الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١١

الغدير في الكتاب والسنة والأدب9%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 402

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 402 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 159640 / تحميل: 3924
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١١

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

الشيعة مِن هذه العقائد التي ذكرها كالتناسخ والحلول والتشبيه، فإنّ الواقع يُكذِّبه، وهذه كُتُبُ الشيعة تملأ المَكتَبات، فليذكر لنا أين آرائهم بالتناسخ، اللهمّ إلاّ أن يكون كلامه عن أُمّةٍ بائدة كانت تقولُ بذلك قبل هذا. نعم، الشيعة تقول بغَيبَة المهدي عن المعرفة، بمعنى أنّه يُرى، ولا يُعرَف، فهو موجود بين الناس ولكن لا يعرفونه، وهو يُدلي برأيه أحياناً مع بعض الآراء، وقد استفادوا ذلك مِن جُملة مِن الأخبار التي أوردها عُلماءُ المُسلِمينَ مِن السُنّة والشيعة كالترمذي وابن ماجة وأبي داود وابن حَجَر وغيرهم، ويكفيك الفصل الذي كتبه ابن حَجَر في الصواعق فراجعه، وسَنَشرَح ذلك فيها يأتي مِن فُصول هذا الكتاب، كما يعتقد الشيعة بالبِداء، مستفيدين ذلك مِن الكتاب والسُنّة:

فالكتاب كقوله تعالى: ( يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) الرعد: 39.

وأمّا السُنّة: فَمِثل ما رواه البُخاري في الصحيح عن النبيّ (ص) (أنّ ثلاثة مِن بني إسرائيل: أبرص، وأعمى، وأقرع، بدا لله أن يبتليهم فبعث إليهم مَلَكاً...) (1) .

وكما روى الصدوق في كتابه إكمال الدين وإتمام النعمة بإسناده عن الإِمام الصادق (ع): (مَن زَعَمَ أنّ الله عَزّ وجل يبدو له في شيءٍ يعلمه أمس فابرؤا منه) (2) .

والبِداء عند الشيعة: بمعنى الإِظهار، لا بمعنى أنّ الله يعلم بعدَ جَهلٍ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، أي أنّ عِلمَ الله تعالى تَعلق بوقوع أمر في الخارج، ولكن بشرط موقوفيته على عدم تعلُّق مشيئة الله تعالى بخلافه. وهذا هو مورد البِداء، ومحلُّ البِداء مِن أقسام القضاء الإِلهي.

ونظراً لأهميّة موضوع البِداء، وما ثار حوله مِن نزاع بين المُسلِمينَ، فإنّي أُحيل

____________________

(1) صحيح البُخاري: 4/146 باب: ما ذُكِر عن بني إسرائيل.

(2) البيان للخوئي: ص390.

١٠١

القارئ إلى فَصلٍ مُهمٍّ مُمتِع كَتَبَهُ الإِمام الخوئي في كتابه البيان، مُقدّمة تفسير القرآن (1) .

أمّا موضوع الرجعة عندهم فهو مُجرَّد فَهْمٍ مِن كتاب الله تعالى لبعض الآيات، ولمَضمون تلك الآيات، ذلك بالإضافة إلى روايات كثيرة تَدعَم تلك المضامين. وهي - أعني الرجعة - ليست مِن ضروريات الإِسلام عندهم. وبِوِسع القارئ الرجوع إلى قوله تعالى: ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) النحل: 83.

وقوله تعالى: ( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) الكهف: 47.

فقد ورد في كثير مِن التفاسير عند الجمع بين الآيتين ما يُفيد أنّ هُناك حَشْراً قَبل الحَشرِ الأكبر، وفيه روايات عن أهل البيت، وقد عَقَدَ الشيخ الصدوق في كتابه الاعتقادات فصلاً عن الرَجعة، ذكر فيه دلالة الآيات والأحاديث على ذلك، وقال في آخره مستدلاًّ بقوله تعالى:

( وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) النحل: 38.

ثمّ يقول بعد هذه الآية مُباشَرة:

( لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ) والتبيين إنّما يكون في الدنيا لا في الآخرة.

فالآية واردة في الرَجعة - كما فَهِمَ مِنها الصدوق - إلى أن يقول الصدوق، مُنبِّهاً إلى أنّ البعض قد يَفهمُ مِن عقيدة الشيعة القول بالتَناسُخ، فيقول في ذلك:

والقول بالتَناسُخ باطل، ومَن دانَ بالتَناسُخ فهو كافر؛ لأنّ في التناسخ إبطالُ الجنّةِ والنار. انتهى كلامه (2) .

فالمسألة في الرجعة إذاً لا تعدو فَهْماً مِن كتاب الله تعالى بإمكان وقوعِ رجعةٍ في فَترَة مُعيَّنةٍ، وكُلّ ذلك لا يَستَوجِب هذه الجلبة والضَوضاء في كُتُبِ السُنّة، وكم

____________________

(1) البيان للخوئي: ص385 فصاعداً.

(2) الشيعة والرجعة للطبسي: 2/248.

١٠٢

مِن آراء لأهل السُنّة سَنَمرُّ إن شاء الله على بعضها، وهي قد تستوجب ضجَّة، ولكنَّ كَتّاب الشيعة يعالجونها مِن زاوية عِلميَّة بدون تهريج، ويحترمون فَهْمَ كلّ كاتب ما دام له منشأ انتزاع مِن نصٍّ مِن القرآن أو السُنّة.

وأعود بعد ذلك للشهرستاني، فهو عندما يُعدِّد الأئمّة يقول: إنّ الشيعة ساقوا الإِمامة بعد موسى بن جعفر، فقالوا: والإِمام بعده عليّ بن موسى الرضا، ومشهده بطوس، ثمّ بعده محمّد التقي، وهو بمقابر قريش، ثمّ بعده عليّ بن محمّد النقي، وهو مشهده بِقُم، وبعده الحسن العسكري الزكي، وبعده ابنه محمّد القائم المنتظر، هذا هو طريق الإثني عشريّة (1) ، وكلّ الباحثين يعلمون أنّ الشيعة لا يقولون أنّ ابن محمّد النقي مَدفون بِقُم؛ لأنّه مدفون بسامراء، ويزوره الى الآن الناس، والمدفونة بِقُم شقيقة الإِمام الرضا، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

2 - ابن حَزَم الأندَلُسي:

هذا النموذج الثاني الذي أُقدِّمُه، وهو مِن الّذين سَلَّطوا السنتهم على المُسلِمينَ، إنّه عليّ بن أحمد بن حَزَم الأندَلُسي الفارسي، وهو مِن موالي يزيد بن معاوية، وحَسْبه بذلك شَرفاً، وأوّل مَن دخل الأندلس مِن أجداده جَدّهُ خَلَف. وكان ابن حَزَم في أول أمره شافعيّاً، ثُمّ انتقل إلى الظاهريّة، وله كُتُب كثيرة مِنها: الفصل في المِلَل والنِحَل، والمُحَلّى، وغيرهما. ولهذا الرجل قدرة عجيبة على الافتعال والاختلاق، وله جُرأة في التَهجُّم على الناس، تَكشِفُ عن عَدَمِ ورع، وعدم التزام بالصدق، وسأذكر قبل ذكر أقواله آراء قومه فيه، وتقييمهم له:

فقد قال فيه أبو العبّاس بن العريف: إنّ لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان. وقال مؤرِّخ الأندلس أبو مروان بن حيّان فيما كَتَبَه عنه في فَصلٍ طويل منه قوله: ومما يزيد في بُغضِ الناس له، حُبُّه لبني أُميّة ماضيهم وباقيهم، واعتقاده بِصحَّة إمامتهم حتّى نُسِبَ إلى النَصْبِ.

وقال ابن العماد الحنبلي: كان ابن حَزَم كثيرَ الوقوع في العلماء والمتقدمين، لا

____________________

(1) المِلَل والنِحَل، فصل الشيعة.

١٠٣

يكاد يَسلَم أحَد مِن لسانه؛ فَنَفِرت منه القلوب.

ويقول عنه مُصطفى البرلسي البولاقي: أمّا ابن حزم فالعلماء لا يُقيمون له وزناً، كما نَقلَه عنهم المُحقِّقون كالتاج السبكي وغيره؛ لأنّه وأصحابه ظاهريّة محضة، تكاد عُقولَهم أن تكون مُسِخَت، ومَن وَصَلَ إلى أن يقول: إن بال الشخص في الماء تنجس، أو في إناء، ثمّ صبه في الماء لم يَتنجُس. كيف يُقامُ له وزن، ويُعدُّ في العقلاء فَضلاً عن العُلماء، ولابنِ حَزَم هذا وأضرابه مِن أمثال هذه الخُرافات الشيء الذي لا ينحصر، ومَن تأمَّل كَذِبَهُ على العلماء - ولا سيّما إمام أهل السُنّة أبو الحسن الأشعري - عَلِمَ أنّ الأولى به وبأمثاله أن يكونوا في حَيّزِ الإِهمال، وعَدَمِ رفعِ رأسٍ لشيءٍ صدر منه. راجع فيما كتبناه عن ابن حَزَم المراجع أدناه فقد أفاضت في ترجمتِه، وشرح حاله (1) .

وبعد شهادة هؤلاءِ الأعلام التي هي في الواقع رمز لمُحصّلة الآراء عن ابن حزم عند العلماء، فإنّي لا أستكثِرُ عليه أن يقول في آخر الفصل الذي كتبه عن الشيعة: والقوم - يعني الشيعة - بالجملة ذووا أديان فاسدة، وعُقول مدخولة، وعديموا حياء نعوذ بالله مِن الضلال (2) .

فإذا كان هذا وأمثاله كالشهرستاني هُم الّذين يَكتُبون عن عقائد وفقه وسلوك الفِرَقِ الإسلاميّة، فهل يمكن للأجيال أن تَثِقَ بتاريخها، وسيرة أسلافهم؟. والأنكى مِن ذلك أنّ الّذين ينتقدون الشهرستاني وابن حزم وأمثالهما فإنّهم إنّما يحملون عليهم إذا وخزوهم أو شتموهم، أمّا إذا شَتَمَ الشهرستاني وابن حَزَم غيرهم كالشيعة مثلاً، فهو صادق، وتُؤخَذُ أقواله، ولا تُثيرُ حساسيّة.

____________________

(1) شَذَرات الذهب: 3/299، والسيف اليماني للبرلسي - رسالة صغيرة مع عدَّة رسائل -، ووفيّات الأعيان: 1/369، ولسان الميزان: 4/199 فصاعداً.

(2) الفصل في المِلَل والنِحَل: 4/181.

