الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١١

الغدير في الكتاب والسنة والأدب19%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 402

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 402 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 159940 / تحميل: 3942
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١١

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

قال مولانا وإمامنا سيّد العابدين ، وقبلة أهل الحق واليقين ، سلام الله عليه وعلى آبائه الطاهرين.

« أيّها الخلق المطيع ، الدائب السريع ، المتردّد في منازل التقدير ، المتصرّف في فلك التدبير ».

لفظة « أي » : وسيلة إلى نداء [10 / ب ] المعرّف باللام ، كما جعلوا « ذو » وسيلة إلى الوصف بأسماء الأجناس ، و « الذي » وسيلة إلى وصف المعارف بالجمل ؛ لأنَّ إلصاق حرف النداء بذي اللام يقتضي تلاصق أداتي التعريف ، فإنّهما كمثلين كما قالوا ، وإنَّما جاز في لفظ الجلالة للتعويض ولزوم الكلمة المقدسة ، كما تقرر في محلّه ، واعطيت حكم المنادى ، والمقصود بالنداء وصفها ، ومن ثمّ التزم رفعه ، واقحمت هاء التنبيه بينهما تاكيداً للتنبيه المستفاد من النداء ، وتعويضاً عمّا تستحقه « أي » من الإضافة.

« والخلق » : في الأصل مصدر بمعنى الإِبداع والتقدير ، ثم استعمل بمعنى المخلوق ، كالرزق بمعنى المرزوق.

« والدائب » ـ بالدال المهملة واخره باء موحدة ـ : اسم فاعل من دَأَبَ فلان في عمله أي جدّ وتعب.

و جاء في تفسير قوله تعالى :( وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ ) (1) ، أي مستمرين في عملهما على عادة مقررة جارية(2) ، والمصدر

________________________

(1) إبراهيم ، مكية ، 14 : 33.

(2) تفسير التبيان 6 : 297 / مجمع البيان 3 : 316 / تفسير الفخر الرازي 19 : 128 / الجامع لأحكام

٨١

« دَأْب » باسكان الهمزة وقد تحرك ، ودُؤُب بضمّتين(1) .

« والسرعة » : كيفية قائمة بالحركة ، بها تقطع من المسافة ما هو أطول في زمان مساوٍ أو أقصر ، وما هو مساوٍ في زمن أقصر.

ووصفهعليه‌السلام القمر بالسرعة ربما يعطي بحسب الظاهر أن يكون المراد سرعته باعتبار حركته الذاتية ، وهي التي يدور بها على نفسه.

وتحرك جميع الكواكب بهذه الحركة ممّا قال به جم غفير من أساطين الحكماء ، وهو يقتضي كون المحو المرئي في وجه القمر شيئاً غيرثابت في جرمه ، وإلَّا لتبدل وصفه ، كما قاله سلطان المحققين(2) قدس الله روحه في شرحالإشارات(3) ، وستسمع فيه كلاماً إن شاء الله.

و الأظهر أنَّ ما وصفه بهعليه‌السلام من السرعة إنَّما هو باعتبار حركته العرضية التي بتوسط فلكه ، فإن تلك الحركة على تقدير وجودها غيرمحسوسة ولامعروفة ، والحمل على المحسوس المتعارف أولى.

________________________

القرآن 9 : 367 / المفردات : 174.

(1) الصحاح 1 : 123 / تاج العروس 1 : 242 مادة ( دأب ) فيهما.

(2) سلطان المحققين ، الخواجه نصير الدين الطوسي ، محمد بن محمد بن الحسن الجهروردي القمي.حجة الفرقة الناجية ، فخر الشيعة الإمامية ، ناموس دهره ، فيلسوف عصره ، افضل الحكماء والمتكلمين ، سلطان العلماء والمحققين ، علامة البشر ، نصير الملة والدين ، الذي ارتفع صيته في الآفاق ، خضع له الموافق والمخالف؛ له مكتبة تناهز الأربع مئة ألف كتاب ، أقام المنجمين والفلاسفة ، ووقف عليهم الأوقاف ، أسس المرصد المعروف بمراغه ، زها العلم في زمنه ؛ له مؤلفات منها تحرير اقليدس ، تحرير المجسطي ، شرح الاشارات ، الفصول النصيرية ، الفرائض النصيرية ، التذكرة النصيرية ، وغيرها.

مات سنة 672 هـ = 1273 م ودفن في الروضة المطهرة الكاظمية.

انظر : روضات الجنات 6 : 300 رقم 588 / تاسيس الشيعة : 395 / تنقيح المقال 3 : 179 رقم 11322 / شذرات الذهب 5 : 339 / البداية والنهاية 13 : 267 / جامع الرواة 2 : 188 / تاريخ مختصر الدول : 286 / فوات الوفيات 3 : 246 رقم 414 / تاريخ آداب اللغة العربية 2 : 245رقم 1 / أعيان الشيعة 9 : 414 / نقد الرجال : 331 رقم 691 / أمل الآمل 2 : 299 رقم 904.

(3) شرح الاشارات والتنبيهات 2 : 34.

٨٢

و سرعة حركة القمر(1) بالنظر الى سائر الكواكب ؛ أما الثوابت فظاهر ، لكون حركتها أبطأ الحركات حتى أنَّ القدماء لم يدركوها ؛ وأمَّا السيارات فلأن زحل[11 / أ] يتم الدور في ثلاثين سنة ، والمشتري في اثنتي عشرة سنة ، والمريخ في سنة وعشرة أشهر ونصف ، وكلاً من الشمس والزهرة وعطارد في قريب سنة ، وأما القمر فيتم الدور في قريب من ثمانية وعشرين يوماً.

هذا ولا يبعد أن يكون وصفهعليه‌السلام القمر بالسرعة باعتبار حركته المحسوسة على أنّها ذاتية له ، بناء على تجويز كون بعض حركات السيارات فيأفلاكها من قبيل حركة الحيتان في الماء ، كما ذهب إليه جماعة ، ويؤيده ظاهر قوله تعالى :( وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (2) .

ودعوى امتناع الخرق على الأفلاك لم تقرن بالثبوت ، وما لفَّقه الفلاسفة لاثباتها أوهن من بيت العنكبوت ؛ لابتنائه على عدم قبول الأفلاك باجزائها للحركة المستقيمة ، ودون ثبوته خرط القتاد(3) ، والتنزيل الإلهي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ناطق بانشقاقها(4) .

وما ثبت من معراج نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بجسده المقدس الى السماء السابعة صاعداً شاهد بانخراقها.

________________________

(1) في هامش بعض النسخ ما لفظه : نُقل عن بعض الأكابر أنّ ما يدل على سرعة حركة القمر ـ أيضاً ـ التناسب العددي ببن « القي » واسم « السريع » ، إذ كلّ منهما ثلاثمائة وأربعون ، والتناسببحسب النقاط أيضاً ، هو من الأسرار!!!.

(2) الأنبياء ، مكية ، 21 : 33.

(3) قوله : « دون ثبوته خرط القتاد » مثل مشهور يضرب للدلالة على استحالة حصول شيء ما والقتاد : شجر شاك صلب فيه مثل الابر ، والخرط نزع قشر الشجر جذباً بالكف. والمعنى أنتحمل نزع قشر القتاد أهون من حصول العمل.

انظر : لسان العرب 3 : 342 و 7 : 284 / مجمع الامثال 1 : 265 ت 1395. (4) المراد بانشقاقها : انشعاب فيها في القيامة ، كقوله تعالى « وانشقت السماء فهي يومئذ واهية » [ الحاقة ، مكية ، 69 : 16 ] وقوله تعالى : « إذا السماء انفطرت ، وإذا الكواكب انتثرت » [ انفطار ، مكية ، 82 : 1 و 2 ] إلى غير ذلك من الآيات ، « منه ». قدس سره ، هامش الأصل.

٨٣

تكملة :

أرادعليه‌السلام بمنازل التقدير منازل القمر الثمانية والعشرين ، التي يقطعها في كل شهر بحركته الخاصة ، فيرى كلّ ليلة نازلاً بقرب واحد منها ، قال الله تعالى :( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) (1) .

و هي : الشرطان ، والبطين ، والثريا ، والدّبران ، والهقعة ، والهنعة ، والذراع ، والنثرة [ 11 / ب ] ، والطرف والجبهة ، والزبرة ، والصرفة ، والعواء ، والسماك الأعزل ، والغفر ، والزبانا ، والإكليل ، والقلب ، والشولة ، والنعائم ، والبلدة ، وسعد الذابح ، وسعد بلع ، وسعد السعود ، وسعد الأخبية ، والفرغ المقدم ، والفرغ المؤخر ، والرشاء.

و هذه المنازل مشهورة فيما بين العرب ، متداولة في محاوراتهم ، مذكورة في أشعارهم ، وبها يتعرفون الفصول(2) ، فإنهم لما كانت سنوهم ـ لكونها باعتبار الأهلّة ـ مختلفة الأوائل لوقوعها في وسط الصيف تارة وفي وسط الشتاء اخرى ، احتاجوا إلى ضبط السنه الشمسية ، ليشتغلوا في أشغال كل فصل منها بما يهمّهم في ذلك الفصل ، فوجدوا القمر يعود إلى وضعه الأوَّل من الشمس في قريب من ثلاثين يوماً ، ويختفي في أواخر الشهر ليلتين أو ما يقاربهما ، فاسقطوا يومين من زمان الشهر فبقي ثمانية وعشرون ، وهو زمان ما بين ظهوره بالعشيات في أول الشهر وآخر رؤيته بالغدوات في أواخره ، فقسموا دور الفلك على ذلك ، فكان كلّ قسم اثنتي عشرة درجة وإحدى وخمسين دقيقة تقريباً ، فسمّوا كل قسم منزلاً ، وجعلوا لها علامات من الكواكب القريبة من المنطقة ، وأصاب كلّ برج من البروج الاثني عشر منزلان وثلثاً.

ثم توصلوا إلى ضبط السنة الشمسية بكيفية قطع الشمس[ 12 / أ ] لهذه

________________________

(1) يس ، مكية ، 36 : 39.

(2) للتوسعة في معرفة ذلك أنظر : عجائب المخلوقات : 33 ذيل حياة الحيوأن / وعلم الفلك.

٨٤

المنازل ، فوجدوها تقطع كلّ منزل في ثلاثة عشر يوماً تقريباً.

وذلك لأنهم رأوها تستتر دائماً ثلاثة منها ما هي فيه بشعاعها ، وما قبلهابضياء الفجر ، وما بعدها بضياء الشفق.

فرصدوا ظهور المستتر بضياء الفجر ، ثم بشعاعها ثم بضياء الشفق فوجدوا الزمان بين ظهوري كل منزلين ثلاثة عشر يوما بالتقريب ، فأيام المنازل ثلاثمائة وأربعة وستون ، لكنّ الشمس تعود إلى كل منزل بعد قطع جميعها في ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً ، وهي زائدة على أيَّام المنازل بيوم ، فزادوا يوماً في منزل الغفر ، وانضبطت لهم السنة الشمسية بهذا الوجه ، وتيسر لهم الوصول إلى تعرّف أزمان الفصول وغيرها.

تذنيب :

القمر إذا أسرع في سيره فقد يتخطى منزلاً في الوسط ، وإن أبطأ فقد يبقى ليلتين في منزل ، أول الليلتين في أوله ، وآخرهما في آخره ، وقد يرى في بعض الليالي بين منزلين.

