الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١١

الغدير في الكتاب والسنة والأدب14%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 402

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 402 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 159702 / تحميل: 3930
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١١

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

اى كلام از انتظام نام ذاتت در نظام

وى زشهد شكّرين شكرت زبان شيرين بكام

رحمت عام وسلامت بر روان أنبيا

خاصّة بر روح محمّد باد بر آل عبا

٢ - تحفة الأخيار وكشف الأسرار في شرح رائيّة له فارسيّة في مدح امير المؤمنينعليه‌السلام تسمّى بمونس الأبرار.

٣ - بهجة الدّارين في الحكمة قال صاحب الروضات: شاهدتها في هذه الأواخر.

٤ - رسالة السّلاميّة في ترك [السّلام عليك أيّها النبيّ] في التشّهد.

٥ - الأربعين في فضائل أمير المؤمنين وإمامة الأئمّة المعصومين.

٦ - الجامع في اصول الفقه والدّين أسماه حجّة الإسلام.

٧ - الفوائد الدينيّة في الردّ على الحكماء والصوفيّة.

٨ - حكمة العارفين في ردِّ شبه المخالفين.

٩ - تنبيه الرّاقدين في الموعظة، مطبوعٌ.

١٠ - رسالةٌ في خلل الصّلاة، فارسيّة.

١١ - حقُّ اليقين في معرفة اصول الدّين.

١٢ - منهاج العارفين شرح رباعيّاته.

١٣ - فرحة الدّارين في العدالة.

١٤ - رسالةٌ في صلاة اللّيل.

١٥ - رسالةٌ في صلاة الأذكار.

١٦ - شرح تهذيب الحديث.

١٧ - رسالةٌ في الفرائض.

١٨ - رسالةٌ في الرّضاع.

١٩ - مفتاح العدالة.

٢٠ - رسالة الجمعة.

٢١ - سفينة النجاة.

كان شيخنا المترجم له شيخ الإسلام وإمام الجمعة والجماعة بقم المشرَّفة إلى أن توفّي بها سنة ١٠٩٨ ودفن خلف مرقد زكريّا بن آدم القمي طاب ثراه من قريب.

٣٢١

ومن شعره الفارسيّ قوله:

از گفتهء مصطفى إمام است سه چار

از روي چه گوئي كه امام است چهار

نشناسي اگر سه چار حق را ناچار

خواهى بعذاب ايزدى گشت دو چار

* * *

دليل رفعت شأن علي اگر خواهي

باين كلام دمى گوش خويشتن ميدار

چو خواست مادرش از بهر زادنش جائي

درون خانه خاصش بداد جا ستّار

پس آن مطهّرة با احترام داخل شد

در آن مقام مقدّس بزاد مريم وار

برون چو خواست كه آيد پس از چهارم روز

ندا شنيد كه [ نامش برو على بگذار ]

فداى نام چنين زادهء بود جانم

چنين امام گزينيد يا اولى الأنصار

ومن رباعيّاته:

أي مانده ز كعبهء محبّت مهجور

افتاده ز راه مهر صد منزل دور

با حبّ عمر دم مزن از مهر نبي

كي جمع توان نمود با ظلمت نور؟

وله:

بما رسيده حديث صحيح مصطفوى

كه هست بعد پيمبر امام هشت وچهار

كسى نكرده زامّت بدين حديث عمل

بغير پيرو آل وأئمّهء أطهار

وله:

أي طالب علم دين ز من گير خبر

تا چند دوى در بدر اى خسته جگر

خود را برسان بشهر علم اى غافل

شو داخل آن شهر وليكن أز در

وله:

نبي چو وارد « خم » گشت بر سر منبر

خليفه كرد علي را بكفتهء جبّار

نهاد بر سر او تاج وال من والاه

زامّتش بگرفت از براى وي اقرار

وليك آنكه به بخبخ نمود تهنيتش

بكرد از پى اقرار خويشتن انكار

فتاد بر سر حارث زغيب سنك قضا

چو گشت منكر نصّ غدير آن غدّار

ومن رباعيّاته:

از دورى راه خويشتن يادى كن

آماده ز بهر سفرت زادى كن

از بى كسى مردن خود ياد آور

در ماتم خود نشين وفريادى كن

٣٢٢

وله:

از دورى راه خويشتن كن يادى

آماده ز بهر سفرت كن زادي

در راه طلب چو خفته‌اى غافل

بر خيز كه از قافله دور افتادى

وله:

بر خيز چه خفتهء رفيقان رفتند

غافل چه نشستهء عزيزان رفتند

خندان منشين كه جمله ياران عزيز

با سوز دل وديدهء گريان رفتند

وله:

اي بندهء طول أمل وحرص وحسد

فردا است كه أعضاى تو از هم ريزد

اين سر كه زباد نخوت امروز پر است

تا چشم زني بود پر از خاك لحد

وله:

تا چشم زنى رسيده وقت سفرت

فردا است كه در جهان نماند أثرت

بر روى زمين خرام وغفلت تاكي

از زير زمين مگر نباشد خبرت

وله:

از وادى معصيت بيا زود گذر

كين مرحله راهست بسى خوف وخطر

گوئى كه كنم توبه پس از پيريها

از مرك جوانان مگرت نيست خبر؟

وله:

سالك هوس عالم بالا نكند

پابند ألم ز پاى دل وا نكند

هر دل كه زياد مرك معمور شود

حقد وحسد وحرص در اوجا نكند

وله:

خواهى نشود گلشن دل چون بيشه

بركَن تو نهال حرص را از ريشه

بر پاى درخت أمل وحرص وحسد

پيوسته زياد مرك ميزن تيشه

وله:

أي طالب سيم وكيمياى اصغر

آموز زمن تو كيمياى أكبر

در بوته ياد مرك خود را بگداز

تا خاك دلت شود طلاى احمر

٣٢٣

وله في تقريظ الكتب الأربعة(١) .

دين را كتب أربعه چون جان باشد

اينچار چهار ركن ايمان باشد

هنگام جهاد نفس اينچار كتاب

چار آينهء صاحب عرفان باشد

وله في تقريظها:

اي آنكه ترا غلط روى عادت وخوست

روكن برهى كه منزل رحمت اوست

ميخوان كتب أربعه كز وى هر سطر

راهى است كه راست ميرود تادرِ دوست

____________________

١ - الكافى لشيخنا ابى جعفر الكلينى - من لا يحضره الفقيه لشيخنا ابى جعفر القمى - التهذيب والاستبصار لشيخ الطائفة ابى جعفر الطوسى.

٣٢٤

القرن الحادي عشر

٩١

القاضي جمال الدين المكي

المتوفى بعد ١٠١٢

أنت نعم النصير في كلِّ زادِ

أنت نعم المولى لكلِّ العبادِ

ذو الأيادي والأيد أنت لعمري

سيّد النّاس أوحد العبّادِ

ولك الإرث في الولاء بحقّ

في رقاب الورى ليوم التّنادِ

لمقال النبيِّ في [ماء خمّ]

أنت مولى للمؤمن المنقادِ

فتهادى بالطّوع قومٌ ففازوا

وتمادى الغبيُّ في الإنتقادِ(١)

ثمَّ قال النبيُّ: وال عليّاً

يا إلهـ~ـي ومن يُعاديه عادِ

وتفضَّل برحمةٍ للموالي

وبلعن ونقمة للمعادي(٢)

شرفٌ شامخٌ ومجدٌ رفيعٌ

وافتخارٌ يزيل غلب الهوادي

كنت في الصّلب إذ دنا فتدلّى

وعلى الصفّ في مقرِّ الجلادِ

ثمَّ من قبل ذا أجبت نداءاً

لألست الإلـ~ـه في كلِّ وادِ(٣)

مَن يُباريك في السّيادة غرٌّ

بمزايا تنير منها الدآدي(٤)

أو يجاريك في العلوم جهولٌ

ما له في الفهوم من مستفادِ(٥)

أنت أنت المعروف في كلّ فضلٍ

أنت صدر الإصدار والإيرادِ

وسوى بيتك المنكر جهلاً

وسواك الضنين بالا مداد

فابق واسلم لك السَّلامة وقفٌ

والمثاني من الثّنا في ازديادِ

____________________

١ - كذا فى سلافة العصر، وفى سلوة الغريب: وتمادى بكرهه المتمادى.

٢ - كذا فى صلوة الغريب، وفى سلافة العصر:

خصن باللعن من تولى عتواً

وحشاه مقطع بالعناد

٣ - فى سلوة الغريب: وأطعت الآله فى كلّ ناد.

٤ - الدأدأ والدأداء من الليالى: الشديدة الظلمة.

٥ - فى السلوة: عاد فى خيبة بلا مستفاد.

٣٢٥

سلافة العصر ص ١١٧، سلوة الغريب، كلاهما للسيّد علي خان المدني.

( ما يتبع الشعر )

صدّر شاعرنا جمال الدّين بهذه الأبيات كتاباً كتبه إلى الشّريف الأجلّ الأمير نصير الدّين حسين بن إبراهيم بن سلام المتوفّى سنة ١٠٢٣ بالطّائف والمدفون بمكّة المشرَّفة، والكتاب بديعٌ في بابه، وبليغٌ في إنشائه، درر كلم منضّدة، ولئالي الفاظ منثورة، مذكور بطوله في سلافة العصر صفحة ١١٧ - ١١٩، والأمير نصير الدّين هو عمّ جدّ صاحب السّلافة السيِّد علي خان المدني، أخو جدّه الشّريف السيّد أحمد نظام الدّين، قال صاحب السُّلافة في سلوة الغريب: كان إماماً فاضلاً مجتهداً مبرّزاً في العربيّة، غالباً عليه الزهد والصّلاح، يُقال: إنّه لم يمسّ درهماً بيده ولا ديناراً قطُّ تورُّعاً وعزفاً من نفسه عن الدّنيا، وكان يكتب جميع ما يعمله في اليوم فإذا كان اللّيل نظر فيه، فإن كان صالحاً حمد الله، وإن كان غير ذلك استغفر الله منه، وكان لا يؤدِّب أحداً من خدمه في الحرم.

