الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١١

الغدير في الكتاب والسنة والأدب14%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 402

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 402 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 159654 / تحميل: 3926
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١١

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

الفتوني سنة ١١٠٧.

٢٠ - الشّيخ صفيّ الدّين بن فخر الدّين الطريحيّ في إجازته للشّيخ أبي الحسن الشَّريف الفتونيّ سنة ١١١١ وفي غير واحد من إجازاته.

وأشار إلى هذا النّسب الذهبيّ الشّيخ جعفر الخطّي البحراني(١) المتوفّى سنة ١٠٢٨ في قصيدته الّتي جارا بها رائيّة شيخنا البهائي ومدحه فيها، وكتب الشّيخ تقريضاً عليها، يقول فيها:

فيا بن الاولى أثنى الوصيُّ عليهمُ

بما ليس تثني وجهه يد إنكارِ

بصفّين إذ لم يلف من أوليائه

وقد عضّ نابٌ للوغى غير فرّارِ

وأبصر منهم جند حرب تهافتوا

على الموت إسراع الفراش على النّارِ

سراعاً إلى داعي الحروب يرونها

على شربها الاعمار مورد اعمارِ

أطاروا غمود البيض واتكلوا على

مفارق قوم فارقوا الحقَّ فجّارِ

وأرسوا وقد لاثوا على الرّكب الحبا

بروكاً كهدي أبركوه لجزّارِ

فقال وقد طابت هنالك نفسه

رضىً وأقرّوا عينه أيَّ إقرارِ

فلو كنت بوّاباً على باب جنَّة

كما أفصحت عنه صحيحات آثارٍ

أشار إلى ما كان عليه قبيلة همدان يوم صفّين وكان فيهم البطل المجاهد جدّ المترجم له ( الحارث ) فأثنى عليهم أمير المؤمنينعليه‌السلام وقال: يا معشر همدان! أنتم درعي و رمحي ما نصرتم إلّا الله وما أجبتم غيره.

دعوت فلبّاني من القوم عصبةٌ

فوارس من همدان غير لئامِ

فوارس من همدان ليسوا بعزَّل

غداة الوغا من شاكرٍ وشبامِ

بكلِّ ردينيّ وعضب تخاله

اذا اختلف الأقوام شعل ضرامِ

لهمدان أخلاقٌ ودينٌ يزينهم

وبأسٌ إذا لاقوا وجدّ خصامِ

وجدٌّ وصدقٌ في الحروب ونجدةٌ

وقولٌ إذا قالوا بغير أثامِ

متى تأتهم في دارهم تستضيفهم

تبت ناعماً في خدمةٍ وطعامِ

جزى الله همدان الجنان فانّها

سمام العدى في كلِّ يوم زحامِ

____________________

١ - توجد ترجمته في ( سلافة العصر ) و ( انوار البدرين ).

٢٢١

فلو كنت بوّاباً على باب جنَّة

لقلت لهمدان: ادخلي بسلامِ(١)

ومؤسّس شرف هذا البيت الرّفيع ( الحارث الهمداني ) كان صاحب أمير المؤمنينعليه‌السلام والمتفاني في ولائه، والفقيه الأكبر في شيعته، وأحد أعلام العالَم، أثنى عليه جمعٌ من رجال العامّة(٢) ذكره السَّمعاني في (الخارفي) من « الأنساب » وقال: كان غالياً في التشيّع. وعدّه ابن قتيبة في المعارف ص ٣٠٦ من الشّيعة في عداد صعصعة بن صوحان وأصبغ بن نباتة وأمثالهما، وترجم له الذَّهبي في ( ميزان الإعتدال ) ج ١ ص ٢٠٢ وقال: من كبار علماء التّابعين. ونقل هو ابن حجر في تهذيب التهذيب ص ١٤٥ عن أبي بكر ابن أبي داود انّه قال: كان الحارث أفقه النّاس، وأحسب النّاس، وأفرض النّاس، تعلّم الفرائض من عليّعليه‌السلام . وفي ( خلاصة تهذيب الكمال ) ص ٥٨: انّه أحد كبار الشّيعة.

وروى الكشي في رجاله ص ٥٩ باسناده عن أبي عمير البزّاز عن الشعبي قال: سمعت الحرث الأعور وهو يقول: أتيت أمير المؤمنين عليّاعليه‌السلام ذات ليلة فقال: يا أعور! ما جاء بك؟ قال: فقلت: يا أمير المؤمنين! جاء بي والله حبّك. قال: فقال: أما إنّي ساُحدِّثك لتشكرها، أما انّه لا يموت عبدٌ يحبّني فيخرج نفسه حتّى يراني حيث يحبُّ، ولا يموت عبدٌ يبغضني فخرج نفسه حتّى يراني حيث يكره. قال: ثمَّ قال لي الشّعبي بعدُ: أما إنّ حبّه لا ينفعك وبغضه لا يضرّك(٣)

وحدثَّ الشّيخ أبو علي ابن شيخ الطايفة أبو جعفر الطوسي في أماليه ص ٤٢ بإسناده عن جميل بن صالح عن أبي خالد الكاملي(٤) عن الأصبغ بن نباتة قال: دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام في نفر من الشّيعة وكنت

____________________

١ - كتاب صفين لابن مزاحم ص ٣١٠، ٤٩٦ ط مصر، شرح ابن ابى الحديد ١: ٤٩٢، ج ٢: ٢٩٤.

٢ - خلا اناس منهم حناق على العترة الطاهرة، يتحرّون الوقيعة في شيعتهم، فخلقوا له إفكاً، و نبزوه بالسفاسف ممّا لا يقام له عند المنقب وزن.

٣ - قول الشعبى هذا مناقض لما جاء به النبى الاعظم فى حب امير المؤمنين عليه السلام وبغضه من الكثير الطيب، راجع ما مرّ في اجزاء كتابنا هذا وما يأتي.

٤ - كذا والصحيح: الكابلي.

٢٢٢

فيهم فجعل يعني الحارث يتأوَّد في مشيته ويخبط الأرض بمحجنه وكان مريضاً فأقبل عليه أمير المؤمنينعليه‌السلام وكانت له منه منزلة فقال: كيف تجدك يا حارث؟! قال: نال الدَّهر منّي يا أمير المؤمنين! وزادني اُواراً وغليلاً اختصام أصحابك ببائك قال: و فيهم خصومتهم؟ قال: في شأنك والبليَّة من قِبلك، فمن مفرط غالٍ، ومقتصدٍ قالٍ، ومن متردّدٍ مرتاب، لا يدري أيقدم أو يحجم. قال: فحسبك يا أخا همدان؟ ألا إنَّ خير شيعتي النمط الأوسط، إليهم يرجع الغالي وبهم يلحق التّالي قال: لو كشفت فداك أبي واُمِّي الرّين عن قلوبنا وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا، قال: قدك فإنّك امروٌ ملبوسٌ عليك، إنَّ دين الله لا يُعرف بالرّجال بل بآية الحقِّ، فاعرف الحقَّ تعرف أهله، يا حار! إنَّ الحقَّ أحسن الحديث والصّادع به مجاهد، وبالحقِّ اُخبرك فأعرني سمعك ثمَّ خبّر به من كانت له حصانة من أصحابك ألا إنّي عبد الله وأخو رسوله وصدّيقه الأوَّل، قد صدّقته وآدم بين الرّوح والجسد، ثمَّ إنّي صدّيقه الأوَّل في امّتكم حقّاً، فنحن الأوّلون ونحن الآخرون، ألا وأنا خاصّته يا حار! وخالصته و صنوه ووصيّه ووليّه صاحب نجواه وسرّه، اوتيت فيهم الكتاب وفصل الخطاب و علم القرون والأسباب، واستودعت ألف مفتاح يفتح كلّ مفتاح ألف باب يفضي كلُّ باب إلى ألف ألف عهد واُيِّدت. أو قال: اُمددت بليلة القدر نفلاً، وإنَّ ذلك ليجري لي ومن استحفظ من ذرّيتي ما جرى اللّيل والنّهار حتّى يرث الله الأرض ومَن عليها، واُبشِّرك يا حارث! ليعرفني والّذي فلق الحبَّة وبرء النسمة وليّي وعدوّي في مواطن شتىً، ليعرفني عند الممات وعند الصّراط وعند المقاسمة قال: وما المقاسمة يا مولاي؟! قال: مقاسمة النّار اُقاسمها قسمةً صحاحاً أقول: هذا وليّي وهذا عدوّي.

ثمَّ أخذ أمير المؤمنينعليه‌السلام بيد الحارث وقال: يا حارث! أخذت بيدك كما أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيدي فقال لي واشتكيت إليه حسدة قريش والمنافقين لي: انّه اذا كان يوم القيمة أخذت بحبل أو بحجزة يعني عصمة من ذي العرش تعالى وأخذت يا علي! بحجزتي وأخذ ذريّتك بحجزتك وأخذ شيعتكم بحجزتكم، فماذا يصنع الله بنبيّه؟ وما يصنع نبيّه بوصيّه؟ خذها إليك يا حارث! قصيرة من طويلة أنت مع من أحببت، ولك ما احتسبت، أو قال: ما أكتسبت. قالها ثلثاً فقال الحارث وقام يجرُّ ردائه جذلاً: ما اُبالي ربّي

٢٢٣

بعد هذا متى لقيت الموت أو لقيني. قال جميل بن صالح فانشدني السّيد بن محمّد في كتابه:

قول ( عليّ ) لحارث عجبٌ

كم ثمَّ اُعجوبة له حملا؟

: يا حار همدان من يمت يرني

من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه وأعرفه

بنعته واسمه وما فعلا

وأنت عند الصّراط تعرفني

فلا تخف عثرةً ولا زللا

أسقيك من بارد على ظمأ

تخاله في الحلاوة العسلا

أقول للنّار حين تعرض للعرض

: دعيه لا تقبلي الرَّجلا

دعيه لا تقربيه إنَّ له

حبلاً بحبل الوصيِّ متّصلا

توفِّي الحارث الهمداني سنة ٦٥ كما ذكره الذّهبي في [ ميزان الإعتدال ]، وابن حجر نقلاً عن ابن حبّان في [ تهذيب التهذيب ] ج ٢ ص ١٤٧، والمؤرّخ عبد الحيّ في [ شذرات الذّهب ] ج ١ ص ٧٣، فما في [ خلاصة تذهيب الكمال ] ص ٥٨ من أنّها سنة ١٦٥ ليس بصحيح.

