الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١١

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 402

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 402
المشاهدات: 146054
تحميل: 3177


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 402 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 146054 / تحميل: 3177
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 11

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مكث حُجر بن عدي في بيت ربيعة يوماً وليلة فأرسل إلى محمّد بن الأشعث يقول له ليأخذ له من زياد أماناً حتى يبعث به إلى معاوية فجمع محمّد جماعةً منهم جرير بن عبد الله، وحُجر بن يزيد، وعبد الله بن الحارث أخو الأشتر، فدخلوا على زياد فاستأمنوا له على أن يرسله إلى معاوية فأجابهم فأرسلوا إلى حُجر بن عدي فحضر عند زياد فلمّا رآه قال: مرحباً بك أبا عبد الرَّحمن! حربٌ في أيّام الحرب، وحربٌ وقد سالم الناس. على أهلها تجنى براقش. فقال حُجر: ما خلعت طاعة ولا فارقت جماعة وانّي لعلى بيعتي. فقال: هيهات هيهات يا حُجر! أتشجُّ بيد وتأسو باُخرى؟ وتريد إذا أمكننا الله منك أن نرضى؟ كلّا والله لأحرصنَّ على قطع خيط رقبتك. فقال: ألم تؤمنّي حتّى أتى معاوية فيرى فيَّ رأيه؟ قال: بلى، إنطلقوا به إلى السجن، فلمّا مضى به قال: أما والله لولا أمانه ما برح حتى يلقط عصبه. فاُخرج وعليه برنس في غداة باردة فحبس عشر ليال، وزياد ماله غير الطلب لرؤس أصحاب حُجر.

عمرو بن الحمق

خرج عمرو بن الحمق ورفاعة بن شدّاد حتّى نزلا المدائن ثمّ ارتحلا حتّى أتيا الموصل فأتيا جبلاً فكمنا فيه وبلغ عامل ذلك الرستاق يقال له: عُبيد الله بن أبي بلتعة خبرهما فسار إليهما في الخيل فخرجا إليه، فأمّا عمرو فكان بطنه قد استسقى فلم يكن عنده إمتناع. وأمّا رفاعة فكان شابّاً قويّاً فوثب على فرس له جواد وقال لعمرو: اُقاتل عنك؟ قال: وما ينفعني أن تقتل؟! أنج بنفسك. فحمل عليهم فأفرجوا له حتّى أخرجه فرسه وخرجت الخيل في طلبه وكان رامياً فلم يلحقه فارسٌ إلّا رماه فجرحه أو عقره فانصرفوا عنه، واُخذ عمرو بن الحمق فسألوه من أنت؟ فقال: من إن تركتموه كان أسلم لكم، وإن قتلتموه كان أضرّ عليكم. فسألوه فأبى أن يخبرهم فبعث به ابن أبي بلتعة إلى عامل الموصل وهو عبد الرَّحمن بن عبد الله بن عثمان الثقفي فلمّا رأى عمراً عرفه وكتب إلى معاوية بخبره فكتب إليه معاوية: انّه طعن عثمان تسع طعنات بمشاقص كانت معه وإنّا لا نريد أن نعتدي عليه فأطعنه تسع طعنات كما طعن عثمان.

فأخرج فطعن تسع طعنات فمات في الاولى منهنَّ أو في الثانية وبعث برأسه إلى معاوية فكان رأسه أوَّل رأس حمل في الإسلام.

٤١

قال الأميني: هذا الصحابيُّ العظيم « عمرو بن الحمق » الذي أخلقت وأبلت وجهه العبادة(١) محكومٌ عليه عند القوم وغيرهم بالعدالة وكون أقواله وأفعاله حجَّة لولا انَّ عدالة الصحابة تمطَّط إلى اناس معلومين بالخلاعة والمجون كمغيرة بن شعبة، والحكم بن أبي العاص، والوليد بن عقبة، وعبد الله بن أبي سرح، وزياد بن أبيه، واُغيلمة قريش من الشباب الزائف ممَّن جرّت المخازي إليهم الويلات، وتتقلّص عن آخرين أنهكتهم العبادة، وحنَّكتهم الشَّريعة، وأبلتهم الطاعة كعمرو بن الحمق، وحُجر بن عدي، وعدي بن حاتم، وزيد وصعصعة ابني صوحان، ولِداتهم.

أنا لا أدري ما كان المبرَّر للنيل من عمرو وقتله؟ وأيُّ جريمة أوجبت أن يُطعن بالطعنات التسع اللاتي أجهزت عليه اولاهنَّ أو ثانيتها؟ أمّا واقعة عثمان فكانت الصّحابة مجمعين عليها بين سبب ومباشر كما قدَّمناه لك في الجزء التاسع ص ٦٩ - ١٦٩ فِلمَ لم يؤاخذوا عليها واختصَّت المقاصّة اناساً انقطعوا إلى ولاء مولانا أمير المؤمنين ولاء الله وولاء رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ ولم يجهّز معاوية الجيوش ولا بعث البعوث على طلحة والزبير وهما أشدُّ الناس في أمر عثمان وأوغلهم في دمه؟! ومن ذا الّذي أودي بعثمان غير معاوية نفسه في تثبّطه عن نصره وتربّصه به حتّى بلغ السيف منه المحزّ(٢) ؟ ولِماذا كان يندِّد ويهدِّد ويؤاخذ أهل المدينة وغيرهم بأنَّهم تخاذلوا عن نصرته ولا يفعل شيئاً عن ذلك بنفسه المتهاونة عن أمر الرجل؟ نعم: كانت تلكم الأفاعيل على من يوالي عليّاً صلوات الله عليه، فهي مُنكمشةٌ عمّن يعاديه ويقدّمهم ابن آكلة الأكباد.

هل لمعاوية أن يثبت انَّ هلاك عثمان كان بطعنات عمرو؟ وهؤلاء المؤرِّخون ينصّون على انَّ المجهز عليه هو كنانة بن بشر التجيبي، وقد جاء في شعر الوليد بن عقبة:

ألا إنَّ خير الناس بعد ثلاثة

قتيل التجيبي الّذي جاء من مصر

وقال هو أو غيره:

علاه بالعمود أخو تجيب

فأوهى الرأس منه والجبينا(٣)

____________________

١ - كذا وصفه ال ا مام السبط الحسين عليه‌السلام فيما مرّ من كتاب له إلى معاوية.

٢ - راجع الجزء التاسع ص ١٥٠ - ١٥٣.

٣ - الانساب للبلاذرى ٥: ٩٨، تاريخ الطبرى ٥: ١٣٢.

٤٢

وأخرج الحاكم في المستدرك ٣: ١٠٦ باسناده عن كنانة العدوي قال: كنت فيمن حاصر عثمان قال: قلت: محمّد بن أبي بكر قتله؟ قال: لا، قتله جبلة بن الايهم رجلٌ من أهل مصر. قال: وقيل: قتله كبيرة السكوني فقتل في الوقت. وقيل: قتله كنانة بن بشر التجيبي، ولعلّهم اشتركوا في قتله لعنهم الله، وقال الوليد بن عقبة:

ألا إنَّ خير الناس بعد نبيّهم

قتيل التجيبي الذي جاء من مصر

وفي الاستيعاب ٢: ٤٧٧، ٤٧٨: كان أوّل من دخل الدار عليه محمّد بن أبي بكر فأخذ بلحيته فقال: دعها يا بن أخي والله لقد كان أبوك يكرمها. فاستحى وخرج، ثمّ دخل رومان به سرحان رجلٌ أزرق قصيرٌ محدودٌ عداده في مراد وهو من ذي أصبح معه خنجر فاستقبله به وقال: على أىّ دين أنت يا نعثل؟! فقال عثمان: لست بنعثل ولكنّي عثمان ابن عفان وأنا على ملّة إبراهيم حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين قال: كذبت وضربه على صدغه الأيسر فقتله فخرَّ.