( الشاعر )

القاضي جمال الدين(١) محمّد بن حسن بن دراز المكّي، من مقاول الأدب، وألسنة الفضيلة، ومداره القول، وصيارفة القريض، وعباقرة القضاة، ذكره السيّد في سلافة العصر ص ١٠٧ وأثنى عليه بقوله:

جمال العلوم والمعارف، المتفئُّ ظلَّ ظليلها الوارف. أشرقت بالفضل أقماره و شموسه، وزخر بالعلم عبابه وقاموسه. فدوَّخ صيته الأقطار، وطار ذكره في منابت الأرض واستطار. وتهادت أخباره الرُّكبان، وظهر فضله في كلِّ صقع وبان. وله الأدب الّذي ما قام به مضطلع، ولا ظهر على مكنونه مطّلع. استنزل عصم البلاغة من صياصيها، واستذلَّ صعاب البراعة فسفع بنواصيها. إن نثر فما اللؤلؤ المنثور انفصم نظامه؟ أو نظم فما الدرّ المشهور نسقه نظامه؟ بخطّ يزدري بخدّ العذار إذا بقل، وتحسبه سائر الجوارح على مشاهدة حسنه المقل. ولّما رحل إلى اليمن في دولة الرّوم، قام

____________________

١ - كذا فى الخلاصة. وفى سلافة العصر: جمال الدين بن محمد.

٣٢٦

له رئيسها بما يحبُّ ويروم. فولّاه منصب القضاء، وسطع نور أمله هناك وأضاء. ولم يزل مجتلياً به وجوه أمانيه الحسان، ومجتنياً من رياضه أزاهر المحاسن والاحسان. إلى أن انقضت مدّة ذلك الأمير، ومني اليمن بعده بالإفساد والتَّدمير. فانقلب إلى وطنه وأهله، فكابد حزن العيش بعد سهله. كما أنبأ بذلك قوله في بعض كتبه: ولمـَّا حصلت عائداً من اليمن بعد وفاة المرحوم سنان باشا، وانقضاء ذلك الزَّمن، اخترت الإقامة في الوطن بعد التشرّف بمجلس القضاء في ذلك العطن، إلّا أنَّه لم يحل لي التحلّي عن تذكّر ما كان في خزانة الخيال مرسوما، وتفكّر ما كان في لوح المفكّرة موسوماً. فاخترت أن أكون مدرّساً في البلد الحرام، وممارساً لما أذن غبّ الحصول بالإنصرام. ولم يكن في البلد الأمين كفاية، ولا ما يقوم به الإتمام والوفاية. إنتهى وما زال مقيماً في وطنه وبلده، متدرّعاً جلباب صبره وجلده. حتّى انصرمت من العيش مدَّته، وتمَّت من الحياة عدَّته.

ثمَّ ذكر جملةً وافية من منثور كلمه في ثلاث عشرة صحيفة فقال: ومن شعره قوله في صدر كتاب:

هذا نظامك أم درٌّ بمنتسق؟

أم الدّراري التي لاحت على الاُفق؟

وذا كلامك أم سحرٌ به سلبت

نهى العقول فتتلو سورة الفلق؟

وذا بيانك أم صهباء شعشعها

أغنّ ذو مقلة مكحولة الحدقِ؟

بتاج كلِّ مليك منه لامعة

وجيد كلّ مجيد منه في أنقِ

روضٌ من الزّهر والأنوار زاهية

كأنجم الاُفق في اللألاء والنَّمقِ

وذي حمائم ألفاظ سجعن ضحى

على الخمائل غبّ العارض الغدقِ

رسالة كفراديس الجنان بها

من كلّ مؤتلق يلفى ومنتشقِ

كأنّما الألِفات المائلات بها

غصون بانٍ على أيدٍ من الورقَ

تعلو منابرها الهمزات صادحةً

كالورق ناحت على الافنان من حرقِ

ميماتها كثغورٍ يبتسمن بها

يزري على الدرِّ إذ يزهي على العنقِ

فطرسها كبياض الصّبح من يقق

ونِقسها(١) كسواد لليل في غسقِ

____________________

١ - اليقق: القطن. نقس: المداد الذي يكتب به.

٣٢٧

يا ذا الرّسالة قد أرسلت معجزة

ودَّت بلاغتها الدّعوى من الفرقِ!

ويا مليك ذوي الآداب قاطبة!

ويا إماماً هدانا أوضح الطّرقِ!

مَن ذا يعارض ما قد صاغ فكرك من

حلى البيان ومن يقفوك في السّبقِ؟!

أنت المجلّي بمضمار العلوم إذا

أضحى قروم اُولي التحقيق في قلقِ

صلّى أئمّة أهل الفضل خلفك يا

مولى الموالي وربّ المنطق الذَّلقِ!!

مسلّمين لما قد حُزت من أدب

مصدّقين بما شرّفت من خلقِ

مهلاً فباعي من التقصير في قصر

وأنت في الطول والإحسان ذو عمقِ

سبحان بارئ هذي الذّات من همم

سبحان فاطر ذا الإنسان من علقِ!!

يا ليت شعري هل شبهٌ يرى لكُم؟

كلّا وربّي ولا الأملاك في الخلقِ

عذراً فما فكرتي صوّاغة درراً

حتّى أصوغ لك الاسلاك في نسقِ

واسلم ودم وتعالى في مشيد علا

تستنزل الشّهب للإنشا فلم تعق

وقوله مخاطباً بعض أكابر عصره لأمر اقتضى ذلك:

حصل القصد والمنى والمرادُ

واستكانت لمجدك الأضدادُ

أسجد الله في عتابك شوساً

تتّقى الاُسد بأسها والجلادُ

وأذلّت لك الجدود اُناساً

شيد للمجد في رباهم عمادُ

ثمّ جاءت اليك طوعاً وكرهاً

تتهادى حيناً وحيناً تُقادُ

أنت في الشّهب ثاقب لا تسامى

في معاليك حين تثنى الوسادُ

لا تبالي بنازلٍ وملمّ

ولو أنّ الملمّ سبعٌ شدادُ

ساهراً في طلاب كلِّ منيع

عزَّ نيلاً فلم ينله العبادُ

مهره النّفس إن يسمه كميّ

والطريق السّهاد والجسم زادُ

من يجد بالجنان نال مناه

والشّحيح الجنان عنه يُذادُ

لا تنال العُلى بغير العوالي

لا ولا الحمد يكتسيه الجمادُ

أحمد النّاس أنت قولاً وفعلاً

والوفيّ الذّمام والمستجادُ

يا شهاباً بجِدَه حاز جَدّاً

ومقاماً؟ لغيره لا يُشادُ

ماز بيني وبين خدني فدم

ذو سبال يدبّ فيه القرادُ

٣٢٨

ولو أنَّ الّذي تحكّم فينا

ألمعيُّ لقرَّ منّي الفؤادُ

أنكر المارقون فضل « عليّ »

ورماهم إلى الجحيم العنادُ

وحقيقٌ أنّ البلاء قديمٌ

وأهالي الفهوم منه تكادُ

ويولّي الاُمِّيُّ حكم البرايا

والبليغ المقال لا يستفادُ

وولاة الاُمور فينا حيارى

وذوو النّقص لا تزال تزادُ

عادة الدَّهر أن يؤخّر مثلي

وعلى الأصل جاء هذا المفادُ

قال لمن يبتغي التفاضل بيني

ثمَّ بين القضاة: هذا الزّنادُ؟

فاقتبس من زنادهم لك ناراً

أو فدعهم إن لاح منه الرّمادُ

ويح دهر لا يعرف الفرق فيه

بين عَيّ وقائلٍ يُستجادُ

هيِّنٌ ما لقيت ما دمت فينا

ذا عفاف وصحَّ منك الودادُ

وقوله أيضاً:

سلام على الدّار التي قد تباعدت

ودمعي على طول الزّمان سفوحُ

يعزُّ علينا أن تشطّ بنا النّوى

ولي عندكم دون البريّة روحُ

إذا نسمت من جانب الرّمل نفحة

وفيها عرارٌ للغوير وشيحُ

تذكّرتكم والدّمع يستر مقلتي

وقلبي مشوقٌ بالبعاد جريحُ

فقلت ولي من لاعج الوجد زفرة

لها لوعة تغدو بها وتروحُ

: الأهل بعيد الدَّهر ايّامنا التي

نعمنا بها والكاشحون نزوحُ؟

وتوجد ترجمة شاعرنا جمال الدّين في ( خلاصة الأثر ) للمحبيّ ج ٣: ٤٢٠ ٤٢٧ وذكر ما في السّلافة وقال: لقد فحصت عن وفاة صاحب الترجمة فلم أظفر بها وقد علم أنّه كان في سنة اثنتي عشرة وألف موجوداً، وما عاش بعدها كثيراً رحمه الله تعالى.

٣٢٩

القرن الحادي عشر

_ ٩٢ _

أبو محمد ابن الشيخ صنعان

نهج البلاغة روضةٌ ممطورةٌ

بالنور من سبحات وجه الباري

أو حكمةٌ قدسيّةٌ جليت بها

مرآة ذات الله للنظّار

أو نور عرفان تلألا هادياً

للعالمين مناهج الأبرارِ

أو لجّةٌ من رحمة قد أشرقت

بالعلم فهي تموج بالأنوارِ

خطبٌ روت ألفاظها عن لؤلؤ

من مائه بحر المعارف جاريِ

وتهلّلت كلماتها عن جنّة

حفّت من التّوحيد بالنّوارِ

وكأنّها عين اليقين تفجّرت

من فوق عرش الله بالأنهارِ

حكمٌ كأمثال النّجوم تبلّجت

من ضوء ما ضمنت من الأسرارِ

كشف الغطاء بيانها فكأنّها

للسّامعين بصائر الأبصارِ

وترى من الكلم القصار جوامعاً

يغنيك عن سفر من الأسفارِ

لفظٌ يمدُّ من الفؤاد سواده

والقلب منه بياض وجه نهارِ

وجلى عن المعنى السّواد كأنّه

صبحٌ تبلّج صادق الإسفارِ

من كلّ عاقلة الكمال عقيلة

تشتاف فوق مدارك الأفكارِ

عن مثلها عجز البليغ وأعجزت

ببلاغة هي حجّة الإقرارِ

وإذا تأمّلت الكلام رأيته

نطقت به كلمات علم الباريِ

ورأيت بحراً بالحقايق طامياً

من موجه سفن العلوم جواريِ

ورأيت أنّ هناك برّاً شاملاً

وسع الأنام كديمة مدرارِ

ورأيت أنّ هناك عفو سماحة

في قدرة تعلو على الأقدارِ

ورأيت أنّ هناك قدراً ماشياً

عن كبرياء الواحد القهّارِ

٣٣٠

قدر الّذي بصفاته وسماته

ممسوس ذات الله في الآثارِ(١)

مصباح نور الله مشكاة الهدى

فتّاح باب خزائن الأسرارِ

صنو الرّسول وكان أوّل مؤمن

عبد الالـ~ـه كصنوه المختارِ

وبه أقام الله دين نبيّه

وأتمّ نعمته على الأخيارِ(٢)

( الشاعر )

أبو محمّد ابن الشيخ صنعان توجد بخطّه نسخة من ( نهج البلاغة ) للسيّد الشّريف الرَّضي في مكتبة مدرسة سپهسالار بطهران تحت رقم ٣٠٨٥ كتبها سنة ١٠٧٢ وعليها هذا التقريظ، بخطّ ناظمه أبي محمّد، ولم أقف من تاريخ حياته على شيء غير أنّ شعره هذا يُعرب عن قوّته في القريض، وجودته في السَّرد، وتقدّمه في مضمار الأدب، كما أنّه آية في ولائه الخالص للإمام الطّاهر أمير المؤمنينعليه‌السلام .