١٠٤

مِثالٌ ثَالِثٌ

وَسَتَرِدُ علينا أمثلةً لذلك، ولكنّي أستعجل لك مثلاً واحداً مِنها يعيش في القرن العشرين في عصر الذرَّة، وتحت أروِقَة جامعةٍ حديثة، وهو محمّد حسن هيتو، مُحقق كتاب المنخول للغزالي، فإنّ هذا الرجل عندما يَمرُّ ببعض المواقف الحَدّيّة للغزالي مِن بعض المذاهب الإسلاميّة كالإِمام مالك، والإِمام أحمد بن حنبل، والإِمام أبي حنيفة، فيذكر بعض آرائهم ناقداً لها حيناً، ومستهجناً حيناً آخر، مثلاً يذكر الغزالي عن أبي حنيفة رأيه في أقلِّ الصلاة وهي: وضوء بالنبيذ في أوَّلها، وحَدَثٌ في آخرها للخروج مِنها، وبين ذلك نَقْرُ كَنَقرِ الغُراب، واكتفاء مِن القراءة بكلمة (مُدْهَامَّتَانِ) بالُلغة الفارسيّة إلى آخر ما ذكره عن أقلِّ الصلاة في رأي أبي حَنيفة، وكما ذكر رأيَ مالِك بجواز قَتلِ ثُلُثِ الناسِ إذا كان ذلك يؤدّي إلى صلاح الثُلُثَين الباقيين، وهكذا آراء بعضُ الأئمّة التي ذكرها.

إننا في مثل هذا نرى محمّد حسن هيتو يقع في ورطة، فلا يَدري أينفي ذلك، وفيه تكذيب للغزالي، أم يُثبت ذلك، وفيه طَعنٌ على أئمَّة المذاهب؟، فتراه مَرَّة يقول: إنّ هذه الأقوال نتيجة لمرحلة مرَّ بها الغزالي، وتَخلَّص مِنها بعد ذلك، ومرَّة يقول: إنّ الغزالي فَردٌ مِن مدرسةٍ تؤيِّد أهل الحديث، وتطعن في أهل الرأي، وإنّ ذلك تَعصُّبٌ أقلع عنه الغزالي بعد ذلك، كما هو واضح في مؤلّفاته التي صدرت بعد ذلك كالمُستصفى، المتأخِّر عن المنخول، وعلى أنّ هذا الاعتذار لا يَحلُّ المشكلة التي هي كون الغزالي إمّا صادقاً، وإمّا كاذباً.

إنّ الذي يعنينا هُنا أنّ هيتو إذا مَرّ الغزالي بالرافضة وشتمهم، لا نجده يُعلِّل ذلك الشتم بِعصبيّة أو غيرها، كأنّ الشيعة يستأهلون الشتم بدون نزاع، وكأنّ الحُرصَ على وحدة المُسلِمينَ ليس مِن موارده هذا المورد، هذا إذا كان الشيعة مسلمين في نظر هؤلاءِ، وإلاّ فالمسألة سالبة بانتفاء الموضوع، كما يقول عُلَماءُ المنطق، وعلى كلٍّ أُلفِت النَظَر إلى ما كتبه هيتو عن الغزالي (1) .

والله المُستعان على ما يَصفون.

____________________

(1) المنخول للغزالي: ص354، و488.

١٠٥

وعوداً على بدء نقول: إنّ ما قدّمناه من شواهد وأمثلة كافٍ في تحديد موقع السُنّة من الفُرس، وتحديد مَكان التَشَيُّعِ من العُروبة لِمَن يَعتبر هذا سُبة وذلك فَضيلة، أمّا المُسلم الذي شعاره شعار القرآن، فإنّ المُسلمين عِنده أكفّاء بأموالهم ودمائهم وأعراضهم وأنسابهم، وإذا كانت هُناك آثار مُتولّدة مِن وحدة العِرق والدم، فإنّها سواء عند الفارسي الشيعي والفارسي السُنّي، ولا يُمكن التَفرقة بين الشيء ونفسه، وإلى هنا نكون قد أعطينا صورة عن الهُويّة العرقيّة التَشَيُّعِ والتَسنُّن، وبوسع طالب المزيد أن يَتَّخذ مِن هذه الدراسة مَنهجاً، وينحو هذا النحو في التَوسُّع بالدراسة المُختصَّة بهذا الموضوع.

١٠٦

الفَصلُ السَادِس

أسبابُ رَمي التَشَيُّع بالفارسية

1 - لِلإِجابّةِ على هذا السؤالِ نَقُولُ:

إنّه لا خُصوصيّة لهذه التُهمة بالفارسيّة، وإنّما هي صورة مِن صور رَمي التَشَيُّعِ بكلِّ ما هو مكروه، ولمّا كانت العلاقات بين الفُرس والعرب قد ساءت بَعدَ أن امتدَّ نُفوذ الفُرس في دولة الإِسلام - كما أشرنا إليه سابقاً - شاء أعداء الشيعة أن يَرموهم بالفارسية؛ ليُضيفوا إلى قوائم التهريج قائمة أُخرى، هذا مِن جانب، ومِن جانب آخر لمّا كان الشيعة مُنذ فَترة تَكوينهم مِن المعارضين للحُكُم؛ لأنّهم يرون أنّ الخلافة بالنصِّ، وليست بالشورى، وأنّها لعليٍّ (ع) ووُلدِهِ، وإنّما تَنازَل عنها وسكت حرصاً على مَصلحة المُسلِمينَ، وتَضحية بالمهمِّ في سبيل الأهم، وقد حَفَظ ذلك بيضة الإِسلام، وأنّ عقيدتهم هذه جرّت عليهم المُلاحقة، خصوصاً أيّام معاوية، وما تلاها إلى العُصور المتأخِّرة، وللإِمعان بالتنكيل بهم وإبعادهم عن الساحة حَشَّدت لهم السُلُطات كلّ ما تَملُك مِن وسائل التحطيم، المادّي مِنها والمعنوي، فاعتَبَرَتهُم خوارج عن جسم الأُمّة، ونَسبت إليهم مِن الآراء ما هو بعيد عن روحِ الإِسلام، وصَوَّرتهم بأنّهم دُعاة فوضى، ولاحقتهم بكلِّ صُنوف الملاحقة، وكان مِن ذلك أنّها استغلّت الشُعور المُلتهب ضِدَّ الفُرس منذ أيّام الاحتكاك بين العَرَب والفُرس، فَرمتهم بأنّهم وَرَثةُ الفُرسِ، وحَمَلَة عقائدهم، فأضافتها إلى قائمة التُهم التي أصبحت لا تُعدُّ ولا تُحصى، وأخذ كلّ خَلَفٍ يُضيفُ إلى القائمة التي وضعها السَلَف، بدون تَحرُّج، ولا رادع مِن مَسؤوليّة أو ضمير، وأين المسؤوليّة والسيف

١٠٧

والقَلم والحُكم والأموال بِيَدِ خُصُوم الشيعة، وانتهى الأمرُ إلى أن تَنفجر العبقريّات بألوان الاختلاق، وأصبح كلّ حاملِ سلاحٍ لا يَعرِف مدى مَضَائِهِ يُجرِّبهُ بِجِسم الشيعة، وكلّ مَن لا يَعرفُ نفسه يَتحسّس بُطولتَها بالسُبابِ والتَهجُّم على الشيعة، وبالاختصار أصبحَ الشيعةُ مُختبراً لِمُمارسة البطولات مِن كلّ حاملِ سلاح حتّى ولو كان سيفه مَثلوماً، ويده تَرتَعِش.

2 - السَبَبُ الثاني في رمي التَشَيُّعِ بالفارسيَّة:

هو ما ألمَحتُ إليه سابقاً مِن أنّ الفارسيّة ما كانت سُبّةً يوم كان الفُرس سُنّة، وإنّما عادت سُبّة يوم تَشيَّع قِسم مِن الفُرس، ودليل ذلك: أنّك ترى الطبقة الأولى والثانية مِن الّذين تَهجَّموا على الشيعة، وكالوا لهُم التُهم لم يضعوا في قائمتهم تُهمَة الفارسيّة.

وبِوسعِك الرُجوع إلى ما كَتَبَه ابن عَبد رَبّه الأندلسي في العقد الفريد بالفصل الخاص بالشيعة، وارتَجَل لَهُم المثالب والمطاعن فيه، فإنّك لا تَجِدُ هذه التُهمة ضِمن التُهم (1) ، وكذلك لو راجعت ما كَتَبه الشهرستاني في مِلَلِه ونِحَلِه، وما ذَكره عن الشيعة، فسوفَ لا تَجِدُ تُهمة الفارسيّة مِن التُهَم التي ساقها (2) .

وأمّا شيخُ أهل السُبْاب، وصاحب اللِسان الذي ما عَرَفَ الوَرَع، فإنّه برغم ما صالَ به وجال، وبرغمِ ما أملاه عليه الهوى، فإنّه لم يَذكر للشيعة هذه التُهمَة (3) .

نعم، ذَكَر ابن حَزَم أنّ هناك أفراداً مِن الفُرس شيعة في بعض استطراداته حتّى جاء المقريزي في القَرن التاسع، فرام أن يُصوِّر أنّ التَشَيُّع فارسي، فالمسألة جاءت مُتأخِّرة (4) ، وهكذا المتأخرون عن هذه الطبقة لم ترد في قوائمهم هذه التُهمة، وإنّما جاءت مِن بعد القَرن التاسع وبدء القرن العاشر، والغريب أن يكون بعض فُرسان هذه الحَملة مِن الفُرس أنفسهم أرادوا أن يُظهروا أنفسهم بأنّهم أحرص

____________________

(1) العُقد الفريد: 2/404 فَصاعداً.

(2) المِلَل والنِحَل، هامش الفَصل: 1/195.

(3) الفصل في المِلَل والنِحَل: 4/179.

(4) دراساتٌ في الفِرَق والعقائد: ص25.

١٠٨

على العُروبة مِن العَرَب أنفسَهم، ورَحِمَ الله مَن يقول:

رِفقاً بِنِسبَة عَمرو حينَ تَنسِبُهُ

فإنّه عَربيّ مِن قوارير

ولا أستبعد أنّ له هَدفاً خبيثاً مِن وراء ذلك، وبذلك كانوا أساتِذَةً للمُستشرقين كما سيأتي:

3 - السَبَبُ الثالِثِ في رَمي الشيعَةِ بِالفارِسِيَّة:

يكمن في قُوّة استدلال الشيعة بأنّ الخلافة بالنصِّ، وليست بالشورى، لأنّ القائلين بالشورى يَستدلّون بقوله تعالى: ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ) الشورى: 38، وبقوله تعالى: ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) آل عمران: 159. مع أنّ الآيتين أجنبيتان عن الموضوع؛ لأنّ قوله تعالى ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ) مَدحٌ للأنصار، الذين كانوا قَبلَ الإِسلام إذا أرادوا عَمَلَ شيءٍ تشاوروا فيما بينهم، ولم يَستبدّوا بآرائهم، وأما قوله تعالى: ( وَشَاوِرْهُمْ ) إلخ، فإنّه أراد تطييب قُلوبِهم، وإشعارهم بأنّهم أهلٌ للمُشاورة؛ ليرفع مِن معنوياتهم، فكان النبيّ (ص) يُشاورهم في أُمور الحَرب، وبعض الأُمور الدُنيويّة، وبوسع القارئ الرُجوع إلى التفاسير المُحترمة مثل: تَفاسير الفَخر الرازي، والكَشّاف للزمخشري، ومَجمَع البيان للطبرسي وغيرهم، فإنّ كلّ هؤلاءِ نَصّوا على ما ذكرته وقالوا: إنّ مشاورة النبيّ (ص) للمُسلمين فيما لم يرد فيه نصٌّ، وذلك عِند تَفسيرهم للآيتين المذكورتين.