والمترجم له شيخنا ( الحسين ) أحد أعلام الطّايفة، وفقهائها البارعين في الفقه و اصوله والكلام والفنون الرياضيّة والأدب، وكان إحدى حسنات هذا القرن، والألق المتبلّج في جبهته، والعبق المتأرّج بين أعطافه، أذعن بتقدُّمه في العلوم علماء عصره ومن بعدهم، قال شيخه الشّهيد الثّاني في إجازته له المؤرَّخة بـ ٩٤١ المذكورة في كشكول شيخنا البحراني صاحب « الحدائق » : ثمَّ إنَّ الأخ في الله المصطفى في الاخوّة المختار في الدِّين، المرتقى عن حضيض التَّقليد إلى أوج اليقين، الشيخ الامام العالم الأوحد، ذا النّفس الطاهرة الزكيّة، والهمَّة الباهرة العليّة، والأخلاق الزاهرة الانسيَّة، عضد الإسلام والمسلمين، عزُّ الدّنيا والدّين حسين بن الشّيخ الصالح العالم العامل المتقن المتفنّن خلاصة الأخيار الشيخ عبد الصَّمد بن الشّيخ الإمام شمس الدّين محمّد الشهير بالجبعيِّ أسعد الله جدّه، وجدَّد سعده، وكبت عدوَّه وضدَّه، ممّن انقطع بكلّيته إلى طلب المعالي، ووصل يقظة الأيّام بإحياء اللّيالي، حتّى أحرز السَّبق في مجاري ميدانه، وحصّل بفضله السَّبق على سائر أترابه وأقرانه، وصرف برهةً من

٢٢٤

زمانه في تحصيل هذا العلم، وحصل منه على أكمل نصيب وأوفر سهم فقرأ على هذا الضعيف. إلخ.

وأثنى عليه معاصره السيِّد الأمير حيدر بن السيّد علاء الدّين الحسيني البيروي في إجازته للسيّد حسين المجتهد الكركي بقوله: الشّيخ الإمام الزاهد العابد العامل العالم، زبدة فضلاء الأنام، وخلاصة الفقهاء العظام، فقيه أهل البيت عليهم السّلام، عضد الإسلام، والمسلمين، عزّ الدنيا والدّين حسين بن الشّيخ العالم. إلخ.

وفي [ رياض العلماء ]: كان فاضلاً عالماً جليلاً اصولياً متكلّماً فقيهاً محدِّثاً شاعراً ماهراً في صنعة اللغز وله ألغازٌ مشهورةٌ خاطب بها ولده البهائي فأجابه هو بأحسن منها وهما مشهوران وفي المجاميع مسطوران.

وقال المولى مظفّر علي أحد تلاميذ ولده البهائي في رسالة له في أحوال شيخه: وكان والد هذا الشّيخ في زمانه من مشاهير فحول العلماء الأعلام والفقهاء الكرام، وكان في تحصيل العلوم والمعارف وتحقيق مطالب الاصول والفروع مشاركاً ومعاصراً للشّهيد الثّاني، بل لم يكن له قدس الله سرّه في علم الحديث والتفسير والفقه والرّياضي عديلٌ في عصره وله فيها مصنّفات. ١هـ.

وقال المولى نظام الدين محمّد تلميذ ولده البهائي في ( نظام الأقوال في أحوال الرِّجال ): الحسين بن عبد الصَّمد بن محمّد الجبعي الحارثيّ الهمدانيّ الشّيخ العالم الأوحد، صاحب النّفس الطاهرة الزكيّة، والهمَّة الباهرة العليّة، والد شيخنا واستاذنا ومن إليه في العلوم استنادنا أدام الله ظلّه البهيّ من أجلّة مشايخنا قدس الله روحه الشريفة، كان عالماً فاضلاً مطّلعاً على التّواريخ ماهراً في اللّغات، مستحضراً للنّوادر والأمثال، وكان ممَّن جدَّد قراءة كتب الأحاديث، ببلاد العجم، له مؤلّفات جليلة، ورسالات جميلة.١هـ.

وفي ( أمل الآمل ): كان عالماً ماهراً محقّقاً مدقّقاً متبحراً جامعاً أديباً منشئاً شاعراً عظيم الشَّأن، جليل القدر، ثقةً من فضلاء تلامذة شيخنا الشَّهيد الثّاني. الخ.

إلى كلمات اُخرى مبثوثة في الاجازات ومعاجم التراجم. وعرف فضله عاهل ايران بوقته السّلطان شاه طهماسب الصَّفوي، فسامه تقديرا وتبجيلاً، وقلّده شيخوخة

٢٢٥

الإسلام بقزوين، ثمَّ بخراسان المقدَّسة ثمَّ بهراة، وفوَّض إليه أمر التَّدريس والإفادة، وكان يقدّمه على كثير من معاصريه بعد استاده المحقّق الكركي، فنهض المترجم له بعبء العلم والدّين ونشر أعلامهما بما لا مزيد عليه، فخلّد له التاريخ بذلك كلّه ذكراً جميلاً تضيىء به صحايفه، وتزدهي سطوره، وممّا خصَّه المولى سبحانه به وفضَّله بذلك على كثير من عباده، وحريٌّ بأن يُعدَّ من أكبر فضايله الجمَّة، وأفضل أعماله المشكورة مع الدَّهر، إنّه نشر ألوية التشيّع في هرات ومناحيها، وأدرك خلق كثيرٌ بارشاده الناجع سعادة الرُّشد، وسبيل السَّداد، واتّبعوا الصِّراط السويَّ المستقيم.

( مشايخه والرّواة عنه )

يروي شيخنا المترجم له عن لفيف من أعلام الطّايفة وأساتذة العلم. منهم:

١ - شيخنا الأكبر زين الدّين الشّهيد الثّاني وأخذ منه العلم.

٢ - السيّد بدر الدّين الحسن بن السيّد جعفر الأعرجيّ الكركيّ العامليّ.

٣ - الشيخ حسن صاحب « المعالم » ابن الشَّهيد الثّاني.

٤ - السيّد حسن بن علي بن شدقم الحسيني المدني.

ويروي عنه:

١ - السيّد الأمير محمّد باقر الأستراباديّ الشهير ( داماد ).

٢ - الشيخ رشيد الدّين بن إبراهيم الاصفهاني بالإجازة المؤرّخة بسنة ٩٧١.

٣ - السيّد شمس الدّين محمّد بن علي الحسيني الشهير بابن أبي الحسن، كما في إجازة العلّامة المجلسي للسيّد نعمة الله الجزائريّ المؤرّخة بسنة ١٠٧٥.

٤ - السيّد حيدر بن علاء الدين البيروي كما في إجازته للسيّد حسين الكركي.

٥ - الشيخ أبو محمّد بن عناية الله البسطامي كما في إجازته للسيد حسين الكركي.

٦ - المولى معاني التبريزي كما في إجازات البحار ص ١٣٤، ١٣٥.

٧ - الميرزا تاج الدّين حسين الصّاعدي كما في الاجازات ص ١٣٥.

٨ - الشّيخ حسن صاحب « المعالم » كما في إجازة الأمير شرف الدّين الشولستاني للمولي محمّد تقي المجلسي.

٢٢٦

٩ - وملك علي يروي عنه بالإجازة المذكورة في [ أعيان الشيعة ] ٢٦ ص ٢٦٠.

١٠، ١١ - ولداه العلمان: شيخنا البهائي وأبو تراب الشّيخ عبد الصَّمد.

وقرأ عليه السيّد علاء الدين محمّد بن هداية الله الحسنيّ الخيرويّ سنة ٩٦٧.

( آثاره أو مآثره )

ومن آثاره أو مآثره تآليف قيّمة منها:

شرح على القواعد

شرحان على ألفيّة الشَّهيد

الرِّسالة الطهماسيّة في الفقه.

الرِّسالة الوسواسيّة

رسالة في وجوب الجمعة

وصول الأخيار إلى اصول الاخبار.

الرِّسالة الرِّضاعيَّة

حاشيةٌ على الارشاد

رسالة مناظرة مع علماء حلب(١) .

رسالةٌ في الرّحلة(٢)

رسالةٌ في العقايد

رسالة الطّهارة الظاهريَّة والقلبيَّة.

رسالةٌ في المواريث

كتاب الغرر والدّرر

رسالةٌ في تقديم الشّياع على اليد.

رسالةٌ في الواجبات

تعليقاتٌ على الصّحيفة

رسالةٌ في القبلة. ديوان شعره

دراية الحديث

كتاب الأربعين

تعليقةٌ على خلاصة العلّامة

رسالةٌ في جواز استرقاق الحربيِّ البالغ حال الغيبة.

رسالة تحفة أهل الايمان في قبلة عراق العجم وخراسان.

رسالةٌ في وجوب صرف مال الإمامعليه‌السلام في ايّام الغيبة.

جواب عمّا اورد على حديث نبويّ(٣) ، رسالةٌ في عدم طهر البواري بالشّمس.

( ولادته ووفاته )

ولد شيخنا المترجم له اوَّل محرّم الحرام سنة ٩١٨، وتوفّي سنة ٩٨٤ في ثامن ربيع الأوَّل في قرية المصلّى من أرباض ( هجر ) من بلاد البحرين وكان عمره ستّاً وستّين سنة وشهرين وسبعة أيّام ورثاه ولده الأكبر شيخنا البهائيُّ بقوله:

____________________

١ - للمترجم له رحلات فيها خطوات محمودة ومواقف تذكر وتشكر وراء صالح الامّة والسعى دون مناهج الدين والمذهب، ورسالته هذه تجمع شتات تلكم المساعى، راجع اعيان الشيعة لسيدنا الامين.

٢ - رسالة قيمة في الامامة تجد جملة ضافية في أعيان الشيعة ٢٦: ٢٤٨.

٣ - من قوله صلى ‌الله‌ عليه‌ و آله‌ وسلم : اني احب من دنياكم ثلاثا: النساء. والطيب. وقرة عيني الصلاة.

