الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١١

الغدير في الكتاب والسنة والأدب14%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 402

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 402 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 159944 / تحميل: 3942
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١١

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وكيعٌ خيرٌ منك قال : منّي ؟ قلت : نعم ، فما قال لي شيئاً ، ولو قال شيئاً لوثب عليه أصحاب الحديث ، فبلغ ذلك وكيعاً فقال : يحيى صاحبنا )(١) .

وإنّما نُسِب إلى الرفض ؛ لأنّه كان يتكلّم في عثمان ولا يترحّم عليه ، ففي ترجمة الحسن بن صالح من(ميزان الاعتدال) وغيره :

( قال وكيع : هو عندي إمام ، فقيل : إنّه لا يترحّم على عثمان فقال : أفتترحّم أنت على الحجّاج )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٤ : ٣٣٦/ ٩٣٥٦ .

(٢) ميزان الاعتدال ـ ترجمة الحسن بن صالح ١ : ٤٩٩/ ١٨٦٩ .

٢٤١

عبد الرزّاق بن همّام

وأمّا عبد الرزّاق بن همّام... فقد ذكرت له المناقب العظيمة والفضائل الجليلة في مختلف الكتب ، نكتفي منها بما جاء في( مرآة الجنان ) حيث قال اليافعي في حوادث السنة ٢١١ :

( وفي السنة المذكورة : توفي الحافظ العلاّمة المرتحل إليه من الآفاق ، الشيخ الإمام عبد الرزّاق بن همّام ، اليمني الصنعاني الحميري ، صاحب المصنّفات ، عن ستٍّ وثمانين سنة روى عنك مَعْمَر وابن جريج والأوزاعي وطبقتهم ، ورحل إليه الأئمّة إلى اليمين قيل : ما رحل النّاس إلى أحدٍ بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل ما رحلوا إليه ، وروى عنه خلائق من أئمّة الإسلام ، منهم : الإمام سفيان بن عيينة ، والإمام يحيى بن معين ، وإسحاق بن راهويه ، وعليّ بن المديني ، ومحمود بن غيلان )(١) .

وفي( ميزان الاعتدال ) :

( [ع] عبد الرزّاق بن همّام بن نافع ، الإمام ، أبو بكر ، الحميري مولاهم ، الصنعاني ، أحد الأعلام الثقات ولد سنة ١٢٦ ، وطلب العلم وهو ابن عشرين سنة فقال : جالست مَعمَر بن راشد سبع سنين ، وقدِم الشام بتجارةٍ فحجّ ، وسمِع من ابن جريج ، وعبيد الله بن عُمر ، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند ، وثور بن يزيد ، والأوزاعي وخلق ، وكَتب شيئاً كثيراً ، وصنّف الجامع الكبير ، وهو خزانة

ـــــــــــــــــــ

(١) مرآة الجنان ٢ : ٤٠ .

٢٤٢

علم ، ورحل النّاس إليه : أحمد ، وإسحاق ، ويحيى ، والذهلي ، والرمادي وعبد )(١) .

ومع هذا كلّه ، فقد تكلّم فيه بعض الأئمّة واتّهمه غيره بالكذب !

قال الذهبي :

( أبو زرعة عبيد الله : حدّثنا عبد الله المسندي قال : ودّعت ابن عيينة فقلت : أُريد عبد الرزّاق ، قال : أخاف أنْ يكون من الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا .

العقيلي : حدّثني أحمد بن دكين [زُكير] الحضرمي ، ثنا محمّد بن إسحاق بن يزيد البصري ، سمعت مخلّد الشعيري يقول : نت عند عبد الرزاق، فذكر رجل معاوية، فقال : لا تقذر مجلسنا بذكر ولد أبي سفيان .

محمّد بن عثمان الثقفي الصري قال : لمّا قدم العبّاس بن عبد العظيم من صنعاء ، من عند عبد الرزّاق ، أتيناه فقال لنا ونحن جماعة : ألست قد تجشّمت الخروج إلى عبد الرزّاق ورحلت إليه وأقمت عنده ؟ والذي لا إله إلاّ هو : إنّ عبد الرزّاق كذّاب...)(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٢ : ٦٠٩/ ٥٠٤٤ .

(٢) ميزان الاعتدال ٢ : ٦١٠ ـ ٦١١ / ٥٠٤٤ .

٢٤٣

إسحاق بن راهويه

وأمّا إسحاق بن راهويه... فإنّه وإنْ كان من الأئمّة الأعلام والمحدّثين العظام ، لكنّه تغيّر في آخر عمره واختلط قال في( الميزان ) :

( قال أبو عبيد الله الآجري : سمعت أبا داود يقول : إسحاق بن راهويه تغيّر قبل أنْ يموت بخمسة أشهر ، وسمعت منه في تلك الأيّام فرُميت به ) .

قال :

( وذكر لشيخنا أبي الحجّاج حديث فقال : قيل : إسحاق اختلط في آخر عمره )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ١ : ١٨٣/ ٧٣٣ .

٢٤٤

روح بن عبادة

وأمّا روح بن عبادة ، وقد أثنى عليه جماعة من الأكابر كما في( تذهيب التهذيب ) حيث قال :

( روح بن عبادة بن العلاء بن حسّان القيسي أبو محمّد البصري ، أحد الحفّاظ والرؤساء ، عن حسين المعلّم وابن عون ووَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ وحاتم بن أبي صغيرة وزكريّا بن إسحاق وابن جريج وعوف الأعرابي وخلقٌ كثير ، وعنه : أحمد وابن راهويه وإسحاق الكوسج وإبراهيم الجوزجاني وعدب بن حميد وأبو بكر الصاغاني ويحيى بن أبي طالب ، وخلائق مِن آخرهم الكديمي .

قال الكديمي : سمعت عليّ بن المديني يقول : نظرت لروح بن عبادة في أكثر من مئة ألف حديث ، كتبت منها عشرة آلاف .

قال يعقوب بن شيبة : كان روح أحد مَن تحمّل الحمالات ، وكان سريّاً مريّاً كثير الحديث جدّاً ، صدوقاً ، سمعت عليّ بن عبد الله يقول : مِن المحدّثين قومٌ لا يزالوا في الحديث... فطلبوا ثمّ صنّفوا ثمّ حدّثوا ، منهم روح بن عبادة .

وقال ابن معين : صدوق )(١) .

وقال ابن حجر :

( ثقةٌ فاضل ، له تصانيف )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) تذهيب التهذيب وانظر تهذيب التهذيب ٣ : ٢٥٣/ ٥٤٩ .

(٢) تقريب التهذيب ١ : ٢٤٩/ ٢١٤٣ .

٢٤٥

فإنّ القواريري تكلّم فيه وأنكر عليه جملةً مِن أحاديثه .

وقال أبو حاتم : لا يحتجّ به .

وقال النسائي : ليس بقويّ .

وطعن فيه جماعة من الأئمّة قال الذهبي في( الميزان ) :

( روح بن عبادة بن العلاء بن حسّان البصري ، القيسي ، ثقةٌ مشهور، حافظ ، من علماء أهل البصرة عن حسين المعلّم وابن عون وخلقٌ ، وعنه : أحمد وعبد بن حميد وأبو بكر الصاغاني وخلق.

وروى الكديمي عن ابن المديني قال : نظرت لروح في أكثر من مئة ألف حديث ، كتبت منها عشرةَ آلاف .

وقال ابن معين وغيره : صدوق ، وتكلّم فيه القواريري بلا حجّة .

وقال ابن المديني : ذكر عبد الرحمان روح بن عبادة فقلت : لا تفعل ، فإنّ هاهنا قوماً يحملون كلامك ، فقال : أستغفر الله ، ثمّ دخل فتوضّأ ، يذهب إلى أنّ الغيبة تنقض الوضوء .

وقيل : إنّ عبد الرحمان تكلّم فيه ، لكونه وهم في إسناد ، فلا ضير ، وقال يعقوب بن شيبة : قال محمّد بن عمر : قال يحيى بن معين : هذا القواريري يحدّث عن عشرين شيخاً من الكذّابين ، ثمّ يقول : لا اُحدّث عن روح ، ثمّ قال يعقوب : وسمعتُ عفّان لا يرضى أمر روح بن عبادة ، ثمّ بلغني عنه أنّه قوّاه ، وقال أحمد بن الفرات : طعن على روح اثنا عشر رجلاً ، فلم ينفذ قولهم فيه .

وروى الكتاني عن أبي حاتم قال : لا يحتجّ به .

وقالس في العلل وفي الكنى : روح ليس بالقوي .

قلت : نعم ، عبد الرحمان بن مهدي أقوى منه ، وأمّا هو فصدوقٌ صاحب حديث ، وقال يعقوب بن شيبة : كان روح أحد مَن يتحمّل الحمالات ، وكان سرياً مريّاً ، صدوقاً ، كثير الحديث جدّاً ، وقال ابن المديني : لم يزل روح في الحديث منذ نشأ .

قال عليّ : وكان ابن مهدي يطعن على روح وينكر عليه أحاديث ابن أبي ذئب عن الزهري مسائل ، فلمّا قدمت على معن أخرجها لي وقال : هي عند بصري لكم ، سمعها معنا ، فأتيت عبد الرحمان فأخبرته فأحسبه قال : استحلّه لي .

٢٤٦

قال يعقوب بن شيبة : سمعت [عن] عفّان [أنّه] لا يرضى أمر روح بن عبادة ، وقال أبو عبيد الآجري : سمعت أبا داود يقول : أكثر ما أنكر القواريري على روح تسعمئة حديث ، حدّث بها عن مالك سماعاً ، مات روح سنة خمس ومئتين )(١) .

عبد بن حميد

وأمّا عبد بن حُميد ، فإنّ فضائله ومكارمه مذكورة في( تذكرة الحفّاظ ) وغيره من الكتب(٢) .

لكنّ ابن تيميّة وأتباعه لا يرتضونه، لأنّه روى نزول قوله تعالى:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ ... ) الآية ، في أمير المؤمنين ( عليه الصّلاة والسّلام ) ، كما في( الدرّ المنثور ) بتفسيرها :

( أخرج عبد الرزّاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عبّاس في قوله :( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ) الآية قال : نزلت في عليّ ابن أبي طالب )(٣) .

فقال ابن تيميّة :

( أجمع أهل العلم بالنقل على أنّها لم تنزل في عليّ بخصوصه ) ، ثمّ قال :

( وأمّا أهل العلم الكبار أصحاب التفسير ، كمحمّد بن جرير الطبري ، وبقيّ بن مخلد ، وابن أبي حاتم ، وأبي بكر ابن المنذر ، وعبد الرحمان بن إبراهيم وأمثالهم ، فلم يذكروا فيها مثل هذه الموضوعات ، دع من هو أعلم منهم مثل : أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، بل لا يذكر مثل هذا عبد بن حميد ولا

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٢ : ٥٨ ـ ٦٠/ ٢٨٠٢ .