وقال: اختلف فيمن باشر قتله بنفسه فقيل: محمّد بن أبي بكر ضربه بمشقص. وقيل بل حبسه محمّد بن أبي بكر وأسعده غيره، وكان الّذي قتله سودان بن حمران وقيل: بل ولي قتله رومان اليمامي. وقيل: بل رومان رجلٌ من بني أسد بن خزيمة. وقيل: بل انَّ محمّد بن أبي بكر أخذ بلحيته فهزَّها وقال: ما أغنى عنك معاوية، وما أغنى عنك ابن أبي سرح، وما أغنى عنك ابن عامر فقال له: يا ابن أخي! أرسل لحيتي فوالله انّك لتجبذ لحية كانت تعزُّ على أبيك وما كان أبوك يرضى مجلسك هذا منّي. فيقال: انّه حينئذ تركه وخرج عنه. ويقال: إنّه حينئذ أشار إلى من كان معه فطعنه أحدهم وقتلوه. والله أعلم.

وأخرج أيضا ما رويناه عن المستدرك بلفظ: فقال محمّد بن طلحة فقلت لكنانة: هل ندى محمّد بن أبي بكر بشيء من دمه؟ قال: معاذ الله دخل عليه فقال له عثمان: يا ابن أخي لست بصاحبي وكلّمه بكلام فخرج ولم يند بشيء من دمه. قال: فقلت لكنانة: من قتله؟ قال: قتله رجلٌ من أهل مصر يقال له: جبلة بن الأيهم ثمَّ طاف بالمدينة ثلاثاً يقول: أنا قاتل نعثل.

٤٣

وذكر المحبّ الطبري في رياضه ٢: ١٣٠ ما أخرجه أبو عمر في ( الاستيعاب ) من استحياء محمّد بن أبي بكر وخروجه من الدار ودخول رومان بن سرحان وقتله عثمان. فقال: وقيل: قتله جبلة بن الايهم. وقيل: الأسود التجيبي وقيل: يسار بن غلياض.

وأخرج ابن عساكر في حديث ذكره ابن كثير في تاريخه ٧: ١٧٥: وجاء رجلٌ من كندة من أهل مصر يلقّب حماراً ويكنّى بأبي رومان.وقال قتادة: اسمه رومان.وقال غيره: كان أزرق أشقر.وقيل: كان إسمه سودان بن رومان المرادي. وعن ابن عمر قال: كان اسم الذي قتل عثمان أسود بن حمران ضربه بحربة وبيده السيف صلتاً.. إلخ.

وقال ابن كثير في تاريخه ٧: ١٩٨: أمّا ما يذكره بعض الناس من أنّ بعض الصّحابة أسلمه ورضي بقتله فهذا لا يصحّ(١) عن أحد من الصّحابة انّه رضي بقتل عثمان رضي الله عنه بل كلّهم كرهه ومقته وسبّ من فعله لكن بعضهم كان يودٌّ لو خلع نفسه من الأمر كعمّار بن ياسر، ومحمّد بن أبي بكر، وعمرو بن الحمق وغيرهم.

ثمّ أيّ مبرِّر لابن هند في أمره باتمام الطعنات التسع بعد الطعنة المودية به؟ وهل في الشريعة تعبّدٌ بأن يفعل بالمقتصّ منه مثل ما فعله بمن يقتصٌّ له؟ أو يكتفى بما هو المقصود من القصاص من إعدام القاتل؟ ولعلَّ عند فقيه بني اميَّة مسوِّغاّ٠ لا نعرفه أضف إلى ذلك حمل رأسه من بلد إلى بلد، وهو أوَّل رأس مطاف به في الإسلام(٢) . قال النسّابة أبو جعفر محمّد بن حبيب في كتاب [ المحبّر ] ص ٤٩٠: ونصب معاوية رأس عمرو بن الحمق الخزاعي وكان شيعيّا ودير به في السّوق. وكان عبد الرّحمن بن امّ الحكم أخذه بالجزيرة. وقال ابن كثير: فطيف به في الشّام وغيرها، فكان أوَّل رأس طيف به ثمَّ بعث معاوية برأسه إلى زوجته آمنة بنت الشريد - وكانت في سجنه - فالقي في حجرها. فوضعت كفّها على جبينه ولثمت فمه وقالت: غيّبتموه عنّي طويلا ثمّ أهديتموه إليَّ قتيلاً، فأهلاً بها من هديّة غير قالية ولا مقلية.

____________________

١ - راجع ما أسلفناه في الجزء التاسع فتعرف الصحيح من السقيم وتقف على جلية الحال في القضية.

٢ - معارف ابن قتيبة ١٢٧، الاستيعاب ٢: ٤٠٤، الاصابة ٢: ٥٣٣ وقال: ذكره ابن حبان بسند جيد، تاريخ ابن كثير ٨: ٤٨

٤٤

نعم: هذه الأفاعيل إلى أمثالها من نماذج فقه امِّه آكلة الأكباد الّذي سوّغ لها ما فعلت بعمِّ النبيّ الأعظم سيّد الشّهداء حمزة سلام الله عليه، واقتصّ أثر أبيه يزيد بن معاوية فيما ارتكبه من سيِّد شباب أهل الجنّة الحسين السبط صلوات الله عليه، فقتله و آله وصحبه الأكرمين أشنع قتلة وطيف برؤسهم الكريمة في الأمصار على سمر القنا فأعقبهما خزايةً لا يغسلها مرّ الدهور، وشية قورن ذكرها بالخلود.

على انَّه لو كان هناك قصاصٌ فهو لأولياء الدم وهم ولد عثمان، وإن لم يكن هناك وليُّ أو انّه عجز عن تنفيذ الحكم فيقوم به خليفة الوقت فإنّه وليٌّ الدم وأولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهو يومئذ وقبله مولانا أمير المؤمنين عليعليه‌السلام فهو موكولٌ إليه، وكان عمرو ابن الحمق في كنفه يراه ويبصر موقفه وخضوعه له، فلو كان عليه قصاصٌ أجراه عليه و هو الّذي لم تأخذه في الله لومة لائم، وساوى عدله القريب والبعيد، وكانت يده مبسوطة عند ذاك، وعمرو أخضع له من الظلِّ لديه، ومعاوية عندئذ أحد أفراد الاُمّة - إن صدق انّه أحد أفرادها - لا يحويه عيرٌ ولا نفيرٌ، ولا يناط به حكمٌ من أحكام الشّريعة، غير أنّه قحّمه في الورطات حبُّ الوقيعة في محبّي عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام والله من ورائه حسيبٌ.

