موسوعة حديث الثقلين الجزء ١

موسوعة حديث الثقلين9%

موسوعة حديث الثقلين مؤلف:
الناشر: ستارة
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 978-600-5213-63-8
الصفحات: 619

الجزء ١ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 619 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 163709 / تحميل: 5114
الحجم الحجم الحجم
موسوعة حديث الثقلين

موسوعة حديث الثقلين الجزء ١

مؤلف:
الناشر: ستارة
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٦٣-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (٢) كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (٣) )

أسباب النّزول

وردت في كتب التّفسير والحديث أسباب متشابهة لنزول الآيات الاولى من هذه السورة ، وسنستعرض أحد هذه الأسباب لكونه مفصّلا وجامعا أكثر من الأسباب الاخرى ، ففي حديث نقله المرحوم العلّامة الكليني عن الإمام الباقرعليه‌السلام جاء فيه : «أقبل أبو جهل بن هشام ومعه قوم من قريش فدخلوا على أبي طالب فقالوا : إنّ ابن أخيك قد آذانا وآذى آلهتنا ، فادعه ومره فليكفّ عن آلهتنا ونكفّ عن إلهه.

فبعث أبو طالب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعاه ، فلمّا دخل النّبي لم ير في البيت إلّا مشركا فقال : (السلام على من اتّبع الهدى) ثمّ جلس فخبّره أبو طالب بما جاؤوا به ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أو هل لهم في كلمة خير لهم من هذا يسودون بها العرب ويطأون أعناقهم»؟

٤٤١

فقال أبو جهل : نعم وما هذه الكلمة؟

قال : «تقولون : لا إله إلّا الله».

وما إن سمعوا هذه الكلمات حتّى وضعوا أصابعهم في آذانهم وخرجوا وهم يقولون : ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إنّ هذا إلّا اختلاق ، فأنزل الله في قولهم :( ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ) ـ إلى قوله ـ( إِلَّا اخْتِلاقٌ ) (١) .

التّفسير

انقضاء مهلة النّجاة :

مرّة اخرى تمرّ علينا سورة تبدأ آياتها الاولى بحروف مقطّعة وهو حرف( ص ) ويطرح نفس السؤال السابق بشأن تفسير هذه الحروف المقطّعة : هل هذه إشارة إلى عظمة القرآن المجيد الذي يتألّف من مثل هذه الحروف المتيسّرة في متناول الجميع كالحروف الهجائية ، والذي غيّرت محتوياته مجرى حياة الإنسانية في هذا العالم

وأنّ قدرة الله العظمية هي التي أوجدت من هذه الحروف البسيطة تركيبا رائعا عظيما هو القرآن المجيد كلام الله ، أم أنّها إشارة إلى رموز وأسرار بين الله سبحانه وتعالى وأنبيائه

أمّ أنّها تعني أمورا أخرى؟

مجموعة من المفسّرين اعتبرت هنا حرف (ص) رمزا يشير إلى أحد أسماء الله ، وذلك لأنّ الكثير من أسمائه تبدأ بحرف الصاد مثل (صادق) ، (صمد) ، (صانع) أو أنّه إشارة إلى (صدق الله) التي اختصرت بحرف واحد.

ولا بدّ أنّكم طالعتم تفسير هذه الحروف المقطّعة بصورة مفصّلة في تفسير بدايات آيات سور (البقرة) و (آل عمران) و (الأعراف).

__________________

(١) اصول الكافي نقلا عن نور الثقلين ، المجلّد ٤ ، الصفحة ٤٤٠.

٤٤٢

ثمّ يقسم الله تعالى بالقرآن ذي الذكر والّذي هو حقّا معجزة إلهيّة( وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ) (١) .

فالقرآن ذكر ويشتمل على الذكر ، والذكر يعني التذكير وصقل القلوب من صدأ الغفلة ، تذكّر الله ، وتذكّر نعمه ، وتذكّر محكمته الكبرى يوم القيامة ، وتذكّر هدف خلق الإنسان.

نعم ، فالنسيان والغفلة هما من أهمّ عوامل تعاسة الإنسان ، والقرآن الكريم خير دواء لعلاجهما.

فالقرآن الكريم يقول بشأن المنافقين في الآية (٦٧) من سورة التوبة :( نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ ) أي إنّهم نسوا الله ، والله في المقابل نسيهم وقطع رحمته عنهم.

ونقرأ في نفس هذه السورة الآية (٢٦) عن الضالّين ، قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ ) .

نعم ، فالنسيان هو الابتلاء الكبير الذي ابتلي به الضالّون والمذنبون ، حتّى أنّهم نسوا أنفسهم وقيمة وجودها ، كما قال القرآن الكريم ، كلام الله الناطق( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) .(٢)

فالقرآن خير وسيلة لتمزيق حجب النسيان ، وهو نور لإزالة الظلمات والغفلة والنسيان ، حيث إنّ آياته تذكّر الإنسان بالله وبالمعاد ، وتعرّف الإنسان قيمة وجوده في هذه الحياة.

الآية التالية تقول لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا رأيت هؤلاء لا يستسلمون لآيات الله الواضحة ولقرآنه المجيد ، فاعلم أنّ سبب هذا لا يعود إلى أنّ هناك ستارا يغطّي كلام الحقّ ، وإنّما هم مبتلون بالتكبّر والغرور اللذين يمنعان الكافرين من قبول

__________________

(١) جملة( وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ) جملة قسم جوابها محذوف ، وتقديرها (والقرآن ذي الذكر إنّك صادق وإنّ هذا الكلام معجز).

(٢) الحشر ، ١٩.

٤٤٣

الحقّ ، كما أنّ عنادهم وعصيانهم ـ هما أيضا ـ مانع يحول دون تقبّلهم لدعوتك( بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ ) .

«العزّة» كما قال الراغب في مفرداته ، هي حالة تحوّل دون هزيمة الإنسان (حالة الذي لا يقهر) وهي مشتقّة من (عزاز) وتعني الأرض الصلبة المتينة التي لا ينفذ الماء خلالها ، وتعطي معنيين ، فأحيانا تعني (العزّة الممدوحة) المحترمة ، كما في وصف ذات الله الطاهر بالعزيز ، وأحيانا تعني (العزّة بالإثم) أي الوقوف بوجه الحقّ والتكبّر عن قبول الواقع ، وهذه العزّة مذلّة في حقيقة الأمر.

«شقاق» مشتقّة من (شقّ) ، ومعناه واضح ، ثمّ استعمل في معنى المخالفة ، لأنّ الاختلاف يسبّب في أن تقف كلّ مجموعة في شقّ ، أي في جانب.

القرآن هنا يعدّ مسألة العجرفة والتكبّر والغرور وطيّ طريق الانفصال والتفرقة من أسباب تعاسة الكافرين ، نعم هذه الصفات القبيحة والسيّئة تعمي عين الإنسان وتصمّ آذانه ، وتفقده إحساسه ، وكم هو مؤلم أن يكون للإنسان عيون تبصر وآذان تسمع ولكنّه يبدو كالأعمى والأصم.

فالآية (٢٠٦) من سورة البقرة تقول :( وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ ) أي عند ما يقال للمنافق : اتّق الله ، تأخذه العصبية والغرور واللجاجة ، وتؤدّي به إلى التوغّل في الذنب والسقوط في نار جهنّم وإنّها لبئس المكان.

ولإيقاظ أولئك المغرورين المغفّلين ، يرجع بهم القرآن الكريم إلى ماضي تأريخ البشر ، ليريهم مصير الأمم المغرورة والمتكبّرة ، كي يتّعظوا ويأخذوا العبر منها و( كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ ) .

أي إنّ امما كثيرة كانت قبلهم قد أهلكناها (بسبب تكذيبها الأنبياء ، وإنكارها آيات الله ، وظلمها وارتكابها للذنوب) وكانت تستغيث بصوت عال عند نزول العذاب عليها ، ولكن ما الفائدة فقد تأخّر الوقت! ولم يبق أمامهم متّسع من الوقت

٤٤٤

لإنقاذ أنفسهم( فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ ) .

فعند ما كان أنبياء الله في السابق يعظونهم ويحذّرونهم عواقب أعمالهم القبيحة ، لم يكتفوا بصمّ آذانهم وعدم الاستماع ، وإنّما كانوا يستهزئون ويسخرون من الأنبياء ويعذّبون المؤمنين ويقتلونهم ، فبذلك أضاعوا الفرصة ودمّروا كلّ الجسور التي خلفهم ، فنزل العذاب الإلهي ليهلكهم جميعا ، العذاب الذي رافقه انغلاق باب التوبة والعودة ، وفور نزوله تبدأ أصوات الاستغاثة تتعالى ، والتي لا تغني عنهم يومئذ شيئا.

وكلمة (لات) جاءت للنفي ، وهي في الأصل (لا) نافية أضيفت إليها (تاء) التأنيث ، لتعطي معنى التأكيد(١) .

«مناص» من مادّة (نوص) وتعني الملاذ والملجأ ، ويقال : إنّ العرب عند ما كانت تقع لهم حادثة صعبة ورهيبة ، وخاصّة في الحروب كانوا يكرّرون هذه الكلمة ويقولون (مناص مناص) أي : أين الملاذ؟ أين الملاذ؟ ولأنّ هذا المفهوم يتناسب مع معنى الفرار ، وأحيانا تأتي بمعنى إلى أين الفرار(٢) .

على أيّة حال ، فإنّ أولئك المغرورين المغفّلين لم يستفيدوا من الفرصة التي كانت بأيديهم للجوء إلى أحضان الرحمة واللطف الإلهي ، وعند ما أضاعوا الفرصة ونزل عليهم العذاب الإلهي ، أخذوا ينادون ويستغيثون ويبذلون الجهد للعثور على طريق نجاة لهم ، ولكن كلّ هذه الجهود تبوء بالفشل ، حيث أنّهم مهما بذلوا من جهد ومهما استغاثوا فإنّهم لا يصلون إلى مقصدهم.