(٢) تذكرة الحفّاظ ٢ : ٨٩/ ٥٥١ .

(٣) الدر المنثور ٣ : ١٠٥ .

٢٤٧

عبد الرزّاق ، مع أنّ عبد الرزّاق كان يميل إلى التشيّع ، ويروي كثيراً من فضائل عليّ ، وإنْ كانت ضعيفة ، لكنّه أجلّ قدراً من أنْ يروي مثل هذا الكذب الظاهر )(١) .

ومفهوم هذا الكلام أنّ ( عبد بن حميد ) ليس من أهل العلم الكبار أصحاب التفسير ، بل ليس من صغارهم ؛ لأنّ إخراج مثل هذا الحديث ليس مِن شأن العلماء... لكن ابن تيميّة في هذا الكلام ينكر أنْ يكون ابن جرير مثلاً من رواة هذا الحديث ، سبحانك اللّهم هذا بهتانٌ عظيم... فقد عرفت من كلام السيوطي روايته ، وكذا رواية ابن أبي حاتم...

سُنيد بن داود

وأمّا سُنيد ، فإنّه وإنْ ذكره ابن حبّان في الثقات ، وقال ابن أبي حاتم : صدوق ، لكنْ تكلّم فيه غير واحدٍ من الأئمّة الأعلام .

قال الذهبي في( الميزان ) :

( سنيد بن داود المصيصي المحتسب ، واسمه الحسين ، عن حمّاد بن زيد وهشيم والطبقة ، حافظٌ له تفسير ، وله مَا ينكر .

أنبأنا ابن علان ، أنا الكندي ، عن القزّاز ، أنا الخطيب ، أنا ابن شاذان ، ثنا أبو سهل القطّان ، ثنا عبد الكريم بن الهيثم ، ثنا سُنيد ، نا فرج بن فضالة عن، معاوية بن صالح ، عن نافع قال : سرت مع ابن عمر فقال : طلعت الحمراء ؟ قلت : لا ، ثمّ قلت : قد طلعت ، فقال : لا مرحباً بها ولا أهلاً ، قلت : سبحان الله نجم سامع مطيع ، قال : ما قلت إلاّ ما سمعت من رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أنّ الملائكة قالت : يا ربّ ! كيف صبرك على بني آدم ؟ قال : إنّي ابتليتهم وعافيتكم قالوا : لو كنّا مكانهم ما عصيناك قال : فاختاروا ملكين منكم ، فاختاروا هاروت وماروت ، فنزلا ، فألقى الله عليهما الشهوة ، فجاءت امرأة يُقال لها الزهرة..... ) ، وذكر الحديث بطوله .

روى عنه أبو زرعة والأثرم وجماعة صدّقه أبو حاتم .

وقال أبو داود : ولم يكن بذاك .

ـــــــــــــــــــ

(١) منهاج السنّة ٤ : ٥ ـ ٦ ، باختلافٍ يسير في بعض الألفاظ .

٢٤٨

وقال النسائي : الحسين بن داود ليس بثقة .

توفّي سُنيد سنة ستٍّ وعشرين ومئتين )(١) .

وقال ابن حجر :

( ضعيف ، مع إمامته ومعرفته ، لكونه كان يلقين حجّاج بن محمّد شيخه )(٢) .

بل إنّ السيوطي ذكر في( اللآلي المصنوعة ) تضعيف أبي داود والنسائي له ، نقلاً عن كتاب الموضوعات لابن الجوزي .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٢ : ٢٣٦/ ٣٥٦٧ .

(٢) تقريب التهذيب ١ : ٣٢٣/ ٢٩٢٥ .

٢٤٩

ابن أبي شيبة

وأمّا أبو بكر ابن أبي شيبة ، فمناقبه وفضائله أشهر من أنْ تُذكر ، وأكثر من أنْ تُحصر ، قال المناوي في(فيض القدير) :

( ابن أبي شيبة ، الحافظ الثبت العديم النظير ، عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة العبْسي الكوفي ، صاحب المسند والأحكام والتفسير وغيرها... وعنه : الشيخان وأبو داود وابن ماجة وخلقٌ )(١) .

لكنّه لمّا روى تهديد عُمر بن الخطّاب فاطمة الزهراء بنت رسول الله وبضعته ، الصدّيقة الطاهرة ، بإحراق بتيها بمن فيه ، فقد قدح فيه وجرحه ابن روزبهان وبعض المتعصّبين من أمثاله .

أقول :

هذا بعض الكلام على أئمّة التفسير الذين ذكرهم السيوطي .

وقد رأينا من اللازم التعرّض لحالِ جمعٍ آخر من أئمّة التفسير من الطبقة الثانية والطبقة الثالثة ، الذين لم يذكرهم السيوطي ، تتميماً للبحث وتكميلاً للمرام...

ـــــــــــــــــــ

(١) فيض القدير في شرح الجامع الصغير ١ : ٢٧ .

٢٥٠

ابن شهاب الزّهري

فمنهم: الزّهري... وصفه الشيخ عبد الحقّ الدهلوي في كتاب( تحصيل الكمال في أسماء الرجال ) بـ ( الإمام ، أحد الفقهاء والمحدّثين ، والعلماء الأعلام من التابعين بالمدينة ، المُشار إليه في فنون الشريعة )(١) وإليه نَسب الأعور الواسطي تفسير أهل السنّة ، نافياً رجوعهم في تفسير القرآن إلى أمير المؤمنين(٢) ...

إلاّ أنْ الدهلوي قال بعد ذلك بترجمته :

( ويُقال : إنّه قد ابتلي بصحبة الأُمراء بقلّة الديانة ، لضرورات عرضت له ، وكان أقرانه من العلماء والزهّاد يأخذون عليه وينكرون ذلك منه ، وكان يقول : أنا شريكٌ في خيرهم دون شرّهم ، فيقولون : ألا ترى ما هم فيه وتسكت ؟ ) .

وهنا يُناسب أنْ نورد كلام ابن الجوزي في ذمّ صحبة الأُمراء والسّلاطين ، فإنّه قال في( تلبيس إبليس ) :

( ومن تلبيس إبليس على الفقهاء : مخالطتهم للأُمراء والسلاطين ، ومداهنتهم وترك الإنكار عليهم ، مع القدرة على ذلك ، وربّما رخّصوا لهم ما لا رخصة فيه ، لنالوا من دنياهم ، فيقع بذلك الفساد لثلاثة : الأوّل : الأمير ، فيقول : لولا أنّي على صوابٍ لأنكر عليَّ الفيه ، وكيف لا أكون مصيباً وهو يأكل من

ـــــــــــــــــــ

(١) تحصيل الكمال = رجال المشكاة .

(٢) رسالة الأعور الواسطين ـ مخطوط .

٢٥١

مالي ؟ والثاني : العامّي ، فإنّه يقول : لا بأس بهذا الأمير ولا بماله ولا بأفعاله ، فإنّ فلاناً الفقيه لا يزال عنده والثالث: الفقيه ، يفسد دينه بذلك )(١) .

وقال الغزالي في( إحياء العلوم ) في علامات علماء الآخرة :

( ومنها : أنْ يكون منقبضاً عن السلاطين ، فلا يدخل عليهم البتّة ، ما دام يجد إلى الفرار عنهم سبيلاً ، بل ينبغي أنْ يحترز من مخالطتهم وإنْ جاؤوا إليه ، فإنّ الدنيا حلوةٌ خضرة وزمامها بأيدي السلاطين ، والمُخالط لهم لا يخلو عن تكلّف في طلب مرضاتهم واستمالة قلوبهم ، مع أنّهم ظَلَمة ، ويجب على كلّ متديّن الإنكار عليهم وتضييق صدورهم بإظهار ظلمهم وتقبيح فعلهم ، فالداخل عليهم إمّا أنْ يلتفت إلى تجهلهم ، فيزدري نعمة الله عليه ، أو يسكت عن الإنكار عليهم فيكون مداهناً لهم ، أو يتكلّف في كلامه كلاماً لمرضاتهم وتحسين أحوالهم ، وذلك هو البهت الصريح ، أو يطمع في أنْ ينال من دنياهم ، وذلك هو السحت ، وسيأتي في كتاب الحلال والحرام ما يجوز أنْ يُؤخذ من أموال السلاطين وما لا يجوز من الإدرار والجوائز وغيرها .

وعلى الجملة ، فمخالطتهم مفتاح الشرّ ، وعلماء الآخرة طريقتهم الاحتياط ، وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( من بدى جفا ، يعني من سكن البادية جفا ، ومن اتّبع الصيد غفل ، ومن أتى السلطان افتتن ) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( سيكون عليهم أُمراء تعرفون منه وتنكرون ، فمن أنكر فقد برئ ، ومن كره فقد سلِم ، ولكن من رضي وتابع أبعده الله تعالى ) . قيل : أفلا نقاتلهم ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا ، ما صلّوا ) .

وقال سفيان : في جهنّم وادٌ لا يسكنه إلاّ القرّاء الزائرون للملوك .

ـــــــــــــــــــ

(١) تلبيس إبليس : ١٤٠ ، مع بعض الاختلاف في الألفاظ .

٢٥٢

وقال حذيفةرضي‌الله‌عنه : إيّاكم ومواقف الفتن. قيل: وما هي ؟ قال : أبواب الأُمراء ، يدخل أحدكم على الأمير ، فيصدّقه بالكذب ويقول له ما ليس فيه .

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( العلماء أُمناء الرسل على عباد الله تعالى ، ما لم يُخالطوا السلطان ، فإذا فعلوا ذلك فقد خانوا الرُسُل ، فاحذروهم واعتزلوهم ) .

وقيل للأعمش : قد أحيَيت العلم لكثرة مَن يأخذه عنك ، فقال : لا تعجلوا ، ثلثٌ يموتون قبل الإدراك ، وثلثٌ يلزمون أبواب السلاطين فهم شرّ الخلق ، والثلث الباقي لا يفلح منهم إلاّ القليل .

ولذلك قال سعيد بن المسيّب : إذا رأيتم العالم يغشى الأُمراء فاحترزوا منه ، فإنّه لصّ .

وقال الأوزاعي : ما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجلّ من عالم يزور عاملاً ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( شرار العلماء الذين يأتون الأُمراء ، وخيار الأُمراء الذين يأتون العلماء ) ، وقال مكحول الدمشقي : من تعلّم القرآن وتفقّه في الدين ثمّ أصحب السلطان تملّقاً إليه وطمعاً في يديه ، خاض في بحرٍ من نارِ جهنّم بعدد خُطاه .

وقال سحنون : ما أقبح بالعالم أنْ يؤتى إلى مجلسه فلا يوجد فيُسئل عنه فيقال : إنّه عند الأمير .

