الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١١

الغدير في الكتاب والسنة والأدب14%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 402

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 402 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 159779 / تحميل: 3935
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١١

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

الفصل العاشر

أم البنين وثورة عاشوراء

١٤١

أم البنين عليها‌السلام

ورحيل الحسين عليه‌السلام عن المدينة

لما دخل الامام الحسين عليه‌السلام على الوليد نعى اليه معاوية فاسترجع الامام.

قال له: لماذا دعوتني؟

قال: دعوتك للبيعة.

فطلب منه الامام تأجيل البيعة قائلاً: إنّ مثلي لا يبايع سراً ولا يجتزىء بها مني سراً، فاذا خرجت إلى الناس ودعوتهم للبيعة دعوتنا معهم كان الأمر واحداً...

لقد أراد الامام أن يعلن رأيه أمام الجماهير في رفضه البيعة ليزيد، وعرف مروان قصده فصاح بالوليد:

ولئن فارقك - يعني الحسين عليه‌السلام - الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتى تكثر القتلى بينكم وبينه، إحبسه فان بايع وإلّا ضربت عنقه.

ووثب أبي الضيم كالأسد فقال للوزغ ابن الوزغ:

يا ابن الزرقاء أأنت تقتلني أم هو؟ كذبت والله ولؤمت (1) .

__________________

(1) تاريخ ابن الاثير 3 / 264.

١٤٢

وأقبل على الوليد فأخبره عن عزمه وتصميمه على رفضه الكامل للبيعة ليزيد قائلاً: أيّها الأمير إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحل الرحمة، بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، وقاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون، أينا أحقّ بالخلافة والبيعة... (1) .

وبعد ما أعلن الامام رفضه الكامل لبيعة الطاغية يزيد عزم على مغادرة يثرب (2) .

روى عبد الله بن سنان الكوفي عن أبيه عن جدّه قال: خرجت بكتاب أهل الكوفة إلى الحسين عليه‌السلام ، وهو يومئذٍ بالمدينة، فأتيته فقرأه فعرف معناه فقال: انظرني إلى ثلاثة أيام، فبقيت في المدينة، ثم تبعته إلى أن صار عزمه بالتوجه إلى العراق، فقلت في نفسي: أمضي وأنظر إلى ملك الحجاز كيف يركب؟ وكيف جلالته وشأنه؟

فأتيت إلى باب داره فرأيت الخيل مسرجة والرجال واقفين والحسين عليه‌السلام جالس على كرسي وبنو هاشم حافون به، وهو بينهم كأنه البدر ليلة تمامه وكماله، ورأيت نحواً من أربعين محملاً، وقد زينت المحامل بملابس الحرير والديباج.

قال: فعند ذلك أمر الحسين عليه‌السلام بني هاشم بأن يركبوا محارمهم على المحامل، فبينما أنا انظر وإذا بشاب قد خرج من دار الحسين عليه‌السلام وهو طويل القامة ووجهه كالقمر الطالع، وهو يقول: تنحو يا بني هاشم، وإذا بامرأتين قد خرجتا من الدار وهما تجران أذيالهما على الأرض حياءً من الناس، وقد حفت بهما إماؤها، فتقدم ذلك الشاب إلى محمل من المحامل وجثى على ركبتيه وأخذ بعضديهما وأركبهما المحمل.

فسألت بعض الناس عنهما، فقيل: أما أحدهما فزينب والأخرى أم كلثوم بنتا أمير المؤمنين.

__________________

(1) حياة الامام الحسين 2 / 255.

(2) السيدة زينب (للقرشي): 191.

١٤٣

فقلت: ومن هذا الشاب؟

فقيل لي: هو قمر بني هاشم العباس ابن أمير المؤمنين.

ثم رأيت بنتين صغيرتين كأنّ الله - تعالى - لم يخلق مثلهما، فجعل واحدة مع زينب والأخرى مع أم كلثوم، فسألت عنهما، فقيل لي: هما سكينة وفاطمة بنتا الحسين عليه‌السلام .

ثم خرج غلام آخر كأنه البدر الطالع ومعه امرأة وقد حفت بها إماؤها، فأركبها ذلك الغلام المحمل، فسألت عنها وعن الغلام، فقيل لي: أما الغلام فهو علي الأكبر ابن الحسين عليه‌السلام والامرأة أمه ليلى زوجة الحسين عليه‌السلام .

ثم خرج غلام وجهه كفلقة القمر ومعه امرأة، فسألت عنها فقيل لي: أما الغلام فهو القاسم بن الحسن المجتبى والامرأة أمه.

ثم خرج شاب آخر وهو يقول: تنحوا عني يا بني هاشم، تنحو عن حرم أبي عبد الله، فتنحى عنه بنو هاشم، وإذا قد خرجت امرأة من الدار وعليها آثار الملوك وهي تمشي على سكينة ووقار، وقد حفت بها إماؤها، فسألت عنها، فقيل لي: أما الشاب فهو زين العابدين ابن الامام وأمّا الامرأة فهي أمه شاه زنان بنت الملك كسرى زوجة الامام، فأتى بها وأركبها على المحمل.

ثم أركبوا بقية الحرم والأطفال على المحامل، فلما تكاملوا نادى الامام عليه‌السلام :

أين أخي؟ أين كبش كتيبتي؟ أين قمر بني هاشم؟

فأجابه العباس: لبيك لبيك يا سيدي.

ففقال له الامام عليه‌السلام : قدّم لي يا أخي جوادي.

فأتى العباس عليه‌السلام بالجواد اليه، وقد حفت به بنو هاشم، فأخذ العباس بركاب الفرس حتى ركب الامام.

ثم ركب بنو هاشم وركب العباس وحمل الراية أمام الامام.

١٤٤

قال: فصاح أهل المدينة صيحة واحة وعلت أصوات بني هاشم بالبكاء والنحيب وقالوا: الوداع.. الوداع، الفراق.. الفراق.

فقال العباس: هذا والله يوم الفراق والملتقي يوم القيامة.

ثم صاروا قاصدين كربلاء مع عياله وجميع أولاده ذكوراً وإناثاً إلا ابنته فاطمة الصغرى، فانها كانت مريضة (1) .

وكأني بأم البنين عليها‌السلام تشهد هذا الموقف الذي تتألم له صم الصخور، وهي تودع ريحانة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وحرمه وابناءها البررة، وتوصي أولادها بأخواتهم وسيدهم ومولاهم الحسين عليه‌السلام ، وتقول لهم: كونوا فداءً لسيدكم وكونوا له عيناً ودرعاً، واجعلوا قلوبكم دروعكم للدفاع عنه وعن حرمه، ولا تقصروا في الذبّ عنه، وبيضوا وجهي عند أمه وأبيه وجده وأخيه وعنده.

حوار بين أم البنين عليها‌السلام وبشير:

قال في «اللهوف»: قال الراوي: ثم انفصلوا من كربلاء طالبين المدينة قال بشير بن حذلم: فلما قربنا منها نزل علي بن الحسين فحط رحله وضرب فسطاطه وأنزل نساءه وقال: يا بشر رحم الله أباك لقد كان شاعراً فهل تقدر على شيء منه؟

فقلت: بلى يا ابن رسول الله، إني لشاعر.

فقال عليه‌السلام : ادخل المدينة وانع أبا عبد الله.

قال بشير: فركبت فرسي وركضت حتى دخلت المدينة، فلما بلغت مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رفعت صوتي بالبكاء فأنشأت أقول:

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها

قتل الحسين فأدمعي مدرار

الجسم منه بكربلاء مضرج

والرأس منه على القناة يدار

__________________

(1) معالي السبطين 1 / 221.

١٤٥

قال: ثم قلت: هذا علي بن الحسين عليه‌السلام مع عماته وأخواته قد حلوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم، وأنا رسوله اليكم أعرفكم مكانه.

قال: فما بقيت في المدينة مخدرة ولا محجبة إلّا برزن من خدورهن، مكشوفة شعورهن، مخمشة وجوههن، ضاربات خدودهن، يدعون بالويل والثبور، فلم أر باكياً أكثر من ذلك اليوم، ولا يوماً أمرّ على المسلمين منه (1) .

قال بشير: ورأيت امرأة كبيرة تحمل على عاتقها طفلاً وهي تشق الصفوف نحوي، فلمّا وصلت قالت: يا هذا أخبرني عن سيدي الحسين عليه‌السلام ، فعلمت أنها ذاهلة؛ لأني أنادي «قتل الحسين» وهي تسألني عنه، فسألت عنها، فقيل لي: هذه أم البنين عليها‌السلام ، فأشففت عليها وخفت أن أخبرها بأولادها مرة واحدة.

فقلت لها: عظم الله لك الأجر بولدك عبد الله.

فقالت: ما سألتك عن عبد الله، أخبرني عن الحسين عليه‌السلام .

قال: فقلت لها: عظم الله لك الأجر بولدك عثمان.

فقالت: ما سألتك عن عثمان، أخبرني عن الحسين عليه‌السلام .

قلت لها: عظم الله لك الأجر بولدك جعفر.

قالت: ما سألتك عن جعفر، فانّ ولدي وما أظلته السماء فداءً للحسين عليه‌السلام ، أخبرني عن الحسين عليه‌السلام .

قلت لها: عظم الله لك الأجر بولدك أبي الفضل العباس.

قال بشير: لقد رأيتها وقد وضعت يديها على خاصرتها وسقط الطفل من على عاتقها وقالت: لقد والله قطعت نياط قلبي، أخبرني عن الحسين.

قال: فقلت لها: عظم الله لك الأجر بمصاب مولانا أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام .

__________________

(1) معالي السبطين 2 / 203.

١٤٦

ما أعظم موقفها عليها‌السلام وأعظم مصابها برزية الامام، مما يكشف عن مدى إيمانها ورسوخ اعتقادها وولاءها الوثيق وحبها الذي يوصف للحسين عليه‌السلام ، ولطالما كانت تقول: ليت أولادي جميعاً قتلوا وعاد أبو عبد الله الحسين عليه‌السلام سالماً.

إنّ شدة حبها للحسين يكشف عن علو مرتبتها في الايمان وقوة معرفتها بمقام الامامة بحيث تستسهل شهادة أولادها الأربعة - وهم لا نظير لهم أبداً - في سبيل الدفاع عن إمام زمانها (1) .