صيفى بن فسيل

وجدَّ زياد في طلب أصحاب حُجر وهم يهربون منه ويأخذ من قدر عليه منهم فجاء قيس بن عباد الشيباني إلى زياد فقال له: إنَّ امرءاً منّا يقال له: صيفي بن فسيل من رؤس أصحاب حُجر وهو أشدُّ الناس عليه فبعث إليه فأتي به فقال له زياد: يا عدوَّ الله! ما تقول في أبي تراب؟ فقال: ما أعرف أبا تراب. قال: ما أعرفك به؟ أما تعرف عليَّ بن أبي طالب؟ قال: بلى. قال: فذلك أبو تراب. قال: كلّا ذاك أبو الحسن والحسين. فقال له صاحب الشرطة: أيقول لك الأمير: هو أبو تراب، وتقول أنت: لا؟ قال: أفإن كذب الأمير أردت أن أكذب، وأشهد له بالباطل كما شهد؟ قال له زياد: وهذا أيضاً مع ذنبك، عليَّ بالعصا فاُتي بها فقال: ما قولك في عليّ؟ قال: أحسن قول أنا قائله في عبد من عبيد الله أقوله في أمير المؤمنين. قال: إضربوا عاتقه بالعصا حتّى يلصق بالأرض. فضرب حتّى لصق بالأرض ثمَّ قال: أقلعوا عنه، ايه ما قولك في عليّ؟! قال: والله لو شرحتني

٤٥

بالمواسي والمدي ما قلت إلّا ما سمعت منّي. قال: لتلعننَّه أو لأضربنَّ عنقك. قال: إذا والله تضربها قبل ذلك، فأسعدُ وتشقى. قال: ادفعوا في رقبته. ثمّ قال: أوقروه حديداً واطرحوه في السِّجن، ثمَّ قُتل مع من قُتل من حُجر وأصحابه.

قال الأميني: ما أكبرها من جناية على رجل يقول: ربّي الله ويدين بالرِّسالة ويوالي إمام الحقِّ، وليس عليه ما يجلب التنكيل به كما فعله ابن سميَّة بايعازٍ من ابن آكلة الأكباد إلّا الخضوع لولايةٍ أمر الكتاب بها والرّضوخ لها، وقد أكّدته السنّة في نصوصها المتواترة.

وهل الإمتناع عن لعن من أمر الله باتّباعه وطهّره وقدَّسه يسوِّغ الضرب والحبس والقتل؟ أنا لا أدري. وإنَّ ابن الزانية ومن ركّزه على ولاية الأمصار لعليمان بما ارتئاه، لكن احتدام بغضهما لصاحب الولاية الكبرى حداهما إلى أن يلغا دم من أسلم وجهه لله وهو محسن. وإلى الله المنتهى.

قبيصة بن ضبيعة

بعث زياد إلى قبيصة بن ضبيعة بن حرملة العبسي صاحب شرطته شدّاد بن الهيثم فدعا قبيصة في قومه وأخذ سيفه فأتاه ربعيّ بن حراش بن جحش العبسي ورجال من قومه ليسوا بالكثير فأراد أن يقاتل فقال صاحب الشرطة: أنت آمنٌ على دمك و مالك، فلِمَ تقتل نفسك؟ فقال له أصحابه: قد أومنت فعلامَ تقتل نفسك وتقتلنا معك؟ قال: ويحكم إنَّ هذا الدعيّ ابن العاهرة والله لئن وقعتُ في يده لا أفلت منه أبداً أو يقتلني. قالوا: كلّا فوضع يده في أيديهم فأقبلوا به إلى زياد فلمّا دخلوا عليه قال زياد: وحيّ عسى تعزّون على الدين، أما والله لأجعلنَّ لك شاغلاً عن تلقيح الفتن والتوثّب على الاُمراء. قال: إنّي لم آتك إلّا على الأمان. قال: فانطلقوا به إلى السِّجن وقُتل مع من قُتل من أصحاب حُجر.

عبد الله بن خليفة

بعث زياد بُكير بن حمران الأحمري إلى عبد الله بن خليفة الطائي وكان شهد مع حُجر فبعثه في أناس من أصحابه فأقبلوا في طلبه فوجدوه في مسجد عديِّ بن حاتم

٤٦

فأخرجوه فلمّا أرادوا أن يذهبوا به وكان عزيز النفس إمتنع منهم فحاربهم وقاتلهم فشجوه ورموه بالحجارة حتّى سقط فنادت ميثاء اُخته: يا معشر طيء! أتسلمون إبن خليفة لسانكم وسنانكم؟ فلمّا سمع الأحمريّ نداءها خشي أن تجتمع طيء فيهلك فهرب فخرج نسوةٌ من طيء فأدخلنه داراً وانطلق الأحمريّ حتّى أتى زياداً فقال: إنّ طيئاً اجتمعت إليَّ فلم أطقهم فأتيتك، فبعث زيادٌ إلى عديّ وكان في المسجد فحبسه وقال: جئني به وقد اُخبر عديُّ بخبر عبد الله، فقال عديّ: كيف آتيك برجل قد قتله القوم؟ قال: جئني حتّى أن قد قتلوه، فاعتلَّ له وقال: لا أدري أين هو ولا ما فعل فحبسه فلم يبق رجل من أهل المصر من أهل اليمن وربيعة ومضر إلّا فزع لعديّ فأتوا زياداً فكلّموه فيه وأخرج عبد الله فتغيّب في بحتر فأرسل إلى عديّ إن شئت أن أخرج حتّى أضع يدي في يدك فعلتُ، فبعث إليه عديّ: والله لو كنتَ تحت قدميَّ ما رفعتهما عنك. فدعا زيادٌ عديّاً فقال له: إنّي اخلّي سبيلك على أن تجعل لي لتنفيه من الكوفة ولتسير به إلى جبلي طيء قال: نعم فرجع وأرسل إلى عبد الله بن خليفة: أخرج فلو قد سكن غضبه لكلّمته فيك حتى ترجع إن شاء الله. فخرج إلى الجبلين ومات بهما قبل موت زياد.

ألشهادة المزورة على حجر

جمع زياد من أصحاب حُجر بن عديّ أثنى عشر رجلاً في السِّجن ثمَّ دعا رؤساء الأرباع وهم: عمرو بن حريث على ربع أهل المدينة. وخالد بن عرفطة على ربع تميم وهمدان. وقيس بن الوليد على ربع ربيعة وكندة. وأبو بردة بن أبي موسى على ربع مذحج وأسد، فشهد هؤلاء انَّ حُجراً جمع إليه الجموع وأظهر شتم الخليفة ودعا إلى حرب أمير المؤمنين، وزعم انَّ هذا الأمر لا يصلح إلّا في آل أبي طالب، وأظهر عذر أبي تراب والترحّم عليه والبراءة من عدوِّه وأهل حربه، وانَّ هؤلاء الّذين معه هم رؤس أصحابه وعلى مثل رأيه. ونظر زياد في شهادة الشهود وقال: ما أظنُّ هذه شهادة قاطعة وأحبّ أن يكون الشهود أكثر من أربعة فدعا الناس ليشهدوا عليه وقال زياد:

٤٧

على مثل هذه الشهادة فاشهدوا، أما والله لأجهدنَّ على قطع خيط عنق الخائن الأحمق فقام عثمان بن شرحبيل التيمي أوّل الناس فقال: اكتبوا اسمي فقال زياد: ابدؤا بقريش ثمَّ اكتبوا إسم من نعرفه ويعرفه أمير المؤمنين بالصحَّة والإستقامة(١) فشهد عليه سبعون رجلاً فقال زياد: ألقوهم إلّا مَن عُرف بحسب وصلاح في دينه فألقوا حتّى صيّروا إلى هذه العدَّة [ وهم أربع وأربعون فيهم: عمر بن سعد بن أبي وقاص. شمر بن ذي الجوشن. شبث بن ربعي. زجر بن قيس ].