قال : وكنت أسمع أنّه يُقال : إذا رأيتم العالم يحبّ الدنيا فاتّهموه على دينكم ، حتّى جرّبت ذلك ، إذ ما دخلت قطّ على السلطان إلاّ ما رأيت نفسي بعد الخروج ، وأنتم تعلمون وترون ما ألقاه به من الغلظة والفظاظة وكثرة المخالفة لهواه ، ولوددت أنْ أنجو من الدخول كفافاً ، مع أنّي لا آخذ منه شيئاً ولا أشرب لهم شربة ماء .

قال : وزماننا هذا شرٌّ من علماء بني إسرائيل ، يخبرون السلطان بالرّخص وبما يُوافق هواه ، ولو أخبروه بالذي عليه وفيه نجاته لاستثقلهم ، فكره دخولهم عليه ، وكان ذلك نجاةً لهم عند ربّهم .

٢٥٣

وقال الحسن : كان فيمن كان قبلكم رجلٌ له قِدمٌ في الإسلام وصحبةً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ قال عبد الله بن المبارك : عنى به سعد بن أبي وقّاصرضي‌الله‌عنه ـ وكان يغشى السلاطين ، فقعد عنهم ، فقال له بنوه : يأتي هؤلاء مَن ليس هو مثلك في الصحبة والقِدم في الإسلام ، فلو أتيتهم فقال : بني ! إنّ الدنيا جيفة وقد أحاط بها قومٌ ، والله لئن استطعت لا أُشاركهم فيها قالوا : يا أبانا ! إذاً تهلك هزلاً ، قال : يا بني ! لأنْ أموت مؤمناً مهزولاً ، أحبّ إليّ من أنْ أموت منافقاً سميناً .

قال الحسن رحمه الله تعالى : خصمهم والله ، إذ علِم أنّ التراب يأكل اللّحم والسمن دون الإيمان ، وفي هذا إشارة إلى أنّ الدخول على السلطان لا يَسلم فيه أحدٌ من النفاق البتّة ، وهو مضادٌّ للإيمان.

وقال أبو ذر لسلمة : يا سلمة ، لا تغشَ أبواب السلاطين ، فإنّك لا تصيب مِن دنياهم شيئاً ، إلاّ أصابوا مِن دينك أفضل منه .

وهذه فتنةٌ عظيمة للعلماء وذريعةٌ صعبة للشيطان عليهم ، لا سيّما مَن له لهجة مقبولة وكلامٌ حلو ، إذ لا يزال الشيطان يلقي إليه أنّ في وعظك لهم ودخولك عليهم ما يزجرهم عن الظلم ويقيم شعائر الشرع ، إلى أنْ يُخيّل إليه أنّ الدخول عليهم مِن الدين ، ثمّ إذا دخل لم يلبث أنْ يتلطّف في الكلام ويداهن ، ويخوض في الثناء والإطراء ، وفيه هلاك الدين .

وكان يُقال : العلماء إذا علموا عملوا ، فإذا عملوا شغلوا ، فإذا شغلوا فقدوا ، فإذا فقدوا طلبوا ، فإذا طلبوا هربوا .

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن رحمهما الله تعالى : أمّا بعد ؛ فأشر علَيّ بأقوامٍ أستعين بهم على أمر الله تعالى فكتب إليه : أمّا أهل الدين فلن يُريدوك ، وأمّا أهل الدنيا فلنْ تريدهم ، ولكن عليك بالأشراف ، فإنّهم يصونون شرفهم أنْ يدنّسوه بالخيانة .

٢٥٤

هذا في عمر بن عبد العزيز ، وكان أزهد أهل زمانه ، فإذا كان شرط أهل الدين الهرب منه ، فكيف يَستتب طلب غيره ومخالطته ، ولم يزل السلف العلماء مثل الحسن ، والثوري ، وابن المبارك ، والفضيل ، وإبراهيم بن أدهم ، ويوسف بن أسباط يتكلّمون في علماء الدنيا من أهل مكّة والشام ، إمّا لميلهم إلى الدّنيا أو لمخالطتهم السلاطين ، حتّى قال بعضهم لو قيل : مَن أحمق الناس ، لأخذت بيد القاضي وقلت : هذا )(١) .

جُويبِر بن سعيد

ومنهم : جُوبير بن سعيد ، وهو من رجال ابن ماجة ، ومن أئمّة التفسيري عندهم .

قال الذهبي بترجمته من( ميزان الاعتدال ) :

( جُويبِر بن سعيد ، أبو القاسم الأزدي البلخي ، المفسّر ، صاحب الضحّاك : قال ابن معين : ليس بشيء ، وقال الجوزجاني : لا يشتغل به ، وقال النسائي والدارقطني وغيرهما : متروك الحديث .

قلت : له عن أنَس شيء ، وروى عنه حمّاد بن زيد بن أسلم وابن المبارك ويزيد بن هارون وطائفة .

أبو مالك : عن جُويبر ، عن الضحّاك ، عن ابن عبّاس مرفوعاً قال : تجب الصّلاة على الغلام إذا عقل والصّوم إذا أطاق .

ويُروى عن جُويبِر عن الضحّاك عن ابن عبّاس حديث : من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يَرمد أبداً .

قال أبو قدامة السرخسي : قال يحيى القطّان : تساهلوا في أخذ التفسير عن قومٍ لا يثقونهم في الحديث ، ثمّ ذكر ليث بن أبي سليم وجُويبراً والضحّاك ومحمّد بن السائب وقال : هؤلاء لا يحمد حديثهم ، ويكتب التفسير عنهم )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) إحياء علوم الدين ١ : ٦٨ ـ ٦٩ .

(٢) ميزان الاعتدال ١ : ٤٢٧/ ١٥٩٣ .

٢٥٥

وفي( تقريب التهذيب ) :

( ضعيف جدّاً )(١) .

أبو صالح باذام

ومنهم : أبو صالح باذام ، وهو من رجال السنن الأربعة ، وذكروا له فضائل .

ولكن أورده الذهبي في( ميزان الإعتدال ) ونقل الكلمات في قدحه وجرحه فقال ما نصّه :

( باذام أبو صالح ، تابعي ، ضعّفه البخاري ، وقال النسائي : باذام ليس بثقة ، وقال ابن معين : ليس به بأس ، وقال ابن عدي : عامّة ما يرويه تفسير .

قلت : روى عن مولاته أُم هاني وأخيها عليّ وأبي هريرة وعنه : مالك بن مغول وسفيان الثوري وابن أُخته عمّار بن محمّد ، وقال يحيى القطّان : لم أر أحداً مِن أصحابنا ترك أبا صالح مولى أُم هاني ، وقال محمّد بن قيس عن حبيب بن أبي ثابت : كنّا نسمّي أبا صالح باذام مولى أُم هاني دروغزن ، وقال زكريّا بن أبي زائدة : كان الشعبي يمرّ بأبي صالح فيأخذ بأُذنه فيهزّها ويقول : ويلك ، تفسّر القرآن وأنت لا تحفظ القرآن ؟ !

وقال إسماعيل بن أبي خالد : كان أبو صالح يكذب ، فما سألته عن شيء إلاّ فسّره لي ، وروى ابن إدريس عن الأعمش قال : كنّا نأتي مجاهداً فنمرّ على أبي صالح وعنده بضعَةَ عشر غلاماً ما نرى أنّ عنده شيئاً .

ابن المديني : سمعت يحيى بن سعيد يذكر عن سفيان قال : قال الكلبي قال لي أبو صالح : كلّ ما حدّثتك كذب .

ـــــــــــــــــــ

(١) تقريب التهذيب ١ : ١٣٩/ ١٠٨٩ .

٢٥٦

وروى مفضّل بن مهلهل عن مغيرة قال : إنّما كان أبو صالح صاحب الكلبي يعلّم الصبيان ، وضعّف تفسيره ، وقال ابن معين : إذ روى عنه الكلبي فليس بشيء وقال عبد الحق في أحكامه : ضعيف جدّاً ، فأنكر هذه العبارة عليه أبو الحسن ابن القطّان )(١) .

وفي( الميزان ) أيضاً :

( أبو صالح مولى أُمّ هاني ، اسمه باذام ، تركه ابن مهدي وقوّاه غيره ، وقال أبو أحمد الحاكم : ليس بالقويّ عندهم ، وانتصر له يحيى القطّان وقال : لم أرَ أحداً من أصحابنا تركه ، وما سمعنا أحداً يقول فيه شيئاً )(٢) .

ليث بن أبي سليم

ومنهم : ليث بن أبي سليم ، وقد وصفه بعضُهم بمحامدٍ كثيرة ومناقبٍ غزيرة ، لكنَّ غير واحدٍ مِن أعلامهم تكلّم فيه وجرحه ، فقد قال الذهبي في( ميزان الإعتدال ) :

( ليث بن أبي سليم الكوفي الليثي ، أحد العلماء .

قال أحمد : مضطربُ الحديث لكن حدّث عنه الناس ، وقال يحيى والنسائي : ضعيف ، وقال ابن معين أيضاً : لا بأس به ، وقال ابن حبّان : اختلط في آخر عمره ، وقال الدارقطني : كان صاحب سنّة ، إنّما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاوس ومجاهد حسب ، وقال عبد الوارث : كان من أوعية العلم ، وقال أبو بكر ابن عيّاش : كان ليث مِن أكثر النّاس صلاةً وصياماً .

قلت : حدّث عنه شعبة وابن عليّة وأبو معاوية والنّاس ، وقال ابن إدريس : ما جلست إلى ليث إلاّ سمعت منه ما لم أسمع منه ، وقال عبد الله بن أحمد : حدّثنا أبي قال : ما رأيت يحيى بن سعيد أسوأ رأياً في أحد منه في ليث ومحمّد بن إسحاق وهمام ، لا يستطيع أحدٌ أنْ يراجعه فيهم .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ١ : ٢٩٦/ ١١٢١ .

(٢) ميزان الاعتدال ٤ : ٥٣٨/ ١٠٣٠٢ .

٢٥٧

وقال ابن معين : ليث أضعف من عطاء بن السائب )(١) .

وفي( تذهيب التهذيب ) :

( قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سمعت أبي يقول : ليث بن أبي سليم مضطرب الحديث ، ولكن حدّث عنه النّاس ، وقال أيضاً : سمعت أبي يقول : ما رأيت يحيى بن سعيد أسوأ رأياً في أحدٍ في ليث ومحمّد بن إسحاق وهمام ، لا يستطيع أحد أنْ يراجعه فيهم ، وقال أيضاً : سمعت عثمان بن أبي شيبة قال : سألت جريراً عن ليث ، وعن عطاء بن السائب ، وعن يزيد بن أبي زياد فقال : كان يزيد أحسنهم استقامةً في الحديث ، ثمّ عطاء وكان ليث أكثر تخليطاً .