هذه كانت سنّة الله مع كلّ الأمم السابقة ، وستبقى كذلك ، لأنّ سنّة الله لا تتغيّر

__________________

(١) البعض قال : إنّ (التاء) زائدة واعتبرها للمبالغة كما في كلمة (علامة) كما اعتبر البعض أنّ (لا) هنا (نافية للجنس) والبعض شبّهها بـ (ليس) وعلى أيّة حال إضافة (التاء) إلى (لا) يوجد أحكاما خاصّة ، منها من المؤكّد أنّها تستخدم للزمان ، والاخرى أنّ اسمها أو خبرها محذوف دائما ، وتذكر في الكلام بإحدى الحالتين المذكورتين آنفا ، وطبقا لهذا فإنّ عبارة (ولات حين مناص) تقديرها (ولات الحين حين مناص).

(٢) مفردات الراغب ، تفسير فخر الرازي ، تفسير روح المعاني ، كتاب مجمع البحرين مادّة (نوص).

٤٤٥

ولا تتبدّل.

ومن المؤسف أنّ الناس ـ على الأغلب ـ غير مستعدّين للاتّعاظ من تجارب الآخرين ، وكأنّهم راغبون في تكرار تلك التجارب المرّة ، التجارب التي تقع أحيانا مرّة واحدة في طول عمر الإنسان ، ولا تتكرّر ثانية ، وبصورة أوضح : إنّها الاولى والأخيرة.

* * *

٤٤٦

الآيات

( وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (٥) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (٦) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (٧) )

أسباب النّزول

سبب نزول هذه الآيات يشبه سبب نزول الآيات السابقة ، وغير مستبعد أن يكون هناك سبب واحد لنزول كلّ تلك الآيات.

ولكن بما أنّ سبب النّزول المذكور لهذه الآيات يحوي مطالب جديدة ، نذكره كما ورد في تفسير علي بن إبراهيم ، حيث جاء فيه : بعد أن أظهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الدعوة ، اجتمعت قريش إلى أبي طالب فقالوا : يا أبا طالب ، إنّ ابن أخيك قد سفه أحلامنا ، وسبّ آلهتنا ، وأفسد شبابنا ، وفرّق جماعتنا ، فإن كان الذي يحمله على ذلك العدم ، جمعنا له حالا حتّى يكون أغنى رجل في قريش ، ونملكه علينا.

فأخبر أبو طالب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأجابه رسول الله قائلا : «لو وضعوا الشمس

٤٤٧

في يميني والقمر في يساري ما تركته ، ولكن كلمة يعطوني يملكون بها العرب وتدين بها العجم ويكونون ملوكا في الجنّة».

فقال لهم أبو طالب ذلك ، فقالوا : نعم وعشرة كلمات بدلا من واحدة ، أي كلمة تقصد أنت؟

فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تشهدون أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله».

تضايقوا كثيرا عند سماعهم هذا الجواب ، وقالوا : ندع ثلاث مائة وستّين إلها ونعبد إلها واحدا؟ إنّه لأمر عجيب؟ نعبد إلها واحدا لا يمكن مشاهدته ورؤيته.

وهنا نزلت هذه الآيات المباركة بل( وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ ) (١) .

هذا المعنى ورد أيضا في تفسير مجمع البيان مع اختلاف بسيط ، إذ ذكر صاحب تفسير مجمع البيان في آخر الرواية أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استعبر بعد أن سمع جواب زعماء قريش وقال : «يا عمّ والله لو وضعت الشمس في يميني والقمر في شمالي ما تركت هذا القول حتّى أنفذه أو اقتل دونه» فقال له أبو طالب : امض لأمرك ، فو الله لا أخذلك أبدا(٢) .

* * *

التّفسير

هل يمكن قبول إله واحد بدلا من كلّ تلك الآلهة؟

المغرورون والمتكبّرون لا يعترفون بأمر لا يلائم أفكارهم المحدودة والناقصة ، إذ يعتبرون أفكارهم المحدودة والناقصة مقياسا لكلّ القيم. لذا فعند ما رفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لواء التوحيد في مكّة ، وأعلن الانتفاضة ضدّ الأصنام الكبيرة

__________________

(١) تفسير علي بن إبراهيم ، نقلا عن تفسير نور الثقلين ، المجلّد ٤ ، الصفحة ٤٤٢ الحديث ٧.

(٢) مجمع البيان ، المجلّد ٨ ، الصفحة ٤٦٥.

٤٤٨

والصغيرة في الكعبة ، والبالغ عددها (٣٦٠) صنما ، تعجّبوا : لماذا جاءهم النذير من بينهم؟( وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ) .

كان تعجّبهم بسبب أنّ محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل منهم فلما ذا لم تنزل ملائكة من السماء بالرسالة؟ هؤلاء تصوّروا أنّ نقطة القوّة هذه نقطة ضعف ، فالذي يبعث من بين قوم ، هو أدرى باحتياجات وآلام قومه ، كما أنّه أعرف بمشكلاتهم وتفصيلات حياتهم ، ويمكن أن يكون لهم أسوة وقدوة ، إلّا أنّهم اعتبروا هذا الامتياز الكبير نقطة سلبية في دعوة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعجّبوا من أمر بعثته إليهم.

وأحيانا كانوا يجتازون مرحلة التعجّب إلى مرحلة اتّهام رسول الله بالسحر والكذب( وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ ) .

وقلنا عدّة مرّات : إنّ اتّهامهم الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسحر ، إنّما نتج من جرّاء رؤيتهم لمعجزاته التي لا تقبل الإنكار وتنفذ بصورة مدهشة إلى أفكار المجتمع ، واتّهامه بالكذب بسبب تحدّثه بأمور تخالف سنّتهم الخرافية وأفكارهم الجاهلية التي كانت جزءا من الأمور المسلّم بها في ذلك المجتمع ، وادّعاء الرسالة من الله.

وعند ما أظهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعوته لتوحيد الله ، أخذ أحدهم ينظر للآخر ويقول له : تعالى

واسمع العجب العجاب( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ ) (١) .

نعم ، فالغرور والتكبّر إضافة إلى فساد المجتمع ، تساهم جميعا في تغيّر بصيرة الإنسان ، وجعله متعجّبا من بعض الأمور الواقعية والواضحة ، في حين يصرّ بشدّة على التمسّك ببعض الخرافات والأوهام الواهية.

وكلمة (عجاب) على وزن (تراب) تعطي معنى المبالغة ، وتقال لأمر عجيب مفرط في العجب.

فالسفهاء من قريش كانوا يعتقدون أنّه كلّما ازدادت عدد آلهتهم إزداد نفوذهم

__________________

(١) «الجعل» بمعنى التصيير ، وهو ـ كما قيل ـ تصيير بحسب القول والإعتقاد والدعوى لا بحسب الواقع.

٤٤٩

وقدرتهم ، ولهذا السبب فإنّ وجود إله واحد يعدّ قليلا من وجهة نظرهم ، في حين ـ كما هو معلوم ـ أنّ الأشياء المتعدّدة من وجهة النظر الفلسفية تكون دائما محدودة ، والوجود اللامحدود واحد لا أكثر ، ولهذا السبب فإنّ كلّ الدراسات في معرفة الله تنتهي إلى توحيده.

وبعد أن يئس طغاة قريش من توسّط أبي طالب في الأمر وفقدوا الأمل ، خرجوا من بيته ، ثمّ انطلقوا وقال بعضهم لبعض ، أو قالوا لأتباعهم : اذهبوا وتمسّكوا أكثر بآلهتكم ، واصبروا على دينكم ، وتحمّلوا المشاق لأجله ، لأنّ هدف محمّد هو جرّ مجتمعنا إلى الفساد والضياع وزوال النعمة الإلهية عنّا بسبب تركنا الأصنام ، وإنّه يريد أن يترأس علينا( وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ ) .

«انطلق» مشتقّة من (انطلاق) وتعني الذهاب بسرعة والتحرّر من عمل سابق ، وهنا تشير إلى تركهم مجلس أبي طالب وعلامات الضجر والغضب بادية عليهم.

و (الملأ) إشارة إلى أشراف قريش المعروفين الذين ذهبوا إلى أبي طالب ، وبعد خروجهم من بيته تحدّث بعضهم لبعض أو لأتباعهم أن لا تتركوا عبادة أصنامكم وأثبتوا على عبادة آلهتكم.

وجملة( لَشَيْءٌ يُرادُ ) تعني أنّ هناك أمرا يراد بنا. ولكونها جملة غامضة بعض الشيء ، فقد ذكر المفسّرون لها تفاسير عديدة ، منها : أنّها إشارة إلى دعوة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ اعتبرت قريش هذه الدعوة مؤامرة ضدّها ، وقالت : إنّ ظاهرها يدعو إلى الله ، وباطنها يهدف إلى السيادة والرئاسة علينا وعلى العرب ، وما هذه الدعوة إلّا ذريعة لتنفيذ ذلك الأمر ، أي السيادة والرئاسة ، ودعت الناس إلى التمسّك أكثر بعبادة الأصنام ، وترك تحليل أمر هذه المؤامرة إلى زعماء القوم ، وهذا الأسلوب طالما لجأ إليه أئمّة الضلال لإسكات أصوات السائرين في طريق الحقّ ، إذ يطلقون على الدعوة إلى الله لفظة (مؤامرة) المؤامرة التي يجب أن يتولّى

٤٥٠

رجال السياسة تحليلها بدقّة لوضع الخطط والبرامج المنظّمة لمواجهتها ، وأن يمرّ بها عامة الناس مرّ الكرام من دون أن يعيروا لها أي اهتمام ، وأن يتمسّكوا أكثر بما عندهم ، أي بأصنامهم.