____________________

١ - اشار إلى ما أخرجه ابو نعيم فى « حلية الاولياء » ١: ٦٨ مرفوعا: لا تسبوا علياً فانه ممسوس فى ذات الله.

٢ - اشار إلى قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتى. النازل يوم الغدير فى على أمير المؤمنين كما فصلنا القول فيه فى الجزء الاول ص ٢٣٠ - ٢٣ ٨ ط ٢.

٣٣١

شعراء الغدير

في القرن الثاني عشر

٩٣

شيخنا الحر العاملي

المولود ١٠٣٣ والمتوفى ١١٠٤

كيف تحظا بمجدك الأوصياءُ؟

وبه قد توسّل الأنبياءُ

ما لخلق سوى النبيّ وسبطيه

السّعيدين هذه العلياءُ

فبكم آدم استغاث وقد مسّـ

ـته بعد المسرَّة الضرّاءُ

يوم أمسى في الأرض فرداً غريباً

ونأت عنه عرسه حوّاءُ

وبكا نادماً على ما بدا منه

وجهد الصبّ الكئيب البكاءُ

فتلقىّ من ربّه كلمات(١)

شرّفتها من ذكر كم أسماءُ

فاستجيب الدُّعاء منه ولولا

ذكركم ما استجيب منه الدُّعاءُ

ثمَّ يعقوب قد دعا مستجيراً

من بلاء بكم فزال البلاءُ

وأتاه بكم قميص يوسف وارتدَّ

بصيراً وتمّت النّعماءُ

وبكم كان للخليل ابتهالُ

ودعاءٌ لربّه واشتكاءُ

حين ألقاه عصبة الكفر في النّا

ر فما ضرّ جسمه الإلقاءُ

أيُضام الخليل من بعد ما كا

ن إليكم له هوىً التجاءُ؟

وبكم يونس استغاث ونوحٌ

إذ طغا الماء واستجدَّ العناءُ

وبأسماءكم توسّل أيّوب

فزالت عنه بها الأسواءُ

ياله سودداً منيعاً رفيعاً

قد رواه الأعداءُ والأولياءُ

لعليّ مجدٌ غدا دون أد

ناه الثريّا في البعد والجوزاءُ

هو فضلٌ وعصمةٌ و وفاءٌ

وكمالٌ و رأفةٌ و حياءُ

____________________

١ - إشارة إلى ما جاء فى قوله تعالى: فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه من ان الكلمات المتلقاة هى اسماء الاشباح الخمسة راجع ما مرّ فى الجزء السابع ص ٢٩٩ ط

٣٣٢

ولكم نال سودداً لم يبُن كنه

علاه الإنشاد والإنشاءُ؟

والحروف الّتي تركّبت العليا

منها عينٌ ولامٌ وياءُ

كان نوراً محمّد وعليٌّ

في سنا آدم له لألاءُ

أخذ الله كلَّ عهد وميثاق

له إذ بدا سناً وسناءُ

أيّ فخر كفخره والنبيّون

عليهم عهدٌ له وولاءُ؟

وبه يُعرف المنافق إذ كا

نت له في فؤاده بغضاءُ

ولعمري من أوّل الأمر لا تخفى

على ذي البصيرة السّعداءُ

ولدته منزّهاً اُمّه ما

شانه في الولادة الأقذاءُ

داخل الكعبة الشّريفة لم يدن

إليها من الأنام النّساءُ

لاح منه نورٌ فأشرقت الارض

وأرجاؤها به والسّماءُ

كان للدّين في ولادته مثل

أخيه مسرَّةٌ وازدهاءُ

يا له مولداً سعيداً تجلّت

عن محيّاه بهجةٌ غرّاءُ

فهنيئاً به لفاطمة السّعد

الّذي ما له مدىً وانتهاءُ

بل لدين الإسلام من غير شكّ

وارتياب قد كان ذاك الهناءُ

إلى أن قال:

وأتت منه في عليّ نصوصٌ

لم يحم حول ربعها الإحصاءُ

قال فيه: هذا ولييّ وصيّي

وارثي هكذا روى العلماءُ

وزعمتم بأنَّ كلَّ نبيّ

لم يرث منه ماله الأقرباءُ

هو مولى من كان مولاه نصّاً

منه فليترك الهوى والمراءُ

و دعا بعدها دعاءً مجاباً

وبه قد تواتر الأنباءٌ

ويقول فيها:

للمعالي بين الورى يا عليَّ بن

أبي طالب إليك انتهاءُ

وكذا للكمال منك وللسّودد

والمجد والفخار ابتداءُ

للورى لو درى الورى بك من

بعد أخيك الطّهر الأمين اهتداءُ

واجبٌ بالنصوص منه عن الله

وأين المصغي بك الاقتداءُ

ثمّ يوم [ الغدير ] هل كان إلّا

لك دون الأنام ذاك الولاءُ؟

٣٣٣

يوم مات النبيّ كنت إماماً

في العلا لم يساوك النظراءُ

( القصيدة ٤٥٣ بيتاً )

وله يمدح بها

أمير المؤمنينعليه‌السلام وهي من قصايده المحبوكات الطرفين على حروف الهجاء تسع و عشرين قصيدة، كل واحدة منها ٢٩ بيتاً، أسماها [ مهور الحور ] كلّها في مدح أمير المؤمنين:

هو الحبّ لا فيه معين ترجّاه

ولا منقذٌ من جوره تتوخّاهُ

هو الحتف لا يفني المحبّين غيره

ولولاه ما ذاق الورى الحتف لولاهُ

إلى أن قال:

هداية ربّ العالمين قلوبنا

إلى حبِّ من لم يخلق الخلق لولاهُ

هو الجوهر الفرد الذي ليس يرتقي

لأعلى مقامات النبيّين إلّا هو

هلالٌ نما فارتدَّ بدراً فأشرقت

جوانب آفاق العلا بمحيّاهُ

هما علّةٌ للخلق أعني محمّداً

وأوّل مَن لمـّا دعا الخلق لبّاهُ

هوى النجم يبغي داره لا بل ارتقى

إليها فمثوى النجم من دون مثواهُ

هل أختار خير المرسلين مواخياً

سواه فأولا الكمال وآخاهُ؟

هل اختار في يوم [ الغدير ] خليفة

سواه له حتّى على الخلق ولّاهُ؟

هدى لاح من قول النبيّ وليّكم

عليٌّ ومولى كلّ من كنت مولاهُ

هناك أتاه الوحي بلّغ ولا تخف

ومن كلّ ما تخشاه يعصمك اللهُ

هنا لك أبدى المصطفى بعض فضله

وباح بما قد كان للخوف أخفاهُ

وله من المحبوكات الطرفين:

كتمت الهوى والحبّ بالقلب أملك

وأجمل من كتم الغرام التهتّكُ

كواعب أتراب قصدن بحربنا

ولسنا بتوحيد المحبّة نشركُ

كتائب أبطال بهنَّ دماؤنا

جزاءً على حفظ المودّة تسفكُ

يقول فيها:

كرامات مولاي الوصيِّ وولده

أنارت فلا يخفي سناها المشكّكُ

كلام النبيِّ المصطفى حجّة فهل

أجلّ وأعلى منه في الشرع مدركُ؟

كفى قوله يوم [ الغدير ] بانّه

لكلّ الورى مولى فينسى ويتركُ

٣٣٤

كما جاء في التنزيل ليس وليّكم

سواه ومن ذا بعد ذاك يشكّكُ؟

كواكب فضل المرتضى حين أشرقت

لها المجد اُفق فيه تسري وتسلكُ

وله من المحبوكات الطرفين:

عدني ودعني من زيارة بلقع

يا أيّها الحادي لهنَّ بمرجعِ

عذَّ بن جسمي بالنحول ومهجتي

بالهجر واستمطرن صيّب مدمعي

إلى قوله:

عدم المجاري في الكمال لسيّدي

ذي السّودد الأسنا البطين الأنزعِ

عمّ الفضايل حين خصّ برفعة

من ذروة العليا أجلّ وأرفعِ

عجباً لمن فيه يشكّ وقد أتى

خبر [ الغدير ] ونصّه لم يدفعِ

عهد النبيُّ إلى الأنام بفضله

ويلٌ لمنكر فضله ومضيّعِ

عُدَّت فضايله فأعيى حصرها

وغدا حسيراً عنه فكر الألمعي(١)

( الشاعر )

محمّد بن الحسن بن عليّ بن محمّد الحسين بن عبد السلام بن عبد المطلب بن علي ابن عبد الرّسول بن جعفر بن عبد ربّه بن عبد الله بن مرتضى بن صدر الدّين بن نور الدّين ابن صادق بن حجازي بن عبد الواحد بن الميرزا شمس الدّين بن الميرزا حبيب الله بن علي بن معصوم بن موسى ابن جعفر بن الحسن بن فخر الدّين بن عبد السّلام بن الحسين بن نور الدّين بن محمّد بن علي بن يوسف بن مرتضى بن حجازي بن محمّد بن باكير بن الحرّ الرّياحي المستشهد أمام الإمام السَّبط الشّهيد يوم الطفّ سلام الله عليه وعلى أصحابه.