قال عبد الله : وسألت أبي عن هذا فقال : أقول كما قال جرير ، وقال أيضاً : قلت ليحيى بن معين : ليث بن أبي سليب أضعف مِن يزيد ابن أبي زياد وعطاء بن السائب ؟ قال : نعم ، وقال لي يحيى مرّة أُخرى : ليث أضعف مِن يزيد بن أبي زياد ، ويزيد فوقه في الحديث .

وقال معاوية بن صالح : عن يحيى بن معين : ليث بن أبي سليم ضعيف إلاّ أنّه يكتب حديثه ، وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري : حدّثنا يحيى بن معين ، عن يحيى بن سعيد القطّان أنّه كان لا يُحدّث عن ليث بن أبي سليم ، وقال عليّ بن المديني : سمعت يحيى يقول : مجالد أحبّ إليّ من ليث وحجّاج بن أرطاة .

وقال أيضاً : قلت لسفيان : إنّ ليث روى عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جدّه رأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتوضّأ ، فأنكر ذلك سفيان ، وعجب منه أنْ يكون جدّه طلحة لقي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال أبو معمر القطيعي : كان ابن عيينة يضعّف ليث بن أبي سليم .

وقال عليّ بن محمّد الطنافسي : سألت وكيعاً عن حديث من حديث ليث بن أبي سليم ، فقال : ليث كان سيفاً لا يسعى ليثاً .

وقال محمّد بن خلف التيمي عن قبيصة قال شعبة لليث بن أبي سليم : أنّى اجتمع لك عطاء وطاوس ومجاهد ؟ فقال : إذ أبوك يضرب بالخف ليلة عرسه .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٤٢٠ ـ ٤٢١/ ٦٩٩٧ .

٢٥٨

قال قبيصة : فقال رجل كان جالساً لسفيان : فما زال شعبة بغضاً لليث منذ يومئذ ، وقال ـ أي عبد الرحمان بن أبي حاتم ـ : سمعت أبي وأبا زرعة يقولان : ليث لا يشتغل به ، هو مضطرب الحديث ، وقال أيضاً : سمعت أبا زرعة يقول : ليث بن أبي سليم ليّن الحديث ، لا يقوم به الحجّة عند أهل العلم بالحديث )(١) .

عبد الله بن أبي نجيح

ومنهم : عبد الله بن أبي نجيح ، وقد قال الذهبي بأنّه من الأئمّة الثقات ، وعن ابن المديني كونه من المحدّثين الأثبات... لكن البخاري نسب إليه القول بالقدَر ، وعن ابن المديني الجزم بكونه مِن القدريّة ، قال الذهبي :

( عبد الله بن أبي نجيح المكّي صاحب التفسير ، أخذ عن مجاهد وعطاء ، وهو من الأئمّة الثقات ، وقال يحيى القطّان : لم يسمع التفسير كلّه من مجاهد ، بل كلّه عن القاسم بن أبي بزّة ، وقال العقيلي : ثنا آدم بن موسى : سمعت البخاري قال : عبد الله بن أبي نجيح كان يُتّهم بالاعتزال والقدَر .

وقال ابن المديني : كان يرى الاعتزال ، وقال أحمد : أفسدوه بآخره وكان جالس عمرو بن عبيد ، وقال عليّ : سمعت القطّان يقول : ابن أبي نجيح من رؤوس الدعاة ، وقال ابن المديني أيضاً : أمّا الحديث فهو فيه ثقة ، وأمّا الرأي ، فكان قدريّاً معتزليّاً ، وقد ذكره الجوزجاني فيمن رمي بالقدر هو وزكريّا بن إسحاق وشبل بن عباد وابن أبي ذئب وسيف بن سليمان )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) تذهيب التهذيب. تهذيب التهذيب ٨ : ٤١٨ .

(٢) ميزان الاعتدال ٢ : ٥١٥/ ٤٦٥١ .

٢٥٩

هذا، وقد ذكر في( الميزان ) نقلاً عن النسائي أنّه كان يدلّس .

وكذا في( تقريب التهذيب ) (١) .

وقد تقدّم بعض الكلام في ذمّ القدريّة وذمّ التدليس ، ولا نعيد .

عيسى بن ميمون

ومنهم : عيسى بن ميمون ، الذي وثّقوه ، ولكنْ قالوا : إلاّ أنّه يرى القدر .

ففي( ميزان الإعتدال ) :

( عيسى بن ميمون ، أبو موسى المكّي ، الجرشي المعروف بابن دايه ، له تفسير صغير ، أخذ عن مجاهد وقيس بن سعد وابن أبي نجيح روى عنه ابن عيينة وأبو عاصم ، وقرأ القرآن عن ابن كثير وثّقه أبو حاتم وأبو داود وزاد : إلاّ أنّه يرى القدر ، وقال ابن معين : ليس به بأس )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) انظر تقريب التهذيب ١ : ٤٢٧/ ٤٠٦١ .

(٢) ميزان الاعتدال ٣ : ٣٢٧/ ٦٦١٩ .

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

سنة ١٠٣٠ واجاز له استاذه في شهر رجب وكتب اجازته عليه، وقال صاحب « مفتاح التواريخ » ما معناه: إنّه توفّي يوم الثلثا ١٢ شوّال سنة ١٠٣٠. توفّي باصبهان ونقل جسمانه قبل الدّفن إلى مشهد الرِّضا عملاً بوصيته ودفن بها في داره قريباً من الحضرة المشرّفة، وقد اُتيحت لي زيارته سنة ١٣٤٨، رثاه تلميذه العلامة الشيخ إبراهيم العاملي البازروني بقوله:

شيخ الأنام بهاء الدّين لا برحت

سحائب العفو ينشيها له الباري

مولى به اتّضحت سبل الهدى وغدا

لفقده الدّين في ثوب من القارِ

والمجد أقسم لا تبدو نواجده

حزناً وشقَّ عليه فضل أطمارِ

والعلم قد درست آياته وعفت

عنه رسوم أحاديث وأخبارِ

كم بكر فكر غدت للكون فاقدة

ما دنّستها الورى يوماً بأنظارِ؟

كم خرَّ لمـّا قضى للعلم طود علاً

ما كنت أحسبه يوماً بمنهارِ؟

وكم بكته محاريب المساجد إذ

كانت تضيىء دجىً منه بأنوارِ؟

فاق الكرام ولم تبرح سجيّته

إطعام ذي سغب مع كسوة العاري

جلّ الّذي اختار في طوس له جدثاً

في ظلِّ حامي حماها نجل أطهارِ

الثّامن الضّامن الجنّات أجمعها

يوم القيامة من جود لزوّارِ

عثرة لا تقال

لقد جاء الكاتب الفارسيّ ( سعيد النّفيسي ) فيما ألّفه من ترجمة حياة شيخنا بهاء الملّة والدّين كحاطب ليل، فضمَّ إلى الدرّة بعرة، وأتى بأشياء لا شاهد لها من التاريخ، وخفيت عليه حقايق ناصعة، فطفق يثبت التافهات بالأوهام، ويؤيّد مزاعمه بالمضحكات، فممّا باء بخزايته ما حسبه من أنَّ الشَّيخ عبد الصَّمد أخا الشيخ البهائي أكبر منه سنّاً، ودعم هذه الدَّعوى بأنَّ الشّيخ عبد الصّمد توفّي قبل أخيه بعشر سنين، فكأنَّه يزعم أنَّ ترتيب الموت كترتيب الولادة، فكما انَّ المولود أوّلا هو أكبر الاُخوة فكذلك المتوفّى أوّلاً.

وبأنَّ الشّيخ عبد الصَّمد كان يسمّى باسم جدَّه فلو كان البهائي أكبر الاُخوة

٢٨١

لاختصَّ هو باسم جدّه وكان لأخيه اسم جدّه الأعلى. فكأنَّه يرى ذلك مطّرداً في الأسماء ولكن متى اطّرد ذلك؟ وممَّن جاء النصُّ؟ ولماذا هذا الإصرار والدؤب عليه؟ أنا لا أدري، والنفيسيُّ ايضاً لا يدري، ووالد الشيخين وما ولد ايضاً لا يدرون.

وبأنَّ الشّيخ عبد الصَّمد ما غادر عاملة مع أبيه لمـّا سافر أبوه إلى البلاد الفارسيّة سنة ٩٦٦ وإنّما صحبه الشّيخ البهائي، ويظنُّ انِّه هرب إلى المدينة المنوَّرة، فلو لم يكن أكبر من الشّيخ البهائي لم يسعه أن يفارق أباه يوم فرَّ من الفتنة الواقعة بعاملة إلى إيران. وقد خفي على المسكين أنَّ الشّيخ عبد الصَّمد صحب أباه في بطن امِّه يوم غادر بلاده، وهو وليد ايران بقزوين بنصّ من أبيه الشّيخ الحسين في سنة الفتنة المذكورة ٩٦٦، ولم نعرف من اين أتى الرّجل بفرار الشّيخ عبد الصَّمد إلى المدينة سنة ٩٦٦.

وبأنَّ الشّيخ البهائي ألّف كتابه ( الفوائد الصَّمديّة ) في النحو باسم أخيه الشيخ عبد الصّمد، وبطبع الحال انّ الصغير يسم تأليفه باسم الكبير ويندر خلاف ذلك إلّا من اناس حنّكهم ترويض النّفس.

هكذا لفّق الرَّجل السّفاسف في إثبات مزعمته، فسوَّد صحيفة تاريخه بما لا يقبله العقل والمنطق، وقد خفي على المغفّل انَّ الشيخ حسين والد الشيخين: البهائي وأخيه أرَّخ ولادتهما في كتاب محكيّ عنه في [رياض العلماء ] في ترجمته ولفظه: ولدت المولودة الميمونة بنتي ليلة الاثنين، ثالث شهر صفر سنة خمسين وتسعمائة. وأخوها أبو الفضائل محمّد بهاء الدّين أصلحه الله وأرشده عند غروب الشّمس يوم الأربعاء سابع عشرين ذي الحجّة سنة ثلث وخمسين وتسعمائة. واُختها امّ أيمن سلمى بعد نصف الليل سادس عشر محرّم سنة خمس وخمسين وتسعمائة. وأخوهم أبو تراب عبد الصَّمد ليلة الأحد وقد بقي من اللّيل نحو ساعة ثالث شهر صفر سنة ستّ وستّين وتسعمائة في قزوين. وابن اخته السيّد محمّد ليلة السّبت ثامن عشرين صفر من السَّنة المذكورة في قزوين.١ه.

فالشّيخ البهائي أكبر من أخيه الشّيخ عبد الصَّمد رغم تلكم التلفيقات اثنى عشر عاماً وستّة وثلثين يوماً.