٢٢٧

قف بالطلول وسلها أين سلماها؟

وروِّ من جرع الأجفان جرعاها

وردِّد الطّرف في أطراف ساحتها

وروِّح الرّوح من أرواح أرجاها

وإن يفتك من الأطلال مخبرها

فلا يفوتك مرآها وريّاها

ربوع فضل تباهي التّبر تربتها

ودار اُنس يحاكي الدرَّ حصباها

عدا علي جيرة حلوّا بساحتها

صرف الزّمان فأبلاهم وأبلاها

بدور تمٍّ غمام الموت جلّلها

شموس فضل سحاب التّرب غشّاها

فالمجد يبكي عليها جازعاً اسفاً

والدّين يندبها والفضل ينعاها

يا حبَّذا أزمن في ظلّهم سلفت

ما كان أقصرها عمراً وأحلاها؟

أوقات اُنس قضيناها فما ذكرت

إلّا وقطّع قلب الصبِّ ذكراها

يا سادةً هجروا واستوطنوا هجراً

واهاً لقبلي المعنّى بعدكم واها

رعياً لليلات وصل بالحمى سلفت

سقياً لأيّامنا بالخيف سقناها

لفقدكم شقَّ جيب المجد وانصدعت

أركانه وبكم ما كان أقواها

وخرَّ من شامخات العلم أرفعها

وانهدَّ من باذخات الحلم أرساها

يا ثاوياً بالمصلّى من قرى حجر

كسيت من حلل الرِّضوان أرضاها

أقمت يا بحر! بالبحرين فاجتمعت

ثلاثةٌ كنَّ أمثالاً وأشباها

ثلاثةٌ أنت أنداها وأغزرها

جوداً وأعذبها طعماً وأحلاها

حويت من درر العلياء ما حويا

لكنَّ درُّك أعلاها وأغلاها

يا أخمصاً وطأت هام السّهى شرفاً(١)

سقاك؟ من ديم الوسميِّ أسماها

ويا ضريحاً علا فوق السّماك علاً

عليك من صلوات الله أزكاها

فيك انطوى من شموس الفضل أزهرها

ومن معالم دين الله أسناها

ومن شوامخ أطواد الفتوَّة أرسا

ها وأرفعها قدراً وأبهاها

فاسحب على الفلك الأعلى ذيول علاً

فقد حويت من العلياء أعلاها

____________________

١ - أخمص القدم: ما لا يصيب الارض من باطنها، ويراد به القدم كلها. السهى: كوكب خفى من بنات نعش الصغرى. ومنه المثل: اُريها السهى وترينى القمر. يضرب للذى يسأل عن شىء فيجيب جواباً بعيداً.

٢٢٨

عليك منّي سلام الله ما صدحت

على غصون إراك الدّوح ورقاها

قال صاحب ( رياض العلماء ): ورثاه جماعةٌ من الشعراء.

وللمترجم له قصيدة جارى بها البردة للبوصيري يمدح بها الرَّسول الأعظم و خليفته الصّديق الأكبر أوّلها:

ألؤلؤ نظم ثغر منك مبتسم؟

أم نرجس؟ أم اقاح في صفى بشم؟!

والقصيدة طويلة تناهز ١٢٩ بيتاً وقد وقف سيّد الأعيان منها على ٦٩ بيتاً فحسب أنّها تمام القصيدة فقال: تبلغ ٦٩ بيتاً ثمَّ ذكر جملةً منها، ومن شعر المترجم له قوله:

ما شممت الورد إلّا

زادني شوقاً اليكْ

وإذا ما مال غصنٌ

خلته يحنو عليكْ

لست تدري ما الذي قد

حلَّ بي من مقلتيكْ

إن يكن جسمي تناءى

فالحشى باقٍ لديكْ

كلّ حسنٍ في البرايا

فهو منسوبٌ إليكْ

رشق القلب بسهم

قوسه من حاجبيكْ

إنَّ ذاتـي و ذواتـي

يا منايا في يديكْ

آه لو اُسقى لأشفى

خمرة من شفتيكْ

وله قوله وهو المخترع لهذا الرويّ:

فاح عرف الصّبا وصاح الدّيك

وانثنى البان يشتكي التحريك

قم بنا نجتلى مشعشعة

تاهَ من وجده بها النسّيك

لو رآها المجوس عاكفة

وحّدوها وجانبوا التّشريك

إن تسر نحونا نسرُّ وإن

متَّ في السَّير دوننا نحييك

وذكر شيخنا البهائي في كشكوله ص ٦٥ لوالده على هذا الرويّ ثمانية عشر بيتاً أوّلها:

فاح ريح الصّبا وصاح الدّيك

فانتبه وانف عنك ما ينفيك

وعارضها ولده الشيخ بهاء الدين بقصيدة كافيَّة مطلعها:

٢٢٩

يا نديمي بمهجتي أفديك

قم وهات الكؤس من هاتيك

خمرة إن ضللت ساحتها

فسنا نور كأسها يهديك

يا كليم الفؤاد! داوِ بها

قلبك المبتلى لكي تشفيك

هي نار الكليم فاجتلها

واخلع النعل واترك التشكيك

صاح ناهيك بالمدام فدم

في احتساها مخالفاً ناهيك(١)

وخلف المترجم على علمه الجمّ وفضله المتدفّق ولداه العلمان: شيخ الطّايفة بهاء الملّة والدّين الآتي ذكره وهو أكبر ولديه ولد سنة ٩٥٣، والشّيخ أبو تراب عبد الصَّمد بن الحسين المولود بقزوين ليلة الأحد وقد بقي من اللّيل نحو ساعة ثالث شهر صفر سنة ٩٦٦ كما في « الرياض » نقلا عن خط والده المترجم له (الشيخ حسين ) وصرَّح والدهما المترجم له في اجازته لهما انَّ البهائي اكبر ولديه، وللشّيخ عبد الصّمد حاشية على أربعين أخيه شيخنا البهائي وفوائده على الفرائض النصيريّة، وكتب الشّيخ البهائي باسمه فوائده الصّمديّة، يروي بالإجازة عن والده المقدَّس الشّيخ حسين، ويروي عنه العلّامة السيّد حسين بن حيدر بن قمر الكركي توفيّ سنة ١٠٢٠، ترجمه صاحبا « الأمل » و « الرياض » وغيرهما، وورثه على علمه الغزير ولداه العالمان: الشّيخ أحمد بن عبد الصّمد نزيل هرات، يروي عنه بالإجازة السيّد حسين بن حيدر بن قمر الكركي الرّاوي عن والده ايضاً.

وأخوه الشّيخ حسين بن عبد الصّمد كان قاضي هرات، قال صاحب [ رياض العلماء ]: كان شاعراً ماهراً في العلوم الرَّياضيّة له منظومةٌ بالفارسيّة في الجبر والمقابلة.اهـ.

يروي عن عمّه شيخنا البهائيِّ بالإجازة توجد بعض تعاليقه على بعض الكتب مورّخاً بسنة ١٠٦٠.

وأمّا سائر رجالات هذه الاُسرة الكريمة فوالد المترجم له الشّيخ عبد الصّمد من نوابع الطايفة، وعلمائها البارعين، وصفه شيخ الطّايفة الشهيد الثّاني في إجازته لولد المترجم له بالشّيخ الصالح العامل العالم المتقن، وأثنى عليه السيّد حيدر البيروي في

____________________

١ - الى آخر الابيات المذكورة فى [ خلاصة الاثر ] ٣: ٤٤٩، وريحانة الالباء للخفاجى، و كشكول ناظمها ص ٦٥.

٢٣٠

إجازته للسيّد حسين المجتهد الكركيِّ، بالشّيخ العالم العامل، خلاصة الأخيار، وزين الأبرار الشّيخ عبد الصّمد، ولد سنة ٨٥٥ في ٢١ محرّم وتوفّي سنة ٩٣٥ في منتصف ربيع الثّاني ترجمه صاحبا « الرّياض » و « أمل الآمل » وغيرهما.

واخو المترجم الأكبر الشّيخ نور الدّين أبو القاسم عليّ بن عبد الصّمد الحارثي المولود سنة ٨٩٨ من تلمذة الشّهيد الثاني قال صاحب ( رياض العلماء ): فاضلٌ عالمٌ جليلٌ فقيهٌ شاعرٌ له منظومةٌ في ألفيّة الشَّهيد تسمّى بالدرَّة الصفيّة في نظم الألفيّة، يروي عن المحقّق الكركي بالإجازة سنة ٩٣٥ وقرء عليه جملة من كتب الفقه.

وأخوه: الشيخ محمّد بن عبد الصمّد ولد سنة ٩٠٣ وتوفّي سنة ٩٥٢.

وأخوه الثّالث: الحاج زين العابدين المولود سنة ٩٠٩ والمتوفّى سنة ٩٦٥.

وأوعزنا في ترجمة عمّ والد المترجم له الشّيخ ابراهيم الكفعمي ص ٢١٥ إلى ترجمة جدّ المترجم الشيخ شمس الدين محمّد، وجدّ والده الشيخ زين الدّين عليّ.

توجد ترجمة شيخنا عزّ الدّين الحسين، وسرد جمل الثناء عليه في كشكول الشّيخ يوسف البحراني، لؤلؤة البحرين ص ١٨، رياض العلماء، أمل الآمل ص ١٣، نظام الأقوال في أحوال الرّجال(١) تاريخ عالم آراي عبّاسي، روضات الجنّات ص ١٩٣، مستدرك الوسائل ٣: ٤٢١، تنقيح المقال ١: ٣٣٢، الأعلام للزركلي ١: ٢٥٠، أعيان الشّيعة ٢٦: ٢٢٦ - ٢٧٠ وفيها فوائد جمّة، سفينة البحار ١: ١٧٤، الكنى والألقاب ٢: ٩١، الفوائد الرّضويَّة ١: ١٣٨، منن الرَّحمان ١ ص ٨.

____________________

١ - تاليف المولى نظام الدين محمد القرشى تلميذ شيخنا البهائى ولد المترجم له.

