الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١١

الغدير في الكتاب والسنة والأدب14%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 402

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 402 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 159862 / تحميل: 3941
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١١

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

وهي القطعة من ورق أو جلد ونحو ذلك. والاكتاف : جمع كتف ، وهو عظم عريض يكون على أعلى الظهر. والعسب : جمع عسيب ، وهو جريد النخل العريض.

في أُحد

( 453 ) عن سهل : لمّا كسرت بيضة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على رأسه واُدمي وجهه وكسرت رباعيته ، وكان علي يختلف بالماء في المجن ، وكانت فاطمة تغسله ، فلمّا رأت الدم يزيد على الماء كثرة ، عمدت الى حصير فاحرقتها والصقتها على جرحه فرقا الدم(1) .

رقا : اي سكن وانقطع.

جزيرة العرب

( 454 ) عن يعقوب : انّه سأل المغيرة بن عبد الرحمن عن جزيرة العرب ، فقال : مكة والمدينة واليمامة واليمن.

قال يعقوب : والعرج أول تهامة(2) .

عدد المسلمين

( 455 ) عن حذيفة : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اكتبوا لي من تلفّظ بالاسلام من الناس » فكتبنا له ألف وخمسمائة رجل ، قلنا أنخاف ونحن ألف وخمسمائة ، فلقد رأيتنا ابتلينا حتى انّ الرجل ليصلّي وحده وهو خائف.

وفي رواية اُخرى : فوجدناهم خمسمائة وقيل ما بين ستمائة الى سبعمائة(3) قيل : انَّ هذا القول ( فقلنا ) عند حفر الخندق ، والمراد بالابتلاء

____________

(1) صحيح البخاري رقم 2747 كتاب الجهاد.

(2) صحيح البخاري ذيل رقم 2888.

(3) صحيح البخاري رقم 2895 كتاب الجهاد.

٢٢١

هو ما اصاب المسلمين بعد رسول الله من الفتن.

تأثير بني اُميّة واهمال ذكر علي

( 456 ) عن ابن عباس : شهدت العيد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكلّهم يصلّون قبل الخطبة(1) .

( 457 ) وعن ابن عمر : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبو بكر وعمر يصلّون العيدين قبل الخطبة(2) .

أقول : وترى ذكر الخليفة الرابع مهملاً لا يذكر في عدّة من المقامات ، وكأنّه لم يكن خليفة ، ثم أن مروان جعل الخطبة قبل الصلاة بدعة ، والبخاري يروى عنه!

نزول عيسىعليه‌السلام

( 458 ) عن أبي هريرة ، عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تقوم الساعة حتى ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ويضع الجزية ، ويفيض المال ، حتى لا يقبله أحد »(3) .

ومن الظاهر بقاء الاَحكام ، فوضع الجزية من زيادة أبي هريرة احتمالاً.

فاطمة وميراث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

( 459 ) عن عائشة : انّ فاطمةعليها‌السلام ابنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقسم لها ميراثها ـ ما ترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا أفاء الله عليه ـ فقال أبو بكر : انّ رسول الله قال : « لا نورث ، ما تركنا

__________________

(1) صحيح البخاري رقم 919 كتاب العيدين.

(2) صحيح البخاري رقم 920.

(3) صحيح البخاري رقم 2344 كتاب المظالم.

٢٢٢

صدقة » فغضب فاطمة بنت رسول الله ، فهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرته حتى توفيّت ، وعاشت بعد رسول الله ستة أشهر.

قالت : وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها ممّا ترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من خيبر وفدك وصدقته(1) بالمدينة ، فأبى أبو بكر عليها ذلك ، وقال : لست تاركاً شيئاً كان رسول الله يعمل به إلاّ عملت به ، فانّي أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن ازيغ.

فأمّا صدقته بالمدينة فدفعها عمر الى علي وعباس(2) .

وأمّا خيبر وفدك فامسكهما عمر وقال : هما صدقة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانتا لحقوقه التي تعروه(3) ونوائبه ، وأمرهما الى من ولي الاَمر.

قال : فهما على ذلك الى اليوم(4) .

( 460 ) وعنها : انّ فاطمةعليها‌السلام أرسلت الى أبي بكر تسأله ميراثها من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ممّا افاء الله على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ تطلب صدقة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر.

فقال أبو بكر : انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا نورث ما تركنا فهو صدقة ، انّما يأكل آل محمّد من هذا المال ـ يعني مال الله ـ ليس لهم أن يزيدوا على المأكل » وانّي والله لا اغير شيئاً من صدقات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله التي كانت عليها في عهد النبي(5) .

__________________

(1) أي املاكه التي صارت بعده صدقة موقوفة.

(2) قيل : ان دفعها اليهما ليتصرفا وينتفعا بقدر حقّهما كما كان يتصرّف النبي ( ص ) ، ولم يدفع اليهما على وجه التمليك.

(3) اي تنزل به وتنتابه. والنائبة : الحادثة.

(4) صحيح البخاري رقم 2926 كتاب الخمس.

(5) صحيح البخاري رقم 3508 كتاب فضائل الصحابة.

٢٢٣

 ( 461 ) وعنها أيضاً : انّ فاطمةعليها‌السلام والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما ـ ارضه من فدك وسهمه من خيبر ـ فقال أبو بكر : سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « لا نورث ما تركنا صدقة ، انما يأكل آل محمّد في هذا المال »(1) .

( 462 ) وعنها أيضاً : انّ فاطمةعليها‌السلام بنت النبي أرسلت فأبى أبو بكر أن يدفع الى فاطمة منها شيئاً ، فوجدت ـ أي غضبت ـ فاطمة على أبي بكر في ذلك ، فهجرته ، فلم تكلّمه حتى توفيّت ، وعاشت فاطمة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ستة أشهر(2)

أقول : المقام من المعضلات ، بل من المهلكات عند من يحرّر نفسه من العصبية وتقليد الاباء ، ولا يرجح المشهورات على عقله وضميره ، ويعتقد انّ الحقّ أحقّ أن يتبّع ، ولا يرى وجوب تأويل النصوص ـ بمجرد حسن الظن بالرواة وغفلة المحدّثين ـ على نفسه باهمال دلالة النصوص والرجوع الى معان بعيدة عن سيرة العقلاء كما هي عادة الغلاة المتأوّلين( ومن يضلل الله فلا هادي له ).

أولاً : تدّعي الشيعة الامامية ـ مستندين الى دلائل وشواهد ـ انّ النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله نحل فاطمة فدكاً في حياته واقبضها أيّاها ، فلمّا تولّى ابو بكر الاُمور قبض فدك وطرد عاملها منها ، فادّعت أولاً فاطمة انّ فدك مملوكة لها ، ثم في مقام المحاجة تنزلت وقال : افرض لم يملكني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ايّاها في حياته فهي ميراث ، وفي القرآن آيات تخبر عن انّ الانبياء كغيرهم يورثون. ويزيدون انّ فاطمة ممّن اذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وانّها سيدة نساء أهل الجنة ، فلا تدّعي باطلاً وحراماً ، فنفس مطالبتها بفدك

__________________

(1) صحيح البخاري رقم 3710 كتاب المغازي.

(2) صحيح البخاري رقم 3998 كتاب المغازي.

٢٢٤

تثبت الهبة وبطلان الحديث اثباتاً قاطعاً.

ونحن غير نائبين عن الشيعة في اثبات ادّعائهم ولا هم محتاجون الى دفاعنا ، ولكن لا بد لنا كمسلمين عاقلين راغبين في فهم الحقائق : ان نقول : انّ ورثة النبي هم فاطمة وازواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بزيادة عباس على القول بارث العصبة ، فكيف يمكن ان نقبل انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يخبر ورثته بانّه لا يورث ، مع انّ الحكم يختصّ بهم ولا يتعدى غيرهم ، وانما ذكره لفرد اجنبي خارج عن الورثة.

أمّا عدم علم فاطمة بالحديث ، بل انكارها فواضح ، حيث غضبت على أبي بكر فهجرته ، ثم بقيت على هذه الحال ولم تكلمّه حتى ماتت ، فهي تراه ظالماً لها وغاصباً لحقّها ، فتنفّرت منه اشد النفرة بحيث لم تكلّمه حتى آخر لحظة في حياتها ، وربّما قيل أن عدم تكلّمها معه لاَجل اقتناعها بقوله! لكنّه باطل مخالف لصريح الحديث بانّها ( وجدت عليه ).

وأمّا نساؤهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهنّ أيضاً غير عالمات بالحديث والحكم كما ينقل البخاري :

( 463 ) عن عائشة : انّ أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حين توفّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اردن أن يبعثن عثمان الى أبي بكر يسألنه ميراثهن ، فقالت عائشة : أليس قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا نورث ما تركنا صدقة »(1) .

وأمّا العباس ، فيظهر ممّا سبق انّه أيضاً يجهل الحكم المذكور ، وكان مدعياً لميراثه منهصلى‌الله‌عليه‌وآله (2) .

__________________

(1) صحيح البخاري رقم 6349 كتاب الفرائض.

(2) وأما احتمال انّ ورثة النبي ( ص ) طلبوا الارث مع علمهم بالوقف فهو باطل

٢٢٥

والعمدة ، انّ عليّاً لا يرى الحديث صحيحاً ولا أبا بكر صادقاً في نقله ، وإلاّ لاَقنع فاطمة واصلح بينها وبين أبي بكر ، وما في بعض الروايات من اقرار العباس وعلي بالحديث المذكور في محضر عمر فهو اشبه بالهزل من الجد. وسيأتي ان علياً والعباس ادعيا الميراث من عمر بعد وفاة أبي بكر ، فيظهر من هذه الدعوى انّهما ينكران على أبي بكر حديثه ، ويرى علي زوجته مستحقة للميراث ، وكذا العباس يرى نفسه وارثاً ، فهما ليسا غير عالمين بالحديث فقط ، بل هما عالمان بعدمه ، فانّهما ينكران الحديث ، وان كان راويه مثل أبي بكر ، لكن مع كلّ ذلك يشكل تكذيب أبي بكر في نقل الحديث ، وهذه هي المشكلة العويصة.

