الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١١

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 402

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 402
المشاهدات: 146076
تحميل: 3177


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 402 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 146076 / تحميل: 3177
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 11

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

جرحت عيناه خدّي مهجتي

حيث لحظي خدّه قد خدشا

صادني في شرك من شعره

عجباً للاُسد هل صاد رشا؟

إلى أن قال:

حيدر الكرّار أزكى ناعل

من بني آدم أو حافٍ مشا

ما غشى اللّيل نهاراً نصحه

مذهبٌ شكّا على القلب غشا

نور عين الدّين قد ردّ وقد

ردَّ طرف الشّرك منه أعمشا

قتل الكفّار في صارمه

ولربع الاُنس منهم أوحشا

لم يدن للات يوماً قطُّ بل

عبد الله وبالتّقوى نشا

قد شفى الإسلام من داءٍ به

وجلا من أعين الدّين الغشا

ولقد أصبح في خمّ له

شاهدٌ عدلٌ أبى أن يرتشا

جاد بالقرص وصلّى العصر إذ

ردَّه لمـّا له غشّى العشا

وله قد كلّم الثعبان إذ

ظنّه النّاس أتى كي ينهشا(١)

( الشاعر )

الشيخ عبد الرّضا بن أحمد بن خليفة أبو الحسن المقري الكاظمي، من أفذاذ القرن الثاني عشر وعلمائه وأفاضله الجامعين لفضيلتي العلم والأدب، ترجمه سيّدنا أبو محمّد الحسن في [ تكملة الأمل ] وأطراه بالعلم والفضل، وقال: توفّي حدود سنة ألف ومائة و عشرين، وعزى إليه ديوانه المرتّب على الحروف في مدح الأئمة عليهم السّلام، وقد وقفنا عليه ونقلنا عنه ما أثبتناه وهو يربو على الثلاثة آلاف والخمسمائة بيتاً.

____________________

١ - نظم شاعرنا المقرى فى قصائده هذه جملة ضافية من مناقب امير المؤمنين ممّا صدع به النبي الأمين، يوجد تفصيلها فيما يأتي من مسند المناقب ومرسلها، وإن أسلفنا بعضها في طيات الاجزاء الماضية.

٣٦١

القرن الثاني عشر

٩٨

علم الهدى محمد

لك الحمد ذا المجد والكبرياءِ

لك الحمد في البدء والإنتهاءِ

لك الحمد يا من علا في الدنوّ

لك الحمد يا من دنى في العلوّ

إلى أن قال من قصيدة تبلغ ١٥١ بيتاً:

مننت على الخلق في كلّ حينْ

لإتمام نعماك نور اليقينْ

ببعث نبيّ بشير نذيرْ

إلى نهج جنّات عدن يشيرْ

ونصب وصيّ من الأصفياء

لتشييد ما اسّس الأنبياء

فها نحن جئنا نحنُّ اليكْ

بحقّ الهداة الكرام عليكْ

إلـ~ـهي بحقِّ الرَّسول الأمينْ

جسيم الأيادي على العالمينْ

بحقِّ الوصيِّ أخيه السريّ

بمجد سنيٍّ وعزٍّ عليّ

وصيِّ الرَّسول بأمر حكيمْ

أتى من لدنك بلطف عميمْ

سليل الخليل وليد الحرمْ

عديل النبي في معالي الشيمْ

ضياء الرّشاد بهاء الهدى

امام العباد رواء النّدى

وليُّ الأنام نبصِّ الغديرْ

أمير الكرام ونعم الأميرْ

القصيدة

( الشاعر )

علم الهدى محمّد بن المولى محمّد محسن بن مرتضى الكاشاني، نيقدٌ تبرّز علماً وأدبا وتقدّم فضلاً وحسبا، وجمع الفضايل موروثاً ومكتسباً، هو ابن المحقّق الفيض علم الفقه وراية الحديث، ومنار الفلسفة، ومعدن العرفان، وطود الأخلاق، وعباب العلوم والمعارف، هو ابن ذلك الفذّ الذي قلَّ ما أنتج شكل الدَّهر بمثيله، وعقمت الأيّام عن أن تأتي بمشبهه.

٣٦٢

والمترجم له مقتفٍ أثر والده المقدّس، وتشفُّ عن تضلّعه من العلوم آثار الباقية، منها كتاب المواعظ البالغ عشرين ألف بيت، وفهرس الوافي لوالده الفيض، وحواش على الوافي، وتعاليق على مفاتيح الشّرايع لوالده، كتاب تحفة الأبرار الفارسي في الاُصول الخمسة، والأعمال الحسنة والسيّئة ألّفه سنة ١١٠٠، كتاب العلماء في فضائلهم وانّهم خلفاء الأئمّة عليهم السّلام، مرآت الجنان في الأدعية، رموزٌ إلـ~ـهيّ فارسيّ في الأدعية والأعمال اليوميّة والأحراز والعوذات، كتاب سرور صدور الأولياء في كيفية الصّلاة على المصطفى وآله، وفيه قصيدته الّتي أخذنا منها ما ذكرناه، وقال صاحب الرّوضات ص ٥٤٣: انّ له كتابٌ لطيفٌ بالفارسيّة جمع فيه بين الاُصول والفروع والأخلاق، وينسب اليه ايضاً خطبٌ ورسائل منيفة اهـ. وترجمه سيّدنا صدر الدّين الكاظمي في [ تكملة الأمل ] وقال: عالمٌ فاضلٌ محدّثٌ فقيهٌ رجاليّ جيّد الطريقة حسن الخطّ فاضل في الأدب خبيرٌ بالحكمة، جامعٌ لفضائل رأيت من مصنّفاته نضد الايضاح، وكتاب معادن الحكم في مكاتيب الأئمة عليهم السَّلام ( إنتهى ملخصا ) وترجمه صاحب ( نجوم السّماء ) في ص ٢٢٥ وقال: تلمّذ على والده له كتاب نضد الايضاح، رتَّب كتاب ايضاح الإشتباه للعلّامة الحلّي على أحسن نمط وطبع مع فهرست الشّيخ(١) اهـ