٢٣١

شعراء الغدير

في

القرن الحادي عشر

_ ٧٩ _

ابن أبي شافين البحراني

المتوفى بعد ١٠٠١

أجلُّ مصابي في الحياة وأكبرُ

مصابٌ له كلُّ المصائب تصغرُ

مصابٌ به الآفاق أظلم نورها

ووجه التّقى والدّين أشعث أغبرُ

مصابٌ به أطواد علم تدكدكت

وأصبح نور الدّين وهو مغبرُّ

إلى أن قال فيها:

وسار النبيُّ الطّهر من أرض مكّة

وقد ضاق ذرعاً بالّذي فيه أضمروا

ولمـّا أتى نحو ( الغدير ) برحله

تلقّاه جبريل الأمين يبشِّرُ

بنصب ( عليّ ) والياً وخليفة

فذلك وحي الله لا يتأخّرُ

فردِّ من القوم الّذين تقدَّموا

وحطّ اُناسٌ رحلهم قد تأخَّروا

ولم يك تلك الأرض منزل راكب

بحرّ هجير ناره تتسعّرُ

رقى منبر الأكوار طهرٌ مطهّر

ويصدع بالأمر العظيم وينذرُ

فأثنى على الله الكريم مقدّساً

وثنّى بمدح المرتضى وهو مخبرُ:

بأن جاءني فيه من الله عزمةٌ

وإن أنا لم أصدع فإنّي مقصّرُ

وإنيّ على اسم الله قمت مبلّغاً

رسالته والله للحقِّ ينصرُ

عليُّ أخي في اُمّتي وخليفتي

وناصر دين الله والحقُّ يُنصرُ

وطاعته فرضُ على كلِّ مؤمن

وعصيانه الذّنب الّذي ليس يُغفرُ

٢٣٢

ألا فاسمعوا قولي وكونوا لأمره

مطيعين في جنب الإلـ~ـه فتوجروا

ألست بأولى منكمُ بنفوسكم؟

فقالوا: نعم نصُّ من الله يذكرُ

فقال: ألا من كنت مولاه منكمُ

فمولاه بعدي والخليفة حيدرُ

إلتقطنا هذه الأبيات من قصيدة كبيرة لشاعرنا ( ابن أبي شافين ) تبلغ خمسمائة وثمانين بيتاً توجد في المجاميع المخطوطة العتيقة.

( الشاعر )

الشّيخ داود بن محمّد بن أبي طالب الشّهير بابن أبي شافين الجد حفصي البحراني، من حسنات القرن العاشر، ومن مآثر ذلك العصر المحلّى بالمفاخر، شعره مبثوثٌ في مدوَّنات الأدب، والموسوعات العربيّة، ومجاميع الشّعر، إن ذُكر العلم فهو أبو عذره أو حدّث عن القريض فهو ابن بجدته، ذكره السيّد علي خان في ( السّلافة ) ص ٥٢٩ و أطراه بقوله: البحر العجّاج إلّا أنّه العذب لا الاُجاج، والبدر الوهّاج إلّا أنّه الأسد المهاج، رتبته في الاباءة شهيرة، ورفعته أسمى من شمس الظهيرة، ولم يكن في مصره وعصره من يدانيه في مدِّه وقصره، وهو في العلم فاضلٌ لا يسامى، وفي الأدب فاصلٌ لم يكلّ الدّهر له حساما، إن شهر طبق، وإن نشر عبق، وشعره أبهي من شفِّ البرود، وأشهى من رشف الثغر البرود، وموشّحاته الوشاح المفصّل، بل الّتي فرَّع حسنها و أصّل، ومن شعره قوله:

أنا والله المعاني

بالهوى شوقي أعربْ

كلُّ آن مرّ حالي

في الهوى يا صاح أغربْ

كلّ ما غنّى الهوى لي

أرقص القلب وأطربْ

وغدا يسقيه كاسا

ت صبابات فيشربْ

فالّذي يطمع في سلـ

ـب هوى قلبي أشعبْ

قلت للمحبوب: حتّا

م الهوى للقلب ينهبْ؟

وبميدان الصَّبا والـ

ـلهو ساه أنت تلعبْ؟

قال: ما ذنبي إذا شا

هدت نار الخدِّ تلهبْ؟

٢٣٣

فهوى قلبك فيها

ذاهباً في كلِّ مذهبْ

قلت: هب إنّ الهوى ه

ـبّ فألقاه بهبْ هبْ

أفلا تُنقذ مَن يهـ

واك مِن نار تلهّبْ؟

ثمَّ ذكر له لاميّة وموشّحة داليّة تناهز ٤٢ بيتاً مطلعها:

قل لأهل العذل: لو وجدوا

من رسيس الحبّ ما نجدُ

أوقدوا في كلِّ جارحة

زفرة في القلب تتّقدُ

فاسعد الهايم. ايّها اللايم

فالهوى حاكم. إن عصى أحدُ

وذكره المحبّي في خلاصة الأثر ٢: ٨٨ وقال: من العلماء الأجلّاء الاُدباء، استاد السيّد أبي محمّد الحسين بن الحسن بن أحمد بن سليمان الحسيني الغريفيّ البحرانيّ ولمـّا توفّي تلميذه السيّد العلّامة الغريفي في سنة ١٠٠١ وبلغ نعيه إلى شيخه الشّيخ داود ابن أبي شافين البحرانيّ استرجع الشّيخ وأنشد بديهة.

هلك القصر يا همام فغنّي

طرباً منك في أعالي الغصونِ(١)

وأثنى عليه الشّيخ سليمان الماحوزي في رسالته في علماء البحرين بقوله: واحد عصره في الفنون كلّها، وشعره في غاية الجزالة، وكان جدليّاً حاذقاً في علم المناظرة و آداب البحث، ما ناظر أحداً إلّا وأفحمه. إلخ.

وقال الشّيخ صاحب ( انوار البدرين ): كان هذا الشّيخ من أكابر العلماء وأساطين الحكماء.

وذكره العلاّمة المجلسي في [ إجازات البحار ] ص ١٢٩ وأطراه بما مرّ عن سلافة العصر، وجمل الثناء عليه منضّدةٌ في ( انوار البدرين ) و ( وفيات الأعلام ) لشيخنا الرّازي، و ( الطليعة ) للمرحوم السّماوي، وتتميم أمل الآمل للسيّد ابن أبي شبانة البحراني.

لشاعرنا [ ابن أبي شافين ] رسائل منها رسالةٌ في علم المنطق، وشرحٌ على الفصول النصيريَّة في التوحيد.

وشعره مبثوثٌ في مجاميع الأدب ذكر له شيخنا الطريحيّ في المنتخب ١: ١٢٧ قصيدةً يرثي بها الامام السبطعليه‌السلام تناهز ٣٧ بيتاً مستهلّها:

____________________

١ - وذكره السيد صاحب ( السلافة ) ص ٥٠٤.

٢٣٤

هلمّوا نبك أصحاب العباء

ونرثي سبط خير الأنبياءِ

هلمّوا نبك مقتولاً بكته

ملائكة الإلـ~ـه من السّماءِ

وذكر له العلّامة السيّد أحمد العطّار في الجزء الثاني من موسوعه ( الرائق ) قوله في رثاء الإمام السبط سلام الله عليه:

يا واقفاً بطفوف الغاضريّاتِ

دعني أمسحُّ الدّموع العندميّاتِ

من أعين بسيوف الحزن قاتلة

طيب الكرى لقتيل السمهريّات

وسادة جاوزوا بيد الفلات بها

وقادة قدَّدوا بالمشرفيّاتِ

القصيدة تناهز ٦٢ بيتاً يقول في آخرها:

لا يبتغي بن أبي شافين من عوض

إلّا نجاةً وإسكاناً بجنّاتِ

وذكر السيّد قدّس سرّه في ( الرّائق ) ايضاً له قوله في رثاء الإمام الشهيد صلوات الله عليه:

مصائب يوم الطفِّ أدهى المصائب

وأعظم من ضرب السّيوف القواضبِ

تذوب لها صمُّ الجلاميد حسرةً

وتنهدُّ منها شامخات الشناخبِ

بها لبس الدّين الحنيف ملابساً

غرابيب سوداً مثل لون الغياهبِ

القصيدة ٥٠ بيتاً وفي آخرها قوله:

ودونكمُ غرّاء كالبدر في الدّجى

من بن أبي شافين ذات غرائبِ

وذكر الشّيخ لطف الله بن عليّ بن لطف الله الجد حفصي البحراني في مجموعته(١) الشعريّة له قصيدة تبلغ ٧١ بيتاً في رثاء الإمام السِّبط الطّاهرعليه‌السلام أوَّلها:

قفا بالرّسوم الخاليات الدواثرِ

تنوح على فقد البدور الزَّواهرِ

بدورٌ لآل المصطفى قد تجلّلت

بعارض جونٍ فاختفت بدياجرِ

ففي كلِّ قطر منهمُ قمرٌ ثوى

وجلّل من غيم الغموم بساترِ

____________________

١ - هذه المجموعة تتضمن على ما قاله أربع وعشرون شاعراً من فحول الشعراء فى رثاء الامام السبط عليه‌ السلام اولهم سيدنا الشريف الرضى، وقفت منها بخط جامعها على عدّة نسخ فى النجف الاشرف والكاظمية المشرّفة، وطهران عاصمة ايران.