وربّما يخطر بالبال أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انّما قال : « لا نورث » في مال خاص وقفه ، فحسبه أبو بكر عاماً في كلّ ما تركه وان لم يوقفه في حياته ، أو ألحقه به اجتهاداً لمصلحة النظام الجديد بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويشهد له انّ أبا هريرة استثنى في حديثه هذا نفقة الزوجات ، إذ لم يؤخذ من أحد الزوجات شيء من بيوتهن بدعوى انه صدقة ، بل كان ازاره وكساؤهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند عائشة(1) ، وقد مر هذا البحث قبل قريب.

ويمكن أيضاً ان تكون كلمة « ما » الموصولة مع صلتها مفعولة لكلمة « لا نورث » وقرأصلى‌الله‌عليه‌وآله كلمة صدقة بالوقف ، فحسب أبو بكر انّها مرفوعة ، وانّه خبر للموصول وصلته(2) .

__________________

باجماع المسلمين حتى عند الشيعة في حق الازواج ، فانّهم لا يقبلون فسق زوجاته ( ص ) بارتكاب الحرام وينزهوهن من هذا المعصية ، فانكار اصالة العدالة أو تعديل كلّ فرد من الصحابة أمر ونسبة الحرام الى جميع الزوجات أمر آخر ، وبينهما فرق كثير ، فلا تشتبه.

(1) صحيح مسلم 14 : 56.

(2) لا يقال على هذا يعم الحكم جميع المسلمين ، ولا يخصّ النبي ( ص ) وورثته. فانّه

٢٢٦

وأمّا كلمة : فهو « فهو صدقة » في بعض الروايات ، فلم تثبت ، لخلو غالب الروايات عنها.

وأما الجملة الاَخيرة : « انّما يأكل آل محمّد ». فهي إما من كلام عائشة توضيحاً للحديث ، وإما ناظرة الى المال الخاص الذي وقفهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته أي إذا احتاج آل محمّد الى ما وقفه فلا يأكل منه غيرهم ، والله العالم. هذا بالنظر الى رواية البخاري ، واما بالنظر الى رواية مسلم فسيأتي البحث فيها.

ثم انّ ههنا مشكلة اُخرى في وقف خمس خيبر حيث انّ للخمس أهلاً غير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكيف يصحّ وقف ما ليس للواقف ، بل هو مناف لتشريع الخمس. وهذا دليل قوى على اشتباه أبي بكر في فهم حديثه. والواقع انّ أبا بكر لو سلم فدكاً الى سيدة نساء الجنة ولم يغضبها ـ وقد صح عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله من اغضبها اغضبني ـ لكان انفع له وللمجتمع الاسلامي في طول الزمن ، وان كان التسليم نحو تسليم مال موقوف الى ناظره لا الى مالكه ، كما سلّم عمر مال المدينة الى علي والعباس.

تنازع علي والعباس

( 464 ) عن مالك بن اوس ـ في حديث طويل ـ يذكر انّ علياً والعباس دخلا على عمر ، فقال عباس : يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا ـ وهما يختصمان فيما افاء الله على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من بني النضير ـ فاقبل عمر على علي والعباس فقال : انشدكما الله أتعلمان انّ رسول الله قد قال ذلك ( أي لا نورث ما تركناه صدقة )؟

__________________

يقال : نعم ، وليس في الحديث ما يظهر اختصاصه به ( ص ) ، ولذ احتاج الخليفة وغيره الى تأويل وزيادة جملة ( يريد به نفسه ) كما يظهر من الروايات.

٢٢٧

قالا : قد قال ذلك.

قال عمر : فانّي احدثكم عن هذا الامر ، انّ الله قد خصّ رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحداً غيره ثم قرأ :( وما أفاء اللهُ على رسولهِ منهم ـ الى قوله ـقدير ) فكانت هذه خالصة لرسول الله ، والله ما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم ، قد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال ، فكان رسول الله ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله ، فعمل رسول للهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك حياته ثم توفّى الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال أبو بكر : أنا وليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقبضها أبو بكر ، فعمل فيها بما عمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والله يعلم انّه فيها لصادق بار راشد تابع للحق ، ثم توفّى الله أبا بكر ، فكنت أنا وليّ أبي بكر فقبضتها سنتين من امارتي والله يعلم اني فيها لصادق بار راشد تابع للحق ، ثم جئتماني تكلّماني وكلمتكما واحدة وأمركما واحد ، جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك ، وجاءني هذا ـ يريد علياً ـ يريد نصيب امرأته من أبيها(1) فقلت لكما : انّ رسول الله قال : « لا نورث ما تركنا صدقة ».

ولما بدا لي أن ادفعه اليكما قلت : ان شئتما دفعتها اليكما على انّ عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله(2)

أقول : وفي محل آخر من البخاري : فاستبّ علي وعباس(3) . ( أي سب كلّ واحد صاحبه ).

__________________

(1) كلام عمر هذا كالنص في أنّهما طلبا الميراث دون القيام على المال قيام الناظر والمتولّي كما يدعيه بعض البسطاء المتأولين.

(2) صحيح البخاري رقم 2927 كتاب الجهاد.

(3) صحيح البخاري رقم 3809 كتاب المغازي.

٢٢٨

وفيه عن عائشة بعد قصة اخبارها زوجاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحديث لا نورث : فكانت هذه الصدقة بيد علي ، منعها علي عباساً فغلبه عليها ، ثم كانت بيد حسن بن علي ، ثم بيد حسين بن علي ، ثم بيد علي بن حسين ، وحسن بن حسن كلاهما كانا يتداولانها ، ثم بيد زيد بن حسن ، وهي صدقة رسول الله حقاً. انتهى.

وفي كتاب النفقات : وانتما حينئذ ـ واقبل على علي وعباس ـ تزعمان انّ أبا بكر كذا وكذا(1) .

وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة : قال العباس يا أمير المؤمنين : اقض بيني وبين الظالم استبا تزعمان انّ أبا بكر فيها كذا والله يعلم انّه فيها صادق(2) .

أقول : جمع من باحثي الشيعة ينكرون نزاع عباس مع علي ويرونه افتراء عليه ، وليس لديهم دليل قاطع ، وانا اذكر في المقام ثلاثة أُمور :

1 ـ انّ في الحديث تناقضاً حيث يذكر أوّلاً اقرار عباس وعلي بصحة الحديث وانّهما عالمان به ، ثم يذكر في الذيل انّهما كان يطلبان الميراث لا في خلافة أبي بكر ، بل في خلافة عمر ، فلو كانا عالمين بالحديث ومصدّقين به لكانا يطلبان الحرام وهو باطل اجماعاً ، فيعلم انّ ذكر اقرارهما به من زيادة النساخ أو الرواة أو من اجتهاد البخاري.

2 ـ انّ نسبة الاستباب اليهما ينافي عدالتهما الثابتة عند أهل السنة وعصمة علي عند الشيعة ، واننا وان لم نقل بعصمة علي لكننا نعتقد بعدالته وورعه فوق ما نعتقد في حقّ معظم الصحابة أو كلّهم ، وهو مع القرآن

__________________

(1) صحيح البخاري رقم 5043 كتاب النفقات.

(2) صحيح البخاري رقم 6875 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة.

٢٢٩

والقرآن معه ، وهو رأس أحد الثقلين ، وممّن اذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

3 ـ انّ شيخنا البخاري يرى جواز التصرّف في الاَحاديث بما يهواه ، واليك شاهداً عليه من صحيح مسلم ، ففي كتاب الجهاد ، فقال عباس : يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن فقال عمر فقال أبو بكر : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما نورث ما تركنا صدقة » فرأيتماه كاذباً آثماً غداراً خائناً والله يعلم انّه لصادق فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً والله يعلم(1) اني لصادق(2) .

أقول : لم يكن ثمة ابن سبأ حتى يقال انّه أوقع الخلاف بين الصحابة! ولا نحقّر عقلنا وضميرنا وبصرنا لمجرد حسن الظن بالسلف ، فلا نخضع لتأويل المقلدين ، بل نقول : انّ هنا تساباً وتكاذباً بين أبي بكر وعمر وعلي وهم من الخلفاء الراشدين ، وفاطمة بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي سيدة نساء أهل الجنة ، والعباس عمّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يستسقى به عمر ، ولا يمكن الحكم بصحة أقوال الطرفين ، بل الاطراف الثلاثة :

(1) الشيخين وعباس وعلي.

(2) الشيخين وفاطمة.

(3) عباس وعلي.

فلا بد من الحكم بعدم عدالة بعض الاطراف إن صحت هذه

__________________

(1) هذه الالفاظ تدلّ على انّ عليّاً والعباس يكذبان بالحديث المذكور ، وما قيل في تأويلها ضعيف سخيف لا يجوز اضاعة الوقت بنقله ونقده ، فلاحظ شرح النووي على المقام وكذا غيره.

(2) صحيح مسلم 1757 كتاب الجهاد.

٢٣٠

الاحاديث ، ولك أن تقول بطرف رابع وهو رواة البخاري ومسلم. وقد نقل النووي عن القاضي عن المازري : انّه إذا انسدت طرق تأويلها نسبنا الكذب الى رواتها ، وقد حمل هذا المعنى بعض الناس ( يريد به البخاري ) على انّ ازال هذا اللفظ من نسخته! فحينئذ لا يخلو الامر عن واحد من ثلاثة :

إمّا كذب الرواة ، فلا اعتماد على الصحيحين واحاديثهما رغم اصرار المقلدة ومدّعي العلم ، وإمّا عدم عدالة الخليفتين والعباس ، وإمّا عدم عدالة علي وفاطمة ، ولا رابع عند العاقل المحقق البصير فلك الخيار في اختيار اي الاُمور شئت ، والله الموفق وهو العاصم ، وأمّا تصرف البخاري في الفاظ الحديث فهو أمر قبيح يسلب الاعتماد عن امانته واحاديث كتابه.