وكان للرَّجل أن يستفيد كبر الشيخ البهائي من إجازة والده

٢٨٢

الشيخ حسين له ولأخيه من تقديمه إيّاه بالذِّكر على أخيه قال: فقد أجزت لولدي بهاء الدّين محمّد وأبي رجب عبد الصَّمد حفظهم الله تعالى بعد أن قرأ عليَّ ولدي الأكبر جملة كافية جميلة من العلوم العقليَّة والنقليّة. إلخ.

وكذلك تقديم مشايخ الإجازة ذكر الشيخ البهائي مهما ذكروه وأخاه في إجازاتهم والإستدلال بمثل هذه كان خيراً له من أساطيره التي تحذلق بها.

ونحن في هذا المقام نضرب صفحاً عن كلِّ ما هو من هذا القبيل في صفحات كتابه التّي شوَّه بها سمعة التاريخ، والّذي يهمّنا الآن التعرّض لما تورَّط به من التجرِّي على علماء الدّين وأساطين المذهب، وهو لا يزال يحاول ذلك في حلّه وترحاله، غير أنَّه حسب انَّه وجد فسحةً لإبانة ما يدور في خلده على لسان شيخنا بهاء الملّة والدّين، وإن كان خاب في ذلك وفشل، قال ما معناه: أمّا الإشارات التي توجد للبهائي في مثنويَّة ( نان وحلوا ) في حقِّ المتشرِّعين المرائين فلم يرد بها السيِّد الداماد وإنّما أراد بها الفقهاء القشريّين الجامدين، المعجبين بالظواهر، المنكرين للتصوّف والذوق، أمثال المولى أحمد الأردبيلي، وكانوا كثيرين في عصره، وكان على الضدِّ منهم السيّد الداماد الذي كان حكيماً مفكّرا ولم يكن فيه شيىءٌ ممّا ذكر.١ه.

كبرت كلمة تخرج من أفواهم، وإنّي لمستعظمٌ جهل هذا الرَّجل المركّب، فإنَّه لا يعرف شيئاً ولا يدري انَّه لا يعرف، فطفق يقع في عُمد المذهب حسبان انَّه علم ما فاتهم، وحفظ ما أضاعوه، فذكر عداد مثل المحقّق الأردبيلي في القشريِّين والفقهاء الظاهريَّة، وهو ذلك الإنسان الكامل، في علمه ودينه، في آرائه النّاضجة وأفكاره العميقة، في نفسيّاته الكريمة وملكاته الفاضلة، في دعوته الإلهيّة وخدماته للمذهب الحقِّ، في عرفانه الصّحيح وحكمته البالغة، وقصارى القول: انَّه جماع الفضائل، ومختبأ المآثر كلّها، ضع يدك على أيّ من المناقب تجده شاهد صدق على شموخ رتبته، وهاتفاً بسموّ مقامه، وتأليفاته الجليلة هي البرهنة الصّادقة لعلوّ كعبه في العلوم كلّها معقولها ومنقولها، والمأثور من غرائزه الكريمة أدلّاء حقّ على تقدّمه في المحاسن ومحامد الشيم نفسيَّة وكسبيَّة، وإنَّك لا تجد إنساناً يشكّ في شيىء من ذلك بالرَّغم

٢٨٣

من هلجة هذا المؤرِّخ القشريِّ الجامد، وكأنِّي بروحيّة المحقّق الأوحد ( الأردبيلي ) يخاطبه بقوله:

ما شير شكاران فضاي ملكوتيم

سيمرغ بدهشت نگرد بر مكس ما

أو بقوله:

غنينا بنا عن كلِّ من لا يُريدنا

وإن كثرت أوصافه ونعوته

ومن صدَّعنّا حسبه الصدُّ والقلا

ومن فاتنا يكفيه أنّا نفوته

ثمَّ أيّ تصوّف يريد الرَّجل فيما عابه من شيخنا العارف الالـ~ـهيّ؟ أيريد ذلك المذهب الباطل الملازم للعقائد الإلحاديّة كالحلول ووحدة الوجود بمعناهما الكفريّ، وأمثالهما والتنصّل عن الطاعات بتحريف الكلم من مواضعها، وتأويل قوله تعالى: واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين. بالرأي الفطير؟ فحاشا شيخنا الأحمد الأوحد وكلّ عالم ربّانيّ من ذلك، وإنَّما هو مذهبٌ يروق كلَّ شقيّ تعيس.

وإن كان يريد العرفان الحقّ والذوق السَّليم الذي كان يعتنقه الأوحديّون من العلماء لدة شيخنا البهائي، وجمال الدين أحمد بن فهد الحليّ، وزرافات من الأعاظم قبلهما وبعدهما؟ فإنّا نجلّ شيخنا الأردبيلي عن التنكّب عنه، بل يحقُّ علينا أن نعدَّه من مشيخة الطريقة والعرفاء بها، وما يوجد في كتابه حديقة الشيعة من التنديد بالصوفيّة فإنَّما هو موجَّهٌ إليهم بما ذكرناه أوَّلاً. ولكن من أين عرف ( النّفيسي ) الحقَّ والباطل من قسمي التصوّف والعرفان؟ والكمّية التي كانت عند شيخنا الأردبيلي؟ وهل هو من حقّه أو باطله؟ أنا لا أدري لكن الله عالم بما تكنّه الصّدور وإنَّ الرّجل تقحَّم غير مستواه، وتطلّع إلى ما قصر عنه. رحم الله امرءاً عرف قدره ولم يتعدَّ طوره.

٢٨٤

القرن الحادي عشر

٨٢

الحرفوشي العاملي

المتوفى ١٠٥٩

يا وردة من فوق بانه

سرّ المحبّة من أبانه؟

أخفيته جهدي وقد

غلغلت في قلبي مكانه

وكتمت أمر صبابتي

وسدلت أستار الصّيانة

ما كنت أحسب أن يكون

الدَّمع يوماً ترجمانه

لولا وضوح الأمر ما

أغرى بنا الواشي لسانه

ولوى عنانك عن شجٍ

شوقاً اليك لوى عنانه

يا ظبية البان الّتي

عند القلوب لها مكانه!

قد أسكرتني مقلتاك

كأنَّ في الأجفان حانه(١)

وكرعت في ماء الصَّبا

ففضحت لين الخيزرانه

أجريت ذكرك في الحمى

وقد اجتلى طرفي جنانه

فلوى القضيب معاطفاً

نظم النّدى فيها جمانه(٢)

واحمرَّ خدّ شقيقها

وافترَّ ثغر الأقحوانه(٣)

فكأنَّني أجريت ذكر

[ المرتضى ] لذوي الديانه

غيث الإلـ~ـه و غوثه

حيث الزَّمان يرى الزّمانه(٤)

____________________

١ - الحان والحانة: موضع بيع الخمر.

٢ - الجمان: اللؤلؤ، والواحدة: جمانة.

٣ - الاقحوان: نبات اوراق زهره. واحدته: اقحوانة

٤ - الزمانة: العاهة. تعطيل القوى.

٢٨٥

كم أودع اللّاجي إليه

من مخاوفه أمانه؟

وأسال فوق المرتجي

سيل الحيا السّاري بنانه؟

أعطاه باريه التقرّب

منه زلفى والمكانه

فغدا القسيم بأمره

يعطى الورى كلّا وشانه

يوري معاديه لظى

ويرى مواليه جنانه

سل عنه إن حمي الوطيس

وأصعد الحامي دخانه

من يلتوي قرصا به(١)

فيه التواء الاُفعوانه؟

حتّى يرويّه و يروي

من دم الجاني سنانه

وينكّص الرايات تعثر

بالجماجم من جبانه

واسأل « بخمّ » كم له

المختار من فضل أبانه؟

واهاً له لو اطلقت

أعدائه شوطاً عنانه

( الشاعر )

الشّيخ محمّد بن عليّ بن أحمد الحرفوشي(٢) الحريريّ الشاميّ العامليّ.

عبقريٌّ مقدَّم من عباقرة العلم والأدب، وأوحديٌّ من أساطين الفضيلة، لم يتحلَّ بمأثرة إلّا وأتبعها بالنّزوع إلى مثلها، وما اختصَّ باكرومة إلّا وراقه أن يتطلّع إلى ما هو أرفع منها، حتّى عادت الفضائل والأحساب عنده كأسنان المشط، أو خطوط الدائرة المنتهية إلى مركزها، ورأيت أنَّ أوسط من وصفه هو سيّدنا المدني الشّيرازي في سلافة العصر ص ٣١٥ قال: منار العلم السّامي، وملتزم كعبة الفضل وركنها الشّامي. ومشكاة الفضائل ومصباحها، المنبر به مساؤها وصباحها. خاتمة أئمَّة العربيَّة شرفاً عرباً، والمرهف من كهام الكلام شباً وغربا. أماط عن المشكلات نقابها، وذلّل

____________________

١ - قرضاب: السيف القطاع.

٢ - نسبة إلى آل حرفوش المنسوبين الى جدهم الاعلى الامير حرفوش الخزاعى الذى عقدت له راية بقيادة فرقة فى حملة أبي عبيدة الجراح على بعلبك. أصلهم من خزاعة العراق. راجع اعيان الشيعة ٥: ٤٤٨.

٢٨٦

صعابها وملك رقابها. وحلَّ للعقول عقالها، وأوضح للفهوم قيلها وقالها. فتدفَّق بحر فوائده وفاض، وملأ بفرائده الوطاب والوفاض. وألَّف بتآليفه شتات الفنون، وصنَّف بتصانيفه الدّر المكنون. إلى زهد فاق به خشوعاً وإخباتاً، ووقار لا توازيه الرَّواسي ثباتا. وتألّه ليس لابن أدهم غرره وأوضاحه، وتقدَّس ليس للسريّ سرّه وايضاحه. وهو شيخ شيوخنا الّذي عادت علينا بركات أنفاسه، واستضأنا بواسطة من ضيا نبراسه. وكان قد انتقل من الشّام إلى بلاد العجم، وقطن بها إلى أن وفد عليه المنون وهجم. فتوفّي بها في شهر ربيع الثّاني سنة تسع وخمسين وألف.

وترجم له شيخنا الحرّ العاملي في ( أمل الآمل )(١) وأثنى عليه بقوله: كان عالماً فاضلاً أريباً ماهراً محقّقا مدقّقا شاعراً أديباً منشياً حافظاً أعرف اهل عصره بالعلوم العربيَّة. قرأ على السيّد نور الدّين عليّ بن عليّ بن ابي الحسن الموسوي العامليّ في مكّة جملة من كتب الخاصّة والعامّة له كتبٌ كثير الفوايد.