٢٣٥

وفي تلك المجموعة له في رثاء الامام السّبطعليه‌السلام تناهز ٤٢ بيتاً مطلعها:

قف بالطفوف بتذكارٍ وتزفارِ

وذُب من الحزن ذوب التِّبر في النارِ

واسحب ذيول الأسى فيها ونُح أسفاً

نوح القماري على فقدان أقمارِ

وانثر على ذهب الخدِّين من درر

الدَّمع الهتون وياقوت الدم الجاري

ونُح هناك بليعات الأسى جزعاً

فما على الواله المحزون من عارِ

وعزّ نفسك عن أثواب سلوتها

على القتيل الذّبيح المفرد العاري

لهفي وقد مات عطشاناً بغصّته

يُسقى النجيع ببتّار وخطّارِ

كأنّما مُهره في جريه فلكٌ

ووجهه قمرٌ في اُفقه ساري

وله قصيدةٌ يمدح بها النبيّ الأعظم ووصيّه الطاهر وآلهما صلوات الله عليهم أوّلها:

بدا يختال في ثوب الحريرِ

فعمَّ الكون من شرّ العبير

فقلنا: نور فجرٍ مستطير

جبينك؟ أم سنا القمر المنيرِ؟

* * *

وقدّ مائل أم غصن بانٍ

تثنّى؟ أم قضيب خيزراني؟

عليه بدر تمٍّ شعشعاني

بنورٍ في الدَّياجي مستطيرِ؟

* * *

ألا يا يوسفيَّ الحسن كم كمْ

فؤادي من لهيب الشّوق يضرمْ؟

وكم يا فتنة العشّاق اُظلمْ

وما لي في البرايا من نصيرِ؟

يقول فيها:

فإن ضيَّعت شيئاً من ودادي

فحسبي حبُّ أحمد خير هادي

ومبعوث إلى كلِّ العبادِ

شفيع الخلق والهادي البشيرِ

* * *

وهل اُصلى لظى نار توقّدْ

وعندي حبُّ خير الخلق أحمدْ

وحبُّ المرتضى الطّهر المسدَّدْ

وحبُّ الآل باقٍ في ضميري؟

٢٣٦

* * *

به داود يُجزي في المعادِ

نجاة من لظى ذات اتّقادِ

وينجو كلُّ عبد ذي ودادِ

بحبِّ الآل والهادي البشيرِ

ابن أبي شافين

قد وقع الخلاف في ضبط كنية شاعرنا هذه، ففي « سلوة الغريب » للسيد علي خان المدني: ابن أبي شافيز، وكذلك ضبطها سيّد الأعيان. وفي « سلافة العصر » للسيّد المدني ايضاً: ابن أبي شافير. بالراء المهملة تارة وبالنّون اُخرى. وفي « خلاصة الأثر » للمحبّي: ابن أبي شاقين: بالقاف والنون. وفي « البحار » ابن أبي شافير مهملة الآخر. والّذي نجده في شعره بلا خلاف فيه: ابن ابي شافين. بالفاء والنون.

٢٣٧

القرن الحادي عشر

_ ٨٠ _

زين الدين الحميدي

المتوفى ١٠٠٥

صاح! عرِّج على قباب قباء

وارتقب خلوة عن الرّقباءِ

لا تكن لاهياً بسعدى وسلمى

لا ولا معجباً بجرِّ قباءِ

وتدلّل لسادة في فؤادي

لهُم مسكنٌ حصين البناءِ

وتلطّف وارِو حديثاً قديماً

عن غرام نامٍ حشا أحشائي

وتعطّف وانشر لهم طيّ وجدي

وهيا مي بهم وطول بكائي

قل: تركنا صباصباً في هواكم

وتباريح الهجر في برحائي

قد وهى في الهوى تجلّده والـ

ـ نّوم كالصَّبر عنه قاصٍ ونائي

بين واشٍ وشى بافتراء

وعذولٍ يُعزى إلى العوّاءِ

وجنان عن التسلّي جبان

ودموع ممزوجة بدماءِ

وزفير لولا المدامع تهمى

لشواه قد صار خلف عناءِ

شاقه نشق طيب مأوى الفـ

ـ خر والمجد والعُلى والهناءِ

مهبط الوحي منزل العزِّ مثوى الـ

ـفضل دار الثّنا محلّ البهاءِ

تربة تربها على التّبر يسمو

وضياها يفوق ضوء ذكاءِ

بقعة فضّلت على العرش والكر

سيِّ فضلاً عن سائر البطحاءِ

موطنٌ حلَّ فيه خير نبيّ

متحلّ بأشرف الأسماءِ

أحمد الحامدين محمود فعل

خصَّ بالحوض واللّوا والولاءِ

حسنٌ محسنٌ رؤفٌ رحيمٌ

خاتم الرُّسل صفوة الأصفياءِ

أعبد العابدين برُّ كريمٌ

منه كانت مكارم الكرماءِ

٢٣٨

رحمة الله للخلائق طرّاً

فبه منه رحمةُ الرُّحماءِ

أعذب الخلق منطقاً أصدق الـ

ـ نّاس مقالاً ما فاه بالفحشاءِ

أعرف العارفين أخوف خلق

الله منه في جهره والخفاءِ

كلّ ما في الوجود من أجله او

جد لا تفتقر إلى استثناءِ

أكمل الكاملين كلّ كمال

منه فضلاً سرى إلى الفضلاءِ

فبه آدم تعلّم ما لم

يدره غيره من الأسماءِ

وبه في السّفين نٌجّي نوحٌ

ونجا يونسٌ من الغمّاءِ

حرُّ نار الخليل قد صار برداً

إذ به كان حالة الإلقاءِ

أيّ حرّ يقوى بمن كانت الـ

ـسّحب له في الهجير أقوى وقاءِ

كشف الضرّ منه عن جسم أيّو

ب واوتي ضعفاً من الآلاءِ

وبه قد علا لإدريس شأنٌ

والذَّبيحان اُنقذا بالفداءِ

منه سرٌّ سرى لعيسى فأحيا

دارساً مذ دعاه بعد البلاءِ

وكذا أكمهاً وأبرص أبرا

فشفا ذا وذاك أوفى شفاءِ

هو من قبل كلّ خلق نبيُّ

لا تقف عند حدِّ طين وماءِ

كان نور الإلـ~ـه إذ ذاك فاستو

دع ضمناً بمبدأ الآباءِ

فتلقّاه من شريف شريف

من لدن آدم ومن حوّاءِ

مودع في كرائم من كرام

عن سفاح تنزَّهوا وخناءِ

فأتى الفخر منه آمنة إذ

كان منها له أجلّ وعاءِ

حملته فلم تجد منه ثقلاً

حال حمل كما يُرى بالنّساءِ

فهنيئاً به لها إذ بخير الـ

ـخلق جاءت وسيّد الأنبياءِ

وضعته فكان في الوضع رفعٌ

وارتفاعٌ للحقّ والأهواءِ

أبرزته شمساً محا غيهب الشرّ

ك ومنها استضاء كلّ ضياءِ

وبميلاده بدت معجزاتٌ

فرأى المشركون هول المرائي

أطفئت نارهم ليعلم أن قد

جاء من كفرهم به في انطفاءِ

أيّ نار ترى وبالنّور لاحت

دور بصرى لمن بمكّة رائي؟

٢٣٩

وبكسر الايوان قد آن جبرٌ

وانكسارٌ للدِّين والأعداءِ

وأكبّت أوثانهم فأحسّوا

بمبادي الوبال والأوباءِ

وعيون سيلت بساوة ساوت

حيث غيصت مقعرا الغبراءِ

يا لها ليلة لنا اسفرت عن

بدر تمِّ محا دجى الظّلماءِ

ليلة شرّفت على كلِّ يوم

إذ هبطنا مشرّف الشّرفاء

إلى أن قال فيها:

وبصدّيقك الصّدوق الذي حا

ز بسبق التَّصديق فضل ابتداء(١)

الرَّفيق الرَّفيق بالغار والوا

قيك فيه من حيَّة رقطاء(٢)

المواسيك بالذّي ملكت يمنا

ه صدر الأئمَّة الخلفاء(٣)

الإمام الذي حمى بيضة الدّ

ين بإحياء سنَّة بيضاء(٤)

قام بالرِّفق في الخليفة من بعد

ك رفق الآباء بالأبناء(٥)

وبفاروقك المفرِّق بالبأ

س جموع الإضلال والإغواء(٦)

السّديد الشَّديد بالمسخط الله

الرَّحيم الشفيق بالأتقياء(٧)

____________________

١ - مرّ فى الجزء الثانى ص ٣١٢ انّ الصدّيق حقا هو سيدنا امير المؤمنين بتلقيب من النبى الاعظم وحياً من الله تعالى. وبينا فى الجزء الثالث ص ٢٤٠ انّ أبا بكر لم يحز فضل السبق إلى الايمان.

٢ - اسلفنا فى الجزء الثامن ص ٤١ - ٤٦ ط ١: انّ حديث الحية مكذوب مفترى وانّ حياة الفضائل لا تثبت بالحيّات.

٣ - سبق منا القول الفصل حول ما ملكت يمنى ابي بكر وما أنفقه فى سبيل الدعوة الاسلامية راجع الجزء الثامن ص ٥٠ - ٦٠ ط ١.

٤ - عرفت في الجزء السابع ص ١٠٨ - ١٢٠ ط ١ مبلغاً من عرفانه السنّة، وكيف كان يحيى ما لا يعرف وفي لسانه قوله: لئن أخذ تموني بسنّة نبيكم لا اطيقها؟

٥ - سل العترة النبوية الطاهرة عن رفق الخليفة وخصّ بالسؤال الصدّيقة بضعة النبى الاقدس.

٦ - أنّى واين كان هذا البأس المزعوم عن مغازي رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ وسلم وحروبه؟ ولعله يريد يوماً فرّ عن الزحف وولّى الدبر.

٧ - استحف السؤال عن الشطر الاول اُمّ جميل الزانية أو المغيرة الزانى، وسل عن الرحيم الشفيق بضعة المصطفى الصدّيقة وبعلها الصدّيق.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

الأدب خير مِن الذهب

يقول علي الإسكافي:

كنت حاجب أمير بغداد، وكنت أؤدِّي وظائف الحجابة وقد ساءت أوضاعي وأخذ الأمير يشكُّ بي، فأصدر أمراً بسجني ومُصادرة أموالي كلِّها، وسُجنت فترةً مِن الزمن وعانيت الذِّلَّ واليأس والألم.

في أحد الأيَّام أخبرني شرطة السجن بمجيء إسحاق بن إبراهيم الطاهري، رئيس شرطة بغداد وذلك لإحضاري، فانتابني القلق كثيراً، وخفت على حياتي فيئستُ مِن الحياة، ثمَّ اقتادوني إليه فسلَّمت عليه باحترام.

ضحك إسحاق وقال: إنَّ أخي عبد الله بن طاهر بعث لي برسالة مِن خراسان يتشفع لك، وقد وافق أمير بغداد على شفاعتي.

أصدر الأمير أمراً بإطلاق سراحي مِن السجن وأرجع جميع أموالي، ثمَّ قال لي: الآن يُمكنك الذهاب إلى بيتك فشكرت الله، ومِن شِدَّة الفرح انهمرت دموعي.