اصل اختلاف الاُمّة

( 465 ) عن عائشة : فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك ، فهجرته فلم تكلّمه حتى توفّيت ، وعاشت فاطمة بعد النبي ستة أشهر ، فلمّا توفّيت دفنها زوجها علي ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلّى عليها. وكان لعلي من الناس وجه في حياة فاطمة ، فلمّا توفّيت استنكر علي وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ، ولم يكن يبايع تلك الاَشهر ، فارسل الى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك ، كراهية لمحضر عمر.

فقال عمر : لا والله لا تدخل عليهم وحدك وما عسيتهم ان يفعلوا بي ، فدخل عليهم أبو بكر فتشهد علي فقال : انّا عرفنا فضلك...ولكنك استبددت علينا بالاَمر ، وكنا نرى لقرابتنا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نصيباً ولكنّا نرى لنا في هذا الاَمر نصيباً فاستبد علينا فوجدنا في انفسنا(1) أقول :

__________________

(1) صحيح البخاري رقم 3998 كتاب المغازي.

٢٣١

مدلول هذه الرواية الطويلة والمستفد منها اُمور نذكر بعضها :

1 ـ عدم مبايعة علي أبا بكر طيلة حياة فاطمة.

2 ـ عدم ايذان علي أبا بكر بوفاة فاطمة للصلاة عليها وتشييع جثمانها.

3 ـ انكار الناس على مخالفة علي هو الوجه لالتماس المصالحة.

4 ـ تنفّر علي من عمر وكراهيته لحضوره.

5 ـ اعتقاد علي بنصيبه في أمر الخلافة.

6 ـ استبداد أبي بكر بالاَمر هو الذي وجد علي به على أبي بكر فلم يبايعه.

7 ـ بقاء اثر التشاجر حول ما تركه النبي في نفس علي كما يظهر من كلام أبي بكر الذي لم ننقله هنا ، بل بقاؤه الى آخر أو أواسط خلافة عمر كما عرفته من حديث مسلم ، بل والى آخر عمره كما ربما يظهر من كلامه في نهج البلاغة وغيره.

8 ـ وجود جمع من الصحابة مع علي في بيته ، كما يظهر من تعبير أبي بكر وعمر بضمير الجمع وكذا من تعبير علي(1) .

9 ـ اكتفاء علي في المصالحة بمجرد الحضور دون المبايعة ، إلاّ أن تستفاد البيعة من قول علي موعدك العشية للبيعة ، الذي لم ننقله هنا. ولجمع من علماء الشيعة أقاويل أُخرى لا نذكرها.

وانا لا اظن بصحّة هذا الرواية بتمامها ، فانّ الاعتذار عن عدم البيعة بالاستبداد غير لائق بمكانة علي العلمية والعملية ، والحق انّ علياً لا يرى

__________________

(1) ان ائتنا. ولا يأتنا. لا تدخل عليهم. وما عسيتهم ان يفعلوا بي. لآتينهم. فدخل عليهم.

٢٣٢

غيره أهلاً للخلافة ، وحيثما استنكر وجوه الناس ، وبقي هو وجماعته القليلة منعزلين ، ولم ير الصلاح في الحرب فاضطر الى المصالحة.

وامّا ما قيل في وجه عدم بيعته من تسلّط الحزن والهم عليه بوفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أو لحلفه على عدم لبس الرداء إلاّ للصلاة حتى يجمع القرآن كلّه فلم يجد الفرصة للاجتهاد لوجوب البيعة! أو لكفاية غيره للبيعة فهو ضعيف كضعف ما مرّ في كلام عائشة من استبداد أبي بكر بالخلافة ، إذ كل ذلك غلط ، لا يجوز ترك بيعة الامام لاَجله لاَن من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية ، أيصح ان يحلف أحد على ترك واجب؟ أو يتركه لحزنه؟ أو لعدم المشاورة معه؟ كلا.

( 466 ) وعن الحارث قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « وانا آمركم بخمس الله أمرني بها : السمع ، والطاعة ، والجهاد ، والهجرة ، والجماعة ، فانّه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه إلاّ ان يراجع »(1) .

أقول : وقد فارق علي الجماعة ستة أشهر ، فهل تظن به انّه يرى الجماعة على حق ومع ذلك فارقها عناداً وتعصّباً واتّباعاً لهواه؟ أو يراهم على غير حق فابتعد منهم.

تعقيب وتحقيق

دع عنك خرافة عبدالله بن سبأ بأن تحمّله كلّ ما وقع في صدر الاسلام تحفظاً على عدالة الصحابة ، فانّه لعب بالعقل والاَحاديث والتاريخ واعيذك الله منه. والواقع انّ الصحابة هم الذين اختلفوا بينهم على الاتيان بالكتاب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في مرض موته ، ثم في سقيفة بني ساعدة ، ثم في موضوع الخلافة ( مع علي بخصوصة ) ، ثم في توريث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم في جملة من

__________________

(1) جامع الترمذي 2 : 379.

٢٣٣

مسائل اُخر ، حتى توسعت الفتنة في زمان عثمان ، وانجر الاَمر الى أن قتل عثمان فيها ، ولم تستقر الخلافة لعلي ، فحاربه عائشة وطلحة والزبير وغيرهم من الصحابة واتباعهم ، ثم حاربه معاوية وعمرو بن العاص وأقرانهما واتباعهما ، ثم الخوارج ، حتى قتله ابن ملجم الخارجي ، ثم استولى بنو اُميّة على سلطان الاسلام والمسلمين ، فأفسدوا وعثوا وعتوا عتوا كبيراً. فدع قصة عدالة الصحابة وابحث عن الحقيقة كما هي.

من القطعيات التي لا يشك فيها عاقل انّ موضوع الامامة والخلافة هي اساس كلّ الاختلافات التي انجرت الى العداء والبغضاء ، ثم الى الحروب ، وسفك الدماء ، وهتك الاعراض ، ونهب الاموال ، والى التكفير والتفسيق ، والى تشعب المسلمين الى المذاهب والمسالك المتباعدة ، وهي التي حملت أقواماً على جعل الاحاديث ، وتزوير الحقائق ، وترويج الاباطيل ، والامر بالمنكر ، والنهي عن المعروف ، الى يومنا هذا في كل مكان. ولنعم ما قيل : ما ذئبان ضاريان في غنم غاب رعاؤها عنها بأضرّ في دين الرجل المسلم من حب الرئاسة. وهذا هو سرّ خوف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في مرض وفاته حيث أراد أن يكتب ما لا تضل اُمّته بعده ، فعصوا أمره ، فوقعت الاُمّة في المصاعب والمصائب الى يومنا هذا( وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ).

وممّا لا شك فيه أيضاً انّ خلافة أبي بكر لم تكن مقبولة عند الجميع ، بل في الانصار من يطلبها لنفسه ، وفي المهاجرين كان علي يرى نفسه أحقّ بها من كلّ أحد ، ولم يقبل خلافة أبي بكر وعمر وعثمان بطيب نفسه يوماً كما يظهر ذلك من كلماته الكثيرة ومن افعاله المتكررة ، ونحن

٢٣٤

نذكر هنا ما ذكره ابن قتيبة الدينوري(1) ـ الذي كان في عصر البخاري ومات بعده بعشرين سنة ـ في كتابه المشهور ( الامامة والسياسة ).

قال في ضمن كلام طويل له :

ثم بعث اليه ( اي الى سعد بن عبادة ) أبو بكر رضي الله عنه أن أقبل فبايع ، فقد بايع الناس وبايع قومك ، فقال : أما والله حتى أرميكم بكلّ سهم في كنانتي من نبل ، واخضب منكم سناني ورمحي ، واضربكم بسيفي ما ملكته يدي ، واقاتلكم بمن معي من أهلي وعشيرتي ، ولا والله لو انّ الجن اجتمعت لكم مع الانس ما بايعتكم حتى اعرض على ربّي واعلم حسابي ، فلما اُتي بذلك أبو بكر من قوله : قال عمر : لا تدعه حتى يبايعك.

فقال لهم بشير بن سعد : انّه قد أبى ولجّ ، وليس يبايعك حتى يقتل ، وليس بمقتول حتى يقتل ولده معه وأهل بيته وعشيرته ، ولن تقتلوهم حتى تقتل الخزرج ، ولن تقتل الخزرج حتى تقتل الاوس ، فلا تفسدوا على انفسكم أمراً قد استقام لكم ، فاتركوه فليس تركه بضاركم وانّما هو رجل واحد ، فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن سعد واستنصحوه لما بدا لهم منه.

فكان سعد لا يصلّي بصلاتهم ، ولا يجتمع بجمعتهم ، ولا يفيض بإفاضتهم ، ولو يجد عليهم أعواناً لصال بهم ، ولو يبايعه أحد على قتالهم لقاتلهم ، فلم يزل كذلك حتى توفّى أبو بكررحمه‌الله ، وولي عمر بن الخطاب ، فخرج الى الشام فمات بها ، ولم يبايع لاَحد رحمه الله.

وانّ بني هاشم اجتمعت عند بيعة الانصار الى علي بن أبي طالب ومعهم الزبير بن العوام رضي الله عنه ، وكانت اُمّه صفية بنت عبد المطلب ، وانّما كان يعد نفسه من بني هاشم ، وكان علي كرّم الله وجهه يقول : مازال الزبير

__________________

(1) صحيح البخاري رقم 213 ـ 276.

٢٣٥

منّا حتى نشأ بنوه فصرفوه عنّا. واجتمعت بنو اُميّة الى عثمان ، واجتمعت بنو زهرة الى سعد وعبد الرحمن بن عوف فكانوا في المسجد الشريف مجتمعين ، فلمّا أقبل عليهم أبو بكر وأبو عبيدة وقد بايع الناس أبا بكر قال لهم عمر : ما لي أراكم مجتمعين حلقاً شتى ، قوموا فبايعوا أبا بكر قد بايعته وبايعه الانصار ، فقام عثمان بن عفان ومن معه من بني اُميّة فبايعوه ، وقام سعد وعبدالرحمن بن عوف ومن معهما من بني زهرة فبايعوه ، وأمّا علي والعباس بن عبدالمطلب ومن معهما من بني هاشم انصرفوا الى رحالهم ومعهم الزبير بن العوام ، فذهب اليهم عمر في عصابة فيهم اسيد بن حضير وسلمة بن اسلم ، فقالوا : انطلقوا فبايعوا أبا بكر فأبوا ، فخرج الزبير بن العوام رضي الله عنه بالسيف ، فقال عمر رضي الله عنه : عليكم بالرجل فخذوه ، فوثب عليه سلمة بن اسلم فأخذ السيف من يده فضرب بالجدار ، وانطلقوا به فبايع ، وذهب بنو هاشم أيضاً فبايعوا.