قال السيد محمد كاظم الكفائي:

أم على أشبالها أربع

جاءت لبشر وبه تستعين

وتحمل الطفل على كتفها

تستهدي فيه خبر القادمين

ملهوفة مما بها من أسى

ترى بذاك الجمع شيئاً دفين

فقال يا أم ارجعي للخبا

وابكي بنيك قتلوا أجمعين

فما انئنت وما بكت أمهم

وخاب منه ظنه باليقين

كأنهم الطود وما زلزلت

وحق أن تجري لهم دمع عين

فقال يا أم البنين اعلمي

بأن عباساً قتيلاً طعين

قالت طعنت القلب مني فقل

النفس والدنيا وكل البنين

نمضي جميعاً كلنا للفنا

نكون قرباناً فدىً للحسين

فقال يا أم البنين البسي

ثوب حداد الحزن لا تنزعين (2)

لقاء أم البنين عليها‌السلام مع زينب الكبرى عليها‌السلام :

كانت أم البنين عليها‌السلام من النساء الفاضلات العارفات بحقّ أهل البيت عليهم‌السلام مخلصة

__________________

(1) أنظر: تنقيح المقال 3 / 70.

(2) أم البنين للسيد الكفائي: 82.

١٤٧

في ولائهم ممحضة في مودتهم، ولها عندهم الجاء الوجيه والمحل الرفيع، وقد زادتها زينب الكبرى بعد وصولها المدينة تعزيها بأولادها الأربعة كما كانت تزورها أيام العيد (1) .

ويقال: لمّا دخل بشير إلى المدينة ناعياً الحسين عليه‌السلام وخرج الرجال والنساء وخرجت من جملتهن أم البنين، فلما سمعت بقتل الحسين عليه‌السلام خرّت مغشياً عليها، وحبى عائلة الحسين عليه‌السلام إلى المنازل، فقالت زينب عليها‌السلام : لا أريد أحداً يدخل عليّ في هذا اليوم إلّا من فقدت لها عزيزاً في كربلاء، وجلست في منزلها وجعلت فضة على الباب.

فلما أفاقت أم البنين عليها‌السلام من غشيتها سألت عن الحوراء زينب وعن العائلة فأخبروها بذلك، فبينما هنّ في البكاء والعويل وإذا بالباب تطرق.

فقالت فضة: من بالباب فانّ سيدتي زينب لا تريد أحداً يدخل عليها إلّا من فقدت لها عزيزاً في كربلاء.

فقالت: قولي لسيدتك زينب إنّي شريكتها في هذا العزاء وأريد أن أدخل عليها لأساعدها فاني مثلها في المصاب.

فلما أخبرت فضة زينب قالت: سليها من هي التي تكون مثلي في المصاب، ثم قالت: إن صدق ظني فانها أم البنين عليها‌السلام .

فرجعت فضة وقالت لها: تقول سيدتي من أنت التي مثلها في المصاب؟

قالت: إني الثاكلة أم المصيبة العظمى.

قالت: أوضحي لي؟

قالت: الحزينة صاحبة الفاجعة الكبرى.

قالت: أوضحي لي من تكونين؟

__________________

(1) العباس عليه‌السلام (للمقرم): 72.

١٤٨

قالت: أو ما عرفتني، إنّي أم البنين عليها‌السلام .

فقالت فضة: لقد صدقت سيدتي في ظنها وإنّك - والله - كما تقولين، أم المصيبة العظمى والفاجعة الكبرى، ثم فتحت لها الباب.

فلمّا دخلت استقبلتها زينب واعتنقتها وبكت وقالت: عظم الله لك الأجر في أولادك الأربعة.

قالت: وأنت عظم الله لك الأجر في الحسين عليه‌السلام وفيهم، وبكت وبكى من كان حاضراً (1) .

أم البنين تندب أبناءها:

روى أحمد بن عيسى عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام مسنداً قال: إنّ زيد بن رقاد الجهني وحكيم بن الطفيل الطائي، قتلا العباس بن علي.

وقال أبو الفرج الاصفهاني: وكانت أم البنين عليها‌السلام أم هؤلاء الأربعة الاخوة القتلى تخرج إلى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرها فيجتمع الناس اليها يسمعون منها، فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي (2) (3) .

__________________

(1) مولد العباس لمحمد علي الناصري: 44.

(2) لقد كانت ندبة أم البنين عليها‌السلام مشجية «صم الصخور لهولها تتألم» ولكن ذلك لا يعني أبداً أن يرقّ قلب الوزغ ابن الوزغ مروان ابن الحكم، فقد يستفاد من قول أبي الفرج أن ندبة أم البنين كانت محرقة للقلوب بحيث تأثر بها مروان على قساوته إلّا أن هذا مما لا يمكن تصويره في حق هذا اللعين، وهو الذي حارب أهل البيت عليهم‌السلام ولم يفتر عن حربهم لحظة من عمره المشؤوم، وهو الذي ألّب عليهم وحرض وكاد لهم أحياءً وأمواتاً، وهو المتشفي بقتل الحسين عليه‌السلام وقد أظهر الفرح والشماته بقوله لما نظر إلى رأس الحسين عليه‌السلام :

يا حبذا بردك في اليدين

ولونك الأحمر في الخدين

كأنه بات بعسجدين

شفيت نفسي من دم الحسين

(3) مقاتل الطالبيين: 90 ذيل ترجمة العباس عليه‌السلام .

١٤٩

وقال العلامة السماوي في «إبصار العين»: وقد كانت تخرج إلى البقيع كلّ يوم ترثيه وتحمل ولده عبيد الله فيجتمع لسماع رثائها أهل المدينة، وفيهم مروان بن الحكم، فيبكون لشجى الندبة، وكان من قولها عليها‌السلام :

يا من رأى العباس كر

على جماهير النقد

ووراه من أبناء حيدر

كل ليث ذي لبد

انبئت أن ابني أصيب

برأسه مقطوع يد

ولي على شبلي أما

ل برأسه ضرب العمد

ولو كان سيفك في يد

يك لما دنا منه أحد

وقولها عليها‌السلام :

لا تدعوني ويك أم البنين

تذكريني بليوث العرين

كانت بنون لي ادعى بهم

واليوم أصبحت ولا من بنين

أربعة مثل نسور الربى

قد واصلوا الموت بقطع الوتين

تنازع الخرصان أشلائهم

فكلهم أمسى صريعاً طعين

يا ليت شعري أكما أخبروا

بان عباساً قطيع اليمين (1)

أم البنين تحيي ذكرى عاشوراء:

كانت أم البنين من النساء الفاضلات العارفات بزمانها والعارفات بحقّ أهل البيت عليهم‌السلام ، كما كانت فصيحة لسنة ورعة، وكانت ممن حمى حريم الحسين، وأقامة العزاء عليه لتشارك في حفظ ثورته والوفاء لدمه الذي سكن الخلد، وتشكل حلقة مهمة في امتداد الثورة، وتكون صوتاً للحنجرة المقدسة التي قطعت.

وقد اتخذت من أسلوب الندبة والنياحة سبيلاً للنداء بمظلومية الحسين

__________________

(1) إبصار العين: 31 - 32.

١٥٠

وآل البيت عليهم‌السلام فكانت - كما مر قبل قليل - تحمل عبيد الله بن العباس وتخرج إلى البقيع تقيم المآتم على قتيل العبرات، وتندب أولادها أشجى ندبة، وتتمنى لو كان الحسين حياً وتموت هي وأولادها ومن على الأرض فداءً له، وكانت تتوخى من وراء ذلك:

1 - إقامة المآتم على سيد الشهداء وريحانة الرسول وتعظيم شعائر الله.

2 - تعلن للملأ عن شجاعة الحسين وأولادها ومظلوميتهم وتفخر بهم على التاريخ.

3 - تشرح أحداث كربلاء وما وقع فيها من ظلامات لآل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وفجائع يخجل منها كل مخلوق، وتصيغ ذلك بأسلوب الندبة العاطفي، وتعلن بذلك عن اعتراضها على الوضع القائم وحكومة الطاغوت.

4 - تفضح الحكام الظلمة الذين تسلطوا على مقدرات الأمة وحاولوا تضليل الناس، وقلب الحقائق على مرّ التاريخ، فكانت أم البنين عليها‌السلام تبين الحق والحقيقة من خلال ذلك.

5 - تحرض الناس ضد بني أمية وأذنابهم وتطالب بدماء الأحراء من آل البيت عليهم‌السلام .

6 - وكانت تخرج إلى البقيع - مع أن قبر العباس وأخوته في كربلاء - ليجتمع الناس هناك ويتذكرون مظالم الحسن وريحانة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الصديقة الطاهرة وتعيد لهم ذكرياتهم مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هناك وتذكرهم بمواقف المسلمين في صدر الاسلام في الذبّ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد ضمتهم الآن هذه المقبرة المقدسة.

7 - وكانت تحمل معها عبيد الله بن العباس - حفيدها - باعتباره كان موجوداً في يوم الطف فهو شاهد عيان ودليل وبرهان حي يروي لهم ولمن سيأتي من الأجيال ويجتمع له أترابه والكبار والصغار....

١٥١

لقد ساهمت أم البنين عليها‌السلام في إبلاغ خطاب عاشوراء إلى المجتمع المعاصر لها وأبلغت مسامع الايام ليتردد صوتها إلى جانب صوت أم المصائب زينب عليها‌السلام حينما وقفت كالطود الشامخ لا تحركه العواصف لتحمي ثورة الحسين عليه‌السلام ، وتحفظ الحق ورسالة التوحيد على طول خط التاريخ.

* * *

١٥٢

الفصل

الحادي عشر

التوسل بأم البنين عليها‌السلام

١٥٣

التوسل بأم البنين عليها‌السلام

من سنن الله الجارية في أوليائه ( وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ) (1) إكرامهم باظهار ما لهم من الكرامة عليه والزلفى منه، وذلك غير ما ادخره لهم من المثوبات الجزيلة في الآجلة، تقديراً لعملهم واصحاراً بحقيقة أمرهم ومبلغ نفوسهم من القوة وحثاً للملأ على اقتفاء آثارهم في الطاعة، ومهما كان العبد يخفى الصالحات من أعماله فالمولى سبحانه يراغم ذلك الاخفاء باشهار فضله، كما يقتضيه لطفه الشامل ورحمته الواسعة وبرّه المتواصل، وأنّه جلت آلاؤه يظهر الجميل من أفعال العباد ويزوي القبيح رأفة منه وحناناً عليهم.