في اليوم الثاني ذهبت لزيارة الأمير إسحاق الطاهري، وشكرته على صنيعه الحسن، ودعوت الله له بالخير وقلت له: إنِّي لم أحضر لزيارة عبد الله وهولا يعرفني، فما هو السبب في عَطفه عليَّ وعنايته بيَّ.

فقال: قبل عِدَّة أيَّام وصلت رسالة مِن أخي وكتب فيها ما يلي: كانت مكاتيب أمير بغداد قبل الآن تُشعر باللُّطف والمُودَّة والمحبَّة، وكان حاجب الأمير يكتب عبارات رائقة، وكانت تلك الرسائل السبب في استحكام العَلاقات الحَسنة وتقوية العواطف والأُلفة فيما بيننا، وبعد مُدَّة تغيَّرت لهجة الرسائل، وبدت فيها الخشونة والسماجة.

ويقول: إنَّ هذه التغيُّرات كانت مِن قِبَل الأمير، حيث عزل الحاجب وسجنه

٣٠١

واستبدل بغيره، ولكن الحاجب السابق كان شخصاً عارفاً بوظيفته، وله أُسلوب خاصٌّ بكتابة الرسائل، وكان يُراعي مراتب الأدب والاحترام؛ فتجب مُساعدته ومعرفة معصيته، فإذا كانت قبالة للعفو فأنا أعفو عنه، وإذا كانت لمال فيُسدَّد مِن حسابي. اطُلب مِن الأمير العفو عنه وإرجاعه إلى عمله السابق.

وأنا قد أدَّيت رسالة أخي إلى الأمير، ولحُسن الحظِّ فقد قُبلت شفاعته عند الأمير.

بعد هذا التفصيل مِن قبل إسحاق الطاهري، أعطاني عشرة آلاف درهم، وقال: هذه هديَّة الأمير لحُبِّه لك، وبعد عِدَّة أيَّام رجعت إلى عملي السابق حاجباً للأمير، ورجعت عِزَّتي مَرَّة أُخرى، وحُلَّت مشاكلي واحدة تلو الأُخرى (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣٠٢

.. والعافين عن الناس

والله يُحبُّ المُحسنين

أخبرني أبو محمد الحسن بن محمد، قال: حدَّثني جَدَّي، قال: حدَّثني محمد بن جعفر وغيره، قالوا: وقف على علي بن الحسين (عليه السلام) رجل مِن أهل بيته، فأسمعه وشتمه، فلم يُكلِّمه. فلمَّا انصرف قال لجُلسائه: (قد سمعتم ما قال الرجل، وأنا أُحبُّ أنْ تبلغوا معي إليه حتَّى تسمعوا مِنِّي رَدِّي عليه).

قال: فقالوا له: نفعل، وقد كنَّا نُحبُّ أنْ تقول له وتقول، قال: فأخذ نعليه ومشى وهو يقول: ( ... وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) .

فعلمنا أنَّه لا يقول له شيئاً.

قال: فخرج حتَّى أتى منزل الرجل، فنادى عليه، قال: (قولوا له: هذا علي بن الحسين).

قال: فخرج إلينا مُتوثِّباً للشَّرِّ، وهو لا يشكُّ أنَّه إنَّما جاء مُكافئاً له على ما كان منه: فقال له علي بن الحسين (عليه السلام):

(يا أخي، إنَّك كنت وقفت عليَّ آنفاً وقلت، فإنْ كنتَ قد قلتَ ما فيَّ، فأنا أستغفر الله منه، وإنْ كنتَ قلتَ ما ليس فيَّ، غَفر الله لك).

قال: فقبَّل الرجل ما بين عينيه وقال: بلى، قلت ما ليس فيك، وأنا أحقُّ به.

كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) قادراً على التحدُّث مع ذلك الرجل بخشونة، وعلى معُاقبته بموجب الموازين الشرعيَّة، ولكنَّه - فَضلاً عن كونه لم يشتدَّ في الكلام معه ولم يُعاقبه، فإنَّه - واجهه بكلِّ نُبل وأدب، وقابل عمله السيِّئ بالإحسان، فناداه أوَّلاً بـ: (يا أخي)، فأوجد بذلك جوَّاً مِن المَحبَّة والتفاهُم، ومِن ثمَّ أشار إلى أقواله. وعلى الرغم مِن وضوح الحقيقة، ومِن معرفة كليهما بمَن هو المُذنب، فإنَّ الإمام السّجاد (عليه السلام) لم يتَّهمه بالذنب، بلْ طلب مِن الله المغفرة للمُذنب الحقيقيِّ، بادئاً بنفسه (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣٠٣

ما دخلت المسجد إلاَّ لأستغفرنَّ لك

حُكي أنَّ مالكاً الأشتر كان يجتاز سوق الكوفة، وعليه قميص خام وعمامة منه، فرآه بعض السَّوقة فازدرى زيَّه، فرماه ببندقة تهاوناً به.

فمضى ولم يلتفت. فقيل له: ويلك! أتدري مَن رميت؟!

فقال: لا.

قيل له: هذا مالك، صاحب أمير المؤمنين (عليه السلام) فارتعد الرجل ومضى إليه ليعتذر منه، فرآه وقد دخل مسجداً وهو قائم يُصلِّي فلمَّا انفتل، أكبَّ الرجل على قدميه يُقبِّلهما، فقال: ما الأمر؟

قال: أعتذر إليك مِمَّا صنعت.

فقال: لا بأس عليك؛ فوالله، ما دخلت المسجد إلاَّ لأستغفرنَّ لك (1).

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣٠٤

مَن أنصف مِن نفسه لم يزده الله إلاَّ عِزَّاً

عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) قال:

(كان علي (عليه السلام) إذا صلَّى الفجر لم يزل مُعقبِّاً إلى أنْ تطلع الشمس، فإذا طلعت اجتمع إليه الفُقراء والمساكين وغيرهم مِن الناس فيُعلِّمهم الفقه والقرآن، وكان له وقت يقوم فيه مِن مجلسه ذلك، فقام يوماً فمَرَّ برجل فرماه بكلمةِ هجوٍ - قال: ولم يُسمِّه محمد بن علي (عليه السلام) - فرجع عَوده على بدئه، حتَّى صعد المنبر وأمر فنودي: الصلاة جامعة.

فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال:

أيُّها الناس، إنَّه ليس شيء أحبُّ إلى الله، ولا أعمَّ نفعاً مِن حِلم إمام وفقهه.

ولا شيء أبغض إلى الله ولا أعمَّ ضرراً مِن جهل إمام وخرقِهِ.

ألاْ وإنَّه مَن لم يكن له في نفسه واعظ لم يكن له مِن الله حافظ.

ألاْ وإنَّه مَن أنصف مِن نفسه لم يزده الله إلاَّ عِزَّاً.

ألا وإنَّ الذِّلَّ في طاعة الله أقرب إلى الله مِن التعزُّز في معصيته.

أما إنِّي لو أشاء لقلت..

فقال رجل: أو تعفو وتصفح فأنت أهلٌ لذلك.

فقال: عفوت وصفحت).

كثيراً ما اتَّفق في حياة الإمام علي (عليه السلام) أنْ تَجرَّأ عليه بعض الجَهلة، وافتروا عليه بعض الأقاويل، فعفا عنهم الإمام وقابل إساءتهم بالإحسان؛ إذ إنَّ العفو عنهم

٣٠٥

والتغاضي عن إساءاتهم لم يكن ليَنتج عنهما أيُّ ضررٍ، بلْ كانا أحياناً يُعتبران نوعاً مِن العقاب لهم على ترك هذه الرذيلة. ولكنْ في مثل هذه الحالات كان العفو مع السكوت يُسبب أضراراً، لأنَّ العفو مِن دون قيد ولا شرط كان كفيلاً بأنْ يُحمل على ضعف الإمام، وربَّما حمل المُسيء على المضيِّ في إساءاته أكثر؛ ولهذا عزم الإمام على تعنيف المُسيء وإخراج فِكرة الأعمال العدوانيَّة مِن رأسه (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣٠٦

الإيمان عمل كلُّه والقول بعضه

عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: قلت له:

أيُّها العالِم، أخبرني أيُّ الأعمال أفضل عند الله؟

قال: (ما لا يقبل الله شيئاً إلاَّ به).

قلت: وما هو؟

قال: (الإيمان بالله الذي لا إله إلاّ هو أعلى الأعمال درجة، وأشرفها منزلة، وأسناها حَظَّاً).

قال: قلت: ألا تُخبرني عن الإيمان، أهو قول وعمل، أم قول بلا عمل؟

فقال: (الإيمان عمل كلُّه، والقول بعض ذلك العمل، بغرض مِن الله بُيِّن في كتابه، واضح نوره، ثابتة حُجَّته، يشهد له به الكتاب ويدعوه إليه).

قال: قلت: صِفه لي، جُعلت فداك! حتَّى أفهمه.

قال: (الإيمان حالات ودرجات وطبقات منازل، فمنه التامُّ المُنتهي تمامه، ومنه الناقص البيِّن نُقصانه، ومنه الراجح الزائد رُجحانه).

قلت: إنَّ الإيمان ليتمُّ وينقص ويزيد؟

قال: (نعم).

قلت: كيف ذلك؟

قال: (لأنَّ الله تبارك وتعالى فرض الإيمان على جوارح (1) ابن آدم وقسَّمه عليها

____________________

(1) الجوارح في اللُّغة: هي الأعضاء التي بها يقوم الجسم بفعاليَّاته الإراديَّة، والتي يكسب بها الخير والشَّرَّ.

٣٠٧

وفرَّقه فيه، فليس مِن جوارحه حاجةً إلاَّ وقد وكِّلت مِن الإيمان بغير ما وكِّلت به أُختها، فمنها قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم، وهو أمير بدنه الذي لا تَرِد الجوارح ولا تصدر إلاَّ عن رأيه وأمره...) (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣٠٨

مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العُليا فهو في سبيل الله

إنَّ أعرابيَّاً أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال:

يا رسول الله، الرجل يُقاتل للمَغنم، والرجل يُقاتل ليُذكر، والرجل يُقاتل ليُرى مكانه، فمَن في سبيل الله؟

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العُليا فهو في سبيل الله) (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣٠٩

الأمر إلى الله يضعه حيثُ يَشاء

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قبل الهِجرة، يغتنم فرصة تجمع القبائل والعشائر العربيَّة، التي كانت تَفِد على مَكَّة مِن كلِّ حَدبٍ وصوبٍ ليزورهم في مضاربهم يدعوهم إلى عبادة الأحد، وإلى التحرُّر مِن عبوديَّة الأصنام، ويُعلن لهم رسالة نبوَّته.