ونظير هذا الحديث ورد في قصّة نوح ، عند ما قال الملأ من قوم نوح لعامّتهم( ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ ) .(١)

وذهب آخرون إلى أنّ المقصود من هذه العبارة هو : يا عبدة الأصنام أثبتوا واستقيموا على آلهتكم ، لأنّ هذا هو المطلوب منكم.

أمّا البعض الآخر فقد قال : المقصود هو أنّ محمّدا يستهدفنا نحن ، وأنّه يريد جرّ مجتمعنا إلى الفساد من خلال تركنا لآلهتنا ، وفي نهاية الأمر ستزال النعم عنّا وينزل علينا العذاب!

فيما احتمل البعض الآخر أنّ المراد هو أنّ محمّدا لن يتوقّف عن دعوته وأنّه مصمّم على نشرها بعزم راسخ ، ولهذا فإنّ المحادثات معه عقيمة ، فاذهبوا وتمسّكوا أكثر بعقائدهم.

وأخيرا احتمل بعض المفسّرين أنّ المقصود هو أنّ المصيبة ستحلّ بنا ، وعلى أيّة حال ، علينا أن نتهيّأ لها وأن نتمسّك أكثر بسنّتنا.

وبالطبع ، لكون هذه الجملة لها مفهوم عامّ ، فإنّ أغلب التفاسير يمكن أن تعطي المعنى المطلوب ، رغم أنّ التّفسير الأوّل يعدّ أنسب من بقيّة التفاسير.

وعلى أيّة حال ، فإنّ زعماء المشركين أرادوا بهذا القول تقوية المعنويات المنهارة لأتباعهم ، والحيلولة دون تزعزع معتقداتهم أكثر ، ولكن كلّ مساعيهم ذهبت أدراج الرياح.

ولخداع عوامّ الناس وإقناع أنفسهم ، قال زعماء المشركين( ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ ) .

__________________

(١) المؤمنون ، ٢٤.

٤٥١

فلو كان ادّعاء التوحيد وترك عبادة الأصنام أمرا واقعيّا لكان آباؤنا الذين كانوا بتلك العظمة والشخصيّة قد أدركوا ذلك ، وكنّا قد سمعنا ذلك منهم ، لذا فهو مجرّد حديث كاذب وليست له سابقة.

وعبارة( الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ ) يحتمل أنّها تشير إلى جيل آبائهم باعتباره آخر جيل بالنسبة لهم ، ويمكن أن تكون إشارة إلى أهل الكتاب وخاصّة (النصارى) الذين كانوا آخر الملل ، ودينهم كان آخر الأديان قبل ظهور نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أي إنّنا لم نعثر في كتب النصارى على شيء ممّا يقوله محمّد ، وذلك لأنّ كتب النصارى كانت تقول بالتثليث ، أمّا التوحيد الذي دعا إليه محمّد فإنّه أمر جديد.

ولكن يتّضح من آيات القرآن الكريم أنّ عرب الجاهلية لم يكونوا معتمدين على كتب اليهود والنصارى ، وإنّما اعتمادهم الأساس كان على سنن وشرائع أجدادهم وآبائهم ، وهذا دليل على صحّة التّفسير الأوّل.

«اختلاق» مشتقّة من (خلق) وتعني إبداء أمر لم تكن له سابقة ، كما تطلق هذه الكلمة على الكذب ، وذلك لأنّ الكذّاب غالبا ما يطرح مواضيع لا وجود لها ، ولهذا فإنّ المراد من كلمة (اختلاق) في الآية ـ مورد البحث ـ أنّ التوحيد الذي دعا إليه هذا النبيّ مجهول بالنسبة لنا ولآبائنا الأوّلين ، وهذا دليل على بطلانه.

* * *

ملاحظة

الخوف من الجديد!

الخوف من القضايا والأمور المستحدثة والجديدة كانت ـ على طول التاريخ ـ أحد الأسباب المهمّة التي تقف وراء إصرار الأمم الضالّة على انحرافاتها ، وعدم استسلامها لدعوات أنبياء الله ، إذ أنّهم يخافون من كلّ جديد ، ولهذا كانوا ينظرون لشرائع الأنبياء بنظرة سيّئة جدّا ، وحتّى الآن هناك امم كثيرة تحمل آثارا من هذا

٤٥٢

التفكير الجاهلي ، في الوقت الذي لم تكن فيه دعوة الرسل للتوحيد أمرا جديدا ، ولا يمكن أن تكون حداثة الشيء دليلا على بطلانه ، فيجب أن نتّبع المنطق ، ونستسلم للحقّ أينما كان وممّن كان.

والأمر العجيب أنّ مسألة الخوف من الأمر الجديد ـ مع شديد الأسف ـ قد طالت بعض العلماء أيضا ـ إذ يتّخذون موقفا معارضا للنظريات العلمية الحديثة ويقولون :( إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ ) .

وهذا الأمر شوهد بصورة خاصّة في تأريخ الكنيسة المسيحية ، إذ أنّهم كانوا يتّخذون مواقف سلبية تجاه الاكتشافات العلمية لعلماء الطبيعة ، وكان أحدهم «غاليلو» إذ تعرّض لأشدّ هجمات الكنيسة على أثر إعلانه عن أنّ الأرض تدور حول الشمس وحول نفسها ، حيث كانوا يقولون : إنّ هذا الكلام بدعة.

وأكثر ما يثير العجب أنّ بعض العلماء الكبار ، كانوا عند ما يتوصّلون إلى حقائق علمية جديدة ، يعمدون إلى البحث في امّهات الكتب لعلّهم يعثرون على علماء سابقين يوافقونهم في الرأي ، وذلك خوفا من تعرضهم لهجمات المعارضين وبهذا الأسلوب استطاع كثير من العلماء إبداء وجهة نظرهم وكأنّها قديمة وليست بجديدة ، وهذا أمر مؤلم جدّا.

ومثال هذا الحديث يمكن مشاهدته في كتاب (الأسفار) فيما ورد عن النظرية المعروفة بـ (الحركة الجوهرية) لصدر المتألهين الشيرازي.

على أيّة حال فإنّ طريقة التعامل مع القضايا الحديثة والابتكارات الجديدة أدّى إلى وقوع خسائر كبيرة في المجتمع الإنساني وفي عالم العلم والمعرفة ، وعلى أصحاب العلاقة أن يعملوا بجدّ لإصلاح هذا الأمر ، وإزالة الرسوبات الجاهلية من أفكار الرأي العامّ.

٤٥٣

إلّا أنّ هذا الحديث لا يعني قبول كلّ رأي جديد لكونه جديدا ، حتّى ولو كان بلا أساس ، إذ يصبح حينئذ نفس التمسّك بالجديد بلاء عظيما كعشق القديم ، فالاعتدال الإسلامي يدعونا إلى عدم الإفراط أو التفريط في العمل.

* * *

٤٥٤

الآيات

( أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (٨) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (٩) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ (١٠) جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ (١١) )

التّفسير

الجيش المهزوم :

الآيات السابقة تحدّثت عن المواقف السلبية التي اتّخذها المعارضون لنهج التوحيد والإسلام ، ونواصل في هذه الآيات الحديث عن مواقف المشركين.

فمشركو مكّة بعد ما أحسّوا أنّ مصالحهم اللامشروعة باتت في خطر ، وإثر تزايد اشتعال نيران الحقد والحسد في قلوبهم ، ومن أجلّ خداع الناس وإقناع أنفسهم عمدوا إلى مختلف الادّعاءات بمنطق زائف لمحاربة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنها سؤالهم بتعجّب وإنكار( أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا ) .

ألم يجد الله شخصا آخر لينزل عليه قرآنه ، غير محمّد اليتيم والفقير ـ خاصّة

٤٥٥

وأنّ فينا الكثير من الشيبة وكبار السنّ الأثرياء المعروفون.

هذا المنطق لم يكن منحصرا بذلك الزمان فقط ، وإنّما يتعدّاه إلى كلّ عصر وزمان ، وحتّى في زماننا ، فإن تولّى شخص ما مسئولية مهمّة طفحت قلوب الآخرين بالغيظ والحسد ، وبدأت ألسنتهم بالثرثرة وتوجيه النقد والطعن : ألم يكن هناك شخص آخر حتّى توكّل هذه المهمة بالشخص الفلاني الذي هو من عائلة فقيرة وغير معروفة؟

نعم ، فأهل الكتاب من اليهود والنصارى يشتركون بعض الشيء مع المسلمين ، ولكن حبّ الدنيا من جهة ، وحسدهم من جهة اخرى ، تسبّبا في أنّ يبتعدوا عن الإسلام والقرآن ، ويقولوا إلى عبدة الأصنام : إنّ الطريق الذي تسلكونه أفضل من الطريق الذي سلكه المؤمنون( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً ) .(١)

من البديهي أنّ إشكال التعجّب والإنكار المتولّدة عن الخطأ في «تحديد القيم» إضافة إلى الحسد وحبّ الدنيا ، لا يمكن أن تكون معيارا منطقيا في القضاء ، فهل أنّ شخصيّة الإنسان تحدّد باسمه أو مقدار ماله أو مقامه أو حتّى سنّه؟ وهل أنّ الرحمة الإلهيّة تقسّم على أساس هذا المعيار؟

لهذا فإنّ تتمّة الآية تقول : إنّ مرض أولئك شيء آخر ، إنّهم في حقيقة الأمر يشكّكون في أمر الوحي وأمر الله( بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي ) .

ملاحظاتهم التي لا قيمة لها على شخصيّة الرّسول ما هي إلّا أعذار واهية ، وشكّهم وتردّدهم في هذه المسألة ليس بسبب وجود إبهام في القرآن المجيد ، وإنّما بسبب أهوائهم النفسية وحبّ الدنيا وحسدهم.

وفي نهاية الأمر فإنّ القرآن الكريم يهدّدهم بهذه الآية( بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ ) أي إنّ هؤلاء لم يذوقوا العذاب الإلهي ، ولهذا السبب جسروا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) النساء ، ٥١.