وأطراه شيخنا العلّامة المجلسي في [ بحار الأنوار ](٢) بكلمة سيّدنا صاحب السّلافة المذكورة. وعقود جمل الثّناء عليه منضّدة في صفحات المعاجم وكتب التراجم حتّى اليوم، وقد فصّلنا القول في ترجمته في كتابنا [ شهداء الفضيلة ] ص ١١٨ وذكرنا هنالك في ص ١٦٠: انَّ المترجم له قرأ عليه الشّيخ علي زين الدّين حفيد الشهيد الثاني، ويروي عنه السيّد هاشم الاحسائي كما في « المستدرك » ٣ ص ٤٠٦.

آثاره القيمة

١ - طرائف النظام ولطائف الإنسجام في محاسن الأشعار.

٢ - اللآلي السنيّة في شرح الاُجروميّة، مجلّدان.

٣ - شرح شرح الكافيجي على قواعد ابن هشام.

٤ - شرح شرح الفاكهي على القطر.

٥ - شرح قواعد الشّهيد قدّس سرّه.

٦ - شرح الصّمديّة في النحو.

____________________

١ - المطبوع فى آخر منهج المقال ص ٤٥٢.

٢ - ج ٢٥ ص ١٢٤.

٢٨٧

٧ - شرح التهذيب في النحو.

٨ - شرح الزبدة في الاُصول.

٩ - مختلف النّحاة في النحو.

١٠ - رسالة الخال.

١١ - ديوان شعره.

وقال صاحب ( الأمل ) بعد عدِّ كتبه: ورسائل متعدّدة، رأيته في بلادنا مدَّة ثمَّ سافر إلى أصفهان، ولمـّا توفي رثيته بقصيدة طويلة منها:

أقم ماتماً للمجد قد ذهب المجدُ

وجدّ بقلبي السّوء والحزن والوجدُ

وبانت عن الدّنيا المحاسن كلّها

وحلَّ بها لون الضّحى فهو مسودُّ

وسائلة ما الخطب راعك وقعه

وكادت له الشمُّ الشَّوامخ تنهدُّ؟

وما للبحار الزّاخرات تلاطمت

وأمواجها أيدٍ وساحلها خدُّ؟

فقلت: نعى الناعي إلينا ( محمّداً )

فذاب أسىً من نعيه الحجر الصَّلدُ

مضى فائق الأوصاف مكتمل العُلى

ومن هو في طرق السّري العلَم الفردُ

فكم قلم ملقى من الحزن صامت

فما عنده للصّامتين له ردُّ؟

وطالب علم كان مغتبطاً به

كمغتنم للوصل فاجأه الصَّدُّ

لقد أظلمت طرق المباحث بعده

وكان كبدر التمِّ قارنه السّعدُ

فأهل المعالي يلطمون خدودهم

وقد قلَّ في ذا الرّزء أن يلطم الخدُّ

لرزء « الحريري » استبان على العُلى

أسىً لم تكن لولا المصاب به يبدو

وشاعرنا ( الحريريّ ) مع أنّه وليد مهد العروبة، ورضيع ثدي مجدها الموثّل له في الأدب والقريض يدٌ ناصعة، وفي علوم لغة الضّاد تضلّع وتقدّم، قال سيّدنا المدني و ( السّلافة ): له الأدب الّذي اينعت ثمار رياضه، وتبسَّمت أزهار حدائقه وغياضه فحلا جناها لأذواق الأفهام، وتنشَّق عرفها كلّ ذي فهم فهّام. فمن مطرب كلامه الّذي سجعت به على أغصان أنامله عنادل أقلامه قوله مادحاً شيخه الشيخ شرف الدّين الدمشقي سنة ستّ وعشرين وألف:

٢٨٨

إذا ما منحت جفوني القرارا

فمر طارق الطيف يدني المزارا

فعلّك تثلج قلباً به

تأجّج وجداً وزاد استعارا

وأنّى يزور فتىً قد براه

سقامٌ يمضّ ولو زار حارا؟

خليليَّ عرِّج على رامة

لأنظر سلعاً وتلك الدّيارا

وعُج بي على ربع مَن قد نأى

لأسكب فيه الدّموع الغزارا

فقلبيَ من منذ زمَّ المطيُّ

ترحَّل عنّي إلى حيث سارا

فهل ناشدٌ ليَ وادي العقيق

عنه فإنّي عدمت القرارا؟

بروحي رشا فاتن فاتك

إذا ما انثنى هام فيه العذارا

ولمـّا رنا باللّحاظ انبرت

قلوب الأنام لديه حيارا

ومن عجب انّها لم تزل

تعاقب بالحدّ وهي السّكارا

وأعجب من ذا رأينا بها

انكساراً يقود اليها انتصارا

ولم أرَ من قبله سافكاً

دماءً ولم يخش في القتل ثارا

يعير الغزالة من وجهه

ضياء ويسلب منها النّفارا

ويحمي بمرهف أجفانه

جنيّاً من الورد والجلّنارا

تملّكني عنوة والهوى

إذا ما أغار الحذار الحذارا

يرقُّ العذول إذا ما رأى

غرامي ويمنحني الإعتذارا

ومَن رشقته سهام اللّحاظ

فقد عزَّ برءٌ وناء اصطبارا

حنانيك لست بأوّل من

دعاه الغرام فلبّى جهارا

ولا أنت أوَّل صبّ جنى

على نفسه حين أضحى جبارا

ترفّق بقلبك واستبقه

فقد حكم الوجد فيه وجارا

وعج عن حديث الهوى واقر عن

إلى مدح من في العُلى لا يجارا

إمام توحّد في المكرمات

ونال المعاليَ والافتخارا

وأدرك شأو العُلى يافعاً

وألبس شانيه منه الصغارا

سما في الكلام إلى غاية

وناهيك من غاية لا تُبارا

مناقبه لا يطيق الذكيُّ

بياناً لمعشارها وانحصارا

٢٨٩

غدا كعبة لاقتداء الورى

وأضحى لباغي الكمال المنارا

إليه المفاخر منقادةٌ

أبت غيره أن يكون الوجارا

هو البحر لا ينقضي وصفه

فحدِّث عن البحر تلق اليسارا

إذا أظلم البحر عن فكرة

توقَّد عاد لديه نهارا

يفيد لراجي المعالي عُلى

ويمنح عافي نداه النّضارا

وبكرٌ تجرِّر أذ يالها

إليك دلالاً وتسعى بدارا

أتتك من الحسن في مطرف

تثنّى قواماً أبى الاهتصارا

تضوع عبيراً وتختال في

ملابس وشي أبت أن تعارا

تشكّى إليك زماناً جنى

عليها بنوه وخانوا الذّمارا

وهمّوا بإطفاء مقباسها

فلم يجدوا حين راموا اقتدارا

فباؤا بخفّي حنين وقد

علاهم خسارٌ ونالوا بوارا

وكيف وأنت الّذي قد قدحت

زناداً ذكاها وأوريت نارا

فهاك عروساً ترجّى بأن

يكون القبول لديها نثارا

ومنك إليك أتت إذ غدت

لها منشأ واضحاً والنّجارا

ودم واحد الدَّهر فرد الورى

تنال سموّاً وتحوي وقارا

مدى الدَّهر ما لاح شمس الضحى

وناوح بلبل روض هزارا

وواصل صبّاً حبيب وما

تذكّر نجداً فحنَّ ادِّكارا

وتوجد في ( السُّلافة ) من شعره مائة واثنان وعشرون بيتاً غير ما ذكرناه، وورث فضائله ومكارمه ولده الفاضل الصّالح الشّيخ إبراهيم بن محمّد الحرفوشي نزيل طوس ( مشهد الإمام الرِّضاعليه‌السلام ) والمتوفّى بها سنة ١٠٨٠ كما ذكره شيخنا الحرّفي « الأمل » وقد قرأ على أبيه وغيره.

٢٩٠

القرن الحادي عشر

٨٣

ابن أبى الحسن العاملي

المتوفى ١٠٨٦

عليٌّ تعالى بالمكارم والفضلِ

وأصحابكم قدماً عكوفٌ على العجلِ

أباه ذووا الشّورى لما في صدورهم

تغلغل من حقد عليه ومن غلِّ

وماذا عسى يا مروُ أن ينفع الإبا

وقد قال فيه المصطفى خاتم الرّسلِ؟!

ونصَّ عليه في [ الغدير ] بأنَّه

إمام الورى بالمنطق الصادع الفصلِ

فأودعتموها غير أهل بظلمكم

وأبعدتموها أيّ بُعد عن الأهلِ

فآذوا رسول الله في منع بنته

تراثاً لها يا ساء ذلك من فعلِ

وكم ركبوا غيّاً وجاؤا بمنكر؟

وكم عدلوا عن جانب الرّشد والعدلِ؟

مثالب لا تحصى عداداً وكثرةً

أبى عدُّها عن أن يحيط به مثلي

كفرتم ولفّقتم أحاديث جمَّة

بمدح اُناس ساقطين ذوي جهلِ

ولم يكفكم حتّى وضعتم مثالباً

لصنو رسول الله والمرتضى العدلِ

فقلتم ضلالاً: ساء حيدر أحمداً

بخطبته بنت اللّعين أبي جهلِ(١)

على انَّه لو كان حقّاً وثابتاً

فحاشاه أن يأبى ويغضب من حلِّ

نسبتم إلى الهادي متابعة الهوى

وكذّبتمُ فيه الإلـ~ـه بذا النَّقلُ

القصيدة ذكرها العلّامة السيّد أحمد العطّار في الجزء الثّاني من كتابه « الرائق »

( الشاعر )

السيّد نور الدّين عليّ ( الثّاني ) بن السيّد نور الدّين عليّ ( الكبير ) بن الحسين بن أبي الحسن الموسويُّ العامليُّ الجبعيّ.

____________________

١ - حديث هذه الخطبة يوجد في صحاح القوم ومسانيدهم.

٢٩١

من أعيان الطّائفة ووجوه أعلامها، وفي الطَّليعة من عباقرتها، جمع بين العلم والأدب، وتحلّى بأبراد الزهد والورع، كما كان أبوه أوحديّاً من أعلام بيت الوحي وفذّاً من أفذاذ العلم والفضيلة، وعلَماً من تلامذة شيخنا الشَّهيد الثّاني.

قرأ سيّدنا المترجم له على أبيه السيّد الشّريف الطّاهر، وعلى العلمين الحجَّتين صاحب ( المدارك ) أخيه لأبيه، والشيخ حسن بن الشّيخ الشَّهيد الثّاني أخيه لاُمِّه ويروي عنهما.

ويروي بالإجازة عن الشّيخين: العرضي الحلبي(١) والبوريني الشّامي(٢) قال في إجازته للمولى محمّد محسن: إنِّي أروي جانباً من مؤلّفات العامَّة في المعقول والفقه والحديث عن الشّيخين الجليلين المحدِّثين، أعلمي زمانهما، ورئيسي أوانهما: عمر العرضي الحلبي، وحسن البوريني الشّامي، بالإجازه منهما بالطّرق المفصَّلة عنهما في إجازتيهما إليَّ.