وذات مَرَّة، عندما كان التجمُّع قد اشتدَّ في مِنى، بدأ بإعلان دعوته، مُتَّجهاً أوَّلاً إلى مضارب بني كلب، ومِن ثمَّ إلى مضارب بني حنيفة، عارضاً على هاتين القبيلتين الدخول في الإسلام، ولكنَّهما رفضتا دعوته وردَّتاه، فاتَّجه إلى بني عامر وعرض عليهم الإسلام.

وكان رجل مِن رؤسائهم اسمه (بحيرة) قد جذبه مظهر الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) ولهجته الرصينة النافذة، فقال: لو أُتيح لي أنْ أستميل هذا الرجل عن قريش إليَّ، لاستطعت وبقُدرته أُسيطر على العرب جميعاً وأستحوذ على طاعتهم.

ثمَّ التفت إلى رسول الله وقال: أرأيت إنْ نحن بايعناك على أمرك، ثمَّ أظهرك الله على مَن خالفك، أيكون لنا الأمر مِن بعدك؟

قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (الأمر إلى الله يضعه حيثُ يَشاء).

فقال له: أفتُهدَفُ نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا؟ لا حاجة لنا بأمرك، فأبوا عليه.

لم يكن بنو عامر يُدركون ما في قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يفهموا معنى أنْ يكون الأمر لله يضعه حيثُ يشاء. ولو أنَّ نبيَّ الإسلام قَبِلَ - يومذاك - ما طلبه (بحيرة) لكان يَعد بني عامر مِن بعده، ويُحيي آمالهم بالمُستقبل، ولالتفَّ حوله أبناء تلك

٣١٠

القبيلة، يضعون تحت أمره كلَّ ما كان فيهم مِن قوَّة وسلاح، ولكنَّ الإسلام ينتشر بسُرعة، وكان هذا بذاته يُعدُّ نجاحاً كبيراً، وفائدة عُظمى. وكان قائد الإسلام، المبعوث مِن الله لتربية الإنسان، والقدوة في مكارم الأخلاق، ما كان ليخطو خُطوة لا تَّتفق وشرف الإنسانيَّة، ولا يَعِدُ بما لا حقيقة له (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣١١

الماء لا يُمنَع عن أحد

صِفِّين أرض تقع غرب نهر الفرات بين (الرقة) و(بالس)، حيث دارت رحى حربٍ ضَروسٍ بين جيش الإمام علي (عليه السلام) وجيش مُعاوية، أصابت كلا الطرفين بخسائر كبيرة، فقد جاء في بعض الروايات أنَّ جيش علي (عليه السلام) ضَمَّ تسعين ألف جنديٍّ، بينما بلغ جيش مُعاوية مِئة وعشرون ألفاً.

كانت أرض صِفِّين مُرتفعة عن نهر الفرات، فكانوا يستخدمون الدلاء للاستقاء. ولكنْ في المناطق المزدحمة بالقوافل وبالأنعام والأغنام التي ترد الماء، لم يكن للدلاء نفع كبير، فكان الناس قد شقُّوا طريقاً في المناطق المُنخفضة للوصول إلى شريعة الماء بحيواناتهم وإبلهم فيَردِونها ويحملون مِن الماء ما يحتاجونه في رحلتهم.

في صِفِّين كانت الشريعة عريضة تَفي لسقي كلا الجيشين دون عناء، ولوصول الفُرسان إلى الماء، هُمْ وخيولهم، لحمل ما يحتاجون مِن الماء. وقبل اندلاع حرب صِفِّين، عزم مُعاوية بن أبي سفيان على الاستيلاء على شريعة الفرات، ومنع جيش علي (عليه السلام) مِن الوصول إلى الماء، للتضييق عليهم، والانتصار في الحرب. ونفَّذ معاوية عزمه، فوَكَل لحراسة الشريعة جيشاً قوامه أربعون ألف جنديٍّ بإمرة أبي الأعور؛ ليمنعوا جيش علي (عليه السلام) عن الماء.

وإذ حاول نفر مِن جنود الإمام الوصول إلى الماء، منعهم جنود مُعاوية، وتجالدوا ساعة، ثمَّ عاد جنود الإمام إلى مُعسكرهم دون ماء. وانتشر خبر ضرب الحصار على شريعة الفرات، فغضب جنود الإمام، وأرادوا أنْ يبدأوا الهجوم بأسرع ما يُمكن لطرد جيش مُعاوية عن شريعة الماء، ولكنَّ الإمام علي (عليه السلام) لم يكن يُريد أنْ يكون هو البادئ بالحرب، فيحتكم إلى السيف قبل إتمام الحُجَّة على مُعاوية وجيشه.

٣١٢

ولكي يُبيِّن الموقف، استدعى عبد الله بن بديل، وصعصعة بن صوحان وشبث بن ربعي، وطلب إليهم الذهاب إلى مُعاوية ليقولوا له: إنَّه لم يأت بجيشه ليُحارب على الماء، فليأمر مُعاوية جنوده بإخلاء طريقهم إلى الماء.

انطلق أعضاء الوفد إلى مُعاوية وأبلغوه رسالة الإمام (عليه السلام)، وتحدَّثوا بأنفسهم عن الأمر أيضاً، وراحوا يُحذِّرون مُعاوية مِن إراقة الدماء وإشعال الفتنة. كما أنَّ بعضاً مِن حاشية مُعاوية الذين حضروا المجلس أوردوا بعض الكلام، وكان بعضهم شديد المُعارضة لاحتكار الماء، غير أنَّ مُعاوية ظلَّ مُصرَّاً على موقفه وردَّ الوفد خائباً.

رجع أعضاء الوفد وشرحوا للإمام ما جرى في مجلس مُعاوية.

وإذ سمع الجيش بالخبر اشتدَّ به الغضب، وتهيَّأ لخوض معركة دامية. وبعد أنْ أرخى الليل سُدوله وغَطَّى الظلام كلَّ شيء، خرج الإمام علي (عليه السلام) مِن خيمته يتفقَّد العسكر، فسمع الجنود في خيامهم يتحدَّثون عن ظلم مُعاوية، ومُحاصرة شريعة الماء، ومُشكلة العطش. كانوا يترنَّمون بالشعر الحماسيِّ، ويتحاورون في شؤون الحرب وهم ينتظرن صدور الأمر بالحرب.

وعند عودته إلى خيمته، دخل عليه الأشعث بن قيس، ثمَّ مالك الأشتر وأخذا يشرحان ظروف فُقدان الماء واستعداد الجنود للمُباشرة بالحرب، وطلبا مِن الإمام أنْ يُصدِر أمره بالهجوم على جيش مُعاوية لتحرير شريعة الماء، وإنهاء هذه الحالة الشائنة. كان الإمام قد أوفد وفده إلى مُعاوية وأتمَّ الحُجَّة عليه دون أنْ ينصاع مُعاوية للحقِّ، فلم يجد الإمام (عليه السلام) بُدَّاً مِن أنْ يأمر ببدء الحرب، فخاطبهم قائلاً:

(فإن القوم قد بدأوكم بالظلم، وفاتحوكم بالبغي واستقبلوكم بالعُدوان).

عاد مالك والأشعث إلى جنودهما قائلين لهم: مَن لا يخاف الموت فليتهيَّأ لبزوغ الفجر. فتطوَّع لذلك نحو اثني عشر ألف جنديٍّ. وبدأت الحرب عند بزوغ

٣١٣

الشمس. وكانت حرباً شديدة، قُتِل فيها مِن الجانبين خَلق كثير، ولكنَّ قتلى جيش الشام كان أكثر عدداً. وانتصر جيش الإمام (عليه السلام)، ودُحر جيش مُعاوية وانهزم ووقعت شريعة الماء بيد جيش الإمام.

بعد هذه الهزيمة سأل مُعاوية عمرو بن العاص: ما رأيك؟ ألا ترى أنَّ عليَّاً سيمنع الماء عنَّا؟ فردَّ عليه عمرو بن العاص قائلاً: لا أرى عليَّاً يمنع الماء عن مخلوق.

مضى على ذلك يومان مِن دون حادث بشأن الماء. وفي اليوم الثالث أرسل مُعاوية وفداً مؤلَّفاً مِن اثني عشر رجلاً إلى الإمام علي (عليه السلام) يستجيزونه في الاستسقاء، فقال قائلهم في حضرة الإمام (عليه السلام): ملكتَ فامنح، وجُد علينا الماء، وأعفُ عمَّا سلف مِن مُعاوية.

فقال لهم الإمام (عليه السلام): عودوا إلى مُعاوية وأبلغوه أنَّ أحداً لا يمنعهم عن الماء. وأمر أنْ يُنادى بذلك بين الجنود. فاستتبَّ الهدوء على شطِّ الفرات ثلاثة أيَّام، يَرِده كلا الطرفين. ولكنْ عادت إلى مُعاوية فِكرة الاستيلاء على الشطِّ واحتكار الماء، فبادر إلى خدعة يبعد بها جنود الإمام عن مواضعهم عند الشريعة، ليحتلَّ مواضعهم. فأمر أنْ يكتب على شاخص خشبي: يُحذِّركم واحد مِن عباد الله المُحبِّين لأهل العراق مِن أنَّ مُعاوية ينوي كسر سَدِّ الفرات ليَغرق الجنود على الشطَّ، فكونوا على حذر.

وفي الليل وضِع الشاخص في قوس ورُمي به بين جنود العراق. وعند طلوع الفجر لاحظ جنديٌّ الشاخص وقرأ ما عليه، وناوله غيره، حتَّى أوصلوه إلى الإمام (عليه السلام)، فقال: (هذه خدعة مِن مُعاوية، يُريد إرعابكم ليُشتَّتكم).

