موسوعة حديث الثقلين الجزء ١

موسوعة حديث الثقلين9%

موسوعة حديث الثقلين مؤلف:
الناشر: ستارة
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 978-600-5213-63-8
الصفحات: 619

الجزء ١ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 619 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 163772 / تحميل: 5121
الحجم الحجم الحجم
موسوعة حديث الثقلين

موسوعة حديث الثقلين الجزء ١

مؤلف:
الناشر: ستارة
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٦٣-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ومثله ابن داود ( ت ٧٠٧ هـ )(١) ، وعدّه في حاوي الأقوال في الضعاف(٢) .

وناقش البهبهاني ( ت ١٢٠٥ هـ ) في التعليقة على وقفه ، وقال : الحكم بوقفه لا يخلو من شيء ; لما مرّ في الفوائد ، وأنّ الظاهر أنّ حكم الخلاصة به ممّا ذكر في رجال الكاظم ( عليه السلام ) والكشّي ، وفي الظنّ أنّ ما في رجال الكاظم ( عليه السلام ) ممّا في رجال الكشّي.

وبالجملة : لا يبقى وثوق في عدم كونه منه ، وبعض أشياخ حمدويه غير معلوم الحال ، فليتأمّل ، ورواية ابن أبي عمير عنه تشير إلى وثاقته ، وكذا رواية علي بن الحسين(٣) ، ورواية الجماعة كتابه تشير إلى الاعتماد عليه ، وكذا كونه كثير الرواية ، وكون أكثرها سديدة مضمونها مفتى به ، معمول عليه ، إلى غير ذلك ممّا مرّ في الفوائد(٤) .

وأجاب الشيخ أبو علي ( ت ١٢١٦ هـ ) عليه : فالتوقّف في وقفه بعد شهادة عدلين مرضيين ، بل وعدول مرضيين ، لعلّه ليس بمكانه ، وقوله سلّمه الله : بعض أشياخ ، إلى آخره ، عجيب! إذ لا شكّ في كونه من فقهائنا ( رضي الله عنه ) ، مع أنّه سلّمه الله كثيراً ما يقول في أمثال المقام : إنّ المراد ليس مجرّد نقل القول ، بل الظاهر أنّه للاعتماد عليه والاستناد إليه ، فتأمّل جدّاً.

وما ذكره سلّمه الله من المؤيّدات لا ينافي الوقف أصلاً.

نعم ، لا يبعد إدخال حديثه في القوي ، وخروجه بذلك من قسم

____________

[ ٢٧٤ ].

١ ـ رجال ابن داود : ٢٤٥ [ ١٨٠ ] ، القسم الثاني ، وانظر : نقد الرجال ٢ : ٢٢٤ [ ١٩٠٩ ].

٢ ـ حاوي الأقوال ٣ : ٤٦٠ [ ١٥٥٣ ].

٣ ـ الظاهر أنّ ( الحسين ) تصحيف ( الحسن ).

٤ ـ منهج المقال : ١٣٨ ، الهامش.

٦١

الضعيف(١) ، ومثله المامقاني في تنقيحه(٢) .

وفي خاتمة المستدرك ـ بعد أن عدّ جماعة من الثقات رووا عنه ـ قال : وهؤلاء جماعة وجدنا روايتهم عن درست في الكتب الأربعة ، وفيهم : ابن أبي عمير ، والبزنطي ، اللذان لا يرويان إلاّ عن ثقة ، وفيهم من الذين أجمعت العصابة على تصحيح أخبارهم ، أربعة : هما ، والحسن بن محبوب ، وعبد الله بن بكير ، ويأتي في شرح أصل النرسي أنّ الإجماع المذكور من أمارات الوثاقة.

وفيهم من الثقات الأجلاّء غيرهم ، جماعة : كالوشّاء ، وابن سويد ، وابن نهيك ، وابن مهران ، وابن معبد الذي يروي عنه صفوان بن يحيى ، والحسين بن زيد ، وأبو شعيب المحاملي ، وابن أسباط ، وإبراهيم بن محمّد ابن إسماعيل ، وسعد بن محمّد ، الذين يروي عنهم علي الطاطري ، وقد قال الشيخ ( قدس سره ) : إنّ الطائفة عملت بما رواه الطاطريون.