ومن هذا الباب ما نجده على مشاهد المقربين وقباب المستشهدين في سبيل الله من آثار العظمة وآيات الجلال من إنجاح المتوسل بهم اليه - تعالى شأنه - وإجابة الدعوات تحت قبابهم المقدسة، وإزالة المثلات ببركاتهم، وتتأكد الحالة إذا كان المشهد لأحد المنتسبين للبيت النبوي؛ لأنه جلت حكمته ذرأ العالمين لأجلهم؛ ولان يعرفوا مكانتهم فيحتذوا أمثالهم في الأحاكم والأخلاق، فكان من المحتم في باب لطفه وكرمه - عظمت نعمه - أن يصحر الناس بفضلهم الظاهر.

__________________

(1) سورة فاطر: 43.

١٥٤

ومن المنتسبين إلى ذلك البيت الطاهر الذي أذن الله أن يرفع فيه اسمه «أم البنين عليها‌السلام »، فانها في الطليعة من أولئك الذين بذلوا في الله ما عزّ لديهم وهان حتى اتصلت النوبة إلى أولادها وفلذة كبدها، بل أذهبت نفسها في زفراتها الحارة على الحسين وآله عليهم‌السلام ، فكان ذلك كلّه نصب عينه - تعالى ذكره - فأجرى الله سنته الجارية في الصديقين فيها بأجلى مظاهرها؛ ولذلك تجد المؤمنين في أصقاع الأرض يتوسلون بها إلى الله، ويستشفعون بها في حاجاتهم في آناء الليل وأطراف النهار، ويجعلونها باباً من أبواب رحمة الله، فيطرقه أرباب الحوائج من عاف يستمنحه بره، إلى حمى أمنه، إلى أنواع من أهل المقاصد المتنوعة، فينكفأ فلج الفؤاد بنجح طلبيته، قرير العين بكفاية أمره، إلى منتجز باعطاء سؤله، كلّ هذا ليس على الله بعزيز، ولا من المقربين من عباده ببعيد.

توسلوا بأمي أم البنين عليها‌السلام :

يقول المؤلف: حدّث العالم الفقيه آية الله الحاج السيد محمد الحسيني الشيرازي قدس‌سره في تاريخ 27 ذي الحجة الحرام سنة (1416) ضمن حديثه عن عظمة شخصية أبي الفضل العباس عليه‌السلام :

رأى أحد العلماء في عالم المكاشفة قمر بني هاشم أبا الفضل العباس عليه‌السلام وقال له: سيدي إن لي حاجة فبمن أتوسل حتى تقضي حاجتي؟

فأجابه عليه‌السلام : توسل بأمي أم البنين عليها‌السلام .

ونحن نذكر هنا بعض الختومات وآداب التوسل بتلك السيدة المباركة من المجربات التي رويت عن بعض الأساطين:

١٥٥

1 - إهداء الصلوات:

قال المرحوم آية الله الحاج السيد محمود الحسيني الشاهرودي المتوفي في 17 شعبان (394 هـ):

إني أصلّي على محمد وآل محمد مائة مرة وأهديها إلى أم البنين عليها‌السلام فتقضي حاجتي.

2 - نذر الاطعام:

أن ينذر لأم البنين عليها‌السلام ويطعم الفقراء باسم أبي الفضل العباس عليه‌السلام ، وهو من المجربات في قضاء الحوائج.

3 - ختم سورة «يس»:

قراءة سورة «يس» عشرة مرات في أربع أسابيع كالتالي، وهو مؤثر إن شاء الله تعالى:

يقرأها في ليلة الجمعة من الأسبوع الأول ثلاث مرات، وفي ليلة الجمعة من الأسبوع الثاني يقرأ ثلاث، وفي ليلة الجمعة من الأسبوع الثالث يقرأ ثلاث أيضاً، وفي ليلة الجمعة الأخيرة في الأسبوع الرابع يقرأها مرة واحدة ويهديها لأم البنين عليها‌السلام نيابة عن أبي الفضل العباس عليه‌السلام ، فانه ستقضى حاجته إن شاء الله على أتم وجه.

4 - تجهيز من يزور كربلاء نيابة عن أم البنين عليها‌السلام :

حدثني الحاج الشيخ محمود الخليلي في شوال المكرم سنة (1418 هـ) في منزل آية الله السيد شهاب الدين المرعشي النجفي قدس‌سره قال:

إنّ آية الله الحاج السيد محمد الروحاني قدس‌سره كان يتوسل في المهمات والمشاكل المعضلة بأم البنين عليها‌السلام ، وكان توسّله بتلك المخدرة المجللة أن ينذر لله أن

١٥٦

يقضي حاجته ويكشف كربته على أن يبعث إلى كربلاء من يزور هناك نيابة عن أم البنين عليها‌السلام ، ويتحمّل كافة مصروفات سفره.

وأتذكر جيداً أني حظيت في سنة (1383 هـ) بشرف زيارة كربلاء نيابة عن السيدة أم البنين من قبل السيد قدس‌سره فدفع لي مبلغ «نصف دينار» ما يعادل عشرة دراهم، وكانت الأجرة يومها ذهاباً وإياباً تتراوح بين ثلاثة أو أربعة دراهم.

قال أيضاً: ابتلي آية الله الروحاني ذات مرة بألم شديد في سنّه، وكن ألماً مبرحاً لا يطاق، فراجع طبيبه الدكتور الطريحي فلم يجده، فلما اشتد الألم اشتداداً مروعاً نذر لله إن نجّاه من هذا الألم أن يستأجر من يزور كربلاء نيابة عن أم البنين عليها‌السلام في ليلة الجمعة القادمة، فلم تمض لحظات حتى سكن الألم وكأن لم يكن شيئاً، وفي عصر اليوم التالي عاد الالم مجدداً فقال السيد: يبدو أن الطبيب قد حضر، فراجعه فوجده في مطبه، فقلع سنه وارتاح من بلائه، كلّ ذلك ببركة أم البنين عليها‌السلام .

وأضاف الشيخ الخليلي: إنّي علّمت هذا التوسل بهذه الطريقة لكثير من ذوي الحاجات فكان نافعاً في قضاء حوائجهم وكشف كربهم.

5 - إهداء الصلوات للمعصومين وقراءة دعاء التوسل:

ختم مذكور في كتاب «مجموعة علم جعفر» ووقته بعد صلاة الفجر أو بعد صلاة العشاء، والأفضل أن يشرع به في أول الشهر وهو كالتالي:

في اليوم الأول: ألف مرة «اللهم صلّ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم» ويهديخا إلى خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وفي اليوم الثاني: أيضاً ألف مرة على النحو المذكور لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام .

١٥٧

وفي اليوم الثالث: لسيدة النساء فاطمة الزهراء عليها‌السلام .

وفي اليوم الرابع: للامام المجتبى ريحانة الرسول الحسن المظلوم عليه‌السلام .

وهكذا على عدد المعصومين عليهم‌السلام حتى يصل إلى صاحب الأمر والزمان - أرواح العالمين له الفداء -.

وفي اليوم الخامس عشر: أيضاً ألف مرة على النحو المذكور لأبي الفضل العباس عليه‌السلام .

وفي اليوم السادس عشر: لأم البنين عليها‌السلام

وفي اليوم السابع عشر: لزينب الكبرى عليها‌السلام .

وفي اليوم الأخير: بعد أن ينتهي من الصلوات يقرأ الدعاء المعروف المذكور في مفاتيح الجنان وأوله «اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيك نبي الرحمة...».

قال في الكتاب المذكور: نقل لي من أثق به أنّ جماعة التزموا هذا الختم وأدوه جماعة، فلمّا انتهوا منه تشرفوا بزيارة العباس عليه‌السلام فقال لهم: «حاجتكم مقضية».

أقسم الرجل المذكور أيماناً مغلظة قائلاً: كنّا جماعة وقد قضى الله حوائجنا جميعاً والحمد لله (1) .

6 - قراءة الفاتحة لام البنين عليها‌السلام :

مما اشتهر بين الناس سيما من يعرف منهم مقام أم البنين عليها‌السلام ومنزلتها أنّه إذا فقد حاجة وضاعت منه وأراد أن يبحث عنها فانّه يقرأ سورة الفاتحة ويصلي على محمد وآل محمد ويهديها لأم البنين عليها‌السلام ، فانّه يجد ضالته باذن الله، وقد جرب ذلك مراراً.

__________________

(1) استفدنا ذلك من مذكرات السيد مرتضى المجتهدي السيستاني.

١٥٨

7 - إهداء ختمة قرآن لأم البنين عليها‌السلام :

بعث الحاج الشيخ محمد علي إسلامي رسالة إلى «انتشارات مكتب الحسين عليه السالم» بتاريخ ذي الحجة الحرام (1419 هـ) وقال فيها:

«.. إنّي المدعو «محمد علي بن أحمد الاسلامي» حدثت لي معضلة لا يمكن حلّها عادة، وكانت متعلقة بعدة دوائر رسمية، وقد سدّت جميع الأبواب في وجهي، ولم أجد أي حيلة أو سبيل لحلّها، فتوسلت بالسيدة أم البنين عليها‌السلام وقلت لها: سيدتي أُم البنين.. إنّ لك عند الله جاهاً عريضاً وأنا سأختم القرآن الكريم وأهدي ثوابه لروحك المقدسة وفي المقابل توسلي أنت إلى الله في حلّ مشكلتي.

أجل؛ هكذا نذرت وشرعت في تلاوة القرآن الكريم وقبل إتمام الختمة تيسر أُموري كلّها وقضيت حاجتي، فكنت إذا راجعت أي دائرة من الدوائر وجدت السبيل مفتوحة والأُمور ميسرة والوجوه طلقة، وكأن لم يكن شيئاً مذكوراً.

هكذا هي هذه الأُسرة الجليلة شفيعتنا في الدنيا والآخرة.