لم نقف علي تاريخي ولادة المترجم له ووفاته غير انّه استنسخ نخبة والده سنة ١٠٥٥ وبطبع الحال انّه كان في ذلك التاريخ بالغاً مبالغ الرّجال ولا أقلّ من أن يكون مراهقاً وذكر ولده الشيخ جمال الدّين اسحاق على ظهر بعض كتبه ودعا له بدوام الظلّ في سنة ١١١٢، فكان حيّاً بين التّاريخين لكنّه يظهر ممّا كتبه ولده الآخر المولى نصير الدّين سليمان سنة ١١٢٣ على مفاتيح الشّرايع لجدّه وترحّمه على والده أنّه توفّي قبل السنة المذكورة، فتكون وفاته بين التاريخين الأخيرين، ويقدّر عمره بما يتراوح بين السّبعين والثمانين.

____________________

١ - فى ليدن سنة ١٢٧١.

٣٦٣

القرن الثّاني عشر

_ ٩٩ _

الشيخ علي العاملي

أجل حديث الصّبا والخرّد الغيد

لمستهام كئيب القلب معمودِ

واستمطر الدمع من جفني القريح على

شرخ الشّباب وعصر غير مردودِ

وامنح أبثّك حزناً عن رسيس هوى

وعن فؤادٍ بنار البين موقودِ

إلى أن يتخلّص إلى مدح أمير المؤمنينعليه‌السلام ويقول:

المنهل العذب للظامي أبا حسن

ومن لكلّ مُضام خير مورودِ

والطّاهر النسب السّامي من امتنعت

صفاته الغرّ عن حصرٍ وتحديدِ

مولى إذا عدَّ ذو مجد وذو شرف

يوم الفخار تجده خير معدودِ

وكلّ محمود أوصاف يُقاس به

يغدو لديه ذميماً غير محمودِ

يمّم إليه ونكّب كلّ مقتصد

من الأنام تجده خير مقصودِ

هو الجواد ومن ساواه ممتنع

الوجود في كلّ عصر غير موجودِ

مجيب كلّ مُضام عند نازلة

ملبّياً وكفى عوناً إذا نوديِ

مولى البريَّة والمعنيّ في سور

الذّكر الحكيم بمدح غير محدودِ

من قد أعاد الهدى من بعد ما درست

أعلامه أبداً من بعد تشييدِ

ومهّد الحقَّ والإسلام حين عفت

رسومه وتوارى أيّ تمهيدِ

ففي المكارم يُدعى بابن بجدتها

وفي الملاحم مقدام الصّناديدِ

لذاك ألقى رسول الله حيث طما

بحر الهياج إليه بالمقاليدِ

وقال في يوم « خمّ » حين قال له

جبريل: بلّغ مقالاً غير مردودِ

: من كنت مولاه حقّا فالوصيُّ له

مولى على شاهد منهم ومشهودِ

القائد الخيل في الهيجاء مقرنة

من النجائب بالمهريّة القودِ

[ القصيدة وهي كبيرة جدّاً ]

٣٦٤

( الشاعر )

الشيخ علي بن أحمد الفقيه العادلي العامليّ الغرويّ. من رجال عاملة القاطنين بالعراق، موصوف بالعلم والأدب والفضيلة، وقفت على ديوانه وقد كتب على ظهره هذا ديوان الشيخ الإمام العلّامة، فريد دهره، ووحيد عصره، وقدوة الاُدباء، وقبلة الشّعراء، الشّاعر الأديب الأريب النبيه علّي بن أحمد الفقيه العاملي نسباً والغرويّ مولداً ومسكناً.ه

قرأ على المدرّس الشّريف الأوحد السيّد نصر الله الحايري، وبأمره دوَّن شعره وقال في اوَّل ديوانه ما ملخّصه: اجتمعت مع السيّد نصر الله بن حسين بن إسماعيل الحسيني فأمرني بأن أجمع شمل ما نظمت من القوافي بعد الشّتات، واُؤلّف بينهنَّ مدوَّناً، ولعمري انَّ أمره لمطاع، ومخالفته لا تُستطاع، فامتثلت لما أشار إليه، وأجبت ملبّياً لما دعاني بالحثِّ عليه.

ولاستاذه السيّد المدرّس ثناه على ديوانه بقوله:

ديوان مولانا عليّ ذي النَّدى

كالرّوض إذ قد جاده سحابه

قد ضمّن اللؤلؤ إلّا أنّه

[ عذبٌ فراتٌ سائغٌ شرابه ](١)

رتَّب المترجم له ديوانه على مقدّمة وأبواب وخاتمة، كان رحمه الله رحّالة تجوّل في بلاد ايران ونزل بشيراز واصفهان، وغادرها إلى النجف الأشرف سنة ١١٢٠، وله في الباب الخامس من ديوانه قصيدة يمدح بها السيّد المدّرس الحائري سنة ١١٢٢ مجيباً قصيدة السيّد التي مدحه بها وهي تعرب عن مقامه الشّامخ في الفضائل، ونبوغه في الأدب، وتحلّيه بالنفسيّات الكريمة، ألا وهي:

قم فاجلُ شمس الرّاح للندماء

كي تنجلي فيها دُجى الغمّاءِ

فمجامر الأزهار فاح أريجها

عبقاً بنار البرق ذي الألاءِ

والطلّ فوق الورد أضحى حاكياً

صدغاً أحاط بوجنة حمراءِ

ولئالئ الأنداء قد لاحت ضحىً

بشقائق راقت لعين الرّائيِ

____________________

١ - يوجد فى ديوانه ص ٢٤٦.