اباية علي كرّم الله وجهه بيعة أبي بكر رضي الله عنهما

ثم انّ عليّاً كرّم الله وجهه اُتي به الى أبي بكر وهو يقول : أنا عبد الله وأخو رسوله ، فقيل له : بايع أبا بكر ، فقال : انا أحقّ بهذا الامر منكم ، لا ابايعكم ، وانتم اُولى بالبيعة لي ، اخذتم هذا الاَمر من الانصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً ، ألستم زعمتم للانصار انّكم أولى بهذا الامر منهم لما كان محمّد منكم فاعطوكم المقادة وسلموا اليكم الامارة ، وانا احتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الانصار ، نحن أولى برسول الله حيّاً وميتاً ، فانصفونا ان كنتم تؤمنون وإلاّ فبوءوا بالظلم وانتم تعلمون.

فقال له عمر : انّك لست متروكاً حتى تبايع.

فقال له علي : احلب حلباً لك شطره ، واشدد له اليوم أمره يردده

٢٣٦

عليك غداً ، ثم قال : والله يا عمر لا أقبل قولك ولا ابايعه.

فقال له أبو بكر : فان لم تبايع فلا اكرهك.

فقال أبو عبيدة بن الجراح لعلي كرّم الله وجهه : يا بن عم انّك حديث السن ، وهؤلاء مشيخة قومك ، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالامور ، ولا أرى أبا بكر إلاّ أقوى على هذا الامر منك وأشد احتمالاً واضطلاعاً به ، فسلّم لاَبي بكر هذا الامر ، فانّك إن تعش ويطل بك بقاء ، فانت لهذا الامر خليق وبه حقيق في فضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك.

فقال علي كرّم الله وجهه : الله الله يا معشر المهاجرين لا تخرجوا سلطان محمّد في العرب عن داره وقعر بيته الى دوركم وقعور بيوتكم ، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه ، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أحقّ الناس به ، لاَنّا أهل البيت ، ونحن أحقّ بهذا الاَمر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، العالم بسنن رسول الله ، المضطلع بأمر الرعية ، المدافع عنهم الامور السيئة ، القاسم بينهم بالسوية ، والله انّه لفينا فلا تتبعوا الهوى فتضلّوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحقّ بعدا.

فقال بشير بن سعد الانصاري : لو كان هذا الكلام سمعته الانصار منك ، يا علي قبل بيعتها لاَبي بكر ما اختلف عليك اثنان.

قال : وخرج علي كرّم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على دابة ليلاً في مجالس الانصار تسألهم النصرة ، فكانوا يقولون يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، ولو ان زوجك وابن عمك سبق الينا قبل أبي بكر ما عدلنا به ، فيقول علي كرّم الله وجهه : أفكنت أدع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيته لم ادفنه واخرج انازع الناس سلطانه؟ فقالت : ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له ولقد صنعوا ماالله حسيبهم وطالبهم.

٢٣٧

كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه

قال : وانّ أبا بكر رضي الله عنه تفقد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند علي كرّم الله وجهه ، فبعث اليهم عمر ، فجاء فناداهم وهم في دار علي ، فأبوا ان يخرجوا ، فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لاَحرقنّها على من فيها.

فقيل له : يا أبا حفص انّ فيها فاطمة؟

فقال : وان.

فخرجوا فبايعوا إلاّ عليّاً ، فانّه زعم انّه قال : حلفت أن لا اخرج ولا اضع ثوبي على عاتقي حتى اجمع القرآن ، فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها فقالت : لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم ، تركتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم ، لم تستأمرونا ، ولم تردّوا لنا حقاً.

فأتى عمر أبا بكر فقال له : ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة.

فقال أبو بكر لقنفذ ـ وهو مولى له ـ : اذهب فادع لي علياً.

قال : فذهب إلى علي ، فقال له : ما حاجتك؟

فقال : يدعوك خليفة رسول الله.

فقال علي : لسريع ما كذبتم على رسول الله ، فرجع فابلغ الرسالة.

قال : فبكى أبو بكر طويلاً ، فقال عمر الثانية : ألا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة.

فقال أبو بكر رضي الله عنه لقنفذ : عد إليه فقل له أمير المؤمنين يدعوك لتبايع.

فجاءه قنفذ فأدّى ما اُمر به ، فرفع علي صوته فقال : سبحان الله؟ لقد ادّعى ما ليس له.

٢٣٨

فرجع قنفذ ، فأبلغ الرسالة ، فبكى أبو بكر طويلاً ، ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة فدقوا الباب ، فلمّا سمعت أصواتهم نادت باعلى صوتها : يا ابت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة.

فلمّا سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تنصدع واكبادهم تنفطر ، وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا عليّاً ، فمضوا به إلى أبي بكر ، فقالوا له : بايع.

فقال : ان أنا لم افعل فمه.

قالوا : اذاً والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك.

قال : اذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله.

قال عمر : أمّا عبدالله فنعم ، وأمّا اخو رسوله فلا ، وابو بكر ساكت لا يتكلم ، فقال له عمر : ألا تأمر فيه بأمرك.

فقال : لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه.

فلحق علي بقبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصيح ويبكي وينادي : يا ابن اُمّ انّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلوني.

فقال عمر لاَبي بكر ( رض ) : انطلق بنا إلى فاطمة ، فانّا قد اغضبناها ، فانطلقا جميعاً فاستاذنا على فاطمة فلم تأذن لهما ، فأتيا عليّاً فكلماه فادخلهما عليها ، فلمّا قعدا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط ، فسلّما عليها ، فلم ترّدعليهما‌السلام ، فتكلم أبو بكر فقال : يا حبيبة رسول الله(1) والله انّ قرابة رسول الله أحبّ إليَّ من قرابتي ، وانّك لاَحبّ إليَّ من عائشة ابنتي ،

__________________

(1) ويروى : يا حبيبة رسول الله اغضبناك في ميراثك منه وفي زوجك ، فقال : ما بالك ، يرثك أهلك ولا نرث ، فقال والله قرابة. الخ.

٢٣٩

ولوددت يوم مات أبوك انّي مت ولا ابقى بعده ، أفتراني أعرفك ، واعرف فضلك وشرفك وامنعك حقك وميراثك من رسول الله ، إلاّ انّي سمعت أباك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « لا نورث ما تركنا فهو صدقة ».

فقالت : أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تعرفانه وتفعلان به؟

قالا : نعم.

فقالت : نشدتكما الله الم تسمعا رسول الله يقول : « رضا فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبني ، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد اسخطني ».

قالا : نعم ، سمعناه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قالت : فانّي اُشهد الله وملائكته انكما اسخطتماني وما ارضيتماني ، ولئن لقيت النبي لاَشكونكما إليه.

فقال أبو بكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة ، ثم انتحب أبو بكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق ، وهي تقول : والله لاَدعونَّ الله عليك في كلّ صلاة اُصلّيها.

ثم خرج باكياً ، فاجتمع إليه الناس فقال لهم : يبيت كلّ رجل منكم معانقاً حليلته مسروراً بأهله وتركتموني وما أنا فيه ، لا حاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي.

قالوا : يا خليفة رسول الله انّ هذا الاَمر لا يستقيم ، وانت أعلمنا بذلك ، انّه إن كان هذا لم يقم لله دين.

فقال : والله لولا ذلك وما اخافه من رخاوة هذه العروة ما بت ليلة ولي في عنق مسلم بيعة بعدما سمعت ورأيت من فاطمة.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

اى كلام از انتظام نام ذاتت در نظام

وى زشهد شكّرين شكرت زبان شيرين بكام

رحمت عام وسلامت بر روان أنبيا

خاصّة بر روح محمّد باد بر آل عبا

٢ - تحفة الأخيار وكشف الأسرار في شرح رائيّة له فارسيّة في مدح امير المؤمنينعليه‌السلام تسمّى بمونس الأبرار.

٣ - بهجة الدّارين في الحكمة قال صاحب الروضات: شاهدتها في هذه الأواخر.

٤ - رسالة السّلاميّة في ترك [السّلام عليك أيّها النبيّ] في التشّهد.

٥ - الأربعين في فضائل أمير المؤمنين وإمامة الأئمّة المعصومين.

٦ - الجامع في اصول الفقه والدّين أسماه حجّة الإسلام.

٧ - الفوائد الدينيّة في الردّ على الحكماء والصوفيّة.

٨ - حكمة العارفين في ردِّ شبه المخالفين.

٩ - تنبيه الرّاقدين في الموعظة، مطبوعٌ.

١٠ - رسالةٌ في خلل الصّلاة، فارسيّة.

١١ - حقُّ اليقين في معرفة اصول الدّين.

١٢ - منهاج العارفين شرح رباعيّاته.

١٣ - فرحة الدّارين في العدالة.

١٤ - رسالةٌ في صلاة اللّيل.

١٥ - رسالةٌ في صلاة الأذكار.

١٦ - شرح تهذيب الحديث.

١٧ - رسالةٌ في الفرائض.

١٨ - رسالةٌ في الرّضاع.

١٩ - مفتاح العدالة.

٢٠ - رسالة الجمعة.

٢١ - سفينة النجاة.

كان شيخنا المترجم له شيخ الإسلام وإمام الجمعة والجماعة بقم المشرَّفة إلى أن توفّي بها سنة ١٠٩٨ ودفن خلف مرقد زكريّا بن آدم القمي طاب ثراه من قريب.