هذا الحرُّ الشّهيد في الطفّ يوم الامام السّبط الطاهر هو مؤسس الشّرف الباذخ لآله الأكارم، الّذين فيهم أعلام الدّين، وأساطين المذهب، وصيارفة الكلام، وقادة الفكر، ونوابغ الخطابة والكتابة، ومهرة الفقه، وأئمَّة الحديث، وحملة الفضل والأدب، وصاغة القريض، وأشهرهم في تلكم الفضائل كلّها شيخنا المترجم له الّذي لا تُنسى مآثره، ولا يأتي الزّمان على حلقات فضله الكثار، فلا تزال متواصلة العُرى ما دام لأياديه المشكورة عند الاُمّة جمعاء أثرٌ خالد، وإنَّ من أعظمها كتاب وسائل الشَيعة

____________________

١ - أخذنا هذه كلها من ديوانه المخطوط بخط يده الشريفة قدس الله روحه.

٣٣٥

في مجلّداتها الضخمة التي تدور عليها رحى الشَّريعة، وهو المصدر الفذّ لفتاوي علماء الطايفة، وإذا ضمّ إليه مستدركه الضّخم الفخم لشيخنا الحجّة النوري(١) المناهز لأصله كمّاً وكيفاً فمرج البحرين يلتقيان، وكان غير واحد من المحقّقين لا يُصدر الفتيا إلّا بعد مراجعة الكتابين معاً. نعم: لأهل الاستنباط النظر في أسانيد ما حواه الكتابان من الأحاديث، وأنت لا تقرأ في المعاجم ترجمةً لشيخنا الحرِّ إلّا وتجد جمل الثّناء على كتابه الحافل ( وسائل الشِّيعة ) مبثوثة فيها، وقد أحسن وأجاد أخوه العلّامة الصّالح في تقريظه بقوله:

هذا كتابٌ علا في الدّين رتبته

قد قصّرت دونها الأخبار والكتبُ

ينير كالشّمس في جوِّ القلوب هدىً

فتنتحي منه عن أبصارنا الحجبُ

هذا صراط الهدى ما ضلّ سالكه

إلى المقامة بل تسمو به الرُّتبُ

إن كان ذا الدّين حقّاً فهو متّبع

حقّاً إلى درجات المنتهى سببُ

فشيخنا المترجم له درَّةٌ على تاج الزَّمن، وغرَّةٌ على جبهة الفضيلة، متى استكنهته تجد له في كلِّ قِدر مغرفة، وبكلِّ فنّ معرفة، ولقد تقاصرت عنه جمل المدح، وزُمر الثّناء، فكأنَّه عاد جثمان العلم، وهيكل الأدب، وشخصيّة الكمال البارزة، وإنَّ من آثاره أو من مآثره تدوينه لأحاديث أئمّة أهل البيت عليهم السّلام في مجلّدات كثيرة، وتأليفه لهم بإثبات إمامتهم، ونشر فضائلهم، والإشادة بذكرهم، وجمع شتات أحكامهم وحِكمهم، ونظم عقود القريض في إطرائهم، وإفراغ سبائك المدح في بوتقة الثّناء عليهم ولقد أبقت له الذّكر الخالد كتبه القيّمة، منها:

١ - ديوان شعره يناهز عشرين ألف بيت في مدح النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم السّلام.

٢ - كشف التعمية في حكم التسمية، في تسمية الإمام المنتظر.

٣ - نزهة الاسماع في حكم الإجماعِ، في صلاة الجمعة.

٤ بداية الهداية في الواجب والمحرّم المنصوص عليهما.

٥ - رسالةٌ فيها نحو من ألف حديث ردّاً على الصّوفيّة.

٦ - أمل الآمل في علماء جبل عامل وجملة من غيرهم

____________________

١ - راجع ما مر فى هذا الجزء صفحة.

٣٣٦

٧ - إثبات الهداة بالنّصوص والمعجزات مجلّدان يشتمل على أكثر من عشرين ألف حديث.

٨ - تحرير وسائل الشِّيعة وتحبير وسائل الشَّريعة. شرح كتابه الوسائل.

٩ - هداية الاُمَّة إلى أحكام الأئمّة ثلث مجلّدات منتخبة من الوسائل.

١٠ - منظومةٌ في تواريخ النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمَّة عليهم السّلام.

١١ - فهرست وسائل الشِّيعة الموسوم بـ‍: من لا يحضره الإمام.

١٢ - الصّحيفة الثانية من أدعية الإمام عليّ بن الحسينعليه‌السلام .

١٣ - الفصول المهمَّة في اصول الأئمَّة عليهم السَّلام.

١٤ - الايقاظ من الهجعة بالبرهان على الرّجعة.

١٥ - الجواهر السنيّة في الأحاديث القدسيّة.

١٦ - تنزيه المعصوم عن السَّهو والنسيان.

١٧ - الفوايد الطوسيّة: نحو عشر رسالة.

١٨ - العربيّة العلويّة واللّغة المرويَّة.

١٩ - رسالةٌ في أحوال الصّحابة.

٢٠ - رسالةٌ في تواتر القرآن.

٢١ - رسالةٌ في خلق الكافر.

٢٢ - منظومةٌ في المواريث.

٢٣ - منظومةٌ في الزَّكاة.

٢٤ - منظومةٌ في الهندسة.

٢٥ - رسالةٌ في الرّجال.

قرأ شيخنا الحرّ على أبيه الشّيخ حسن بن علي المتوفّى ١٠٦٢ وعلى

عمّه الشّيخ محمّد بن علي المتوفّى ١٠٨١ وعلى جدّه لاُمّه:

الشّيخ عبد السَّلام بن محمّد الحرّ وعلى خال أبيه:

الشيخ عليّ بن محمود العاملي.وعلى

الشيخ زين الدّين بن محمّد بن الحسن صاحب المعالم، وعلى

٣٣٧

الشّيخ حسين الظهيري. وغيرهم.

يروي بالإجازة(١) عن أبي عبد الله الحسين بن الحسن بن يونس العاملي وعن العلّامة المجلسي، وهو آخر من أجاز له كما ينصّ عليه هو في إجازة له.

ويروي عنه بالإجازة(٢) العلّامة المجلسي، و

الشّيخ محمّد فاضل(٣) بن محمّد مهدي المشهدي و

السيّد نور الدّين بن السيّد نعمة الله الجزائري بالإجازة المؤرّخة بـ‍ ١٠٩٨ و الشّيخ محمود بن عبد السَّلام البحراني كما في المستدرك ٣: ٣٩٠.

ولد في قرية مشغر(٤) ليلة الجمعة ثامن رجب ١٠٣٣ وأقام في بيئة محتده أربعين عاماً، وحجَّ فيها مرّتين، ثمّ سافر إلى العراق فزار الأئمّة عليهم السّلام ثمَّ اتيحت له زيارة الإمام أبي الحسن الرّضاعليه‌السلام ، وقطن ذلك المشهد الطّاهر، وحجَّ في خلال إقامته به مرّتين، وزار أئمّة العراق ايضاً مرّتين، واُعطي شيخوخة الإسلام وحاز منصب القضاء، إلى أن توفّي في يوم الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة ١١٠٤ ودفن في الصّحن العتيق الشّريف إلى جنب مدرسة ميرزا جعفر، وقبره معروفٌ يزار قدّس الله سرّه ونوّر ضريحه.

ومن شعره قوله من قصيدة محبوكة الأطراف الأربعة:

فإن تخف في الوصف من إسرافِ

فلذ بمدح السّادة الأشرافِ

فخرٌ لهاشميّ أو منافي

فضلٌ سمى مراتب الآلافِ

فعلمهم للجهل شافٍ كافِ

وفضلهم على الأنام وافِ

فاقوا الورى منتعلاً وحافِ

فضلاً به العدوّ ذو اعترافِ

فهاكه محبوكة الأطراف

فمن غريب ما قفاه قافِ

وله:

كم حازم ليس له مطمعٌ

إلّا من الله كما قد يجبْ

____________________

١ - اجاز له سنة ١٠٥١ وهو اول من اجاز له كما فى اجازات البحار ص ١٦٠.

٢ - اجازته له توجد فى البحار ٢٥: ١٥٩، مؤرخة بسنة ١٠٨٥.

٣ - مؤرخة بـ‍ ١٠٨٥، توجد فى اجازات البحار ص ١٥٨.

٤ - إحدى قرى عاملة.

٣٣٨

لأجل هذا قد غدا رزقه

جميعه من حيث لا يحتسبْ

وله:

ذوات خالٍ خدُّها مشرقُ

نوراً كركن الحجر الأسودِ

كعبة حسن ولها برقعُ

من الحرير المحض والعسجدِ

قد أكسبت كلّ امرئ فتنة

حتّى إمام الحيِّ والمسجدِ

كم هام إذ شاهدها جاهلٌ

بل هام فيها عالم المشهدِ

وله:

لا تكن قانعاً من الدِّين بالدّون

وخذ في عبادة المعبودِ

واجتهد في جهاد نفسك وابذل

في رضى الله غاية المجهودِ

وله في مديح العترة الطاهرة:

قلّما فاخروا سواهم وحاشا

ذهباً أن يفاخر الفخّارا

وأرى قولنا: الأئمّة خيرٌ

من فلانٍ ومن فلانٍ عارا

إنّما سبقهم لبكر وعمرو

مثل ما يسبق الجواد الحمارا

إنّني ذو براعةٍ وإقتدارٍ

جاوز الحدَّ في الأنام اشتهارا

وإذا رمتُ وصف أدنى عُلاهم

لا أرى لي براعةً واقتدارا

وله من قصيدة ثمانين بيتاً خالية من الألف في مدح العترة عليهم السّلام:

وليّي عليٌّ حيث كنت وليّه

ومخلصه بل عبد عبد لعبدهِ

لعمرك قلبي مغرَمٌ بمحبّتي

له طول عمري ثمّ بعدُ لولدهِ

وهم مهجتي هم منيتي هم ذخيرتي

وقلبي بحبيّهم مصيبٌ لرشدهِ

وكلُّ كبير منهمُ شمس منبر

وكلُّ صغير منهمُ شمس مهدهِ

وكلُّ كميّ منهمُ ليث حربه

وكلُّ كريم منهمُ غيث وهدهِ

بذلت له جهدي بمدح مهذّب

بليغ ومثلي حسبه بذل جهدهِ

وكلّفت فكري حذف حرف مقدَّم

على كلِّ حرف عند مدحي لمجدهِ

وله من قصيدة:

____________________

١ - الفخّار: الخزف.