وممَّن شهد شدّاد بن المنذر أخو الحضين وكان يُدعى: إبن بزيعة. فكتب: شهادة إبن بزيعة. فقال زياد: أما لهذا أبٌ ينسب إليه؟ ألغوا من الشهود فقيل له: انَّه أخو الحضين بن المنذر. فقال: أنسبوه إلى أبيه فنسب، فبلغ ذلك شدّاداً فقال: والهفاه على إبن الزانية أوَ ليست اُمّه أعرف من أبيه؟ فوالله ما يُنسب إلّا إلى اُمّه سميَّة.

وكُتب في الشهود شريح بن الحرث، وشريح بن هانئ. فأمّا شريح بن الحرث فقال: سألني عنه فقلت: أما انَّه كان صوّاماً قوّاماً. وأمّا شريح بن هانئ فقال: بلغني انَّ شهادتي كُتبت فأكذبته ولُمته، وكتب كتاباً إلى معاوية وبعثه اليه بيد وائل بن حجر وفي الكتاب: بلغني انَّ زياداً كتب شهادتي، وانَّ شهادتي على حُجر انَّه ممّن يقيم الصّلاة، ويؤتي الزّكاة، ويديم الحجَّ والعمرة، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، حرام الدم والمال، فإن شئت فاقتله، وإن شئت فدعه. فلمّا قرأ معاوية الكتاب قال: ما أرى هذا إلّا قد أخرج نفسه من شهادتكم.

وكتب شهادة السري بن وقّاص الحارثي وهو غائبٌ في عمله.

قال الأميني: هذه شهادة زور لفقها إبن أبيه أو ابن امّه على أصناف من الناس منهم الصّلحاء والأخيار الّذين أكذبوا ذلك العز والمختلق كشريح بن الحرث وشريح بن هانئ ومن حذا حذوهما، وشهدوا بخلاف ما كُتب عنهما ومنهم مَن كانوا غائبين عن ساعة الشَّهادة وساحتها، لكنَّ يد الإفك أثبتتها عليهم كابن وقّاص الحارثي ومن يُشاكله. ومنهم رجرجةٌ من الناس يستسهلون شهادة الزّور ويستسوغون من جرّائها إراقة

____________________

١ - يعنى المعروفين بالاستقامة فى عداء أمير المؤمنين على عليه‌السلام واهل بيته.

٤٨

الدِّماء ليس لهم من الدين موضع قدَم ولا قِدَم كعمر بن سعد، وشمر بن ذي الجوشن، وشبث بن ربعي، وزجر بن قيس، فتناعقوا بشهادة باطلة لأجلها وصفهم الدعيُّ بانّهم خيار أهل المصر وأشرافهم، وذوو النهى والدين. وإنَّ معاوية جدُّ عليم بحقيقة الحال لكنّ شهوة الوقيعة في كلِّ ترابيّ حبَّذت له قبول الشهادة المزوَّرة والتنكيل بحُجر وأصحابه الصّلحاء الأخيار، فصرم بهم اُصول الصَّلاح وقطع أواصرهم يوم أودى بهم، ولم يكترث لمغبّة ما ناء به من عمل غير مبرور فإلى الله المشتكى.

تسيير حجر واصحابه

إلى معاوية ومقتلهم

دفع زياد حُجر بن عدي وأصحابه إلى وائل بن حُجر الحضرمي وكثير بن شهاب وأمرهما أي يسيرا بهم إلى الشام فخرجوا عشيّةً وسار معهم صاحب الشرطة حتى أخرجهم من الكوفة فلمّا انتهوا إلى جبّانة عرزم نظر قبيصة بن ضبيعة العبسي إلى داره وهي في جبّانة عرزَم فإذا بناته مشرفات فقال لوائل وكثير: ائذنا لي فأوصي أهلي. فأذنا له، فلمّا دنا منهنّ وهنّ يبكين سكت عنهنّ ساعة ثمّ قال: اسكنَّ فسكتن. فقال: اتّقين الله عزّ وجلّ واصبرن فانّي أرجو من ربّي في وجهي هذا إحدى الحسنيين: إمّا الشَّهادة وهي السَّعادة، وإمّا الإنصراف إليكنّ في عافية، وإنّ الذي يرزقكنّ ويكفيني مؤنتكنّ هو الله تعالى وهو حيُّ لا يموت، أرجو أن لا يضيّعكنّ وأن يحفظني فيكنّ. ثمّ انصرف فمرّ بقومه فجعل القوم يدعون الله له بالعافية.

فساروا حتى انتهوا بهم إلى مرج عذراء عند دمشق وهم اثنى عشر رجلاً:

حُجر بن عدي، الأرقم بن عبد الله، شريك بن شدّاد، صيفي بن فسيل، قبيصة بن ضبيعة، كريم بن عفيف، عاصم بن عوف، ورقاء بن سمي، كدام بن حيان، عبد الرّحمن بن حسّان، محرز بن شهاب، عبد الله بن حوية. وأتبعهم زياد برجلين مع عامر بن الأسود فتمّوا أربعة عشر رجلاً فحبسوا بمرج عذراء فبعث معاوية إلى وائل بن حُجر وكثير بن شهاب فأدخلهما وأخذ كتابهما فقرأه على أهل الشّام فإذا فيه:

بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ لعبد الله معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين من زياد بن أبي سفيان أمّا بعد: فإنّ الله قد أحسن عند أمير المؤمنين البلاء، فأدا له من عدوّه وكفاه مؤنة من بغى عليه

٤٩

، إنّ طواغيت الترّابيّة الصبائيّة رأسهم حُجر بن عدي خالفوا أمير المؤمنين، وفارقوا جماعة المسلمين، ونصبوا لنا الحرب، فأظهرنا الله عليهم وأمكننا منهم وقد دعوت خيار أهل المصر وأشرافهم وذوي النهى والدين فشهدوا عليهم بما رأوا وعلموا، وقد بعثت بهم إلى أمير المؤمنين وكتبت شهادة صلحاء أهل المصر وخيارهم في أسفل كتابي هذا.

فلمّا قرأ معاوية الكتاب وشهادة الشّهود عليهم قال: ماذا ترون في هؤلاء النفر الذين شهد عليهم قومهم بما تسمعون؟ فقال له يزيد بن أسد البجلي: أرى أن تفرِّقهم في قرى الشّام فيكفيكهم طواغيتها وكتب معاوية إلى زياد: أمّا بعد: فقد فهمت ما اقتصصت به من أمر حُجر وأصحابه وشهادة مَن قِبلك عليهم فنظرت في ذلك فأحياناً أرى قتلهم أفضل من تركهم، وأحياناً أرى العفو عنهم أفضل من قتلهم، والسَّلام.

فكتب إليه زياد مع يزيد بن حُجيّة التميمي: أمّا بعد: فقد قرأت كتابك وفهمت رأيك في حُجر وأصحابه فعجبت لاشتباه الأمر عليك فيهم وقد شهد عليهم بما قد سمعت من هو أعلم بهم، فإن كانت لك حاجةٌ في هذا المصر فلا تردَّن حُجراً وأصحابه إليَّ.

