غير تحقيق ثمَّ ذكر أحاديث في النهي عن لعن الأموات فقال:

فإن قيل: فهل يجوز أن يقال: قاتل الحسين لعنه الله، أو الآمر بقتله لعنه الله؟ قلنا: الصَّواب أن يقال: قاتل الحسين إن مات قبل التّوبة لعنه الله لأنَّه يُحتمل أن يموت بعد التّوبة، فإنَّ وحشيّاً قاتل حمزة عمِّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قتله وهو كافرٌ، ثمَّ تاب عن الكفر والقتل جميعاً، ولا يجوز أن يلعن والقتل كبيرة، ولا تنتهي إلى رتبة الكفر، فاذا لم يقيّد بالتّوبة و اُطلق كان فيه خطرٌ، وليس في السُّكوت خطرٌ فهو أولى.اهـ.

فهلمّ معي أيُّها القارئ الكريم إلى هذه التّافهات المودوعة في غضون [ إحياء العلوم ] هل يراها النبيُّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئاً حسناً، وحلف بذلك؟ وهل سرَّه دفاع الرَّجل عن ابليس اللعين أو عن جروه يزيد الطاغية الذي أبكى عيون آل الله وعيون صلحاء اُمَّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ريحانته إلى الأبد؟!

وهل يحقُّ لمسلم صحيح يُنزَّه عن النَّزعة الأمويّة الممقوتة، ويطّلع على فقه الإسلام وطقوسه، ويعلم تاريخ الاُمّة، ويعرف نفسيّات أبناء بيت اميّة السَّاقط، ولا يجهل أو لا يتجاهل بما أتت به يد يزيد الطّاغية الأثيمة، وما نطق به ذلك الفاحش المتفحّش وما أحدثه في الإسلام من الفحشاء والمنكر، وما ثبت عنه من أفعاله وتروكه، وما صدر عنه من بوائق وجرائم وجرائر، أن يدافع عنه بمثل ما أتى به هذا المتصوِّف الثرثار البعيد عن العلوم الدينيّة وحياتها؟ وهو لا يبالي بما يقول، ولا يكترث لمغبّة ما خطّته يمناه الخاطئة، والله من وراءه حسيبٌ، وهو نعم الحَكم العدل، والنبيُّ الأعظم، ووصيّه الصدّيق، والشَّهيد السّبط المفدّى هم خصماء الرَّجل يوم يُحشر للحساب مع يزيد الخمور والفجور - ومَن أحبَّ حجراً حشره الله معه - وسيذوق وبال مقاله ويرى جزاء محاماته.

ولست أدري إلى الغاية انّ حدَّ المفتري الّذي أقامه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أبي الحسن ابن حرازم إن كان بحقّ - ولا بدّ أن يكون ما يفعله النبيُّ حقّا - فلماذا درأته عنه شفاعة الشّيخ أبي بكر؟ ولا شفاعة في الحدود. وإن لم يكن أبو الحسن مستحقّاً

١٦٦

له فبماذا أقامه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ ولماذا أرجأ الشيّخ رأيه في اجتهاد ابن حرازم إلى أن جرِّد وضُرب خمسة أسواط؟ وكيف خفي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يُدرأ به الحدُّ من شبهة الإجتهاد؟ ومن سنّته الثابتة درأ لحدود بالشُّبهات. وهل تُقام الحدود في عالم الطيّف؟

_ ٦٥ _

اللامشى يسجد على أرض النهر

قال السَّمعاني: سمعت أبا بكر الزاهد السّمرقندي يقول: بتُّ ليلة مع الإمام اللّامشي - الحسين بن علي أبي علي الحنفيّ المتوفّى ٥٢٢ - في بعض بساتينه فخرج من باب البستان نصف اللّيل ومرَّ على وجهه فقمت أنا وتبعته من حيث لا يعلم، فوصل إلى نهر كبير عميق، وخلع ثيابه، واتَّزر بميرز وغاض في الماء، وبقي زماناً لا يرفع رأسه فظننت أنّه غرق فصحت وقلت: يا مسلمون! غرق الشّيخ فإذا بعد ساعة قد ظهر وقال: يا بنيَّ لا نغرق.فقلت:

يا سيّدي! ظننت أنَّك غرقت، فقال: ما غرقت ولكن أردت أن أسجد لِلَّه سجدة على ارض النَّهر فإنَّ هذه أرضٌ أظنُّ أنَّ أحداً ما سجد لِلَّه عليها سجدة.[ الجواهر المضيّة في طبقات الحنفيّة ] ١: ٢١٥.

مرحىً بالسّخافة وزهٍ بمستسخف النّاس الّذين يخضعون لأمثال هذه السّفاسف، وحيَّا الله هذه النّفس الّتي لم يأخذ بخناقها إنقطاع النَفس طيلة تلك المدّة تحت الماء، وليس ذلك من خرافة القصّاصين بعجيب، ولا عجب فإنَّ المغالاة في الحبِّ يستسهل وقوع ما يحيله العقل.

_ ٦٦ _

الطلحى يستر سوأته بعد موته

أخرج ابن الجوزي وإبن كثير بالإسناد عن أحمد الأسواري وكان ثقةً وهو تولّى غسل إسماعيل بن محمّد الحافظ(١) انّه قال: أراد أن ينحِّي الخرقة عن سوأته وقت الغسل

____________________

١ - أبو القاسم الطلحى الشافعى من اهل اصبهان قال ابن الجوزى: إمام فى الحديث والتفسير و اللغة حافظ متقن ديّن ولد ٤٥٩ وتوفى باصبهان سنة ٥٣٥.

١٦٧

فجذبها الشّيخ اسماعيل من يده وغطّى فرجه، فقال الغاسل: أحياةٌ بعد الموت؟

المنتظم ١٠: ٩٠، تاريخ ابن كثير ١٢: ٢١٧.

قال الأميني: لا حياة بعد الموت لأمثال الطّلحي، إلى يوم الوقت المعلوم، لكن الغلوَّ في الحبِّ يُحيي ويُميت ويُميت ويُحيي.

_ ٦٧ _

طاعة الحيوانات والجمادات للمنبجى

قال الإمام أبو محمّد ضياء الدّين الوتري في « روضة الناظرين » ص ٣٦: قال الشّيخ عقيل بن شهاب الدّين أحمد المنبجي العمري أحد أحفاد عمر بن الخطاب، وكان يلقّب بالغوّاص: أعطاني الله الكلمة النافذة في كلِّ شيء، ثمَّ داخله وجدٌ فقام: وقال: يا هوام! يا حجارة! يا شجر! صدّقوني، فإنيّ ما ادَّعيت باطلاً، فوفدت الوحوش من الجبل وقد ملأ زئيرها وصراخها البقاع ودارت به، ورقصت الحجارة، فهذه صاعدةٌ وهذه نازلةٌ، واشتبكت الأغصان بعضها ببعضها، ثمَّ حضر فسكت وعاد كلٌّ لما كان عليه.

وقال الوتري: كان يلقّب بالغوّاص، وذلك لأنَّه مرَّ بجماعة من تلامذة شيخه السّروجي بالفرات، ففرش سجّادته على الماء وجلس عليها وغاص بالماء إلى الجانب الآخر، ثمَّ ظهر من الماء، ولا بلل بثيابه، فذكر ذلك إخوانه لشيخه مسلمة السّروجي فقال: عقيل غوّاص. فاشتهر بذلك(١)

قال الأميني: حقّاً إنَّ تأثير هذا الرَّجل في المواليد الثّلاث أقوى من تأثير الله سبحانه في تصديقها إيّاه إن حقّقت المزاعم والتّافهات، فقد جاء في الذّكر الحكيم:( وَ إِنْ مِنْ شَيْ‌ءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لٰکِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) (٢) .( سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَ مَا فِي الْأَرْضِ ) (٣) ( وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَ مَا فِي الْأَرْضِ ) (٤) ( وَ النَّجْمُ وَ الشَّجَرُ يَسْجُدَانِ‌ ) (٥)

____________________

١ - روضة الناظرين ص ٣٥.

٢ - سورة الاسراء: ٤٤.

٣ - سورة الصف: ١.

٤ - سورة النحل: ٤٩.

٥ - سورة الرحمن: ٦.

١٦٨

( أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبَالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَابُّ وَ کَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ) (١) ومع ذلك لم يسمع أحدٌ للوحوش والدّوابّ نعيقاً، وللشّجر هفيفاً، وللأحجار صعوداً وحبوطاً، بعنوان السّجدة و التسبيح، فهو لا محالة إمّا بلسان ملكوتيّ، أو بعنوان جعل الإستعداد، أو الشَّهادة التكوينيّة الّتي لا تفارق كلَّ موجود على حدّ قول القائل:

وفي كلّ شيء له آيةٌ

تدلُّ على انّه واحدُ

وعليه ينزَّل قوله تعالى: شهد الله انَّه لا إلـ~ـه إلّا هو. أي خلق ما يشهد له بأحد الوجوه المذكورة، وإلّا فهي دعوى لا شهادة لها إن اُريد بها ظاهرها.

أو انَّ للموجودات في تسبيحها وسجودها لغةً وأطواراً لا يحسّها البشر، إلّا مَن اصطفاه الله من عباده المنتجبين، وعلّمه منطق الطير، وعرَّفه لغة الحجر والشَّجر والهوام، لكن الشّيخ الغوّاص أعطاء ألله الكلمة النافذة في كلِّ شيء حتّى زأرت وصرخت له الوحوش، ورقصت الحجارة، واشتبكت أغصان الأشجار، فحظيت بسماعها ورؤيتها آذان اولئك الغالين في فضائله ومُقَلهم، فحيّى الله منحة المولى سبحانه لعبده أكثر ممّا عنده، ولك إمعان النّظر وتدقيق البحث حول السجّادة والغوص، وهذه كلّها سهلةٌ غير مستصعب على الشّيخ مهما كان حفيد عمر الخلفية، وقد سمعت كراماته الظاهرة في العناصر الأربعة في الجزء الثامن ص ٨٣ - ٨٧ ط ١، هكذا يخلق أو يختلق الغلوّ الفضائل، وافقت العقل أم لم توافق.

_ ٦٨ _

كرامة لابن مسافر الاموى

قال عمر بن محمّد: خدمت الشّيخ عديّ - ابن مسافر الشاميّ الأمويّ المتوفّى ٥٥٧ / ٨ - سبع سنين شهدت له فيها خارقات أحدها: أنيِّ صببت على يديه ماءً فقال لي: ما تريد؟ قلت اُريد تلاوة القرآن ولا أحفظ منه غير الفاتحة وسورة الاخلاص، فضرب بيده في صدري فحفظت القرآن كلّه في وقتي، وخرجت من عنده وأنا أتلوه بكماله. [ شذرات الذّهب ] لابن العماد الحنبلي ٤: ١٨٠،

____________________

١ - سورة الحج: ١٩.