٤٥٦

ودخلوا المعركة ضدّ الوحي الإلهي بهذا المنطق الأجوف.

نعم ، فهناك مجموعة من الناس لا ينفع معها المنطق والكلام ، ولكن سوط العذاب هو الوحيد الذي يحطّ من تكبّرهم وغرورهم ، لذا يجب أن يعاقب أولئك بالعقاب الإلهي كي يشفوا من مرضهم.

ويضيف القرآن الكريم في الردّ عليهم : هل يمتلكون خزائن الرحمة الإلهيّة كي يهبوا أمر النبوّة لمن يرغبون فيه ، ويمنعونها عمّن لا يرغبون فيه؟( أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ ) .

فالله سبحانه وتعالى بمقتضى كونه (ربّ) هذا الكون ومالكه ، وبارئ عالم الوجود وعالم الإنسانية ، ينتخب لتحمل رسالته شخصا يستطيع قيادة الأمّة إلى طريق التكامل والتربية. وبمقتضى كونه (العزيز) فإنّه لا يقع تحت تأثير الآخرين ويسلّم مقام الرسالة إلى أشخاص غير لائقين ، فمقام النبوّة عظيم ، والله سبحانه وتعالى هو صاحب القرار في منحه. ولكونه (الوهّاب) فإنّه ينفذ أيّ شيء يريده ، ويمنح مقام النبوّة لكلّ من يرى فيه القدرة على تحمّله.

ممّا يذكر أنّ كلمة (الوهّاب) جاءت بصيغة المبالغة ، وتعني كثير المنح والعطايا ، وهي هنا تشير إلى أنّ النبوّة ليست نعمة واحدة ، وإنّما هي نعم متعدّدة ، تتّحد فيما بينها لتمكّن صاحب هذا المقام الرفيع من أداء مهمّته ، وهذه النعم تشمل العلم والتقوى والعصمة والشجاعة والشهامة.

ونقرأ في الآية (٣٢) من سورة الزخرف نظير هذا الكلام ، قال تعالى :( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ) أي إنّهم يشكلون عليك بسبب نزول القرآن عليك ، فهل أنّهم هم المسؤولون عن تقسيم رحمة ربّ العالمين؟

هذا ويمكن الاستفادة من كلمة (رحمة) هنا في أنّ النبوّة إنّما هي رحمة ولطف ربّ العالمين بعالم الإنسانية ، وحقّا هي كذلك ، فلو لا بعث الأنبياء لخسر الناس الدنيا والآخرة ، كما خسرها أولئك الذين ابتعدوا عن نهج الأنبياء.

٤٥٧

الآية اللاحقة واصلت تناول نفس الموضوع ، ولكن من جانب آخر ، حيث قالت :( أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ ) .

هذا الكلام في حقيقته يعدّ مكمّلا للبحث السابق ، إذ جاء في الآية السابقة : إنّكم لا تمتلكون خزائن الرحمة الإلهية ، كي تمنحوها لمن تنسجم أهواؤه مع أهوائكم ، والآن تقول الآية التالية لها : بعد أن تبيّن أنّ هذه الخزائن ليست بيدكم ، وإنّما هي تحت تصرّف البارئعزوجل ، إذن فليس أمامكم غير طريق واحد ، وهو أن ترتقوا إلى السماوات لتمنعوا الوحي أن ينزل على رسول الله وإنّكم تعرفون أنّ تحقيق هذا الأمر شيء محال ، وأنتم عاجزون عن تنفيذه.

وعلى هذا ، فلا «المقتضي» تحت اختياركم ، ولا القدرة على إيجاد «المانع» ، فما ذا يمكنكم فعله في هذا الحال؟ إذا ، موتوا بغيظكم وحسدكم ، وافعلوا ما شئتم

وبهذا الشكل فإنّ الآيتين لا تكرّران موضوعا واحدا كما توهّمه مجموعة من المفسّرين ، بل إنّ كلّ واحدة منهما تتناول جانبا من جوانب الموضوع.

الآية الأخيرة في بحثنا جاءت بمثابة تحقير لأولئك المغرورين السفهاء ، قال تعالى :( جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ ) (١) فهؤلاء جنود قلائل مهزومين

«هنالك» إشارة للبعيد ، وبسبب وجودها في الآية ، فقد اعتبر بعض المفسّرين أنّها إشارة إلى هزيمة المشركين في معركة بدر ، التي دارت رحاها في منطقة بعيدة بعض الشيء عن مكّة المكرّمة.

واستخدام كلمة (الأحزاب) هنا إشارة حسب الظاهر إلى كلّ المجموعات التي وقفت ضدّ رسل الله ، والذين أبادهم الباريعزوجل ، ومجتمع مكّة المشرك هو مجموعة صغيرة من تلك المجموعات ، والذي سيبتلى بما ابتلوا به (الشاهد على

__________________

(١) (ما) تعدّ زائدة في هذه العبارة ، إنّما جاءت للتحقير والتقليل ، و (جند) خبر لمبتدأ محذوف ، و (مهزوم) خبر ثان والعبارة في الأصل هي (هم جند ما مهزوم من الأحزاب) والبعض يعتقد بعدم وجود محذوف في الجملة و (جند) مبتدأ و (مهزوم) خبر ، ولكن الرأي الأوّل أنسب.

٤٥٨

هذا الحديث هو ما سيرد في الآيات القادمة التي تتطرّق لهذه المسألة).

ولا ننسى أنّ هذه السورة من السور المكيّة ، ونزلت في وقت كان فيه عدد المسلمين قليلا جدّا ، بحيث كان من اليسير على المشركين أن يبيدوهم بسهولة ، قال تعالى :( تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ ) .(١)

وفي ذلك اليوم لم تكن هنالك أيّة دلائل توضّح إمكانية انتصار المسلمين ، حيث لم تكن المعارك قد وقعت ، ولا الانتصارات في بدر والأحزاب وحنين قد تحقّقت.

ولكن القرآن قال بحزم إنّ هؤلاء الأعداء ـ الذين هم مجموعة صغيرة ـ سيهزمون في نهاية المطاف.

واليوم يبشّر القرآن الكريم مسلمي العالم المحاصرين من كلّ الجهات من قبل القوى المعتدية والظالمة بنفس البشائر التي بشّر بها المسلمين قبل (١٤٠٠) عام ، في أنّ الله سبحانه وتعالى سينجز وعده في هزيمة جند الأحزاب ، إن تمسّك مسلمو اليوم بعهودهم تجاه الله كما تمسّك بها المسلمون الأوائل.

* * *

__________________

(١) سورة الأنفال ، ٢٦.

٤٥٩

الآيات

( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (١٢) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ (١٣) إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (١٤) وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (١٥) وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (١٦) )

التّفسير

تكفيهم صيحة سماوية واحدة :

تتمّة للآية الآنفة الذكر ، التي بشّرت بهزيمة المشركين مستقبلا ، ووصفتهم بأنّهم مجموعة صغيرة من الأحزاب ، تناولت آيات بحثنا الحالي بعض الأحزاب التي كذّبت رسلها ، وبيّنت المصير الأليم الذي كان بانتظارها.

إذ تقول ، إنّ أقوام نوح وعاد وفرعون ذي الأوتاد كانت قد كذّبت قبلهم بآيات الله ورسله( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ ) .

كذلك أقوام ثمود ولوط وأصحاب الأيكة ـ أي قوم شعيب ـ كانت هي الاخرى

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

وقال العلاّمة السيّد عبد العزيز الطباطبائي : ورأيت منه نسخة في النجف في مكتبة العلاّمة الشيخ محمّد رضا فرج الله ، وهو ـ كما قال صاحب الرياض ـ ليس بكبير(١) .

وقد عرفت ـ سابقاً ـ أنّ العلاّمة النوري نقل من لبّ اللباب أكثر من ستّ مائة رواية ، وهذا العدد لا يدلّ على أنّه مختصر وليس بكبير ، وقد قال أيضاً كما مرّ : إن المجلّد الثاني من الفصول المتكوّن من مجلّدين يقرب من تمام كتاب اللباب.

نعم ، قد يكون كتاب لباب الأخبار هو في فضل آية الكرسي ، كما عنونه كذلك الأميني في الغدير حين عدّ كتب الراوندي ، قال : لباب الأخبار في فضل آية الكرسي(٢) ، وإن احتمل بعد ذلك أنّه متّحد مع التلخيص وهو بعيد ، كما عرفت.

كتاب فصول عبد الوهّاب :

قال العلاّمة الطباطبائي : فهو لعبد الوهّاب بن محمّد بن أيّوب أبي زرعة الأردبيلي الحنفي الصوفي ، نزيل شيراز ، المتوفّى بها رجب سنة ٤١٥ هـ ، من أصحاب أبي عبد الله الخفيف الشيرازي.

ترجم له السمعاني في الأنساب : ( الأردبيلي ) ( ١ / ١٧٧ )(٣) والجنيد الشيرازي في كتاب شدّ الأزار ( ص ٢٢٣ رقم ١٥٩ ) ، قال : كان يتكلّم على الناس يوم الجمعة في جامع شيراز ، وكذا غيرها من الأيّام في زاويته ، وقيل : إنّه خرج في آخر عمره على الصوفيّة ، ووقع فيهم

____________

١ ـ مجلّة تراثنا ( ٣٨ ـ ٣٩ ) : ٢٧٩.

٢ ـ الغدير ٥ : ٦٠٤.

٣ ـ الأنساب ١ : ١٠٩ [ ٢١٦ ].

٥٦١

ويبدو أنّ كتابه ( الفصول ) هو مجموعة مجالسه التي كان يلقيها في جامع شيراز ، يحتوي على خمسة وخمسين ومائة مجلس ، في كلّ منها سبعة فصول ، يبدأ في كلّ مجلس بآية وتفسيرها ، ثمّ الأخبار والحكايات ، ثمّ الوجوه والنظائر ، ثمّ النكت والإشارات ، وهو التفسير الصوفي لتلك الآية.