فأقبل يزيد بن حُجيّة حتّى مرَّ بهم بعذراء، فقال: يا هؤلاء! أما والله ما أرى برأتكم ولقد جئت بكتاب فيه الذبح فمروني بما أحببتم ممّا ترون انّه لكم نافعٌ أعمل به لكم وأنطق به. فقال حُجر أبلغ معاوية: أنّا على بيعتنا لا نستقيلها ولا نقيلها، وإنّما شهد علينا الأعداء والأظنّاء فقدم يزيد بالكتاب إلى معاوية وأخبره بقول حُجر فقال معاوية.زياد أصدق عندنا من حُجر. فقال عبد الرَّحمن بن امّ الحكم الثقفي. ويقال: عثمان بن عمير الثقفي: جُذاذَها جُذاذَها. فقال له معاوية: لا تعنَّ أبراً. فخرج أهل الشّام ولا يدرون ما قال معاوية وعبد الرَّحمن فأتوا النعمان بن بشير فقالوا له مقالة ابن امّ الحكم فقال النعمان: قتل القوم.

أقبل عامر بن الأسود العجلي وهو بعذراء يريد معاوية ليعلمه بالرَّجلين اللّذين بعث بهما زياد ولحقا بح ُ جر وأصحابه فلمّا ولّى ليمضي قام إليه حُجر بن عدي يرسف في القيود فقال: يا عامر! اسمع منّي أبلغ معاوية: إنَّ دماءنا عليه حرامٌ. وأخبره أنّا قد اومنّا وصالحناه فليتّق الله ولينظر في أمرنا. فقال له نحواً من هذا الكلام فأعاد عليه حُجرٌ مراراً. فدخل عامر على معاوية فأخبره بأمر الرَّجلين فقام يزيد بن أسد البجلي فاستوهب

٥٠

الرَّجلين وكان جرير بن عبد الله كتب في أمر الرَّجلين انّهما من قومي من أهل الجماعة و الرأى الحسن سعى بهما ساع ظنينٌ إلى زياد وهما ممّن لا يحدث حدثاً في الإسلام ولا بغياً على الخليفة فلينفعهما ذلك عند أمير المؤمنين. فوهبهما له وليزيد بن اسد.

وطلب وائل بن حُجر في الأرقم الكندي فتركه.

وطلب أبو الأعور في عتبة بن الأخنس فوهبه له.

وطلب حمزة بن مالك الهمداني في سعيد بن نمران فوهبه له.

وطلب حبيب بن مسلمة في عبد الله بن حوية التميمي فخلّى سبيله.

فقام مالك بن هبيرة فسأله في حجر فلم يشفّعه فغضب وجلس في بيته، فبعث معاوية هدبة بن فيّاض القضاعي من بني سلامان بن سعد والتحصين بن عبد الله الكلابي وأبا شريف البدّي - في الأغاني: أبا حريف البدري - فأتوهم عند المساء فقال الخثعمي حين رأى الأعور مقبلاً: يُقتل نصفنا وينجو نصفنا. فقال سعيد بن نمران: أللّهمّ اجعلني ممَّن ينجو وأنت عنّي راضٍ. فقال عبد الرَّحمن بن حسّان العنزي: أللّهم اجعلني ممَّن تكرم بهوانهم وأنت عنّي راض فطالما عرضت نفسي للقتل فأبى الله إلّا ما أراد.فجاء رسول معاوية إليهم بتخلية ستّة وبقتل ثمانية، فقال لهم رسل معاوية: إنّا قد اُمرنا أن نعرض عليكم البراءة من عليّ واللّعن له فإن فعلتم هذا تركناكم وإن أبيتم قتلناكم، وانَّ أمير المؤمنين يزعم انَّ دماءكم قد حلّت له بشهادة أهل مصركم عليكم غير انّه قد عفا عن ذلك فابرؤا من هذا الرَّجل نخلِّ سبيلكم قالوا: لسنا فاعلين فاُمروا بقيودهم فحلّت، وبقبورهم فحفرت، واُدنيت أكفانهم، فقاموا الليل كلّه يصلّون فلمّا أصبحوا قال أصحاب معاوية: يا هؤلاء! قد رأيناكم البارحة أطلتم الصّلاة وأحسنتم الدعاء فأخبرونا ما قولكم في عثمان؟ قالوا: هو أوّل من جار في الحكم، وعمل بغير الحقِّ. فقال: أصحاب معاوية أمير المؤمنين كان أعلم بكم، ثمَّ قاموا إليهم وقالوا: تبرؤن من هذا الرَّجل؟ قالوا: بل نتولّاه فأخذ كلّ رجل منهم رجلاً ليقتله فوقع قبيصة بن ضبيعة في يدي أبي شريف البدّي فقال له قبيصة: إنَّ الشرَّ بين قومي وقومك أمنٌ - أي: آمن - فليقتلني غيرك فقال له: برَّتك رحمٌ فأخذ الحضرميٌّ فقتله. وقتل القضاعي صاحبه.

قال لهم حُجر: دعوني اُصلّي ركعتين، فأيمن الله ما توضّات قطّ إلّا صلّيت ركعتين.

٥١

فقالوا له: صلّ. فصلّى ثمَّ انصرف فقال: والله ما صلّيت صلاة قطّ أقصر منها ولولا أن تروا انَّ ما بي جزع من الموت لأحببت أن أستكثر منها. ثمّ قال: أللّهمّ إنّا نستعديك على امّتنا فإنَّ أهل الكوفة شهدوا علينا، وإنَّ أهل الشّام يقتلوننا، أما والله لئن قتلتموني بها انّي لأوّل فارس من المسلمين سلك في واديها، وأوَّل رجل من المسلمين نبحته كلابها. فمشى إليه هدبة الأعور بالسيف فارعدت فصائله فقال: كلّا زعمت انّك لا تجزع من الموت فأنا أدعك فابرأ من صاحبك. فقال: مالي لا أجزع؟ وأنا أرى قبراً محفوراً، وكفناً منشوراً، وسيفاً مشهوراً، وانّي والله إن جزعت لا أقول ما يسخط الرَّب فقيل له: مدّ عنقك. فقال: إنَّ ذلك لدمٌ ما كنت لاُعين عليه، فقدّم فضربت عنقه وأقبلوا يقتلونهم واحداً واحداً حتّى قتلوا ستَّة.

الخثعمى والعنزى

من أصحاب حُجر

قال عبد الرّحمن بن حسّان العنزي، وكريم بن عفيف الخثعمي: إبعثوا بنا إلى أمير المؤمنين فنحن نقول في هذا الرّجل مثل مقالته. فبعثوا إلى معاوية فأخبروه فبعث ائتوني بهما فالتفتا إلى حُجر فقال له العنزي: لا تبعد يا حُجر! ولا يبعد مثواك، فنعم أخو الإسلام كنت. وقال الخثعمي نحو ذلك ثمَّ مضى بهما فالتفت العنزي فقال متمثِّلاً.

كفى بشفاة القبر بُعداً لهالك

وبالموت قطّاعاً لحبل القرائن

فلمّا دخل عليه الخثعمي قال له: ألله ألله يا معاوية! إنّك منقولٌ من هذه الدار الزائلة إلى الدّار الآخرة الدائمة ومسئولٌ عمّا أردت بقتلنا وفيم سفكت دماءنا؟ فقال معاوية: ما تقول في عليّ؟ قال أقول فيه قولك، أتتبرَّأ من دين عليّ الذي كان يدين الله به؟ فسكت وكره معاوية أن يجيبه فقام شمر بن عبد الله الخثعمي فاستوهبه. فقال: هو لك غير انّي جالسه شهراً فحبسه فكان يرسل إليه بين كلّ يومين فيكلّمه، ثم أطلقه على أن لا يدخل الكوفة مادام له سلطانٌ فنزل الموصل فكان يقول: لو قد مات معاوية قدمت المصر فمات قبل معاوية بشهر.