فما وقع في الكشاف ، وتفسير القاضي عند قوله تعالى :( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ ) (1) من أنه ينزل كل ليلة في واحد منها لا يتخطاه ولايتقاصر عنه(2) ، ليس كذلك فاعرفه.

إكمال :

الظاهر أن مرادهعليه‌السلام بتردد القمر في منازل التقدير ، عوده اليها في الشهر اللاحق بعد قطعه إياها في السابق ، فتكون كلمة « في » بمعنى إلى ، ويمكنأن تبقى على معناها الأصلي بجعل المنازل ظرفاً للتردد ، فان حركته التي يقطع بها تلك المنازل لما كانت مركبة من شرقية وغربية جعل كانه لتحركه فيها بالحركتين

________________________

(1) يس ، مكية ، 36 : 39.

(2) تفسير الكشاف 4 : 16 ، انوار التنزيل 4 : 188.

٨٥

المختلفتين متردد يقدّم رجلاً ويؤخر أُخرى.

وأما على رأي من يمنع جواز قيام الحركتين المختلفتين بالجسم ، ويرى أنّ للنملة المتحركة بخلاف حركة الرحى سكوناً حال حركة الرحى ، وللرحي سكوناً حال حركتها ، فتشبيهه بالمتردد أظهر كما لا يخفى.

إيضاح :

« الفلك » ، مجرى الكواكب ، سمّي به تشبيهاً بفلكة المغزل(1) في الاستدارة والدوران.

قال : الشيخ أبو ريحان البيروني(2) : إنَّ العرب والفرس سلكوا في تسمية السماء مسلكاً واحداً ، فإن العرب تسمي السماء فلكاً تشبيهاً لها بفلك الدولاب والفرس سموها بلغتهم آسمان ، تشبيها لها بالرحى فإنّ « آس » هو الرحى بلسانهم ، و « مان » دال على التشبيه(3) ، انتهى [12 / ب].

والمراد بـ « فلك التدبير » ، أقرب الأفلاك التسعة إلى عالم العناصر ، أي : الفلك الذي به تُدبّر بعض مصالح عالم الكون والفساد.

وقد ذكر بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى :( فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ) (4) أنّ المراد بها الأفلاك(5) ؛ وهو أحد الوجوه التي أوردها الشيخ الجليل أمين

________________________

(1) انظر : لسان العرب 10 : 478 ، مادة ( فلك ).

(2) محمد بن أحمد البيروني الخوارزمي ، من نوابغ العلماء ، فيلسوف رياضي ، سكن الهند فترة ، له المام بالفلسفة اليونانية والهندية ، اشتهر بالهيئة ، له مؤلفات كثيرة محصورة في فهرست مخصوص بها ، يقع في ستين صفحة ، منها : التفهيم ، الآثار الباقية ، الجماهر.

والبيروني قيل نسبة إلى سكناه خارج خوارزم ، بناءاً على قراءتها بالتخفيف ، وقيل أنها مدينة في السند. مات سنة 440 هـ = 1048 م له ترجمه في : اللباب 1 : 197 / عيون الأنباء : 459 / الأعلام 5 : 314 / معجم الادباء 17 : 180 رقم 62 / تاريخ مختصر الدول : 186 / روضات الجنات 7 : 351 رقم 669 / الذريعة 1 : 507 رقم 2501 / وانظر مقدمة التفهيم الفارسية.

(3) التفهيم لأوائل صناعة التنجيم : 45 / وانظر فرهنك جامع آنندراج 1 : 72.

(4) النازعات ، مكية ، 79 : 5.

(5) اختلفت مذاهب المفسرين في قبول ذلك ورده أنظر كلاّ من : القرطبي في تفسيره

٨٦

الإسلام أبو علي الطبرسيرضي‌الله‌عنه في تفسيره الكبير الموسوم بمجمع البيان ، عند تفسيرهذه الآية(1) .

ويمكن أن يكون على ضرب من المجاز ، كما يسمى ما يقطع به الشيء قاطعاً.

وربّما يوجد في بعض النسخ : « المتصرف في فلك التدوير » ، وهو صحيح أيضاً ، وإن كانت النسخة الاُولى أصح ، والمراد به رابع أفلاك القمر ، وهو الفلك الغير المحيط بالأرض ، المركوز هو فيه ، المتحرك ـ أسفله على توالي البروج ، وأعلاه بخلافه ، مخالفاً لسائر تداوير السيارة ـ كلّ يوم ثلاث عشرة درجة وثلاث دقائق وأربعاً وخمسين ثانية. وهو مركوز في ثخن ثالث أفلاكه لمسمى بالحامل ، المباعد مركزه مركز العالم بعشر درج ، المتحرك على التوالي كلّ يوم أربعاً وعشرين درجة واثنتين وعشرين دقيقة وثلاثاً وخمسين ثانية.

وهو واقع في ثخن ثاني أفلاكه المسمى بالمائل الموافق مركزه مركز العالم ، المماسّ مقعّره محدب النار الفاضل عن الحامل الموافق له في ميل منطقته عن منطقة البروج بمُتِّمَمين متدرجي الرّقة إلى نقطتي الأوج والحضيض ، المتحرك على خلاف التوالي كل يوم إحدى عشرة درجة وتسع دقائق وسبع ثوان.

وهو واقع في جوف أول أفلاكه المسمى بالجوزهر الموافق مركزه مركز العالم ، ومنطقته منطقة البروج ، والمماسّ محدّبه مقعر ممثل عطارد ، المتحرك كالثاني كلّ يوم ثلاث دقائق واحدى عشرة ثانية.

* * *

________________________

91 : 491 / والفخر الرازي في تفسيره 31 : 27 ـ 32 بتفصيل فيهما ، وتفسير أبو السعود 9 : 96 / والبيضاوي 5 : 171 / والبحر المحيط 9 : 491 / والنهر الماد 8 : 418 / الكشاف4 : 693.

(1) مجمع البيان 5 : 430

٨٧

وهم وتنبيه :

من غرائب الأوهام ما حكم به صاحب المواقف(1) ، من أنَّ غاية الغلظ في كلّ من المتممين مساوية لبعد مركز الحامل عن مركز العالم(2) .

و هذا مما يكذبه العيان ويبطله قاطع البرهان [13 / أ] ، وكونها ضعفا له مما لا ينبغي أن يرتاب فيه من له أدنى تخيل ، ويمكن إقامة البرهان عليه بوجوه عديدة.

ويكفي في التنبيه عليه أنَّ التفاضل بين نصفي قطري الحامل والمائل بقدرما بين المركزين ، فيكون ضعف ذلك تفاضل القطرين(3) .

ولنا على ذلك برهان هندسي أوردناه في شرحنا على شرح الجغميني(4) .

والعجب من المحقق الدواني(5) كيف وفق صاحب المواقف على ذلك الوهم ،

________________________

(1) عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار ، عضد الدين الفارسيّ ، ألشافعي ، الملقب بالعضدي أوالعضد الايجي ، نسبة الى بلدة في نواحي شيراز ، أخذ عن مشايخ عصره أمثال الشيخ الهنكي ، ولازمه ، ولي القضاء للمماليك ، برع في المعقول والأصول والمعاني والعربية ، له شرح المختصر ، والمواقف في الكلام ، تلمذ عليه الكرماني ، والعفيفي ، والتفتازاني. له محنة مع صاحب كرمان حبسه على أثرها فمات في الحبس سنة 756 هـ = 1355 م.

له ترجمة في : الدرر الكامنة 2 : 322 رقم 2278 / طبقات الشافعية الكبرى 6 : 08 1 / شذراتالذهب 6 : 174 / هدية ألأحباب : 218 / بغية الوعاة 2 : 75 رقم 1476 / روضات الجنات 5 : 49 رقم 438 / معجم المؤلفين 5 : 119 / الأعلام 3 : 295 / الكنى والألقاب 2 : 472.

(2) المواقف : 208.

(3) تاتي الإشارة إلى البرهان على ذلك قريبا ، وأورد الاعتراض بصورة مفصلة مع البرهان في الكشكول 2 : 348.

(4) ألجغميني : تسمية للكتاب باسم نسبة المؤلف ، إذ اسمه الأصلي ملخص الهيئة أو الهيئة البسيطة ومؤلفه محمود بن محمد بن عمر الجغميني ، وجغمين من قرى خوارزم له شروح ولشروحه شروح منها شرح الشيخ المصنفقدس‌سره ولا زأل الشرح مخطوطا.

(5) محمد بن أسعد الصديقي الدواني ، جلال الدين الحكيم المتكلم ، من أفاضل المحققين والفلاسفة

٨٨

وأصرَّ على حقيته قائلاً : إن البرهان القائم على خلافه مخالف للوجدان فلا يلتفت إليه.

وأعجب من ذلك أنَّه استدلَّ على حقية ما زعمه حقاً بأنه لو فرض تطابق المركزين ثم حركة الحامل إلى الأوج فبقدر ما يتباعد المركزان يتباعد المحيطان(1) .

وأنت ، وكل سليم التخيل تعلمان أن دليله هذا برهان تامّ على نقيض مدّعاه ، فإيراده له من قبيل إهداء السلاح إلى الخصم حال الجدال ، وصدورمثله عجيب من مثله.

تبصرة :

لا يبعد أن تكون الإضافة في « فلك التدبير » من قبيل إضافة الظرف إلى المظروف ، كقولهم مجلس الحكم ، ودار القضاء ، أي الفلك الذي هو مكان

________________________

في القرن التاسع ، سطع نجمه في بلدته شيراز مهد الفلسفة ، استبصر آخر أمره ، له كتب منها شرح هياكل ألنور ، ألأربعون السلطانية ، شرح خطبة الطوالع ، وغيرها تصل الى ألستين مؤلفاً اختلف في تاريخ وفاته فقيل : 902 ، 906 ، 907 ، 908 ، 918 ، 928 هـ = 1496 ـ 1521 م.

له ترجمة في : هدية الأحباب : 154 / الضوء اللامع 7 : 133 / شذرات ألذهب 8 : 170 ، معجم المؤلفين 9 : 47 / الأعلام 6 : 32.

(1) حاصل البرهان على ما جاء في الكشكول 2 : 204 هو :

إذا تماست دأئرتان من داخل صغرى وعظمى ، فغاية البعد بين محيطيهما بقدر ضعف ما بين مركزيهما ، كدائرتي « أ ب حـ ، أ د هـ » ألمتماستين على نقطة « أ » ، وقطر العظمى « أ هـ » ، وقطر الصغرى « ا حـ » وما بين المركزين « رح ». فخط « حـ هـ » ضعف خط « رح » ؛ لأنا إذا توهمنا حركة الصغرى لينطبق مركزها على مركز العظمى ، ونسميها حينئذٍ دائرة « ط ي » فقد تحرك محيطها على قطر العظمى بقدر حركة مركزها فخطوط « أ ط ر ح ى » متساوية ، وخطا « أ ط ى هـ » متساويان أيضاً ، لأنهما الباقيان بعد أسقاط نصفي قطر الصغرى من نصفي قطر العظمى ، فخط « رح » ألذي كان يساوي خط « أ ط » يساوي خط « ي هـ » أيضا ، وقد كان يساوي خط « حـ ي » ، فخط « حـ هـ » ضعف خط « رح » وذلك ما أردناه ، والتقريب ظاهر كما لا يخفى.