8 - إهداء زيارة عاشوراء لأم البنين عليها‌السلام :

السيد محمد حسين جعفر زاده عقيد متقاعد يسكن في منطقة «عظيمية» في كرج من ضواحي طهران العاصمة.. أرسل رسالة إلى «مكتب الحسين عليه‌السلام » ذكر فيها كرامة لقمر العشيرة أبي الفضل العباس عليه‌السلام وضمّنها توسلين بأُم البنين عليها‌السلام فقال:

1 - قضيت ثلاثين سنة من عمري في خدمة الجيش في الجمهورية الإسلامية، ومن ثم أحلت على التقاعد، فقدمت لي دعوة من «منظمة الاعلام الاسلامي» أولاً، ومن ثُمَّ من إحدى المراكز الناشطة في المدينة «كرج» لأقوم بتدريس فن قراءة المراثي وإقامة العزاء «ما يسمى عند الناس بالرادود» فقبلت الدعوة وشرعت بالتدريس على بركة الله، وقد كتبت - لحد الآن - أربعة كتب في هذا الفن وقدمتها لخدام المنبر الحسيني.

١٥٩

وفي ذات يوم - وكان اليوم جمعة - كنت مشغولاً بالتدريس وقت الحصر إذ دخل أحد التلاميذ ذاهلاً فاستأذن وقال: إنّ أبي الآن يعالج الموت، وقد تركته في سكراته محتضراً ووجهته إلى القبلة، وجئت لأعتذر اليك عن التأخير وأعود اليه.

فقلت له: اسمع مني سأروي لك حديثاً عن سيدتي فاطمة الزهراء عليها‌السلام فانها قالت: سألت أبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أي ساعة أفضل لاستجابة الدعاء؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : عند الغروب يوم الجمعة.

فنحن ندعو ولكن الأفضل أن تنذر أنت أيضاً نذراً قال: إنّي الآن في حالة من الاضطراب وتشتت البال بحيث لا أدري ماذا أفعل وماذا أنذر، أرجوا أن تنصحني وتعلمني وترشدني إلى ما أفعل؟

فقلت له: إنذر الآن أن تقرأ زيارة عاشوراء عشرة مرات وتهديها لأم البنين عليها‌السلام بقصد شفاء والدك.

فقال: أفعل، ورجع إلى البيت مسرعاً، فلمّا دخل البيت بلغ به العجب غايته، إذ رأى أباه واقفاً في ساحة الدار مشتغلاً بالوضوء والاستعداد لصلاة المغرب، فسأل عن ذلك، فأخبروه أنّه منذ نصف ساعة تقريباً انقطعت عنه الحمى فجأة وأخذ يتماثل إلى الشفاء وبدأت أعراض المرض تزول منه حتى قام قائماً على قدميه.

قال العقيد جعفر زاده:

وها هو ذا الأب حفظه الله يشتغل بالقرب منا يزاول عمله سالماً غانماً.

2 - في يوم 22 رمضان سنة 1420 قالت لي زوجتي: إنّ تحت ابطي غدة بحجم «بيضة»، وبقيت على هذه الحال إلى أن انتهى الشهر الكريم، فراجعنا الطبيب الجراح فأخذ نموذجاً من الغدة وأرسلها إلى ال مختبر لتجرى عليها زراعة وتحليل لتشخيصها، إلّا أنّه لوّح لنا في كلامه إلى أنّها غدة خبيثة، وكانت نظرات العاملين في المختبر تحكى ذلك أيضاً. فتوجهت إلى الأئمة الأطهار وتوسلت بهم

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وترجم السخاوي لأخي المترجم له محمّد بن إبراهيم بن علي وقال: ولد تقريباً سنة ٧٦٥، وتعاني النّظم فبرع فيه، وصنّف في الردِّ علي الزيديّة ( العواصم والقواصم في الذبِّ عن سنّة أبي القاسم ) واختصره في [ الرّوض الباسم عن سنّة أبي القاسم ] و غيره، ذكره التقيّ بن فهد في معجمه وله قوله؟

العلم ميراث النبيِّ كذا أتى

في النصِّ والعلماء هم ورّاثه

فإذا أردت حقيقةً تدري لمن

ورّاثه فكيف ما ميراثه؟

ما ورَّث المختار غير حديثه

فينا وذاك متاعه وأثاثه

قلنا: الحديث وراثه نبويّة

ولكلِّ محدث بدعة أحداثه

مات بصنعاء في المحرم سنة ٨٤٠ وأرَّخه بعضهم في التّي قبلها(١)

____________________

١ - الضوء اللامع ٦: ٢٧٢.

٢٠١

القرن التاسع

_ ٧٦ _

الحسن آل أبى عبد الكريم

فروع قريضي في البديع اُصولُ

بها في المعاني والبيان أصولُ

وصارم فكري لا يفلُّ غراره

ومن دونه العضب الصَّقيل كليلُ

سجيّة نفسي انّها لسخيّةٌ

تميل إلى العلياء حيث تميلُ

ويقتادني صدق الولاء ولي هوىَ

قبول له القلب السَّليم قُبولُ

اُنظّم درّاً في سلوكٍ من العلى

بحسن سلوكٍ هذَّبته فصولُ

فشيّدت من فكري مباني غريزة

مُثابي لها عند الجليل جليلُ

مراثي محبٍّ لامُراءٍ وإنَّها

نُصولٌ بها في الملحدين نَصولُ

بضائعُ ليس المدح فيها بضائعٍ

لعلمي بها أنَّ الجزاء جزيلُ

أحلُّ بها أوج السّعود فإن أحل

سيبقى بها ذكري وليس يحولُ

وأحيي بها ليلي وأجني ثمارها

لعلَّ إلى نيل المراد وصولُ

أقول لنفسي مسعفاً ومسدّداً

وأنشد قلبي مرشداً وأقولُ

فلا تعدلي يا نفس! عن طلب العلى

ويا قلب! لا يثنيك عنه عذولُ

ففي ذروة العلياء فخرٌ وسوددٌ

وعزٌّ ومجدٌّ في الأنام وصولُ

خليليَّ ظهر المجد صعبٌ ركوبه

ولكنّه للعارفين ذلولُ

جميل صفات المرء زهدٌ وعفّةٌ

وأجمل منها ان يُقال: فَضيلُ

فلا رتبةٌ إلّا وللفضل فوقها

مقامٌ منيفٌ في الفخار أثيلُ

فلِلّه عمرٌ ينقضي وقرينه

علومٌ وذكرٌ في الزَّمان جميلُ

زول بنو الدّنيا وإن طال مكثها

وحسن ثناء الذِّكر ليس يزولُ

فيا راقداً في صفو عيشٍ ولذَّةٍ

عن القدَر الجاري عليه غفولُ

إذا خالط الشيب الشّباب وأقبلت

عساكره في العارضين تجولُ

عليك بزاد المتّقين لأنّه

أتاك بشيرٌ منذرٌ ورسولُ

٢٠٢

فلا تذمم الدّنيا إذا هي أدبرت

وإن أقبلت فالحالتان تزولُ

ولا تتركنَّ النفس تتّبع الهوى

تميل وعن سبل الرَّشاد تميلُ

وبالصّبر مُرها ثمَّ عظها فإنّها

لَأمَّارةٌ بالسّوء وهي عجولُ

وخذ من يد الدّنيا الكفاف وصاحب

العفاف فلا مثل العفاف خليلُ

وأقلل من الحرص الذَّميم تعفّفاً

بصبرٍ جميلٍ فالمـُقام قليلُ؟

ألم تر انَّ الدّائرات دوائرٌ

وليس إلى سبل النجاة سبيلُ؟

وللدَّهر سلبٌ سآء بعد مسرَّةٍ

وللخلق إن طال الزّمان رحيلُ

دع القدَر المحتوم يجري بما قضى

به الله والصّبر الجميل جميلُ

وخلِّ عنان الهمِّ إن كنت عاقلاً

فليس يفيد الثّاكلات عويلُ

فكم أفنت الأيّام ملكاً ومالكاً

فزال؟ وملك الله ليس يزولُ

لمن وفت الدّنيا؟ وما زال خطبها

علينا بخيل الحادثات تجولُ

ومن بات منها سالماً من مصابها

وما كفّ منه الكفّ وهو طويلُ؟

مفرِّقة الأخيار بعد اجتماعهم

وإن طاب منها العيش فهي ملولُ

بها النفع ضرٌّ والصَّفاء مكدّرٌ

بها الحلو مرٌّ والعزيز ذليلُ

لهاجرها منها الهنا وهو آهلٌ

ويهلك مهتمٌّ بها وأهيلُ

جُعلت فدا من لا رضوا بنعيمها

ولا دُنّست فيها لهنَّ ذيولُ

ولا علقت كفٌّ لهم بحبالها

ولا غرَّهم فيها خناً ووغولُ

لقد صحبوا فيها كفافاً وعفّةً

وزهداً وتقوىً والجزاء جزيلُ

فهم أهل بيتٍ شرَّف الله قدرهم

على الخلق طرّاً ماجد ورذيلُ(١)

هم الصَّابرون المؤثرون بقوتهم

همُ في النَّدا قبل النِّداء سيولُ

هم الحامدون الشّاكرون لربّهم

همُ للورى يوم النّجاة سبيلُ

هم العالمون العاملون بلا مراً

علومهمُ في العالمين اُصولُ

هم الرّاكعون السّاجدون إذا بدا

ظلامٌ وليل العابدين يطولُ

هم التّائبون العابدون اولو النهى

همُ لقلوب العارفين عقولُ

____________________

١ - بيان للخلق طرا، فهم بين ما جد ورذيل.

٢٠٣

هم الزّاهدون الخاشعون ولم يكن

لهم في جميع العالمين مثيلُ

هم العترة الأطهار آل محمّد

نبيِّ لسان الوحي عنه يقولُ

بشيرٌ نذيرٌ طاهرٌ علمٌ سما

حبيبٌ نجيبٌ شاهدٌ ورسولُ

ومدثِّرٌ مزّمّلٌ متوكّلٌ

على الله لا يثنيه عنه عذولُ

سراجٌ منيرُ فاضلٌ فاصلٌ أتى

بدين له الّذكر المبين دليلُ

له معجزاتٌ أعجزت كلَّ واصفٍ

بها دحض الاشراك وهو مهولُ

وأشرق منها الكون واتّضح الهدى

وعزَّ بها الإسلام وهو ذليلُ

فيا خير مبعوثٍ لأعظم ملّةٍ

وأكرم منعوتٍ نمته اصولُ!