وبعد رواية هؤلاء عنه لا يبقى ريب في أنّه في أعلى درجة الوثاقة ، ورواياته مقبولة وكتابه معتمد ، وقد تأمّل في التعليقة في وقفيّته ، ولعلّه في محلّه ، ولا حاجه لنا إلى شرحه(٣) .

ثمّ إنّه قد يستظهر من قول الكشّي ( القرن الرابع ) أنّه كان من أصحاب الرضا ( عليه السلام ) ، ولكنّي لم أجد له رواية عن الرضا ( عليه السلام ) ، وظاهر الكشّي لا يلائم قوله بالوقف كما صرّح به الكلّ.

نعم ، روى الكليني ( ت ٣٢٩ هـ ) رواية عن محمّد بن يحيى ، عن

____________

١ ـ منتهى المقال ٣ : ٢١٦ [ ١١٢٥ ].

٢ ـ تنقيح المقال ١ : ٤١٧ [ ٣٨٨٠ ] ، وانظر : أعيان الشيعة ٦ : ٣٩٥ ، قاموس الرجال ٤ : ٢٧٤ [ ٢٧٦٢ ] ، معجم رجال الحديث ٨ : ١٤٤ [ ٤٤٦٤ ].

٣ ـ خاتمة المستدرك ١ : ٤٣ ، وانظر ٤ : ٢٨٨ [ ١١٣ ] ، و ٧ : ٣٦١ [ ٨٨٥ ].

٦٢

محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن عيسى ، عن عبيد الله الدهقان ، عن درست ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن الرضا ( عليه السلام )(١) ، في باب ( ما لا يؤكل من الشاة وغيرها ).

ولكن هذه الرواية رواها البرقي ( ت ٢٧٤ أو ٢٨٠ هـ ) في المحاسن ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد(٢) .

والطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) في التهذيب عن محمّد بن أحمد بنفس سند الكليني(٣) .

والراوندي ( ت ٥٧٣ هـ ) في فقه القرآن(٤) ، عن أبي الحسن ( عليه السلام ) مجرّداً بدون ( الرضا ) ، وهو ينصرف إلى موسى بن جعفر الكاظم ( عليه السلام ) ، بل إنّ الحرّ العاملي ( ت ١١٠٤ هـ ) ذكرها في الوسائل عن الكليني بدون ( الرضا )(٥) ، فتأمّل.

كما لم أجد رواية أُخرى لإبراهيم بن عبد الحميد عن الرضا ( عليه السلام ) غير ما في الكافي ، وإذا كان هو المُصرّح بوقفه فالمطلوب أوضح.

وبالتالي فإنّ المتيقّن أنّ درست بن أبي منصور كان من أصحاب الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، ولا يعلم أنّه بقي إلى عصر الرضا ( عليه السلام ) أو لا ، أو بالأحرى لا يعلم هل بقي إلى القرن الثالث أو لا ، فلاحظ.

أصل ( كتاب ) درست :

ذكر النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) طريقيه إليه ، وقال : له كتاب يرويه

____________

١ ـ الكافي ٦ : ٢٥٣ ، ح ١ ، باب : ما لا يؤكل من الشاة وغيرها.

٢ ـ المحاسن ٢ : ٢٦٣ [ ١٨٣٦ ].

٣ ـ التهذيب ٩ : ٨٤ [ ٣١٣ ].

٤ ـ فقه القرآن ٢ : ٢٥٨.

٥ ـ الوسائل ٢٤ : ١٧١ ح ١ ، باب ما يحرم من الذبيحة ، وما يكره منها.

٦٣

جماعة ، منهم سعد بن محمّد الطاطري ، عمّ علي بن الحسن الطاطري ، ومنهم محمّد بن أبي عمير ، أخبرنا الحسين بن عبيد الله ، قال : حدَّثنا أحمد ابن جعفر ، قال : حدَّثنا حُميد بن زياد ، قال : حدَّثنا محمّد بن غالب الصيرفي ، قال : حدَّثنا علي بن الحسن الطاطري ، قال : حدَّثنا عمّي سعد بن محمّد أبو القاسم ، قال : حدَّثنا دُرست بكتابه ، وأخبرنا محمّد بن عثمان ، قال : حدَّثنا جعفر بن محمّد ، قال : حدَّثنا عبيد الله بن أحمد بن نهيك ، قال : حدَّثنا محمّد بن أبي عمير عن درست بكتابه(١) .