٣٦٥

فكأنّها نطف الدّموع تدافعت

في حرف جفن المقلة الرّمداءِ

فانشط وأسرج لى كميتاً روّضت

بعد الشّماس بمزجها بالماءِ

تجري بمضمار اللّهى لكن غدا

عوض القتام لها دخان كباءِ

شمطاء ترقص في الزّجاج وإنّما

برد الوقار يرى على الشمطاءِ

يا حبّذا وقد اجتلاها أهيف

نشوان من غنج ومن صهباءِ

ما لاح لي ظبيٌ سواه مقرِّطاً

ومقلّداً بالنّجم والجوزاءِ

وسوى ( عليّ ) ذي المعالي ما انجلى

قمرٌ يمدُّ الشّمس بالأضواءِ

ربّ المفاخر من سما أوج السّما

بمكارم جلّت عن الإحصاءِ

ندبٌ يرى بدل الرّغائب واجباً

للمجتدي والدّهر ذو أكداءِ

ذو هيبة بالبشر شيبت مثلما

يبدي السّحاب النّار ضمن الماءِ

راحاته الرّاحات تولي والعنا

للأولياء له وللأعداءِ

الثاقب الآراء نجل الثّاقب الآ

راء نجل الثاقب الآراءِ

يهتزُّ عند الحمد إلّا إنّه

عند النّوائب ثابت الأرجاءِ

مولى إذا اسوَّد الزمان وأمّه

عافٌ حباه باليد البيضاءِ

وإذا عتا فرعون فقر مؤمّل

ألقاه من جدواه في دأماءِ

لم تسمع العوراء منه وطالما

أطفى توقّد فتنة عمياءِ

من معشر حازوا النُّهى بفخارهم

قد حبّرت ديباجة العلياءِ

لا ينصتون إلى الغنا ولطالما

نال الغنيُّ بهم ذوو استجداءِ

ما أشرعوا الأرماح إلا أشرقوهـ

ـا من دم الأقران في الهيجاءِ

تهديهمُ بدجى القتام غرائم

لهمُ غدت تحكي نجوم سماءِ

غارت رماح الخطّ من أقلامهم

فلذلك ارتعدت لدى الهيجاءِ

فلكم زها فوق الطّروس بطلّها

زهرٌ له كمٌّ من الأحشاءِ؟

زهرٌ يلوح الدّهرِ غضّاً ناضراً

والزّهر يذبل عند فقد الماءِ

ولكم سبت عقلاً بسحر بيانها

وبحكمة من شعرها غرّاءِ

يا صاحب الفضل الّذي من فضله

يُجنى جنيّ بلاغة البلغاءِ

٣٦٦

خذ روض مدح لم يجده القطر بل

قد جاد منبته وليّ ولاءِ

يبدي الشّذى منه قبول قبولكم

لو حبّ في أسحار حسن رجائي

فأعوذ بالرَّحمن من أن يغتدي

بهجير هجرك شاحب الأرجاء

لا زال قدرك كاسمك السّامي الذي

قد سار في الآفاق سير ذكاء

ما خاط أجفان الورى وسنٌ وما

شقَّ الصّباح غلاله الظلماء

ولشاعرنا العامليّ قصائد طوال في مدح الإمام أمير المؤمنين ورثاء ولده الإمام السبط الشّهيد سلام الله عليهما، ومن مديحه أمير المؤمنين قصيدة أوّلها:

الدّهر أصبح لي معاندْ

وسطى عليَّ وصال عامدْ

وأشارت الأيّام نحوي

بالمكاره و المكائدْ

إلى أن يقول:

يا سعد وقّيت النّوى

وكفيت منها ما أكابدْ

بالله إن جزت الغريَّ

فعج على خير المشاهدْ

وقف الرّكاب ونادها

هنّيت في نيل المقاصدْ

واخلع بها نعليك ملتثم

الثّرى لله ساجدْ

واعمد إلى تقبيل أعتاب

الإمام البرِّ عامدْ

مولى البريَّة ذي التّقى

علَم الهدى حاوي المحامدْ

نجل الغطارفة الكرام

الأريحيّين الأماجدْ

كالبحر إلّا إنَّه

عذب المصادر والمواردْ

وقل: السّلام عليك يا

كهف النجاة لكل وافدْ!

ومحطُّ رحل المستضام

المستجير و كلّ واردْ

يا آية الله الّتي

ظهرت فأعيت كلّ جاحدْ!

والحجّة الكبرى المناطة

بالأقارب والأباعدْ

لولاك ما اتّضح الرّشاد

ولا اهتدى فيه المعاندْ

كلّا ونيران الضّلالة لم

تكن أبداً خوامدْ

والدّين كان بناؤه

لولاك منهدّ القواعدْ

٣٦٧

حارت بك الأوهام و

اختلفت بمعناك العقايدْ

فمن اقتدى بك اهتدى

وهوى ضلالاً عنك حايدْ

يا من نعوذ باسمه

من كلّ شيطان وماردْ!