٣٢١

ومن شعره الفارسيّ قوله:

از گفتهء مصطفى إمام است سه چار

از روي چه گوئي كه امام است چهار

نشناسي اگر سه چار حق را ناچار

خواهى بعذاب ايزدى گشت دو چار

* * *

دليل رفعت شأن علي اگر خواهي

باين كلام دمى گوش خويشتن ميدار

چو خواست مادرش از بهر زادنش جائي

درون خانه خاصش بداد جا ستّار

پس آن مطهّرة با احترام داخل شد

در آن مقام مقدّس بزاد مريم وار

برون چو خواست كه آيد پس از چهارم روز

ندا شنيد كه [ نامش برو على بگذار ]

فداى نام چنين زادهء بود جانم

چنين امام گزينيد يا اولى الأنصار

ومن رباعيّاته:

أي مانده ز كعبهء محبّت مهجور

افتاده ز راه مهر صد منزل دور

با حبّ عمر دم مزن از مهر نبي

كي جمع توان نمود با ظلمت نور؟

وله:

بما رسيده حديث صحيح مصطفوى

كه هست بعد پيمبر امام هشت وچهار

كسى نكرده زامّت بدين حديث عمل

بغير پيرو آل وأئمّهء أطهار

وله:

أي طالب علم دين ز من گير خبر

تا چند دوى در بدر اى خسته جگر

خود را برسان بشهر علم اى غافل

شو داخل آن شهر وليكن أز در

وله:

نبي چو وارد « خم » گشت بر سر منبر

خليفه كرد علي را بكفتهء جبّار

نهاد بر سر او تاج وال من والاه

زامّتش بگرفت از براى وي اقرار

وليك آنكه به بخبخ نمود تهنيتش

بكرد از پى اقرار خويشتن انكار

فتاد بر سر حارث زغيب سنك قضا

چو گشت منكر نصّ غدير آن غدّار

ومن رباعيّاته:

از دورى راه خويشتن يادى كن

آماده ز بهر سفرت زادى كن

از بى كسى مردن خود ياد آور

در ماتم خود نشين وفريادى كن

٣٢٢

وله:

از دورى راه خويشتن كن يادى

آماده ز بهر سفرت كن زادي

در راه طلب چو خفته‌اى غافل

بر خيز كه از قافله دور افتادى

وله:

بر خيز چه خفتهء رفيقان رفتند

غافل چه نشستهء عزيزان رفتند

خندان منشين كه جمله ياران عزيز

با سوز دل وديدهء گريان رفتند

وله:

اي بندهء طول أمل وحرص وحسد

فردا است كه أعضاى تو از هم ريزد

اين سر كه زباد نخوت امروز پر است

تا چشم زني بود پر از خاك لحد

وله:

تا چشم زنى رسيده وقت سفرت

فردا است كه در جهان نماند أثرت

بر روى زمين خرام وغفلت تاكي

از زير زمين مگر نباشد خبرت

وله:

از وادى معصيت بيا زود گذر

كين مرحله راهست بسى خوف وخطر

گوئى كه كنم توبه پس از پيريها

از مرك جوانان مگرت نيست خبر؟

وله:

سالك هوس عالم بالا نكند

پابند ألم ز پاى دل وا نكند

هر دل كه زياد مرك معمور شود

حقد وحسد وحرص در اوجا نكند

وله:

خواهى نشود گلشن دل چون بيشه

بركَن تو نهال حرص را از ريشه

بر پاى درخت أمل وحرص وحسد

پيوسته زياد مرك ميزن تيشه

وله:

أي طالب سيم وكيمياى اصغر

آموز زمن تو كيمياى أكبر

در بوته ياد مرك خود را بگداز

تا خاك دلت شود طلاى احمر

٣٢٣

وله في تقريظ الكتب الأربعة(١) .

دين را كتب أربعه چون جان باشد

اينچار چهار ركن ايمان باشد

هنگام جهاد نفس اينچار كتاب

چار آينهء صاحب عرفان باشد

وله في تقريظها:

اي آنكه ترا غلط روى عادت وخوست

روكن برهى كه منزل رحمت اوست

ميخوان كتب أربعه كز وى هر سطر

راهى است كه راست ميرود تادرِ دوست

____________________

١ - الكافى لشيخنا ابى جعفر الكلينى - من لا يحضره الفقيه لشيخنا ابى جعفر القمى - التهذيب والاستبصار لشيخ الطائفة ابى جعفر الطوسى.

٣٢٤

القرن الحادي عشر

٩١

القاضي جمال الدين المكي

المتوفى بعد ١٠١٢

أنت نعم النصير في كلِّ زادِ

أنت نعم المولى لكلِّ العبادِ

ذو الأيادي والأيد أنت لعمري

سيّد النّاس أوحد العبّادِ

ولك الإرث في الولاء بحقّ

في رقاب الورى ليوم التّنادِ

لمقال النبيِّ في [ماء خمّ]

أنت مولى للمؤمن المنقادِ

فتهادى بالطّوع قومٌ ففازوا

وتمادى الغبيُّ في الإنتقادِ(١)

ثمَّ قال النبيُّ: وال عليّاً

يا إلهـ~ـي ومن يُعاديه عادِ

وتفضَّل برحمةٍ للموالي

وبلعن ونقمة للمعادي(٢)

شرفٌ شامخٌ ومجدٌ رفيعٌ

وافتخارٌ يزيل غلب الهوادي

كنت في الصّلب إذ دنا فتدلّى

وعلى الصفّ في مقرِّ الجلادِ

ثمَّ من قبل ذا أجبت نداءاً

لألست الإلـ~ـه في كلِّ وادِ(٣)

مَن يُباريك في السّيادة غرٌّ

بمزايا تنير منها الدآدي(٤)

أو يجاريك في العلوم جهولٌ

ما له في الفهوم من مستفادِ(٥)

أنت أنت المعروف في كلّ فضلٍ

أنت صدر الإصدار والإيرادِ

وسوى بيتك المنكر جهلاً

وسواك الضنين بالا مداد

فابق واسلم لك السَّلامة وقفٌ

والمثاني من الثّنا في ازديادِ

____________________

١ - كذا فى سلافة العصر، وفى سلوة الغريب: وتمادى بكرهه المتمادى.

٢ - كذا فى صلوة الغريب، وفى سلافة العصر:

خصن باللعن من تولى عتواً

وحشاه مقطع بالعناد

٣ - فى سلوة الغريب: وأطعت الآله فى كلّ ناد.

٤ - الدأدأ والدأداء من الليالى: الشديدة الظلمة.

٥ - فى السلوة: عاد فى خيبة بلا مستفاد.

٣٢٥

سلافة العصر ص ١١٧، سلوة الغريب، كلاهما للسيّد علي خان المدني.

( ما يتبع الشعر )

صدّر شاعرنا جمال الدّين بهذه الأبيات كتاباً كتبه إلى الشّريف الأجلّ الأمير نصير الدّين حسين بن إبراهيم بن سلام المتوفّى سنة ١٠٢٣ بالطّائف والمدفون بمكّة المشرَّفة، والكتاب بديعٌ في بابه، وبليغٌ في إنشائه، درر كلم منضّدة، ولئالي الفاظ منثورة، مذكور بطوله في سلافة العصر صفحة ١١٧ - ١١٩، والأمير نصير الدّين هو عمّ جدّ صاحب السّلافة السيِّد علي خان المدني، أخو جدّه الشّريف السيّد أحمد نظام الدّين، قال صاحب السُّلافة في سلوة الغريب: كان إماماً فاضلاً مجتهداً مبرّزاً في العربيّة، غالباً عليه الزهد والصّلاح، يُقال: إنّه لم يمسّ درهماً بيده ولا ديناراً قطُّ تورُّعاً وعزفاً من نفسه عن الدّنيا، وكان يكتب جميع ما يعمله في اليوم فإذا كان اللّيل نظر فيه، فإن كان صالحاً حمد الله، وإن كان غير ذلك استغفر الله منه، وكان لا يؤدِّب أحداً من خدمه في الحرم.

( الشاعر )

القاضي جمال الدين(١) محمّد بن حسن بن دراز المكّي، من مقاول الأدب، وألسنة الفضيلة، ومداره القول، وصيارفة القريض، وعباقرة القضاة، ذكره السيّد في سلافة العصر ص ١٠٧ وأثنى عليه بقوله:

جمال العلوم والمعارف، المتفئُّ ظلَّ ظليلها الوارف. أشرقت بالفضل أقماره و شموسه، وزخر بالعلم عبابه وقاموسه. فدوَّخ صيته الأقطار، وطار ذكره في منابت الأرض واستطار. وتهادت أخباره الرُّكبان، وظهر فضله في كلِّ صقع وبان. وله الأدب الّذي ما قام به مضطلع، ولا ظهر على مكنونه مطّلع. استنزل عصم البلاغة من صياصيها، واستذلَّ صعاب البراعة فسفع بنواصيها. إن نثر فما اللؤلؤ المنثور انفصم نظامه؟ أو نظم فما الدرّ المشهور نسقه نظامه؟ بخطّ يزدري بخدّ العذار إذا بقل، وتحسبه سائر الجوارح على مشاهدة حسنه المقل. ولّما رحل إلى اليمن في دولة الرّوم، قام

____________________

١ - كذا فى الخلاصة. وفى سلافة العصر: جمال الدين بن محمد.

٣٢٦

له رئيسها بما يحبُّ ويروم. فولّاه منصب القضاء، وسطع نور أمله هناك وأضاء. ولم يزل مجتلياً به وجوه أمانيه الحسان، ومجتنياً من رياضه أزاهر المحاسن والاحسان. إلى أن انقضت مدّة ذلك الأمير، ومني اليمن بعده بالإفساد والتَّدمير. فانقلب إلى وطنه وأهله، فكابد حزن العيش بعد سهله. كما أنبأ بذلك قوله في بعض كتبه: ولمـَّا حصلت عائداً من اليمن بعد وفاة المرحوم سنان باشا، وانقضاء ذلك الزَّمن، اخترت الإقامة في الوطن بعد التشرّف بمجلس القضاء في ذلك العطن، إلّا أنَّه لم يحل لي التحلّي عن تذكّر ما كان في خزانة الخيال مرسوما، وتفكّر ما كان في لوح المفكّرة موسوماً. فاخترت أن أكون مدرّساً في البلد الحرام، وممارساً لما أذن غبّ الحصول بالإنصرام. ولم يكن في البلد الأمين كفاية، ولا ما يقوم به الإتمام والوفاية. إنتهى وما زال مقيماً في وطنه وبلده، متدرّعاً جلباب صبره وجلده. حتّى انصرمت من العيش مدَّته، وتمَّت من الحياة عدَّته.