ثمَّ أقبل على عبد الرَّحمن بن حسّان فقال له: ايه يا أخا ربيعة! ما قولك في عليّ؟

٥٢

قال: دعني ولا تسألني فإنّه خيرٌ لك قال: والله لا أدعك حتّى تخبرني عنه. قال: أشهد انّه كان من الذاكرين الله كثيراً، ومن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر(١) والعافين عن النّاس. قال: فما قولك في عثمان؟ قال: هو أوَّل من فتح باب الظلم وارتج أبواب الحقّ. قال: قتلت نفسك. قال بل إيّاك قتلت لا ربيعة بالوادي - يعني انّه ليس ثَمّ أحدٌ من قومه فيتكلّم فيه - فبعث به معاوية إلى زياد وكتب إليه: أمّا بعد: فإنَّ هذا العنزي شرٌّ من بعثت به فعاقبه بالعقوبة التي هو أهلها واقتله شرّ قتلة. فلمّا قدم به على زياد بعث به إلي قسّ الناطف(٢) فدفن به حيّاً.

فقتل من أصحاب حُجر معه.

شريك بن شدّاد الحضرمي

صيفي بن فسيل الشيباني

قبيصة بن ضبيعة العبسي

محرز بن شهاب المنقري

كدام بن حيان العنزي

عبد الرَّحمن بن حسان العنزي

ونجا منهم:

كريم بن عفيف الخثعمي

عبد الله بن حوية التميمي

عاصم بن عوف البجلي

ورقاء بن سميّ البجلي

أرقم بن عبد الله الكندي

عتبة بن الأخنس السعدي

سعد بن نمران الهمداني.

أخذنا ما فى هذا الفصل(٣) من الاغانى ١٦: ٢ - ١١، عيون الاخبار لابن قتيبة ١: ١٤٧ تاريخ الطبرى ٦: ١٤١ - ١٥٦، مستدرك الحاكم ٣: ٤٦٨، تأريخ ابن عساكر ٤: ٨٤، ج ٦: ٤٥٩، الكامل لابن الاثير ٣: ٢٠٢ - ٢٠٨، تاريخ ابن كثير ٨: ٤٩ - ٥٥.

قال الأميني: مَن حجُر بن عدي؟ ومَن الّذين كانوا معه؟ وما الّذي كانت غايتهم في تلكم المواقف الهائلة؟ وماذا اقترفوه من ذنب حتّى قتّلوا تقتيلا؟ ولماذا هتكت حرمانهم، وقطعت أوصال حياتهم وهم فئةٌ مسلمة!؟

حُجر بن عدي من عدول الصّحابة، أو أحد الصّحابة العدول، راهب أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما قاله الحاكم(٤) من أفاضل الصّحابة وكبارهم مع صغر سنّه مستجاب

____________________

١ - فى الاغانى: من الامرين بالحقّ والقائمين بالقسط.

٢ - موضع قرب الكوفة على شاطئ الفرات الشرقىّ.

٣ - المذكور تحت عنوان [ معاوية وحجر بن عدى وأصحابه ] ص ٣٧.

٤ – مستدرك الحاكم ٣: ٤٦٨.

٥٣

الدَّعوة كما في الاستيعاب(١) وكان ثقة معروفاً كما قاله ابن سعد(٢) وقال المرزباني: إنّه وفد إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان من عبّاد الله وزهّادهم وكان بارّاً بامّه، وكان كثير الصَّلاة والصِّيام(٣) وقال أبو معشر: كان عابداً وما أحدث إلّا توضّأ وما توضّأ إلّا صلّى(٤) وكان له صحبةٌ ووفادةٌ وجهادٌ وعبادةٌ كما في الشَّذرات(٥) وكان صاحب كرامة واستجابة دعاء مع التسليم إلى الله، روى ابن الجنيد في كتاب الأولياء: إنّ حُجر بن عدي أصابته جنابة فقال للموكّل به: اعطني شرابي أتطهّر به ولا تعطني غداً شيئاً. فقال: أخاف أن تموت عطشاً فيقتلني معاوية قال: فدعا الله فانسكبت له صحابة بالماء فأخذ منها الّذي احتاج إليه، فقال له أصحابه: ادع الله أن يخلّصنا. فقال: أللهمَّ خِرْ لنا(٦) .

وقالت عائشة: أما والله إن كان ما علمت لمسلماً حجّاجاً معتمراً(٧) وقالت لمعاوية: قتلت حُجراً وأصحابه، أما والله لقد بلغني انّه سيقتل بعذراء سبعة رجال - وفي لفظ: اناس - يغضب الله وأهل السَّماء لهم(٨) .

وقال مولانا امير المؤمنينعليه‌السلام : يا أهل الكوفة! سيقتل فيكم سبعة نفر هم من خياركم بعذراء مثلهم كمثل أصحاب الاُخدود. وفي لفظ: حُجر بن عدي وأصحابه كأصحاب الاُخدود، وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد(٩) .

وفيما كتب(١٠) الامام السبط الحسينعليه‌السلام إلى معاوية: ألستَ قاتل حُجر وأصحابه

____________________

١ - ج ١: ١٣٥.

٢ - طبقات ابن سعد، تاريخ ابن عساكر ٤: ٨٥، تاريخ ابن كثير ٨: ٥٠.

٣ - تاريخ ابن كثير: ٨: ٥٠.

٤ - تاريخ ابن عساكر ٤: ٨٥، ٤٢٠، ج ٥، تاريخ ابن كثير ٨: ٥٠.

٥ - ١: ٥٧.

٦ - الاصابة ١: ٣١٥.

٧ - الاغاني ١٦: ١١، تاريخ الطبرى ٦: ١٥٦، الكامل ٤: ٢٠٩.

٨ - تاريخ ابن عساكر ٤: ٨٦، تاريخ ابن كثير ٨: ٥٥، الاصابة ١: ٣١٥.

٩ - تاريخ ابن عساكر ٤: ٦٦، تاريخ ابن كثير ٨: ٥٥، شذرات الذهب ١: ٥٧.

١٠ - مرّ تمام الكتاب فى الجزء العاشر ص ١٦٠، ١٦١.

٥٤

العابدين المخبتين؟ الذين كانوا يستفظعون البدع، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فقتلتهم ظلماً وعدواناً من بعد ما أعطيتهم المواثيق الغليظة والعهود المؤكّدة جرأةً على الله واستخفافاً بعهده؟

أوَ لستَ بقاتل عمرو بن الحمق الذي أخلقت وأبلت وجهه العبادة، فقتلته من بعد ما أعطيته من العهود ما لو فهمته العُصم نزلت من سقف الجبال؟

أو لستَ قاتل الحضرميّ(١) الذي كتب إليك فيه زياد: انّه على دين عليّ كرّم الله وجهه، ودين عليّ هو دين ابن عمّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي اجلسك مجلسك الّذي أنت فيه، ولولا ذلك كان أفضل شرفك وشرف آبائك تجشّم الرّحلتين: رحلة الشّتاء والصَّيف، فوضعها الله عنكم بنا، منّةً عليكم.