تقاصر عنه المدح عن كلِّ مادحٍ

فماذا عسى فيما أقول أقولُ

لقد قال فيك الله جلّ جلاله

من الحمد مدحاً لم ينله رسولُ

لأنت على خُلق عظيمٍ كفى بها

فماذا عسى بعد الإلـ~ـه نقولُ؟

مدينة علمٍ بابها الصّنو حيدرٌ(١)

ومن غير ذاك الباب ليس دخولُ

إمامٌ برى زند الضّلال وقد روى

زناد الهدى والمشركون ذهولُ

ومولىً له من فوق غارب أحمد(٢)

صعودٌ له للحاسدين نزولُ

تصدَّق بالقرص الشَّعير لسائل(٣)

وردّ عليه القرص وهو أفولُ(٤)

وبايعه في يوم اُحد وخيبر

لها في حدود الحادثات فلولُ

وبيعة « خمّ » والنبيُّ خطيبها

لها في قلوب المشركين نصولُ

وأحمد من فوق الحدائج راقعٌ

يمين عليِّ المرتضى ويقولُ

: ألا فاسمعوا ثمّ ارشدوا كلّ غائب

ويصغي عزيزٌ منكمُ وذليلُ

فمن كنت مولاه فمولاه حيدرٌ

عليٌّ وعن ربِّ السَّماء أقولُ

عليٌّ أمير المؤمنين ومن دعا

سواه بهذا مبطلٌ وجهولُ

____________________

١ - تقدّم ذكر هذه المأثرة فى الجزء السادس صفحة ٦١ - ٨١ ط ٢.

٢ - مرّ حديث هذه الفضيلة فى الجزء السابع ص ٩ - ١٣ ط ١.

٣ - مرّ حديثه فى الجزء الثالث صفحة ١٠٦ - ١١١ ط ٢.

٤ - اسلفنا حديث رد الشمس عليه صلوات الله عليه فى الجزء الثالث صفحة ١٢٦ - ١٤٤ ط ٢.

٢٠٤

فقالوا جميعاً: يا عليُّ بخ بخ

وللقوم داءٌ في القلوب دخيلٌ

فمن مثل مولانا عليِّ الّذي له

محمّد خير المرسلين خليلُ

فيا رافع الإسلام من بعد خفضه

وناصب دين الله حيت يميلُ!

ويا أسد الله الّذي مرّ بأسه

لأعدائه مرّ المذاق وبيلُ!

ويا من له قلب الحوادث خافقٌ

ويا من له صعب الأمور ذلولُ!

نعزّيك بالسّبط الشّهيد فرزؤه

عظيمٌ على أهل السّماء جليلُ

دعته إلى كوفان شرُّ عصابة

عصاة وعن نهج الصّواب عدولُ

فلمّا أتاهم واثقاً بعهودهم

فمالوا وطبع الغادرين يميلُ

وأحقاد بدر أظهروا ثمّ أشهروا

كتائب غدر بالطّفوف تجولُ

أحاطوا وحطّوا بالفرات فلم يكن

لآل رسول الله منه نهولُ

فلمّا رأى المولى الحسين ضلالهم

وقد حان حالٌ لا يكاد يحولُ

فقام إلى أصحابه الغرِّ في الدّجا

يخاطبهم رفقاً بهم ويقولُ

ألا فاذهبوا فالليل قد مدَّ سجفه

ومدَّت له فوق البسيط ذيولُ

كفيتم ووقّيتم بأن تردوا الرَّدى

فما قصدهم إلّا إليَّ يؤلُ

فقام إليه كلُّ ليث غضنفر

كريم جواد بالوفاء فعولُ

فضجّوا جميعاً ثمَّ قالوا: نفوسنا

فداك وبذل النَّفس فيك قليلُ

إذا نحن أسلمناك فرداً إلى العدى

وأنت لنا يوم النجاة سبيلُ

فما عذرنا عند النبيِّ وصنوه

عليّ؟ وماذا للبتول نقولُ؟

فقال: جزيتم كلَّ خير وإنّني

غداً لكمٌ عند الإلـ~ـه وسيلُ

فبادر أصحاب الحسين كأنّهم

جبالٌ ولكن في العطاء سيولُ

اُسود الوغى غاباتهم اُجم الفنا

لهم في متون الصّافنات مقيلُ

كرامٌ لهم بذل النّفوس مواهبٌ

سهامٌ لهم زرق الرِّماح نصولُ

ليوثٌ لها بيض الصّفاح مخالبٌ

غيوثٌ لها حمر الدِّماء سيولُ

ثقالٌ على الأعداء في حومة الوغى

إذا جلَّ خطبٌ في الزَّمان ثقيلُ

فجالوا جلوا كرب الحسين وجاهدوا

بعزم له فوق السّماك حلولُ

٢٠٥

وسمر القنا في الدّارعين شوارعٌ

وللبيض في بيض الكماة صليلُ

وجادوا فجدّ الضرب والطعن فى العدى

بفتك له شمُّ الجبال تزولُ

للبيض شكلٌ في الشواكل مشكلٌ

وللسّمر نفذٌ في الصّدور مهولُ

كأنَّ غمام النقع غيمٌ وبرقه

بريق المواضي والدِّماء سيولُ

وأنصار مولاي الحسين كأنّهم

اُسودٌ لهم دون العرين شبولُ

يجودون بالأرواح وهي عزيزةٌ

وكلُّ بخيل بالحياة ذليلُ

جنوا ثمر العلياء من دوحة المنى

فتمَّ لهم قصدٌ بذاك وسؤلُ

وفازوا وحازوا سبق كلّ فضيلة

وفضل منيل لم ينله مُنيلُ

رأوا الحور كشفاً أيقنوا انّ وصلهم

بدون المنايا ما إليه وصولُ

فجادوا بأرواح لها الموت راحةٌ

وظلٌّ عليها في الجنان ظليلُ

قضوا إذ قضوا حقّ الحسين عليهمُ

وفاءً وإخوان الوفاء قليلُ

فلهفي لهم صرعى أمام إمامهم

تجرّ عليهم للرِّياح ذيولُ

وأكفانهم نسج العجاج وغسلهم

دم النحر عن ماء الفرات بديلُ

ولم يبق إلّا السِّبط فرداً ورهطه

لديه وزين العابدين عليلُ

ومُنجدلٌ مَن حوله وهو عافرٌ

ومن جدل القوم اللئام ملولُ

وصال عليهم صولةً حيدريّةً

لهيبتها شمّ الجبال تزولُ

بأدهم من صوب الدماء مجلّل

له قمم الشّوس الكماة نُعولُ

وسابغة تحكي الغدير وأبيض

يباريه مرهوب السّنان طويلُ

فجدَّل من فوق الجياد جيادها

فخيلٌ وقومٌ جفّلٌ وقتيلُ

فكم جافل في ظهره صدر ذابل

وكم قاتل بالمشرفّي قتيلُ؟

فجاشت جيوش المشركين وفوقت

إليهم نصولٌ ما لهنَّ نُصولُ

ويمّمهم يُمنىً ويُسرى وقلبه

صبورٌ وللخطب الجليل حمولُ

وكرَّ وفرَّ القوم خيفة بأسه

كأنَّ عليّاً في الصّفوف يجولُ

فلمّا تناهى الأمر واقترب الرَّدى

وذلَّ عزيزٌ واستعزَّ ذليلُ

٢٠٦

فمال عليه الجيش حملة واحدٍ

فبيضٌ وسمرٌ ذُبّلٌ ونصولُ

ففرّقهم حتّى تولَّت جموعهم

كسرب قطاةٍ غار فيه صليلُ

رموه بسهم من سهام كثيرة

فلم يبق إلّا من قواه قليلُ

فخرَّ صريعاً ظامياً عن جواده

فأضحت ربوع الخصب وهي محولُ

وراح إلى نحو الخيام جواده

خليّاً من النَّدب الجواد يجولُ

برزن إليه الطّاهرات حواسراً

لهنَّ على المولى الحسين عويلُ

فلهفي وقد جاءت إليه سكينة

تقبِّل منه النحر وهي تقولُ

: أبي كنت بدراً يرشد الناس نوره

فوافاه في بدر الكمال اُفولُ

وكنت مناراً للهدى غاله الرَّدى

فلم يبق للدِّين الحنيف كفيلُ

أبي أنت نور الله اُطفئ نوره

ولكن إلى الله الاُمور تؤُلُ

فيا دوحة المجد الذي عندما ذوت

تصوّح نبت العزّ وهو محيلُ

يعزُّ على الاسلام رزؤك سيّدي

وذلك رزؤٌ في الأنام جليلُ

ووافت إليه زينب وهي حاسرٌ

ودمعتها فوق الخدود تسيلُ

فلاقته من فوق الرِّمال مرمّلاً

سليب الرِّدى تُسفى عليه رمولُ

فقبّلت الوجه التريب وأنشدت

ومن حولها للطّاهرات عويلُ

: أخي! ضُيعّت فينا وصايا محمّد

وأرداك بغضاً للنبيِّ جهولُ

أخي! ظفرت فينا علوج اميّة

وسادت علينا أعبدٌ ونغولُ

فلو كان حيّاً أحمد ووصيّه

فأيّ يد كانت عليك تطولُ؟

فدافعها الشّمر اللّعين وقد جثا

بقلبٍ قسى والكفر فيه أصيلُ

وحزَّ وريداً ظامياً دون ورده

فحزَّت فروعٌ للعُلى واصولٌ

وحلَّ عرى الإسلام وانهدم الهدى

وطرف المعالي والفخار كليلُ

وناحت له الأملاك والجنُّ والملا

وكادت له السّبع الشّداد تميلُ

وزُلزلت الأرض البسيط لفقده

ومالت جبالٌ فوقها وسهولُ

ومزّقت الدّنيا جلابيب عزِّها

عليه وقلب الكائنات ملولُ

فلهفي له بالطفِّ مُلقى ورأسه

سنان به فوق السّنان يجولُ

٢٠٧

فِللّه امرٌ فادحٌ شمل الورى

ورزؤٌ على الإسلام منه خمولُ

وخطبٌ جليلٌ جلَّ في الأرض وقعه

عظيمٌ على أهل السَّماء ثقيلُ

بنو الوحي في أرض الطفوف حواسرٌ

وأبناء حرب في القصور نزولُ

ويصبح في تخت الخلافة جالساً

يزيد وفي الطفِّ الحسين قتيلُ

ويُقتل ظلماً ظامياً سبط أحمد

إمامٌ لخير الأنبياء سليلُ

حبيب النبيِّ المصطفى وابن فاطم

وأين لذين الوالدين مَثيلُ؟

لقد صدق الشيخ السَّعيد أخو العلى

عليٌّ وحاز الفضل حيث يقولُ

[: فما كلُّ جدّ في الرِّجال محمّدٌ

ولا كلُّ اُمّ في النسّاء بتولُ ](١)

كفى السِّبط فخراً والداه وجدّه

وهم لمعالي والفخار اصولُ

أمولاي! دمعي لا يجفُّ مسيله

وحزني مقيمٌ لا يخفّ ثقيلُ

فلا مدمعي يا بن الوصيِّ مبرِّدٌ

عليلاً ولا حزني المقيم يزولُ

جميلٌ بنا الصَّبر الجميل وإنَّما

عليك جميل الصَّبر ليس جميلُ

اُعزّي بك الإسلام والمجد والعلى

وحزنهمُ باقٍ عليك طويلُ

قفوا يا حداة العيس بالطفّ في حمى

الحسين وطوفوا بالطّفوف وقولوا

: أريحانة الهادي النبيِّ محمّد

ومَن لعليّ والبتول سليلُ!