ويروى عن السيِّد بالإجازة المولى محمّد طاهر القميّ المتوفّى ١٠٩٨ الآتي ذكره في هذا الجزء انشاء الله تعالى.

والشّيخ هاشم بن الحسين بن عبد الرؤف الأحسائي(٣) .

والشّيخ أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن يونس العاملي العيناثي الجبعي(٤) والمولى محمّد حسن بن محمّد مؤمن، باجازة مؤرَّخة بسنة ١٠٥١(٥) .

والسيّد محمّد مؤمن بن دوست محمّد الحسينيّ الأسترآبادي نزيل مكّة المشرَّفة

____________________

١ - عمر بن عبد الوهاب العرضى الحلبى الشافعى القادرى، المحدّث الفقيه الكبير، مفتى حلب وواعظها، ولد بحلب سنة ٩٥٠ وتوفى فى شعبان سنة ١٠٢٤. توجد ترجمته فى خلاصة الاثر ٣: ٢١٥.

٢ - الشيخ حسن بن محمد بدر الدين البورينى الشافعى، له تآليف بديعة ورسائل كثيرة، وديوان شعر، ولد سنة ٩٦٣، وتوفى فى جمادى الاولى سنة ١٠٢٤. ترجم له المحبى فى الخلاصة ٢: ٥١ - ٦٢.

٣ - راجع مستدرك الوسائل ٣: ٤٠٧.

٤ - راجع اجازات البحار ص ١٥٩، ١٦٠.

٥ - توجد فى اجازات البحار ص ١٤١.

٢٩٢

والشَّهيد بها سنة ١٠٨٨ كان من تلمذة السيّد المترجم له(١) . توجد ترجمة هذا الشَّريف المؤمن في كتابنا [شهداء الفضيلة ].

والمولى محمّد باقر بن محمّد مؤمن الخراساني السَّبزواري المتوفّى سنة ١٠٩٠ يروي عن شاعرنا الشَّريف كما في إجازته للمولى محمّد شفيع(٢) .

والشّيخ جعفر بن كمال الدّين البحراني المتوفّى ١٠٩١(٣) .

والسيّد أحمد نظام الدّين المتوفّى سنة ١٠٨٦ والد السيّد علي خان المدني صاحب « السّلافة » كما في [روضات الجنّات ] ص ٤١٣.

وأنت مهما اطلّعت على ذكر شاعرنا ( نور الدّين ) في المعاجم تجدها مزدانة بجمل الاطراء له، مشحونةً بغرر ودرر في الثَّناء عليه، منضَّدة بأيدي أعلام العلم والدّين، قال سيِّدنا صدر الدّين المدني في [ سلافة العصر ] ص ٣٠٢: طود العلم المنيف، وعضد الدّين الحنيف، ومالك أذمّة التأليف والتّصنيف، الباهر بالرِّواية والدِّراية، والرّافع لخميس المكارم أعظم راية، فضلٌ يعثر في مداه مقتفيه، ومحلٌّ يتمنّى البدر لو أشرق فيه، وكرمٌ يخجل المزن الهاطل، وشيمٌ يتحلّى بها جيد الزَّمن العاطل، وصيتٌ من حسن السّمعة بين السّحر والنحر.

فسار مسير الشَّمس في كلِّ بلدة

وهبَّ هبوب الرِّيح في البرّ والبحر

حتّى كان رائد المجد لم ينتجع سوى جنابه، وبريد الفضل لم يقعقع سوى حلقة بابه، وكان له في مبدأ بالشّام مجال لا يكذبه بارق العزّ إذا شام، بين إعزاز وتمكين، ومكان في جانب صاحبها مكين، ثمَّ انثنى عاطفاً عنانه وثانيه، فقطن بمكة شرّفها الله تعالى وهو كعبتها الثانية، تُستلم أركانه كما تُستلم أركان البيت العتيق، وتُستسنم أخلاقه كما يُستسنم المسك العبيق، يعتقد الحجيج قصده من غفران الخطايا، وينشد بحضرته: تمام الحجّ أن تقف المطايا. وقد رأيته بها وقد أناف على التّسعين، والنّاس تستعين به ولا يستعين، والنّور يسطع من أسارير جبهته، والعزّ يرتع في ميادين جدهته، ولم

____________________

١ - راجع اجازات البحار ص ١٦٤.

٢ - راجع اجازات البحار ص ١٥٦.

٣ - راجع مستدرك الوسائل ٣: ٣٨٩.

٢٩٣

يزل بها إلى أن د ُ عي فأجاب، وكأنَّه الغمام أمرع البلاد فانجاب، وكانت وفاته لثلاث عشرة بقين من ذي الحجّة الحرام سنة ثمان وستّين وألف رحمه الله تعالى، وله شعرٌ يدلّ على علوّ محلّه، وابلاغه هدي القول إلى محلّه، فمنه قوله متغزّلاً:

يا من مضوا بفؤادي عندما رحلوا

من بَعد ما في سويد القلب قد نزلوا!

جاروا على مهجتي ظلماً بلا سبب

فليت شعري إلى مَن في الهوى عدلوا؟

وأطلقوا عبرتي من بَعد بُعدهمُ

والعين أجفانها بالسَّهد قد كحلوا

يا من تعذَّب من تسويفهم كبدي

ما آن يوماً لقطع الحبل أن تصلوا؟

جادوا على غيرنا بالوصل متَّصلاً

وفي الزَّمان علينا مرَّةً بخلوا

كيف السَّبيل إلى مَن في هواه مضى

عمري وما صدَّني عن ذكره شغلُ؟

واحيرتي ضاع ما أوليت من زمن

إذ خاب في وصل من أهواهم الأملُ

في أيِّ شرع دماء العاشقين غدت

هدرى وليس لهم ثارٌ إذا قتلوا؟

يا للرِّجال من البيض الرّشاق أما

كفاهمُ ما الّذي بالنّاس قد فعلوا؟

من منصفي من غزالٍ ما له شغلٌ

عنِّي ولا عاقني عن حبِّه عملُ؟

نصبت أشراك صيدي في مراتعه

الصيد فنِّي ولي في طرقه حيلُ

فصاح بي صائحٌ: خفّض عليك فقد

صادوا الغزال الّذي تبغيه يا رجلُ!

فصرت كالواله السّاهي وفارقني

عقلي وضاقت عليَّ الأرض والسّبلُ

وقلت: بالله قل لي: أين سار به

من صاده؟ علّهم في السَّير ما عجلوا

فقال لي: كيف تلقاهم وقد رحلوا

من وقتهم واستجدَّت سيرها الابلُ؟

وقوله مادحاً بعض الاُمراء وهي من غرر كلامه:

لك الفخر بالعليا لك السَّعد راتبُ

لك العزُّ والإقبال والنَّصر غالبُ

لك المجد والإجلال والجود والعطا

لك الفضل والنعما لك الشكر واجبُ

سموت على هام المجرَّة رفعةً

ودارت على قطبي علاك الكواكبُ

فيا رتبةً لو شئت أن تبلغ السّهى

بها أقبلت طوعاً إليك المطالبُ

بلغت العلا والمجد طفلاً ويافعاً

ولا عجب فالشّبل في المهد كاسبُ

سموت على قبِّ السّراحين صائلاً

فكلت بكفّيك القنا والقواضبُ

٢٩٤

وحزّت رهان السَّبق في حلبة العلا

فأنت لها دون البريَّة صاحبُ

وجلتَ بحومات الوغى جول باسلٍ

فردَّت على أعقابهنَّ الكتائبُ

فلا الذّارعات المعتمات تكنّها

ملابسها لمـّا تحنُّ المضاربُ

ولا كثرة الأعداء تغني جموعها

إذا لمعت منك النّجوم الثّواقب

خُض الحتف لا تخش الرّدى واقهر العدى

فليس سوى الإقدام في الرأي صائبُ

وشمّر ذيول الحزم عن ساق عزمها

فما ازدحمت إلّا عليك المراتبُ

إذا صدقت للنّاظرين دلائلٌ

فدع عنك ما تبدي الظنون الكواذبُ

ببيض المواضي يدرك المرء شاؤه

وبالسّمر إن ضاقت تهون المصاعبُ

لأسلافك الغرّ الكرام قواعدٌ

على مثلها تُبنى العُلى والمناصبُ

زكوت وحزت المجد فرعاً ومحتداً

فآباؤك الصّيد الكرام الأطايبُ

ومَن يزك أصلاً فالمعالي سمت به

ذرى المجد وانقادت إليه الرَّغائبُ

[ القصيدة ]

وتوجد ترجمته في ( البحار ) ٢٥ ص ١٢٤، ورياض العلماء، وخلاصة الأثر ٣: ١٣٢ - ١٣٤، وروضات الجنّات ص ٥٣٠، والفوائد الرضويَّة ١: ٣١٣، والكنى والألقاب ٣: ٢٢٣، وقال صاحب (أمل الآمل ): وقد رأيته في بلادنا وحضرت درسه بالشّام أيّاماً يسيرة وكنت صغير السنّ ورأيته بمكّة ايضاً أيّاماً، وكان ساكناً بها أكثر من عشرين سنة، ولمـّا مات رثيته بقصيدة طويلة ستَّة وسبعين بيتاً أوّلها:

على مثلها شقَّت حشاً وقلوبُ

إذا شقّقت عند المصاب جيوبُ

لحى الله قلباً لا يذوب لفادح

نكاد له صمُّ الصّخور تذوبُ

جرى كلُّ دمع يوم ذاك مرخّماً

وضاق فضاء الأرض وهو رحيبُ

على السيِّد المولى الجليل المعظّم

النّبيل بعيدٌ قد بكا وقريبُ

خبا نور دين الله فارتدّ ظلمة

إذا اغتاله بعد الطّلوع مغيبُ

فكلُّ جليل بعد ذاك محقّرُ

وكلُّ جميل بعد ذاك معيبُ

فمن ذا يمير السّائلين وقد قضى؟

ومَن لسؤال السّائلينَ يجيبُ؟

ومَن ذا يحلّ المشكلات بفكره

يبين خفيَّ العلم وهو غيوبُ؟

٢٩٥

ومَن ذا يقوم اللّيلِ لله داعياً

إذا عزَّ داع في الظّلام منيبُ؟

ومَن ذا الّذي يستغفر الله في الدجى

ويبكي دماً إن قارفته ذنوبُ؟

ومَن يجمع الدنيا مع الدين والتقى

مع الجاه؟ إن المكرمات ضروبُ

لتبك عليه للهداية أعينٌ

ومدمعها منها عليه صبيبُ

وتبك عليه للتَّصانيف مقلة

تقاطر منها مهجةٌ وقلوبُ

[ القصيدة ]

وقال: كان عالماً فاضلاً أديباً شاعراً منشياً جليل القدر عظيم الشَّأن، وله كتاب شرح مختصر النافع لم يتمّ، وكتاب الفوائد المكيّة، وشرح الإثنى عشريّة(١) الصلاتيّة للشّيخ البهائي، وغير ذلك من الرَّسائل ١ ه‍ وله رسالةٌ في تفسير آية مودّة ذي القربى، ورسالة غنية المسافر عن المنادم والمسامر.