وبه نلوذ من الزَّمان

وحين نودع في الملاحدْ

أنت المرجّى في الفوادح

والمؤمّل في الشّدايدْ

مولاي معتقدي بإنّك

علّة الأشياء واحدْ

ومعاد أجسام الورى

يوم المعاد عليك عايدْ

فلذلك الله العليّ

براك في الكونين قائدْ

تدعو الأنام إلى الهدىّ

وعليهمُ في ذاك شاهدْ

خذها أبا حسن! إلى

علياك أبكاراً خرائدْ

٣٦٨

القرن الثاني عشر

١٠٠

المولى مسيحا الفسوى

المولود ١٠٣٧

المتوفى ١١٢٧

ما ارتحت مذ ركبت للبين جيراني

يا صاحبيَّ! باتلافي أجيراني

يقول فيها:

فضلي ومجدي وإتقاني ومعرفتي

عادت بأجمعها أسباب حرماني

لو قلّب الدّهر أوراقي لصادفها

آيات لقمان في أشعار حسّانِ

دنياي قد ثكلتني فهي باكيةٌ

نجومها الدَّمع والعينان عيناني

واسوء بسط يد غلّت إلى عنقي

حتّى بدى المزن بالأمطار باراني

وقوَّست ألفي كالنّون من نصب

فكاد ينقلب ايران نيراني

فيما ارتقابي سحباً غير ماطرة؟

إلى مَ أرضى بأرض ليس ترعاني؟!

من لي بعاصف شملال يبلّغني

إلى الغريِّ فيلقيني وينساني؟!

إلى الّذي فرض الرّحمان طاعته

على البريَّة من جنٍّ وإنسانِ

عليّ المرتضى الحاوي مدائحه

أسفار توراة بل آيات فرقانِ

ما أستعين بشملالٍ ولا قدم

من ترب ساحته طوبى لأجفاني

تنزَّه الربُّ عن مثل يخبّرنا

بأنَّه ورسول الله سيّانِ

كأنَّ رحمته في طيِّ سطوته

آرام وجرة في آساد خفّانِ

عمَّ الورى كرماً فاق الذرى شمماً

روَّى الثرى عنماً من نحر فرسانِ

فالدّين منتظمٌ والشَّمل ملتئمٌ

والكفر منهدمٌ من سيفه القانيِ

كالبرق في بَسم والنّار في ضرم

والماء في سجم من نهر افنانِ

فقاره وهي في غمد تجلّلها

آي الوعيد حواها جلد قرآنِ

٣٦٩

قد اقتدى برسول الله في ظُلم

والنّاس طرّاً عكوفٌ عند أوثان

تعساً لهم كيف ضلّوا بعد ما ظهرت

لهم بوارق آيات وبرهانِ؟

فهل اُريد سواه حيث قيل لهم

: هذا عليٌّ فمن والاه والاني؟

هل رُدَّت الشمس يوماً لابن حنتمة؟

أو هل هوى كوكبٌ في بيت عثمانِ؟

هل جاد يوماً أبو بكر بخاتمه

مناجياً بين تحريمٍ وأركانِ؟

وهل تظنُّ تعالوا ندع أنفسنا

في غيره نزلت؟ عن ذاك حاشاني

أخصّ بالسّطل والمنديل واحدهم؟

أم استحبّوا بتفّاح ورمّانِ؟

أم ريثما صال عمروٌ بين أظهرهم

سواه صبّغ منه السّيف بالقاني؟

أم خيبر كان وافى قبله بطلاً؟

سل المصاريع من مرصوص بنيانِ

أشالها لجميع الجند قنطرة؟

يجيزها الكلّ من رجل وركبانِ؟

أم ريثما انهزم الأصحاب في اُحد

وظلَّ خير الورى فرداً بلا ثانِ

من عصبة الشّرك صفّت حوله فئةٌ

ذات المخالب في أرياش عقبانِ

سواه حامى رسول الله يطعنهم

بسمهريّ يُحاكي لدغ ثعبانِ؟

بالسّيف والرّمح والانصال دافعهم

عن الرَّسول باخلاصٍ وايقانِ

حتّى تبدَّد أهل الشّرك وانهزموا

شبه الحنادس إذ تمحى بنيرانِ

والقوم بشَّرهم إبليس من كذب

بقتل « أحمد » مصروعاً بميدانِ

فارتاح أنفسهم سرّاً وقد ستروا

أسرارهم خوف أبصار وآذانِ

وهل تصدَّق للنجوى سواه فتىً

وقد مضى قبل نسخ الحكم يومانِ؟

هل في فراش رسول الله بات فتىً

سواه إذ حفَّ من نصل بنيرانِ؟

لولاه لم يجدوا كفواً لفاطمة

لولاه لم يفهموا أسرار فرقانِ

لولاه كان رسول الله ذا عقم

لولاه ما اتَّقدت مشكاة ايمانِ

لولاه لم يك سقف الدّين ذا عمد

لولاه لانهدمت أركانه الواني(١)

لولاه ما خلقت أرض ولا فلكٌ

لولاه لم يقترن بالأوّل الثاني

هو الّذي كان بيت الله مولده

فطهَّر البيت من أرجاس أوثانِ

____________________

١ - الواني: الضعيف البدن. يقال: نسيم وان: ضعيف الهبوب.

٣٧٠

هو الّذي من رسول الله كان له

مقام هارون من موسى بن عمرانِ

هو الّذي صار عرش الرَّب ذا شنفٍ

إذ صار قرطيه إبناه الكريمانِ

أقدامه مسحت ظهراً به مسحت

يد الإله لتبريدٍ وإحسانِ

يا واضعاً قدميه حيثما وضعت

يد الإله عليه عزَّ من شانِ

رحب الأكفِّ إذا فاضت أنامله

لو لم يقل حسب ثنّى يوم طوفانِ

لو ظلَّ تحت لواه في الوغا علم

تراه ترتجُّ حنواً نحو ميدانِ

ما تستقرُّ الرواسي تحت صارمه

كالطود تندكُّ من اُسّ وبنيانِ

لولا الوصيّة فالشيخان أربعةٌ

يوم السَّقيفة بل عثمان إثنانِ

فيا عجيباً من الدّنيا وعادتها

أن لا يساعد غير الوغد والدّاني

من كان نصُّ رسول الله عيَّنه

لإمرة الشَّرع تبليغاً باعلانِ

يوم الجماهير في بيداء قد ملأت

بكلّ من كان من أعقاب عدنانِ

وقال صحب رسول الله قاطبة

: بخٍ لذاك وكان الأوّل الثاني(١)