ومن كتاب ( الفصول ) هذا مخطوطة في إيران كتبت في القرن التاسع في مجلّدين ، ساقت الأقدار أوّلها إلى مكتبة المجلس في طهران ( البرلمان السابق ) برقم ٦٧ ، وُصف في فهرستها ٢ / ٣١ ، وثانيها في المكتبة المركزيّة لجامعة طهران ، رقم ١٨٨٨ ، وُصف في فهرستها ٨ / ٤٩١(١) .

وعمد القطب الراوندي إلى هذا الكتاب فهذّبه وزاد عليه(٢) ، هذّبه ممّا كان فيه من تصوّف وأباطيل وأحاديث واهية ، واستخلص منه اللباب من تفسير وأدب وفوائد وحكم ، وطعّمه بفوائد من حديث العترة الطاهرة وحكمهم وآدابهم ( عليهم السلام ).

وهذا الكتاب ( اللباب ) لم نعثر عليه ، على أنّه كان موجوداً إلى قبل مائة سنة ، فقد عثر عليه المحدّث النوري ونقل عنه في كتابه ( دار السلام ) وعدّه من مصادر كتابه مستدرك الوسائل ( خاتمة المستدرك ص ٣٢٥ ) باسم : اللبّ واللباب(٣) ، وحسب أنّ عبد الوهّاب هذا هو الشعراني! والشعراني توفّي سنة ٩٧٣ هـ بعد الراوندي بأربعمائة عام ، فسبحان من لا يسهو(٤) .

____________

١ ـ مرّ سابقاً أنّ النوري رأى المجلّد الثاني منه في المشهد الرضوي.

٢ ـ ذكرنا سابقاً أنّ في الروايات التي نقلها النوري في المستدرك عن اللباب روايات عن أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) لعلّها من إضافات القطب الراوندي.

٣ ـ في المطبوع من خاتمة المستدرك ( لبّ اللباب أو اللباب ).

٤ ـ انظر خاتمة المستدرك ١ : ١٨١ ، الغدير ٥ : ٥٩٩ ، وهامش العلاّمة الطباطبائي

٥٦٢

ويجوز أن يكون الراوندي لخّص ( اللباب ) وسمّاه ( لبّ اللباب ) أو ( اللبّ واللباب ) وأنّ الذي حصل عليه المحدّث النوري إنّما كان هذا المختصر ، وأمّا ( اللباب ) فهو ما فقد قديماً(١) .

وقد جاء ذكر فصول الشيخ عبدالوهّاب الحنفي في كتاب النقض لعبد الجليل القزويني ( ألّفه بحدود ٥٦٠ هـ )(٢) .

أقول : إنّ ما قاله العلاّمة الطباطبائي أخيراً بعيد ، فقد نقلنا سابقاً عبارة النوري من أنّ المجلّد الثاني من الفصول يقرب من تمام اللباب فهو تقريباً نصف الفصول ، فإذا كان ما عثر عليه النوري هو تلخيص لللباب ، أيّ إنّه تلخيص التلخيص ، فإنّ اللباب أيّ التلخيص الأوّل سيكون قريباً من كلّ كتاب الفصول ، وهذا لا يسمّى تلخيصاً ، بل قد يسمّى تهذيباً ، فتأمّل!

وقد عرفت من كلام العلاّمة الطباطبائي أنّ الفصول تحتوي على خمسة وخمسين ومائة مجلس في تفسير الآيات ، وهو ما قاله النوري أيضاً ، حيث قال ـ بعد أن ذكر المجلّد الثاني من الفصول ـ : وهذا كتاب حسن كثير الفوائد مشتمل على مائة وخمسة وخمسين مجلساً في تفسير مثلها من الآيات على ترتيب القرآن(٣) .

ولكنّ العلاّمة الطهراني ظنّ أنّ هذه العبارة وصفاً أو اسماً آخر لكتاب اللباب ، فعنون في الذريعة ( لبّ اللباب مائة وخمسون مجلساً في أخبار المواعظ والأخلاق )(٤) .

____________

على فهرست منتجب الدين : ٨٩.

١ ـ مجلّة تراثنا ( ٣٨ ـ ٣٩ ) : ٢٨٣.

٢ ـ النقض ( فارسي ) : ٢٦٥.

٣ ـ خاتمة المستدرك ١ : ١٨١.

٤ ـ الذريعة ١٨ : ٢٨٩.

٥٦٣

وعلى كلّ فمؤلّف كتاب الفصول من أهل السنّة ، وهذا المورد لحديث الثقلين الذي نقله الراوندي في اللباب وعنه النوري في المستدرك أصله مرويّ في كتاب المؤلّف من أهل السنّة ، فلعلّنا نذكره أيضاً في القسم الخاصّ بروايات حديث الثقلين عن كتب أهل السنّة.

٥٦٤

(٧١) كتاب : غنية النزوع إلى علمي الأُصول والفروع

للسيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي ( ت ٥٨٥ هـ )

الحديث :

قال في معرض ذكره للأدلّة الدالّة على إمامة الأئمّة الاثني عشر ( عليهم السلام ) : ويدلّ ـ أيضاً ـ على ذلك ما اتّفق على صحّته من قوله ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي مخلّف فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا »(١) .

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي :

قال ابن شهر آشوب ( ت ٥٨٨ هـ ) : حمزة بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي(٢) .

وذكره العلاّمة الحلّي ( ت ٧٢٦ هـ ) في إيضاح الاشتباه ، وقال : حمزة ابن علي بن زهرة الحسيني ـ بضمّ الزاي ـ الحلبي ، قال السيّد السعيد صفيّ الدين بن معد الموسوي ( رحمه الله ) : له كتاب « قبس الأنوار في نصرة العترة الأخيار » ، وكتاب « غنية النزوع »(٣) .

____________

١ ـ غنية النزوع ٢ : ٢١٣ ، الفصل الرابع.

٢ ـ معالم العلماء : ٤٦ [ ٣٠٣ ].

٣ ـ إيضاح الاشتباه : ١٦٨.

٥٦٥

وذكره ابن إدريس الحلّي في باب المزارعة من كتاب المتاجر في كتابه السرائر في سياق معارضته له في بعض فتاويه(١) .

وأورده الشهيد الأوّل في ضمن إجازته للسيّد شمس الدين(٢) ، والشهيد الثاني في ضمن إجازته لوالد الشيخ البهائي(٣) .

وقال الشيخ الحرّ العاملي ( ت ١١٠٤ هـ ) في أمل الآمل : السيّد عزّ الدين أبو المكارم حمزة بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي ، فاضل عالم ثقة جليل القدر ، له مصنّفات كثيرة منها : ، ثمّ بعد أن عدّ مصنّفاته ، قال : رواها عنه ابن أخيه السيّد محيي الدين محمّد وغيره ، ويروي عنه أيضاً شاذان بن جبرئيل ومحمّد بن إدريس وغيرهما(٤) .

وقال الميرزا الأفندي ( ت حدود ١١٣٠ هـ ) : السيّد عزّ الدين أبو المكارم حمزة بن علي بن أبي المحاسن زهرة بن أبي علي الحسن بن أبي المحاسن زهرة بن أبي المواهب علي بن أبي سالم محمّد بن أبي إبراهيم محمّد النقيب ابن علي بن أبي علي أحمد بن أبي جعفر محمّد بن أبي عبد الله الحسين بن أبي إبراهيم إسحاق المؤتمن ابن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق ( عليهما السلام ) ، الحسيني الحلبي ، وهذا الذي ذكرناه من نسبه هو الموجود في المواضع المعتبرة.

إلى أن قال : وبالجملة السيّد أبو المكارم المذكور من أكابر الفقهاء ، وقوله مذكور في كتب الفقه والأُصول ومعمول عليه عند الأصحاب ، ولم

____________

١ ـ السرائر ٢ : ٤٤٣ ، كتاب المتاجر ، باب المزارعة.

٢ ـ البحار ١٠٧ : ١٩٨.

٣ ـ البحار ١٠٨ : ١٥٨ ، وانظر : منتهى المقال ٣ : ١٣٦ [ ١٠١٥ ].

٤ ـ أمل الآمل ٢ : ١٠٥ [ ٢٩٣ ] ، وانظر : لؤلؤة البحرين : ٣٥٠ [ ١١٩ ] ، تنقيح المقال ١ : ٣٧٦.

٥٦٦

يقدح فيه أحد من العلماء(١) ، ونقل من نظام الأقوال أنّه ولد سنة ٥١١ هـ ، وتوفّي سنة ٥٨٥ هـ(٢) .

وفي خاتمة المستدرك للنوري : السيّد عزّ الدين أبو المكارم حمزة ابن علي بن زهرة الحسيني الحلبي ، الفقيه الجليل المعروف صاحب الغنية وغيرها ، المتولّد في الشهر المبارك سنة إحدى عشرة وخمسمائة ، المتوفّى سنة خمس وثمانين وخمسمائة ، هو وأبوه وجدّه وابن أخيه من أكابر فقهائنا ، وبيتهم بيت جليل بحلب(٣) .

ونقل السيّد الأمين عن أعلام النبلاء ما مكتوب على قبره بسفح جبل جوش في حلب من نسبه وتأريخ وفاته بـ ٥٨٥ هـ(٤) .

ثمّ إنّ الأفندي في الرياض ، قال : ثمّ من العجب أنّ السيّد ابن زهرة هذا مع شهرته وقرب عصره بالشيخ الطوسي وتأخّره عنه لم يذكره الشيخ منتجب الدين في فهرسه أصلا ، مع أنّه ذكر الجماعة الذين يروون عن ابن زهرة كابن إدريس وأمثاله ، فتأمّل(٥) .

أقول : لعلّه المذكور في الفهرست بعنوان السيّد حمزة بن علي بن محمّد بن المحسن العلوي الحسيني ، صالح محدّث ، مع التصحيف في ( الحسن ) عن أبي المحاسن الذي هو كنية ( زهرة ) خاصّة وأنّ كلمة ( محمّد ) غير موجودة في بعض النسخ ، فلاحظ(٦) .