هذا حُجر وأصحابه، وأمّا غاية ذلك العبد الصّالح والتابعين له باحسان في مواقفهم كلّها فهي النهي عن المنكر الموبق من لعن مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام على صهوات المنابر فكانوا يغبِّرون في وجه من يرتكب تلكم الجريمة من عمّال معاوية وزبانيته الأشدّاء على إمام الحقِّ وأوليائه، ولم ينقم القوم منهم غير ذلك من عيث في المجتمع، أو إفساد على السّلطان، أو شقّ لعصا المسلمين وكان حُجر وهو سيّد قومه يقول: ألا إنّي على بيعتي لا أقيلها ولا أستقيلها سماع الله والناس. ويقول ليزيد بن حجّية: ابلغ معاوية انّا على بيعتنا لا نستقيلها ولا نقيلها، وانّه إنَّما شهد علينا الأعداء والأظنّاء. ويقول: ما خلعت يداً عن طاعة ولا فارقت جماعة وإنّي على بيعتي. ولمـّا اُدخل على معاوية سلّم عليه بإمرة المؤمنين(٢) .

لم يكن صلاح الرّجل وأصحابه يخفى على أيِّ أحد حتّى على مثل المغيرة الذي كان من زعانف معاوية الخصماء الألدّاء على شيعة أمير المؤمنين عليعليه‌السلام فإنَّه لمـّا اشير إليه بالتنكيل بحجر وأصحابه قال: لا اُحبُّ أن أبتدئ أهل هذا المصر بقتل

____________________

١ - يعنى شريك بن شداد الحضرمى، كان من أصحاب حجر الذين بعث بهم زياد الى معاوية وقتل مع حجر.

٢ - الاغانى ١٦: ٦، تاريخ الطبرى ٦: ١٥٣، الكامل لابن الاثير: ٤: ٢١٠، مستدرك الحاكم ٣: ٤٦٩، ٤٧٠، الاستيعاب ١: ٣٥٧، الاصابة: ١: ٣١٥.

٥٥

خيارهم وسفك دماءهم، فيسعدوا بذلك وأشقى، ويعزّ في الدّنيا معاوية ويذلّ يوم القيامة المغيرة، ورأى أصحاب معاوية منهم آخر ليلة حياتهم بعذراء حسن صلاة ودعاء فأعجبهم نسكهم وأكبروا موقفهم من طاعة الله غير أنّهم ألقوا عليهم البراءة من عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام بأمر من معاوية برائة يتبعها الأمان والسّلام فلم يفعلوا، فقتلوا في موالاة عليّعليه‌السلام كما قاله الحاكم في المستدرك ٣: ٤٧٠، وسمعت في كلمة الإمام السبطعليه‌السلام قوله: أوَ لست قاتل الحضرميّ الذي كتب إليك فيه زياد: أنَّه على دين عليّ كرّم الله وجهه. فلم يك ذنبهم إلّا موالاة من قرن الله ولايته بولايته وولاية رسوله.

ونحن لا ندري هل ثبت في الشّريعة أنَّ البراءة من إمام الهدى ولعنه مجلبةُ للأمان على حين أنَّ الرَّجل مستحقُّ للإعدام؟ أو أنَّ ذلك نفسه فريضةٌ ثابتةٌ قامت بها الضّرورة من الدين فيهدر به دم تاركها، ويكون قتله من أحب ما يكون إلى معاوية كما جاء فيما رواه ابن كثير في تاريخه ٨: ٥٤ من أنَّ عبد الرّحمن بن الحارث قال لمعاوية: أقتلتَ حجر بن الأدبر؟ فقال معاوية: قتله أحبُّ إليَّ من أن أقتل معه مائة ألف.

نعم: نحن لا ندري، لكن فقه معاوية وشهواته يستسيغان ذلك، فلا يصيخ إلى نُصح أيِّ ناصح، فإنَّه لمـّا استشار أصحابه في أمر حُجر وهو في سجن عذراء قال له عبد الله بن زيد بن أسد البجلي: يا أمير المؤمنين! أنت راعينا ونحن رعيّتك، وأنت ركننا ونحن عمادك، إن عاقبت قلنا: أصبت. وإن عفوت قلنا: أحسنت. والعفو أقرب للتّقوى، وكلّ راع مسؤولٌ عن رعيَّته(١)

وما ذنب حُجر وأصحابه الصّلحاء ومن شاكلهم من أهل الصَّلاح وحملة الإسلام الصَّحيح إذ عبسوا على إمارة السّفهاء؟ إمارة الوزع ابن الوزغ، إلى أزنى ثقيف مغيرة، إلى طليق إسته بُسر بن أرطاة، إلى ابن أبيه زياد، إلى خليفتهم الغاشم ابن هند. و حُجر وأصحابه هم الذّين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وأخبتوا إلى ما جاء به نبيُّ الإسلام، وقد صحّ عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال لجابر بن عبد الله: أعاذك الله من إمارة السُّفهاء. قال: وما إمارة السّفهاء؟ قال: اُمراء يكونون بعدي لا يقتدون بهديي، ولا يستنّون بسنّتي، فمن صدَّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم فاُولئك ليسوا منّي ولست منهم، ولا يردوا عليَّ

____________________

١ - مستدرك الحاكم ٣: ٤٦٩.

٥٦

حوضي، ومن لم يصدّقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم فاُولئك منّي وأنا منهم، و سيردوا عليَّ حوضي(١)

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ هلاك اُمّتي أو فسادا اُمّتي رؤس اُمراء اُغيلمة سفهاء من قريش(٢) وعن كعب بن عجرة مرفوعاً: سيكون اُمراء يكذبون ويظلمون، فمن صدّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فليس منّي ولا أنا منه، ولا يرد عليَّ الحوض يوم القيامة، ومن لم يصدّقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم فهو منّي وأنا منه، ولا يرد عليَّ الحوض يوم القيامة(٣)

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ستكون عليكم اُمراء تشغلهم أشياء عن الصَّلاة حتى يؤخِّروها عن وقتها، فصلّوها لوقتها(٤) وابن سميّة من اولئك الاُمراء الذين أخّروا الصّلاة وأنكره عليه ذلك حُجر بن عدي كما مرّ حديثه في الجزء العاشر ص ١٢٠.

ولم يكن لمعاوية عذرٌ في قتل اولئك الصفوة إلّا التشبّث بالتافهات فكان يتلوَّن في الجواب بمثل قوله: إنِّي رأيت في قتلهم صلاحاً للامّة، وفي مقامهم فساداً للامّة. وقوله: إنّي وجدت قتل رجل في صلاح الناس خيراً من استحيائه في فسادهم(٥) وهل صلاح الناس في الإلتزام بلعن عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام والبرائة منه والتحامل على شيعته، وفسادهم في تركها أو النهي عنها؟ انظر لَعلّك تجد له وجهاً في غير شريعة الإسلام.

وبمثل قوله: لست أنا قتلتهم إنّما قتلهم من شهد عليهم(٦) ولقد عرفت حال تلك الشَّهادة المزوّرة، أو انّها من قوم لا خلاق لهم، وكان معاوية أعرف بها وبهم، ومع ذلك استباح دماء القوم، وتترّس بقيله عن مراشق العتاب، والإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره.

____________________

١ - مسند أحمد ٣: ٣٢١.

٢ - مسند أحمد ٢: ٢٩٩، ٣٠٤، ٣٢٨، ٥٢٠.

٣ - مسند أحمد ٤: ٢٤٣، تاريخ الخطيب ٥: ٣٦٢.