من بعد ما شدّد الرّحمان إمرته

على الرّسول بإحكام وإتقانِ

فقال: بلّغ وإلّا فادر اِنّك ما

بلّغت حقّ رسالاتي وتبياني

تقدّمته اُناس ليس عيَّنهم

نصّ الإ~له ولا منطوق برهانِ

لا أضحك الله سنَّ الدهر إنّ له

قواعد عدلت عن كلّ ميزانِ

بصفو حبّك قد أحييت مهتدياً

فدتك نفسي يا ديني و ايماني

ودرّ فيضك ما دار السّما وجرى

ودام ظلّك ما كّر الجديدانِ

( ما يتبع الشعر )

القصيدة توجد برمّتها ٩١ بيتاً في الجزء الثاني من كتاب ( الرّائق ) للعلّامة السيّد أحمد العطّار، وتذكر منها ٨٩ بيتاً في ( نجوم السّماء ) ص ١٩٧، وجملة منها مذكورةٌ في ( فارسنامهء ناصري ) ج ٢: ٢٣٠، وعدّةٌ منها توجد في هامش ( نهج البلاغة ) المطبوع في ايران سنة ١٣١٠، وخمّس العلّامة الأوحد السيّد محمّد حسين الشّهرستاني المتوفّى

____________________

١ - كان اول من خاطب الامام عليه‌ السلام يوم غدير خم مبخبخاً عمر بن الخطاب وهو ثاني من تقمّص الخلافة.

٣٧١

١٣١٥(١) من هذه القصيدة واحداً وأربعين بيتاً، وبدأ بالبيت الحادي عشر أوّله:

أمسيت والهمّ في ايران يطرقني

والكرب طول اللّيالي ما يفارقني

وذكر من حلَّ في كوفان يقلقني

من لي بعاصف شملال يبلّغني

إلى الغريّ فيلقيني وينساني؟

إلى الّذي طهّر الجبّار طينته

إلى الّذي بشّر المختار شيعته

إلى الّذي أوجب القربى مودَّته

إلى الّذي فرض الرّحمان طاعته

على البريَّة من جنّ وإنسان

( الشاعر )

المولى محمّد مسيح الشهير بمسيحا ابن المولى اسماعيل فدشكوئي الفسوي المتخلّص ( بمعنى ) في شعره الفارسي، وبمسيح في العربيّ منه، عالمٌ فيلسوف، وحكيمٌ بارع، و فقيهٌ متضلّع، وأديبٌ شاعر، وخطيبٌ كاتب، مذكور بالثَّناء الجميل في سوانح تلميذه الشيخ علي الحزين، ونجوم السَّماء ص ١٩٥، وفارسنامهء ناصري ٢: ٢٣٠، وغيرها أخذ العلم عن استاد الكلّ آقا حسين الخوانساري، وأخذ عنه كثيرون من العلماء، تقلّد شيخوخة الإسلام بشيراز على عهد السّلطان شاه سليمان، وشاه السّلطان حسين، وله يوم تسنَّما عرش الملك خطبٌ بليغة، توفّي سنة ١١٢٧ عن عمر يقدّر بالتسعين، وخلف آثاراً قيّمة لا يستهان بها منها: إثبات الواجب، ورسالة فارسيّة في القصر والإتمام، وحواشي على حاشية الخفري على شرح التجريه، ذكرها له شيخنا القمي في الفوائد الرّضويّة ١ ص ٦٤٣ وقال: رآها في كرمانشاه.

____________________

١ - أحد شعراء الغدير يأتى ذكره فى شعراء القرن الرابع عشر.

٣٧٢

القرن الثاني عشر

١٠١

ابن بشارة الغروى

المتوفى بعد ١١٣٨

تلك الديار تغيَّرت آثارها

وتغيّبت تحت الثّرى أقمارها

دارٌ لقد أخفى الِبلى أضوائها

ومن السّحائب جادها مدرارها

إلى أن قال:

أنا سيّد الشّعراء غير مدافع

وإذا نثرت فانّني نثّارها

وأقودهم نحو الجنان ورايتي

بيضاء تلمع فوقهم أنوارها

إذ كنت مادح حيدر ربّ التقى

فخر البريَّة حصنهم كرّارها

ليثٌ إذا حمي الوطيس وزمجرت

فرسانها والحرب طار شرارها(١)

يسطو بأعظم صولة روّاعة

منها الكمات تصرَّمت أعمارها(٢)

وإذا الخيول الصّافنات تسابقت

يوم البراز فسبقه نحّارها

صهر النبيّ أبو الأئمّة خيرهم

وبه الخلافة قد سما مقدارها

بغدير خمّ للولاية حازها

حقّاً وليس بممكن إنكارها

وإذا رقى للوعظ صهوة منبر

يصغي لزاجر وعظه جبّارها

وبراحتيه تفجّرت عين النّدى

فالواردون جميعهم يمتارها

وله العلوم الفايضات على الورى

فيض الغمايم إذ هما مهمارها

( نهج البلاغة ) من جواهر لفظه

فيه العلوم تبيَّنت أسرارها

لولاه ما عُبد الإلـ~ـه بأرضه

يوماً ولا بخعت له كفّارها(٣)

____________________

١ - زمجرت: اكثرت الصياح والصخب. تزمجر الاسد: ردّد الزئير.

٢ - الكمات ج الكمىّ: الشجاع أو لابس السلاح.

٣ - ذكرها في كتابه « نشوة السلافة » وهي تناهز الخمسين بيتاً.