٣٣٩

أنا حرٌّ لكن كرقّ لخودٍ(١)

سلبتني سكينةً و وقارا

كلّ حسن من الحرائر لا

بل من إماء يستعبد الأحرارا

وهوى المجد والملاح وأهل الـ

ـبيت في القلب لم يدع لي قرارا

راجع أمل الآمل ٤٤٨، إجازات البحار ١٢٦، ١٥٨، ١٥٩، سلافة العصر ٣٦٧، لؤلؤة البحرين، روضات الجنّات ص ٥٤٤، مستدرك الوسائل ٣: ٣٩٠، سفينة البحار ١ ص ٢٤٢، الفوائد الرَّضويّة ٢: ٤٧٣، شهداء الفضيلة ٢١٠ وفيه تراجم جمع من رجالات هذه الاُسرة الكريمة وأعلام بيت الحرّ الفطاحل.

____________________

١ - الخود: المرأة الشابّة.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

غلبة الغريزة على العلم:

ما أكثر المثقفين والعلماء الذين لا يملكون قوة الوقوف أمام تيار الميول الغريزية والرغبات اللاإنسانية، ولا يستطيعون ضبط نفوسهم في تلك المواقف!

ما أكثر المثقفين الذين يستطيعون تأليف كتاب حول قبح الارتشاء وأكل أموال الناس بالباطل، وإثبات فساد ذلك من الناحية الاجتماعية والقضائية والاقتصادية والسياسية والوطنية وغير ذلك من النواحي، ولكنهم في مقام العمل وفي مرحلة التطبيق، لا يتورعون من أخذ الرشوة، ولا ينصرفون عن الدرهم الواحد!

ما أكثر المتمدّنين الذي يعرفون أضرار الخمرة عن طريق العلم، ويعرفون عوارضها المختلفة على الكبد والكلية والأعصاب والجهاز الهضمي، ولكنهم لا يستطيعون الامتناع عن شربها حتى ليلة واحدة!

ولهذا فقد وردت أحاديث كثيرة في ذم العلماء الذين لا يطبّقون علمهم، وينقادون لأهوائهم... منها:

1 - قوله ( ص): (العلماء عالمان: عالم عمل بعلمه فهو ناجٍ، وعالم تارك لعلمه فقد هلك) (1) .

2 - وقد ورد أيضاً: (أوحى الله إلى داود: لا تسألني عن عالم قد أسكره حب الدنيا، فأولئك قطاع الطريق على عبادي) (2) .

3 - قال رسول الله ( ص): يا أبا ذر، إن شر الناس عند الله يوم القيامة عالم لا ينتفع بعلمه) (3) .

____________________

(1) لئالي الأخبار ص 192.

(2) لئالي الأخبار ص 192.

(3) لئالي الأخبار.

٣٦١

4 - وفي حديث آخر: (أشد الناس عذاباً في القيامة، عالم لم يعمل بعلمه، ولم ينفعه علمه) (1) .

إن نسبة الجرائم والجنايات تزداد يوماً بعد يوم في الأمم المتمدنة في العالم بالرغم من الرقابات البوليسية الشديدة والعقوبات القانونية... وهذا هو أجلى شاهد على أن التمدن والرقي وارتفاع مستوى الثقافة عاجز بوحده من مقاومة طغيان الغرائز ودفع الإنسان إلى التمسك بالفضائل والمثل الإنسانية. ولحسن الحظ فإن علماء الغرب أنفسهم يعترفون بهذا!

(إن الأعمال التخريبية التي يرتكبها كثير من الناس بمجرد اضمحلال بعض القيود والموانع الاجتماعية؛ تثبت أنه وإن كان الأفراد يعيشون في المجتمع ويوجدون المدنيات المختلفة، لكنهم ليسوا متمدنين).

(هذه الأكثرية بهذا المعنى ليست متمدنة، حيث تحترم مظاهر المدنية تحت ضغط الرقابة الاجتماعية فقط) (2) .

الهمجية في لباس التمدُّن:

لقد كان العالم المتمدن يرفع عقائر السلام والرخاء والإنسانية قبل الحرب العالمية. ولكنه عندما اندلعت نيران الحرب انفجرت القنابل واضطرمت نيران المعارك الدموية وتحطمت الهياكل الجوفاء للمدنية وفقدت زينتها الظاهرة... وحينذاك ظهر العالم المتمدن في ثوب الهمجية والفوضوية - أي لباسه الواقعي - فقد استولت سحب الإجرام وسفك الدماء على سماء العالم وحل الحقد والانتقام محل الضحكات المصطنعة في وجوه الجماهير المتمدنة!

(النفي، والقتل العام للمدنيين، ومعسكرات العمل الإجباري ( التي لم يكن ينتشر فيها الجوع والأمراض السارية فحسب، بل كانت تستعمل فيها مختلف وسائل التعذيب

____________________

(1) مجموعات ورام ج 1|220.

(2) إنديشه هاي فرويد ص 116.

٣٦٢

والقمع والإرهاب) والتدمير الشامل اللامعقول بالقنابل... كل هذه الوسائل كانت تستعمل كأساليب طبيعية واعتيادية في الحرب. ولذلك فقد كان الخوف والاضطراب مستولياً على العالم أجمع في الحرب العالمية الثانية، وهكذا اختفت مظاهر احترام الحياة والمثل الإنسانية، والقيم الأخلاقية في كل مكان) (1) .

لقد كان فرويد ( وهو الذي يبدي مخالفته الصريحة للتعاليم الدينية والعقائد الإلهية) قبل الحرب يأمل بانتشار التعاليم والقوانين التربوية وأصول المدنية الحديثة؛ حتى تستطيع أن تحل محل الدين في أفكار العامة وبذلك يوصل البشرية إلى الكمال المنشود لها... إنه يقول:

(إن ما لا شك فيه أن الدين قد قدّم خدمات مهمة إلى الإنسانية والمدنية نظراً للدور الكبير الذي لعبه في تهدئة الغرائز غير الاجتماعية، ولكنه لم يستطع أن يتقدم في هذا المجال بالمقدار الكافي) (2) .

إن فرويد يوصي بما يلي: (من المستحسن أن نختبر منهاجاً تربوياً غير ديني، فيعود الناس على غض النظر عن هذه التسلية، ولأجل أن يثبتوا أمام الأخطار والصدمات معتمدين على أنفسهم فقط، عليهم أن يهجروا هذا الملجأ).

إنه يعتقد بأن: (الفرد يستطيع في هذه الصورة فقط أن يكون إنساناً راشداً، وسيبدأ الكفاح مع القوى الشريرة في الطبيعة) (3) .

____________________

(1) انديشه هاى فرويد ص 117.

(2) انديشه هاى فرويد ص 96.

(3) انديشه هاى فرويد ص 97.

٣٦٣

أوهام فرويدية:

كان فرويد يعتقد قبل بدء الحرب العالمية بارتفاع المستوى الأخلاقي للأمة في ظل المدنية، إنه كان يتصور أن الإنسان يستطيع في ظل المدنية الحديثة وأصول التربية المادية أن يصل إلى طريق الفضيلة القيم العليا، لكن اندلاع نيران الحرب والجرائم التي وقعت فيه هزت أفكار فرويد، وقلبت تفكيره رأساً على عقب، فاعترف بأوهامه السابقة وتفكيره الخاطئ... وراح يقول:

(ولقد أدت مشاهدة الأعمال التي نتصورها غير مطابقة للمدنية، وما نتج من هذه الأعمال الوحشية من نظرتنا إلى البشر على أنهم مجرمون إلى أن نغرق في الألم والتأثر واليأس. ولكن هذا لا يأس والألم ليسا وجيهين في الحقيقة، وذلك أنا نعتبر سكّان العالم لهذه الجهة منحطين، وقد كنا مخطئين في نظرتنا إليهم قبل الحرب على أنهم في مستوى أخلاقي ومعنوي أعلى مما هم عليه) (1) .

(بعد سرد هذا البيان الموجز الذي يوضح فرويد فيه ضرورة وقوف المدنية أمام الاعتداءات البشرية، يستنتج أن الجهود والمحاولات المبذولة في هذا السبيل لحد الآن لم تكن مثمرة كما ينبغي، ولا تزال الاعتداءات موجودة حلف أستار المجتمع).

(هناك كثير من المتمدنين الذين يستاءون من تصور ارتكاب القتل أو الاتصال الجنسي مع المحارم، ولكن هؤلاء أنفسهم لا يعرضون عن إرضاء جشعهم وحرصهم واعتدائهم وأطماعهم الجنسية).

(إنهم إذا استطاعوا الفرار من العقاب، فسيلحقون الأذى

____________________

(1) انديشه هاى فرويد ص 117.

٣٦٤

بالأفراد الآخرين عن طريق الكذب، والخداع، والفتراء، وما شاكل ذلك...) (1) .

(إن الحكومة تعتبر جميع الأمور المخالفة للعدالة والاعتداءات الأخرى التي لا يسمح بها في الأوقات الاعتيادية مباحة في حال الحرب. ولذلك فإن الحكومة لا تكتفي بالاستعانة بالمكر والحيلة المواجهة العدو فقط، بل لا تمانع من الكذب العمد. ولقد لوحظ أن الكذب والتزوير كانا رائجين في الحرب العالمية بصورة غير مألوفة قبلاً) (2) .

التمدن الفاقد للإيمان:

إن المدينة المادية وأساليب التعليم والتربية التي لا تستند إلى الإيمان تعجز عن أن تقاوم الغرائز عند طغيانها وتحمي البشرية من السقوط والانهيار.

إن الحرب العالمية كشفت اللثام عن الوجه الحقيقي للمدنية بجرائمها التي تضمنتها والاعتداءات التي ارتكبت في أثنائها وأثبتت أن وراء ستار المدنية الزائفة هيكل موحش سفاك تهتز الإنسانية من تصوره، وتخجل أشد أمم العالم وحشية من سماعه.