ثمَّ ذكر جملةً وافية من منثور كلمه في ثلاث عشرة صحيفة فقال: ومن شعره قوله في صدر كتاب:

هذا نظامك أم درٌّ بمنتسق؟

أم الدّراري التي لاحت على الاُفق؟

وذا كلامك أم سحرٌ به سلبت

نهى العقول فتتلو سورة الفلق؟

وذا بيانك أم صهباء شعشعها

أغنّ ذو مقلة مكحولة الحدقِ؟

بتاج كلِّ مليك منه لامعة

وجيد كلّ مجيد منه في أنقِ

روضٌ من الزّهر والأنوار زاهية

كأنجم الاُفق في اللألاء والنَّمقِ

وذي حمائم ألفاظ سجعن ضحى

على الخمائل غبّ العارض الغدقِ

رسالة كفراديس الجنان بها

من كلّ مؤتلق يلفى ومنتشقِ

كأنّما الألِفات المائلات بها

غصون بانٍ على أيدٍ من الورقَ

تعلو منابرها الهمزات صادحةً

كالورق ناحت على الافنان من حرقِ

ميماتها كثغورٍ يبتسمن بها

يزري على الدرِّ إذ يزهي على العنقِ

فطرسها كبياض الصّبح من يقق

ونِقسها(١) كسواد لليل في غسقِ

____________________

١ - اليقق: القطن. نقس: المداد الذي يكتب به.

٣٢٧

يا ذا الرّسالة قد أرسلت معجزة

ودَّت بلاغتها الدّعوى من الفرقِ!

ويا مليك ذوي الآداب قاطبة!

ويا إماماً هدانا أوضح الطّرقِ!

مَن ذا يعارض ما قد صاغ فكرك من

حلى البيان ومن يقفوك في السّبقِ؟!

أنت المجلّي بمضمار العلوم إذا

أضحى قروم اُولي التحقيق في قلقِ

صلّى أئمّة أهل الفضل خلفك يا

مولى الموالي وربّ المنطق الذَّلقِ!!

مسلّمين لما قد حُزت من أدب

مصدّقين بما شرّفت من خلقِ

مهلاً فباعي من التقصير في قصر

وأنت في الطول والإحسان ذو عمقِ

سبحان بارئ هذي الذّات من همم

سبحان فاطر ذا الإنسان من علقِ!!

يا ليت شعري هل شبهٌ يرى لكُم؟

كلّا وربّي ولا الأملاك في الخلقِ

عذراً فما فكرتي صوّاغة درراً

حتّى أصوغ لك الاسلاك في نسقِ

واسلم ودم وتعالى في مشيد علا

تستنزل الشّهب للإنشا فلم تعق

وقوله مخاطباً بعض أكابر عصره لأمر اقتضى ذلك:

حصل القصد والمنى والمرادُ

واستكانت لمجدك الأضدادُ

أسجد الله في عتابك شوساً

تتّقى الاُسد بأسها والجلادُ

وأذلّت لك الجدود اُناساً

شيد للمجد في رباهم عمادُ

ثمّ جاءت اليك طوعاً وكرهاً

تتهادى حيناً وحيناً تُقادُ

أنت في الشّهب ثاقب لا تسامى

في معاليك حين تثنى الوسادُ

لا تبالي بنازلٍ وملمّ

ولو أنّ الملمّ سبعٌ شدادُ

ساهراً في طلاب كلِّ منيع

عزَّ نيلاً فلم ينله العبادُ

مهره النّفس إن يسمه كميّ

والطريق السّهاد والجسم زادُ

من يجد بالجنان نال مناه

والشّحيح الجنان عنه يُذادُ

لا تنال العُلى بغير العوالي

لا ولا الحمد يكتسيه الجمادُ

أحمد النّاس أنت قولاً وفعلاً

والوفيّ الذّمام والمستجادُ

يا شهاباً بجِدَه حاز جَدّاً

ومقاماً؟ لغيره لا يُشادُ

ماز بيني وبين خدني فدم

ذو سبال يدبّ فيه القرادُ

٣٢٨

ولو أنَّ الّذي تحكّم فينا

ألمعيُّ لقرَّ منّي الفؤادُ

أنكر المارقون فضل « عليّ »

ورماهم إلى الجحيم العنادُ

وحقيقٌ أنّ البلاء قديمٌ

وأهالي الفهوم منه تكادُ

ويولّي الاُمِّيُّ حكم البرايا

والبليغ المقال لا يستفادُ

وولاة الاُمور فينا حيارى

وذوو النّقص لا تزال تزادُ

عادة الدَّهر أن يؤخّر مثلي

وعلى الأصل جاء هذا المفادُ

قال لمن يبتغي التفاضل بيني

ثمَّ بين القضاة: هذا الزّنادُ؟

فاقتبس من زنادهم لك ناراً

أو فدعهم إن لاح منه الرّمادُ

ويح دهر لا يعرف الفرق فيه

بين عَيّ وقائلٍ يُستجادُ

هيِّنٌ ما لقيت ما دمت فينا

ذا عفاف وصحَّ منك الودادُ

وقوله أيضاً:

سلام على الدّار التي قد تباعدت

ودمعي على طول الزّمان سفوحُ

يعزُّ علينا أن تشطّ بنا النّوى

ولي عندكم دون البريّة روحُ

إذا نسمت من جانب الرّمل نفحة

وفيها عرارٌ للغوير وشيحُ

تذكّرتكم والدّمع يستر مقلتي

وقلبي مشوقٌ بالبعاد جريحُ

فقلت ولي من لاعج الوجد زفرة

لها لوعة تغدو بها وتروحُ

: الأهل بعيد الدَّهر ايّامنا التي

نعمنا بها والكاشحون نزوحُ؟

وتوجد ترجمة شاعرنا جمال الدّين في ( خلاصة الأثر ) للمحبيّ ج ٣: ٤٢٠ ٤٢٧ وذكر ما في السّلافة وقال: لقد فحصت عن وفاة صاحب الترجمة فلم أظفر بها وقد علم أنّه كان في سنة اثنتي عشرة وألف موجوداً، وما عاش بعدها كثيراً رحمه الله تعالى.

٣٢٩

القرن الحادي عشر

_ ٩٢ _

أبو محمد ابن الشيخ صنعان

نهج البلاغة روضةٌ ممطورةٌ

بالنور من سبحات وجه الباري

أو حكمةٌ قدسيّةٌ جليت بها

مرآة ذات الله للنظّار

أو نور عرفان تلألا هادياً

للعالمين مناهج الأبرارِ

أو لجّةٌ من رحمة قد أشرقت

بالعلم فهي تموج بالأنوارِ

خطبٌ روت ألفاظها عن لؤلؤ

من مائه بحر المعارف جاريِ

وتهلّلت كلماتها عن جنّة

حفّت من التّوحيد بالنّوارِ

وكأنّها عين اليقين تفجّرت

من فوق عرش الله بالأنهارِ

حكمٌ كأمثال النّجوم تبلّجت

من ضوء ما ضمنت من الأسرارِ

كشف الغطاء بيانها فكأنّها

للسّامعين بصائر الأبصارِ

وترى من الكلم القصار جوامعاً

يغنيك عن سفر من الأسفارِ

لفظٌ يمدُّ من الفؤاد سواده

والقلب منه بياض وجه نهارِ

وجلى عن المعنى السّواد كأنّه

صبحٌ تبلّج صادق الإسفارِ

من كلّ عاقلة الكمال عقيلة

تشتاف فوق مدارك الأفكارِ

عن مثلها عجز البليغ وأعجزت

ببلاغة هي حجّة الإقرارِ

وإذا تأمّلت الكلام رأيته

نطقت به كلمات علم الباريِ

ورأيت بحراً بالحقايق طامياً

من موجه سفن العلوم جواريِ

ورأيت أنّ هناك برّاً شاملاً

وسع الأنام كديمة مدرارِ

ورأيت أنّ هناك عفو سماحة

في قدرة تعلو على الأقدارِ

ورأيت أنّ هناك قدراً ماشياً

عن كبرياء الواحد القهّارِ

٣٣٠

قدر الّذي بصفاته وسماته

ممسوس ذات الله في الآثارِ(١)

مصباح نور الله مشكاة الهدى

فتّاح باب خزائن الأسرارِ

صنو الرّسول وكان أوّل مؤمن

عبد الالـ~ـه كصنوه المختارِ

وبه أقام الله دين نبيّه

وأتمّ نعمته على الأخيارِ(٢)

( الشاعر )

أبو محمّد ابن الشيخ صنعان توجد بخطّه نسخة من ( نهج البلاغة ) للسيّد الشّريف الرَّضي في مكتبة مدرسة سپهسالار بطهران تحت رقم ٣٠٨٥ كتبها سنة ١٠٧٢ وعليها هذا التقريظ، بخطّ ناظمه أبي محمّد، ولم أقف من تاريخ حياته على شيء غير أنّ شعره هذا يُعرب عن قوّته في القريض، وجودته في السَّرد، وتقدّمه في مضمار الأدب، كما أنّه آية في ولائه الخالص للإمام الطّاهر أمير المؤمنينعليه‌السلام .

____________________

١ - اشار إلى ما أخرجه ابو نعيم فى « حلية الاولياء » ١: ٦٨ مرفوعا: لا تسبوا علياً فانه ممسوس فى ذات الله.

٢ - اشار إلى قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتى. النازل يوم الغدير فى على أمير المؤمنين كما فصلنا القول فيه فى الجزء الاول ص ٢٣٠ - ٢٣ ٨ ط ٢.