لاحظ الشكل :

٨٩

التدبير ومحله ، نظراً إلى أنَّ ملائكة سماء الدنيا يدبرون أمر العالم السفلّي فيه ، أو إلى أنَّ كلاً من السيارات السبع تدبر في فلكها أمراً هي مسخرة له بأمرخالقها ومبدعها ، كما ذكره جماعة من المفسرين [13 / ب] في تفسير قوله تعالى :( فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ) (1) (2) .

و يمكن أن يراد بـ « فلك التدبير » مجموع الأفلاك التي تتدبر بها الأحوال المنسوبة إلى القمر بأسرها ، وتنضبط بها الأمور المتعلقة به بأجمعها ، حتى تشابه حركة حامله حول مركز العالم ، ومحاذاة قطر تدويره نقطة سواه إلى غيرذلك.

وتلك الأفلاك الجزئية هي الأربعة السالفة مع ما زيد عليها لحل ذينك الإشكالين ، ومع ما لعلَّه يُحتاج إليه أيضا في انتظام بعض أموره وأحواله التي ربما لم يطلع عليها الراصدون في أرصادهم ، وإنما يطلع عليها المؤيدون بنور الإمامة والولاية.

________________________

(1) النازعات ، مكية ، 79 : 5.

(2) تقدمت الإشارة إليهم في الهامش رقم « 5 » صحيفة : 15 وقد جاء في هامش الأصل ما لفظه :

روى الشيخ الجليل أبو علي في تفسيره الصغير [ جمع الجوامع 2 : 600] قولاً : بان المقسّمات فيقوله تعالى « فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا » [ الذاريات ، مكية ، 51 : 4 ] هي الكواكب ، منه. قدّس سرّه.

٩٠

وحينئذٍ يراد بالتدبير التدبير الصادر عن الفلك نفسه ، وتكون اللام فيه للعهد الخارجي ، أي التدبير الكامل الذي ينتظم به جميع تلك الأمور ، والله أعلم.

تتمة :

لا يبعد أن يراد بـ « فلك التدبير » الفلك الذي يدبره القمر نفسه ، نظرا إلى ما ذهب إليه طائفة من أن كلّ واحد من السيارات السبع مدبِّر لفلكه ، كالقلب في بدن الحيوان.

قال سلطان المحققين ، نصير الملة والحق والدين قدس الله روحه ، في شرح الإشارات : ذهب فريق إلى أن كل كوكب منها ينزل مع أفلاكه منزلة حيوان واحد ذي نفس واحدة ، تتعلق بالكوكب أول تعلقها ، وبأفلاكه بواسطة الكوكب ، كما تتعلق نفس الحيوان بقلبه أولاً ، وبأعضائه الباقية بعد ذلك ، فالقوة المحركة منبعثة عن الكوكب الذي هو كالقلب في أفلاكه ، التي هي كالجوارح والأعضاء الباقية(1) ، انتهى كلامه زيد إكرامه.

ويمكن أن يكون هذا هومعنى ما أثبته له [14 / أ]عليه‌السلام من التصرف في الفلك ، والله أعلم بمقاصد أوليائه سلام الله عليهم أجمعين.

خاتمة :

خطابهعليه‌السلام للقمر ، ونداؤه له ، ووصفه إيَّاه بالطاعة والجد ، والتعب والتردد في المنازل ، والتصرف في الفلك ، ربما يعطي بظاهره كونه ذا حياة وإدراك ، ولا استبعاد في ذلك نظراً إلى قدرة الله تعالى ، إلّا أنّه لم يثبت بدليل عقليّ قاطع يشفي العليل ، أو نقليّ ساطع لا يقبل التأويل ، نعم أمثال هذه الظواهر ربما تشعر به ، وقد يُستند في ذلك بظاهر قوله تعالى :( وَالشَّمْسِ

________________________

(1) شرح الإشارات والتنبيهات 2 : 32.

٩١

وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (1) ، فإن الواو والنون لا تستعمل حقيقة لغير العقلاء.

و قد أطبق الطبيعيون على أنَّ الأفلاك بأجمعها حية ناطقة عاشقة ، مطيعة لمبدعها وخالقها ، وأكثرهم على أنَّ غرضها من حركاتها نيل التشبه بجنابه ، والتقرب إليه جل شأنه ، وبعضهم على أن حركاتها لورود الشوارق القدسية عليها آناً فآنا ، فهي من قبيل هزَّة الطرب والرقص الحاصل من شدّة السرور والفرح.

و ذهب جمّ غفير منهم إلى أنه لا ميت في شيء من الكواكب أيضا ، حتى اثبتوا لكلّ واحد منها نفساً على حِدَة تحركه حركة مستديرة على نفسه ، وابن سينا(2) في الشفاء مال إلى هذا القول ورجحه(3) وحكم به في النمط السادس من الإشارات(4) ، ولو قال به قائل لم يكن مجازاً ، فإن كلام ابن سينا وأمثاله وإن لم يكن حجة يركن إليها الديانيون في أمثال هذه المطالب ، إلاّ إنه يصلح للتأييد.

و لم يرد في الشريعة المطهرة ـ على الصادع بها وآله أفضل الصلوات وأكمل التسليمات ـ ما ينافي ذلك القول ، ولا قام دليل عقليّ على بطلانه.

وإذا جاز أن يكون لمثل البعوضة والنملة فما دونها حياة ، فأيّ مانع من أن

________________________

(1) الأنبياء ، مكية ، 21 : 33.

(2) ابن سينا ، الحسين بن عبد الله بن سينا البخاري ، أبو علي الملقب بالشيخ الرئيس ، الفيلسوف الشهير ، نادرة الزمان ، أعجوبة الدهر ، له مشاركة في أغلب العلوم والفنون ، افتى على المذهب الحنفي وعمره اثنتا عشرة سنة ، صنف القانون في الطب ولما يبلغ السابعة عشرة ، له الشفاء ، والإشارات ، وغيرها كثير ، أخذ الفقه عن أسماعيل الزاهد ، والفلسفة والمنطق ، عن النائلي ، وأعتمد على نفسه في حل أكثر المطالب ، مات سنة 427 وقيل 28 هـ = 1035 ـ 1036 م.

له ترجمة في روضات الجنات 3 : 170 ت 268 / وفيات الأعيان 2 : 157 ت 190 / مرآة الجنان 3 : 47 / الكنى وألألقاب 1 : 320 / عيون الأنباء : 437 / خزانة ألأدب 4 : 466 / لسان الميزان 2 : 291 ت 1218 / سير أعلام النبلاء 17 : 531 ت 356 / الجواهر المضية 2 : 63 / البداية والنهاية12 : 42 / ميزان ألاعتدال 1 : 539 ت 2014 / دائرة ألمعارف الاسلامية 1 : 203 / وغيرها كثير.

(3) الشفاء 2 : 45 ، الفصل السادس ، حركات الكواكب من السماء والعالم ، قسم الطبيعيات.

(4) الاشارات والتنبيهات 2 : 34.

٩٢

يكون لمثل تلك الأجرام الشريفة أيضاً ذلك.

وقد ذهب جماعة إلى أنَّ لجميع إلأشياء نفوساً مجرَّدة ونطقاً ، وج علوا قوله تعالى :( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ ) (1) محمولاً على ظاهره.

وليس غرضنا من هذا الكلام توجيح القول بحياة الأفلاك ، بل كسر سورة استبعاد المصرين على ، إنكاره وردّه ، وتسكين صولة المشنعين على من قال به أو جوّزه.

وقد قدمنا في فواتح هذا هذا الشرح ـ الذي نسأل الله أن يوفقنا لإتمامه ـ كلاماً مبسوطاً في هذا [ 14 / ب ] الباب ، ذكرنا ما قيل فيه من الجانبين(2) ، والله الهادي.

* * *

________________________

(1) الاسراء ، مكية ، 17 : 44.

(2) هذا وغيره كثير مما يأتي يدل على أنه كتب غير هذا الشرح أيضا لباقي الأدعية ، ولكن لم تصل الينا لحد ألآن ، نسأل الله التوفيق للعثور على الباقي.

٩٣

قال مولانا وإمامناعليه‌السلام :

« امنت بمن نوّر بك الظُلمَ ، وأوضح بك البُهَم ، وجعلك آية من ايات ملكه ، وعلامة من علامات سلطانه ، وامتهنك بالزيادة والنقصان ، والطلوع والاُفول ، والإنارة والكسوف ، في كلّ ذلك أنت له مطيع ، وإلى إرادته سريع ».

« الإيمان » ، وان اختلفت الاُمة في أنه التصديق القلبي وحده ، أو الإقرار اللساني وحده ، أو كِلا الأمرين معا ، أو أحدهما ، أو مع العمل الأركاني ، كما تقدم تفصيله وتحقيق الحق فيه في فواتح هذا الشرح(1) .

________________________

(1) الإيمان في اللغة هو التصديق أو إظهار الخضوع والقبول. يقال : آمن بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآمنت به ، اي صدقته وأظهرت له الخضوع والقبول لما يقوله.

انظر : الصحاح 5 : 2071 / القاموس 1518 / مجمل اللغة 1 : 102 / ومعجم مقاييس اللغة.

وبتفصيل في لسان العرب 13 : 23.

وفي عرف أهل الكلام من ألمسلمين على أربعة معان هي :

1 ـ الإيمان : فعل قلبي ، وهو قسمان :

أ ـ تصديق خاص أي تصديق الرسول الأعظم بما جاء به من الله تعالى مع حفظ المظاهر ـ إجمالاً أوتفصيلاً ـ ذهب إليه الأشاعرة والماتريديه ، ومن المعتزلة الصالحي وابن الراوندي.

ب ـ معرفة الله تعالى مع توحيده بالقلب ، وأضاف قسم منهم : وما جاء به الرسل. والإقرار اللساني بركن فيه عندهم. ذهب إليه الجهمية ، وبعض الفقهاء.

2 ـ الإيمان عمل لساني ، وهو قسمان :

أ ـ إضافة المعرفة القلبية ، واليه ذهب غيلان الدمشقي.

ب ـ الإيمان مجرد الإقرار اللساني لا غير ، واليه مال الكرامية.

٩٤

.............................................................................

________________________

3 ـ الإيمان عمل القلب واللسان معا ، وفيه أقوال :

أ ـ إقرار باللسان ، ومعرفة بالقلب ، واليه ذهب أبو حنيفة ، وأغلب الفقهاء ، وقسم من المتكلمين.

ب ـ تصديق بالقلب واللّسان معاً ، وهو قول الأشعري ، والمريسي.

ج ـ اقرار باللسان واخلاص بالقلب.

4 ـ الإيمان فعل بالقلب واللسان وسائر الجوارح ، واليه ذهب أصحاب الحديث ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، والاوزاعي ، والمعتزلة ، والخوارج ، والزيدية.

ولآراء الجميع تفصل في كتبهم.

هذا ، وما لنا ولأقوألهم وآرائهم ، هاك قول أمير المؤمنين عليه السلام : « الإيمان : معرفة بالقلب ، وإقرار باللّسان ، وعمل بالأركان » نهج البلاغة ، الحكمة 227.

وقول الإمام الصادق عليه السلام :

« ليس الإيمان بالتحلّن ، ولا بالتمنّي ، ولكن الإيمان ما خلص في القلب وصدقه الأعمال ».

وهكذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « الإيمان قول وعمل أخوان شريكان ».

وقول الإمام الرضا عليه السلام :

« الإيمان : عقد بالقلب ، ولفظ باللّسان ، وعمل بالجوارح ، لا يكون ألإيمان إلّا هكذا ».