وطريق الشيخ ( ت ٤٦٠ هـ ) في الفهرست : أخبرنا بكتابه أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمّد بن الزبير القرشي ، عن أحمد بن عمر بن كيسبة ، عن علي بن الحسن الطاطري ، عن درست ، ورواه حميد عن ابن نهيك ، عن درست(٢) .

وقال الصدوق ( ت ٣٨١ هـ ) في مشيخته : وما كان فيه عن درست بن أبي منصور ، فقد رويته عن أبي ( رحمه الله ) ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن علي الوشّا ، عن درست بن أبي منصور الواسطي(٣) .

وطريق الصدوق إليه صحيح ، قاله في الخلاصة(٤) ، وقال النوري ( ت ١٣٢٠ هـ ) : رجال السند من الأجلاّء الثقات(٥) ، وقال : وأمّا طريق الشيخ فهو مجهول في الفهرست بأحمد بن عمر بن كيسبة(٦) .

____________

١ ـ رجال النجاشي : ١٦٢ [ ٤٣٠ ].

٢ ـ فهرست الطوسي : ١٨٦ [ ٢٨٨ ].

٣ ـ من لا يحضره الفقيه ٤ : ٧٨ شرح مشيخة الفقيه.

٤ ـ خلاصة الأقوال : ٤٤١ ، الفائدة الثامنة ، وانظر : عدّة الرجال ٢ : ١٢٩ ، الفائدة السادسة.

٥ ـ خاتمة المستدرك ٤ : ٢٨٨ [ ١١٣ ].

٦ ـ خاتمة المستدرك ٦ : ١٣٩ [ ٢٧٤ ] ، وانظر : معجم رجال الحديث ٨ : ١٤٦ [ ٤٤٦٤ ].

٦٤

والنسخة التي اعتمد عليها صاحب البحار نسخة قديمة تحتوي على أُصول لرواة آخرين ، قال في أوّل البحار : مع أنّا أخذناهما ( يريد أصل النرسي والزرّاد ) من نسخة قديمة مصحّحة بخطّ الشيخ منصور بن الحسن الآبي ( النصف الأوّل من القرن الخامس ) ، وهو نقله من خطّ الشيخ الجليل محمّد بن الحسن القمّي ( النصف الثاني من القرن الرابع ) ، وكان تاريخ كتابتها سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ، وذكر أنّه أخذها وسائر الأُصول المذكورة(١) بعد ذلك من خطّ الشيخ الأجلّ هارون بن موسى التلعكبري ( رحمه الله ) ( ت ٣٨٥ هـ )(٢) .

ولكنّه لم يذكر أصل درست ضمن هذه الأُصول في النسخة ، وسببه أنّ أوّل أصل درست كان ساقطاً.

قال النوري ( ت ١٣٢٠ هـ ) في خاتمة مستدركه في الفائدة الثانية : وكتاب درست وأخواته(٣) ، إلى جزء من نوادر علي بن أسباط ، وجدناها مجموعة منقولة كلّها من نسخة عتيقة صحيحة بخطّ الشيخ منصور بن الحسن الآبي ، وهو نقلها من خطّ الشيخ الجليل محمّد بن الحسن القمّي ، وكان تاريخ كتابتها سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ، وذكر أنّه أخذ الأُصول المذكورة من خطّ الشيخ الأجلّ هارون بن موسى التلعكبري ، وهذه النسخة كانت عند العلاّمة المجلسي ( قدس سره ) ( ت ١١١١ هـ ) ، كما صرّح به في أوّل البحار ، ومنها انتشرت النسخ ، وفي أوّل جملة منها وآخرها يذكر صورة النقل.

____________

١ ـ يذكر ثلاثة عشر أصلا ، ولم يذكر أصل درست ، وسيأتي توضيحه في المتن.

٢ ـ البحار ١ : ٤٣ ، توثيق المصادر.

٣ ـ الأُصول المذكورة في كتاب الأُصول الستّة عشر ، ما عدا كتاب ديّات ظريف : ١٣٤ ، ومختصر علاء : ١٤٩.