فالآيتان لم تَنزِلا في تشريع مَنهَج لاختيار الإِمام عن طريق الشورى، وإنّما أراد بَعضُ الباحثين أن يستفيد مِن الآيتين ما يلي:

بما أنّ الخلافة سَكَتَ عنها النبيّ، ولم يِنُصَّ على أحَدٍ، وبما أنّ القرآن يَمدح الشورى بالأُمور المُهمّة، فَنرجع فيه إلى مَنهَج الشورى (1) .

أمّا الشيعة، فَقَد رَفضوا هذا، وذهبوا إلى:

أولاً: أنّ النبيّ كان إذا أراد الذهاب في سَفَر لا يترك المدينة بدون خَليفة

____________________

(1) انظر فجر الإِسلام: ص234.

١٠٩

عليها، ولو كان سفره ليوم واحد، فكيف يَترُك أُمور الناس مِن بعده بدون راعٍ؟!.

وثانياً: مِن الثابت أنّ الشريعة الإسلاميّة تفرض الوصيّة على المُسلِم حتّى في بَعض الميراث البسيط، وفي ذلك يقول القرآن الكريم في سورة البقرة، الآية: 180: ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ ) ، فكيف يترك هذا الأمر المُهم بدون أن يوصي به؟! والحال أنّ استقرار الأُمّة مُتوقف على ذلك، وبدون ذلك يؤول الأمر إلى التنازُع.

ثالثاً: تظافرت الأدلَّة مِن الكتاب والسُنّة على أنّ الإِمامة بجعلٍ مِن الله، ومِن ذلك قوله تعالى: ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) الأنبياء: 73.

وقوله تعالى: ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ) القصص: 5.

وقوله تعالى: ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ) السجدة: 24.

هذه بعض الآيات التي يُستَدَل مِنها على أنّ الإِمامة بجعلٍ مِن الله تعالى.

بالإِضافة إلى نُصوص النبيّ على الإِمام مِن بعده، ومِن ذلك موقفه يوم الغدير، عندما نَزل عليه قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) المائدة: 70، فَجَمع النبيّ الناس، وخطَبَ خُطبته المعروفة، وقال في آخر خُطبَته: ( ألستُ أولى بِكُم مِن أنفسكم؟ ) قالوا: بلى، قال: (اللهمّ فاشهد، وأنت يا جبرئيل فاشهد) وكررها ثلاثاً، ثمّ أخذ بيدِ علىِّ بن أبي طالب، فَرَفعها؛ حتّى بَانَ بياضُ إبطيهِما للناس، وقال: (مَن كُنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللهمَّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصُر مّن نصره، واخذُل مَن خَذلَه، والعن مَن نَصَبَ له العداوة والبغضاء) إلى آخر الواقعة.

وقد روى هذا الموضوع مائة وعشرون صحابيّاً، وأربعة وثمانون تابعيّاً، وكان عَدد طبقات رواته مِن أئمة الحديث يتجاوز ثلثمائة وستّين راوياً، وقد أَلَّفَ في هذا

١١٠

الموضوع مِن الشيعة والسُنّة ستٌّ وعشرون مُؤلِّفاً، وقد غَطَّوا كُلّ جوانب الموضوع، وأشبعوه بحثاً وتمحيصاً، فراجع (1) .

وبالرَغم مِن وُفرَة مصادر هذا النصِّ، ودلالته الواضحة، فإنّك لا تَعدم مَن يؤوِّل هذا النصّ تأويلاً سخيفاً، أو مَن يَقول: إنّ حديث الغدير لم يَرد إلاّ في كُتُب الشيعة، كما يقول أحمد شَلَبي في مؤلَّفاته، وقد تسمع مَن يقول: إنّ الشيعة دسّوا هذه الروايات في كُتُب السُنّة، وأمثال ذلك مِن تافه الكلام، الذي هو أشبه بخُرافات العجائز، وعلى العُموم إنّ مَوضوع الإِمامة كُتِبَت فيه عشرات الكُتُب، وهو ليس مِن صُلبِ موضوعي، وإنّما فَرَضَتْهُ المُناسبة استطراداً، وقد اتَّضح مِن هذا: أنّ الشيعة يستندون إلى النصِّ في مسألة الإِمامة، دون نَظريّة الشورى؛ وذلك لأنّ الشورى لا سَنَدَ لها مِن الكتاب والسُنّة في نَظَرهم، وإنّما هي مُجرَّد اجتهاد مِن المُسلِمينَ الّذين ظَنّوا أن لا نصَّ هناك، ثمّ إنّ الشيعة يتساءلون، أين هي الشورى؟، وما هي أركانُها، وشروطها، وكيفيَّتها؟، وهل تحقَّقت في أيّام الخُلفاء، ونَصَبَ الخُلفاء بموجبها أم لا؟. مع أنّنا نَعلم أنّ الّذين بايعوا الخليفة الأوّل بالسقيفة اثنان، هم: الخليفة الثاني، وأبو عُبيدة، وعلى روايةٍ أُخرى إنّهم أربعة، كما يروي ذلكَ الحَلَبيّ في سيرته، والبُخاري في باب فَضل أبي بكر، ولذلك ذهب أهل السُنّة إلى أنّ الإِمامة تَنعقد بَبَيعة أثنين مِن أهل الحَلِّ والعَقد، فإنّ هذه النظريّة واضح مِنها أنّها تَصحيح للموقف يوم السقيفة، ورَفْعٌ للتناقض في مَنهج الشورى نَظَرياً وتَطبيقاً، فإنّه لا عاقل يمكنُ أن يَتصوَّر انتخاب خَليفة مِن قَبَل اثنين فقط، وهذان الاثنان يتمُّ تمثيل المُسلِمينَ بهما، وللتأكد مِن عدد المُبايعين، ونظريَّة عَدد أهل الحلِّ والعقد، راجع المصادر التالية (2) .

ولقد صَوَّرتٍ البيعةَ خيرَ تَصويرٍ صادق كلمة الخليفة الثاني: إنّ خلافة أبي

____________________

(1) الجزء الأوّل مِن كتاب الغدير للأميني، والإصابة لابن حَجَر في ترجمة الإِمام علي (ع)، والاستيعاب لابن عبد البر في ترجمة الإِمام عليّ، وأعيان الشيعة: ج3، وتفسير كلٌّ مِن الرازي، والدرّ المنثور للسيوطي، عند تفسير الآية المَذكورة، وتفسير مَجمَع البيان كذلك.

(2) السيرة الحَلبيّة: 3/358، وصحيح البُخاري باب: فضل أبو بكر، والغدير للأميني: 7/141.

١١١

بكرٍ فَلَْتةٌ وقى الله شرّها، فإنّ تعبير الخليفة عنها أنّها فَلْتَة، يؤكِّد أنّها لم تَكن عن مِنهاج سابق (1) .

لقد بايعَ الاثنان، ثمّ بعد ذلكَ تمَّت البيعة كما رسمها المؤرِّخون، ولم تَتَعدَّ بعض أرباض المدينة، فهل كانت شورى تَتَقوَّم باثنين، أو حتّى بالمدينة كُلَّها مع أنّ مفاد قوله تعالى ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى ) ، يتناول المُسلِمينَ كافَّة، وإذا كانت لا تتناول المُسلِمينَ كافَّة، فلا تنهض بالدليليّة، كما هو واضح، وأروع مِن ذلك كُلّه، أن ترى فَقيهاً مِن فُقهاء أهل السُنّة يقول: إنّ مَعنى الشورى يتحقق ولو ببيعة رَجل واحد، وهو ابن العربي المالكي، وذلك في تفسيره لمعنى الشورى.

ثمّ يرد تسأول آخر هو: هل أنّ الخليفة الثاني جاء إلى الحُكم عن طريق الشورى، أم عن طريق تعيين الخليفة الأوّل له كما هو واقع الحال؟ (2) .

ويتساءلون ثالثاً: هل أنّ الخليفة الثالث جاء الحُكم عن طريق الشورى، أم عن طريق خمسة عَيّنَهُم الخليفة الثاني؟، ولَم يؤيّده مِنهم إلا ثلاثة (3) .

إنّ كلّ باحث موضوعيٍّ لا يمكن أن يَستَند إلى صدور نظريّة الشورى عن الشريعة الإسلاميّة، لا نظريّاً ولا تطبيقيّاّ.

والآن لِنَرجِع للأمر الثالث فنقول: إنّ نَظريّة الشورى لمّا كانت غير ناهضة، بينما نظريّة التعيين تقف على أرض صلبة، أراد البعض أن يبعد هذه النظريّة عن إطارها الإِسلامي، فافترض أنّها نَظريّة كان يذهب إليها الفُرس، ويرون أنّ مُلوكهم حَكموا بالحقِّ الإِلهي، وحيث أنّ الحُسين صاهر الفُرس، فتزوج بِنت يَزدَجُرد، انتقل إليه هذا الحقُّ الإِلهي، وقد سَبق استعراض هذا المعنى في أوّل الكتاب.

فالهدف إذاً: دفع نَظريّة النصِّ والوصاية عن كونها مِن الإِسلام، وجعلها مِن مورثات الفُرس التي نقلوها معهم لمّا دخلوا إلى التَشَيُّع. فإذا قلتَ لهؤلاء: إنّ الوصاية ثبتت بنصوص قبل دُخول الفُرس للإِسلام. قيل لك: إنّ هذه الروايات دَسّها الشيعة في كُتُبِ السُنّة. فإذا ذكرت لهم عدَّة طُرُق للرواية، قيل لك: إنّ الوصيّة

____________________

(1) انظر تاريخ الطبري: 3/330 و301.

(2) تاريخ الطبري: 4/54.

(3) الطبري: 5/35.