ولا يخفى أنَّ الإيمان أمر ـ مفهوم ـ إعتباري ، قابل للزيادة والنقصان ، والشدّة وألضعف ، وعليه شواهد من القران الكريم والروايات.

والاسلام : يتحقق بإظهار الشهادتين فقط لا غير ، فتكون النسبة بينه والإيمان هي العموم والخصوص المطلق ، إذ كل مؤمن مسلم وزيادة. وليس كلّ مسلم مؤمنا. والقرآن الكريم شاهد عليه ، قال الثه تعالى : «قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم » [ الحجرات ، مدنية ، 49 : 14]

وهكذا قول الإمام الصادق عليه السلام : « الإسلام : شهادة أن لا إله إلّا الله ، والتصديق برسول الله (ص) ؛ به حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث ، وعلى ظاهره جماعة الناس. والايمان : الهدى ، وما ثبت في القلوب من صفة الإسلام ، وما ظهر من العمل ، وألإيمان أرفع من الإسلام بدرجة ».

وإلى الفرق بينهما اشار عليه السلام كما في الكافي « الإيمان إقرار وعمل ، والإسلام إقرار بلاعمل ».

هذا هو رأي الشيعة الإمامية الإثني عشرية بنحو الإجمال ، وللتوسعة في جميع ما تقدم ينظر :

الكافي 2 : 24 ـ 28 / معاني الأخبار : 186 ، باب معنى الاسلام والايمان / حق اليقين للسيد شبر2 : 331 بتفصيل لطيف / تفسير ألقرآن الكريم للمولى الشيرازي 1 : 245 / بحار الأنوار65 : 225 ـ 309 / إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين : 436 / تجريد الاعتقاد : 309 / كشف

٩٥

إ لَّا أنَّ الإيمان المعدى بالباء لا خلاف بينهم في أنَّه التصديق القلبي بالمعنى اللغوي.

و « النور » والضوء مترادفان لغة ، وقد تسمى تلك الكيفية إن كانت من ذات الشيء ضوءاً ، وإن كانت مستفادة من غيره نورا ، وعليه قوله تعالى :( جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا ) (1) .

و « الظُلَم » : جمع ظلمة ، ويجمع على ظُلُمات أيضاً ، وهي عدم الضوء عما من شأنه أن يكون مضيئا(2) .

و « البُهَم » ـ بضم الباء الموحدة وفتح الهاء ـ : جمع بُهْمة ، بضم الباء وإسكان الهاء ، وهي مما يصعب على الحاسة إدراكه إن كان محسوساً ، وعلى الفهم إن كان معقولاً(3) .

و « الآية » : العلامة.

و « السلطان » : مصدر بمعنى الغلبة والتسلط ، وقد يجىء بمعنى الحجة والدليل ، لتسلطه على القلب وأخذه بعنانه.

و « المِهْنة » ـ بفتح الميم ، وكسرها ، واسكان الهاء ـ : الخدمة والذل والمشقة ، والماهن : الخادم.

و « امْتهنه » : استعمله في المهنة.

و « طلوع » الكوكب : ظهوره فوق الأفق أومن تحت شعاع الشمس.

________________________

المراد : 454 / توضيح المراد : 874 / تفسير القمي 1 : 30 / مقالات الاسلاميين : 132 / 266 / الفصل في الملل والنحل 3 : 225 / 39 / الذريعة إلى مكارم الشريعة 1 : 126 ـ 130 / فتح القدير 1 : 34 / الكشاف 1 : 37 / كشاف اصطلاحات الفنون 1 : 94 / المفردات : 25 / حاشية الكنبوي على شرح الجلال 1 : 195. وغيرها من كتب الكلام والتفاسير في تفسير الآية 3 منسورة البقرة.

(1) يونس ، مكية ، 10 : 5.

(2) الصحاح 5 : 1978 / تاج العروس 8 : 374 / المفردات : 315. وانظر للتفصيل ، لسان العرب12 : 377.

(3) معجم مقاييس اللغة 1 : 311 / تاج العروس 8 : 206 / لسان العرب 12 : 56.

٩٦

« وافوله غروبه تحته ».

و « الكسوف » ، زوال الضوء عن الشمس أو القمر للعارض المخصوص ، وقد يفسر الكسوف بحجب القمر ضوء الشمس عنّا ، أو حجب الأرض ضوءالشمس عنه ، وهو تفسير للشيء بسببه.

و قال جماعة من أهل اللغة : الأحسن أن يقال في زوال ضوء الشمس كسوف ، وفي زوال ضوء القمر خسوف(1) [15 / أ] ، فإن صحّ ما قالوه فلعلهعليه‌السلام أراد بالكسوف زوال الضوء المشترك بين الشمس والقمر لا المختص بالقمر وهو الخسوف ، ليكون خلاف الأحسن(2) فتدبر.

و لا يخفى أنَّ امتهان القمر حاصل بسبب كسف الشمس أيضاً ، فانه هوالساتر لها ، ولما كان شمول الكسوف للخسوف أشهر من العكس اختارهعليه‌السلام ، والله أعلم.

كشف نقاب :

لمّا افتتحعليه‌السلام الدعاء بخطاب القمر ، وذكر أوصافه وأحواله ، منالطاعة والجدّ والسرعة ، والتردد في المنازل ، والتصرف في الفلك ، وأراد أنيذكر جملاً اُخرى من أوصافه وأحواله سوى ما مر ؛ جرى عليه « السلام على النمط الذي افتتح عليه الدعاء من خطاب القمر ، ونقل الكلام من أسلوب إلى آخر ؛ على ما هودأب البلغاء المفلقين من تلوين الكلام في أثناء المحاورات كما ذكره صاحب المفتاح في بحث الالتفات(3) ؛ وجعل تلك الجمل ـ مع تضمنها لخطاب القمر وذكر أحواله ـ موشحة بذكر الله سبحانه ، والثناء عليه جلَّ شأنه ، تحاشيا

________________________

(1) ينظر صحاح اللغة 4 : 1350 و 1421 / القاموس : 1097 / تاج العروس 6 : 84 ، 232 / وانظر المفردات : 148 المواد ( خسف ، كسف ).

(2) والذي جعله أهل اللغة خلاف الأحسن هو إطلاق الكسوف على الخسوف ، وحده الأعلى الأمر الشامل له ولغيره ، وهذا كما قالوه : من أنَّ تعدية ألصلاة بعلى إذا أُريد بها مجموع المعاني الثلاثة لاتدل على التضمنية. ( منه ).

(3) مفتاح العلوم : 86 ، 181.

٩٧

عن أنْ يتمادى به الكلام خالياً عن ذكر المفضل المنعام ، فقال : « آمنت بمن نوّربك الظلم » إلى آخره ، معبّراً عن المؤمَن به جلَّ شأنه بالموصول ليجعل الصلة مشعرة ببعض أحوال القمر ، ويعطف عليها الأحوال الاُخر فتتلائم جمل الكلام ، ولا تخرج عن الغرض المسوق له من بيان تلك الأوصاف والأحوال.

و التعبير بالنكرة الموصوفة وإن كان يحصل به هذا الغرض أيضاً إلَّا أن المقام ليس مقام التنكيركما لا يخفى.

فإن قلت : مضمون الصلة لا بدَّ أن يكون أمراً معلوماً للمخاطب ، معهوداً بينه وبين المتكلم انتسابه إلى الموصول قبل ذكر الصلة ، ولذلك لم يجز كونها إنشائية كما قرروه ، والمخاطب هنا هو القمر وهو ليس من ذوي العلم فكيف يلقى إليه الموصول مع الصلة؟.

قلت : كونه من غيرذوي العلم ليس أمرا مجزوماً به ، وقد مر الكلام فيه قبيل هذا(1) ، سلّمنا ، لكن تنزيل غير العالم منزلة العالم لاعتبار مناسب غيرقليل في كلام البلغاء ، فليكن هذا منه ، على أنَّ التنزيل المذكور لا مندوحة عنه في أصل نداء القمر وخطابه ، فإن الخطاب توجيه الكلام نحو الغير للإفهام ، فلا بدّ من تنزيله منزلة من يفهم.

و اللام في « الظُلِّم » للاستغراق ، أعني : العرفي منه لا الحقيقي ، والمراد الظُلّم المتعارف تنويرها بالقمر ، من قبيل جمع الأمير الصاغة.

ويمكن جعله للعهد الخارجي.

و الحق أن لام الاستغراق العرفي ليست شيئا وراء لام العهد الخارجي ، فإن المعرف بها هوحصة معينة من الجنس أيضاً ، غايته أنَّ التعيين فيها نشأ من العرف ، وقد أوضحت هذا في تعليقاتي على المطول(2) .

________________________

(1) انظر صحيفة : 91 ، بحث « خاتمة ».

(2) مخطوط لم ير النور بعد.

٩٨

تتمة : [15]

ا لتنكير في قولهعليه‌السلام : «وَجَعَلَكَ آيةً من آيات مُلكِهِ » ، يمكن أن يكون للنوعيّة ، كما قالوه في قوله تعالى :( وعلى أبصارهم غشاوة ) (1) (2) ، والأظهر أن يُجعل للتعظيم.

فإن قلت : احتمال التحقير أيضاً قائم ، وهذا كما قالوه في قوله تعالى :( إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن ) (3) : إنّ التنكير فيه يحتمل التعظيم والتحقير معاً ، أي عذاب شديد هائل ، أو عذاب حقير ضعيف ، فلمطويت عنه كشحاً!؟.

قلت : الاحتمالان في الآية الكريمة متكافئان بحسب ما يقتضيه الحال ، فلذلك جوزهما علماء المعاني من غيرترجيح ، بخلاف ما نحن فيه ، فان الحمل على التحقير وان كان لا يخلو من وجه ـ أيضاً ـ نظراً إلى ما هو أعظم منه من آيات ملكه جلَّ شأنه ، إلَّا أنَّ الحمل على التعظيم كأنَّه أوفق بالمقام ، وأنسب بمقتضى الحال ، فلذلك ضربت عن ذكره صفحاً.

وإن أبَيْت إلَّا أن تساوي الأمرين في ذلك فلا مشاحة معك ، وللناس فيما يعشقون مذاهب.

و قولهعليه‌السلام : « وامتهنك » إلى آخره ، مبين ومفسّر للآية والعلامة ، وكون إحدى الجملتين مبيناً ومفسراً لبعض متعلقات الاُخرى لا يوجب كمال الاتصال بينهما المقتنر لفصلها عنها ، إنَّما الموجب له أن تكون الثانية مبينة وكاشفة عن نفس الأولى ، كما في قوله تعالى :( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ

________________________

(1) البقرة ، مدنية ، 2 : 7.

(2) أنظر الكشاف للزمخشري 1 : 53.

(3) مريم ، مكية ، 19 : 45.

٩٩

يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ ) (1) فان القول المذكور مبين للوسوسة وكاشف عنها.

وأما امتهان القمر بالأمور المذكورة فهو نفس علامة الملك والسلطنة ، لانفس جعله علامة لهما ، فلا مانع من وصل جملته بجملة الجعل فتدبر ، على أنّ أحوال القمر التي هي علاماتٌ لملكه وسلطانه جلَّ شأنه ليست منحصرة في الامتهان بالأمور المذكورة بل لها أفراد أُخر ، وكذلك الجعل المذكور ، فوصل جملة الامتهان بما قبلها يجري مجرى عطف الخاص على العام كما لا يخفى.