عليك سلام الله يا سيِّد الورى!

ويا خير من سارت إليه قفولُ!

لئن جهلت يوماً عليك اميّة

فقدر كمُ عند الالـ~ـه جليلُ

وإن حال منك الحال في دار غربة

فإنَّك في دار الفخار أهيلُ

وإن بتَّ مسلوب الرِّداء ففي غدٍ

من السُّندس العالي رداك جميلُ

وإن مسَّكم حرُّ الهجير فإنَّما

لكم في جنان العاليات مقيلُ

وإن مُنعت ماء الفرات نفوسكم

لها من رحيق السَّلسبيل نهولُ

أمولاي! آمالي تؤمّل نصركم

وقلبي اليكم بالولاء يميلُ

وقد طال دور الصَّبر في أخذ ثاركم

أما آن للظلم المقيم رحيلُ؟

____________________

١ - هذا البيت من لامية الشيخ علاء الدين على الحلى المترجم له فى الجزء السادس وقد اسلفنا القصيدة هنالك برمتها ص ٣٩٥ - ٤٠١ ط ٢.

٢٠٨

متى ينطفي حرّ الغليل ويشتفي

فؤادٌ بآلام المصاب عليلُ؟

ويُجبر هذا الكسر في ظلّ دولة

لها النصر جندٌ والأمان دليلُ؟

ويُنشر للمهديِّ عدلٌ وينطوي

به الظّلم حتماً والعناد يزولُ؟

هنالك يضحى دين آل محمّد

عزيزاً ويمسي الكفر وهو ذليلُ

ويُطوى بساط الحزن بعد كآبة

وينشر نشرٌ للهنا وذيولُ

فيا آل طه الطّاهرين رجوتكم

ليوم به فصل الخطاب طويلُ

أقيلوا عثاري يوم فقري وفاقتي

فظهري بأعباء الذّنوب ثقيلُ

مدحتكم أرجو النجاة بمدحكم

لعلمي بكم أنَّ الجزاء جزيلُ

وقد قيل في المعروف: أمّا مذاقه

فحلوٌ وأمّا وجهه فجميلُ

فدونكم من عبدكم ووليكم

عروساً ولكن في الزّفاف ثكولُ

أتت فوق أعواد المنابر بادياً

لها أنّةُ محزونةٌ وعويلُ

لسبع سنين بعد سبعين قد خلت

وعامين ايضاحٌ لها ودليلُ

لها حسن المخزوم عبدكمُ أبٌ

لآل أبي عبد الكريم سليلُ

بها منكمُ نال القبول ولم يقل

: [ عسى موعد إن صحّ منك قبولُ ](١)

عليكم سلام الله ما ذكر اسمكم

وذاك مدى الأيّام ليس يزولُ

( الشاعر )

الشيخ حسن آل أبي عبد الكريم المخزومي، أحد شعراء الشّيعة في القرن الثامن جارى بقصيدته المذكورة معاصره العلاّمة الشيخ علي الشفهيني السّالف ذكره في لاميَّته التي أسلفناها وأشار اليها بقوله:

له النسب الوضاح كالشمس في الضحى

ومجدٌ على هام السَّماء يطولُ

لقد صدق الشّيخ السَّعيد أبو علي

عليٌّ ونال الفخر حيث يقولُ

: [ فما كلُّ جدّ في الرِّجال محمّدٌ

ولا كلُّ اُمّ في النّساء بتولُ ]

وهذه المجاراة تنمُّ عن شهرة الرَّجل في القريض، وجريه في مضمار الشّعر،

____________________

١ - هذا الشطر من مطلع قصيدة الشيخ علاء الدين الحلي راجع الجزء السادس ص ٣٩٥ ط ٢.

٢٠٩

وتركاضه في حلبة السِّباق، وقد رأى الشيخ السَّماوي في الطّليعة انَّه هو الشيخ الحسن بن راشد الحلّي العلّامة المتضلّع من العلوم، صاحب التآليف القيّمة، والأراجيز الممتّعة، وحسب سيّدنا الأمين العاملي في الأعيان انّه غيره، وله هناك نظرات لا يخلو بعضها عن النظر، فعلى الباحث الوقوف على الجزء الحادي والعشرين منه ( أعيان الشيعة ) ص ٢٥٦ - ٢٧٨، والجزء الثاني والعشرين ص ٨٩.

وعمدة ما يُستأنس منه الإتّحاد انّ اللّاميّة هذه مذكورةٌ في غير واحد من المجاميع في خلال قصائد الشّيخ حسن بن راشد الحلّي منسوبة إليه مع بُعد شاسع في خطّة النظم، وتفاوت في النَّفس، بحيث يكاد بمفرده أن يميّزها عن شعر ابن راشد الحلّي الفحل، فإنّه عال الطبقة، بادِ السَّلاسة، ظاهر الإنسجام، متحلّ بالقوَّة، واللّاميّة دونه في كلّ ذلك.

وعلى أيّ فناظمها من شعراء القرن الثامن نظمها في سنة سبعمائة واثنتين وسبعين كما نصَّ عليه في اُخريات القصيدة، ولمـّا لم يُعلم تاريخ وفاته واحتملنا الاتّحاد بينه وبين ابن راشد المتوفّى في القرن التاسع بعد سنة ٨٣٠ أرجأنا ترجمته إلى القرن التّاسع، والله العالم.

٢١٠

شعراء الغدير

في القرن العاشر

الشيخ الكفعمي

المتوفى ٩٠٥

هنيئاً هنيئاً ليوم الغدير

ويوم الحبور ويوم السّرورِ

ويوم الكمال لدين الإلـ~ـه

وإتمام نعمة ربّ غفورِ

ويوم الفلاح ويوم النّجاح

ويوم الصَّلاح لكلِّ الامورِ

ويوم الإمارة للمرتضى

أبي الحسنين الإمام الأميرِ

ويوم الخطابة من جبرئيل

بتقدير ربِّ عليم قديرِ

ويوم السّلام على المصطفى

وعترته الأطهرين البدورِ

ويوم اشتراط ولاء الوصيِّ

على المؤمنين بيوم الغديرِ

ويوم الولاية في عرضها

على كلّ خلق السَّميع البصيرِ

عليّ الوصيّ وصيّ النبيِّ

وغوث الوليِّ وحتف الكفورِ

وغيث المحول وزوج البتول

وصنو الرَّسول السِّراج المنيرِ

أمان البلاد وساقي العباد

بيوم المعاد بعذبٍ نميرِ

همام الصفوف ومقري الضيوف

وعند الزَّحوف كليث هصورِ

ومن قد هوى النجم في داره

ومن قاتل الجنَّ في قعر بئرِ

وسل عنه بدراً واُحداً ترى

له سطوات شجاع جسورِ

وسل عنه عمرواً وسل مرحباً

وفي يوم صفّين ليل الهريرِ

وكم نصر الدّين في معرك

بسيف صقيل وعزم مريرِ

وستّاً وعشرين حرباً رأى

مع الهاشميِّ البشير النّذيرِ

أمير السَّرايا بأمر النبيِّ

وليس عليه بها من أميرِ

٢١١

( ما يتبع الشعر )

اقتطفنا هذه الأبيات من قصيدة ( الكفعمي ) المذكورة في كتابه ( المصباح ) المطبوع السّائر الدائر ص ٧٠١ تناهز ١٩٠ بيتاً يمدح بها امير المؤمنينعليه‌السلام ويصف يوم الغدير ويذكر أسمائه، نظمها في الحاير المقدَّس كربلاء المشرَّفة، وكان يوم ذلك شيخاً قد بلغ من الكبر عتّيا، وأشار إلى ذلك كلّه فيها بقوله:

وشيخٌ كبيرٌ له لمـَّةٌ

كساها التعمّر ثوب القتيرِ(١)

أتاه النَّذير فأضحى يقول:

اعيذ نذيري بسبط النّذيرِ

أتيت الإمام الحسين الشّهيد

بقلب حزينٍ ودمعٍ غزيرِ

أتيت ضريحاً شريفاً به

يعود الضّرير كمثل البصيرِ

أتيت امام الهدى سيّدي

إلى الحاير الجار للمستجيرِ

اُرجِّي الممات ودفن العظام

بأرض الطّفوف بتلك القبورِ

لعليّ أفوز بسكنى الجنان

وحورٍ محجَّلة في القصورِ

أتيت إلى صاحب المعجزات

قتيل الطغاة ودامي النّحور

وله ارجوزة تنوف على ١٢٠ بيتاً يذكر فيها ما يستحبُّ صومه من الأيّام، توجد في مصباحه أوّلها:

ألحمد لِلَّه الّذي هداني

إلى طريق الرّشد والايمان

ثمَّ صلاة الله ذي الجلال

على النبيِّ المصطفى والآل

ومنها:

وبعده التّاسع من ذي الحجّه

فصمه والزم بعده المحجّه

إلّا مع الضعف عن الدُّعاء

أو أن يشكَّ في الحلال الرائي

ومنها:

وبعده يوم غدير خمِّ

ثامن عشر منه فاتبع نظمي

فيه أتى النصُّ عن النبيِّ

على الإمام المرتضى عليِّ

حقّاً وفيه كمل الإسلامُ

وفصله لم تحصه الأقلامُ

____________________

١ - القتير: الشيب.