١١٢

التي تذهبون إليها إنّما هي في أُمور بسيطة بيتيّة، وليس لها صِلة بموضوع الخلافة وهكذا. هذه في نَظري أهمَّ الأسباب التي رُميَ التَشَيُّع بالفارسيّة مِن أجلها، وهو زَعم أصبح يُفنّد نَفسه بنفسه؛ لوجود الواقع الخارجي الذي يُعيّن هُويَّة التَشَيُّع بصورة مُجسّدةَ، جاء المستشرقون بعد ذلك فضربوا على هذا الوتر، ومَعَهُم تلاميذهم يرقصون على أنغامهم.

إنّ أهداف كثير مِن المستشرقين لا تخفى؛ لأنّها تستهدف صيد عصفورين بِحَجَرٍ، فإنّ الهدف الأساسي ضَرب وحدة المُسلِمينَ، وبعد ذلك تزييف ركائزهم الفِكريّة؛ لأجل ذلك تجد كُتُب المستشرقين تُؤكِّد على هذه النُقطة، وتَرتَّب عليها آثاراً كثيرة، وكأنّ هذا الموضوع مُختصٌّ بالشيعة فقط، أمّا السُنّة الفُرس، فَهُم محروسون مِن أن يتدسس إليهم الفكرُ الفارسي، حتّى ولو كان ثمانون بالمئة مِن الفُرس مِنهم.

ولستُ أنفي أن تكون هُناك أسباب أُخرى لرمي التَشيُّع بالفارسيّة، قد يكون منِها أحياناً بَعظ الاستنتاجات المُخطِئة، أو سوء الفَهم الذي يعتبر كلّ التقاء بين نظريّتين هو تأثير وتأثر، وقد يكون صُدفة، إنّ مجرّد التقاء نَظريّة للشيعة مع نَظريّة للفرس لا يُشكّل مُبرّراً بِحالٍ مِن الأحوال لاعتبار الفِكر الفارسي مَصدر العقائد الشيعيّة؛ لوضوح أنّ الفِكرَ الديني في العقائد والأحكام مَصدَره الكتاب والسُنّة، في حين أنّ نظريّات الفُرس هي نظريّات وضعيّة، لا تَستَند إلى الشريعة واحدة أو مُتعدِّدة حتّى يُقال: إنّ هؤلاءِ أخذوا مِن هؤلاءِ.

كيفَ صارَ الفُرسُ شيعةً

إذا حاولنا مَسحَ الأبعاد التاريخيّة البيئيّة للفُرس، نجدُ أنّ مَن تَشيَّع منِهم يُقسَّمون أقساماً:

القِسمُ الأوّل:

وهو القِسمُ الذي تَشيَّع بِعمليّة انتقاء واختيار عن طريق الصحابة الّذين رافقوا عمليّات الفتح، ونَقلوا مَعهم عقائدهم وفِكرهم الشيعي، وقد ساعد على

١١٣

ذلك أنّ اعتناقَ التَشيُّع آنذاك لا يُسبِّب لهُم ضرراً؛ لأنّ العِلميّة كانت شيئاً طبيعيّاً، وبَعدهُم عن مواطن الإِحتكاك؛ ولأنّ الفكر كان ضمن نِطاق الأُمور العقائديّة، ولا يَتَجسّد في فعاليّات سياسيّة، ومِن أبرز مواطن التَشيُّع في هذا القِسم خُراسان، ثمّ قُم بعد ذلك.

القِسمُ الثاني:

هُم الّذين تَشيّعوا تَعاطُفاً مع الشيعة الّذين نالهم الإِضطهاد بعد ذلك، وهذا القِسم جَمَعه الإِضطهاد مَعَهُم؛ لأنّه كان مُضطهداً، ومِن هؤلاءِ: الموالي في قِسمٍ كبير منِهم ممَّن كان داخل بُلدان الخلافة، أو الّذين لَحِقَهُم الإِضطهاد داخل إيران، وقد بدأت تصل إليهم أفواجٌ مِن المُهاجرين المُضطهَدين لأجل تَشَيُّعِهم، والذين دفَعَ مِنهم زياد بن أبيه خمسين ألفاً إلى خراسان؛ حتّى يُخلِّص الكوفة مِن العناصر الشيعيّة الصُلبة (1) والإِضطهاد قرابةٌ أحياناً، وكان بَعد ذلك أن تَمازجت أفكارَهم بَعدَ التِقاء مشاعرهم، وصار الفِكر مُتبادلاً بينهم، وساعَد على ذلك استمرارُ الإِضطهاد فَتَراتٍ امتدَّت طويلاً، والعقائدُ كثيراً ما يُرسّخها الإِضطهاد.

القِسمُ الثالِث:

الّذين تَشيّعوا عن طريق اللقاء الثقافي المُعمَّق؛ لأنّ الشيعة اضطرُّوا إلى تَعميق ثقافتهم، وولوج مُختَلَف ميادين المعرفة؛ للدفاع عن وجودهم، والذَود عن عقائدهم بالنظر إلى تَعرُّضهم إلى وضعيّات شَرِسَة، خُصوصاً وأنّ الحُكم ووسائل القوَّة ليست بأيديهم، وكان أن استهوت ثقافتهم قَطّاعاً كبيراً مِن الفُرس، نظراً لِخلفيّتهم الحضاريّة، ونُهوض الحُجّة في نَظَرهم لكثير مِن مُعتقَدات الشيعة التي لم يَدعمها سيفٌ ولا بريقُ مالٍ، ولا طَمَع في حُكم، بل لمُجرَّد الإِقتناع بِصحّة أدلّتهم.

القِسمُُ الرابِع:

هُم الّذين دَخلوا التَشيُّع مع التَيّار الذي صَنَعه الحُكّام، وأعلنوا ضَرورة

____________________

(1) الطبري: 6/126 طبعة 1932.

١١٤

العُدولِ إلى مَذهب الشيعة. وهؤلاء قِلّة لا يُعتدُّ بها، وقد تَظاهرت بذلك؛ لأنّه لا يمكن للعقائد أن تُفرَض فَرضاً، وذلك حينما أعلن خدابنده، ثمّ الصفويّون في بِداية القرن العاشر رَسميّة المَذهب الشيعي، وذلك مِثلما حَدثَ لديار بَكر وربيعة التي كانت شيعيّة أيّام الحمدانيين، ثمّ حوَّلهم الحُكّامُ إلى سُنّة، وكما حَدَثَ لمِصر بعد حُكم الفاطميين، إذ حُوِّلت إلى سُنّيّة أيّام الأيّوبيين، وكما حَدَثَ ذلك لكثير مِن البُلدان.

ولستُ أزعم أنّه لا يوجد مَن قد يكون دَخل التَشيُّع وله أهداف غَيرُ سليمة، وليس ذلك بذنبٍ للتَشيُّع، فكثير مِن اليهود دخلوا الإِسلام، وتظاهروا بذلك، وفي نُفوسهم أهداف خبيثة، ولا نَعتبِر الإِسلام مسؤولاً عن ذلك، كما أنّ هذه الفصيلة التي تَدخل الإِسلام أو التَشيُّع ولها أهداف مَسمومة لا تعدو أصابع اليد، ولا تُشكِّل خَطَراً؛ بدليلِ أنّ جَوهر الإِسلام مَحفوظ رَغم وجود أمثال هؤلاءِ، وليس مِن المنطق في شيءٍ أنَنتَزِع حُكماً عامّاً على مَذهب مِن المذاهب؛ لأنّ بعض الأفراد المُندسّين فيه عُررِفوا بِنَظريّات هدّامة، لا سيّما إذا كانت أُسس المذهب واضحة لا تلتقي مع المُندسّين بِشِكِل مِن الأشكال، فالإِصرار على تحميل مذهب مسؤوليّة فِعلِ فَردٍ مُندسٍّ فيه، عملية إمّا أن تكون مَشوهة وغير نظيفة، وإمّا أن تكون بلهاء لا تتصرَّف بمقاييس.

١١٥

١١٦

البابُ الثالِث

هُويَّة التَشَيُّع العَقائِديّة

وفيهِ فصُول

١١٧

١١٨

الفصل الأوّل

التَوطِئة

قبل الولوج في صُلبِ الموضوع، لا بُدّ مِن الإِشارة إلى نُقاط يتعيَّن البدء بها تَجنُّباً عن الخلط الذي يقعُ فيه كثير مِن الباحثين لسبب أو آخر، وينتهي الأمر إلى التجنّي على الحقائق، وإلى الخلط، وإلى أقوال هي بالهزل أشبه منِها بالجد.

والمؤسف أنّ مِثل هذه الأقوال الهزيلة، بقيت مع التاريخ كأنّها حقائق مُقدَّسة، وكأنّها مُسلّمات لا تقبل النِقاش، يأخذها المتأخّرون مِن المتقدِّمين بدون الرُجوع إلى تَمحيص أو إلى مقاييس، فما أعظم مسؤوليّة هؤلاءِ الّذين رَحلوا وخَلّفوا هذه التَرِكة الموبوءة، وهذا الزاد السُموم الذي ابتُليَ به المسلمون، والله المُستعان على الخلاص مِنه، وهاهُنا نُقاط سنجعلها توطئة لهذا العنوان حتّى إذا دخلناه فعلى بصيرة.

1 - النُقطَةُ الاُولى:

إنّ الشيعة الّذين أكتبُ عنهُم هُنا، وأذكر آراءهم، أو أُدافع عمّا يُنسب لهم هُم الإماميّة الإِثنا عشريّة، الّذين يؤلِّفون الجمهور الشيعي اليوم، والّذين تملأ كُتبُهم مكتبات العالَم، وإن شئت فقُل: الّذين تعيش أفكارهم فعلاً، وتَتجسّد في سُلوك حيّ، وتدوّن آراؤهم فعلاً في الفِقه والعقائد والتاريخ، ولستُ أتكلَّم عمَّن يُسمّى شيعيّاً لُغة، لأنّه ذهب إلى تَفضيل عليٍّ (ع) على غيره، فَعُرِف بالتَشيُّع مِن أجل ذلك، وما عدى ذلك فليس له مضمون عقائدي أو فقهي في أبعاد التَشيُّع، فهُناك

١١٩

مَن سُمّي شيعيّاً وليس له مِن مضمون، إلاّ أنّه يعتقد أنّ عليّاً أفضل مِن غيره، وأنّه حيّ لم يَمت.

انقرض هؤلاءِ الأشخاص مِن الوجود، وهناك مَن يَعدَّهُم فِرقة شيعيّة إلى الآن.