وتقديم الظرفين في قولهعليه‌السلام : » أنت له مطيع وإلى إرادته سريع « للدلالة على الاختصاص ، كما في قوله تعالى :( لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ) (2) .

ويمكن أن يكون رعاية السجع أيضاً ملحوظة ، والله أعلم [16 / أ].

إيضاح :

الباء في قولهعليه‌السلام « نوّر بك الظُلَم » إما للسببية أو للالة.

ثم إنَّ جعلنا الضوء عرضاً قائماً بالجسم ـ كما هو مذهب أكثر الحكماء(3) ، ومختار سلطان المحققين قدّس الله روحه في التجريد(4) ـ فالتركيب من قبيل سوّدت الشيء وبيّضته ، أي صيرته متصفاً بالسواد والبياض.

و إن جعلناه جسما ـ كما هو مذهب القدماء من أنه أجسام صغار شفافة تنفصل عن المضيء وتتصل بالمستضيء ـ فالتركيب من قبيل لبّنته وتمرته ، أي صيّرته ذا لبن أو تمر(5) .

________________________

(1) طه ، مكية ، 120 : 20.

(2) التغابن ، مدنية ، 64 : 1.

(3) منهم الفخر الرازي ، انظر التفسير الكبير 17 : 35.

(4) تجريد الاعتقاد : 167.

(5) للتوسعة في بحث الضوء أُنظر مطالع الأنظار شرح طوالع الأنوار 1 : 245 ، كشّاف اصطلاحات

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

القرن الثاني عشر

٩٤

الشيخ أحمد البلادى

ناد الأحبّة إن مررت بدورها

واشهد مطالع نيّرات بدورها

كم قد بدت وبها انجلت ظلم الدّجى

ولطالما بزغت بوازغ نورها؟

أنست بها أرض الطّفوف وأقفرت

منها الدّيار وليس غير يسيرها

غربت بعرصة كربلا فانهض لها

واقر السّلام على جناب مزورها

وانثر بتربتها الدّموع تفجّعاً

لقتيلها فوق الثّرى وعفيرها

أكرم بها من تربة قدسيّة

قد بالغ الجبّار في تطهيرها

يا تربةً من حولها الأملاك ما

زالت تشمُّ لمسكها وعبيرها؟

يا تربةً حفت بها القوم الاُولى

فازوا بلثمهم لترب قبورها؟

قد ضمّنت جسد الحسين ومن به

فتكت اُميّة بعد أمر أميرها

فأزالت الإسلام عن برحائها

وأطاعت الشّيطان في تدبيرها

وتسرَّجت خيل الضّلال فأخّرت

غير الأخير وقدّمت لأخيرها

ونست عهوداً بالحمى سلفت ولن

تعبأ بنص نبيّها ونذيرها

يا للرّجال لاُمّة ملعونة

لم يكفها ما كان يوم غديرها

بئس العصابة من بغت وتنكّبت

عن دينها وتسارعت لفجورها

القصيدة وهي ٦٨ بيتاً

( الشاعر )

الشّيخ أحمد بن حاجي البلادي، عالمٌ فاضلٌ أديب، من شعراء أهل البيت ومادحيهم، له مراثي كثيرة وقد يقال: إنَّ له ألف قصيدة في رثاء الإمام السّبط الشّهيد الحسينعليه‌السلام دوّنها في مجلّدين، قد ذكر الشّيخ لطف الله الجد حفصي عدَّة قصايد من

٣٤١

حسينيّاته في مجموعة له وقفنا على نسخ منها بخطّه، وأخذنا منها ما ذكرناه، وله في التاريخ يدٌ غير قصيرة وكان من أجداد صاحب [ أنوار البدرين ] وتوجد في الأنوار ترجمته ويظهر منه انّه توفّي في أوائل القرن الثاني عشر.

القرن الثاني عشر

٩٥

شمس الادب اليمني

المتوفى ١١١٩

سلا إن جزتما بالرَّكب طيّا

فؤاداً قد طواه الحبّ طيّا

وإلّا فاسألا أين استقلّت

حداة العيس إذ رحلوا عشيّا؟

فلولا تلكم الأهداب نَبل

لما كانت حواجبها قسيّا

لعمر أبيك ما شغفي بهند

ولا ما قلت من غزل بميّا

ولن اهدى قويم النّهد إلا

إذا ما كان نهداً أعوجيّا

وأسمر ذابل الأعطاف لدناً

وأسمو مشبهاً عزمي مضيّاً

ولن أصببو إلى أوقات لهو

وقد أصبحت عن لهوي نحيّا

وما زهر الرّياض أمال طرفي

وإن قد صار مطلوبا نديّا

إلى أن قال:

إذا ما الربق سلَّ عليه سيفاً

رأيت له الغدير السّابريّا

على ذاك الغدير غدير دمعي

جرا من أجلهم بحراً أذيّا

غديرٌ طاب لي ذكراه شوقاً

إلى من ذكره يروي الصديّا

غديرٌ قد قضى المختار فيه

ولايته وألبسها عليّاً

وقام على الأنام بذا خطيباً

وذاك اليوم سمّاه الوصيّا

وإنّي تاركٌ فيكم حديثاً

لقد تركوه ظهريّاً نسيّا

فمن أهل السقيفة ليس يلقى

فتىً عن قتل أبناه بريّا

٣٤٢

فهم سببٌ لسفك دماء زيد

ويحيى والّذي حلّ الغريّا

فلولا سلّ سيف البغي منهم

ونكث العهد لا تلقى عصيّا

أبا الحسنين أرجو منك نهلاً

من الحوض الّذي يروي الظميّا

إذا ما جئت يوم الحشر في من

غدا بالبعث بعد الموت حيّا(١)

( ألشاعر )

ألسيّد شمس الأدب أحمد بن أحمد بن محمّد الحسني الأنسي(٢) أحد أعيان اليمن و اُدبائها الأفاضل، ولم يبرح لها كذلك، إلى أن غضب عليه الإمام المهدي لدين الله وأمر بتسييره إلى ( زيلع ) وهي جزيرة في أوّل الحبشة، فحبس بها حتّى توفّي سنة ١١١٩.

____________________

١ - اخذناها من نسمة السّحر ج ١ يمدح بها المؤيد بالله محمد بن المتوكل اليمنى.

٢ - مرّ بيانها فى ترجمة والد المترجم له السيد احمد.

٣٤٣

القرن الثاني عشر

٩٦

السيد علي خان المدني

المولود ١٠٥٢

المتوفى ١١٢٠

سفرت اُميمة ليلة النّفر

كالبدر أو أبهى من البدرِ

نزلت منى ترمي الجمار وقد

رمت القلوب هناك بالجمرِ

وتنسّكت تبغي الثواب وهل

في قتل ضيف الله من أجرِ

إن حاولت أجراً فقد كسبت

بالحجّ أصنافاً من الوزرِ؟

نحرت لواحظها الحجيج كما

نحر الحجيج بهيمة النَّحرِ

ترمي وما تدري بما سفكت

منها اللّواحظ من دم هدرِ

الله لي من حبِّ غانية

ترمي الحشا من حيث لا تدري

بيضاء من كعب وكم منعت

كعب لها من كاعبٍ بكر؟

زعمت سلوّي وهي سالية

كلّا وربّ البيت والحجرِ

ما قلبها قلبي فأسلوها

يوماً ولا من أمرها أمرى

أبكي وتضحك إن شكوت لها

حرّ الصّدود ولوعة الهجرِ

وعلى وفور ثراي لي ولها

ذلّ الفقير وعزّة المثري

لم يبق منّي حبّها جلداً

إلّا الحنين ولاعج الذّكرِ

ويزيد غلي الماء ما ذكرت

والماء يثلج غلّة الصَّدرِ

قد ضلّ طالب غادة حميت

في قومها بالبيض والسّمرِ

ومؤنّبٌ في حبّها سفهاً

نهنهته عن منطق الهجرِ

يزداد وجدي عن سلامته

فكأنَّه بملامه يغري

لا يكذبنّ الحبّ أليق بي

وبشيمتي من سبّة الغدر

٣٤٤

هيهات يأبى الغدر لي نسبٌ

اُعزى به لعليِّ الطّهرِ

خير الورى بعد الرَّسول ومن

حاز العلا بمجامع الفخرِ

صنو النبيِّ وزوج بضعته

وأمينه في السرِّ والجهرِ

إن تنكر الأعداء رتبته

شهدت بها الآيات في الذِّكرِ

شكرت حُنين له مساعيه

فيها وفي اُحدٍ وفي بدرِ

سل عنه خيبر يوم نازلها

تنبيك عن خَبرِ وعن خُبرِ

من هدَّ منها بابها بيدِ

ورمى بها في مهمه قفرِ؟

واسئل برائة حين رتّلها

من ردّ حاملها أبا بكرِ؟

والطّير إذ يدعو النبيُّ له

من جائه يسعى بلا نذرِ؟

والشّمس إذا أفلت لمن رجعت

كيما يقيم فريضة العصرِ؟

وفراش أحمد حين همّ به

جمع الطغاة وعصبة الكفرِ

من بات فيه يقيه محتسباً

من غير ما خوفٍ ولا ذعرِ؟

والكعبة الغرّاء حين رمى

من فوقها الأصنام بالكسرِ

من راح يرفعه ليصدعها

خير الورى منه على الظّهرِ؟

والقوم من أروى غليلهمُ

إذ يجأرون بمهمهٍ قفرِ؟

والصَّخرة الصمّاء حوَّلها

عن نهر ماءٍ تحتها يجري

والناكثين غداة أمّهمِ

من ردّ اُمّهمُ بلا نكرِ

والقاسطين وقد أضلّهمُ

غيُّ ابن هند وخِدنه عمروِ

من فلَّ جيشهمُ علا مضض

حتّى نجوا بخدايع المكرِ؟

والمارقين مَن استباحهمُ

قتلاً فلم يفلت سوى عشرِ؟

و [ غدير خمّ ] وهو أعظمها

مَن نال فيه ولاية الأمرِ؟

واذكر مباهلة النبيِّ به

وبزوجه وابنيه للنفرَ

وقرأ( وَ أَنْفُسَنَا وَ أَنْفُسَکُمْ ) (١)

فكفى بها فخراً مدى الدّهرِ

هذي المفاخر والمكارم لا

قعبان من لبنٍ ولا خمرِ؟(٢)

____________________

١ - سورة آل عمران آية ٦١.

٢ - أخذناها من ديوانه المخطوط تناهز ٦١ بيتاً.