٣٣١

شعراء الغدير

في القرن الثاني عشر

٩٣

شيخنا الحر العاملي

المولود ١٠٣٣ والمتوفى ١١٠٤

كيف تحظا بمجدك الأوصياءُ؟

وبه قد توسّل الأنبياءُ

ما لخلق سوى النبيّ وسبطيه

السّعيدين هذه العلياءُ

فبكم آدم استغاث وقد مسّـ

ـته بعد المسرَّة الضرّاءُ

يوم أمسى في الأرض فرداً غريباً

ونأت عنه عرسه حوّاءُ

وبكا نادماً على ما بدا منه

وجهد الصبّ الكئيب البكاءُ

فتلقىّ من ربّه كلمات(١)

شرّفتها من ذكر كم أسماءُ

فاستجيب الدُّعاء منه ولولا

ذكركم ما استجيب منه الدُّعاءُ

ثمَّ يعقوب قد دعا مستجيراً

من بلاء بكم فزال البلاءُ

وأتاه بكم قميص يوسف وارتدَّ

بصيراً وتمّت النّعماءُ

وبكم كان للخليل ابتهالُ

ودعاءٌ لربّه واشتكاءُ

حين ألقاه عصبة الكفر في النّا

ر فما ضرّ جسمه الإلقاءُ

أيُضام الخليل من بعد ما كا

ن إليكم له هوىً التجاءُ؟

وبكم يونس استغاث ونوحٌ

إذ طغا الماء واستجدَّ العناءُ

وبأسماءكم توسّل أيّوب

فزالت عنه بها الأسواءُ

ياله سودداً منيعاً رفيعاً

قد رواه الأعداءُ والأولياءُ

لعليّ مجدٌ غدا دون أد

ناه الثريّا في البعد والجوزاءُ

هو فضلٌ وعصمةٌ و وفاءٌ

وكمالٌ و رأفةٌ و حياءُ

____________________

١ - إشارة إلى ما جاء فى قوله تعالى: فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه من ان الكلمات المتلقاة هى اسماء الاشباح الخمسة راجع ما مرّ فى الجزء السابع ص ٢٩٩ ط

٣٣٢

ولكم نال سودداً لم يبُن كنه

علاه الإنشاد والإنشاءُ؟

والحروف الّتي تركّبت العليا

منها عينٌ ولامٌ وياءُ

كان نوراً محمّد وعليٌّ

في سنا آدم له لألاءُ

أخذ الله كلَّ عهد وميثاق

له إذ بدا سناً وسناءُ

أيّ فخر كفخره والنبيّون

عليهم عهدٌ له وولاءُ؟

وبه يُعرف المنافق إذ كا

نت له في فؤاده بغضاءُ

ولعمري من أوّل الأمر لا تخفى

على ذي البصيرة السّعداءُ

ولدته منزّهاً اُمّه ما

شانه في الولادة الأقذاءُ

داخل الكعبة الشّريفة لم يدن

إليها من الأنام النّساءُ

لاح منه نورٌ فأشرقت الارض

وأرجاؤها به والسّماءُ

كان للدّين في ولادته مثل

أخيه مسرَّةٌ وازدهاءُ

يا له مولداً سعيداً تجلّت

عن محيّاه بهجةٌ غرّاءُ

فهنيئاً به لفاطمة السّعد

الّذي ما له مدىً وانتهاءُ

بل لدين الإسلام من غير شكّ

وارتياب قد كان ذاك الهناءُ

إلى أن قال:

وأتت منه في عليّ نصوصٌ

لم يحم حول ربعها الإحصاءُ

قال فيه: هذا ولييّ وصيّي

وارثي هكذا روى العلماءُ

وزعمتم بأنَّ كلَّ نبيّ

لم يرث منه ماله الأقرباءُ

هو مولى من كان مولاه نصّاً

منه فليترك الهوى والمراءُ

و دعا بعدها دعاءً مجاباً

وبه قد تواتر الأنباءٌ

ويقول فيها:

للمعالي بين الورى يا عليَّ بن

أبي طالب إليك انتهاءُ

وكذا للكمال منك وللسّودد

والمجد والفخار ابتداءُ

للورى لو درى الورى بك من

بعد أخيك الطّهر الأمين اهتداءُ

واجبٌ بالنصوص منه عن الله

وأين المصغي بك الاقتداءُ

ثمّ يوم [ الغدير ] هل كان إلّا

لك دون الأنام ذاك الولاءُ؟

٣٣٣

يوم مات النبيّ كنت إماماً

في العلا لم يساوك النظراءُ

( القصيدة ٤٥٣ بيتاً )

وله يمدح بها

أمير المؤمنينعليه‌السلام وهي من قصايده المحبوكات الطرفين على حروف الهجاء تسع و عشرين قصيدة، كل واحدة منها ٢٩ بيتاً، أسماها [ مهور الحور ] كلّها في مدح أمير المؤمنين:

هو الحبّ لا فيه معين ترجّاه

ولا منقذٌ من جوره تتوخّاهُ

هو الحتف لا يفني المحبّين غيره

ولولاه ما ذاق الورى الحتف لولاهُ

إلى أن قال:

هداية ربّ العالمين قلوبنا

إلى حبِّ من لم يخلق الخلق لولاهُ

هو الجوهر الفرد الذي ليس يرتقي

لأعلى مقامات النبيّين إلّا هو

هلالٌ نما فارتدَّ بدراً فأشرقت

جوانب آفاق العلا بمحيّاهُ

هما علّةٌ للخلق أعني محمّداً

وأوّل مَن لمـّا دعا الخلق لبّاهُ

هوى النجم يبغي داره لا بل ارتقى

إليها فمثوى النجم من دون مثواهُ

هل أختار خير المرسلين مواخياً

سواه فأولا الكمال وآخاهُ؟

هل اختار في يوم [ الغدير ] خليفة

سواه له حتّى على الخلق ولّاهُ؟

هدى لاح من قول النبيّ وليّكم

عليٌّ ومولى كلّ من كنت مولاهُ

هناك أتاه الوحي بلّغ ولا تخف

ومن كلّ ما تخشاه يعصمك اللهُ

هنا لك أبدى المصطفى بعض فضله

وباح بما قد كان للخوف أخفاهُ

وله من المحبوكات الطرفين:

كتمت الهوى والحبّ بالقلب أملك

وأجمل من كتم الغرام التهتّكُ

كواعب أتراب قصدن بحربنا

ولسنا بتوحيد المحبّة نشركُ

كتائب أبطال بهنَّ دماؤنا

جزاءً على حفظ المودّة تسفكُ

يقول فيها:

كرامات مولاي الوصيِّ وولده

أنارت فلا يخفي سناها المشكّكُ

كلام النبيِّ المصطفى حجّة فهل

أجلّ وأعلى منه في الشرع مدركُ؟

كفى قوله يوم [ الغدير ] بانّه

لكلّ الورى مولى فينسى ويتركُ

٣٣٤

كما جاء في التنزيل ليس وليّكم

سواه ومن ذا بعد ذاك يشكّكُ؟

كواكب فضل المرتضى حين أشرقت

لها المجد اُفق فيه تسري وتسلكُ

وله من المحبوكات الطرفين:

عدني ودعني من زيارة بلقع

يا أيّها الحادي لهنَّ بمرجعِ

عذَّ بن جسمي بالنحول ومهجتي

بالهجر واستمطرن صيّب مدمعي

إلى قوله:

عدم المجاري في الكمال لسيّدي

ذي السّودد الأسنا البطين الأنزعِ

عمّ الفضايل حين خصّ برفعة

من ذروة العليا أجلّ وأرفعِ

عجباً لمن فيه يشكّ وقد أتى

خبر [ الغدير ] ونصّه لم يدفعِ

عهد النبيُّ إلى الأنام بفضله

ويلٌ لمنكر فضله ومضيّعِ

عُدَّت فضايله فأعيى حصرها

وغدا حسيراً عنه فكر الألمعي(١)

( الشاعر )

محمّد بن الحسن بن عليّ بن محمّد الحسين بن عبد السلام بن عبد المطلب بن علي ابن عبد الرّسول بن جعفر بن عبد ربّه بن عبد الله بن مرتضى بن صدر الدّين بن نور الدّين ابن صادق بن حجازي بن عبد الواحد بن الميرزا شمس الدّين بن الميرزا حبيب الله بن علي بن معصوم بن موسى ابن جعفر بن الحسن بن فخر الدّين بن عبد السّلام بن الحسين بن نور الدّين بن محمّد بن علي بن يوسف بن مرتضى بن حجازي بن محمّد بن باكير بن الحرّ الرّياحي المستشهد أمام الإمام السَّبط الشّهيد يوم الطفّ سلام الله عليه وعلى أصحابه.

هذا الحرُّ الشّهيد في الطفّ يوم الامام السّبط الطاهر هو مؤسس الشّرف الباذخ لآله الأكارم، الّذين فيهم أعلام الدّين، وأساطين المذهب، وصيارفة الكلام، وقادة الفكر، ونوابغ الخطابة والكتابة، ومهرة الفقه، وأئمَّة الحديث، وحملة الفضل والأدب، وصاغة القريض، وأشهرهم في تلكم الفضائل كلّها شيخنا المترجم له الّذي لا تُنسى مآثره، ولا يأتي الزّمان على حلقات فضله الكثار، فلا تزال متواصلة العُرى ما دام لأياديه المشكورة عند الاُمّة جمعاء أثرٌ خالد، وإنَّ من أعظمها كتاب وسائل الشَيعة

____________________

١ - أخذنا هذه كلها من ديوانه المخطوط بخط يده الشريفة قدس الله روحه.