٤ - مسند أحمد ٥: ٣١٥، تاريخ الخطيب ١٣: ١٨٥.

٥ - تاريخ ابن كثير ٨: ٥٥.

٦ - تاريخ الطبرى ٦: ١٥٦، الاستيعاب ١: ١٣٥.

٥٧

وبمثل قوله: فما أصنع كتب إليَّ فيهم زياد يشدّد أمرهم ويذكر انّهم سيفتقون عليَّ فتقاً لا يرقَّع(١) وقوله: حملني ابن سميّة فاحتملت(٢) قبَّح الله الصَّلف والوقاحة أكان زياد عاملاً له أو هو عامل لزياد؟! حتّى يحتمل الموبقات بإشارته. وهل يُهدر دماء الصّالحين - وبذلك عرفهم المجتمع الدينيّ - بقول فاسق مستهتر؟! والله يقول:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَکُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ‌ ) (٣) لكن معاوية بعد أن استلحق زياداً بأبي سفيان راقه أن لا ينحرف عن مرضاته وفيها شفاء غلّته وإن زحزحته عن زمرة اُناس خوطبوا بالآية الشّريفة.

وبمثل قوله لعائشة لمـّا عاتبته على قتله حُجراً وأصحابه: فدعيني وحُجراً نلتقي عند ربّنا عزَّ وجلَّ. وقوله لها حين قالت له: أين عزب عنه حلم أبي سفيان في حُجر وأصحابه؟: حين غاب عنّي مثلكِ من حلماء قومي(٤) إن هو إلّا الهزء بالله و بلقاءه، أوَ لم يكف من آمن بالله واليوم الآخر نصح القرآن وحده وشرعة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معه في حرمة دماء المؤمنين الأبرياء؟ هل يسع معاوية أو يغنيه يوم لقاء الله التمسّك بالترَّهات تجاه قوله تعالى:( وَ لاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ) (٥) وقوله تعالى( وَ مَا کَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً، وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ) (٦) وقوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يَکْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَ يَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) (٧) وقوله تعالى:( وَ عِبَادُ الرَّحْمٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً - إلى قوله - وَ لاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَ لاَ يَزْنُونَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِکَ

____________________

١ - الاستيعاب ١: ١٣٤، اسد الغابة ١: ٣٨٦.

٢ - الاغانى ١٦: ١١، تاريخ الطبرى ٦: ١٥٦، كامل ابن الاثير ٤: ٢٠٩.

٣ - سورة الحجرات: ٦.

٤ - الاغاني ١٦: ١١، الاستيعاب ١: ١٣٤، اسد الغابة ١: ٣٨٦، تاريخ ابن كثير ٨: ٥٥.

٥ - سورة الاسراء: ٣٣.

٦ - سورة النساء: ٩٢، ٩٣.

٧ - سورة آل عمران: ٢١.

٥٨

يَلْقَ أَثَاماً ) ؟!(١) .

أوَ لم يكف معاوية ما رواه هو نفسه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله: كلّ ذنب عسى الله أن يغفره إلّا الرَّجل يموت كافراً أو الرَّجل يقتل مؤمناً متعمّداً؟ مسند أحمد ٤: ٩٦.

أو ما كتبه بيده الأثيمة إلى مولانا أمير المؤمنين من كتاب: وانّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: لو تمالا أهل صنعاء وعدن على قتل رجل واحد من المسلمين لأكبّهم الله على مناخرهم في النّار؟.

أو ما رواه ابن عمر مرفوعاً: لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً؟.

أو ما جاء به البراء بن عازب مرفوعاً: زوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حقّ. رواه ابن ماجة والبيهقي، وزاد فيه الاصبهاني: ولو أنَّ أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم النّار.

وفي رواية لبريدة مرفوعاً: قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا.

وفي حديث لابي هريرة مرفوعاً: لو أنَّ أهل السّماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبّهم الله في النّار.

ومن حديث لابن عبّاس مرفوعاً: لو اجتمع أهل السّماء والأرض على قتل امرئ لعذَّبهم الله إلّا أن يفعل ما يشاء.

ومن حديث لابي بكرة مرفوعاً: لو انَّ أهل السّماوات والأرض اجتمعوا على قتل مسلم لكبَّهم الله جميعاً على وجوههم في النّار.

ومن طريق ابن عبّاس مرفوعاً: أبغض الناس إلى الله ملحدٌ في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنّة الجاهليّة، ومطلب دم امرئ بغير حقّ ليهريق دمه، صحيح البخاري، سنن البيهقي ٨: ٢٧.

ومن طريق أبي هريرة مرفوعاً: من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله مكتوباً بين عينيه: آيسٌ من رحمة الله.

____________________

١ - سورة الفرقان: ٦٨.

٥٩

ومن حديث أبي موسى مرفوعاً: أصبح إبليس بثَّ جنوده فيقول: من أخذل اليوم مسلماً ألبسه التّاج. فيجيء هذا فيقول: لم أزل به حتّى طلّق امرأته. فيقول: أوشك أن يتزوّج. ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتّى عقَّ والديه. فيقول: يوشك أن يبرَّهما ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتّى أشرك. فيقول: أنت أنت ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتّى قَتل فيقول: أنت أنت ويلبسه التّاج.

ومن حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً: مَن قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنّة وانّ ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً. وفي لفظ أحمد: من قتل نفساً معاهدة بغير حلّها حرّم الله تبارك وتعالى عليه الجنّة لم يشم ريحها.

إلى أحاديث جمّة اُخرى أخرجها الحفّاظ وأئمّة الحديث في الصِّحاح والمسانيد وجمع شطراً منها الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب ٣: ١٢٠ - ١٢٣.

ما أحوج معاوية مع هذه كلّها إلى نصح ضرائب عائشة في هذه الموبقة الكبيرة و هي نفسها لم تكترث لسفك دماء آلاف مؤلّفة ممّن حسبتهم أبنائها على حدِّ قول الشاعر:

جاءت مع الأشقين في هودج

تزجي إلى البصرة أجنادها

كأنّها في فعلها هرَّةٌ

تُريد أن تأكل أولادها

نعم: مضى حُجر سلام الله عليه إلى ربّه سجيح الوجه، وضيء الجبين، حميداً سعيداً مظلوماً مُهتضماً، مضرَّجاً بدمه، مصفّداً بقيود الظلم والجور، خاتماً حياته الحميدة بالصّلاة، قائلاً: لا تطلقوا عنّي حديداً، ولا تغسلوا عنّي دماً، وادفنوني في ثيابي فإنّي مخاصم. وفي لفظ: فإنّا نلتقي معاوية على الجادَّة(١) . وأبقت تلك الموبقة على معاوية خزي الأبد، وعدَّ الحسن من أربع خصال كنَّ في معاوية لو لم يكن فيه منهنَّ إلّا واحدة لكانت موبقة: قلته حُجراً، وقال: ويلاً له من حُجر و أصحاب حُجر(٢) .

ونحن على يقين من أنَّ الله تعالى سيأخذ ابن آكلة الأكباد بما خطّته يده

____________________

١ - مستدرك الحاكم ٣: ٤٦٩، ٤٧٠، الاستيعاب ١: ١٣٥، كامل ابن الاثير ٤: ٢١٠، اسد الغابة ١: ٣٨٦، الاصابة ١: ٣١٥.

٢ - مرّح تمام حديث الحسن فى ص ٢٢٥ من الجزء العاشر.

٦٠