إن أقوى وأسلم قوة تستطيع صد هجمات الغرائز والسيطرة عليها، وتتمكن من تلطيف حدة المشاعر... هي قوة الإيمان بالله. فالإيمان قادر على أن يقاوم كل الميول والرغبات اللامشروعة وينتصر عليها... القوة الإيمانية تحفظ الإنسان في أخطر لحظات الانحراف والانزلاق في الحياة وتمنع من سقوطه الإيمان بالله قوة لا تغلب ولا تدحر، وملجأ لا يتحطم (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله، فقد استمسك بالعروة الوثقى، لا انفصال لها).

إن أهم طابع يميز مدرسة التربية الإسلامية عن غيرها من الأساليب التربوية البشرية هو (الإيمان بالله).

____________________

(1) انديشه هاى فرويد ص 123.

(2) انديشه هاى فرويد ص 125.

٣٦٥

يشترك الإسلام وعلماء الأخلاق في دعوة الناس إلى الصلاح والاستقامة، لكن الفارق بينهما هو أن العلماء والقائمين على شئون التربية يهتمون قبل كل شيء بالسلوك الظاهري للأفراد، ويحاولون أن يربوا أفراداً مطيعين للقانون، ولا شأن لهم أو دخل في أسلوب تفكيرهم. أما الهدف من التربية في الإسلام فهو أن يتربى الأفراد، مضافاً إلى استقامة سلوكهم على التفكير السليم، وأن لا يحاولوا إلا الصلاح والخير.

النوايا الصالحة:

تهتم الدول المتمدنة والمدارس التربوية في العالم بالسلوك الصحيح للإنسان فقط. أما المذهب التربوي للإسلام فهو يهتم بالنوايا الصالحة والطاهرة للأفراد أكثر من أفعالهم الصالحة.

يقول الرسول الأعظم ( ص): (نية المؤمن خير من عمله) (1) .

وعن الإمام الصادق ( ع) ضمن حديث طويل: (والنية أفضل من العمل، ألا وإن النية هو العمل)، ثم تلا قوله عَزَّ وجَلَّ: ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ) يعني: (على نيته) (2) .

إن الفرد المنقاد للقانون والمطبق للتعاليم الأخلاقية يعد في الدول المتمدنة فرداً صالحاً ومواطناً شاعراً بمسؤوليته ولو كان شعوره الباطن منحرفاً وسيئاً، أما المذهب الإسلامي فيرى أن المسلم الواقعي والشاعر بمسؤوليته هو الذي يعتقد بأساس الإسلام وتعاليمه القانونية والأخلاقية بالدرجة الأولى، ويعتبر ذلك كله دستوراً إلهياً، ومنهجاً قويماً لسعادته ونجاته، ثم يطبق تلك التعاليم وينفذ تلك الأوامر بالدرجة الثانية.

يتحدث المدعي العام للمحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية - الذي يعد من الشخصيات العلمية البارزة هناك - عن هذا الموضوع فيقول:

____________________

(1) الكافي لثقة الإسلام الكليني ج 2|84.

(2) وسائل الشيعة للحر العاملي ج 1|6.

٣٦٦

(للقانون الأمريكي صلة محدودة بتطبيع الواجبات الأخلاقية. ففي الحقيقة يمكن أن يكون المواطن الأمريكي إنساناً منحطاً وفاسداً من الناحية الخلقية. في نفس الوقت يمكن أن يكون فرداً مطيعاً للقانون. ولكن الحال على عكس ذلك في القوانين الإسلامية التي تنبع من إرادة الله، الإرادة التي كشفت لرسوله محمد ( ص)، هذا القانون وهذه الإرادة الإلهية يعتبران جميع المؤمنين مجتمعاً واحداً حتى لو كانوا من قبائل وعشائر مختلفة وموجودين في بلدان متباعدة ومتفرقة. إن المؤمن ينظر إلى هذا العالم على أنه ممر يوصله إلى عالم أرقى وأفضل وأن القرآن قد نظم القواعد والقوانين وأساليب سلوك الأفراد بالنسبة إلى بعضهم البعض وبالنسبة إلى المجتمع بصورة عامة كي يضمن ذلك التحول السليم من هذا العالم إلى العالم الآخر) (1) .

العمل المستند إلى الإيمان:

يستند أساس السعادة الإنسانية في الإسلام إلى دعامتين، الأولى: الإيمان، والأخرى: العمل الصالح. ولقد ورد التصريح بهذا الموضوع في القرآن الكريم في موارد عديدة بصورة: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) ونظائرها. والنكتة التي تجلب الانتباه هنا هي أن الإيمان مقدم على العمل الصالح دائماً، ذلك أن الإسلام يرى أن الأعمال الصالحة يجب أن تستند إلى الاعتقاد الحقيقي، وتنبع من منبع الإيمان وهذا بنفسه هو أجلى صورة للمذهب الإسلامي بهذا الصدد فيما ذكرناه.

إن الأعمال الصالحة التي يكون لها منشأ روحاني وأساس إيماني ثابت في أعماق قلب صاحبها تشبه الشجرة النضرة التي تمتد جذورها في أعماق التربة، وتستمد حيويتها وطراوتها من الغذاء الذي تتناوله عن طريقها.

____________________

(1) مقدمة كتاب ( حقوق دار إسلام) ص ج.

٣٦٧

الرياء والتظاهر:

أما الأعمال الصالحة التي لا تملك أساساً إيماناً ثابتاً، بل يكون منشؤها هو الرياء والتظاهر أمام الناس، أو العادة الاجتماعية... لا تبقى ثابتة أبداً، بل هي معرضة للزوال أمام أبسط عامل مخالف.

إن الإحسان إلى الناس وإعانة الضعفاء من الأعمال الصالحة، فمن يقوم بهذا العم المقدس امتثالاً لأمر الله واحتراماً للإيمان، يعمل في كل مكان، وبلا أي منّة، بل يكون رائده الإخلاص وجلب رضى الله، دون النظر إلى مدح الناس وإطرائهم. أما الذي لا ينبع له إحسانه من رصيد إيماني، بل يكون دافعه إلى ذلك ظروف المحيط، والتظاهر أمام الناس، وانتشار أمره في الصحف والمجلات، فبمجرد أن تنتفي ظواهر الإطراء والمدح وتنقطع المجلات عن الحديث عنه، أو يجهل الناس إحسانه نجد أنه يتقاعس عن الإحسان، أو يتخلى عنه تماماً:

(يقول بعض الملحدين الذين يتميزون بصبغة أخلاقية: لما كانت المشكلة الأساسية هي إطاعة القوانين الأخلاقية، فإننا لو استطعنا تنفيذ هذه القوانين لأصبحنا في غنى عن الدين. هذا التفكير إنما هو علامة الجهل السيكولوجي. ذلك أن الإنسان يشكك دائماً في قيمة القواعد التي لا يعرف منشأها، مضافاً إلى أن سلوكاً كهذا دليل على عدم فهم المشكلة نفسها؛ لأن المقصود أن يتكامل الإنسان في باطنه أولاً كي يستطيع التفكير بصورة أخلاقية، ليس الهدف أن نحث الإنسان على أن يؤدي حركات أخلاقية. فما لم يكن سلوك كل فرد مرآة تعكس تكامله العميق الداخلي، فإن عملياته تعد سلسلة من التحديدات المتصنعة والمؤقتة التي تزول بأبسط مبرر. إن القواعد الأخلاقية إذا فرضت على الإنسان فرضاً فمهما كانت قيمتها العملية عالية، لكنها لا تستطيع أن تكافح الميول الحيوانية بصورة موفقة) (1) .

____________________

(1) سرنوشت بشر ص 216.

٣٦٨

(يرى بعض الكتّاب أنهم أجل من أن يحتاجوا إلى المقرّرات والأنظمة الدينية والأخلاقية، ولا يعتقدون بقيمتها المطلقة. إن سيطرة هؤلاء الأشخاص وانتشار آثارهم يمكن أن تكون هدامة. ولكن الغالبية منهم يغفلون عن هذه الحقيقة. إنهم يسندون أفكارهم إلى كلمات بعض الفلاسفة الكبار التي قرءوها بصورة سطحية أو لم يقرءوها أصلاً، فيرون أن (فولتير) و(داروين) كانا ملحدين والحال أن هذا مخالف للحقيقة.

ولإثبات هذا الادعاء ننقل نصاً لفولتير في موسوعته الفلسفية...).

الإيمان والقيام بالواجب:

إن المؤمنين بالله العظيم، والذين يعمر قلوبهم العشق الإلهي، يسعون في القيام بواجباتهم، والأعمال الصالحة بشوق ونشاط لا يتطرق الملل والكلل إليهما... ولا يتسرب إلى نفوسهم الرياء... إنهم يعملون لله وحده ولا ينتظرون الجزاء إلا من عظمته.

عن أبي عبد الله (ع) في قول الله عَزَّ وجَلَّ: ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) . قال: (ليس يعني أكثر عملاً، ولكن أصوبكم عملاً، وإنما الإصابة: خشية الله والنية الصداقة والحسنة).

ما الذي نستنتجه مما مر؟ إن الإنسان الملحد وحش كاسر!

(إن بعض المهندسين الجاهلين للفلسفة ينكرون العلل الغائية، ولكن الفلاسفة الحقيقيين يذعنون لها. وكما يقول كاتب معروف: إن كتاب الدعاء هو الذي يعرف الله للأطفال، بينما يثبت (نيوتن) وجود الله للمثقفين).

(إن الإلحاد هو العيب المهم في عدة قليلة من الأذكياء والخرافة عيب الحمقى) (1) .

____________________

(1) سرنوشت بشر ص 156.

٣٦٩

الإيمان وتعديل الغرائز:

إن من أهم نتائج الإيمان الواقعي بالله، السيطرة على زمام الغرائز الثائرة، وضبط الرغبات اللامشروعة، فعندما يتحطم سد العقل والعلم والوجدان، ويفق مقاومته أمام الضربات القاصمة للغرائز، يثبت الإيمان بالله خشية الله، والنية الصادقة والحسنة. ثم قال:

(الإبقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل والعمل الخالص: الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عَزَّ وجَلَّ) (1) .