١٦٩

قال الأميني: ليت هذا الامويّ أدرك عهد الخليفة الثّاني فيضرب بيده في صدره فلا يتجشّم بمقاساة الشدَّة لحفظ سورة البقرة في أثني عشر عاماً. لكنّه لم يدرك.

وليت شعري هل كان يرضخ راوي هذه الاُسطورة لها لو كان صاحبها علويّاً؟ أو انَّ رضوخه قصرٌ على الأمويِّ فحسب؟

وذكر ابن العماد إيضاً في شذرات ذهبه نقلاً عن اليونيني - الآتي ذكره. قال قال لي عديّ بن مسافر يوماً: إذهب إلى الجزيرة السّادسة بالبحر المحيط تجد بها مسجداً فادخله ترى فيه شيخاً فقل له: يقول لك الشيخ عديّ بن مسافر: احذر الإعتراض و لا تختر لنفسك أمراً ليست لك فيه إرادة. فقلت: يا سيّدي! وأنّى لي بالبحر المحيط؟ فدفعني بين كتفي فإذا أنا بجزيرة والبحر محيطٌ بها وثَمَّ مسجدٌ فدخلته فرأيت شيخاً مهيباً يفكّر فسلّمت عليه وبلّغته الرّسالة فبكى وقال: جزاه الله خيرا، فقلت: يا سيِّدي! ما الخبر؟ فقال: اعلم أنَّ أحد السّبعة الخواصّ في النزع وطمحت نفسي و إرادتي أن أكون مكانه، ولم تكمل خطرتي حتّى أتيتني فقلت: يا سيّدى! وأنّى لي بالوصول إلى جبل هكار؟ فدفعني بين كتفي فإذا أنا بزاوية الشيخ عديّ فقال لي: هو من العشرة الخواصّ.

قال الأميني: الجنون فنون، وأرقّها جنون الحبِّ والمغالاة في الفضائل.

_ ٦٩ _

عبد القادر يحيى دجاجة

قال اليافعي في مرآة الجنان ٣: ٣٥٦: روى الشيخ الإمام الفقيه العالم المقري ابو الحسن عليّ بن يوسف بن جرير بن معضاد الشافعيّ اللخميّ في مناقب الشيخ عبد القادر(١) بسنده من خمس طرق، وعن جماعة من الشيوخ الجلّة أعلام الهدى العارفين المقتنين للاقتداء، قالوا: جاءت امرأة بولدها إلى الشّيخَ عبد القادر فقالت له: يا سيّدي! إنّي رأيت قلب ابني هذا شديد التعلّق بك، وقد خرجت عن حقّي فيه لِلَّه

____________________

١ - الشيخ السيد عبد القادر بن أبى صالح موسى الحسنى الجيلانى، مؤسس الطريقة القادرية. من كبار المتصوفين، ولد في ٤٩١ بجيلان [ وراء طبرستان ] وانتقل إلى بغداد شابا، وتوفي سنة ٥٦١ ودفن ببغداد وقبره مشهور يزار.

١٧٠

عزّ وجلّ ولك، فقبله الشّيخ وأمره بالمجاهدة وسلوك الطّريق، فدخلت اُمّه عليه يوماً فوجدته نحيلاً مصفرّاً من آثار الجوع والسَّهر، ووجدته يأكل قرصاً من الشّعير فدخلت إلى الشّيخ فوجدت بين يديه إناءً فيه عظام دجاجة مسلوقة قد أكلها، فقالت: يا سيّدي! تأكل لحم الدّجاج ويأكل ابني خبز الشّعير؟ فوضع يده على تلك العظام وقال: قومي بإذن الله تعالى الّذي يحيي العظام وهي رميمٌ. فقامت الدّجاجة سويّة وصاحت، فقال الشّيخ: إذا صار ابنك هكذا فليأكل ما شاء.

وذكرها الشيخ عبد القادر القادري في [ تفريح الخاطر ] ص ٣٢.

قال الأميني: إنَّ خاصّة الأنبياء وفي الطليعة منها إحياء الموتى هل تتأتّى لكلّ مُرتاض، فلا يبقى بينه وبين النبيّ المرسل أيُّ مائز؟ وهب انَّ الباحث تصوَّر لصدورها من الأولياء اعتباراً آخر فتكون كرامةً للوليِّ ومعجزةً للنبيِّ الّذي ينتحل شرعته، إلّا أنَّه اعتبارٌ اهتدى إليه الفكر بعد رويَّة طويلة، لكنّه لا خارج له تصل إليه العامَّة، فاطّرادها بل وظهورها من غير اطّراد يحطُّ عندها من مقام النبوَّة لمحض المشاكلة الصوريّة، وكلّما كان كذلك لا يمكن وقوعه.

ثمَّ هل لأكل خبز الشّعير وما جشب من الطّعام بمحضه أن يوصل السّالك إلى مرتبة يحيي فيها الموتى، وإن كان المولى سبحانه يعلم انّه متى بلغ إلى هذه المرتبة ألهاه أكل الدّجاجة المسلوقة أكلاً لمـّا؟!

وهل الرّياضة شرط في حدوث القوَّة في النّفس والملكات الفاضلة وليست شرطاً في بقائها؟!

أوَ ليس التلهّي باللّذايذ مزيحة لتلكم الأحوال النفسيّة كما كانت الرّياضة مجتذبةً لها؟ فاحف القول السؤال عن هذه المشكلات، فإن أجابوك فأخبرني.

_ ٧٠ _

عبد القادر يحتلم فى ليلة أربعين مرّة

ذكر الشّعراني في الطبقات الكبرى ١: ١١٠ قال: كان الشّيخ عبد القادر ( الجيلاني ) رضي الله عنه يقول: أقمت في صحراء العراق وخرائبه خمساً وعشرين سنة مجرّداً سائحاً لا أعرف الخلق ولا يعرفوني، يأتيني طوائف من رجال الغيب والجانَّ اُعلّمهم

١٧١

الطّريق إلى الله عزَّ وجلَّ، ورافقني الخضرعليه‌السلام في أوّل دخولي العراق، وما كنت عرفته وشرط أن لا اُخالفه وقال لي: اقعد هنا. فجلست في الموضع الّذي أقعدني فيه ثلاث سنين، يأتيني كلّ سنة مرَّة ويقول لي: مكانك حتّى آتيك. قال: ومكثت سنة في خرائب المدائن آخذ نفسي بطريق المجاهدات فآكل المنبوذ ولا أشرب الماء، ومكثت فيها سنة أشرب الماء ولا آكل المنبوذ، وسنة لا أكل ولا أشرب ولا أنام، ونمت مرَّة بايوان كسرى في ليلة باردة فاحتلمت فقمت وذهبت إلى الشطِّ واغتسلت، ثمَّ نمت فاحتلمت فذهبت إلى الشطِّ واغتسلت فوقع لي ذلك في تلك الليلة أربعين مرّة وأنا أغتسل، ثمَّ صعدت إلى الأيوان خوف النّوم.

قال الأميني: اقرأه مع إمعان وتبصّر في شأن هذا العارف معلّم طوائف من رجال الغيب والجانّ الذي اتّخذوه الطريق إلى الله، وكان رفيق الخضرعليه‌السلام ، وأعجب من انسان لم يأكل سنة، ولم يشرب اُخرى، ويتركهما ثالثة، ولم تخرْ قواه حتّى يحتلم في ليلة شاتية أربعين مرَّة، ويعبث به الشّيطان بهذا العدد الجمِّ وهو فانٍ في الله ولو كان اتَّفق له ذلك خلال تلكم الأيّام التي كان يأكل فيها الدّجاجة المسلوقة ويحيي عظامها كما مرَّ لكان يُعدُّ بعيداً عن الطبيعة البشريّة.

وما أطول تلك الليلة حتّى وسعت أربعين نومةً ذات احتلام، وأغسالاً بعدها على عدد الأحلام المتخلّلة بالذّهاب إلى الشّطّ والإياب إلى مقرّه ومنامه، وبعد ذلك كلّه تبقى منها برهة يصعد الشّيخ إلى الأيوان خوفاً من النّوم، ولعلّه لو نام بعد نومته المتمّمة للأربعين لبلغ العدد الأربعمائة أو أكثر، ولم يكن الشّيطان يفارق ذلك الهيكل القدسيّ واللّعب به مهما امتدَّت ليلته، وليس إحيائه عظام الدُّجاجة بأعظم من هذه الكرامة، وإن هي إلّا أحلام نائم نسجتها أيدي العرونة غلوّاً في الفضائل.

_ ٧١ _

قدم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على رقبة عبد القادر

قال الشّيخ السّيد عبد القادر الكيلاني: لمـّا عرج بجدّيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة المرصاد، وبلغ سدرة المنتهى بقي جبريل الأمينعليه‌السلام متخلّفاً وقال: يا محمّد! لو دنوتُ أنملة لاحترقت فأرسل الله تعالى روحي إليه في ذلك المقام، لاستفادتي من سيّد الأنام عليه وعلى آله

١٧٢

الصّلاة والسّلام، فتشرّفت به، واستصحلت على النّعمة العظمى والوراثة والخلافة الكبرى، وحضرت وأوجدت بمنزلة البراق حتّى ركب عليَّ جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعناني بيده حتّى وصل، فكان قاب قوسين أو أدنى وقال لي: يا ولدي وحدقة عيني! قدمي هذه على رقبتك، وقدماك على رقاب كلّ أولياء الله تعالى. وقال رضي الله عنه:

وصلت إلى العرش المجيد بحضرتي

فلاحت لي الأنوار والحقّ أعطاني

نظرت لعرش الله قبل تخلّقي

فلاحت لي الأملاك والله سمّاني

وتوَّجني تاج الوصال بنظرة

ومن خلقه التّشريف والقرب أكساني(١)

_ ٧٢ _

عبد القادر وملك الموت

عن السيّد الشيخ الكبير أبي العبّاس أحمد الرّفاعي قال: توفّي أحد خدّام الشّيخ عبد القادر الكيلاني وجاءت زوجته إليه فتضرّعت والتجأت إليه وطلبت حياة زوجها فتوجّه الشّيخ إلى المراقبة فرأى في عالم الباطن انَّ ملك الموتعليه‌السلام يصعد إلى السّماء ومعه الأرواح المقبوضة في ذلك اليوم فقال: يا ملك الموت! قف واعطني روح خادمي فلان، وسمّاه باسمه، فقال ملك الموت: إنّي أقبض الأرواح بأمرِ إلهيّ واُودّيها إلى باب عظمته، كيف يمكنني أن أعطيك روح الّذي قبضته بأمر ربّي؟ فكرّر الشّيخ عليه اعطاء روح خادمه إليه، فامتنع من إعطائه، وفي يده ظرفٌ معنويٌّ كهيئة الزّنبيل فيه الأرواح المقبوضة في ذلك اليوم، فبقوَّة المحبوبيّة جرَّ الزَّنبيل وأخذه من يده، فتفرَّقت الأرواح ورجعت إلى أبدانها، فناجى ملك الموتعليه‌السلام ربّه وقال: يا ربّ! أنت أعلم بما جرى بيني و بين محبوبك ووليّك عبد القادر، فبقوَّة السّلطنة والصّولة أخذ منّي ما قبضته من الأرواح في هذا اليوم فخاطبه الحقّ جلَّ جلاله: يا ملك الموت! إنّ الغوث الأعظم محبوبي ومطلوبي لِمَ لا أعطيته روح خادمه؟ وقد راحت الأرواح الكثيرة من قبضتك بسبب روح واحد، فتندّم هذا الوقت(٢) .