٣٣٥

في مجلّداتها الضخمة التي تدور عليها رحى الشَّريعة، وهو المصدر الفذّ لفتاوي علماء الطايفة، وإذا ضمّ إليه مستدركه الضّخم الفخم لشيخنا الحجّة النوري(١) المناهز لأصله كمّاً وكيفاً فمرج البحرين يلتقيان، وكان غير واحد من المحقّقين لا يُصدر الفتيا إلّا بعد مراجعة الكتابين معاً. نعم: لأهل الاستنباط النظر في أسانيد ما حواه الكتابان من الأحاديث، وأنت لا تقرأ في المعاجم ترجمةً لشيخنا الحرِّ إلّا وتجد جمل الثّناء على كتابه الحافل ( وسائل الشِّيعة ) مبثوثة فيها، وقد أحسن وأجاد أخوه العلّامة الصّالح في تقريظه بقوله:

هذا كتابٌ علا في الدّين رتبته

قد قصّرت دونها الأخبار والكتبُ

ينير كالشّمس في جوِّ القلوب هدىً

فتنتحي منه عن أبصارنا الحجبُ

هذا صراط الهدى ما ضلّ سالكه

إلى المقامة بل تسمو به الرُّتبُ

إن كان ذا الدّين حقّاً فهو متّبع

حقّاً إلى درجات المنتهى سببُ

فشيخنا المترجم له درَّةٌ على تاج الزَّمن، وغرَّةٌ على جبهة الفضيلة، متى استكنهته تجد له في كلِّ قِدر مغرفة، وبكلِّ فنّ معرفة، ولقد تقاصرت عنه جمل المدح، وزُمر الثّناء، فكأنَّه عاد جثمان العلم، وهيكل الأدب، وشخصيّة الكمال البارزة، وإنَّ من آثاره أو من مآثره تدوينه لأحاديث أئمّة أهل البيت عليهم السّلام في مجلّدات كثيرة، وتأليفه لهم بإثبات إمامتهم، ونشر فضائلهم، والإشادة بذكرهم، وجمع شتات أحكامهم وحِكمهم، ونظم عقود القريض في إطرائهم، وإفراغ سبائك المدح في بوتقة الثّناء عليهم ولقد أبقت له الذّكر الخالد كتبه القيّمة، منها:

١ - ديوان شعره يناهز عشرين ألف بيت في مدح النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم السّلام.

٢ - كشف التعمية في حكم التسمية، في تسمية الإمام المنتظر.

٣ - نزهة الاسماع في حكم الإجماعِ، في صلاة الجمعة.

٤ بداية الهداية في الواجب والمحرّم المنصوص عليهما.

٥ - رسالةٌ فيها نحو من ألف حديث ردّاً على الصّوفيّة.

٦ - أمل الآمل في علماء جبل عامل وجملة من غيرهم

____________________

١ - راجع ما مر فى هذا الجزء صفحة.

٣٣٦

٧ - إثبات الهداة بالنّصوص والمعجزات مجلّدان يشتمل على أكثر من عشرين ألف حديث.

٨ - تحرير وسائل الشِّيعة وتحبير وسائل الشَّريعة. شرح كتابه الوسائل.

٩ - هداية الاُمَّة إلى أحكام الأئمّة ثلث مجلّدات منتخبة من الوسائل.

١٠ - منظومةٌ في تواريخ النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمَّة عليهم السّلام.

١١ - فهرست وسائل الشِّيعة الموسوم بـ‍: من لا يحضره الإمام.

١٢ - الصّحيفة الثانية من أدعية الإمام عليّ بن الحسينعليه‌السلام .

١٣ - الفصول المهمَّة في اصول الأئمَّة عليهم السَّلام.

١٤ - الايقاظ من الهجعة بالبرهان على الرّجعة.

١٥ - الجواهر السنيّة في الأحاديث القدسيّة.

١٦ - تنزيه المعصوم عن السَّهو والنسيان.

١٧ - الفوايد الطوسيّة: نحو عشر رسالة.

١٨ - العربيّة العلويّة واللّغة المرويَّة.

١٩ - رسالةٌ في أحوال الصّحابة.

٢٠ - رسالةٌ في تواتر القرآن.

٢١ - رسالةٌ في خلق الكافر.

٢٢ - منظومةٌ في المواريث.

٢٣ - منظومةٌ في الزَّكاة.

٢٤ - منظومةٌ في الهندسة.

٢٥ - رسالةٌ في الرّجال.

قرأ شيخنا الحرّ على أبيه الشّيخ حسن بن علي المتوفّى ١٠٦٢ وعلى

عمّه الشّيخ محمّد بن علي المتوفّى ١٠٨١ وعلى جدّه لاُمّه:

الشّيخ عبد السَّلام بن محمّد الحرّ وعلى خال أبيه:

الشيخ عليّ بن محمود العاملي.وعلى

الشيخ زين الدّين بن محمّد بن الحسن صاحب المعالم، وعلى

٣٣٧

الشّيخ حسين الظهيري. وغيرهم.

يروي بالإجازة(١) عن أبي عبد الله الحسين بن الحسن بن يونس العاملي وعن العلّامة المجلسي، وهو آخر من أجاز له كما ينصّ عليه هو في إجازة له.

ويروي عنه بالإجازة(٢) العلّامة المجلسي، و

الشّيخ محمّد فاضل(٣) بن محمّد مهدي المشهدي و

السيّد نور الدّين بن السيّد نعمة الله الجزائري بالإجازة المؤرّخة بـ‍ ١٠٩٨ و الشّيخ محمود بن عبد السَّلام البحراني كما في المستدرك ٣: ٣٩٠.

ولد في قرية مشغر(٤) ليلة الجمعة ثامن رجب ١٠٣٣ وأقام في بيئة محتده أربعين عاماً، وحجَّ فيها مرّتين، ثمّ سافر إلى العراق فزار الأئمّة عليهم السّلام ثمَّ اتيحت له زيارة الإمام أبي الحسن الرّضاعليه‌السلام ، وقطن ذلك المشهد الطّاهر، وحجَّ في خلال إقامته به مرّتين، وزار أئمّة العراق ايضاً مرّتين، واُعطي شيخوخة الإسلام وحاز منصب القضاء، إلى أن توفّي في يوم الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة ١١٠٤ ودفن في الصّحن العتيق الشّريف إلى جنب مدرسة ميرزا جعفر، وقبره معروفٌ يزار قدّس الله سرّه ونوّر ضريحه.

ومن شعره قوله من قصيدة محبوكة الأطراف الأربعة:

فإن تخف في الوصف من إسرافِ

فلذ بمدح السّادة الأشرافِ

فخرٌ لهاشميّ أو منافي

فضلٌ سمى مراتب الآلافِ

فعلمهم للجهل شافٍ كافِ

وفضلهم على الأنام وافِ

فاقوا الورى منتعلاً وحافِ

فضلاً به العدوّ ذو اعترافِ

فهاكه محبوكة الأطراف

فمن غريب ما قفاه قافِ

وله:

كم حازم ليس له مطمعٌ

إلّا من الله كما قد يجبْ

____________________

١ - اجاز له سنة ١٠٥١ وهو اول من اجاز له كما فى اجازات البحار ص ١٦٠.

٢ - اجازته له توجد فى البحار ٢٥: ١٥٩، مؤرخة بسنة ١٠٨٥.

٣ - مؤرخة بـ‍ ١٠٨٥، توجد فى اجازات البحار ص ١٥٨.

٤ - إحدى قرى عاملة.

٣٣٨

لأجل هذا قد غدا رزقه

جميعه من حيث لا يحتسبْ

وله:

ذوات خالٍ خدُّها مشرقُ

نوراً كركن الحجر الأسودِ

كعبة حسن ولها برقعُ

من الحرير المحض والعسجدِ

قد أكسبت كلّ امرئ فتنة

حتّى إمام الحيِّ والمسجدِ

كم هام إذ شاهدها جاهلٌ

بل هام فيها عالم المشهدِ

وله:

لا تكن قانعاً من الدِّين بالدّون

وخذ في عبادة المعبودِ

واجتهد في جهاد نفسك وابذل

في رضى الله غاية المجهودِ

وله في مديح العترة الطاهرة:

قلّما فاخروا سواهم وحاشا

ذهباً أن يفاخر الفخّارا

وأرى قولنا: الأئمّة خيرٌ

من فلانٍ ومن فلانٍ عارا

إنّما سبقهم لبكر وعمرو

مثل ما يسبق الجواد الحمارا

إنّني ذو براعةٍ وإقتدارٍ

جاوز الحدَّ في الأنام اشتهارا

وإذا رمتُ وصف أدنى عُلاهم

لا أرى لي براعةً واقتدارا

وله من قصيدة ثمانين بيتاً خالية من الألف في مدح العترة عليهم السّلام:

وليّي عليٌّ حيث كنت وليّه

ومخلصه بل عبد عبد لعبدهِ

لعمرك قلبي مغرَمٌ بمحبّتي

له طول عمري ثمّ بعدُ لولدهِ

وهم مهجتي هم منيتي هم ذخيرتي

وقلبي بحبيّهم مصيبٌ لرشدهِ

وكلُّ كبير منهمُ شمس منبر

وكلُّ صغير منهمُ شمس مهدهِ

وكلُّ كميّ منهمُ ليث حربه

وكلُّ كريم منهمُ غيث وهدهِ

بذلت له جهدي بمدح مهذّب

بليغ ومثلي حسبه بذل جهدهِ

وكلّفت فكري حذف حرف مقدَّم

على كلِّ حرف عند مدحي لمجدهِ

وله من قصيدة:

____________________

١ - الفخّار: الخزف.

٣٣٩

أنا حرٌّ لكن كرقّ لخودٍ(١)

سلبتني سكينةً و وقارا

كلّ حسن من الحرائر لا

بل من إماء يستعبد الأحرارا

وهوى المجد والملاح وأهل الـ

ـبيت في القلب لم يدع لي قرارا

راجع أمل الآمل ٤٤٨، إجازات البحار ١٢٦، ١٥٨، ١٥٩، سلافة العصر ٣٦٧، لؤلؤة البحرين، روضات الجنّات ص ٥٤٤، مستدرك الوسائل ٣: ٣٩٠، سفينة البحار ١ ص ٢٤٢، الفوائد الرَّضويّة ٢: ٤٧٣، شهداء الفضيلة ٢١٠ وفيه تراجم جمع من رجالات هذه الاُسرة الكريمة وأعلام بيت الحرّ الفطاحل.

____________________

١ - الخود: المرأة الشابّة.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402