إنّ مثل هذا القول يُضحك ويُبكي، فهو يُضحك؛ لأنّ مِثل هؤلاءِ الأفراد يُسمّون فِرقة، ويُبكي؛ لأنّ المُسلمينَ وصَل بهم الإسفاف إلى حدٍّ جَعلهُم يَلتمسون أمثال هذه الحالات للتهريج بعضهم على بعض. ودعني أضرب لك مثالاً في مثل هذا الموضوع فانتبه له:

فقد ذَكر الرازي في كتابه اعتقادات فِرَق المُسلمينَ: أنّ مِن فِرَق الشيعة، فِرقَة الكامليّة. وقال عنها ما يلي بالحرف الواحد:

وهم يَزعمون أنّ الصحابة كُلّهم كَفَروا إذ فوَّضوا الأمر إلى أبي بكر، وكَفَر عليٌّ حيث لم يُحاب أبا بكر.

إنّ هؤلاءِ الأشخاص الّذين لم يُبيِّن الرازي مَوقعهم، ولا عددهم هُم فِرقة في نَظَرِه، وكلّ مضمونهم الفكري هذه الكلمات الأربعة، ثمّ إنّهم يُكفِّرون الإِمام عليّاً، وهُم مع ذلك شيعة في نَظَر الرازي!

هَل سَمِعتَ بالأكوس عريض اللحية؟ إنّه هؤلاءِ.

هل رأيت هذا التناقض شيعيٌّ يَتَشيَّع لعليٍّ، وهو يُكفِّر عليّاً، هل رأيت الخصومة كيف تُنسي الإِنسان حتّى البدهيّات، وأيُّ إنسان؟! إنّه الرازي، صاحب العَقليّة الكبيرة، ومع ذلك يصل إلى حَدِّ هذا الإِسقاف، اللهمّ إنّا نَعوذ بِكّ مِن الخُذلان. فراجع ما كَتَبه الرازي عن هذه الفِرقة ونظائرها، وقِف بنفسك على هذا التناقُض (1) .

2 - النُقطَةُ الثانية:

إنّ بعض ما يُسمّيه كُتّاب الفِرق بأنّه فِرقة، قد لا يَتجاوز فرداً واحداً له رأي شاذٌّ، وقد لا يَتجاوز عدد أفراد الفِرقَة على أحسن الفُروض عشرة أفراد، وقد يكونون مُنقرضين لا يوجد لهُم أثر إلاّ في مُخيّلة البعض، أو في وُرَيقات مِن كُتُب

____________________

(1) اعتقادات فِرَق المُسلمينَ: ص60.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

وانتشر الصّبح بأنواره

وانجاب عن أضواء الحندس(١)

فارقني خشية أعداؤه

وقد خلا من جمعنا المعرسُ(٢)

لا أقبل الصّبح باسفاره

لأنّه الفضّاح والأوكسُ

واللّيل لو جنَّ به جنَّتي

وجنَّتي طاب بها المأنسُ

موسى رأى النّار به سابقاً

من جانب الطّور لها غرنسُ

وقد أتاها طالباً جذوة

حتّى دنا من قربها يقبسُ

نودي بالشّاطيء غربيّها

: أنا الإلـ~ـه الخالق الأقدسُ

ونار موسى سرُّها حيدرٌ

العالم الخنذيذ والدهرسُ(٣)

والأسد المغوار يوم الوغى

تفرق من صولته الأشوسُ(٤)

لو قامت الحرب على ساقها

قال إليها وهو لا ينكسُ

كم قدَّ في صارمه فارساً

وصيّر السيد له ينهسُ؟(٥)

هو ابن عمّ المصطفى والّذي

قد طاب من دوحته المغرسُ

عيبة علم الله شمس الهدى

ونوره الزّاهر لا يُطمسُ

مهبط وحي لم ينل فضله

وكنهه في الوهم لا يحدسُ

قد طلّق الدّنيا ولم يرضها

ما همّه المطعم والملبسُ

يقطّع الليل بتقديسه

يزهو به المحراب والمجلسُ

وفي النّدى بحرٌ بلا ساحل

وفي المعالي الأصيد الأرءس

إذا رقى يوماً ذُرى منبر

وألسن الخلق له خرَّسُ

يريك من ألفاظه حكمة

يحتار فيها العالم الكيّسُ

فيالها من رُتب نالها

من دونها كيوان والأطلسُ؟

____________________

١ - الحندس: الظلمة جمع حنادس.

٢ - المعرس: الموضع الذى يعرس فيه القوم أى نزلوا فيه للاستراحة.

٣ - الخنذيذ: الخطيب البليغ. العالم بايام العرب اشعارهم السيد الحليم. الشجاع البهمة الدهرس: الداهية.

٤ - الاشوس: الجرىّ على القتال الشديد.

٥ - السيد: الذئب، الاسد، والسيد تخفيف السيّد. نهس: أخذ بمقدّم اسنانه ونتفه.

٣٨١

قد شرّفت كوفان في قبره

ولم تكن أعلامها تدرسُ

إن أنكر الجاحد قولي أقل

: يا صاح هذا المشهد الأقدسُ(١)

أما ترى النّور به مشرقاً

قرّت به الأعين والأنفس

والله لولا حيدرٌ لم يكن

في الأرض ديّارٌ ولا مكنسُ

فليس يحصي فضله ناثر

أو ناظم في شعره منبسُ

لو كان ما في الأرض أقلامه

والأبحر السّبع له مغمسُ

سمعاً أبا السّبطين منظومة

غرّاء من غصن النّقا أميسُ

تختال من مدحك في حلّة

لم يحكها في نسجها السّندسُ

أرجو بها منك الجزا في غد

فإنَّ مَن والاك لا يبخسُ

صلّى عليك الله ما أشرقت

شمس الضّحى وانكشف الحِندسُ

ومن شعره في تقريظ ( المطوّل ) للتفتازاني قوله:

إنَّ المطوّل بحرٌ فاض ساحله

فلا يحيط به وصفي وانجازي

فُرقان أهل المعاني في بلاغته

وفي الدّلائل منه أيّ إعجازِ

____________________

١ - هذا مستهلّ قصيدة السيد على خان.

٣٨٢

القرن الثاني عشر

١٠٢

الشيخ ابراهيم البلادى

بدأت محمد مَن خلق الأناما

وأشكره على النّعما دواما

هو الموجود خالقنا وجوباً

ولم أثبت لموجدنا انعداما

لقد خلق الورى إطهار كنزٍ

تستَّر فاستفضَّ له الختاما(١)

اصولٌ خمسةٌ للّدين منها

له العدل الّذي في الحكم داما

وثاني الخمسة التوحيد فيه

ونفي شريكه أبداً دواما

وثالثها النبوّة وهي لطفٌ

عظيمٌ دائمٌ عمَّ الأناما

ورابعها الإمامة وهي لطفٌ

من الباري به الّدين استقاما

وخامسها المعاد لكلِّ جسم

وروح والدّليل عليه قاما

وإنَّ إلـ~ـهنا في الحكم عدلٌ

يخاصم كلَّ من ظلم الأناما

وإنَّ النّار والجنّات حقُّ

على رغم الّذي جحد القياما

وإنَّ المؤمنين لهم جنانٌ

ونار الكافرين علت ضراما

وإنَّ الرّسل أوَّلهم أبوهم

وذلك آدم خصّوا السَّلاما

وأفضلهم اولو العزم الأجلّا

ومَن عرفوا لربِّهم المقاما

وهم نوحٌ وإبراهيم موسى

وعيسى والأمين أتى ختاما

محمّدهم وأحمدهم تعالا

وأعلاهم وقاراً واحتشاما

فأشهد مخلصاً أن لا إلـ~ـه

سوا الله الّذي خلق الأناما

وإنَّ محمّداً للنّاس منه

نبيُّ مرسلُ بالأمر قاما

وأشهد انّه ولّى عليّاً

وليَّ الله للدِّين اهتماما

وصيَّره الخليفة يوم « خمّ »

بأمر الله عهداً والتزاما

____________________

١ - اشارة إلى الحديث القدسى الدائر على الالسن: كنت كنزا مخفياً فاحببت أن اُعرف فخلقت الخلق لكي اُعرف.

٣٨٣

ونصَّ على الأئمَّة من بنيه

هناك على المنابر حين قاما

فواخاه النبيٌّ وفي البرايا

بحكم الله صيَّره إماما

وعظَّمه ولقَّبه بوحي

أمير المؤمنين فلن يراما

وزوَّجه البتول لها سلامٌ

من الله الوصول ولا انصراما

فكان لها الفتى كفواً كريماً

فأولدها أئمّتنا الكراما

[ إلى آخر القصيدة(١) ]

( الشاعر )

أبو الرّياض الشّيخ إبراهيم بن الشّيخ عليّ بن الشّيخ الحسن بن الشّيخ يوسفَ ابن الشّيخ حسن بن الشّيخ علي البلادي البحراني أحد أعلام البحرين وفضلائها، كان موصوفاً بالأدب وصياغة الشّعر، من أجداد مؤلّف [ أنوار البدرين ] العالية كما ذكره في بعض التراجم، له منظومة الإقتباس والتضمين من كتاب الله المبين في إثبات عقايد الدّين، استدلاليّا، وجامع الرّياض يمدح فيه كلَّا من المعصومين عليهم السّلام بروضة، ومن هنا يكنّى بأبي الرِّياض، وديوان شعره يوجد بخطّ تلميذه الشّيخ أبي محمّد الشّويكي الآتي ذكره، صحَّحه سنة ١١٥٠، يحتوي على قصائد على عدد الحروف بترتيبها، و ١٣٢ دو بيتاً في أبواب خمسة في التوحيد، والنبوَّة، والإمامة والأئمِّة، و العدل، والمعاد، وميميَّة ١٠٨ بيتاً في الاُصول الخمسة.

ووالد المترجم له الشيخ عليّ أحد أعلام عصره ذكره صاحب الحدايق في [ لؤلؤة البحرين ] وقال: كان فاضلاً ولا سيّما في العربيّة والمعقولات، مدرّساً إماماً في الجمعة والجماعة معاصراً للشّيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي اهـ وترجم له صاحب [ رياض الجنّة ] في الرّوضة الرّابعة، وكان الشيّخ حسن جدّ المترجم له أيضاً من الفضلاء و كذلك جدّه الأعلى الشيخ يوسف بن الحسن، ذكره الشّيخ الحرّ في [ أمل الآمل ] وقال: فاضلٌ متبحّرٌ شاعرٌ أديبٌ من المعاصرين. وحكى صاحب الحدايق في [ لؤلؤة البحرين ] عن والده العلّامة إنّه لمـّا توفّي الشّيخ يوسف بن الحسن البحراني ودفن في

____________________

١ - أخذناها من ديوانه المخطوط وله فيه شعر آخر فى الغدير ايضا.