٣٤٥

وله في مدح الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام قوله في ديوانه المخطوط:

أمير المؤمنين فدتك نفسي

لنا من شأنك العجب العجابُ

تولّاك الاولى سعدوا ففازوا

وناواك الّذين شقوا فخابوا

ولو علم الورى ما أنت أضحوا

لوجهك ساجدين ولم يحابوا

يمين الله لو كُشف المغطّى

و وجه الله لو رُفع الحجابُ

خفيت عن العيون وأنت شمسٌ

سمت عن أن يجلّلها سحابُ

وليس على الصَّباح إذا تجلّى

ولم يبصره أعمى العين عابُ

لسرٍّ ما دعاك أبا تراب

محمّدن النبيُّ المستطابُ

فكان لكلِّ من هو من تراب

إليك وأنت علّته انتسابُ

فلولا أنت لم يُخلق سماءٌ

ولولا أنت لم يُخلق ترابُ

وفيك وفي ولائك يوم حشر

يُعاقب من يُعاقب أو يُثابُ

بفضلك أفصحت تورية موسى

وإنجيل بن مريم والكتابُ

فيا عجباً لمن ناواك قدماً

ومن قوم لدعوتهم أجابوا

أزاغوا عن صراط الحقَّ عمداً

فضلّوا عنك أم خفي الصّوابُ؟

أم ارتابوا بما لا ريب فيه

وهل في الحقِّ إذ صُدع ارتيابُ؟

وهل لسواك بعد ( غدير خمّ )

نصيبٌ في الخلافة أو نصابُ؟

ألم يجعلك مولاهم فذلّت

على رغم هناك لك الرّقابُ؟

فلم يطمح إليها هاشميٌّ

وإن أضحى له الحسب اللّبابُ؟

فمن تيم بن مرّة أو عديّ؟

وهم سيّان إن حضروا وغابوا

لئن جحدوك حقّك عن شقاءٍ؟

فبالأشقين ما حلّ العقابُ؟

فكم سفهت عليك حلوم قومٍ

فكنت البدر تنبحه الكلابُ؟

( الشاعر )

صدر الدّين السيّد علي خان المدني الشيرازي ابن نظام الدّين أحمد بن محمّد معصوم بن أحمد نظام الدّين ابن إبراهيم بن سلام بن مسعود عماد الدّين بن محمّد صدر الدّين بن

٣٤٦

منصور غياث الدّين بن محمّد صدر الدّين بن إبراهيم شرف الله بن محمّد صدر الدّين بن اسحاق عزّ الدّين بن علي ضياء الدّين بن عربشاه فخر الدّين ابن الأمير عزّ الدّين أبي المكارم ابن الأمير خطير الدّين بن الحسن شرف الدّين أبي علي ابن الحسين أبي جعفر العزيزي ابن علي أبي سعيد النصيبيني ابن زيد الأعشم(١) أبي إبراهيم بن علي بن الحسين [ أبي شجاع الزّاهد ] بن [ محمّد ] أبي جعفر ابن عليّ بن الحسين بن جعفر أبي عبد الله ابن احمد نصير الدّين السكين النقيب ابن جعفر أبي عبد الله الشّاعر ابن محمّد أبي جعفر ابن محمّد بن زيد الشّهيد ابن الإمام السجّاد زين العابدينعليه‌السلام (٢) .

من اُسرة كريمة طنّب سرادقها بالعلم والشَّرف والسّودد، ومن شجرة طيّبة أصلها ثابتٌ وفرعها في السَّماء تؤتي اُكلها كلّ حين، اعترقت شجونها في أقطار الدّنيا من الحجاز إلى العراق إلى إيران، وهي مثمرةٌ يانعةٌ حتّى اليوم، يستبهج النّاظر إليها بثمرها وينعه، وأوّل من انتقل من رجال هذه العائلة إلى شيراز علي أبو سعيد النصيبيني وأوّل من غادر شيراز إلى مكّة المعظّمة السيّد محمّد معصوم، وذلك بعد انتقال عمّه ختنه الأمير نصير الدّين حسين إليها كما في [ سلوة الغريب ] لصاحب الترجمة.

وشاعرنا صدر الدّين من ذخاير الدّهر، وحسنات العالم كلّه، ومن عباقرة الدّنيا، فنّيّ كلّ فنّ، والعلَم الهادي لكلِّ فضيلة، يحقُّ للاُمَّة جمعاء أن تتباهى بمثله ويخصّ الشيعة الابتهاج بفضله الباهر، وسودده الطّاهر، وشرفه المعلّى، ومجده الأثيل، والواقف على آيات براعته، وسور نبوغه - ألا وهو كلّ كتاب خطّه قلمه، أو قريض نطق به فمه - لا يجد مُلتحداً عن الإذعان بإمامته في كلّ تلكم المناحي، ضع يدك على أيِّ سفر قيّم من نفثات يراعه، تجده حافلاً ببرهان هذه الدَّعوى، كافلاً لإثباتها بالزبر والبيّنات وإليك أسمائها:

١ - رياض السّالكين في شرح الصَّحيفة الكاملة السجّاديّة، كتابٌ قيّم يطفح العلم من جوانبه، وتتدفّق الفضيلة بين دفّتيه، فإذا أسمت فيه سرح اللّحظ فلا يقف

____________________

١ - فى شرح الصحيفة ص ١٧: الاغشم. بالمعجمتين.

٢ - أخذنا النسب من كتاب ( سلوة الغريب ) للمترجم له وأضفنا إليه أخذاً من المصادر الوثيقة كلمتين جعلناهما بين القويسين. ففى حلقات السلسلة المذكورة في شرح الصحيفة للسيد سقط كما لا يخفى.

٣٤٧

إلّا على خزائن من العلم والأدب موصدة أبوابها، أو مخابئ من دقائق ورقائق لم يهتد إليها أيّ ألمعي غير مؤلّفه الشّريف المبجّل.

٢ - نغمة الاغان في عشرة الإخوان. اُرجوزةٌ ذكرت برمّتها في كشكول شيخنا صاحب « الحدايق » المطبوع بالهند.

٣ - رسالةٌ في المسلسلة بالآباء، شرح فيها الأحاديث الخمسة المسلسلة بآبائه فرغ منها سنة ١١٠٩.

٤ - سلوة الغريب واُسوة الأديب، في رحلته إلى حيدر آباد.

٥ - أنوار الرَّبيع في أنواع البديع في شرح قصيدته البديعيّة.

٦ - الكلم الطيّب والغيث الصيّب في الأدعية المأثورة.

٧ - الحدايق النديّة في شرح الصّمديّة لشيخنا البهائيّ.

٨ - ملحقات السّلافة مشحونةٌ بكلّ ادب وظرافة.

٩ - شرحان ايضاً على الصّمديّة: المتوسّط والصّغير.

١٠ - رسالةٌ في أغاليط الفيروز آبادي في القاموس.

١١ - موضع الرّشاد في شرح الإرشاد، في النّحو.

١٢ - سلافة العصر في محاسن أعيان عصره.

١٣ - الدّرجات الرفيعة في طبقات الشّيعة.

١٤ - التذكرة في الفوائد النّادرة.

١٥ - المخلاة في المحاضرات.

١٦ - الزّهرة في النحو.

١٧ - الطراز في اللّغة.

١٨ - ديوان شعره. وله شعرٌ كثيرٌ لا يوجد في ديوانه السّائر الدائر، منه تخميسه ميميّة شرف الدّين البوصيري(١) الشّهيرة بالبردة أوّلها مخمّساً:

يا ساهر اللّيل يرعى النّجم في الظلمِ

وناحل الجسم من وجدٍ ومن ألمِ

ما بال جفنك يذرو الدّمع كالغيمِ؟

أمِن تذكّر جيرانٍ بذي سلمِ

____________________

١ - ابو عبد الله محمد بن سعيد المولود سنة ٦٠٨ والمتوفى ٤ / ٦ / ٦٩٧.

٣٤٨

مزجت دمعاً جرى من مقلة بدمِ؟!

أخذ العلم عن لفيف من أعلام الدّين وأساطين الفضيلة، وتضلّعه من العلوم يومي إلى كثرة مشايخه في الأخذ والقرائة، يروي عن اُستاده الشّيخ جعفر بن كمال الدّين البحراني المتوفّى ١٠٩١(١) وعن السيّد والده المقدّس نظام الدّين أحمد، والعلامة المجلسي صاحب البحار بالإجازة، كما أنَّ العلّامة المجلسي روى عنه، ويروي عن الشّيخ علي بن فخر الدّين محمّد بن الشّيخ حسن صاحب ( المعالم ) ابن الشَّهيد الثاني المتوفّى ١١٠٤.

ويروي عنه السيّد الأمير محمّد حسين بن الأمير محمّد صالح الخاتون آبادي المتوفّى ١١٥١، والشّيخ باقر بن المولى محمّد حسين المكّي كما في الإجازة الكبيرة للسيّد الجزائري.

ولادته ونشأته:

ولد سيّدنا المدني بالمدينة المنوّرة ليلة السّبت ١٥ جمادى الاولى سنة ١٠٥٢، واشتغل بالعلم إلى أن هاجر إلى حيدر آباد الهند سنة ١٠٦٨، وشرع بها في تأليف [ سلافة العصر ] سنة ١٠٨١، وأقام بالهند ثمان وأربعين سنة كما ذكره معاصره في [ نسمة السّحر ] وكان في حضانة والده الطاهر إلى أن توفّي أبوه سنة ١٠٨٦(٢) فانتقل إلى [ برهان پور ] عند السّلطان اورنك زيب، وجعله رئيساً على ألف وثلاثمائة فارس، وأعطاه لقب ( خان ) ولمـّا ذهب السّلطان إلى بلد [ أحمد نكر ] جعله حارساً [ لأورنك آباد ] فأقام فيه مدَّة، ثمّ جعله والياً على « لاهور » وتوابعه، ثمَّ ولي ديوان [ برهانپور ] واشغل هناك منصّة الزّعامة مدَّة سنين، وكان بعسكر ملك الهند سنة ١١١٤، ثمَّ استعفى وحجَّ وزار مشهد الرّضاعليه‌السلام وورد إصفهان في عهد السّلطان حسين سنة ١١١٧، وأقام بها سنين ثمَّ عادها إلى شيراز، وحطَّ بها عصى السّير زعيماً مدرّساً مفيداً، وتوفّي بها في ذيقعدة الحرام سنة ١١٢٠، ودفن بحرم الشاه چراغ أحمد بن الإمام موسى بن جعفر سلام الله عليه عند جده غياث الدّين المنصور صاحب المدرسة المنصوريّة.

____________________

١ - ذكر شيخنا البحرانى صاحب « الحدائق » في تاريخ وفاته ( ١٠٨٨ ).

٢ - ذكر شيخنا النورى فى « المستدرك، ١٠٦٦ وفيه تصحيف.

٣٤٩

قال صاحب ( رياض العلماء ): انّه توفّي سنة ١١١٨، وفي [ سفينة البحار ] ١١١٩، وفي [ آداب اللّغة ] ١١٠٤، والّذي اختاره مشايخنا من سنة ١١٢٠ هو المعتضد بأنَّ المترجم له نفسه نصَّ على قدومه إلى اصبهان سنة ١١١٧، وقال الشّيخ علي الحزين في ( التذكرة ): إنّي أدركته بها سنين.

توجد ترجمته في أمل الآمل، رياض العلماء، نسمة السّحر ج ٢، تذكرة الشّيخ علي الحزين، السّوانح له ايضاً، نشوة السّلافة لابن بشارة، رياض الجنّة للزنوزي، تتميم أمل الآمل للسيّد ابن شبانة، نجوم السّماء ص ١٧٦، روضات الجنّات ص ٤١٢، المستدرك ٣: ٣٨٦، سفينة البحار ٢: ٢٤٥، معجم المطبوعات ص ٢٤٤، آداب اللّغة العربيّة ٣: ٢٨٥، مجلّة المرشد العراقي ١: ١٩٧، وفي غير واحد من أعداد ( المرشد ) نُشر شطرٌ من شعره.