في قوته رصيناً وطيد الأركان... ويمنع من إسراف الغرائز، ويحفظ صاحبه من السقوط الحتمي، وقد اعتبر ذلك من علائم المؤمن في الروايات الإسلامية.

عن أبي جعفر (ع) قال: (إنما المؤمن، الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا سخط لم سخطه من قول الحق، والذي إذا قدر لم يخرجه قدرته إلى التعدي إلى ما ليس له بحق) (2) .

لقد أشار هذا الحديث إلى ثلاثة ميول غريزية يعد كل منها مهواة سحيقة للإنسان. فما أكثر الناس الذين يرتكبون جنايات عظيمة استجابة لإحدى الرغبات النفسية. أما الرجال المؤمنون فإنهم يستطيعون في المواقع الحساسة بمساندة القوى المعنوية أن يحفظوا أنفسهم من التلوث والدنس.

يقول الإمام أمير المؤمنين (ع) ضمن حديث طويل في بيان علائم المؤمن: (لا يحيف في حكمه ولا يجور في عمله، نفسه أصلب من الصلد، حياؤه يعلو شهوته، ووده يعلو حسده، وعفو يعلو حقده) (3) .

الإيمان والعزم:

يشير الإمام علي (ع) في هذه الجمل بعد الإشارة إلى الروح الصلبة والعزم الحديدي للمؤمنين، إلى أن غريزة الشهوة والحسد والانتقام مكبوتة في

____________________

(1) الكافي للكليني ج 2|16.

(2) بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج 15|94.

(3) المصدر السابق ج 15|97.

٣٧٠

نفوس الأشخاص المؤمنين وأن القوة الإيمانية تمنع من إسراف الرغبات المضطربة وهيجانها أكثر من الحد المقرر.

عن أبي عبد الله (ع) قال: (ثلاثة هم أقرب الخلق إلى الله يوم القيامة حتى يفرغ من الحساب: رجل لم تدعه قدرة في حال غضبه أن يحيف على مَن تحت يده، ورجل مشى بين اثنين فلم يمل مع أحدهما على الآخر بشعيرة. ورجل قال بالحق في ما له وعليه) (1) .

في هذا الحديث يبين الإمام الصادق (عليه السلام) غلبة الإيمان على الميول النفسانية في ثلاثة أفراد.

وللرسول الأعظم (ص) بيان آخر يتضمن بعض صفات المؤمن فيقول: (... مشمولاً بحفظ الله، مؤيداً بتوفيق الله، لا يحيف على مَن يبغض، ولا يأثم في من يحب، لا يجوز، ولا يعتدي، لا يقبل الباطل من صديقة، ولا يرد الحق على عدوه) (2) .

إن المؤمنين بخالق الكون هم الرجال الأحرار في العالم وليس للميول النفسانية والحقد والبغضاء طريق إلى نفوسهم، أو مكنة في الانحراف بهم عن السلوك الصحيح والطريق المستقيم.

الإيمان والهدوء النفسي:

إن الأثر الثاني للإيماني بالله يظهر في الهدوء النفسي. إن المؤمنين الحقيقيين مضافاً إلى قدرتهم على تعديل غرائزهم وشهواتهم بفضل الإيمان يقدرون على الاحتفاظ بشخصيتهم أمام هجوم الحوادث، وقبال الضربات الشديدة التي توردها المصائب وآلام الحياة عليهم فلا يصابون بأي اضطراب أو قلق تجاهها.

لقد حاصرت الحوادث والمفاجئات الطبيعية في العالم مثل الموت والمرض والزلزال والفيضان، وما شاكل ذلك، البشر من جهة، والإخفاقات وحالات

____________________

(1) وسائل الشيعة للحر العاملي ج 4|38.

(2) بحار الانوار للعلامة المجلسي ج 15|82.

٣٧١

الفشل والانهيار في الحياة من جهة أخرى... بحيث تلاقي جميع الطبقات الاجتماعية الأمرين من تلك المصائب والويلات.

وكما تخطو البشرية في مجالات المدنية، وتزداد مباهج الحياة يوماً بعد يوم وتفتح العلوم الطبيعية أبواباً جديدة للذة على العالم كلما تتعقد المشاكل الاجتماعية وتتحرك حوافز الحرص والجشع وتثور دوافع حب المال والجاه ويطول الأمل، ويشتد السعي وراء اللذة، وتكثر الرغبات النفسانية. ومن الطبيعي في حاله كهذه، أن تزداد الإخفاقات والانهيارات الروحية ويسود القلق والاضطراب على العام:

مرض القلق:

لقد أدى القلق والاضطراب النفسي إلى تحويل ثلة كبيرة من المتمدنين المعاصرين في العالم إلى مرضى، وهذا المرض المؤلم قد سلب راحة المصابين به من الرجال والنساء.

فنجد البعض منهم يستعينون للحصول على نوم بضع ساعات والاستراحة بأقراص مخدرة ومنومة. أما في اليقظة فصراع دائب مع الآلام الباطنية والقلق المستمر!

والبعض الآخر يلجئون لنسيان أنفسهم لبعض الوقت، والتخلص من شر القلق الداخلي إلى استعمال المشروبات الروحية والحشيشة، وبعملهم هذا يهدمون صرح سعادتهم وسلامتهم.

أما القسم الآخر فإنهم قد فقدوا القدرة على المقاومة بالتدريج على أثر الضغط الروحي المتواصل والقلق المستمر إلى حيث الإصابة بالأمراض النفسية أو الجنون، وقضاء ما تبقى من العمر في مستشفيات المجانين بأسوأ حال وأشنع صورة!

وهناك طائفة تأزمت حالتها تجاه المضايقات الروحية المستمرة إلى درجة أنها أفلتت عنان الاختيار من يدها، وأقدمت على الانتحار هرباً من القلق والألم، وبهذا الوضع المزري ينهون تلك السلسلة من الاضطرابات.

٣٧٢

لقد اهتم قسم كبير من علماء النفس في الآونة الأخيرة بمعالجة مرض القلق الهدام، وألفوا في ذلك الكتب المختلفة، وتوصلوا إلى معالجة المصابين به عن طريق الإيحاء، والتحليل النفسي، وحل العقد النفسية... إن ما لا شك فيه أنهم تحملوا جهوداً كبيرة في هذا السبيل وتوصلوا إلى نتائج مفيدة... ولكن تلك النتائج ضئيلة، ولا يزال يتضاعف عدد المصابين بالأمراض النفسية يوماً بعد يوم.

إن الغارق في بحر القلق والاضطراب الشديد لا يجد من نفسه حافزاً لقراءة الكتب العلمية النفسية، ولا يملك القدرة على فهم تلك القواعد المجردة، كي يستطيع تنفيذ تلك الوصايا، وتخليص نفسه من القلق والاضطراب.

الإيمان وعلاج القلق:

هنا يظهر دور الإيمان الكبير في علاج مرض القلق. فإن المؤمنين يستدون إلى الله تعالى في مد الحياة وجزرها، ويستعينون بألطافه وعناياته باستمرار، ولذلك فهم يملكون أرواحاً قوية، ونفوساً تتحدى التحطيم، ولا يفشلون أمام تقلبات الحياة.

( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (1) . إن المؤمن لا يشعر بالصغار والذلة أبداً لأنه يجد أنه يستند إلى أعظم قوة في الوجود، ذلك هو الله تعالى: ( أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (2) .

وقد ورد عن الإمام الصادق (ع) في تفسير قوله تعالى: ( فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ) قوله (ع): (هي الإيمان بالله وحده لا شريك له) (3) .

كما أن حديثاً آخر يستند هذا الموضوع، ذلك أن الراوي يقول: سألت أبا عبد الله (ع) عن قوله عَزَّ وجَلَّ: ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ

____________________

(1) سورة الأحقاف |13.

(2) سورة الرعد |28.

(3) الكافي ج 2|14.

٣٧٣

الْمُؤْمِنِينَ ) قال: (هو الإيمان). قال: قلت ( وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) ؟ قال: (هو الإيمان). وعن قوله: ( وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى ) ؟ قال: (هو الإيمان) (1) .

لقد ورد التعبير عن الهدوء النفسي، والارتياح الباطني عند المؤمنين في القرآن الكريم بعبارات مختلفة، ولقد قام النبي (ص) والأئمة (ص) والأئمة (ع) بتفسير ذلك كله بالإيمان... فالإيمان هو القوة الرصينة والقدرة التي لا تزلزل والتي إذا حلت في كل قلب، لم يصب ذلك القلب بقلق أصلاً، بل يستطيع أن يثبت في أحرج المواقف.

(يقول ويليام جيمس أبو علم النفس الحديث وأستاذ الفلسفة في جامعة (هارفرد): إن أشد العقاقير تأثيراً في رفع القلق هو الإيمان بالله والاعتقاد الديني) (2) ، (إن الإيمان هو أحد القوى البشرية التي يحيا الإنسان بمددها، وإن فقدانها الكامل يعني سقوط الإنسانية) (3) .

تشكل القيمة المعنوية للإيمان، وآثاره العجيبة في قلوب المؤمنين، فصلاً مستقلاً من فصول علم النفس الحديث في العالم، ذلك أن كثيراً من الأطباء النفسانيين يستفيدون من قوة الإيمان في حل أعقد العقد النفسية عند المصابين!

الإلحاد والقلق:

يعترف العلماء المعاصرون بأن قسماً مهماً من الاضطرابات الباطنية والأمراض النفسية والانتحارات منشؤها فقدان الإيمان. (في الولايات المتحدة الأمريكية يبلغ معدل الانتحار: عملية انتحار واحدة كل (35) دقيقة، ويصاب في كل دقيقتين شخص بالجنون. وإذا كان لهؤلاء نصيب من الهدوء

____________________

(1) الكافي ج 2|15.

(2) دع القلق وابدأ الحياة ص 159.

(3) نفس المصدر 155.

٣٧٤

والاطمئنان اللذين يبعثهما الدين والعبادة للإنسان، كان من الممكن أن يمنع ذلك من حدوث أكثر هذه الانتحارات والإصابات بالجنون).