٣٨٤

مقبرة المشهد - مسجد في بحرين - إتّفق انهدام إحدى منارتيه وسقوطها على قبره فمرَّ الشّيخ عيسى(١) بامرأة جالسة عند المنارة تتعجّب من سقوطها فقال الشَّيخ عيسى في ذلك:

مررت بامرأة قاعده

تُحولق في هيئة العابده

وتسترجع الله في ذا المنار

فما بالها في الثّرى راقده؟

فقلت له: يا بنة الأكرمين

رأيت اُموراً بلا فائده؟

ثوى تحتها يوسفيّ الكمال

فخرّت لهيبته ساجده

____________________

١ - أوحدى من اعلام ( آل عصفور ) اسرة شيخنا الفقيه المتضلع الشيخ يوسف صاحب ( الحدايق ) شاعر مفلق، واديب بارع.

٣٨٥

القرن الثاني عشر

١٠٣

الشيخ أبو محمد الشويكي

_ ١ _

زار حبّي فانجلت سود اللّيالي

حين أبدا منه ثغراً كاللئالي

وتبدَّت لمعٌ من وجهه

فحكى في لمعه لمع الهلالِ

إلى أن قال:

حيدر الكرّار مقدام الورى

شامخ القدر عليٌّ ذي المعالي

عالم الغيب فلا عيب به

طاهر الجيب فتىً زاكي الخصالِ

هاشميٌّ نبويّ جوده

يخجل الغيث لدى سكب النوالِ

أحمديّ الخُلق والخَلق فتىً

عنتريُّ الحرب في يوم النّزالِ

صايم الصّيف وقوّام الدّجا

مكرم الضّيف بمالٍ من حلالِ

معدن العلم الّذي سؤّاله

تبلغ الآمال من قبل السؤالِ

ثابت النصِّ من الله ومن

أحمد المختار محمود الفعالِ

والد السبطين من ستِّ النسا

بنت خير الأنبياء ذات الحجالِ

من له المختار واخى في الورى

مرغماً أعدائه أهل الضَّلالِ

وهو في القرآن نصّاً نفسه

خير من باهل بعد الإبتهالِ

فله الشّأن عليٌّ كاسمه

صاحب الإحسان غوثي في مآلي

حجّة الله بنصٍّ ثابتٍ

يوم « خمّ » فهو من والاه والي

وأمير المؤمنين المرتضى

من إلـ~ـه العرش ربّي ذي الجلالِ

في فراش المصطفى بات ولم

يخش من أعدائه أهل النّكالِ

أخذناها من مختصر ديوانه الذي كتبه إلى شيخه بخطّه وهي قصيدةٌ طويلةٌ قالها سنة ١١٤٩ يمدح بها امير المؤمنينعليه‌السلام .

٣٨٦

_ ٢ _

وله قصيدة أنشدها سنة ١١٤٩ وجدناها بخطّه يذكر بها العقايد الدينيّة مستهلّها:

إسمع هداك الله حسن العقايدِ

وخذ من معاني الفكر درّ الفوايدِ

له الحمد ربّي كم حبانا بنعمة

تقاصر عن إدراكها حمد حامدِ؟

إلى أن قال:

وألطاف ربّي في البريّة جمّةٌ

لها الغيث عذبٌ في جميع المواردِ

وأعظم ألطاف الإلـ~ـه نبيّنا

وعترته أزكى كرام أماجدِ

حبانا بخير المرسلين محمّد

نبيّ هدىً لِلَّه أكرم عابدِ

ويقول فيها:

ومعجزة القرآن لا زال باقياً

له بثبات الأمر أعظم شاهدِ

وقد نسخت كلّ الشرايع في الورا

شريعته الغرّا على رغم ماردِ

فصلّى وزكّا ثمَّ صام نبيّنا

وحجَّ وكان الطّهر أيّ مجاهدِ

له الله قد صفّا من العيب فاغتدا

نبيّاً صفيّاً صادقاً في المواعدِ

وكان له المولى الجليل وحسبه

عليٌّ على الأعداء ايّ مساعدِ

فكان له كفّاً قويّاً وساعداً

وسيفاً لهام القوم أعظم حاصدِ

فواخاه عن أمر الإلـ~ـه وخصّه

بفاطمة اُمّ الهداة الفراقدِ

وصيّره عن أمر خالقه له

إماماً بخمّ مرغماً أنف حاسدِ

وقال له فوق الحدائج خاطباً

وأضحى له أمر الورى أيّ عاقدِ

ونصَّ عليه بالإمامة مجهراً

وأبنائه يا خير ولد لوالدِ؟

[ القصيدة ]

_ ٣ _

وله من قصيدته الغديريّة الطويلة:

يوم الغدير به كمال الدّينِ

ومتمّ نعمة خالقي ومعيني

لِلَّه من يوم عظيم عيده

للمؤمنين بدين خير أمين

يوم به رضي الإلـ~ـه لخلقه الإ

سلام بالتأييد والتمكينِ

٣٨٧

يومٌ شريفٌ عظّمت بركاته

من قبل كون الكون في التكوينِ

يومٌ به نصب المهيمن حيدراً

علماً إماما للورى بيقينِ

فهو الغدير وفضله متظاهرٌ

كالشّمس لم يحتج إلى التبيينِ

وله الرّواية يا فتى تروي الظّما

فكأنَّها من عذب خير معينِ

روت الرّواة عن النبيّ محمّد

خير الورى بالنصِّ والتعيينِ

فأتاه جبريل الأمين مبلّغاً

عن ربِّه التّسليم بالتبيينِ

فالآن بلّغ عنه نصبك حيدراً

فوجوب طاعته وجوب عيني

قم ناصباً للطهر حيدرة التّقى

قبل افتراق مصاحبٍ وقرينِ

قال النبيُّ الطهر سمعاً للّذي

قد قال من هو للورى يكفيني

ودعا بخمّ وهو أوعر منزل

: يا قوم حطوا الرَّحل في ذا الحينِ

ومن الحدائج قد ترقّا منبراً

ودعا عليّاً والد السّبطينِ

وإليه شال فبان من إبطيهما

ذاك البياض ففاق للقمرين

ولصحبه قد قال: يا قوم اسمعوا

منّي مقالة ناصحٍ وأمينِ

هل كنت يا أصحابُ أولى منكم

بنفوسكم؟ قالوا: نعم بيقينِ

من كنت مولاه فمولاه أخي

ووصّي بعدي كفّه بيميني

[ إلى آخر القصيدة ]

_ ٤ _

وله من قصيدة طويلة تسمّى بالغزالة يمدح بها النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوَّلها:

أقبلت تقنص الاُسود الغزاله

ذات نور يفوق نور الغزاله

وانثنت تسلب العقول وثنّت

غلّة في الحشا بلبس الغلاله

إلى أن يقول:

فولاء النبيّ للعبد درع

عن نبال الرّدى وللنصر آله

وولائي من بعده لعليّ

حيث أن قبل موته أوصى له

وارتضاه الإمام في يوم خمّ

فهو للخصم قاطعٌ أوصاله

ويوجد ذكرى الغدير في ساير قصايده اقتصرنا منها على ما ذكرناه.

٣٨٨

( الشاعر )

أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن الحسين بن محمّد الشويكي الخطّي، من تلمذة الشّيخ إبراهيم ابن الشّيخ علي البلادي الآنف ذكره، والشّيخ ناصر بن الحاج عبد الحسن البحراني، له في فنِّ الأدب وقرض الشّعر والإكثار منه والتفنّن فيه أشواطٌ بعيدة، غير أنَّ شعره من النّمط الأوسط، له كتابٌ في أحوال المعصومين، وديوان مدايح النبيّ وآله يسمّى بـ [ جواهر النظام ] وديوان مراثيهم الموسوم ب‍ ( مسبل العبرات ورثاء السّادات) استخرج من الدّيوانين قصايدة كثيرة في أربعة ايّام وألّفها ديواناً أهداه لشيخه العلّامة آقا محمّد بن آقا عبد الرّحيم النجفي في سنة ١١٤٩ وهذا الدّيوان المنتخب من شعره يحتوي على خمسين قصيدة في أوزان وقواف مختلفة في مدايح النبيِّ وآله صلوات الله عليه و عليهم ورثائهم، ويرثي العبّاس بن أمير المؤمنينعليه‌السلام والقاسم بن الإمام الحسن وعبد الله ابنه، وعليّ بن الإمام السّبط الشّهيدعليه‌السلام وولده عبد الله الرَّضيع، كلّاً منهم بقصيدة.

٣٨٩

القرن الثاني عشر

١٠٤

السيد حسين الرضوى

المتوفى بعد ١١٥٦

حيّ الحيا عهد أحباب بذي سلَم

وملعب الحيّ بين البان والعلَم

وجاد أعلام جمع والعقيق فكم

فرَّقن جمع هموم باجتماعهم؟

يا صاح عج بي قليلاً في معاهدهم

تشفي عليل محبّ ذاب من ألم

هذه بديعيّة ذات ١٤٣ بيتاً يمدح بها النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أن يقول فيها:

صنو النبيِّ أمير المؤمنين أبو السبطين

باب العلوم المرتضى الشيم

في السرّ والجهر ساواه وكان له

ردءاً يصدّقه في الحُكم والحِكم

وفيه جاء عن المختار منقبةٌ

: من كنت مولاه فهو الحقّ فاعتصم

( الشاعر )

السيّد حسين بن الأمير رشيد بن القاسم الرضويّ الهنديّ النجفيّ ثمَّ الحائريّ. أوحديٌّ ثنّى علمه الفائق بأدبه الرائق، وعبقريٌّ زان حسبه الزكيّ بفضله الجمِّ وقريضه المزري بعقود الدّرر ومنثور الدَّراري، فهو عالمٌ بارع، وأديبٌ ناقد، لم تُشغله فضيلة عن فضيلة، ولا ثنته مأثرةٌ عن مفخرة.

جاء به أبوه من الهند إلى النّجف الأشرف فاشتغل بها وبعد لاي غادرها إلى جوار الإمام السِّبط الشَّهيد [الحاير المقدّس ] وتخرَّج بها على السيّد المدرّس الأوحد السيّد نصر الله الحائري وله قصائد عدّة يمدح بها استاذه المدرّس، ولاستاده يمدحه قوله:

يا أيّها الشّهم الّذي

غيث النَّدى منه وكفْ!

يا ذا الّذي في جوده

قد طال لي باعٌ وكفْ!

يا ماجداً طول المدى

صدَّ الأذى عنّا وكفْ!

٣٩٠

حيّاك ربُّ العرش ما

برقٌ تبدّى في السّدفْ

ومن أساتذته السيّد صدر الدّين القميّ شارح الوافية، والشيخ عبد الواحد الكعبي النجفي المتوفّى ١١٥٠، والشيخ أحمد النحوي، وكان جيّد الخطّ وقفت على ديوان استاذه السيّد المدرّس الحائري بخطّه. توفّي بكربلاء المشرّفة بعد سنة ١١٥٦ وقبل الستّين برّد الله مضجعه، فما عن بعض المجاميع انّه توفّي ١١٧٠ لم أقف على ما يعاضده.