____________

١ ـ رياض العلماء ٢ : ٢٠٢ ، وانظر : روضات الجنّات ٢ : ٣٧٤ [ ٢٢٥ ].

٢ ـ رياض العلماء ٢ : ٢٠٦.

٣ ـ خاتمة المستدرك ٣ : ٨ ، الفائدة الثالثة ، وانظر : الكنى والألقاب ١ : ٢٩٩ ، طبقات أعلام الشيعة ( القرن السادس ) : ٨٧.

٤ ـ أعيان الشيعة ٦ : ٢٤٩.

٥ ـ رياض العلماء ٢ : ٢٠٥.

٦ ـ فهرست منتجب الدين : ٤٧ [ ٨٢ ].

٥٦٧

كتاب غنية النزوع إلى علمي الأُصول والفروع :

نسبه إليه ابن شهر آشوب ( ت ٥٨٨ هـ ) في المعالم ، وقال : وغنية النزوع حسن(١) ، والعلاّمة الحلّي ( ت ٧٢٦ هـ ) في إيضاح الاشتباه(٢) ، وهو وارد في إجازات علمائنا الأبرار كإجازات الشهيدين الأوّل والثاني ، كما أشرنا إليها سابقاً.

وجعله العلاّمة المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) أحد مصادر كتابه البحار(٣) ، وقال في توثيقه : وكتاب الغنية مؤلّفه غنيّ عن الإطراء ، وهو من الفقهاء الأجلاّء ، وكتبه معتبرة مشهورة لا سيّما هذا الكتاب(٤) .

وذكر الأفندي ( ت حدود ١١٣٠ هـ ) أنّ عنده نسخة من أُصول الغنية ، وفي موضع آخر ، قال : وقد رأيت نسخة عتيقة من كتاب الغنية في خطّه آثار مقروة بعض المشائخ(٥) .

وقال العلاّمة الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) في الذريعة : غنية النزوع إلى علمي الأُصول والفروع ، للسيّد عزّ الدين أبي المكارم حمزة بن علي بن زهرة ، إلى أن قال : نسخة منه في ( سپهسالار ) ، وعند ميرزا فضل الله شيخ الإسلام الزنجاني ، عليها إجازة تلميذ المصنّف ، وهو الشيخ معين الدين سالم بن بدران بن علي المازني المصري ، كتب الإجازة في ٦٢٩ للمحقّق الخواجة نصير الدين الطوسي ، وصرّح في الإجازة بأنّه يروي الكتاب عن مصنّفه ، وعلى النسخة خطّ المحقّق الطوسي أيضاً(٦) .

____________

١ ـ معالم العلماء : ٤٦ [ ٣٠٣ ].

٢ ـ إيضاح الاشتباه : ١٦٨ [ ٢٤٣ ].

٣ ـ البحار ١ : ٢١.

٤ ـ البحار ١ : ٤٠.

٥ ـ رياض العلماء ٢ : ٢٠٤ ، ٢٠٨.

٦ ـ الذريعة ١٦ : ٦٩ [ ٣٤٦ ] ، وانظر : فهرس التراث ١ : ٥٩٧.

٥٦٨

(٧٢) كتاب : الأربعين في فضائل الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام )

لمحمّد بن أبي مسلم بن أبي الفوارس

( كان حيّاً سنة ٥٨٦ هـ )

الحديث :

وقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي تارك فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فهما خليفتاي بعدي ، أحدهما أكبر من الآخر ، سبب موصول من السماء إلى الأرض ، فإن استمسكتم بهما لن تضلّوا ، فإنّها لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض يوم القيامة ، فلا تسبقوا أهل بيتي بالقول فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهم فتذهبوا ، فإنّ مثلهم فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك ، ومثلهم فيكم كمثل باب حطّة »(١) .

محمّد بن أبي مسلم بن أبي الفوارس

وكتابه الأربعين :

ذكره السيّد ابن طاووس ( ت ٦٦٤ هـ ) في اليقين عندما أورد عدّة روايات من أربعينه ، وقال : فيما نذكره من رواياتهم(٢) في كتاب الأربعين ،

____________

١ ـ عبقات الأنوار ١ : ٤١٨ ، القسم الخاصّ بحديث الثقلين ، وانظر : نفحات الأزهار ١ : ٣٧٤.

ونقلنا هذا المورد عن كتاب عبقات الأنوار للمير حامد حسين الموسوي ، فقد كان عنده نسخة مخطوطة من كتاب الأربعين نقل منها حديث الثقلين.

٢ ـ أيّ أهل السنّة.

٥٦٩

وأصله في الخزانة النظاميّة العتيقة(١) ، وعليه ما هذا لفظه : « جمعها الشيخ العالم الصالح أبو عبد الله محمّد بن أبي مسلم بن أبي الفوارس الرازي » ورواها عن الرجال الثقات(٢) .

وأورد عنه (١٣) رواية(٣) ، لقّبه في بعضها بـ : منتجب الدين محمّد ابن أبي مسلم بن أبي الفوارس الرازي(٤) .

وجاء في بداية بعضها : حدّثنا الإمام الزاهد العالم الملقّب منتجب الدين كمال العلماء أبو جعفر محمّد بن أبي مسلم بن أبي الفوارس الرازي(٥) .

وجاء في آخريات أنّه حدّث في سنة ٥٨١ هـ في داره بدرب البصريين(٦) ، وسنة ٥٨٦ هـ بماردين في جامعها(٧) ، ويظهر من هذه الروايات أنّها كلّها في فضائل وكرامات أمير المؤمنين ( عليه السلام ).

وروى عنه الشيخ شاذان بن جبريل القمّي ( ت ٦٦٠ هـ ) أوّل فضائله رواية تحوي كرامة من كرامات أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وأظنّ أنّها من ضمن أربعينه ، للقرينة السابقة ، قال : حدّثني الشيخ محمّد بن أبي مسلم بن أبي الفوارس الدارمي(٨) .

وهو أيضاً من شيوخ الإجازة لشاذان بن جبريل القمّي ، فقد جاء في إجازة لبعض تلامذة الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد الحلّي ونظرائه

____________

١ ـ بخصوص الخزانة النظاميّة العتيقة ، انظر كتابخانه ابن طاووس لأتان گلبرك : ١٩٢.

٢ ـ اليقين : ٢٥٢ ، الباب : ٨٧ ، ومثله في : ٢٥٨ ، الباب : ٨٩ ، ٢٦٠ الباب : ٩٠.

٣ ـ اليقين : ٢٥٢ ـ ٢٧٠ و ٣٩٤ ـ ٤٠٤.

٤ ـ اليقين : ٢٦٨ ، الباب : ٩٣ ، ٢٧٠ ، الباب : ٩٤.

٥ ـ اليقين : ٣٩٤ ، الباب : ١٤٣.

٦ ـ اليقين : ٢٦٨ ، الباب ٩٣ ، و ٣٩٤ ، الباب : ١٤٣ ، و ٣٩٨ ، الباب : ١٤٤.

٧ ـ اليقين : ٤٠٤ ، الباب : ١٤٧.

٨ ـ الفضائل : ٢.

٥٧٠

نقلها في البحار ، وقال : والظاهر أنّها من السيّد محمّد بن الحسين بن محمّد بن أبي الرضا العلوي للسيّد شمس الدين محمّد ابن السيّد جمال الدين أحمد بن أبي المعالي أُستاد الشهيد ( قدس سره ) ، جاء فيها : وأجزت له رواية الأربعين في ذكر المهدي من آل محمّد ( صلى الله عليه وآله ) تأليف أبي العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد العطّار الهمداني ، عن نجيب الدين ، وأخبرني به إجازة الفقيه سديد الدين أبو الفضل شاذان بن جبريل القمّي ، عن الشيخ محمّد بن أبي مسلم بن أبي الفوارس الرازي ، عن المصنّف أبي العلاء الهمداني(١) .

ولكنّ العلاّمة المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) ذكر اسمه في الروايات التي نقلها من اليقين لابن طاووس ، هكذا : محمّد بن مسلم بن أبي الفوارس(٢) ، بل ظنّه يروي عن محمّد بن أبي مسلم الرازي ، وجعلها اثنين ، قال : ( شف ) : من كتاب الأربعين لمحمّد بن أبي الفوارس ، عن محمّد بن أبي مسلم الرازي يرفعه(٣) .

وجاء في استدراك بعض تلامذة العلاّمة المجلسي لبعض المصادر غير المذكورة في البحار : كه : الأربعين لمحمّد بن أبي الفوارس ، وينقل عنه في كشف الغمّة ، والسيّد علي بن طاوس في كتاب اليقين(٤) ، وعاد إلى ذكره مرّة أُخرى بـ : لط : الأربعين في المناقب لمحمّد بن مسلم بن أبي الفوارس(٥) .

____________

١ ـ البحار ١٠٧ : ١٥٢ ، ١٦٩.

٢ ـ البحار ٣٩ : ١٦٨ ح ٩ ، و ٤١ : ٢٣٢ ح ٥ ، و ٤١ : ٢٥٧ ح ١٨ ، قال : شف : من كتاب الأربعين لمحمّد بن مسلم بن أبي الفوارس ، والرمز ( شف ) يشير إلى كتاب اليقين لابن طاووس.

٣ ـ البحار ٣٧ : ٣٠٨ ح ٣٨.

٤ ـ البحار ١٠٧ : ٦٩.

٥ ـ البحار ١٠٧ : ٧٣.

٥٧١

وكذا فعل العلاّمة الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) في الذريعة ، قال : الأربعون حديثاً في المناقب لأبي الفوارس محمّد بن مسلم ، كما ينقل عنه علي بن عيسى الأربلي في كشف الغمّة ، والسيّد رضيّ الدين علي بن طاووس في كتاب اليقين ، ثمّ أورد كلام ابن طاووس المتقدّم بخصوص وجود النسخة في المكتبة النظاميّة ببغداد(١) .