٢١٢

فصومه يعدل صوم الدَّهرِ

فهذه السَّبعة صُم عن أمرِ

( الشاعر )

الشّيخ تقيّ الدّين ابراهيم بن الشّيخ زين الدّين عليّ بن الشّيخ بدر الدّين حسن بن الشّيخ محمّد بن الشّيخ صالح بن الشّيخ اسماعيل الحارثي الهمداني الخارفي العاملي الكفعمي اللويزي الجبعي.

أحد أعيان القرن التّاسع الجامعين بين العلم والأدب، النّاشرين لألوية الحديث والمستخرجين كنوز الفوايد والنوادر، وقد استفاد النّاس بمؤلّفاته الجمّة، وأحاديثه المخرَّجة، وفضله الكثير، كلُّ ذلك مشفوعٌ منه بورع موصوف، وتقوىّ في ذات الله، إلى ملكات فاضلة، ونفسيّات كريمة، حلّى جيد زمنه بقلائدها الذهبيّة، وزيّن معصمه بأسورتها، وجلّل هيكله بأبرادها القشيبة، وقبل ذلك كلّه نسبه الزّاهي بأنوار الولاية المنتهي(١) إلى التابعيّ العظيم: الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني، ذلك العلويُّ المذهب، العليُّ شأنه، الجليّ برهانه، الّذي هو من فقهاء الشّيعة، سيوافيك ذكره في ترجمة أحد أحفاد أخي المترجم له الشّيخ حسين والد شيخنا البهائي قدّس أسرارهم.

وقد توافقت المعاجم على سرد ألفاظ الثَّناء البالغ على المترجم له ( الكفعمي ) تجد ترجمته في أمل الآمل. رياض العلماء. نفح الطيب ٤: ٣٩٥ وأكثر من ذكر بدايعه وطرفه وخطبه وأشعاره. رياض الجنَّة في الرّوضة الرّابعة. روضات الجنّات ص ٦. تكملة أمل الآمل لسيّدنا أبي محمّد الحسن الصّدر الكاظمي اعيان الشيعة ج ٥: ٣٣٦ - ٣٥٨ الكنى والألقاب ٣: ٩٥. سفينة البحار ١: ٧٧ الفوائد الرضويَّة ١: ٧. المشيخة لشيخنا الرّازي ص ٤٢.

( تآليفه القيمة )

١ - المصباح المؤلّف ٨٩٥. ٢ - البلد الأمين. ٣ - شرح الصّحيفة. ٤ - المقصد

____________________

١ - نصّ صاحب « الرياض » بانتهاء نسب المترجم له إلى الحارث الهمدانى فى ترجمة والده الشيخ زين الدين على. وفى « تكملة الامل » لسيدنا الحجة صدر الدين: انه ذكر فى آخر كتاب ( الدروس ) الذى عندى بخطه: انه الكفعمى مولداً، اللوذى محتداً، الجبعى أبا، الحارثى نسبا، التقىّ لقبا.

٢١٣

الأسنى في شرح الأسماء الحسنى ٥ - رسالة في محاسبة النّفس. ٦ - كفاية الأدب(١) في أمثال العرب في مجلدين. ٧ - قراضة النّضير في التفسير(٢) ٨ - صفوة الصّفات في شرح دعاء السّمات. ٩ - فروق اللّغة ١٠ - المنتقى في العوذ والرّقى. ١١ - الحديقة النّاضرة. ١٢ - نور حدقة البديع في شرح بعض القصائد المشهورة. ١٣ - النحلة(٣) ١٤ - فرج الكرب. ١٥ - الرِّسالة الواضحة في شرح سورة الفاتحة. ١٦ - العين المبصرة ١٧ - الكوكب الدرّي. ١٨ - زهر الرَّبيع في شواهد البديع ١٩ - حياة الأرواح في اللّطايف والأخبار والآثار فرغ منه سنة ٨٤٣. ٢٠ - التلخيص في الفقه ٢١ - أرجوزة في مقتل الحسينعليه‌السلام واصحابه. ٢٢ - مقاليد الكنوز في أقفال اللغوز. ٢٣ - رسالةٌ في وفيات العلماء. ٢٤ - ملحقات الدّروع الواقية. ٢٥ - مجموع الغرائب. ٢٦ - اللفظ الوجيز في قرائة الكتاب العزيز. ٢٧ - مجموعةٌ كبيرة مشتملةٌ على رسائل وكتابات. ٢٨ - مختصر نزهة الألبّاء في طبقات الاُدباء ٢٩ - اختصار لسان الحاضر والنديم. إلى تآليف اُخرى أنهاها السيّد صاحب ( الأعيان ) إلى ٤٩.

يروي شيخنا الكفعمي عن والده المقدَّس الشّيخ زين الدين عليّ.

والسيّد حسين بن مساعد الحسيني الحايريّ صاحب ( تحفة الأبرار في مناقب الأئمَّة الأطهار ).

والسيّد علي بن عبد الحسين الموسويّ صاحب ( رفع الملامة عن عليّعليه‌السلام في ترك الإمامة ).

والشيخ عليّ بن يونس زين الدّين النباطي البياضي صاحب ( الصّراط المستقيم ).

ووالد المترجم له الشّيخ زين الدّين علي جدُّ جدِّ شيخنا البهائي، أحد أعلام الطائفة وفقهائها البارعين، يروي عنه ولده المترجم له، ويعبّر عنه بالفقيه الأعظم الورع، وأثنى عليه الشّيخ عليّ بن محمّد بن علي بن محلّى شيخ أخي المترجم له شمس الدّين محمّد في إجازته: بالشيخ العلّامة، زين الدُّنيا والدِّين، وشرف الإسلام

____________________

١ - فى تكملة السيد الصدر: نهاية الادب.

٢ - تلخيص من مجمع البيان للطبرسى.

٣ - فى التكملة: النخبة.

٢١٤

والمسلمين(١) توفّي قدّس سرّه سنة ٨٦١.

وخلف الشّيخ زين الدّين عليّ خمس بنين وهم: ١ - تقيّ الدين إبراهيم شيخنا الكفعمي المترجم له.

٢ - رضي الدّين ٣ - شرف الدّين.

٤ - جمال الدّين أحمد صاحب [ زبدة البيان ] في عمل شهر رمضان ينقل عنه أخوه شاعرنا في تآليفه.

٥ - شمس الدّين محمّد جدُّ والد شيخنا البهائي، كان في الرَّعيل الأوَّل من أعلام الاُمَّة يعبّر عنه شيخنا الشّهيد الثّاني بالشّيخ الإمام. في إجازته لحفيده الشيخ حسين بن عبد الصّمد والد شيخنا البهائي(٢) ويصفه المحقّق الكركي بقدوة الأجلّاء في العالمين. في إجازته لحفيده الشّيخ عليّ بن عبد الصَّمد بن شمس الدّين محمّد المذكورة في ( رياض العلماء ). وذكره بالإمامة السيّد حيدر البيروي في إجازته للسيّد حسين الكركيِّ. وأثنى عليه العلّامة المجلسيُّ في إجازاته بقوله: صاحب الكرامات.

قرأ شمس الدّين كثيراً على الشّيخ عزِّ الدين الحسن بن أحمد بن يوسف بن العشرة العامليّ المتوفّى بكرك نوح سنة ٨٦٢، وله إجازةٌ من الشّيخ عليِّ بن محمّد بن عليِّ بن المحلّى المتوفّى سنة ٨٥٥، تذكر في إجازات البحار ص ٤٤، ولد رحمه الله سنة ٨٢٢ وتوفّي سنة ٨٨٦.

توفّي شيخنا الكفعمي شاعرنا العظيم في كربلاء المشرّفة سنة ٩٠٥ كما في كشف الظنون(٣) وكان يوصي أهله بدفنه في الحائر المقدَّس بأرض تسمّى ( عقيرا ) ومن ذلك قوله:

سألتكمُ بالله أن تدفنونني

إذا متُّ في قبر بأرض عقيرِ(٤)

____________________

١ - راجع إجازات البحار ص ٤٥.

٢ - راجع إجازات البحار ص ٨٥.

٣ - راجع ج ٢: ٦١٧ وفى طبع ص ١٩٨٢.

٤ - لعلّ العقر اسم لبعض نواحى كربلاء المشرفة كالغاضرية وشاطى الفرات ولذا لمـّا سئل سيدنا الحسين السبط سلام الله عليه عن اسم المحل كان من جواب القوم له انه يسمى « العقر » فقال عليه‌ السلام : أعوذ بالله من العقر أو انّ التسمية مأخوذة ممّا جاء فى اللغة من انّ « العقير » : الشريف القتيل.

٢١٥

فانّي به جار الشَّهيد بكربلا

سليل رسول الله خير مجيرِ

فإنِّي به في حفرتي غير خائف

بلا مرية من منكر ونكيرِ

أمنت به في موقفي وقيامتي

إذ النّاس خافوا من لظى وسعيرِ

فانّي رأيت العرب يحمى نزيلها

ويمنعه من أن ينال بضيرِ

فكيف بسبط المصطفى أن يذود مَن

بحائره ثاوٍ بغير نصيرِ؟

[ وعار على حامي الحمى وهو في الحمى

إذا ضلَّ في البيدا عقال بعيرِ ]

لفت نظر:

ذكر السيّد الأمين صاحب ( الأعيان ) في ص ٣٣٦ ج ٥: انَّ المترجم له ولد سنة ٨٤٠ مستفيداً من اُرجوزة له في علم البديع وهذا التّاريخ بعيدٌ عن الصَّواب جدّاً، وذهول عمّا ذكره السيّد نفسه من اُمور تفنّده وتضادّه، قال في ص ٣٤٠: وجد بخطّه كتابُ « دروس » الشَّهيد فرغ من كتابته سنة ٨٥٠ وعليه قراءته وبعض الحواشي الدالّة على فضله.

وعدّ من تآليفه ص ٣٤٣ [ حياة الأرواح ] فقال: فرغ من تأليفه سنة ٨٤٣.

وذكر له مجموعةً كبيرة فقال: قال صاحب الرّياض: رأيته بخطّه في بلدة ايروان من بلاد آذربيجان، وكان تاريخ اتمام كتابة بعضها سنة ٨٤٨، وبعضها سنة ٨٤٩، وبعضها ٨٥٢.