____________________

١ - نفس المصدر الاتي فى الخرافة التالية.

٢ - تفريح الخاطر فى ترجمة عبد القادر ص ٥، ١٢ ط مصر مطبعة عيسى البابى الحلبى و شركاؤه سنة ١٣٣٩.

١٧٣

_ ٧٣ _

وفاة الشيخ عبد القادر

ذكروا: انَّه لمـّا قربت وفاة الشيخ عبد القادر الجيلاني جاء سيِّدنا عزرائيلعليه‌السلام بمكتوب ملفوف من الربِّ الجليل في وقت غروب الشَّمس وأعطاه ولده الشيخ عبد الوهاب وكان مكتوب، على ظهره: يصل هذا المكتوب من المحبِّ إلى المحبوب. فلمّا رآه ولده بكى وتحسَّر ودخل بالمكتوب مع سيِّدنا عزرائيلعليه‌السلام على حضرة الشّيخ، وقبل هذا بسبعة أيّام كان معلوماً لدى الشّيخ انتقاله إلى العالم العلويّ، وكان مسروراً ودعا الله لمحبّيه ومخلصيه بالمغفرة، وتعهّد أن يكون لهم شفيعاً يوم القيامة، وسجد لِلَّه تعالى وجاء النداء: يا أيّتها النّفس المطمأنّة! ارجعي إلى ربّك راضية مرضيّة. وضجَّ عالم الناسوت بالبكاء، وابتهج عالم الملكوت باللقاء(١) .

هذه نماذج من أوهام جاء بها الغلوُّ في مناقب الشيخ عبد القادر الجيلاني، ونحن لو ذهبنا لنجمع ما عزوه إلى الشّيخ من الكرامات وإن شئت قلت: من الخرافات. ممّا لا يوافقه العقل، ولا يصافق عليه المنطق، ولا يساعده الشّرع الاسلاميُّ الأقدس، ولا يدعم بحجَّة، ولا تصدّقه البرهنة لأريناك موسوعة ضخمة تبعثك إلى الضّحك تارة وإلى البكاء اُخرى.

_ ٧٤ _

الرفاعىّ يقبّل يد النبىّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قال أبو محمّد ضياء الدّين الوتري في [ روضة الناظر ] ص ٥٤: وفي هذه السنة [ يعني ٥٥٥ ] حجَّ السيّد أحمد الرّفاعي(٢) رضي الله عنه باشارة معنويّة، وزار قبر جدّه عليه الصَّلاة والسَّلام، وأنشد تجاه القبر الطّاهر.

في حالة البعد روحي كنت ارسلها

تُقبّل الأرض عنِّي وهي نائبتي

____________________

١ - تفريح الخاطر ص ٣٨.

٢ - ولد ٥١٢ بقرية حسن من أعمال واسط وتوفي ٥٧٨ توجد ترجمته في غير واحد من معاجم التراجم وأفرد فيها أحمد عزت پاشا العمرى الموصلى كتاباً أسماه [ العقود الجوهريّة فى مدائح الحضرة الرفاعيّة ] طبع بمصر في المطبعة البهية سنة ١٣٠٦ في ١٣٩ صفحة.

١٧٤

وهذه دولة الأشباح قد حضرت

فامدد يمينك كي يحظى بها شفتي(١)

فظهرت له يد جدِّه عليه الصّلاة والسّلام فقبّلها والنّاس ينظرون. وهذه القصّة تواتر خبرها، وعلا ذكرها، وصحّت أسانيدها، وكتبها الحفّاظ والمحدِّثون، وكثيرٌ من أهل الطبقات والمؤرّخين، لا ينكرها إلّا جاهلٌ قليل الرِّواية، حاسدٌ لسلطان النبوّة، وظهور المعجزة المحمّديّة، أو معذورٌ من غير هذه الاُمّة الأحمديّة، على انَّ ظهور هذه المعجزة النبويّة في تلك الأعصار التي ظهرت بها البدع، وكثرت بها الفتن، وتفرّقت بها الأهواء، وذهب بها أهل الباطل إلى مذاهب كثيرة كالإلحاد والزندقة وغير ذلك ممّا سلكه الفرق الضالّة من طرق الضّلالة ما كان إلّا لإعلاء كلمة الحقِّ والشّريعة والدّين على يد هذا السيّد الجليل الذي إختصّه الله ورسوله بهذه النّعمة وأبرزه لهذه الخدمة، لعدم وجود من يماثله أو يشاكله في ذلك القرن من الأولياء والسّادات وصالحي الوقت نفعنا الله بهم.

وقال في ص ٦٢: إذا عدَّت كرامات الرِّجال كفاه [ يعني السيّد أحمد الرّفاعي ] فخراً وشرفاً تقبّل يد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين جمّ غفير من المسلمين حتّى سارت بها الرُّكبان، وتواتر خبرها في البلدان، وقصر عندها باع أكابر الإنس والجانّ، وغبطه عليها الملأ الأعلى، كما قال ذلك في شأنه الشيخ عبد القادر الجيلي عليه الرَّحمة والرِّضوان.

وفي العقود الجوهريَّة ص ٥ عن العبد الصّالح العارف بالله عبد الملك بن حمّاد انّه قال: قدّر الله لي الحجَّ سنة خمسمائة وخمسة وخمسين، وجئت إلى المدينة وتشرَّفت بزيارة النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي ذلك الاسبوع جاء لزيارة قبره عليه الصّلاة والسّلام شيخنا سيّد العارفين إمام الاُمّة السيّد أحمد الرُّفاعي رضي الله عنه وقد دخل البلدة بقافلة عظيمة من الزوّار فلمّا دخل الحرم الشّريف النبويّ وقف تجاه القبر الأفضل، والوقت بعد العصر وقد غص الحرم المبارك بالنّاس وأنشد غائباً عن نفسه حاضراً بمحبوبه:

في حالة البعد روحي كنت اُرسلها

تقبّل الأرض عنّي وهي نائبتي

____________________

١ - نسبهما والقصّة برمّتها صاحب [ تفريح الخاطر ] الى الشيخ عبد القادر الجيلاني، ولا ضير في كلّ عز ومختلق مهما كانت الغاية تفريح الخاطر غلوّا فى الفضائل، بعد الغضّ عن حكم العقل والشّرع والمنطق.

١٧٥

وهذه دولة الأشباح قد حضرت

فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي

فظهرت له يد النبيِّ عليه الصّلاة والسّلام تتلمّع بيضاء سويّة كأنّها زند البرق، فقبّلها والنّاس ينظرونه، وقد منَّ الله تعالى تفضّلاَ عليَّ فرأيتها ورأيت كيف استلمها، وانّي اعدّ هذا الشّهود الباهر ذخيرة المعاد، وزاد القدوم على الله تعالى.

ثمّ قال: وكان في القافلة المذكورة الشيخ أحمد الزعفراني، والشيخ عدي بن مسافر الأمويّ، والسيّد عبد الرّزاق الحسيني الواسطي، والشيخ عبد القادر الجيلاني، والشيخ أحمد الزاهد، والشيخ حيوة بن قيس الحرَّاني، والشيخ عقيل المنبجي العمري، و جماعة من مشاهير أولياء العصر وقد تشرَّفت الكلُّ برؤيا اليد النبويَّة الطاهرة الزكيَّة واندرجوا تحت بيعة مشيخته رضي الله عنه وعنهم اجمعين، وخبر هذه القصّة متواترٌ مشهورٌ، وقد ساقه كثير من أعيان الرِّجال بوجه التفصيل فليراجع.

قال الشيخ تقيّ الدين الفقيه النهروندي المتوفّى ٥٩٤ في قصيدة أوّلها:

ايّ سرٍّ جاءت به الأنبياء

وحديث رواته الأولياءُ؟

سلسلته السّادات أهل المعالي

وحكته الأئمّة الأتقياءُ

فروى نشره الصّديرين ريّا

وأضاءت بنوره البطحاءُ

مدَّ طه يمينه للرفاعيِّ

فانجلت عندها له الأشياءُ

إلى أن قال:

لا تقل كيف تمّ هذا؟ وأيقن

يفعل الله ربّنا ما يشاءُ

واهجر المارقين واعذر إذا ما

أنكر الشَّمس مقلة عمياءُ

أيكون النبيُّ ميتاً؟ وفي القر

آن أحياء ربّها الشّهداءُ

وبمدّ اليمين لابن الرفاعيِّ

حجّة في مقامها سمحاءُ

شهدتها المساء آلاف قوم

ورآها الأقران والأكفاءُ

صار ذاك المساء صبحاً فما أعجـ

ـب يوماً فيه الصّباح مساءُ؟

وقال صاحب العقود الجوهريّة يمدحه في قصيدة له:

ذاك الرفاعيّ الّذي فعله

يعزُّ في النّقد على الناقدِ

كم ركب الليث؟ وكم راكب

ذلّل من صولة مستأسدِ؟

١٧٦

كفُّ رسول الله في لثمها

حاز بها الفخر على الجاحدِ

قد مدّها من قبره نحوه

لاحت إلى الحاضر والشَّاهدِ

وقال الحافظ الحاج ملّا عثمان الموصلي في قصيدة يمدح بها السيّد الرفاعي:

له الأفاعي واُسد الغاب طائعةٌ

والجنّ تبصر من آياته العجبا

ألا ترى انَّ من ينمى إليه فلا

يخشى من النار مهما أوقدت لهبا؟

كفاه تقبيل يمنى الهاشميِّ أبي

الزَّهراء فخراً وعنها الغير قد حجبا

وقال السيّد محمّد أبو الهدى الرّفاعي في تخميس قصيدة سراج الدّين المخزومي:

اُكرمت من طه بكفِّ جنابه

بين القفول مذ التجأت ببابه

فلثمته وعرفت في أحبابه

نوراً أراد الله أن تُحيى به

رغماً لمن فتكت به الظلمات

وقال من قصيدة يمدحه بها:

كفى شرفاً تكليم خير الورى له

وامداده إذ مدَّ جهراً له اليدا

وليس عجيباً حين صحّ انتسابه

إليه إذا أبدى إليه تودّدا

كرامة حقّ وهي ثابتة له

ومعجزة للمصطفى خير من هدى

وقال بهاء الدين السيّد محمّد الروّاس في قصيدة له يمدحه بها.