وعدّه اثنين في الثقات العيون في سادس القرون ، حيث ترجم له مرّة بـ : محمّد بن أبي مسلم بن أبي الفوارس الرازي ، الشيخ منتجب الدين أبو جعفر من مشايخ الشيخ أبي عبد الله محمّد بن مسلم بن أبي الفوارس الآتي صاحب كتاب ( الأربعين ) ، ثمّ أورد ما ذكره ابن طاووس بشأن النسخة ، وما جاء في أوائل بعض الروايات بـ : حدّثني الشيخ الأجلّ الإمام العالم منتجب الدين ، مرشد الإسلام كمال العلماء ، أبو جعفر محمّد بن أبي مسلم بن أبي الفوارس الرازي ، أورد ذلك من عدّة روايات أشرنا إليها سابقاً(٢) .

ومرّة بـ : محمّد بن مسلم بن أبي الفوارس الرازي ، صاحب كتاب الأربعين الذي وجدّه ابن طاووس في الخزانة النظاميّة العتيقة ببغداد ، مكتوب عليه أنّه من جمع الشيخ الصالح أبي عبد الله محمّد بن مسلم بن أبي الفوارس الرازي ، ونقل عنه في كتاب اليقين عدّة أحاديث ، ويظهر من أسانيده أنّه يروي عن جمع من العلماء الثقات الأعلام : ، ومنهم الشيخ الإمام منتجب الدين أبو جعفر محمّد بن أبي مسلم بن أبي الفوارس الرازي ( رحمه الله )(٣) .

وقد عرفت ممّا نقلناه عن كتاب اليقين لابن طاووس والذي طبع محقّقاً على عدّة نسخ ، ومن الفضائل لشاذان بن جبريل ، ومن الإجازة

____________

١ ـ الذريعة ١ : ٤٢٧ [ ٢١٨٤ ].

٢ ـ طبقات أعلام الشيعة ( القرن السادس ) : ٢٤٢.

٣ ـ طبقات أعلام الشيعة ( القرن السادس ) : ٢٨٨.

٥٧٢

المذكورة في البحار ، أنّ اسم مؤلّف كتاب الأربعين هو محمّد بن أبي مسلم ابن أبي الفوارس الرازي ـ على الأصحّ ـ أو الدارمي.

ولقبه منتجب الدين ، وكنيته على ظهر الكتاب أبو عبد الله ، وفي أوائل أسانيد الروايات أبو جعفر ، وأنّه متّحد مع ما جاء في أوائل بعض الروايات من تحديثه أو إملائه أو قوله ، قال ابن طاووس في أوّل بعض روايات الأربعين : فيما نذكره من كتاب ( الأربعين ) رواية الملقّب بمنتجب الدين محمّد بن أبي مسلم بن أبي الفوارس الرازي ، الذي ذكرناه برجالهم من كلام الجمل لمولانا علي بأمير المؤمنين وخير الوصيّين ، فقال ما هذا لفظه :

حدّثني الشيخ الأجلّ الإمام العالم منتجب الدين ، مرشد الإسلام كمال العلماء ، أبو جعفر محمّد بن أبي مسلم بن أبي الفوارس الرازي ( رحمه الله ) بمدينة السلام(١) .

وما وقع به العلاّمة المجلسي والعلاّمة الطهراني جاء من تصحيف اسمه في نسخ اليقين ; إذ لم يريا أصل كتاب الأربعين فاعتبراه شخصين ، وتأثّراً من الطهراني بكلام المجلسي حتّى أنّه قال : ويظهر من بعض أسانيده المنقول في كتاب ( اليقين ـ الباب ٨٨ ) أنّ صاحب ( الأربعين ) يروي عن الخجندي بلا واسطة صاحب الترجمة أيضاً(٢) ، لكنّ المظنون من اتّحاد خصوصيّات السند والمتن أنّ سقوط الواسطة من سهو الناسخ ، وأنّ الصحيح ما في الباب ١٤٣ من ( اليقين ) وهو الحديث الأربعين كما ذكرته(٣) (٤) .

____________

١ ـ اليقين : ٢٦٨ ، الباب ٩٣.

٢ ـ يريد الذي ترجمه أوّلا باسم : محمّد بن أبي مسلم بن أبي الفوارس ، والذي أوردناه آنفاً.

٣ ـ أيّ كما ذكره قبل عدّة أسطر مع الواسطة الذي اعتبره : محمّد بن أبي مسلم بن أبي الفوارس.

٤ ـ طبقات أعلام الشيعة ( القرن السادس ) : ٢٤٣.

٥٧٣

واعاد مثله في الترجمة الثانية أيضاً(١) .

ولكن ما قاله لو يؤخذ دليلا على الاتحاد لكان أنسب ، وأنّ سهو النساخ طال اسم مؤلّف الكتاب لا الواسطة بينه وبين الخجندي.

قد علّق على كلام العلاّمة الطهراني ولده ( علي منزوي ) ، بقوله : هذا نظر الوالد المؤلّف ، ولكن يمكن أن يقال : إنّ الظاهر من بعض الأسانيد أنّ ( الأربعين ) هو من إملاء محمّد بن مسلم ، وليس من تأليفه ، وقد جمعها أحد تلاميذه فذكر في صدر بعض أسانيده اسم الشيخ المملي وتاريخ الإملاء ومحلّه ، وترك ذلك في البعض الآخر ، أو حذفها النسّاخ ، وأنّ الاختلاف في الكنية جاء أيضاً منهم ، فالمترجم له هو محمّد بن مسلم الرازي صاحب الأربعين نفسه(٢) . وقال مثله في الترجمة الأُخرى(٣) .

ولكنّك قد عرفت من كتاب اليقين أنّ اسم المؤلّف محمّد بن أبي مسلم بن أبي الفوارس.

ومن هذا ظهر لك ما في الذريعة من جعله ( أبي الفوارس ) لقباً أو كنية لمؤلّف الكتاب وليس جدّاً له أو جدّه الأعلى ، وكذا ما في البحار من تعدّد الأسماء والتغيير بينها.

وأمّا أنّ صاحب كشف الغمّة قد نقل عن كتاب الأربعين فلم أجد له أيّ أثر ، والظاهر أنّ العلاّمة الطهراني تبع في ذلك ما أورده بعض تلامذة المجلسي في آخر البحار ، كما نقلنا لك نصوص أقوالهما.

____________

١ ـ طبقات أعلام الشيعة ( القرن السادس ) : ٢٨٩.

٢ ـ طبقات أعلام الشيعة ( القرن السادس ) : ٢٤٣.

٣ ـ طبقات أعلام الشيعة ( القرن السادس ) : ٢٨٩.

٥٧٤

ووصلت نسخة من الكتاب إلى المير حامد حسين صاحب العبقات ، قال : حصلت عليه بعد جهد بذله بعض العلماء الأعلام أدامهم الله المنعام(١) .

وقال محقّقا كتاب اليقين محمّد باقر الأنصاري ومحمّد صادق الأنصاري في الهامش تعليقاً على ذكر ابن طاووس لكتاب الأربعين : وتوجد منه مخطوطة في مكتبة استان قدس بمشهد الإمام الرضا ( عليه السلام ) بخراسان ، الرقم ٨٤٤٣ ، سقط من وسطه ورقات من الحديث ١٨ وإلى ٢٩ ، تاريخ كتابتها ٢٦ جمادي الأُولى سنة ١٣٤٩ هـ. ق ، ناسخه : محمّد حسين بن زين العابدين الأرموي ، كتبه بالنجف الأشرف ، وقد استنسخه عن نسخة تاريخ كتابتها أوّل المحرّم سنة ٩٤٧ هـ. ق ، وأشار في الهامش إلى أنّ تلك النسخة ـ أيضاً ـ كانت ناقصة(٢) .

وذكر السيّد محمّد حسين الجلالي في فهرست التراث أنّ الشيخ محمّد الهمداني استنسخه في شوّال سنة ١٣٧٣ هـ ، وقال في آخره : هذا تمام ما في النسخة التي نسخت هذه النسخة منها ، وكانت نسخة عتيقة إلاّ أنّها لا تخلو من سقط وتصحيف(٣) .

ويبقى الكلام في مذهب المؤلّف :

فقد عدّه صاحب العبقات من أهل السنّة ، إذ نقل روايته لحديث الثقلين والسفينة في كتابه الذي التزم فيه بالنقل عن كتب أهل السنّة ، قال في أوّل الجزء الخاصّ بحديث الثقلين ـ ما معناه ـ : وأمّا منهجنا في إثبات

____________

١ ـ عبقات الأنوار ١ : ٤١٨ ، القسم الخاصّ بحديث الثقلين ، وانظر نفحات الأزهار ١ : ١٠٧.

٢ ـ اليقين : ٢٥٢ ، الباب ٨٧ ، الهامش (١).

٣ ـ فهرست التراث ١ : ٥٩٤.

٥٧٥

الحديث فيكون أوّلا بذكر أسماء جماعة من أساطين العلماء والمعتمدين عند أهل السنّة ، الذين ذكروا هذا الحديث في كتبهم ، ثمّ نذكر ألفاظ روايتهم بنصوصها(١) .

وقال الميرزا النوري في مستدرك الوسائل ـ بعد أن نقل رواية من أربعينه(٢) ـ : هو من العامّة إلاّ أنّه السند كلّه من الخاصّة(٣) .

وربّما اعتمد في ذلك على مبنى ابن طاووس في كتابه اليقين ، حيث قال في مقدّمته : وسوف نذكر ما رويته ورأيته في كتب الرواة والمصنّفين والعلماء الماضين برجال المخالفين الذين لا يتّهمون فيما يروونه وينقلونه(٤) .