ومن غرر شعر شاعرنا المدني قوله يمدح به أمير المؤمنينعليه‌السلام لمـّا ورد إلى النجف الأشرف مع جمع من حجّاج بيت الله:

يا صاح! هذا المشهد الأقدسُ

قرَّت به الأعين والأنفسُ

والنّجف الأشرف بانت لنا

أعلامه والمعهد الأنفسُ

والقبَّة البيضاء قد أشرقت

ينجاب عن لألائها الحندسُ

حضرة قدسٍ لم ينل فضلها

لا المسجد الأقصى ولا المقدسُ

حلّت بمن حلّ بها رتبة

يقصر عنها الفلك الأطلسُ

تودّ لو كانت حصا أرضها

شهب الدّجى والكنّس الخنسُ(١)

وتحسد الأقدام منّا على

السّعي إلى أعتابها الأرؤسُ

فقف بها والثم ثرى تربها

فهي المقام الأطهر الأقدس

وقل: صلاةٌ وسلامٌ على

من طاب منها الأصل والمغرسُ

خليفة الله العظيم الّذي

من ضوئه نور الهدى يقبسُ

نفس النّبي المصطفى أحمد

وصنوه والسيّد الأرؤسُ

العلَم العيلم بحر النّدا

وبرّه والعالم النّقرسُ(٢)

____________________

١ - النجوم كلها والسيارات منها.

٢ - النقرس: الطبيب الماهر المدقق.

٣٥٠

فليلنا من نوره مقمرٌ

ويومنا من ضوءه مشمسُ

اُقسم بالله وآياته

أليّة تنجي ولا تغمسُ

إنّ عليّ بن أبي طالب

منار دين الله لا يطمسُ

ومن حباه الله أنبآء ما

في كتبه فهو لها فهرسُ

أحاط بالعلم الّذي لم يحط

بمثله بليا ولا هرمسُ(١)

لولاه لم تخلق سماءٌ ولا

أرضٌ ولا نعمى ولا ابؤسُ

ولا عفى الرّحمن عن آدم

ولا نجا من حوته يونسُ

هذا أمير المؤمنين الّذي

شرايع الله به تحرسُ

وحجّة الله الّتي نورها

كالصُّبح لا يخفى ولا يبلسُ

تالله لا يجحدها جاحدٌ

إلّا امرءٌ في غيّه مركسُ

المعلن الحقّ بلا خشية

حيث خطيب القوم لا ينبسُ

والمقحم الخيل وطيس الوغى

إذا تناهى البطل الأحرسُ

جلبابه يوم الفخار التّقى

لا الطيلسان الخزّ والبرنسُ(٢)

يرفل من تقواه في حلّة

يحسدها الدّيباج والسّندسُ

يا خيرة الله الّذي خيره

يشكره النّاطق والأخرسُ

عبدك قد أمّك مستوحشاً

من ذنبه للعفو يستأنسُ

يطوي إليك البحر والبرّ لا

يوحشه شيءٌ ولا يونسُ

طوراً على فلك به سابح

وتارةً تسري به عِرمسُ(٣)

في كلّ هيماء يرى شوكها

كأنَّه الرّيحان والنرجسُ

حتى أتى بابك مستبشراً

ومن أتى بابك لا ييأسُ

أدعوك يا مولى الورى موقناً

انَّ دعائي عنك لا يحبسُ

____________________

١ - الهرامسة ثلاثة: هرمس الاول وهو عند العرب ادريس، وعند العبرانيين اخنوخ وهو اول من درس الكتب ونظر فى العلوم وانزل الله عليه صحائف. هرمس الثاني كان بعد الطوفان، كان بارعاً في علم الطب والفلسفة. هرمس الثالث. سكن مصر وكان بعد الطوفان، وكان طبيباً فيلسوفاً عالماً.

٢ - البرنس: قلنسوة طويلة كانت تلبس في صدر الاسلام.

٣ - العرمس: الناقة الصلبة الشديدة.

٣٥١

فنجِّني من خطب دهرٍ غدا

للجسم منّي أبداً ينهسُ(١)

هذا ولولا أملي فيك لم

يقرّ بي مثوىً ولا مجلسُ

صلّى عليك الله من سيِّد

مولاه في الدّارين لا يوكسُ(٢)

ما غرّدت ورقاء في روضة

وما زهت أغصانها الميّسُ

كلمة المترجم له حول نسبه

قال في ( سلوة الغريب ): فائدةٌ سنيّة تتعلّق بنسبنا أحببت التنبيه عليها بأنجز الكلام اليها، وهي انّي قرأت على ظهر كتاب من كتب الوالد بخطّ السيّد صدر الدّين محمّد الواعظ بن منصور غياث الدّين بن محمّد صدر الدّين بن منصور غياث الدّين جدّنا المذكور في عمود النسب: إنَّ أبا الحسن وأبا زيد عليّ بن محمّد الخطيب الحِمّاني(٣) ابن جعفر أبي عبد الله الشّاعر أحد أجدادنا قال: وهو جدِّي. وأدخله في النسب هكذا قال: فأنا صدر الدّين محمّد الواعظ بن ناصر الشّريعة منصور بن محمّد صدر الدّين بن منصور غياث الدّين بن محمّد بن إبراهيم بن محمّد بن إسحاق بن علي بن عربشاه بن أمير أنبه بن أميرى بن الحسن بن الحسين العزيزي بن علي النصيبيني بن زيد الأعثم بن علي هذا المحكي عنه يعني الحِمّاني ابن محمّد بن جعفر بن محمّد بن محمّد بن زيد الشّهيد بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام.

هذا كلامه وأقول: ليس عليّ بن محمّد الحمّاني هذا داخلاً في عمود نسبنا بل ينتهي نسبه إلى زيد الشَّهيد هكذا، هو عليّ بن محمّد الخطيب بن جعفر بن عبد الله الشّاعر الّذي هو أحد أجدادنا بن محمّد بن محمّد بن زيد الشّهيد.

وانّما أوقع السيّد صدر الدّين في هذا الغلط تشابه الأسماء فإنَّ جعفراً جدّ السيّد علي الحمّاني المذكور الّذي توهّم صدر الدّين انّه ابن أحمد السكّين هو أبو أحمد السكّين لكن اشتبه عليه بابنه فإنَّ ابنه ايضاً اسمه جعفر كما مرّ في النسب، ويتّضح ذلك بانّ محمّد بن زيد الشّهيد وهو أصغر بني أبيه له عدّة بنين منهم محمّد ابنه والعقب

____________________

١ - نهس: اخذ بمقدم اسنانه: نهست الحية. نهشت. نهس الكلب: قبض بالفم.

٢ - وكس: نقص. ووكس وأوكس: خسر.

٣ - اسلفنا ترجمته فى الجزء الثالث ص ٥٧ - ٦٩ ط ٢

٣٥٢

منه في أبي عبد الله جعفر الشّاعر وحده، فأعقب أبو عبد الله جعفر هذا من ثلاثة بنين: محمّد الخطيب الّذي هو أبو السيّد الحمّاني. وأحمد السكّين الّذي هو جدّنا. والقاسم، فيكون السيّد علي الحمّاني ابن أخي أحمد السكّين لا ابن إبنه، فأحمد السكّين عمّه لا جدّه. و ايضاً ما تمَّ للسيّد صدر الدين إدخال السيّد علي الحمّاني في النسب حتّى أسقط منه أبا الحسن عليّا الّذي هو بين أبي جعفر محمّد وبين جعفر بن أحمد السكّين، وهو غلطٌ فاحشٌ، ولقد مرَّ على ذلك برحةُ من الزّمن ولم ينبّه له أحدٌ من أجدادنا.

٣٥٣

القرن الثاني عشر

٩٧

الشيخ عبد الرضا المقرى الكاظمى

المتوفى حدود ١١٢٠

_ ١ _

وقفت دون سعيك الأنبياءُ

فلتطل مفخراً بك الأوصياءُ

وعن الأنبياء فضلاً عليك

الله أثنى فحبّذا الإثناءُ

وإذا لم يكن سوى آية التّط

ـ هير فيكم لكان فيها اكتفاءُ

كنت نوراً وليس كون ولا

آدم بل ليس كان طينٌ وماءُ

أنت عين اليقين سلطان موسى

والعصى منه واليد البيضاءُ

وسنا النّار حين آنسها من

جانب الطّور إذ بدا اللألاءُ

روح قدس به تأيّد عيسى

ولأمواته به إحياءُ

أنت لو لم تكن لما عُبد الله

ولا للأنام كان اهتداءُ

إلى أن يقول:

فأضاعوا وصيّةً « يوم خمّ »

بعليّ وصّى وهم شهداءٌ

عن لسان الرّوح الأمين عن الله

تعالى ألا له الآلاءُ

بعليّ بلّغ وإلّا فما بلّغـ

ـ ت والله من عداك وقاءُ

بعد ما بخبخوا وقالوا لقد أصبحـ

ـ ت مولاً لنا وصحَّ الولاءُ

وأتى النصّ فيه: اليوم اكملت

لكم دينكم وحقَّ الهناءُ

ثمَّ قالوا: بأنّ أحمد لم يو

ص وهذا منهم عليه افتراءُ

وروى من يمت ولم يوص قدما

ت موتة جاهليّة العلماءُ

ويلهم جهّلوا النبيّ وقالوا

عنه ما لم يقل وبالإفك جاؤا

ما نجيب اليهود يوماً إذا احتجّوا

علينا؟ أليس فيكم حياءُ؟

٣٥٤

إنَّ موسى في القوم وصّى وقد غا

ب وطاها يقضي ولا ايصاءُ

حيث قال اخلفني لهرون في القو

م و بالأهل تسعد الخلفاءُ

والنبيُّ الكريم قد ترك القو

م سُداً بعده وهذا هذاءُ

وهو بالمؤمنين كان رؤفاً

وعلى كلّهم له اسداءُ

ما عليه أن لو على واحد نصَّ

وفيما يختاره الإرتضاءُ؟

وهو أدرى بمن لها كان أهلاً

وله في نصح الأنام اعتناءُ

وإذا ما قد مات راعي غُنيما

ت فترك الايصاء عنه عياءُ(١)

هذه القصيدة توجد في ديوان شاعرنا وهي تبلغ ثلثمائة وأربعة وثمانين بيتاً، أخذنا منها ما ذكرناه، يمدح بها أمير المؤمنينعليه‌السلام ويستدلّ فيها على إمامته بحجج قويّة، و يتخلّص إلى رثاء الإمام السبّط الشَّهيد صلوات الله عليه، وله من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين سلام الله عليه.

_ ٢ _

درّ حقيقيّ حباب العقارْ

فلا تخاطر في المجازي البحارْ

فقم ففي مجلسنا قد سعى

ساقٍ صغير بكؤس كبارْ

تقول عيناه لعشّاقه:

من سيف اجفاني الحذار الحذارْ

واخفض جناح العيش في قهوة

للهمّ عمّن قد حساها نفارْ

للرّوح روحٌ فإذا قرّبت

من حجر حدّث صمّ الحجارْ

تطفئ نار الهمِّ منّا وفي

الكاسات منها مستطيراً شرارْ

إن قتلت منّا عقولاً فعن

والدها كان لها أخذ ثارْ

من كفّ ألمى(٢) ماجلا حسنه

إلّا وبان العقل واللبّ طارْ

حمراء أعدا لونها كأسها

تخالها من غير كأس تدارْ

قوامه يطعن طعن القنا

وفتك ماضي لحظه واقتدارْ

و ردفه يشرح لي ثقله

وخصره يسند لي الإختصارْ

____________________

١ - الى هذه البرهنة العقلية استند القوم فى استخلاف عمر كما فصلنا القول فيه فى الجزء السابع ص ١٣٢، ١٣٣.