خلف شاعرنا الرَّضوي ديواناً مفعماً بالغرر والدّرر ومن شعره في المديح:

جيرة الحيّ أين ذاك الوفاء؟

ليت شعري وكيف هذا الجفاءُ؟

لي فؤادٌ أذابه لاعج الشّو

ق وجفنٌ تفيض منه الدّماءُ

كلّما لاح بارقٌ من حماكم

أو تغنّت في دوحها الورقاءُ

فاض دمعي وحنَّ قلبي لعصر

قد تقضّى وعزَّ عنه العزاءُ

يا عذولي دعني ووجدي وكربي

إنَّ لومي في حبّهم إغراءُ

هم رجائي إن واصلوا أو تناءوا

ومواليَّ أحسنوا أم أساؤا

هم جلوا لي من حضرة القدس قدماً

راح عشق كؤوسها الأهواءُ

خمرةٌ في الكؤوس كانت ولا كر

م ولا نشوةٌ ولا صهباءُ

ما تجلّت في الكاس إلّا ودانت

سجّداً باحتسائها النّدماءُ

ثمَّ مالوا قبل المذاق سكارى

من شذاها فنطقهم ايماءُ

ثمَّ باتوا وقد فنوا في فناها

إنَّ عين البقاء ذاك الفناءُ

سادتي سادتي وهل ينفع الصبّ

على نازح المزار النّداءُ؟

كنت جاراً لهم فأبعدني الدّهـ

ر فمن لي وهل يُردّ القضاءُ؟

أتروني نأيت عنكم ملالاً؟

لا، ومَن شُرّفت به البطحاءُ

سرّ خلق الأفلاك آية مجد

صدرت من وجوده الأشياءُ

مَن مزاياه غالبت انجم الاُفـ

ق فكان السّنا لها والسّناءُ

رتبٌ دونها العقول حيارى

حيث أدنى غاياتها الإسراءُ

محتدٌ طاهرُ وخُلقٌ عظيمٌ

ومقامٌ دانت له الأصفياءُ

٣٩١

خُصَّ بالوحي والكتاب وناهيـ

ـك كتاباً فيه الهدى والضّياءُ

يا أبا القاسم المؤمَّل يا من

خضعت لاقتداره العظماءُ

قاب قوسين قد رقيت علاءً

[ كيف ترقى رقيّك الأنبياء ]؟(١)

ولك البدر شُقَّ نصفين جهراً

[ يا سماءً ما طاولتها سماءُ ]؟

ودعوت الشّمس المنيرة رُدَّت

لعليّ تمدّها الأضواءُ

أنت نورٌ علا على كلِّ نور

ذي شروق بهديه يُستضاءُ

لم تزل في بواطن الحجب تسر

ي حيث لا آدم ولا حوّاءُ

فاصطفاك الإلـ~ـه خير نبيّ

شأنه النّصح والتّقى والوفاءُ

داعياً قومه إلى الشّرعة السّمـ

ـحاء يا للإلـ~ـه ذاك الدّعاءُ

وغزا المعتدين بالبيض السّـ

ـمر فردَّت بغيضها الأعداءُ

وله الآل خير آل كرام

علماءٌ أئمّةٌ أتقياءُ

هم رياض النّدى وروح فخار

وسماحٌ ثمارها العلياءُ

يُبتغى الخير عندهم والعطايا

كلّ حين ويستجاب الدّعاءُ

سادتي أنتمُ هُداتي وأنتم

عدَّتي إن ألّمت البأساءُ

وإلى مجدكم رفعت نظاماً

كلئالٍ قد تمَّ منها الصّفاءُ

خاطري بحرها وغوّاصها الفكـ

ـر ونظّام عقدهنَّ الولاءُ

وعليكم صلّى المهيمن ما لاح

صباحُ وانجابت الظّلماءُ

أو شدا مغرمُ بلحنٍ أنيق:

جيرة الحيِّ أين ذاك الوفاءُ؟

وله يمدح أمير المؤمنينعليه‌السلام :

ألمَّ وقد هجع السّامرُ

وعُطّل عن سيره السّائرُ

خيالٌ لعلوى أتى زائراً

وُقيت الرَّدى أيّها الزائرُ

طرقت فجلّيت ليل العفا

وقرَّبك القلب والناظرُ

نشد تك بالله كيف اهتد

يت إلى مضجعي والدّجى ساترُ؟

____________________

١ - هذا الشطر والمصرع الثانى من البيت الآتي مستهلّ الهمزيّة الشهيرة التى خمسها الشاعر المفلق عبد الباقى العمرى.

٣٩٢

وكيف عثرت بجفني وقد

غدا وهو طول المدى ساهرُ؟

فقال: هداني إليك الحنين

ونار جوىّ شبهها الهاجرُ

سقى ربع علوى وذاك الخيال

ولبل الوصال حيا هامرُ

ملثٌّ يُحاكي نوال الأمير

ومن روض ألطافه زاهرُ

عليُّ أبو الحسن المرتضى

عليُّ الذّرى الطيِّب الطّاهرُ

إمام هُدى فضله كاملٌ

وبحر ندى بذله وافرُ

وصيُّ النبيِّ بنصِّ الإلـ~ـه

عليه وبرهانه الباهرُ

فتى راجح الحلم لا وجهه

قطوبٌ ولا صدره واغرُ

له الشّرف الضخم والسؤدد المـ

ـفخّم والنسب الطاهرُ

وبيت عُلىّ شاد أركانه

قنا الخطّ والأبلج الباترُ

إلى حيث لا ملكُ سابقٌ

هناك ولا فلكٌ دائرُ

إذا ساجل النّاس في رتبة

فكلٌّ لدى عزِّه صاغرُ

وإن صال فالحتف من جنده

وربُّ السَّماء له ناصرُ

كأنَّ قلوب العدا إن بدا

من الرّعب يهفو بها طائرُ

أيا جدُّ! إنَّ لسان البلـ

ـيغ عن حصر أوصافكم قاصرُ

كفاكم عُلىّ أنَّ ربّ السّما

ء في الذكر سعيكم شاكرُ

فجاد ربوعك من لطفه

سَحابٌ برضوانه ماطرُ

مدى الدّهر ما قد طوى سبسبا

لتقبيل أعتابكم زائرُ

ومن شعره قوله:

يا مخجلاً حدق المها

أوقعت قلبي بالمهالكْ

ومعيد صبحي كالمسا

ضاقت عليَّ به المسالكْ

يا منيتي دون الملا

أنحلت جسمي في ملالكْ

هبْ لي رقادي انَّه

مذ بنت أبخل من خيالكْ

لِلّه كم لك هالكٌ

بشبا اللّواحظ إثر هالكْ؟

يا موقف التّوديع كم

دمعٌ نثرت على رمالكْ؟

٣٩٣

هل لي مقيلٌ من ضلا

لي أم مقيلٌ في ظلالكْ؟

لهفي على عصرٍ مضى

لي بالحبيب على تلالكْ

بالله أين غزالك الـ

ـفتّان؟ ويلي من غزالكْ

لم أنسه ويد النّوى

تستلُّ أنفسنا هنا لكْ؟

أومى يسائل: كيف حالك

؟ قلت: داجي اللون حالكْ

فافترّ من عجبٍ وقال

: بنو الهدى طرّاً كذلكْ

فأجبته: لو كنت تعلم

قدر من أصبحت مالكْ

لعلمت أنّي عاشقٌ

ما إن يقصّر عن منالكْ

أنا كاتبٌ أظهرت أسـ

ـرار الكتابة من جمالكْ

ألفٌ حلت فكأنّها

من حسن قدِّك واعتدالكْ

ميمٌ كمبسمك الشهيّ

ختامه من مسك خالكْ

صادٌ كغدران جرت

من أدمعي يوم ارتحالكْ

سينٌ كطرّتك الّتي

ألقت فؤادي في حبالكْ

دالٌ كصدغك شوّشت

بيد الدّلال وغير ذلكْ

ومقطّعاتٌ قد حكت

قلبي المروّع من ذيالكْ

ومركّباتٌ كالعقو

د تزين أجياد الممالكْ

وإذا تناسقت السّطو

ر سوافراً كنّا كمالكْ

ياقوت أصبح قائلاً

في الجمع: ما أنا من رجالكْ

قسماً بها لولا الهوى

ما كنت من جرحى نبالك

ومن شعره في عقد كلام لأمير المؤمنينعليه‌السلام :

أنعم على من شئت كن أميرهُ

واستغن عمَّن شئت كن نظيرهُ

إن كنت ذا عزّ ورمت أن تهن

فاحتج لمن شئت تكن أسيرهُ

جمعت شتات تاريخ حياته، وعقود جمل الثّناء عليه المبثوثة في المعاجم، من النشوة والطليعة وغيرهما صفحات أعيان الشِّيعة ٤٦ - ٥٧ من الجزء السّادس والعشرين.

٣٩٤

القرن الثاني عشر

١٠٥

السيد بدر الدين

المولود ١٠٦٢

بالله يا ورقُ إن شدوت على

سفوح سلع فدونها السّجفُ

وإن رأيت السّحاب هاميةً

فقل: مرام المولع النّجفُ

ففيه رمسٌ مطهّرُّ هبطت

عليه أملاك من له الصّحفُ

فيه الإمام الوصيُّ حيدرةٌ

مولى البرايا ومن له الشّرفُ

فيه شقيق الرّسول شافعنا

ونفسه إن توسّط الطّرفُ

فيه أخوه ومن فداه على

فراشه إن رووا وإن حرفوا

فيه الّذي في « الغدير » عيّنه

وبخبخ القوم فيه واعترفوا

( الشاعر )

بدر الدّين محمّد بن الحسين بن الحسن بن المنصور بالله القاسم بن محمّد الحسني الصنعائي، أحد حسنات اليمن، وعلمائها الأعلام. مشاركٌ في العلوم، له في الكلام و الطبّ والأدب وقرض الشّعر يدٌ غير قصيرة، وله تآليف قيّمة منها رسالةٌ في الكلام، تلمّذ لأساتذته في الفنون منهم: العلّامة الشّيخ صالح البحراني نزيل الهند، والفاضل الحكيم محمّد بن صالح الجيلاني نزيل اليمن، ولد سنة ١٠٦٢ في شهر صفر. أخذنا التّرجمة والشّعر ملخّصاً من ( نسمة السحر ) ج ٢.