٣٧٣

( الشاعر )

أبو الرّضا الشيخ محمّد علي بن بشارة من آل موحي الخيقاني النجفي، أوحديٌّ حقّت له العبقريّة والنبوغ، وفذُّ من أفذاذ الفضيلة، برع في فنون الشّعر والأدب، ورث فضله الكثار وأدبه الموصوف عن أبيه العلّامة الشّاعر المفلق الشيخ بشارة، وعاصر نوابغ العلم وأساتذة البيان وأخذ منهم، ونال من الفضل حظّه الوافر، ونصيبه المقدَّر، فأطروه و وأثنوا عليه، وعدَّ من رجال تلك الحلقة، وأبقى شعره وأدبه له ذكرى خالدة، وسجّلت آثاره القيّمة العلميّة والأدبيّة في صفحة التّاريخ له غرراً ودرراً تُذكر وتُشكر، منها [ نشوة السّلافة ومحلّ الإضافة ] قرّظها السيّد حسين بن الأمير رشيد الآتي ذكره، وقال الشّيخ أحمد النحويّ الحلّي مقرّظاً إيّاها:

يا أخا الفضل والمكارم والسؤ

دد والمجد والعلى والشّرافه

والأديب الأريب المصقع المد

ره ربّ الكمال ربّ الظرافه

أيّ درّ أودعت في صدف الطر

س غدا الدرُّ حاسداً أوصافه؟

لو رأى هذه الرّياض زهيرٌ

لتمنّى من زهرهنّ اقتطافه

لو درى عرفهنّ صاحب عرف الطيـ

ـب أبدى لطيبهنّ اعترافه

لو رأى جمعها عليٌّ(١) رأى الفضـ

ـل على جمعه لكم والانافه

قال: جمعي صبابة في إناء

من سلاف وذا حباب السّلافه

أيّ مستمتع لذي الفضل فيها

وبشتّى نكاتها واللّطافه؟

جئتها طاويَ الحشا فأضافتـ

ـني و قالت: هذا محلّ الإضافة

ومنها: نتائج الأفكار. قرَّظها المدرّس الأوحد السيّد نصر الله الحائري بقوله:

حيَّر عقلي ذا الكتاب الأنيق

فليس للوصف إليه طريقْ

رقيق لفظ جزل معنىً له

كلّ مجاميع البرايا رقيقْ

ما هو إلّا روضةٌ غضَّةٌ

شقيقها ليس له من شقيقْ

صاداتها الغدران همزاتها

حمايم تشدو بلحن أنيقْ

____________________

١ - يعنى السيد على خان المدنى صاحب « سلافة العصر » التى ألّف ابن بشارة نشوته تتميماً لها.

٣٧٤

كم نشق العشّاق من نفحها

نسيم أخبار اللّوي والعقيقْ؟

كم قد جلت أكؤس الفاظها

معانياً يخجل منها الرحيقْ؟

رصّعها صوب يراع الّذي

أصبح دوح الفضل فيه وريقْ

مولى جليل القدر في شانه

قد اغتدى صاحب فكر دقيقْ

لا زال ( نصر الله ) طول المدى

له رفيقاً فهو نعم الرّفيقْ

ومنها: شرح نهج البلاغة، وريحانة النحو. ذكرهما الشيخ أحمد النحويّ الحلّي في قصيدته الّتي مدحه بها أوّلها:

برزت فيا شمس النَّهار تستّري

خجلاً ويا زهر النّجوم تكدّري

فهي الّتي فاقت محاسن وجهها

حسن الغزالة والغزال الأحورِ

يقول فيها:

من آل موح شهب أفلاك العُلى

وبدور هالات النّدى والمفخرِ

وهم الغطارفة الّذين لبأسهم

ذهل الورى عن سطوة الإسكندرِ

وهم البرامكة الّذين بجودهم

نسي الورى فضل الرّبيع وجعفرِ

لم يخل عصرٌ منهمُ أبداً فهم

مثل الأهلّة في جباه الأعصرِ

لا سيّما العلَم الّذي دانت له الـ‍

ـأعلام ذو الفضل الّذي لم ينكرِ

ولقد كسا ( نهج البلاغة ) فكره

شرحاً فأظهر كلّ خافِ مضمرِ

وعجبت من [ ريحانة النحو ] الّتي

لم يذو ناصرها مرور الأعصرِ

فذروا [ السّلافة ](١) انّ في ديوانه

في كلِّ بيت منه حانة مسكرِ

ودعوا [ اليتيمة ](٢) انَّ بحر قريضه

قذفت سواحله صنوف الجوهرِ

ما [ دمية القصر ](٣) الّتي جمع الاولى

كخرائد برزت بأحسن منظرِ؟

يا صاحب الشَّرف الأثيل ومعدن الـ

ـكرم الجزيل وآية المستبصرِ

خذها إليك عروس فكرزفّها

صدق الوداد لكم وعذر مقصّرِ

____________________

١ - هى « سلافة القصر » للسيد على خان المدنى شارح الصحيفة الشريفة الآنف ذكره فى هذا الجزء ص ٣٤٤.

٢ - هى « يتيمة الدهر » للثعالبي كتاب أدبىّ ضخم فخم مطبوع فى اربع مجلدات.

٣ - « دمية القصر » تأليف الباخرزى مطبوع سائر دائر.