وورثه على فضائله وفواضله ولده السيّد جمال الدّين بن نور الدّين عليّ بن الحسين بن أبي الحسن الحسينيّ الدمشقيّ، قرأ بدمشق على العلّامة السيّد محمّد بن حمزة نقيب الأشراف، ثمَّ هاجر الى مكّة وأبوه ثمَّة في الأحياء فجاور بها مدَّة، ثمَّ دخل اليمن أيّام الإمام أحمد بن الحسن فعرف حقّه من الفضل، ومدحه بقصيدة مطلعها:

خليليَّ عودا لي فيا حبّذا المطلُ

إذا كان يرجى في عواقبه الوصلُ(٢)

ثمَّ فارق اليمن، ودخل الهند، فوصل إلى حيدر آباد وصاحبها يومئذ الملك ابو الحسن، فاتّخذه نديم مجلسه، وأقبل عليه بكلّيته، ولمـّا طرقت النكباء أبا الحسن من سلطان الهند الأعظم وحبس، انقلب الدَّهر على السيّد جمال الدّين فبقي مدّة في حيدر آباد إلى أن مات بها في سنة ثمان وتسعين وألف، كما أخبرني بذلك أخوه روح الأدب السيّد علي بمكّة المشرّفة.

كذا ترجمه المحبّي في [ خلاصة الأثر ] ١: ٤٩٤، وأثنى عليه صاحب [ أمل الآمل ] ص ٧ وقال: عالمٌ فاضلٌ محقّقٌ مدقّقٌ ماهرُ أديبٌ شاعرٌ، كان شريكنا في الدّروس عند

____________________

١ - أسماه في اجازته للمولى محمد محسن بالانوار البهيّة.

٢ - ذكر منها المحبى فى « الخلاصة » خمسة عشر بيتاً.

٢٩٦

جماعة من مشايخنا، سافر إلى مكّة وجاور بها، ثمّ إلى مشهد الرِّضاعليه‌السلام ثمّ إلى حيدر آباد، وهو الآن ساكنٌ بها، مرجع فضلائها وأكابرها، وله شعرٌ كثيرٌ من معمّيات و غيرها، وله حواشٍ وفوائد كثيرة، ومن شعره قوله:

قد نالني فرط التعبْ

وحالني من العجبْ

فمن أليم الوجد

في جوانحي نار تشبْ

ودمع عيني قد جرى

على الخدود وانسكبْ

وبان عن عيني الحمى

وحكمت يد النّوبْ

يا ليت شعري هل ترى

يعود ما كان ذهبْ؟

يفدي فؤادي شادناً

مهفهفاً عذب الشّنبْ

بقامة كأسمر

بها النّفوس قد سلبْ

و وجنة كأنّها

جمر الغضا إذا التهبْ

فذكر شطراً من شعره فقال: وقد كتبت إليه مكاتبة منظومة اثنين وأربعين بيتاً أذكر منها أبياتاً:

سلامٌ وإكرامٌ وأزكى تحيّة

تعطّر أسماعٌ بهنّ وأفواهُ

وأثنيته مستحسنات بليغة

تطابق فيها اللفظ حسناً ومعناهُ

وأشرف تعظيم يليق بأشرف

الكرام وأحلى الوصف منه وأعلاهُ

اُقبِّل ارضاً شرَّفتها نعاله

وابدي بجهدي كلّ ما قد ذكرناهُ

من المشهد الأقصى الذي من ثوى به

ينل في حماه كلّ ما تيمنّاهُ

إلى ما جد تعنو الأنام ببابه

فتدرك أدنى العزّ منه وأقصاهُ

وأضحى ملاذاً للأنام وملجأً

يخوضون في تعريفه كلّما فاهوا

فتىً في يديه اليمن واليسر للورى

فلليمن يُمناه ولليسر يُسراهُ

جناب الأمير الأمجد النّدب سيدي

جمال العُلى والدّين أيده اللهُ

وبعد: فإنَّ العبد ينهي صبابة

تناهت ووجداً ليس يدرك أدناهُ

ويشكو فراقاً أحرق القلب ناره

وقد دكّ طود الصّبر منه وأفناهُ

وإنّا وإن شطّت بكم غربة النوى

لنحفظ عهد الودّ منكم ونرعاهُ

٢٩٧

وقد جائني منكم كتابٌ مهذّب

فبدّل همّي بالمسرّة مرآهُ

فلا تقطعوا أخباركم عن محبّكم

فإنَّ كتاباً من حبيب كلقياهُ

وإنّي بخير غير انَّ فراقكم

أذاب فؤادي بالغرام وأصماهُ(١)

واُهدي سلامي والتحيّة والثّنا

وألطف مدح مع دعاء تلوناهُ

إلى الاخوة الأمجاد قرَّة مقلتي

أحبّه قلبي خير ما يتمنّاهُ

إلى أن قال:

إليكم تحيّات أتت من عبيدكم

محمّد الحرّ الّذي أنت مولاهُ

وفي صفر تاريخه عام ستّة

وسبعين بعد الألف بالخير عقباهُ

وأوعز إلى ذكره الجميل صاحب [ روضات الجنّات ] ص ١٥٥ في ذيل ترجمة لسيّد جمال الدّين الجرجاني، وذكره ابن أخيه السيّد عبّاس بن علي في [ نزهة الجليس ] وتوجد ترجمته في [ بغية الرّاغبين ] وفيه: انّه قرأ على أبيه وجماعة، وروى عن أبيه وعن جدّه لاُمّه الشيخ نجيب الدّين. وذكره القمي في [ الفوائد الرّضويَّة ] ١: ٨٤، وجمع شتات ترجمته سيّد الأعيان في الجزء السّادس عشر ص ٣٨٣ - ٣٩٠

____________________

١ - أصمى الصيد: رماه فقتله مكانه.

٢٩٨

القرن الحادي عشر

٨٤

الشيخ حسين الكركي

المتوفى ١٠٧٦

فخاض [ أمير المؤمنين ] بسيفه

لظاها وأملاك السّماء له جندُ

وصاح عليهم صيحة هاشميّةّ

تكاد لها الشمُّ الشّوامخ تنهدُّ

غمامٌ من الاعناق تهطل بالدّما

ومن سيفه برقٌ ومن صوته رعدُ

وصيُّ رسول الله وارث علمه

ومن كان في خمّ له الحلُّ والعقدُ

لقد ضلَّ من قاس الوصيَّ بضدِّه

وذو العرش يأبى أن يكون له ندُّ

( القصيدة )(١)

( ألشاعر )

الشّيخ حسين بن شهاب الدّين بن حسين بن خاندار(٢) الشاميُّ الكركيُّ العامليُّ، هو من حسنات عاملة، ومن العلماء المشاركين في العلوم المتضلعين منها، أمّا حظّه من الأدب فوافر، ولعلّك لا تدري إذا سرد القريض أنّه هل نظم درّاً، أو صاغ تبرا.

ذكره معاصره في « الأمل » وقال: كان عالماً فاضلاً ماهراً أديباً شاعراً منشياً من المعاصرين له كتبٌ منها: شرح نهج البلاغة، وعقود الدُّرر في حلِّ أبيات المطوّل والمختصر، وحاشية المطوَّل، وكتاب كبير في الطبِّ، وكتابٌ مختصر فيه، وحاشية البيضاوي، ورسائل في الطبّ وغيره، وهداية الأبرار في اصول الدّين، ومختصر الأغاني، وكتاب الاسعاف ورسالة في طريقه، وديوان شعره، وأرجوزة في النحو، أرجوزة في المنطق، وغير ذلك وشعره حسنٌ جيدٌّ خصوصاً مدائحه لأهل البيت عليهم السّلام، سكن

____________________

١ - اخذناها من « أمل الامل » نقلها عن خط ناظمها.

٢ - فى خلاصة الاثر: جاندار.

٢٩٩

اصفهان مدَّة ثمَّ حيدر آباد سنين ومات بها، وكان فصيح اللّسان، حاضر الجواب، متكلّما حكيماً، حسن الفكر، عظيم الحفظ والإستحضار، توفّي في سنة ١٠٧٦ وكان عمره ٦٨ سنة.اهـ.

وبالغ في الثّناء عليه السيّد المدني في « السّلافة » ص ٣٥٥ وممّا قال: طودٌ رسى في مقرِّ العلم ورسخ، ونسخ خطّة الجهل بما خطَّ ونسخ. علا به من حديث الفضل اسناده، وأقوى به من الأدب أقواؤه وسناده. رأيته فرأيت منه فرداً في الفضائل وحيدا، وكاملاً لا يجد الكمال عنه محيدا. تحلّ له الحبى وتعقد عليه الخناصر، أوفى على من قبله وبفضله اعترف المعاصر. يستوعب قماطر العلم حفظاً بين مقروءٍ ومسموع، ويجمع شوارد الفضل جمعاً هو في الحقيقة منتهى الجموع، حتّى لم ير مثله في الجدّ على نشر العلم وإحياء مواته، وحرصه على جميع أسبابه وتحصيل أدواته. كتب بخطّه ما يكلُّ لسان القلم عن ضبطه، واشتغل بعلم الطبِّ في أواخر عمره، فتحكّم في الأرواح و الأجساد بنهيه وأمره.

ثمَّ ذكر انتقاله وتجوّله في البلاد، وقدومه على والده سنة اربع وسبعين، ووفاته يوم الإثنين لإحدى عشرة بقيت من صفر سنة ستّ وسبعين وألف عن أربع وستين سنة تقريباً. وذكر من شعره مائتين وواحداً وعشرين بيتاً. ومنها قوله:

يا شقيق البدر! أخفى

فرعك المسدول بدركْ

فارحم العشّاق واكشف

يا جميل السّتر ستركْ

وقوله:

جودي بوصل أو ببينِ

فاليأس إحدى الرّاحتينِ

أيحلُّ في شرع الهوى

أن تذهبي بدم الحسينِ؟

وقوله:

ولقد تأمّلت الزَّمان وأهله

فرأيت نار الفضل فيهم خامده

فتنٌ تجوش ودولةٌ قد حازها

أهل الرَّذالة والعقول الفاسده

فقلوبهم مثل الحديد صلابةً

وأكفّهم مثل الصّخور الجامده

فرأيت أنَّ الإعتزال سلامة

وجعلت نفسي واو عمرو الزائده

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402