كفاه انَّ رسول الله مدَّ له

يد القبول وزهر العصر نضّارُ

وقال من جدّه خير الورى خلقاً

له انطوى فيه اعزازٌ واظهارُ

وقال عبد الحميد افندي الطرابلسي في قصيدة له يمدحه بها:

هو الحجّة الكبرى على كلِّ قائم

لذاك يد المختار مدَّت له جهرا

ومن هذه والله حجّة فضله

أجل غيره في القوم حجّته صغرى

وقال السيّد عبد الغفار الأخرس في قصيدة يمدحه بها:

تولّد من رسول الله شبلٌ

به دانت له كلّ السّباع

وقبّل كفَّ والده جهاراً

غدت بالنّور بادية الشّعاع

وشاهدها الثّقات وكلّ فرد

رآها بانفرادٍ واجتماع

فتلك مزيّةٌ لم يحظ فيها

سواه من مطيع أو مطاع

١٧٧

وقال أبو الفرج السيّد احمد شاكر الآلوسي من قصيدة يمدحه بها:

هو قطب الوجود غوث البرايا

غيثها المرتجى على الإطلاق

كم له من مناقب سائرات

كمسير البدور في الآفاق؟

حاز من جدّه الرَّسول مقاماً

لم يزل ذكره مدى الدّهر باقي

حيثما زاره وقبّل كفّاً

منه قد آذنت له بالتلاقي

وقال الفقيه يحيى بن عبد الله الواسطي في قصيدة يمدحه بها:

مدّت له يد طه ثمَّ قبّلها

يهنيه مجداً نأى أن يقبل الشّركا

والمصطفى بكتاب العتق أكرمه

والله أحيا له لمـّا دعا السّمكا

وقال صفيُّ الدّين يحيى بن المظفر البغدادي الحنبلي في قصيدة يمدحه بها:

وله إمام الرُّسل مدّ يداً لها

فتحت كنوز حقائق القرآنِ

وقوافل الحجّاج سكرى عندها

ما بين مبهوت وذي أشجانِ

وقال السيّد عبد الحيّ الحسيني مفتي [ غزّة هاشم ] من قصيدة يمدحه بها:

علَم الشَّرق أحمد من إليه

مدّ طه يمينه إجلالا

مدّ راحاً إلى النبيِّ بها كلّ

محال لو رامه ما استحالا

يالراحٍ قد صافحتها المعالي

وشفاة لقد لثمن الهلالا

وقال السيّد إبراهيم الرّاوي الرفاعي الشافعي من قصيدة يمدحه بها:

وهو باب النبيِّ لاثم يمنا

ه جهاراً وقد تجلّى تعالى

حين أبدى محمّد معجزات

معجزات لأحمد اجلالا

كيف لا؟ وهو شبله وكذا الآ

باء تعلو إن أنجبت أشبالا

وقال السيّد سراج الدين المخزومي في كتابه [ صحاح الأخبار ] من قصيدة يمدح بها الرُّفاعي:

يا ابن من كان في الثبوت نبيّا

قبل كون القوالب الطينيّه

لك جمعٌ في مشهد الوجد بانت

منه للقوم حكمة الفرقيّه

لك قربٌ أقام في حالة البعـ

ـد مناراً في الرّوضة الحرميَّه

١٧٨

حين مدّت يد الرّسول جهاراً

لك يا حسن خلعة علنيّه

شاهدتها الاُلوف من كلّ أرض

فروى نشرها البقاع القصيّه

وبآذاننا تواتر هذا المجـ

ـد أقراط فخره جوهريّه

وذكر القصّة القاضي الخفاجي الحنفي في شرح الشفا ٣: ٤٨٩، والعدويّ الحمزاوي في كنز المطالب ص ١٨٨ وفيه: فمدّ يده الشّريفة من الشبّاك فقبّلها. وابن درويش الحوت في اسنى المطالب ص ٢٩٩ وقال: إذا أكرم الله عبداً برؤية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقظة يمثّل له نوره الشّريف بصورة جسمه الكريم وربّما ظنّه الرائي انّه الجسم الشّريف لغلبة الحال، ومن ذلك ما وقع لسيّدنا الرّفاعي رضي الله عنه. الخ.

قال الأمينيّ: لا تهمّنا رؤية السيّد الرفاعي يد النبيّ الشّريفة وتقبيله إيّاها وقد جاء القوم بأعظم وأعظم منها، هذا الشيخ عبد القادر الجيلاني استصحبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة المعراج(١) وهذا جلال الدين السيوطي وقد رأى نفس النبيّ الأقدس في اليقظة بضعاً وسبعين مرَّة، وروى آخر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحاديث، وكان آخر يشاوره في اموره قال الشيخ حسن العدوي الحمزاوي في مشارق الأنوار، وكنز المطالب ص ١٩٧ نقلاً عن [ بهجة النفوس والأسماع ] للشّعراني عند نقله لمزايا الكمال: منها شدّة قربهم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّ وقت فلا يكاد يحجب عنهم في ليل أو نهار حتّى أنّ بعضهم صحّح عنده أحاديث عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال بعض الحفّاظ بضعفها من طريق النقل الظاهر فتقوّت بذلك عنده. قال: وقد أدركت جماعة ممّن لهم هذا المقام منهم سيّدي علي الخواص(٢) والسيّد علي المرصفي وأخي أفضل الدّين، والشيخ جلال الدين السّيوطي، والشيخ نور الدين الشوتي، والشيخ محمّد الصوفيّ ببلاد الفيّوم رضي الله عنهم أجمعين.

قال: وكان الشيخ نور الدين الشوتي يشاور رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اموره، وهي ومن جملة ما شاوره فيه حفر البئر التي في زاويتنا فانّنا حفرنا ثلاثة آبار وهي تطلع

____________________

١ - راجع كتاب تفريح الخاطر فى ترجمته.

٢ - ترجمه الشعرانى فى طبقاته الكبرى ٢ ١٣٥ - ١٥٣ وبدء ترجمته بقوله: كان رضي الله عنه يتكلم عن معانى القرآن العظيم والسنة الشريفة كلاماً نفيساً تحير فيه العلماء وكان محل كشفه اللوح المحفوظ عن المحو والاثبات. وقد أكثر فى تلكم الصفحات من هذه المخاريق فراجع.

١٧٩

فاسدة وماؤها منتن. فقال لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قال لهم: يحفروا في باب الحوش ففعلنا فطلعت بئراً عظيمة وماؤها حلو، فالحمد لله ربّ العالمين.

إقرأ واسأل العقل السّليم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده.

_ ٧٥ _

الغزلانى يكشف عمّا فى الخواطر

قال أبو محمّد ضياء الدّين الوتري في روضة الناظرين ص ١٣٣ في ترجمة الشيخ محمّد الغزالي الموصلي الشهير بالغزلاني(١) المتوفَّى ٦٠٥ نقلاً عن الشّيخ محمّد أبي عبد الله بن تاج ابن القاضي يونس الموصلي انّه قال: كنّا مع جماعة من ثقات علماء الموصليّين بزيارة الشيخ محمّد الغزلاني قدس الله سرّه وكان الوقت وقت المغرب، وقد أظلم الغار الّذي هو فيه فثقل ذلك على الجماعة فكشف ما في خواطرهم وتبسّم وقال: ما عندنا زيت ولا لنا سراجٌ، ثمّ أشار إلى شجرة أمام الغار، فلمعت أغصانها نوراً أضاء منه الجبل، فوالله ما بتنا ليلة أبهج وأكثر اُنساً عندنا من تلك اللّيلة.

قال الأميني:: إقرأ وتعقّل واحكم.

_ ٧٦ _

الشاطبى يعلم جنابة الجنب

قال الجزري: أخبرني بعض شيوخنا الثقات عن شيوخهم: انّ الشاطبي القاسم بن فيرة الضرير(٢) كان يصلّي الصبح بالفاضليّة بغلس ثمَّ يجلس للأقراء فكان النّاس يتسابقون السّرى إليه ليلاً، وكان إذا قعد لا يزيد على قوله: من جاء أوّلاً فليقرأ: ثمَّ يأخذ على الأسبق فأسبق، فاتَّفق أن قال يوماً: من جاء ثانياً فليقرأ وبقي الأوّل وكان من أصحابه لا يدري ما الذَّنب الذي أوجب حرمانه ففطن انّه أجنب تلك الليلة ولشدَّة حرصه على النّوبة نسي ذلك، فبادر إلى حمّام جوار المدرسة فاغتسل ورجع قبل فراغ الثاني والشّيخ

____________________

١ - وذلك لان الغزلان لا زالت كانت تزوره وتأنس به. روضة الناظرين ١٣٣.

٢ - ابو محمد الضرير المقرىء صاحب القصيدة التى أسماها - حرز الاماني ووجه التهانى - فى القرءات عدتها الف ومائة وثلاثة وسبعون بيتاً، ولد سنة ٥٣٨، وتوفى سنة ٥٩٠ ودفن بالقرافة وقبره مشهور مزور. شذرات الذهب ٤: ٣٠٢.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

فتحيضت به ثم مرّة ثانية ، فإن أيام التمييز تصير عادتها إذا اتفقت.

المطلب الثاني : في أحكامه.

و هي عشرة :

الأول : يحرم عليها ما يفتقر إلى الطهارة كالصلاة فرضاً ونفلاً ، والطواف كذلك ، ومس كتابة القرآن ، ويكره لها حمل المصحف ، ولمس هامشه ، وقد تقدم(1) البحث فيه.