٣٧٥

فاسلك على رغم العدى سبل العُلى

واسحب على كيوان ذيل المفخرِ

ومنها: ديوان شعره الّذي وصفه السيّد المدرّس الحائري بقوله:

ديوان نجل المقتدى بشاره

لسائر الشّعر غدا إكليلا

ما هو إلّا جنّةٌ قد أزهرت

[ وذلّلت قطوفها تذليلا ]

وقوله فيه:

ألا قد غدا ديوان نجل بشارة

طراز دواوين الأنام بلا ريبِ

مهذَّبة أبياته كخلائقي

فليس به عيبٌ سوى عدم العيبِ

وللسيّد العلّامة المدّرس الحائري عدّة قواف في الثّناء على شاعرنا ابن بشارة منها:

سلامٌ يسحب الأذيال تيهاً

على هام الدّراري الثاقباتِ

أخصُّ به شقيق الصُّبح بشراً

سليل بشارة ذي المنقباتِ

فتىً أضحت بغيث نداه تزهو

أزاهير الأماني للعفاةِ

وراحت في صباح الرأي منه

تجابات دياجي المشكلاتِ

شأى قسّاً بلفظٍ راق رصفاً

ومعناً بالهبات الوافراتِ

له فكرٌ بأدنى الأرض لكن

له عزمٌ بأعلى النيّراتِ

ونظمٌ يشبه الأزهار لو لم

تعد بعد النّضارة ذابلاتِ

وبعدُ فإنَّ روض العيش أضحى

هشيماً ذا نواحٍ شاحباتِ

وقد كانت نواحيه قديماً

بطلّ البشر منكم زاهياتِ

وأمسى يا شهاب سما المعالي

مريد الوجد مخترقاً جهاتي

فعوّذني بكتبك من أذاه

فمالي غيرها من راقياتِ

ولا زالت جلابيب المعالي

بمجدكم المبجَّل معلماتِ

ومنها قوله:

سلامٌ كزهر الرّوض إذ جاده القطرُ

وكالدرِّ في اللألاء إذ حازه البحرُ

أخصّ به المولى سليل بشارة

أخي الفضل مَن في مدحه يزدهي الشّعرُ

سحاب النَّدى السهم الذي فاقت السّها

عزائمه وانقاد قنّاً له الدّهرُ

٣٧٦

فتىً فاز بالقدح المعلّى من العُلى

وحاز علوماً لا يُحيط بها الحصرُ

فما « القطب » ما « الرازي » وما جوهريّهم

إذا ما به قيسوا وما العضد ما الصّدرُ؟

مناقبه غرُّ مواهبه حيا

منازله خضرٌ مناصله حمرُ

طوى سبل العلياء في متن سابق

لهمّته القعساء عِثيره الفخرُ

وبعدُ: فإنَّ الحال من بعد بُعدكم

كحال رياض الحزن فارقها القطرُ

فللّه ليلات تقضّت بقربكم

ولم يندمن روضات وصلكم الزّهرُ

وإذ مورد اللّذات صاف وناظري

يزيل قذاه منظرٌ منكمُ نضرُ

فلا تقطعوا يوماً عن الصبِّ كتبكم

ففي نشرها للميت من بعدكم نشرُ

ولا برحت تبدو باُفق جبينكم

نجوم السّعود الزّهر ما نجم الزّهرُ

ومنها قوله مهنّئاً له بعيد النّحر:

نشر الرّبيع مطارف الأزهارِ

في طيّها نفحات مسك داريّ(١)

وخرائد الأغصان بالأكمام قد

رقصت بتشبيب النّسيم السّاري

وصوادح الأوراق في الأوراق قد

غنَّت بأعواد بلا أوتارِ

والظلٌّ ظلَّ محاكياً بدبيبه

خطَّ العذار بوجنة الأنهارِ

فبدار نجلو خمره تجلو العنا

عنّا ولا تركن إلى الأعذارِ

بكرٌ إذا ما قلّدت بحبابها

حلّت يمين مديرها بسوارِ

شمسٌ يطوف باُفق مجلسنا بها

قمرٌ تقلّد نحره بدراري

سلب السّلاف مذاقها وفعالها

برضابه وبطرفه السحّارِ

ساق تخال الثّغر منه لئالئاً

أو اُقحواناً لاح غبّ قطارِ

أو أحرفاً رقمت بكفِّ المجتبى

أعني سليل بشارة المغوارِ

ماء الطلاقة في أسرّة وجهه

يجري ونار سطاه ذلت شرار

مولى باُفق سما المناقب قد بدا

قمراً ولكن لم يرع بسرارِ

فبذاك يثمر قصد كلّ مؤمّل

وبهذه تُصلى مُنى الفخّارِ

شهمٌ لبيبٌ لم تلد امّ العُلى

ندّاً له في سائر الأعصارِ

____________________

١ - الدارى: العطار. نسبة إلى دارين بالبحرين كان يحمل إليها المسك من الهند.

٣٧٧

ندسٌ بديع بنانه قد راح عن

وجه المعاني كاشف الأستارِ

ولقد غدا صرف الزّمان يُصدُّ عن

مَن نحوه أضحى مريد جوارِ

نعمٌ تعمُّ عموم هطّال الحيا

لكنّها جلّت عن الاضرارِ

وشمائلٌ كالرّوض لولا انّه

يذوي لفقد العارض المدرارِ

أقلامه قد قلّمت ما طال للأخـ

ـطاب والأخطار من أظفارِ

ودواته أدوت وداوت كاشحاً

ومؤمّلاً جدواه ذا اعسارِ

من آل خاقان الّذين وجوههم

عند اسوداد النّقع كالأقمارِ

قومٌ إذا شاموا الصّوارم اغمدت

في جيد كلِّ مملّك كرّارِ

وإذا هم اعتقلوا الذوابل في الوغي

آبت نواضر بالنجيع الجاري

أخبارهم بسواد كلِّ دجنّة

حرّرن فوق بياض كلِّ نهارِ

يا من له بأسٌ يحاكي الصّخر في

خلق أرقّ من النّسيم السّاري

وعلاً تناسق كابراً عن كابر

يحكي أنابيب القنا الخطّار

وافاك عيد النّحر طلقاً وجهه

يحكي رقيق نسيمه أشعاري

عبدٌ يعود عليكمُ بمسرَّة

محمودة الايراد والإصدارِ

لا زالت الأيدي تشير إليكمُ

شبه الهلال عشيّة الإفطارِ

وبقيت ترفل من علاك بحلّة

فضفاضة قد طرّزت بفخارِ

وله مراسلاً إيّاه لازماً الجناس المذيّل قوله:

لعمرك إنَّ دمع العين جارٍ

لأنّي حنظل التفريق جارعْ

وما لي غير شهد الوصل شافٍ

فهل لي في اجتناء منه شافعْ؟

وقلبي للوصول إليك صادٍ

ونظمي بالثّناء عليك صادعْ

و همّي ليثه الفتّاك ضارٍ

ولولاه لما أمسيت ضارعْ

ولوني أصغرٌ والدَّ مع قانٍ

وطرفي منكم بالطّيف قانعْ

ومذ غبتم فصبحي شبه قارٍ

لديَّ وإصبعي للسنِّ قارعْ

وإنّي للتواصل منك راجٍ

فهل ذاك الزمان العذب راجعْ؟

وإنّي بالّذي تهواه راضٍ

أيا مولى لدرِّ الفضل راضعْ!

٣٧٨

فيالك من كريم الأصل سامٍ

لهمس المجتدين نداه سامعْ

هزبرٌ عنه سيف الضدِّ نابٍ

وينبوع الفضائل منه نابعْ

وطرف الخائف المذعور ساجٍ

بمغناه وطير المدح ساجعْ

وبحر علومه للنّاس طامٍ

فكلٌّ منهم بالريّ طامعْ

وغيث نداه طول الدَّهر هامٍ

وغيث الاُفق بعض العام هامعْ

ومعشره اُولو سَلَم وضالٍ(١)

لديهم سابق الكرماء ضالعْ

له سيفٌ غداة الحرب دامٍ

وطرفٌ خشية الجبّار دامعْ

ونسكٌ من رياء الخدع خالٍ

وطبعٌ للخلاعة راح خالعْ

وشعرٌ رائقٌ كشراب جامٍ

لحسن نفائس الأشعار جامعْ

وقلبٌ قلّب في الحرب ساطٍ

ووجهٌ في ظلام الخطب ساطعْ

واحسانٌ لحرِّ المدح شارٍ

ورمح عزيمة ما زال شارعْ

حليمٌ للعدى بالصّفح جازٍ

ومن هول الحوادث غير جازعْ

وزاكٍ علمه للجهل نافٍ

وطبٌّ إن يضرّك فهو نافعْ

وشهمٌ ماله في النّاس زارٍ

لِحبِّ هواه في الأحشاء زارعْ

لما لا يرتضيه الله قالٍ

ألَم تره لضرس هواه قالعْ؟

وقاه الله نظرة كلِّ راءٍ

فإنَّ جماله للعقل رائعْ

ومنها قوله حينما اهدى إليه ماء ورد:

يا أيّها المولى الّذي

هو من ( أياس ) اليوم أذكى

وجَّهت نحوك ماء ورَ

دٍ من أريج المسك أذكى

فاقبله من حبٍّ جوا

ه في حشاه النّار أذكى

ومنها قوله مراسلاً إيّاه:

سلامٌ لا لأوّله بدايه

ولا يلفى لآخره نهايه

عليّ ابن بشارة المولى الّذي قد

تجاوز في المعالي كلَّ غايه

فتىً برق البشاشة في المحيّا

على طيب الاُرومة منه آيه

____________________

١ - السلم والضال: نوعان من الشجر.

٣٧٩

جليل القدر محمود السَّجايا

على كلّ القلوب له الولايه

روى الإحسان عن جدٍّ فجدٍّ

وقد صحَّت له تلك الرّوايه

فلو وافاه يوم الجدب عافٍ

أباح له حمى روض الرّعايه

إذا ما جنَّ للأشكال ليلٌ

ترى مثل الصّباح الطلق رأيه

وإن حسرت لثاماً حرب بحث

فليس لها بكفِّ سواه رايه

له وجهٌ حكاه البدر حسناً

وما من ريبه في ذي الحكايه

وفيّ العهد زاكي الجدّ مولى

سلامة ذاته أقصى منايه

ولمـّا كان في ذا العصر فرداً

مدحناه بعنوان الكنايه

وأنّى يمكن التّصريح باسم

بأعلى العرش خطّته العنايه؟

فسدّد رأيه يا ربّ لطفاً

وجنّبه الضّلالة والغوايه

وألبسه من الإنعام برداً

موشّى بالكلائة والحمايه

إلى غيرها من قصائد توجد في ديوان الشّريف السيّد المدرّس في ثناء المترجم له، وهي تُعرب عن مكانته العالية في الفضائل والفواضل، وتحلّيه بنفسيّات كريمة و ملكات فاضلة.

ومن شعر شاعرنا ( ابن بشارة ) قوله في كتابه ( نشوة السّلافة ) يمدح به مولانا امير المؤمنينعليه‌السلام ، جارى به قصيدة السيّد علي خان المدني المذكورة ص ٣٥٠:

من ظلمة اللّيل لي المأنسُ

إذ فيه تبدو الشّهب الكنّسُ

والطّيف يأتيني به زائراً

وتارة صاحبه بغلسُ(١)

ولم نراقب من رقيب الهوى

خوفاً ولا تبصرنا الحرَّس

ومن رياض الوصل كم نجتني

زواهراً تحيى بها الأنفسُ

كم ليلة بتُّ بظلمائها

معانقاً للحبِّ لا أدنسُ(٢)

حتّى هوت للغرب شهب الدّجا

والنّجم في اسرائه ينعسُ(٣)

____________________

١ - الغلس: ظلمة آخر الليل أغلس: صار يغلس.

٢ - دنس: تلطّخ بمكروه أو قبيح

٣ - من تناعس البرق: فتر.

٣٨٠