إنتهى الجزء الحادي عشر من [ الغدير ] ويتلوه

الجزء الثاني عشر ويُبدء ببقيّة شعراء الغدير

في القرن الثاني عشر

والحمد لله أوّلا وآخراً

٣٩٥

الفهرس

يتبع الجزء العاشر مواقف معاوية ٣

معاوية وشيعة أمير المؤمنين ١٦

صورة مفصَّلة ١٨

معاوية وحجر بن عدى واصحابه ٣٧

عمرو بن الحمق ٤١

صيفى بن فسيل ٤٥

قبيصة بن ضبيعة عبد الله بن خليفة ٤٦

ألشهادة المزورة على حجر ٤٧

تسيير حجر واصحابه ٤٩

الخثعمى والعنزى ٥٢

الحضرميان وقتلهما على التشيع مالك الاشتر ٦١

محمد بن أبي بكر ٦٤

صورة اخرى ٦٧

نظرة فى مناقب ابن هند ٧١

فى الاسناد: ٨٧

الغلو الفاحش _ ١ _ زيد بن خارجة يتكلم بعد الموت ١٠٣

_ ٢ _ أنصارىّ يتكلم بعد القتل ١٠٥

_ ٣ _ شيبان يحيى حماره ١٠٦

_ ٤ _ عصا اسيد وعباد ١٠٧

_ ٥ _ خمر صارت عسلا بدعاء خالد ١٠٨

_ ٦ _ أبو مسلم لا تحرقه النار _ ٧ _ أبو مسلم يقطع دجلة بدعائه ١٠٩

_ ٨ _ سبحة أبى مسلم تسبّح بيده _ ٩ _ وفد يسافر بلا زاد ولا مزاد ١١٠

_ ١٠ _ دعاء أبى مسلم لمرأة وعليها _ ١١ _ ألظبى يحبس بدعاء ابى مسلم ١١١

٣٩٦

_ ١٢ _ الربيع يتكلم بعد الموت ١١٣

_ ١٣ _ أربعة آلاف تعبر الماء ١١٥

_ ١٤ _ جيش تعبر الماء بدعاء سعد ١١٦

_ ١٥ _ دعاء سعد يؤخر أجله _ ١٦ _ سحابة تروى وتنبت ١١٧

_ ١٧ _ ابراهيم التيمى يواصل اربعين _ ١٨ _ حافظ دعا على رجل فمات ١١٨

_ ١٩ _ سحابة تظل كرز بن وبرة _ ٢٠ _ فقير يجعل الارض ذهباً _ ٢١ _ الغطفاني ميت يتبسم ١١٩

_ ٢٢ _ عمر بن عبد العزيز في التوراة _ ٢٣ _ رعاء الشاة فى خلافة عمر بن عبد العزيز ١٢٠

_ ٢٤ _ كتاب براءة لعمر بن عبد العزيز _ ٢٥ _ امرأة تلد بدعاء مالك ابن اربع سنين ١٢١

_ ٢٦ _ ناصبىّ مستجاب الدعوة ١٢٣

_ ٢٧ _ السختيانى ينبع الماء ١٢٤

_ ٢٨ _ شيخ يبيع القصر في الجنة _ ٢٩ _ حضور غائب بدعاء معروف ١٢٥

_ ٣٠ _ رجل متربّع فى الهواء _ ٣١ _ جنّية تكّلم الخزاعى ١٢٦

_ ٣٢ _ رأس احمد الخزاعى يتكلم _ ٣٣ _ النبي يفتخر بابى حنيفة ١٢٧

_ ٣٤ _ أبو زرعة يجعل الحصاة تبراً _ ٣٥ _ وضوء ابراهيم الخراسانى ١٣٤

_ ٣٦ _ الماجشون يموت ويحيى ١٣٥

_ ٣٧ _ رقعة من الله الى أحمد امام الحنابلة _ ٣٨ _ رسول الياس وملك الى أحمد _ ٣٩ _ النخلة تحمل بقلم أحمد ١٣٧

_ ٤٠ _ تكة سراويل أحمد _ ٤١ _ الحريق والغريق وكرامة أحمد ١٣٨

_ ٤٢ _ ألله يزور احمد كل عام _ ٤٣ _ أحمد والملكان النكيران ١٣٩

_ ٤٤ _ امام المالكية يرى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ كلّ ليلة ١٤٢

_ ٤٥ _ الملكان وابو العلاء الهمدانى ١٤٣

_ ٤٦ _ غمامة تظلّ على جنازة _ ٤٧ _ شابّ ينظر الاذن من ربّه ١٤٤

_ ٤٨ _ شجرة امّ غيلان تثمر رطباً _ ٤٩ _ ابن ابى الجوارى فى التنّور ١٤٥

_ ٥٠ _ كتاب من الله الى ابن الموفّق _ ٥١ _ الحوراء تكلم أبا يحيى _ ٥٢ _ دعاوى سهل بن عبد الله التسترى ١٤٦

٣٩٧

_ ٥٣ _ سهل وجبل قاف ١٤٧

_ ٥٤ _ وحشيّ أتي بماء الوضوء _ ٥٥ _ قص ّ ة فيها كرامتان ١٤٨

_ ٥٦ _ حلق اللحية لِلَّه ١٤٩

_ ٥٧ _ عمود نور من السماء الى قبر الحنبلى ١٥٧

_ ٥٨ _ تمرٌ ينقلب رطباً لابن سمعون _ ٥٩ _ ابن سمعون يخبر عمّا يراه النائم ١٥٨

_ ٦٠ _ ابن سمعون وصبية الرصاص _ ٦١ _ ملك ينزل لابى المعالى _ ٦٢ _ ألله يكلم أبا حامد الغزالى ١٥٩

_ ٦٣ _ يد الغزالى فى يد سيد المرسلين _ ٦٤ _ إحياء العلوم للغزالي ١٦١

_ ٦٥ _ اللامشى يسجد على أرض النهر _ ٦٦ _ الطلحى يستر سوأته بعد موته ١٦٧

_ ٦٧ _ طاعة الحيوانات والجمادات للمنبجى ١٦٨

_ ٦٨ _ كرامة لابن مسافر الاموى ١٦٩

_ ٦٩ _ عبد القادر يحيى دجاجة ١٧٠

_ ٧٠ _ عبد القادر يحتلم فى ليلة أربعين مرّة ١٧١

_ ٧١ _ قدم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على رقبة عبد القادر ١٧٢

_ ٧٢ _ عبد القادر وملك الموت ١٧٣

_ ٧٣ _ وفاة الشيخ عبد القادر _ ٧٤ _ الرفاعىّ يقبّل يد النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ١٧٤

_ ٧٥ _ الغزلانى يكشف عمّا فى الخواطر _ ٧٦ _ الشاطبى يعلم جنابة الجنب ١٨٠

_ ٧٧ _ الحشرات تنحدر فى الوادى _ ٧٨ _ اليونينى يمشى فى الهواء ١٨١

_ ٧٩ _ الحضرمى يعلم النحو بالاجازة ١٨٢

_ ٨٠ _ الحضرمى وأصحاب القبور _ ٨١ _ ردّ الشمس لاسماعيل الحضرمى ١٨٣

_ ٨٢ _ الدلّاوى يرضع طفلاً _ ٨٣ _ شمس الدين الكردى يواصل اسبوعاً _ ٨٤ _ الشاوى يستمهل للميت ١٨٤

_ ٨٥ _ امام يعلم حوائج زائريه وهو فى قبره _ ٨٦ _ ١٨٥

_ ٨٧ _ شيخ يأكل بقرة _ ٨٨ _ خمر بلدة صارت خلّاً ١٨٦

_ ٨٩ _ أبو المعالى يحيى ويميت ١٨٧

_ ٩٠ _ تطور أبى على ليلا ونهاراً _ ٩١ _ السيوطي رأى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقظة ١٨٨

٣٩٨

_ ٩٢ _ السيوطي وطيّ الارض ١٨٩

_ ٩٣ _ أبو بكر باعلوى يحيى الميت ١٩٠

_ ٩٤ _ ابو بكر باعلوى ينجى المستغيث _ ٩٥ _ السروى يطير ويرسم للفأر ١٩١

_ ٩٦ _ ذويب يمشى على الماء _ ٩٧ _ فتح الحجرة الشريفة للعبادى ١٩٢

_ ٩٨ _ زيادة النيل بأمر الصدّيقى _ ٩٩ _ كرامات وخوارق _ ١٠٠ _ عجائب وغرائب ١٩٣

خاتمة البحث ١٩٥

فهرست شعراء الغدير في هذا الجزء ١٩٦

بقية الشعراء _ ٧٥ _ ضياء الدين الهادي ١٩٧

( ما يتبع الشعر ) ١٩٨

( الشاعر ) ١٩٩

بعث الهوى شوقي إلى اُمِّ القرى ٢٠٠

_ ٧٦ _ الحسن آل أبى عبد الكريم ٢٠٢

( الشاعر ) ٢٠٩

شعراء الغدير الشيخ الكفعمي ٢١١

( ما يتبع الشعر ) ٢١٢

( الشاعر ) ( تآليفه القيمة ) ٢١٣

لفت نظر: ٢١٦

_ ٧٨ _ عزَ الدين العاملى ( ما يتبع الشعر ) ٢١٧

( الشاعر ) ٢١٨

( مشايخه والرّواة عنه ) ٢٢٦

( آثاره أو مآثره ) ( ولادته ووفاته ) ٢٢٧

شعراء الغدير _ ٧٩ _ ابن أبي شافين البحراني ٢٣٢

( الشاعر ) ٢٣٣

ابن أبي شافين ٢٣٧

_ ٨٠ _ زين الدين الحميدي ٢٣٨

( الشاعر ) ٢٤٢

٣٩٩

٨١ بهاء الملة والدين ٢٤٤

( الشاعر ) ٢٤٩

أساتذته ومشايخه ٢٥٠

تلامذته ومن يروى عنه ٢٥٢

حرف الالف حرف الباء ٢٥٣

ج ح خ ٢٥٤

ر ز س ش ص ع ٢٥٥

ق ك ل م ٢٥٧

ه‍ ي تآليفه القيمة ٢٦٠

الاثنى عشريات ٢٦٢

الأربعين تشريح الافلاك ٢٦٣

الجامع العباسى ٢٦٤

خلاصة الحساب ٢٦٥

( زبدة الاصول) ٢٦٧

الفوائد الصمدية مفتاح الفلاح ٢٧٠

ألغاز البهائى الوجيزة وسيلة الفوز تهذيب البيان ٢٧١

أدبه الرائق ٢٧٢

« ولادته » « وفاته » ٢٨٠

عثرة لا تقال ٢٨١

٨٢ الحرفوشي العاملي ٢٨٥

( الشاعر ) ٢٨٦

آثاره القيمة ٢٨٧

٨٣ ابن أبى الحسن العاملي ( الشاعر ) ٢٩١

٨٤ الشيخ حسين الكركي ( ألشاعر ) ٢٩٩

٨٥ القاضى شرف الدين ٣٠٣

( الشاعر ) ٣٠٤

٤٠٠

401

402