و لو تطهرت لم يرتفع حدثها ، نعم يُستحب لها الوضوء عند كلّ صلاة ، والجلوس في مصلاها ذاكرة لله تعالى ، بقدر زمان صلاتها ، لقول الصادقعليه‌السلام : « ينبغي للحائض أن تتوضأ عند وقت كلّ صلاة ، ثم تستقبل القبلة فتذكر الله سبحانه بقدر ما كانت تصلّي »(2) ولا يرفع هذا الوضوء حدثا ، ولا يبيح ما شرطه الطهارة.

و هل يشترط في الفضيلة عدم الناقض غير الحيض إلى الفراغ؟ إشكال.

الثاني : يحرم عليها قراء‌ة العزائم وأبعاضها حتى البسملة إذا نوت أنها منها دون غيرها ، بل يُكره لها ما عداها ، لأنّها عبادة ذات سجود ، فاشترطت لها الطهارة من الحدث الاكبر كالصلاة ، وقول الباقرعليه‌السلام وقد سئل الحائض والجنب يقرآن شيء ئا؟ قال : « نعم ما شاء‌ا إلّا السجدة »(3) .

وقال الشافعي : تحرم قراء‌ة القرآن مطلقاًً(4) ، وله قول آخر : أنّه مكروه(5) وكره عليعليه‌السلام لها قراء‌ة القرآن ، وبه قال الحسن البصري ،

____________

1 ـ تقدم في مسألة 71.

2 ـ الكافي 3 : 101 / 3 ، التهذيب 1 : 159 / 455.

3 ـ التهذيب 1 : 129 / 352 ، الاستبصار 1 : 115 / 384.

4 ـ المجموع 2 : 158 و 357 ، فتح العزيز 2 : 143 ، الوجيز 1 : 28 ، مغني المحتاج 1 : 72 ، المغني 1 : 166 ، الشرح الكبير 1 : 241.

5 ـ المغني 1 : 165 ، المجموع 2 : 356 وفيه القول بالجواز.

٢٦١

والنخعي ، والزهري ، وقتادة(1) ، ولم يفرقوا بين العزائم وغيرها ، وسوغ لها القراء‌ة مطلقاًً سعيد بن المسيب ، وداود ، وابن المنذر ، ومالك(2) ، وقد تقدم(3) .

فروع :

أ ـ لا يكره لها شيء من الأذكار ، لقول الباقرعليه‌السلام : « ويذكران الله على كلّ حال »(4) .

ب ـ يكره لها قراء‌ة المنسوخ حكمه خاصة دون المنسوخ تلاوته ، وكذايحرم المس.

ج‍ ـ لو نذرت قراء‌ة العزائم في وقت ، فاتفق حيضها فيه لم يجز لها قراء‌تها ، وفي وجوب القضاء إشكال ، ينشأ من أنها عبادة موقتة ، فلا تجب في غيره كقضاء الصلاة ، ومن استلزام نذر المعين المطلق.

الثالث : الصوم ، فلا يصح منها فرضا ولا نفلا ، فهو مانع من صحته دون وجوبه ، والتحقيق المنع منه ، والقضاء تابع لثبوت سببه دونه.

وفي الصلاة تمنع منهما بلا خلاف بين العلماء ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أليست إحداكن إذا حاضت لا تصوم ولا تصلّي )(5) .

____________

1 ـ المغني 1 : 165 ، الشرح الكبير 1 : 240.

2 ـ المجموع 2 : 158 و 357 ، المغني 1 : 165 ، الشرح الكبير 1 : 240 ، فتح العزيز 2 : 143 ، بداية المجتهد 1 : 49 ، الشرح الصغير 1 : 67 و 81.

3 ـ تقدم في المسألة : 68.

4 ـ التهذيب 1 : 129 / 352 ، الاستبصار 1 : 115 / 384 ، علل الشرائع : 288 باب 210.

5 ـ صحيح البخاري 1 : 83 ، سنن البيهقي 1 : 308.

٢٦٢

و من طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن امرأة طمثت في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس : « تفطر »(1) .

الرابع : الاستيطان في المساجد ، ذهب إليه علماؤنا ، ولا أعرف فيه مخالفاً ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( لا اُحل المسجد لحائض ولا جنب )(2) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأصابته جنابة ، فليتيمم ، ولا يمرّ في المسجد إلّا متيمما ، حتى يخرج منه ويغتسل ، وكذلك الحائض تفعل كذلك ، ولا بأس أن يمرا في سائر المساجد ، ولا يجلسان فيها »(3) .

فروع :

أ ـ يكره الاجتياز في المساجد مع أمن التلويث ، وهو أحد وجهي الشافعي والآخر : التحريم(4) ، الا المسجدين فإنه يحرم كما قلنا في الجنابة.

ب ـ لا بأس لها أن تأخذ شيئاً من المساجد ، ويحرم عليها الوضع ، لأنّ حدثها أعظم من الجنابة ، وسأل زرارة الباقرعليه‌السلام كيف صارت الحائض تأخذ ما في المسجد ولا تضع فيه؟ فقال : « إنّ الحائض تستطيع أن تضع ما في يدها في غيره ، ولا تستطيع أن تأخذ ما فيه إلّا منه »(5) .

____________

1 ـ التهذيب 1 : 393 / 1215 ، الاستبصار 1 : 145 / 498.

2 ـ سنن ابي داود 1 : 60 / 232 ، سنن ابن ماجة 1 : 212 / 645.

3 ـ الكافي 3 : 73 / 14.

4 ـ المجموع 2 : 160 ، فتح العزيز 2 : 418 ، كفاية الأخيار 1 : 48 ، الوجيز 1 : 25 ، المغني 1 : 166.

5 ـ الكافي 3 : 106 / 1 ، التهذيب 1 : 397 / 1233.

٢٦٣

ج ـ لو حاضت في أحد المسجدين ففي افتقارها إلى التيمم في خروجها منه إشكال ، وأوجبه ابن الجنيد(1) ، وبه رواية مرسلة سلفت(2) .

الخامس : الجماع ، وقد أجمع علماء الإسلام على تحريمه في قبل الحائض ، لقوله تعالى :( فاعتزلوا النساء في المحيض ) (3) وعلى إباحة الاستمتاع بما فوق السرة وتحت الركبة ، واختلفوا في مواضع :

أ ـ الاستمتاع بما بين السرة والركبة غير القُبل ، فالمشهور عندنا الإباحة وتركه أفضل ، وبه قال الثوري ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود ، ومحمد بن الحسن ، وأبو إسحاق المروزي ، وابن المنذر ، وروي أيضاً عن النخعي ، والشعبي(4) ، عملاً بالأصل ، ولقولهعليه‌السلام : ( إصنعوا كلّ شيء غير النكاح )(5) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عما لصاحب المرأة الحائض منها : « كلّ شيء عدا القبل بعينه »(6) .

وقال السيد المرتضى بالتحريم(7) ، وبه قال الشافعي ، ومالك ، وأبو حنيفة ، وأبو يوسف(8) ، لقول عائشة : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يباشر

____________

1 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 59.

2 ـ سلفت آنفا في الحكم الرابع من أحكام الحيض.

3 ـ البقرة : 222.

4 ـ المجموع 2 : 366 ، المغني 1 : 384 ، الشرح الكبير 1 : 350 ، عمدة القارئ 3 : 267 ، شرح النووي ـ لصحيح مسلم 2 : 335 ، تفسير القرطبي 3 : 87 ، شرح فتح القدير 1 : 147.

5 ـ سنن ابن ماجة 1 : 211 / 644 ، سنن ابي داود 1 : 67 / 258 ، سنن النسائي 1 : 152 و 187.

6 ـ الكافي 5 : 538 / 1 ، التهذيب 1 : 154 / 437 ، الاستبصار 1 : 128 / 438.

7 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 59.

8 ـ المجموع 2 : 365 ، فتح العزيز 2 : 428 ، كفاية الأخيار 1 : 49 ، عمدة القارئ 3 : 266 ،

٢٦٤

نساء‌ه فوق الازار وهن حيض(1) . ولا دلالة فيه.

ب ـ المشهور كراهة الوطء قبلا بعد انقطاع الدم قبل الغُسل ، وبه قال أبو حنيفة إنّ انقطع لأكثر الحيض ، وإن انقطع قبله قال : لا يحل حتى تغتسل ، أو يمضي عليها وقت صلاة كامل(2) ، لقوله تعالى :( حتى يطهرن ) (3) بالتخفيف.

و قوله :( والذين هم لفروجهم حافظون إلّا على أزواجهم ) (4) مقتضاه إباحة الاستمتاع مطلقاًً ترك العمل به في زمان الحيض لوجود المانع ، فيبقى ما عداه على الجواز.

وسئل الكاظمعليه‌السلام عن الحائض ترى الطُهر أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ فقال : « لا بأس وبعد الغُسل أحب إلي »(5) .

وقال الصدوق : لا يجوز حتى تغتسل(6) ، وبه قال الزهري ، وربيعة ، والليث ، ومالك ، والثوري ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور(7) ،

____________

المغني 1 : 384 ، الشرح الكبير 1 : 350 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 335 ، المحلى 2 : 176 ، شرح فتح القدير 1 : 147 ، تفسير القرطبي 3 : 87.

1 ـ صحيح البخاري 1 : 82 و 83 ، صحيح مسلم 1 : 242 / 293 ، سنن الترمذي 1 : 239 / 132 ، سنن النسائي 1 : 151 و 189 ، سنن ابن ماجة 1 : 208 / 635 و 636.

2 ـ شرح فتح القدير 1 : 150 ـ 151 ، المجموع 2 : 370 ، فتح العزيز 2 : 422 ، المغني 1 : 387 ، الشرح الكبير 1 : 349 ، بداية المجتهد 1 : 57 ـ 58 ، المحلى 2 : 173 ، التفسير الكبير 6 : 72 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 336 ، تفسير القرطبي 3 : 88 ـ 89 ، أحكام القرآن للجصاص 1 : 348.

3 ـ البقرة : 222.

4 ـ المؤمنون : 5 و 6 ، المعارج : 29 و 30.

5 ـ الكافي 5 : 539 ـ 540 / 2 ، التهذيب 1 : 167 / 481 ، الاستبصار 1 : 136 / 468.

6 ـ الفقيه 1 : 53 ، الهداية : 22.

7 ـ الاُم 1 : 59 ، المجموع 2 : 370 ، فتح العزيز 2 : 421 ـ 422 ، كفاية الأخيار 1 : 49 ، الشرح الصغير 1 : 81 ، بداية المجتهد 1 : 57 ، مغني المحتاج 1 : 110 ، المغني 1 : 387 ، الشرح

٢٦٥

لقوله تعالى :( فإذا تطهَّرن فأتوهُنَّ مِنْ حيثُ أمركُم الله ) (1) . ولا دلالة فيه إلا من حيث المفهوم.