وقال : واعلم أنّا نذكر في كتابنا هذا تسمية الله جلّ جلاله مولانا علي ابن أبي طالب ( عليه السلام ) أمير المؤمنين ، فيما رويناه عن رجالهم وشيوخهم وعلمائهم ومن كتبهم وتصانيفهم ، وإن اتّفق أنّ بعض من نروي عنه أو كتاب ننقل منه يكون منسوباً إلى الشيعة الإماميّة ، فيكون بعض رجال الحديث الذي نرويه من رجال العامّة(٥) .

فلمّا وجد الميرزا النوري أنّ رجال السند كلّهم من الخاصّة لم يبق له إلاّ نسبة المؤلّف إلى العامّة حتّى لا تختلّ القاعدة التي التزمها ابن طاووس على نفسه في كتابه.

____________

١ ـ عبقات الأنوار ١ : ٨ ، القسم الخاصّ بحديث الثقلين ، وانظر : نفحات الأزهار ١ : ١٩٦.

٢ ـ الظاهر أنّه نقلها من البحار عن اليقين لابن طاووس عن الأربعين ، لا من الأربعين مباشرة ، وذلك لتشابه أوّل سند مع ما في البحار.

٣ ـ مستدرك الوسائل ١٠ : ٢٥٤ ح ٤٩ ، الهامش (١) ، وجاء بعد العبارة المذكورة ( منه قده ).

٤ ـ اليقين : ٩٠ ، مقدّمة المؤلّف.

٥ ـ اليقين : ١٢٦.

٥٧٦

ولكن ابن طاووس يقول في نفس هذا الحديث الذي نقله النوري ـ بعد أن ذكر وجدانه للأربعين في النظاميّة العتيقة ببغداد ـ : وهو الحديث الثاني عشر من الأصل ، وفيه رجال المخالفين ، نكتبه بألفاظه ، ثمّ أورد الحديث بنفس السند الذي في مستدرك الوسائل(١) .

فهو يعتقد أنّ في السند رجال المخالفين ، فلا يختلّ ما التزمه على نفسه في أوّل الكتاب لو كان صاحب الأربعين محمّد بن أبي مسلم بن أبي الفوارس من الشيعة ، إذ قال في عبارته الآنفة : ( وإن اتّفق بعض من نروي عنه أو كتاب ننقل منه يكون منسوباً إلى الشيعة الإماميّة ، فيكون بعض رجال الحديث الذي نرويه من رجال العامّة ) ، كما فعل ذلك عندما نقل من كتاب ( مولد مولانا علي ( عليه السلام ) بالبيت ) للصدوق و ( الدلائل ) للطبري الإمامي ، و ( المائة حديث ) لابن شاذان ، وغيرها.

وبالتالي لانستطيع أن نحدّد مذهب المؤلّف من خلال ما نقله ابن طاووس عنه ، ومنه يظهر ما في قول أتان گلبرگ في كتابه كتابخانه ابن طاووس : إذا جعلنا أقوال ابن طاووس مبناً ( قاعدة ) فلا بدّ من القول : إنّ المؤلّف كان من الشيعة(٢) ، فإنّ ما ذكره ابن طاووس في أوّل كتابه ينطبق على الاحتمالين ، إلاّ إذا كان نظر أتان گلبرگ إلى ما أشرنا إليه قبل قليل.

ونحن نميل إلى أنّه كان من الشيعة ; لما نقلناه سابقاً من كونه أحد شيوخ الإجازة لشاذان بن جبريل لكتاب في ذكر المهدي من آل محمّد ( صلى الله عليه وآله ) كما جاء في أواخر البحار(٣) .

____________

١ ـ اليقين : ٢٥٨ ، الباب : ٨٩ ، وقال ـ أيضاً ـ في الباب ( ٩٢ ) الصفحة ٢٩٦ : واعلم أنّ هذا لو كان برجال الشيعة ما نقلته ، وأيضاً في الباب ( ٩٣ ) الصفحة ٢٦٨ : فيما نذكره من كتاب الأربعين رواية الملقّب بمنتجب الدين محمّد بن أبي مسلم بن أبي الفوارس الرازي الذي ذكرناه برجالهم.

٢ ـ كتابخانه ابن طاووس : ١٩٢ [ ٤١ ].

٣ ـ البحار ١٠٧ : ١٦٩.

٥٧٧

وأيضاً من شيوخ الرواية له كما روى عنه في أوّل الفضائل(١) ، ولما ذكره العلاّمة الطهراني في الثقات العيون في سادس القرون ، قال : ويظهر من أسانيده أنّه يروي عن جمع من العلماء الثقات الأعلام ، وعدّ منهم : السيّد زين الدين بن علي ابن الإمام ضياء الدين ابن فضل الله الراوندي ، وأبو الفتوح علي بن أحمد البغدادي ، والشيخ جمال الدين علي بن الحسين الطوسي ، والإمام صدر الدين أبو بكر محمّد بن عبد اللطيف الخجندي ، والإمام زكي الدين بن أحمد بن محمّد بن محمود ، والسعيد نجيب الدين أبو المكارم سعد بن أبي طالب الرازي ابن أخي عبد الجليل ابن عيسى بن عبد الوهّاب الرازي(٢) .

وقال في الذريعة : ويظهر ممّا نقل عنه أنّ المؤلّف يروي عنه جملة من مشايخ أصحابنا منهم : الإمام عزّ الدين علي ابن الإمام ضياء الدين فضل الله الراوندي ، فراجعه(٣) .

ومن راجع الروايات المنقولة في اليقين عن أربعينه لا يرتاب في أنّ مثل هذه الروايات لا يقدم على جمعها في أربعين أحد من رجال المخالفين ، وعليه فقد ترجمه الطهراني في الذريعة إلى تصانيف الشيعة وفي طبقات أعلام الشيعة.

____________

١ ـ الفضائل : ٢.

٢ ـ طبقات أعلام الشيعة ( القرن السادس ) : ٢٨٨.

٣ ـ الذريعة ١ : ٤٢٧ [ ٢١٨٤ ].

٥٧٨

(٧٣) كتاب : مناقب آل أبي طالب

لأبي جعفر رشيد الدين محمّد بن علي بن

شهر آشوب ( ت ٥٨٨ هـ )

الحديث :

الأوّل : قال : ووجدت جماعة يأوّلون الأخبار المجمع عليها ، نحو :( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) ، و « أنت منّي بمنزلة هرون من موسى » ، و « إنّي تارك فيكم الثقلين »(١) .

الثاني : ولمّا مرض النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) مرضه الذي توفّي فيه وذلك يوم السبت أو يوم الأحد من صفر ، أخذ بيد علي ( عليه السلام ) وتبعه جماعة من أصحابه وتوجّه إلى البقيع ، ثمّ قال : ، ثمّ خرج يوم الأربعاء معصوب الرأس متّكئاً على عليّ ( عليه السلام ) بيده اليمنى وعلى الفضل باليد الأُخرى ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :

فلمّا كان يوم الجمعة صعد المنبر فخطب ، ثمّ قال : ، وقال ( عليه السلام ) : « لم يمت نبيّ قطّ إلاّ خلّف تركة ، وقد خلّفت فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي » ، ثمّ دخل بيت أُمّ سلمة قائلا : « ربِّ سَلِّم أُمّةَ محمّد من النار ويسّر عليهم الحساب »(٢) .

____________

١ ـ مناقب آل أبي طالب ١ : ٣ ، مقدّمة الكتاب.

٢ ـ مناقب آل أبي طالب ١ : ٢٣٤ ، فصل في وفاته ( عليه السلام ) ، وعنه غاية المرام ٢ : ٣٥٤

٥٧٩

وهذا الحديث لم يذكر سنده كما هو دأبه في كلّ الأخبار ، وقد قال قبله : قال السدي وابن عبّاس ، وذكر في مقدّمة الكتاب ـ أيضاً ـ أنّ أسانيده إلى التفاسير ذكرها في كتاب الأسباب والنزول.

الثالث : في استدلاله على العصمة ، قال : قوله ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي مخلّف فيكم الثقلين » الخبر ، يقتضي عصمة المذكورين(١) .

الرابع : أبو القاسم الكوفي ، قال : روي في قوله( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) ، إنّ( الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) من قرنهم الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بالكتاب ، وأخبر أنّهما لن يفترقا حتّى يردا الحوض(٢) .

وقال ابن شهر آشوب في مقدّمة الكتاب : فأمّا أسانيد أصحابنا فأكثرها عن الشيخ أبي جعفر الطوسي ، حدَّثنا بذلك أبو الفضل الداعي ابن علي الحسيني السروي ، وأبو الرضا فضل الله بن علي الحسيني القاشاني ، وعبد الجليل بن عيسى بن عبد الوهّاب الرازي ، وأبو الفتوح الحسين بن علي بن محمّد الرازي ، ومحمّد وعلي ابنا علي بن عبد الصمد النيسابوري ، ومحمّد بن الحسن الشوهاني ، وأبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي ، وأبو جعفر محمّد بن علي بن الحسن الحلبي ، ومسعود بن علي الصوابي ، والحسين بن أحمد بن طحال المقدادي ، وعلي بن شهر آشوب السروي والدي ، كلّهم عن الشيخين المفيدين أبي علي الحسن بن محمّد ابن الحسن الطوسي وأبي الوفا عبد الجبّار بن علي المقري الرازي ، عنه ، وحدَّثنا ـ أيضاً ـ المنتهى بن أبي زيد بن كبايكي الحسيني الجرجاني ، ومحمّد بن الحسن الفتّال النيسابوري ، وجدّي شهر آشوب ، عنه أيضاً ،

____________

ح ٤٩ ، الباب ٢٩.

١ ـ مناقب آل أبي طالب ١ : ٢٤٩ ، باب الإمامة ، العصمة.

٢ ـ مناقب آل أبي طالب ١ : ٢٨٥ ، في الآيات المنزلة فيهم ، وعنه في البحار ٢٣ : ٢٠٤ ح ٥٣.

٥٨٠

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619