وعند الصُّبح شاهد العراقيُّون مئتين مِن جنود مُعاوية الأشدَّاء يحملون المعاول والمجارف، يقدمون إلى حيث سدِّ الفرات، وبدأوا التخريب فيه وهُمْ يتصايحون،

٣١٤

فصدَّق العراقيُّون مقولة صاحب الشاخص، وأنَّه قد نصح لهم، فارتأى القادة ورؤساء القبائل أنْ الصلاح في ترك شريعة الماء لينجوا بأنفسهم مِن خطر مُحتمل. ولم يأت المغرب حتَّى كانت الشريعة قد أُخليت مِن الجند ومِمَّا حولها مِن الخيام والمرابض.

وعند مُنتصف الليل أمر مُعاوية جنوده باحتلال الشريعة، وأنْ ينصبوا خيامهم بمكان خيام جند الإمام (عليه السلام). وعند الصُّبح أدرك العراقيُّون أنَّ مُعاوية قد خدعهم، وخجلوا مِن عدم تصديق الإمام، وندموا على ما فرط منهم، وجاء بعض الرؤساء يطلبون العفو مِن الإمام، ووعدوه ببذل كلِّ ما يستطيعون لجبر هذا الكسر الشائن. وتقدَّم مالك والأشعث يخطبان في الجنود، الذين كانوا يشعرون بالخجل وبالغضب، فأثارتهم خُطبهما وأهاجتهم، حتَّى إنَّهم جرَّدوا سيوفهم مِن أغمادها وتعاهدوا على الموت، وانحدروا نحو الميدان كالأسود الهائجة، واشتبكوا مع جُند مُعاوية في حرب ضَروس دمويَّة، فقُتل عدد مِن الجانبين، ولم ينقض النهار حتَّى ضعف جنود مُعاوية على المُقاومة وولُّوا الأدبار حتَّى ثلاثة فراسخ، وانتصر جيش الإمام علي (عليه السلام)، واستعاد سيطرته على شطِّ الفرات.

وتقدَّم الأشعث إلى الإمام علي (عليه السلام) يُهنِّئه بالانتصار ويستأذنه في منع الماء عن جيش مُعاوية، فرفض الإمام ذلك وقال: إنَّ الماء يجب أنْ يكون في مُتناول الجميع. ولكيلا يظنَّ مُعاوية أنَّه ممنوع مِن الماء، لم ينتظر الإمام مجيء وفد مِن مُعاوية، بلْ بادر بإرسال مبعوث يُخبر مُعاوية بأنَّه لا يُقابل عمله القبيح بمثله، وله أنْ يستقي لجنوده كالسابق.

٣١٥

هي حُرَّة لِمَمْشاك

عن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) قال: (جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد بلي ثوبه، فحمل إليه اثني عشر درهماً فقال: يا علي خذ هذه الدراهم فاشتر لي ثوباً ألبسه.

قال علي (عليه السلام): فجئت إلى السوق، فاشتريت له قميصاً باثني عشر درهماً، وجئت به إلى رسول الله، فنظر إليه، فقال:

يا عليُّ غَيْرُ هذا أحبُّ إليَّ؛ أترى صاحبه يُقيلنا؟

فقلت: لا أدري.

فقال: انظُر.

فجئت إلى صاحبه، فقلت: إنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد كره هذا، يُريد ثوباً دونه؛ فأقلنا فيه، فردَّ عليَّ الدراهم وجئت بها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فمشى معي إلى السوق ليبتاع قميصاً، فنظر فإذا جارية تبكي، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما شأنك؟

قالت: يا رسول الله، إنَّ أهل بيتي أعطوني أربعة دراهم لأشتري لهم بها حاجة فضاعت، فلا أجسر أنْ أرجع إليهم.

أعطاها رسول الله أربعة دراهم وقال لها: إرجعي إلى أهلك.

ومضى رسول الله إلى السوق، فاشترى قميصاً بأربعة دراهم ولبسه وحمد الله. وخرج فرأى رجلاً عُرياناً يقول: مَن كساني كساه الله مِن ثياب الجَنَّة، فخلع رسول الله قميصه الذي اشتراه وكسا السائل، ثمَّ رجع إلى السوق فاشترى بالأربعة التي بقيت قميصاً آخر فلبسه وحمد الله.

ورجع إلى منزله فإذا الجارية قاعدة على الطريق.

فقال لها رسول الله: ما لك لا تأتين أهلك؟

٣١٦

قالت: يا رسول الله، إنِّي قد أبطأت عليهم وأخاف أنْ يضربوني.

فقال لها رسول الله: مُرِّي بين يديَّ ودُلِّيني على أهلك.

فجاء رسول الله حتَّى وقف بباب دارهم، ثمَّ قال:السلام عليكم يا أهل الدار. فلم يُجيبوه، فأعاد السلام فلم يُجيبوه، فأعاد السلام، فقالوا: عليك السلام يا رسول الله، ورحمة الله وبركاته، فقال لهم: ما لكم تركتم إجابتي في أوَّل السلام والثاني.

قالوا: يا رسول الله، سمعنا سلامك فأحببنا أنْ نستكثر منه.

فقال رسول الله: إنَّ هذه الجارية أبطأت عليكم فلا تؤاخذوها.

فقالوا: يا رسول الله، هي حُرَّة لممشاك) (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣١٧

الآن يدخل كلامي في أُذنك

في القَرن السادس الهِجري وصل (ابن سلاَّر) - وكان ضابطاً في الجيش المصري - إلى مقام الوزارة، وراح يحكم الناس بكلِّ اقتدار.

كان هذا مِن جِهة شجاعاً نشيطاً ذكيَّاً، وكان مِن جِهة أُخرى أنانيَّاً فظَّاً ظالماً، وقد خدم أثناء حُكمه كثيراً، كما ظلم كثيراً.

عندما كان (ابن سلار) ضابطاً في الجيش، حكم عليه بدفع غرامة، فشكا الأمر إلى (أبي الكرم) مُحاسب الديوان وأوضح له الأمر. غير أنَّ أبا الكرم أهمل كلامه بحَقٍّ أو بدون حَقٍّ، وقال له: إنَّ كلامك لا يدخل في أُذني. فغضب ابن سلار منه وحقد عليه، وما أنْ تسلَّم مقام الوزارة حتَّى انتهز الفرصة للانتقام، فألقى القبض عليه، وأمر أنْ يدقَّ في أُذنه مسمار طويلاً، فدقَّ حتَّى خرج مِن أُذنه الأُخرى. ومع كلِّ صرخة مِن صرخات أبي الكرم عند طَرق المسمار في أُذنه، كان ابن سلار يقول له: الآن يدخل كلامي في أُذنك. ثمَّ أمر بشنق جُثَّته الهامدة بتعليقه مِن المسمار الداخل في رأسه.

لقد جرح أبو الكرم خاطر ابن سلار وأصاب قلبه بكلامه. ولو كان ابن سلار مِن ذوي السجايا الإنسانيَّة، سليم الفكر، لبرئ جُرح قلبه بعد بضعة أسابيع أو شهور، ولنَسي تلك الحادثة المُرَّة، ولكنَّه كان مُصاباً في فكره بفساد الأخلاق، فلم يلتئم جُرحه بسبب أنانيَّته وحِقده وحُبِّه للانتقام.

ولهذا، وبعد مرور عِدَّة سنوات ووصوله إلى الوزارة، ونيله فرصة للانتقام، انتقم مِن ذلك الكلام الجارح، وشفى غليله، ولكنَّه في سبيل ذلك ارتكب عملاً وحشيَّاً بعيداً عن الإنسانيَّة، فقتل رجلاً شَرَّ قتلة بسبب ما تفوَّه به (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣١٨

لم يُعطَ أحدٌ شيئاً أضرَّ له في آخرته

مِن طلاقة لسانه

أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أعرابيٌّ وقال له:

ألستَ خيرنا أباً وأُمَّاً، وأكرمنا عقباً، ورئيسنا في الجاهليَّة والإسلام؟

فغضب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: (يا أعرابيُّ، كمْ دون لسانك مِن حجاب؟).

قال: اثنان، شَفتان وأسنان.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (فما كان في واحد مِن هذين ما يردُّ عنَّا غرب لسانك هذا؟ أما إنَّه لم يُعطَ أحد في دنياه شيئاً هو أضرُّ له في آخرته مِن طلاقة لسانه. يا عليُّ، قُمْ فاقطع لسانه).

فظنَّ النّاس أنَّه يقطع لسانه، فأعطاه دراهم.

لقد كان كلام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بحيث إنَّ الحاضرين حسبوا أنَّ عليَّاً (عليه السلام) سوف يقطع لسانه فعلاً، ولكنَّ قائد الإسلام أعرب بكلماته الشديدة عن عدم استحسانه لما تفوَّه به الأعرابي مِن جِهة، وأفهم الحُضَّار، مِن جِهة أُخرى، أنَّ التملُّق والمُداجاة مِن العيوب الخلقية الكبيرة وأنَّ على المسلمين أنْ يحذروا التخلُّق بمثل هذا الخُلق المُذلِّ الشائن (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣١٩

المجالس بالأمانة

قيل لعلي بن الحسين (عليه السلام): إنَّ فلاناً ينسبك إلى أنَّك ضالٌّ مُبتدعٌ.

فقال للقائل: (ما رعيت حَقَّ مُجالسة الرجل حيث نقلت إلينا حديثه، ولا أدَّيت حَقِّي حيث أبلغتني عن أخي ما لستُ أعلمه).

عندما يسمع البعض أحداً يغتاب صاحباً له ينقلون إليه الغيبة، بدلاً مِن أنْ يدافعوا عنه، ظانِّين أنَّهم بهذا يُقدِّمون خِدمة لصاحبهم مِن جِهة بإطلاعه على ما يُقال عنه، ويكشفون له، مِن جِهة أُخرى، مقدار ما يُكنُّونه له مِن حُبٍّ وصداقة، ولكنَّ الإمام السجاد (عليه السلام) اعتبر هذا العمل مُثيراً للفتنة ومِن العيوب المعنويَّة والسيِّئات الأخلاقيَّة، فقبَّح فعل النمَّام وانتقد عمله مِن جِهتين.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402