٢ - الالمى: الذى بشفته لمى. غلام ألمى: بارد الريق.

٣٥٥

قد علّم الفتك اُسود الشّرى

وعلّم الغزلان كيف النّفارْ

عجبت من حمرة خدّيه إن

بدت لعينيّ علا في اصفرارْ

كأنَّما قد صيغ من فضّة

سالفة(١) والخدّ منّي نضارْ

لي روضة غنّاء من وجهه

ولحظه ساقٍ وفيه عقارْ

خدٌّ وثغرٌ مقلةٌ وجنةٌ

وردٌ اقاحٌ نرجسٌ جلّنارْ

له على عشّاقه نصرة

بفاتر منه أرى الإنكسارْ

في خدِّه ماءٌ ونارٌ وما

بالمآء للنّار عهدنا استعارْ

تثبت عيناي به لم تزل

فلم تحل عنه يميناً يسارْ

كأنّما تلك له قربة

قد عبدت ماء وهاتيك نارْ

يزري إذا ماس بغصن النّقا

وإن بدا فالبدر منه يغارْ

فلو ترى يا لائمي حسنه

أقمت فيه حجج الإعتذارْ

دعني بربِّ الفرط لي شاغلٌ

يشغلني عن حبِّ ذات الخمارْ

خلع عذاري واضح إذ على

شهد لماه دار نمل العذارْ

كم من فقار سيف ألحاظه

قدّ كسيف المرتضى ذي الفقارْ

من آية التطهير فيه أتت

نصّاً من الله له واختيارْ

إلى أن يقول:

آخاه طاها يوم « خمّ » وقد

اُنزل فيه فيه آيٌ جهارْ(٢)

اليوم أكملت لكم دينكم

ناهيك من منقبة لا تعارْ

يا راكباً كالقوس حرفاً حكى

الأوتار أو كالسّهم ترمي القفارْ

عج بالغريّين وأحرم وطف

في ذلك القدس وقف باحتقارْ

إلى الّذي من كلِّ أوب إلى

بيت عطاياه المطايا تثارْ

بيتُ به طال عماداً فلا

مقصّرٌ فيه ورامي جمارْ

____________________

١ - السالفة: صفحة العنق عند معلق القرط.

٢ - مرجع الضمير الاول في فيه هو يوم الغدير، وفى الثانى هو مولانا امير المؤمنين. يريد انه نزلت فيه عليه ‌السلام آيات يوم ذاك. راجع الجزء الاول من كتابنا هذا تجد هنالك تفصيل تلكم الآيات النازلة.

٣٥٦

وأذّن النّاس ونادي الوحا

لكعبة الله البدارْ البدارْ

وزمزم والحجر والرّكن ثمَّ

الحجر الأسود سامي المنارْ

ألا بها حجّوا فما في سوى

تلك الثرى حجّاً أرى واعتمارْ

واستأذن الله و منه و في

سكينة فادخل عليك الوقارْ

وقبّل الأرض له عزّةً

وكحِّل الجفن بذلك الغبارْ

وامش على الأجفان فضلاً عن

الأقدام إجلالاً بذاك المزارْ

والثم ضريحاً ضمَّ بدراً ومن

حلمٍ جبالاً وعطايا بحارْ

فثمَّ وجه الله والعين والـ

ـجنب وسيف الله ماضي الغرارْ

أمير كلّ المؤمنين الّذي

غدا له فيما يشاء الخيارْ

فمن يزره عارفاً حقّه

فهو كمن لِلّه في العرش زارْ

كان بعرش الله نوراً ولا

آدم أو حوّى به يُستنارْ

لو أجمع النّاس على حبّه

من قِدم لم يخلق الله نارْ

فالفضل فيه كله شيمة

ومنه كلٌّ فضله مستعارْ

[ القصيدة ٧١ بيتاً ]

_ ٣ _

وله من قصيدة اُخرى يمدح بها امير المؤمنينعليه‌السلام قوله:

يا إماماً علا على سائر الخلق

بخُلق مهذَّب وبخَلقِ

حزت كلًّا من العلوم إلى أن

قد جرى الكلُّ منك في كلّ عرقِ

بمقال يقيم عذر المـُغالي

إنَّك الله حيث للشكّ يُبقِ

أنت حلف الهدى وحلف نزال

درّه العذب ساغ في كلّ خلقِ

قد عبدت الإله طفلاً مع المختـ

ـال والكلّ مشركٌ بالحقِّ

وببدر بذلت نفسك في الله

وبادرتها ضحىً غير طرقِ

وبخمّ بويعت إذ ليس إلّا

أنت دون الورى لها من محقَّ

فأتى النصُّ فيك اليوم اكملت

لكم دينكم وأثبت حقّي

يا لها من إمامة قد تسامت

بإمام مؤيَّد بالصّدقِ

٣٥٧

صاحب النّص والدّلالة بالإجما

ع والإتّفاق من غير مذقِ(١)

نفس طاها النبيّ والصّهر وابن

العمّ والصّنو والأخ المشتقِّ

( القصيدة ٥٦ بيتا )

_ ٤ _

وله من قصيدة يمدح بها امير المؤمنينعليه‌السلام وهي تبلغ ستّين بيتاً قوله:

بالعتب طال لطيفك التّردادُ

لو زار جفن العاشقين رقادُ

بدرٌ بليل الشّعر متّسقٌ ولا

كالبدر نقصٌ شأنه وسوادُ

سلطان حسن والبهاء وزيره

جيش الجلال أمامه يقتادُ

إلى أن يقول:

والله أكمل دينه بولائه

أنّى يطاول مجده ويُسادُ؟

بالطائف المشهور كلّم ربّه

ناهيك فخراً ما عليه يزادُ

ولطال ما من جبرئيل لخدمة

قد طال في أعتابه التردادُ

وببابل رُدَّت له شمس الضّحى

واللّيل قد مُدّت له ابرادُ

وبيوم « خمّ » خبّر الغيّاب عن

تأميره في البيعة الأشهادُ

إذ قام يخطب أحمد مسترسلاً

عن ربّه والقول منه يعادُ

: من كنت مولاه فحيدرة له

مولى ومن كاد الوصيّ يُكادُ

فإذا هنالك بخبخوا قومٌ به

من رغبة في حكمه زهّادُ

لا تدرك الأفهام كنه صفاته

أنّى وهل يحصي الحصى التّعدادُ؟

_ ٥ _

وله من قصيدة ١١٨ بيتاً يمدح بها أمير المؤمنينعليه‌السلام قوله:

لك نصب عيني اين كنت اُمثّل

وطريقتي المثلى بحبّك أمثلُ

أرجو الحياة وأنت عنّي معرضٌ

والموت من إعراض وجهك أجملُ

إلى أن يقول:

والله أكمل دينه بولائه

هل فوق هذا في المفاخر منزلُ؟

____________________

١ - من غير مذق: أي من غير شوب.

٣٥٨

ولَقول جبريل الأمين بحقّه

علناً وتلك محلّة لا تُنزلُ

: لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتىً

إلّا عليّ الفاضل المتفضّلُ

وتعجّب الأملاك من حملاته

في الحرب وهو على الكتائب يحملُ

ولفتح أحمد بابه ولسدّه

باب الصحاب على الجميع يفضلُ

ولقول أحمد: أنت هاد للورى

وأنا النذير وذاك فخرٌ أطولُ

ولأنت منّي مثلما هارون من

موسى ولا بعدي نبيٌّ يرسلُ

وكفاه ممّن لم يصلّ عليه في

فرض الصّلاة صلاته لا تقبلُ

والله زوَّجه البتول وأشهد

الأملاك والرّوح الأمين موكّلُ

والشّمس من بعد الغروب ببابل

رُدَّت له واللّيل داج مسبلُ

والله خاطبه غداة الطائف

المشهور وهي فضيلة لا تُنحلُ

وبليلة القدر الملائك عزّة

والرّوح قد كانت عليه تنزلُ

وغداً موازين العباد بكفّه

طوعاً تخفُّ بمن تشاء وتثقلُ

والنّار والجنّات طايعة له

من شاء ناراً أو جناناً يدخلُ

وفدى النبيَّ على الفراش وانَّها

لهي المواساة التي لا تُعقلُ

والوحي يهبط عنده وببيته

للفصل آيات الكتاب تفصّلُ

وله وللأصنام كسّر عزّةٌ

وضعت على أكتاف أحمد أرجلُ

إلى أن يقول:

عج بالغريّ فثمَّ سرٌّ مودع

ليست تكيّف ذاته وتمثّلُ

واخلع نعالك غير ما متكبّر

فيه وأنت مكبّر ومهلّلُ

وقل: السّلام عليك يا من حبّه

للدّين فيه تتمّة وتكمّلُ

فهناك عين الله والسرّ الّذي

قد دقَّ معنى والأخير الأوّلُ

الحاكم العدل الّذي حقّا يرى

ما العبد من خير وشرّ يعملُ

والآخذ الترّاك أفضل مسلم

من بعد أحمد يحتفي أو ينعلُ

ويل امرءٍ قد حاد عنه ضلّة

وعلى النبيِّ بجهله يتقوّلُ

جعل الإمامة غير موضعها عمّى

والله أعلم حيث كانت تُجعلُ

٣٥٩

وكفى عليّا في ( الغدير ) فضيلة

يأتي اليها غيره يتوصّلُ

حيث الأمين أتى الأمين مبلّغاً

يقرى السّلام من السّلام ويعجلُ

بلّغ وإلا لم تبلّغ ما أتى

في حقِّ حيدر ايّها المزمّلُ

فهناك بين الصّحب قام لربِّه

يثني بعالي صوته ويفضِّلُ

ويسار حيدرة بيمناه وقد

نادى ومنه فيه يفصح مقولُ

: من كنت مولاه فحيدرةٌ له

مولاً فإيّاكم به أن تُبدلوا

والطائر المشويّ هل مع أحمد

أحدٌ سواه كان منه يأكلُ؟

والنّجم لمـّا أن هوى في داره

جهراً وأشرق منه ليل أليل

في العرش قِدماً كان نوراً محدقاً

طوراً يكبّر ربّه ويهلّلُ

متقلّب في السّاجدين وكان من

صلب إلى صلب طهور ينقلُ

( القصيدة )

_ ٦ _

وله من قصيدة ٤٢ بيتاً يمدح بها أمير المؤمنينعليه‌السلام قوله:

هلّ بي حرٌّ إلى رشف رشا

حبّذا لو يقبل الرّوح رشا

بابليّ الطرف لكن ما رأى

سحره هاروت إلّا اندهشا

جائرٌ في الحكم لكن عادل الـ

ـقدِّ عبيل الردف مهضوم الحشا(١)

لم أزل أخفي هواه في الحشا

غير منّي الدَّمع بالسرِّ فشا

خلته لمـّا تجلّى سلطه

تحت ليل الشّعر صبحاً أبرشا

فضح الشّهد بريق ريّق

غيره لم يرو منّي العطشا

أحمد النّعمان في وجنته

وعلى الخدّين آسٌ عرّشا

عاذلي أصبح فيه عاذري

وانثنى يحمده واشٍ وشا

فإذا ماس دلالاً قدّه

يغتدي غصن النَّقا مرتعشا

كوكب المرّيخ في وجنته

ساطعٌ والبدر منه قد عشا

مطلق اللّحظ فؤادي قد غدا

منه في اسر الهوى مندهشا

____________________

١ - العبيل: الضخم. الردف: العجز.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402