وقال داود : إذا غسلت فرجها حلّ وطؤها ، فإن وطأها لم يكن عليه شيء(2) .

وقال قتادة والأوزاعي : عليه نصف دينار(3) . وليس بجيد لأنّ الكفارة تتعلق بالوطئ للحائض.

ج ـ لو وطأها قبلا جاهلا بالحيض ، أو الحكم لم يكن عليه شيء ، وكذا إن كان ناسياً ، وهو أحد وجهي أحمد ، وفي الآخر : يجب على الجاهل والناسي للعموم(4) ، ويبطل بقولهعليه‌السلام : ( عفي لأمتي عن الخطأوالنسيان )(5) .

وإن كان عالماً بهما فقولان ، أكثر علمائنا على وجوب الكفارة(6) ، وبه قال الحسن البصري ، وعطاء الخراساني ، وأحمد ، والشافعي في القديم(7) ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من أتى امرأة حائضاً فليتصدق

____________

الكبير 1 : 349 ، المحلى 2 : 173 ، تفسير القرطبي 3 : 88 ، تفسير الكبير 6 : 73 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 336.

1 ـ البقرة : 222.

2 ـ المجموع 2 : 370 ، حلية العلماء 1 : 216.

3 ـ المغني 1 : 385 ، الشرح الكبير 1 : 351.

4 ـ المغني 1 : 386 ، الشرح الكبير 1 : 351.

5 ـ سنن ابن ماجة 1 : 659 / 2043 و 2045 نحوه.

6 ـ منهم المفيد في المقنعة : 7 ، والشيخ الطوسي في الخلاف 1 : 225. مسألة 194 ، وابن إدريس في السرائر : 8.

7 ـ المجموع 2 : 359 ، فتح العزيز 2 : 422 ، كفاية الأخيار 1 : 49 ، الشرح الكبير 1 : 350 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 334 ، تفسير القرطبي 3 : 87.

٢٦٦

بدينار ، ومن أتاها وقد أدبر الدم عنها ولم تغتسل فليتصدق بنصف دينار )(1) .

و من طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « يتصدق إذا كان في أوّله بدينار ، وفي أوسطه بنصف دينار ، وفي آخره بربع دينار »(2) .

وقال الشيخ في النهاية بالاستحباب(3) ، وبه قال الشافعي في الجديد ، ومالك ، والثوري ، وأصحاب الرأي(4) ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من أتى كاهنا فصدقه بما يقوله ، أو أتى امرأة في دبرها ، أو حائضاً ، فقد بريء مما جاء به محمد )(5) ، ولم يذكر الكفارة.

ومن طريق الخاصة رواية عيص قال : سألت أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام عن رجل واقع امرأته وهي طامث ، قال : « لا يلتمس فعل ذلك ، قد نهى الله عنه » قلت : إنّ فعل فعليه كفارة؟ قال : « لا أعلم فيه شيئاً يستغفر الله »(6) وللأصل ، وهو الأقوى عندي.

د ـ المشهور عندنا في قدر الكفارة ما روي عن الصادقعليه‌السلام : « دينار في أوّله ، ونصفه في أوسطه ، وربعه في آخره »(7) .

____________

1 ـ سنن الترمذي 1 : 245 / 137 ، كنز العمال 16 : 352 / 44884 نقلاً عن الطبراني ، سنن البيهقي 1 : 314 نحوه.

2 ـ التهذيب 1 : 164 / 471 ، الاستبصار : 134 / 459.

3 ـ النهاية : 26.

4 ـ المجموع 2 : 359 ، فتح العزيز 2 : 424 ، كفاية الأخيار 1 : 49 ، مغني المحتاج 1 : 110 ، المنتقى للباجي 1 : 117 ، عمدة القارئ 3 : 266. المغني 1 : 385 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 334.

5 ـ سنن الترمذي 1 : 242 / 135 ، سنن ابن ماجة 1 : 209 / 639 ، سنن الدارمي 1 : 259 مسندأحمد 2 : 408 و 476.

6 ـ التهذيب 1 : 164 / 472 ، الاستبصار 1 : 134 / 460.

7 ـ التهذيب 1 : 164 / 471 ، الاستبصار 1 : 134 / 459.

٢٦٧

وقال الصدوق : يتصدق على مسكين بقدر شبعه(1) ، وقال الشافعي : في إقبال الدم دينار ، وفي إدباره نصفه(2) وقال أحمد : هو مخير بين الدينار ونصفه(3) ، وقال الحسن البصري ، وعطاء الخراساني : يجب فيه كفارة الفطر في رمضان(4) .

فروع :

أ ـ لو غلبته الشهوة بعد الانقطاع قبل الغُسل أمرها بغسل فرجها ثم وطأها ، لقول الباقرعليه‌السلام : « إنّ أصابه شبق فليأمرها بغسل فرجها ثم يمسها إنّ شاء »(5) .

ب ـ لو وطأ الحائض مستحلاً كفر ، ومحرماً يفسق ويعزر.

ج‍ ـ إذا أخبرته بالحيض ، فإن كانت ثقة وجب عليه الامتناع لقوله تعالى :( ولا يحل لهن أنْ يكتمن ما خلق الله في أرحامهن ) (6) ومنع الكتمان يقتضي وجوب القبول منهن.

وإن كان يتهمها بقصد منع حقه ، لم يجب الامتناع ما لم يتحقق.

د ـ لو كرر الوطء ، فأقوى الاقوال تعدد الكفارة وجوباً أو استحباباً ، على الخلاف إن اختلف الزمان ، أو كفر عن الأول ، وإلّا فلا عملاً بالأصل.

__________________

1 ـ المقنع : 16.

2 ـ المجموع 2 : 359 ، فتح العزيز 2 : 422 ، الوجيز 1 : 25 ، كفاية الأخيار 1 : 49.

3 ـ المغني 1 : 385 ، الشرح الكبير 1 : 351 ، المجموع 2 : 361 ، فتح العزيز 2 : 424 ، مسائل أحمد : 26 ، بداية المجتهد 1 : 59 ، المحلى 2 : 187 ، تفسير القرطبي 3 : 87 ، تفسير البحرالمحيط 2 : 168.

4 ـ المجموع 2 : 361 ، عمدة القارئ 3 : 266 ، المحلى 2 : 187 ، سبل السلام 1 : 171 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 334.

5 ـ الكافي 5 : 539 / 1 ، التهذيب 1 : 166 / 477 ، الاستبصار 1 : 135 / 463.

6 ـ البقرة : 228.

٢٦٨

هـ ـ الأول والوسط والاخير بحسب عدد أيام عادتها ، فاليوم الأول وثلث الثاني أول الاربعة ، وثلث الثاني وثلثا الثالث الأوسط ، والباقي الأخير.

و ـ لو لم تجد الماء بعد الانقطاع جاز الوطء قبل الغُسل ، ولا يشترط التيمم ، وقال الشافعي : إذا تيممت حلّ وطؤها(1) . وقال مكحول : لا يجوز وطؤها حتى تغتسل، ولا يكفي التيمم للآية(2) ، وقال ابن القاسم : لا توطأ بالتيمم ، لأنّه بالملاقاة ينتقض(3) . وقال أبو حنيفة : لا يحل وطؤها حتى تصلّي به ، لأنّه لا يرفع الحدث فيلحقه الفسخ ما لم تصلّ به فلا يستبيح به الوطء(4) .

فلو تيممت ثم أحدثت حدثا ، قال الشافعي : لا يحرم وطؤها ، لأنّه لايبطل التيمم القائم مقام الغُسل ، وإنّما يوجب التيمم عنه(5) .

واذا صلّت بالتيمم صلاة الفرض ففي تحريم وطئها عنده وجهان : التحريم بناء‌ا على أن التيمم إنّما يستباح به فريضه واحدة ، وإذا صلّت به لم يحل لها فعل الفريضة ، ولا يلزم الحدث ، لأنّه مانع من الصلاة ، وهنا التيمم لم يبح إلّا فريضة واحدة.

وعدمه لأنّ التيمم القائم مقام الغُسل باق ، ولهذا يجوز لها صلاة النافلة(6) . وهذه الاصول عندنا فاسدة.

__________________

1 ـ الاُم 1 : 59 ، المجموع 2 : 368 و 370 ، فتح العزيز 2 : 421 ـ 422 ، مغني المحتاج 1 : 111 ، المنتقى للباجي 1 : 118.

2 ـ مصنف ابن أبي شيء بة 1 : 96 ، حلية العلماء 1 : 216 ، والآية 222 من سورة البقرة.

3 ـ المدونة الكبرى 1 : 48 ـ 49.

4 ـ حلية العلماء 1 : 217.

5 ـ المجموع 2 : 368.

6 ـ المجموع 2 : 368.

٢٦٩

ز ـ لو وطئ الصبي لم يجب عليه شيء ، وقال بعض الحنابلة : يجب للعموم(1) ، وقياسا على الإحرام(2) . وهو خطأ لأنّ أحكام التكليف ساقطةعنه.

ح ـ لا كفارة على المرأة لعدم النص ، وقال أحمد : يجب لأنّه وطء يوجب الكفارة(3) .

السادس : يحرم طلاقها مع الدخول ، وحضور الزوج ، وانتفاء الحائل والحبل بإجماع العلماء ، فإن طلق لم يقع عندنا ، خلافاً للجمهور ، وسيأتي.

السابع : يجب عليها الغُسل عند الانقطاع لتأدية العبادات المشروطة بالطهارة بإجماع علماء الامصار ، وهو شرط في صحة الصلاة إجماعاً ، وفي الطواف عندنا خلافاً لأبي حنيفة(4) .

وهل هو شرط في صحة الصوم ، بحيث لو أخلت به ليلا حتى أصبحت بطل صومها؟ الأقرب ذلك لعدم قصوره عن الجنابة.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إن طهرت بليل من حيضها ثم توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم »(5) .

وبدن الحائض طاهر عند علمائنا كبدن الجنب ، وهو قول أكثر الجمهور(6) ، لقولهعليه‌السلام : ( ليست حيضتك في يدك )(7) .

____________

1 ـ سنن ابن ماجة 1 : 210 / 640 ، سنن أبي داود 1 : 69 / 264.

2 ـ المغني 1 : 386 ، الشرح الكبير 1 : 351.

3 ـ المغني 1 : 386 ، الشرح الكبير 1 : 352.

4 ـ المغني 3 : 397 ، الشرح الكبير 3 : 409.

5 ـ التهذيب 1 : 293 / 1213.

6 ـ المجموع 2 : 150 ، المغني 1 : 244 ، الشرح الكبير 1 : 260.