(يقول الدكتور (كارل جونك) أشهر الأطباء النفسانيين في أحد كتبه: لقد راجعني في طي الثلاثين عاماً الأخيرة أناس من جميع الدول المتمدنة في العالم. وقد عالجت مئات المرضى، ولم يوجد بين جميع هؤلاء المرضى الذين كانوا يقضون النصف الثاني من حياتهم، أي الذين تزيد أعمارهم على الخمس والثلاثين سنة، لم يوجد بينهم واحد لم ترتبط مشكلته بوجدان عقيدة دينية في الحياة في نهاية الأمر. ولذا أستطيع القول بكل تأكيد: إن كلاً منهم كان قد تمرّض لفقدانه ما تهبه الأديان الحية في كل عصر لأتباعها، وإن الذين لم يسترجعوا عقائدهم الدينية لم يوفّقوا للعلاج أصلاً) (1) .

إيمان الأنبياء:

إن أجلى مثال للإيمان وآثاره العجيبة يمكن مشاهدته في تاريخ الأنبياء. إنهم قاموا في ظروف شديدة ومعقدة جداً، مليئة بالأخطار والمشاكل، وكانوا يتعرّضون للموت في كل لحظة، ولكنهم استمروا على بث دعوتهم بلا أي اضطراب أو قلق؛ ذلك أنهم كانوا مؤمنين بالله وكانوا يرون أنفسهم في حماه وتحت كنفه.

ولقد تعلم اتباع الأنبياء دروس الهدوء النفسي من قادتهم فراحوا في ظل إيمانهم بالله أقوياء إلى درجة أنهم لم يتزعزعوا أمام الحوادث والمصائب التي يلاقونها، فلا يقعون فريسة القلق والاضطراب... كان نظرهم متجهاً في الحرب والسلم، في الفقر والغنى، في الموت والمرض... وفي كل الحالات، إلى الله تعالى، متطلّعين إلى رحمته وكرمه.

وعلى سبيل المثال نذكر قصة هذه المرأة المسلمة:

____________________

(1) دع القلق وابدأ الحياة ص 154.

٣٧٥

(خرجت مع صديق لي بالبادية فاضللنا الطريق، فإذا رأينا في يمين الطريق خيمة فقصدناها فسلمنا، فإذا امرأة ردت علينا السلام، فقالت: من أنتم؟ قلنا: ضالين قصدناكم لنأنس بكم. فقالت: أديروا وجوهكم حتى أعمل من حقكم شيئاً، ففعلنا، فقالت: أجلسوا حتى يجيء ابني، وكانت ترفع طرف الخيمة وتنظر. فرفعتها مرة، فقالت: أسأل الله بركة المقبل. وقالت: أما الناقة فناقة ابني، وأما الراكب فليس هو. فلما ورد الراكب عليها قال: يا أم عقيل عظم الله أجرك بسبب عقيل، قالت: ويحك مات عقيل؟ قال: نعم. قالت: بما مات؟ قال: ازدحمته الناقة وألقته في البئر. فقالت له: أنزل وخذ زمام القوم. فقربت إليه كبشاً فذبحه وصنعت لنا طعاماً، فشرعنا في أكل الطعام ونتعجّب من صبرها. فلما فرغنا خرجتْ إلينا وقالت: أيها القوم أفيكم من يحسن في كتاب الله شيئاً؟ قلت: بلى! قالت: اقرأ عليّ آيات أتسلى بها من موت الولد. قلتُ: الله عَزَّ وجَلَّ يقول: ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ... *... الْمُهْتَدُونَ ) ، قالت: الله! هذه الآية في كتاب الله هكذا؟ قلت: أي والله، إن هذه الآية في كتاب الله هكذا، فقالت: السلام عليكم فقامت وصلت ركعات، ثم قالت: اللَّهُم إني فعلت ما أمرتني به، فأنجز لي ما وعدتني به) (1) .

أي قوة غير الإيمان بالله قادرة على تهدئة خاطر امرأة ثكلى بهذه السرعة والسلامة؟! أي قدرة غير الاعتقاد الديني تستطيع إطفاء لهب الحزن والويل من روح أم أصيبت بموت ولدها الشاب، بهذه الفورية؟!

إحياء الفطرة الأولى:

نعود فنلخّص ما ذكرناه فيما سبق، وهو أن الإيمان بالله إحياء لأولى القوى الفطرية عند الإنسان... إن الإيمان بالله كفيل بتنفيذ أوامر الوجدان الأخلاقي... وهو أعظم ملجأ للإنسان، وأكبر عامل للهدوء النفسي

____________________

(1) لئالي الأخبار ص 305 الطبعة الحديثة.

٣٧٦

واطمئنان الخاطر... وبصورة موجزة، فهو أهم أسس السعادة البشرية وأولى المواضيع التي اهتم بها الأنبياء في دعوتهم.

إن المربي الكفء والقدير هو الذي يلفت نظر الطفل منذ الصغر نحو الله تعالى، ويلقنه درس الإيمان به بلسان ساذج بسيط. إن على المربي القدير أن يتحدث إلى الطفل عن رحمة الله الواسعة اتباعاً لمنهج القرآن الكريم، ويبذر في نفسه بذور الأمل، ويفهمه أن اليأس من روح الله ذنب عظيم.

يجب أن يعرف الطفل منذ الصغر أن لا ييأس أمام حوادث الزمان، فالله قادر على حل مشاكله وتيسير أموره. فإن رفعنا يد الحاجة نحوه، ساعدنا على مهمتنا.

على المربي أن يفهم الطفل أن أعظم الواجبات الإنسانية هو جلب رضى الله، وإن رضى الله يكمن في إطاعة أوامره التي بعثها إلينا، عن طريق نبيه العظيم، إن الصدق والأمانة يسبّبان رضى الله، والخيانة تسبّب غضبه.

يجب على المربي أن يوقظ الإحساس بالمسئولية أمام الله في الطفل منذ الطفولة، ويحثه على الشعور بواجبه، وإشعاره بالأسلوب البسيط: أن الله يراقبك في كل حال، ويطلع على أفعالك الصالحة والطالحة، ولا يخفى شيء على الله... إنه يجازيك على حسناتك ويعاقبك على سيئاتك.

إن الآباء والأمهات الذين يحيون الفطرة الإيمانية عند الطفل، ويربونه مؤمناً منذ الصغر، فإنهم يصبون ركائز سعادته بذلك من جهة، ويكونون قد قاموا بأول واجباتهم في التربية من جهة أخرى.

٣٧٧

٣٧٨

المحاضرة الخامسة عشرة:

التربية في ظل العدل والحرية

قال الله تعالى: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) (1) .

حب الكمال:

من الأمور الفطرية عند الإنسان، والتي يمكن أن تكون أساساً ثابتاً لتربية الطفل: غريزة التفوق، وحب الكمال. إن الرغبة في الترقي والتعالي تعتبر من فروع حب الذات المودع في فطرة كل إنسان، وعلى المربي القدير أن يستغل هذه الثروة النفسية، ويقيم شطراً من الأساليب التربوية الصحيحة على هذا الأساس، فيسوق الطفل إلى طريق الترقّي والتعالي.

لقد ورد بهذا الصدد حديث عن الإمام الحسن (ع): أنه دعا بنيه وبني أخيه، فقال: (إنكم صغار قوم، ويوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين، فتعلّموا العلم... فمن لم يستطع منكم أن يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته) (2) .

وفي هذا الحديث نجد أن الإمام الحسن (عليه السلام)، لأجل أن يحث أبناءه وأبناء أخيه على اكتساب العلوم ويشجعهم على ذلك يستفيد من حب الذات والترقي عندهم - وهو أمر فطري - من دون أن يتوسل إلى الزجر والأساليب المخيفة، ويفهمهم أن تحصيل العلم في اليوم، سبيل الوصول إلى العزة والعظمة في الغد.

____________________

(1) سورة آل عمران |159.

(2) بحار الأنوار ج 1|110.

٣٧٩

إن الأسلوب المستعمل في هذا الحديث يعد من أعظم الأساليب في مجال التعليم والتربية في العصر الحديث، فكل أسرة تستطيع أن تشجع أبناءها على تحصيل العلوم بهذا الأسلوب، وتدفعهم منذ البداية إلى التعالي والترقي فإن الأطفال يسعون وراء العلم بدافع ذاتي فيما بعد، ولا يحتاجون إلى التهديد والتعقيب.

التكامل في ظل الحرية:

والنكتة الجديرة بالملاحظة هي أن الإرضاء الصحيح لغريزة حب التفوق والوصول إلى الكمال الحقيقي يمكن أن يتحقق في ظل الحرية والعوامل المساعدة فقط، وبدونها لا يكون نيل الكمال الواقعي ميسراً وبعبارة أوضح: إن الإنسان يستطيع السعي وراء الكمال وإرضاء الميول الباطنية بالنسبة إلى بلوغ طريق التعالي في الصورة التي يكون طريق التقدم مفتوحاً أمامه، ولا تعتاقه العوارض والموانع، فما أكثر الثروات النفسية التي ظلت عاطلة وفاقدة للأثر، لعدم حصولها على العوامل المساعدة، وما أكثر الأشخاص الذين يصطدمون في طريق إحياء استعداداتهم الفطرية بالموانع الطبيعية أو الشخصية أو الاجتماعية أو السياسية ويقفون عندها محرومين من السير في مدارج الكمال والرقي!

إن زهرة صغيرة إذا لاقت عوامل مساعدة وجواً طليقاً وغذاء كافياً، تتفتح أكمامها ويفوح عطرها... وكذلك تكون الاستعدادات الداخلية عند الإنسان فإنها تزدهر وتنمو في الظروف المساعدة، وتعود عليه بالفوائد العديدة.

إن من أهم شروط التعالي والتكامل للأطفال والكبار هو كون الجو الذي يعيشون فيه حراً، ذلك أنه عندما يكفهر وجه المجتمع بالظلم والتجاوز ويسود الاستبداد والضغط الشديد... وحين يحل اليأس محل الأمل، والظلم محل العدل، والاستهتار والفوضى بدل القانون، والخوف بدل الهدوء... فمن المحتم أن ينقطع السبيل إلى التكامل في ذلك المجتمع.

والذين يعيشون في أمثال هذه المجتمعات لا يقدرون على إخراج استعداداتهم الخفية وذخائرهم المعنوية من مرحلة القوة إلى حيز الوجود

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402