وقال في ص ٣٣٦: تاريخ وفاته مجهولٌ، وفي بعض المواضع: انّه توفّي سنة ٩٠٠ ولم يذكر مأخذه، فهو إلى الحدس أقرب منه إلى الحسّ لكنَّه كان حيّاً سنة ٨٩٥ فإنّه فرغ من تأليف « المصباح » في ذلك التّاريخ، وليس في تواريخ مؤلّفاته ما هو أزيد من هذا. فعلى ما استفاده سيّد الأعيان من تاريخ ولادته ٨٤٠ يكون عند تأليفه « المصباح » ابن خمس وخمسين سنة، وله في رائيّته في « المصباح » قوله:

بشيخ كبير له لمـَّةٌ

كساها التعمّر ثوب القتير

فمجموع ما ذكرناه يُعطينا خبراً بانّ شاعرنا المترجم له ولد في اوليات القرن التّاسع، وإنّه كان في سنة ٨٤٣ مؤلّفاً صاحب رأي ونظر، يثني على تآليفه الأساتذة الفطاحل، وكان حينما الَّف « المصباح » سنة ٨٩٤ شيخاً هرماً كبيرا.

٢١٦

القرن العاشر

_ ٧٨ _

عزَ الدين العاملى

المولود ٩١٨

المتوفى ٩٨٤

إلى مَ اُلامُ وأمري شهيرْ

واشفق من كلِّ نذلٍ حقيرْ

وحبّي النبيَّ وآل النبيِّ

وقوليَ بالعدل نعم الخفيرْ

ولي رحمٌ تقتضي حرمةً

ولي نسبةُ بولائي الخطيرْ

فلي في المعاد عمادٌ بهم

ولي في القيام مقامٌ نضيرْ

لأنّي اُنادي لدى النّائبات

والخوف من أنَّ ذنبي كبيرْ

أخا المصطفى وأبا السيّدين

وزوج البتول ونجل الظهيرْ

ومحبوب ربٍّ حميد مجيد

وخير نبيّ بشيرٍ نذيرْ

ونور الظّلام وكافي العظام

ومولى الأنام بنصِّ الغديرْ

مجلّي الكروب عليم الغيوب

نقيَّ الجيوب بقول الخبيرْ

وأقضى الأنام وأقصى المرام

وسيف السَّلام السَّميع البصيرْ

( القصيدة ٤٥ بيتاً )

( ما يتبع الشعر )

هذه الأبيات مستهلّ قصيدة للشّيخ الحسين بن عبد الصّمد العاملي والد شيخنا ( البهائي ) وشرحها بعد مدَّة من نظمها بشرح كبير، وأثبت كلّما ذكر فيها من فضائل امير المؤمنينعليه‌السلام بطريق الجمهور وقال فيه: قولي ( ومولى الأنام بنصِّ الغدير ) إشارة إلى خبر غدير خمّ.

٢١٧

وقال بعد ذكر حديث الغدير ما ملخّصه: رواه أحمد بن حنبل بستّ عشر طريقاً والثعلبي بأربع طرق في تفسير قوله تعالى: يا أيّها الرَّسول بلّغ ما اُنزل اليك من ربّك ورواه ابن المغازلي بثلث طرق، ورواه في الجمع بين الصّحاح الستّ، قال ابن المغازلي: وقد روى حديث غدير خمّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحو من مائة نفس، وذكر محمّد بن جرير الطبريّ المؤرِّخ لحديث الغدير خمساً وسبعين طريقاً، وأفرد له كتاباً سمّاه كتاب الولاية وذكر الحافظ أبو العبّاس أحمد بن عقدة له خمساً ومائة طريقاً، وأفرد له كتاباً، فهذا قد تجاوز حدَّ التواتر، ومن العجب تأويل هذا الحديث وهو نصٌّ في الإمامة ووجوب الطّاعة، ويشهد العقل السّليم بفساد ذلك التأويل كما يأباه الحال والمقام، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألست أولى منكم بأنفسكم. بعد نزول قوله تعالى: يا أيّها الرّسول. وأمثال ذلك فغفل أصحاب التأويل من معنى قول أبي الطيب:

وهبني قلت: هذا الصّبح ليلٌ

أيغشى العالمون عن الضّياء؟

( الشاعر )

عزُّ الدين الشّيخ حسين بن عبد الصَّمد بن شمس الدّين محمّد بن زين الدّين عليِّ بن بدر الدّين حسن بن صالح بن إسماعيل الحارثيُّ الهمدانيُّ العامليُّ الجبعيُّ.

هو من بيت عرّق فيه المجد والشَّرف بولاء العترة الطاهرة منذ العهد العلويِّ، فمن هنا بشَّر أمير المؤمنينعليه‌السلام جدَّه الأعلى الحارث بن عبد الله الأعور الهمدانيّ الخارفيّ(١) عند وفاته بنتيجة عقيدته الصّحيحة به، وولائه الخالص له، والمترجم له صرَّح بانتسابه إلى هذا لموالي العلويّ ( الهمداني ) في كتاب كتبه إلى السلطان شاه طهماسب في سنة ٩٦٨ رأيته بخطّه، وذكره في إجازته لتلميذه الشّيخ رشيد الدّين ابن الشيخ إبراهيم الاصبهانيّ تاريخها تاسع عشر جمادى الاولى سنة ٩٧١، وفي إجازته لملك عليّ كما في مستدرك الإجازات(٢) لشخينا الحجّة ميرزا محمّد الرّازي نزيل سامرّاء المشرَّفة.

____________________

١ - الخارفى بكسر الراء نسبة إلى « خارف » بطن من همدان نزل الكوفة. ويقال: الحوتي بضم الحاء نسبة الى « الحوت » بطن من همدان أيضا.

٢ - أحد أجزاء ( مستدرك البحار ) لشيخنا الاجل الرازى: كتاب كريم قيم ضخم فخم استدرك به *

٢١٨

ونصَّ بهذه النّسبة ولده شيخنا البهائي في إجازته سنة ١٠١٥ للمولى صفيّ الدّين محمّد القمي، وقال في كشكوله ص ٢٧٩ طبع مصر سنة ١٣٠٥: من ( نهج البلاغة ) من كتاب كتبه أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الحارث الهمدانيّ جدّ جامع الكتاب.

وصرَّح بها لفيفٌ من أساطين الطائفة ومشايخ الاُمّة ممّن عاصر المترجم له أو من قارب عصره، وإليك أسماء جمع منهم غير المعاجم التي ذكرت فيها ترجمة المترجم له أو ولده البهائي.

١ - شيخنا الشّهيد الثّاني في إجازته للمترجم له سنة ٩٤١.

٢ - الشّيخ حسن صاحب ( المعالم ) في استجازته من المترجم له سنة ٩٨٣ كما في المستدرك.

٣ - الشّيخ أبو محمد ابن عناية الله الشهير ببا يزيد البسطامي الثاني في إجازته للسيّد حسين الكركي سنة ١٠٠٤.

٤ - السيِّد ماجد بن هاشم البحراني في إجازته للسيّد أمير فضل الله دست غيب سنة ١٠٢٣.

٥ - المولى حسنعلي بن المولى عبد الله التستري في إجازته للمولى محمّد تقيّ المجلسي سنة ١٥٣٤.

٦ - الأمير شرف الدّين علي الشولستاني النجفي في إجازته للمولى محمّد تقيّ المجلسي سنة ١٠٣٦.

٧ - السيّد نور الدّين العاملي أخ السيّد محمّد صاحب « المدارك » في إجازته سنة ١٠٥١ للمولى محمّد محسن بن محمّد مؤمن.

____________________

* ما فات مولانا العلامة المجلسى قدس سره، أتى فى عدة مجلدات، تربو صحائف مستدرك اجازاته فحسب على ألفى صحيفة، وقس عليها غيرها من أجزاء البحار، ومن سرح النظر فى هذا السفر الحافل يجد العلم طافحاً من جوانبه، وتترائى له الفضيلة المتدفقة في طياته، ويشاهد همة قعساء يقصر دونها البيان، وتفشل عن ادراكها الهمم، ولا تبلغ مداها جمل الاطراء والثناء أبقى له ذكراً خالداً مع الأبد يذكر ويشكر، قدس الله روحه وطيب رمسه:

٢١٩

٨ - الأمير السيّد أحمد العاملي صهر سيّدنا الأمير محمّد باقر داماد الرّاوي عنه في صورة طرق روايته.

٩ - المولى محمّد تقي المجلسي في طرق روايته [ الصّحيفة السجّاديّة ] في مواضع ثلاثة توجد في إجازات البحار ص ١٤٥، ١٤٦، ١٤٩، وفي إجازته للميرزا إبراهيم ابن المولى كاشف الدّين محمّد اليزدي سنة ١٠٦٣، وفي إجازته للمولى محمّد صادق الكرباسي الإصفهاني الهمداني سنة ١٠٦٨، وفي إجازته لبعض تلاميذه، وفي إجازته لولده العلّامة المجلسي.

١٠ - آقا حسين بن اقا جمال الخونساري في إجازته للامير ذي الفقار سنة ١٠٦٤.

١١ - المحقّق السّبزواري المولى محمد باقر في إجازته للمولى محمّد الكيلاني سنة ١٠٨١ وفي إجازته للمولى محمّد شفيع سنة ٨٥ ١.

١٢ - الشّيخ قاسم بن محمّد الكاظمي في إجازته للشّيخ نور الدّين محمّد بن شاه مرتضى الكاشاني سنة ١٠٩٥ كما في مستدرك الإجازات.

١٣ - العلّامة المجلسي في موضعين من فائدة أوردها في إجازات البحار ص ١٣٤ وفي غير واحد من إجازاته لتلامذته.

١٤ - الشيّخ حسام الدّين بن جمال الدّين الطريحي في إجازته للشّيخ محمّد جواد الكاظميّ سنة نيف وتسعين وألف.

١٥ - السيّد الأمير حيدر بن السيّد علاء الدّين الحسيني البيروني في موضعين من إجازته للسيّد حسين المجتهد ابن السيّد حيدر الكركي.

١٦ - بعض تلمذة البهائي في بيان روايته عنه، قال العلّامة المجلسي: لعلّه السيّد حسين بن حيدر الكركي.

١٧ - الشيخ محمّد حسين الميسي العاملي في إجازته للشّيخ أبي الحسن الشَّريف العاملي سنة ١١٠٠.

١٨ - الشيخ عبد الواحد بن محمّد البوراني في إجازته للشيخ أبي الحسن الشَّريف الفتوني العاملي سنة ١١٠٣.

١٩ - الأمير محمّد صالح بن عبد الواسع في إجازته للشّيخ أبي الحسن الشّريف

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402