7 ـ صحيح مسلم 1 : 245 / 299 ، سنن ابن ماجة 1 : 207 / 632 ، سنن أبي داود 1 : 68 / 161 ،

٢٧٠

و قال أبو يوسف : بدن الحائض والجنب نجس(1) .

الثامن : يجب عليها قضاء الصوم دون الصلاه بالإجماع ، وقالت عائشة : كنا نحيض على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة(2) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام في الحائض : « ليس عليها أن تقضي الصلاة وعليها أن تقضي صوم شهر رمضان »(3) ولأن الصلاة متكررة فيلزم الحرج بقضائها دون الصوم.

التاسع : يحرم عليها سجود التلاوة لو سمعت العزائم عندالشيخ(4) ـ وبه قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد وأكثر الجمهور(5) ـ لقولهعليه‌السلام : ( لا يقبل الله صلاة بغير طهور )(6) فيدخل في عمومه السجود ، ولأنّه سجود فيشترط فيه الطهارة كسجود السهو.

و سجود الصلاة ليس كسجود التلاوة ، سلّمنا ، لكن لا يلزم من الوجوب في الصلاة الوجوب في أجزائها ، والفرق بينه وبين سجود السهو كون المأتي جزء‌اً من الصلاة إنّ سلّمنا الحكم فيه.

____________

سنن النسائي 1 : 146 و 192 ، سنن الترمذي 1 : 241 ـ 242 / 134 ، سنن الدارمي 1 : 248 ، مسند أحمد 2 : 70 ، سنن البيهقي ـ 1 : 189 ، معرفة السنن والآثار 1 : 441.

1 ـ شرح العناية 1 : 94 ـ 95 ، المجموع 2 : 151 ، المغني 1 : 246 ، الشرح الكبير 1 : 262.

2 ـ صحيح مسلم 1 : 265 / 69 ، سنن ابي داود : 68 / 262 و 69 / 263 ، سنن الترمذي 1 : 234 / 130.

3 ـ الكافي 3 : 104 / 3 ، التهذيب 1 : 160 / 459.

4 ـ النهاية : 25.

5 ـ المجموع 2 : 367 ، مغني المحتاج 1 : 217 ، المبسوط للسرخسي 2 : 132 ، شرح فتح القدير 1 : 468 ، المغني 1 : 685 ، الشرح الكبير 1 : 813.

6 ـ صحيح مسلم 1 : 204 / 224 ، سنن النسائي 1 : 87 ـ 88 ، سنن ابن ماجة 1 : 100 / 271 ـ274 ، سنن الدارمي 1 : 175 ، مسند أحمد 2 : 20 و 51 و 73.

٢٧١

وقال بعض علمائنا بجوازه(1) وهو المعتمد ، لإطلاق الأمر بالسجود ، واشتراط الطهارة ينافيه ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا قرئ شيء من العزائم الأربع وسمعتها فاسجد وإن كنت على غير وضوء وإن كنت جنباً وإن كانت المرأة لا تصلّي ، وسائر القرآن أنت فيه بالخيار إنّ شئت سجدت وإن شئت لم تسجد »(2) .

اذا ثبت هذا فإن السجود هنا واجب إذا تلت أو استمعت ، إذ جوازه يستلزم وجوبه ، أما السامع ففي الايجاب عليه نظر ، أقربه العدم ، لأنّ الصادقعليه‌السلام سئل عن رجل سمع السجدة قال : « لا يسجد إلّا أن يكون منصتاً لقراء‌ته مستمعاً »(3) ومراده إسقاط الوجوب لا استحباب السجود ، بل يستحب سواء كان من العزائم أو لا.

وهل يمنع منه الحائض والجنب؟ روايتان : المنع اختاره في النهاية(4) ، لأنّ أبا عبد اللهعليه‌السلام سئل عن الحائض تقرأ القرآن وتسجد السجدة ، إذا سمعت السجدة؟ فقال : « تقرأ ولا تسجد »(5) ، والجوازاختاره في المبسوط(6) لما تقدم في الرواية(7) .

وقال عثمان بن عفان في الحائض تسمع السجدة : تومئ برأسها ، وبه قال سعيد بن المسيب(8) ، وعن الشعبي : يسجد حيث كان وجهه(9) .

__________________

1 ـ هو المحقق في المعتبر : 60.

2 ـ الكافي 3 : 318 / 2 ، التهذيب 2 : 291 / 1171.

3 ـ الكافي 3 : 318 / 3 ، التهذيب 2 : 291 / 1169.

4 ـ النهاية : 25.

5 ـ التهذيب 2 : 292 / 1172 ، الاستبصار 1 : 320 / 1193.

6 ـ المبسوط للطوسي 1 : 114.

7 ـ الكافي 3 : 318 / 2 ، التهذيب 2 : 291 / 1171.

8 ـ المغني 1 : 685 ، الشرح الكبير 1 : 813.

9 ـ المغني 1 : 685 ، الشرح الكبير 1 : 813.

٢٧٢

تذنيب : لو سمع السجود وهو على غير طهارة لم يلزمه الوضوء ولا التيمم ـ وبه قال أحمد(1) ـ لأنّا قد بيّنا أن الطهارة ليست شرطاً.

و احتج أحمد بأنها تتعلق بسبب فإذا فات لم يسجد ، كما لو قرأ سجدة في الصلاة فلم يسجد لم يسجد بعدها.

وقال النخعي : يتيمم ويسجد ، وعنه : يتوضأ ويسجد ، وبه قال الثوري وإسحاق وأصحاب الرأي(2) .

قال أحمد : فإذا توضأ لم يسجد لأنّه فات سببها(3) .

ولا يتيمم لها مع وجود الماء ، لأنّ شرطه فقدان الماء ، وإن كان عادماً للماء فتيمم فله أن يسجد إذا لم يطل ، لأنّه لم يفت سببها ولم يفت محلهابخلاف الوضوء.

العاشر : يكره لها الخضاب ، ذهب إليه علماؤنا أجمع لقول الصادقعليه‌السلام : « لا تختضب الحائض ولا الجنب »(4) ، وليس للتحريم ، لأنّ أبا إبراهيمعليه‌السلام سئل تختضب المرأة وهي طامث؟ فقال : نعم(5) .

ولا بأس أن تكون مختضبة ثم يجيئها الحيض ، بأن تختضب قبل عادتها.

مسألة 85 : إذا حاضت بعد دخول الوقت وأهملت الصلاة مع القدرة

____________

1 ـ المغني 1 : 686 ، الشرح الكبير 1 : 813.

2 ـ المبسوط للسرخسي 2 : 4 ، المغني 1 : 686 ، الشرح الكبير 1 : 813.

3 ـ المغني 1 : 686 ، الشرح الكبير 1 : 814.

4 ـ التهذيب 1 : 182 / 521 ، الاستبصار 1 : 116 / 388.

5 ـ الكافي 3 : 109 / 2 ، التهذيب 1 : 182 / 523.

٢٧٣

واتساع الوقت لها وللطهارة وجب عليها القضاء ، وإن كان قبل ذلك لم يجب.

وإن طهرت في أثناء الوقت ، فإن بقي مقدار الطهارة وأداء ركعة وجب الأداء ، فإن لم تفعل وجب القضاء ، وإن كان أقل لم يجب بل يستحب ، وسيأتي البحث في ذلك إنّ شاء الله تعالى.

مسألة 86 : وغسل الحائض كغسل الجنابة ، تبدأ بالرأس ثم بالجانب الأيمن ثم الأيسر ، ويكفي الارتماس ، نعم لا بدّ فيه من الوضوء ، سئل الصادقعليه‌السلام عن الحائض عليها غسل مثل غسل الجنابة؟ قال : « نعم »(1) .

ويجب فيه النيّة لأنّه عبادة فيفتقر فيه إلى النيّة واستدامة حكمها ، ولاتجب الموالاة ، بل الترتيب.

ويجب استيعاب الجسد بما يسمى غسلاً ، لقول الباقرعليه‌السلام : « الحائض ما بلغ بلل الماء من شعرها أجزأه »(2) ويستحب فيه المضمضة والاستنشاق.

فروع :

أ ـ لا تجب نيّة السبب ، بل تكفي نيّة رفع الحدث أو الاستباحة ، ولا فرق بين أن تقدم الوضوء أو تؤخره ، خلافاً لبعض علمائنا ، حيث أوجب نيّة الاستباحة في المتأخر(3) .

ب ـ لو اجتمع الحيض والجنابة لم يجز لها الغُسل إلّا بعد انقطاع دم

__________________

1 ـ التهذيب 1 : 106 / 274 ، الاستبصار 1 : 98 / 317.

2 ـ الكافي 3 : 82 / 4 ، التهذيب 1 : 400 / 1249 ، الاستبصار 1 : 148 / 508.

3 ـ هو ابن ادريس في السرائر : 29.

٢٧٤

الحيض ، لا للجنابة ولا للحيض فإذا انقطع اغتسلت فإن نوت رفع حدث الجنابة ارتفع الحدثان ، وإن نوت رفع حدث الحيض ، فإن ضمت الوضوء احتمل رفع حدث الجنابة أيضاً ، لتسويغ الصلاة عندهما ، وعدمه لقصور غسل الحيض عن رفعه ، وإن نوت رفع الحدث مطلقاًً فالأقرب الاجزأ من غير وضوء.

ج ـ عرق الحائض طاهر إذا لم يُلاق النجاسة ، وكذا المائعات التي تباشرها ، لأنّ الصادقعليه‌السلام سئل عن الحائض تناول الرجل الماء؟ فقال : « كان نساء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسكب عليه الماء وهي حائض »(1) . وسئل الصادقعليه‌السلام عن الحائض تعرق في ثيابها أتصلي فيها قبل أن تغسلها؟ فقال : « نعم لا بأس به »(2) .

مسألة 87 : ذات العادة تترك الصلاة والصوم برؤية الدم في عادتها بإجماع العلماء فإن المعتاد كالمتيقن ، وسئل الصادقعليه‌السلام عن المرأة ترى الصفرة في أيامها ، قال : « لا تصلّي حتى تنقضي أيامها »(3) .

أما المبتدأة والمضطربة ففيهما قولان ، قال الشيخ في المبسوط : أول ما ترى المرأة الدم ينبغي أن تترك الصلاة والصوم ، فإن استمر ثلاثة قطعت بأنه حيض ، وان انقطع قبل الثلاثة فليس بحيض ، وتقضي ما تركته من صلاة وصيام(4) ، لقول الصادقعليه‌السلام : « أي ساعة رأت الصائمة الدم تفطر »(5) وبه قال الشافعي(6) .

____________

1 ـ الكافي 3 : 110 / 1 ، التهذيب 1 : 397 / 1238.

2 ـ التهذيب 1 : 269 / 793 ، الاستبصار 1 : 186 / 649.

3 ـ الكافي 3 : 78 / 1 ، التهذيب 1 : 396 / 1230.

4 ـ المبسوط للطوسي 1 : 42.

5 ـ التهذيب 1 : 394 / 1218 ، الاستبصار 1 : 146 / 499.

6 ـ الوجيز 1 : 26 ، فتح العزيز 2 : 456.

٢٧٥

وقال المرتضى في المصباح : الجارية التي يبدأ بها الحيض ولا عادة لها لا تترك الصلاة حتى تستمر ثلاثة أيام(1) ، وهو أقوى ، احتياطاًً للعبادة الثابتة في الذمة بيقين ، ولم يحصل يقين المسقط ، والحديث نقول بموجبه ، فإنه محمول على ذات العادة ، إذ المراد بالدم هو دم الحيض ، ولا تعلم أنّه حيض إلّا في العادة ، وهو قول آخر للشافعي(2) .

مسألة 88 : ذهب علماؤنا إلى أن المرأة تستظهر بعد عادتها ـ وبه قال مالك(3) ـ لقول الباقرعليه‌السلام في الحائض : « إذا رأت دما بعد أيامها التي كانت ترى الدم فيها فلتقعد عن الصلاة يوماً أو يومين ، ثم تمسك قطنة فانصبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل ، ويصيب منها زوجها إنّ أحب ، وحلت لها الصلاة »(4) وعن الرضاعليه‌السلام قال : « الحائض تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة »(5) .

وقال الشافعي : اذا مضى زمان حيضها فعليها أن تغتسل في الحال(6) ، ولا يجوز لها ان تتوقف زماناً تطلب فيه ظهور حالها ويتحقق طهرها إذ لو كانت تتوقف لتوقفت إلى أن يتمّ لها مدة اكثر الحيض ، كالمبتدأة إذا استمر بها الدم ، ولمّا لم يجز لها أن تنتظر تمام المدة ثبت أن الانتظار غير جائز. والملازمة ممنوعة لغلبة الظن بزيادة الحيض يوماً أو يومين ، على أنّا نمنع بطلان اللازم على مذهب المرتضى ، وسيأتي.

__________________

1 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 56.

2 ـ فتح العزيز 2 : 456.

3 ـ بُلغة السالك 1 : 79 ، بداية المجتهد 1 : 52 ، حلية العلماء 1 : 225.

4 ـ المعتبر : 57.

5 ـ التهذيب 1 : 171 / 489 ، الاستبصار 1 : 149 / 514.

6 ـ المجموع 2 : 543.

٢٧٦

فروع :

أ ـ الاستظهار إنّما يكون مع وجود الدم ، فإذا انقطع أدخلت المرأة قطنة ، فإن خرجت ملوثة بالدم فهي بعد حائض ، وإن خرجت نقية فقدطهرت ، تغتسل وتُصلّي من غير استظهار.

ب ـ إنّما يكون الاستظهار لو قلت العادة من العشرة ، أما اذا كانت العشرة فلا استظهار ، إذ لا حيض بعدها.

ج‍ ـ يشترط في الاستظهار أن لا يزيد عن أكثر الحيض ، فلو كانت عادتها تسعة لم تستظهر بيومين ، بل بيوم واحد.

د ـ اختلف علماؤنا في قدر الاستظهار ، قال الشيخ في النهاية : تستظهر بيوم أو يومين ، وبه قال ابن بابويه والمفيد(1) ، وفي الجمل : تصبر حتى تنقى(2) .

وقال المرتضى : تستظهر عند استمرار الدم إلى عشرة أيام ، فإن استمر عملت ما تعمله المستحاضة(3) .

والأول أقرب ، لما تقدم من قول الباقرعليه‌السلام : « فلتقعد عن الصلاة يوماً أو يومين »(4) وقال الرضاعليه‌السلام : « الحائض تستظهر بيوم أو يومين »(5) .

واحتجاج المرتضى بقول الصادقعليه‌السلام : « ان كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة »(6) ضعيف السند.

__________________

1 ـ النهاية : 24 ، أحكام النساء للمفيد : 7 ، المقنع : 16 وفيه : استظهرت بثلاثة أيام.

2 ـ الجمل والعقود للطوسي : 163.

3 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 57.

4 ـ هو المحقق في المعتبر : 57.

5 ـ التهذيب 1 : 171 / 489 ، الاستبصار 1 : 149 / 514.

6 ـ التهذيب 1 : 172 / 493 ، الاستبصار 1 : 150 / 517.

٢٧٧

هـ ـ ظاهر كلام الشيخ والمرتضى(1) أن الاستظهار على سبيل الوجوب ، إذ المقتضي كونها أيام الحيض فتحرم العبادة ، ويحتمل الاستحباب ، والمقتضي احتمال الحيض ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « المستحاضة إذا مضت أيام أقرائها اغتسلت واحتشت وتوضأت وصلّت »(2) .

و ـ إذا انقطع الدم لدون عشرة فعليها الاستبراء بالقطنة ـ ولا يجب لو انقطع للعشره لأنّها مدة الحيض ـ فإن خرجت نقية اغتسلت ، وإن كانت متلطخة ، فإن كانت مبتدأة صبرت حتى تنقى ، أو تمضي عشرة أيام.

وذات العادة تغتسل بعد يوم أو يومين كما تقدم لقول الباقرعليها‌السلام : « فإن خرج الدم لم تطهر ، وإن لم يخرج فقد طهرت »(3) فإن استمر إلى العاشر وانقطع قضت ما فعلته من الصيام لتحقق انه صادف أيام الحيض ، وإن تجاوز أجزأها ما فعلته لأنّه صادف أيام الطهر.

ز ـ لو رأت الدم ثلاثة أيام ثم انقطع فهو دم حيض لحصول شرائطه ، فإن رأت قبل العاشر وانقطع عليه فالجميع حيض ، وكذا أيام النقاء المتخللة بين الدمين ، إذ لا يكون الطُهر أقل من عشرة أيام ، ولو تجاوز العشرة فهي مستحاضة وسيأتي حكمها ، ولو تأخر بمقدار عشرة أيام ثم جاء الدم كان الأول حيضاً منفردا ، والثاني يمكن أن يكون حيضاً مستأنفاً ان استمر ثلاثة فمازاد إلى العاشر ثم انقطع فهو حيض ، وإن قصر عن ثلاثة فليس بحيض.

__________________

1 ـ النهاية : 24 ، وأما قول المرتضى فحكاه المحقق في المعتبر : 57.

2 ـ التهذيب 1 : 402 / 1258.

3 ـ التهذيب 1 : 161 / 462 وفيه عن الامام الصادقعليه‌السلام .

٢٧٨

الفصل الثالث : في المستحاضة

و فيه مطلبان :

الأول : في أحكامها.

مسألة 89 : دم الاستحاضة في الأغلب أصفر بارد رقيق ، لقول الصادقعليه‌السلام : « إنّ دم الحيض حار عبيط أسود له دفع ، ودم الاستحاضة أصفر بارد »(1) وقد يتفق الأصفر حيضاً كما لو وجد في أيام الحيض ، وكذا قد يوجد دم الاستحاضة أسوداً حاراً عبيطاً إذا كان بعد أيام الحيض ، وأكثر أيام النفاس ، وبعد اليأس ، لما تقدم من أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض وفي أيام الطُهر طهر.

مسألة 90 : دم الاستحاضة إن كان قليلاً ـ وهو أن يظهر على القطنة كرؤوس الابر ولا يغمسها ـ وجب عليها تغيير القطنة والوضوء لكلّ صلاة ، ذهب إليه أكثر علمائنا(2) ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المستحاضة : ( تدع الصلاة أيام أقرائها ، ثم تغتسل ، وتصوم وتُصلّي ، وتتوضأ عند كلّ صلاة )(3) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام عن المستحاضة : « وان

__________________

1 ـ الكافي 3 : 91 / 1 ، التهذيب 1 : 151 / 429.

2 ـ منهم المفيد في المقنعة : 7 ، والسيد المرتضى في الناصريات : 244 مسألة 45 ، والشيخ الطوسي في المبسوط 1 : 67.

3 ـ سنن الدارمي 1 : 202 ، سنن الترمذي 1 : 220 / 126.

٢٧٩

كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت ، ودخلت المسجد ، وصلّت كلّ صلاة بوضوء »(1) وأما القطنة فلأنّها نجسة يمكن الاحتراز منها فوجب.

قال الشيخ : وتغيير الخرقة(2) ، وفيه نظر ، إذ لا موجب له لعدم وصول الدم إليها.

وقال ابن أبي عقيل منّا : لا يجب في هذه الحالة وضوء ولا غسل(3) ، وبه قال مالك(4) .

وقال أبو حنيفة : تتوضأ لوقت كلّ صلاة(5) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( المستحاضة تتوضأ لوقت كلّ صلاة )(6) وروايتنا أرجح لأنّها مفسرة لا إجمال فيها.

وقال الشافعي في أحد قوليه : يجب على المستحاضة الغُسل لكلّ صلاة من غير وضوء(7) ، ورواه الجمهور عن عليعليه‌السلام ، وابن عمر ، وابن عباس وابن الزبير(8) ، لأنّ ام حبيبة استحيضت فسألت النبيّ صلّى الله

__________________

1 ـ الكافي 3 : 89 / 2 ، التهذيب 1 : 107 / 277.

2 ـ المبسوط للطوسي 1 : 67.

3 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 64.

4 ـ بداية المجتهد 1 : 60 ، تفسير القرطبي 3 : 85 ، المحلى 1 : 253 ، المجموع 2 : 535 ، المغني 1 : 389 ، الشرح الكبير 1 : 389 ، عمدة القارئ 3 : 277.

5 ـ المبسوط للسرخسي 2 : 17 ، الهداية للمرغيناني 1 : 32 ، شرح العناية 1 : 159 ، اللباب 1 : 46 ، سبل السلام 1 : 99 ، المحلى 1 : 253 ، فتح العزيز 2 : 437.

6 ـ اُنظر سنن البيهقي 1 : 344 ، سنن الترمذي 1 : 218 / 125.

7 ـ المغني 1 : 408 ، الشرح الكبير 1 : 399.

8 ـ المغني 1 : 408 ، الشرح الكبير 1 : 399 ، المجموع 2 : 536 ، عمدة القارئ 3 : 277 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 390 ، واُنظر سنن الدارمي 1 : 220 و 221 و 224.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402