٦٥

أمّا كتاب درست : فهو ساقط من أوّله(١) ، وفي آخره : تمّ كتاب درست ، وفرغت من نسخه من أصل أبي الحسن محمّد بن الحسن بن الحسين بن أيوّب القمّي ( النصف الثاني من القرن الرابع ) أيّده الله ، سماعاً له عن الشيخ أبي محمّد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري أيّده الله ، بالموصل ، في يوم الأربعاء لثلاث بقين من ذي القعدة سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ، والحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله وسلّم تسليماً(٢) .

ولكن في المطبوعة لم ترد صورة النقل في أوّلها ، ولم يذكر اسم الشيخ منصور بن الحسن الآبي وإن جاء اسمه في ضمن الكتاب ، وفي آخرها لا توجد جملة ( تمّ كتاب درست ) ، وإنّما يوجد ما بعدها ، والظاهر أنّه سقط من النساخ ; لأنّ الأحاديث الموجودة عن أصل درست مصدّرة باسمه(٣) .

وعلى هذه النسخة خطّ الشيخ الحرّ العاملي ( ت ١١٠٤ هـ ) ، هكذا : إعلم أنّي تتبّعت أحاديث هذه الكتب الأربعة عشر ـ أي عدا ديّات ظريف ومختصر علاء ـ فرأيت أكثر أحاديثها موجوداً في الكافي ، أو غيره من الكتب المعتمدة ، والباقي له مؤيّدات فيها ، ولم أجد فيها شيئاً منكراً سوى حديثين محتملين للتقيّة وغيرها ، حرّره محمّد العاملي(٤) .

وقال الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) في الذريعة : وهذا الكتاب أيضاً من الكتب الموجودة الباقية على الهيئة الأوّليّة ، وترتيبها أوّله الحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله وسلّم تسليماً ، رأيت نسخة منه في

____________

١ ـ الأُصول الستّة عشر : ١٥٨.

٢ ـ خاتمة المستدرك ١ : ٣٨ ، الفائدة الثانية.

٣ ـ انظر الأُصول الستّة عشر من أوّله ، وصفحة ١٥٨ ، وصفحة ١٦٩ ( الأخيرة ).

٤ ـ كتاب الأُصول الستّة عشر : ١٧٠.

٦٦

كربلاء عند السيّد إبراهيم بن السيّد هاشم القزويني المتوفّى ( ٧ ـ ٢ ـ ١٣٦٠ ) ، وهي بخطّ السيّد علي أكبر بن السيّد حسين الحسيني ، فرغ من الكتابة في النجف ( ١٢٨٦ ) وذكر أنّه استنسخها عن نسخة قوبلت من أصل أبي الحسن محمّد بن الحسن بن الحسين القمّي(١) .

ولكن الجملة المذكورة على أنّها في أوّله غير موجودة في المطبوع ، والظاهر أنّه كذلك في النسخة الخطيّة ، لما عرفت من نصّ النوري على أنّها ساقطة الأوّل ، فقد تكون من زيادات الناسخ ; لأنّ هذه النسخة في كربلاء مأخوذة من تلك النسخة ـ الأصل ـ على أنّ آخر أصل درست فيه هذه الجملة ( والحمد لله رب العالمين ) كما عرفت فيما نقلنا من المطبوع ، فلعلّه كان سبق قلم من العلاّمة الطهراني عندما قال أوّلها ويريد آخرها.

____________

١ ـ الذريعة ٦ : ٣٣٠ ( ١٨٨٩ ) ، وانظر : طبقات أعلام الشيعة ١ ( القرن الرابع ) : ٢٦١ ، ٣٢١ ، ٣٢٩، ٢ ( القرن الخامس ) : ١٩٦.

٦٧
٦٨

(٣) كتاب : الوصيّة

لعيسى بن المستفاد ( النصف الثاني من القرن الثاني )

الحديث :

قال السيّد ابن طاووس ( ت ٦٦٤ هـ ) في الطرف(١) :

عن عيسى بن المستفاد ، قال : حدَّثني موسى بن جعفر ، قال : سألت أبي جعفر بن محمّد ( عليه السلام )(٢) .

وعنه ، عن أبيه ، قال : لمّا حضرت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الوفاة دعا الأنصار ، وقال : « يا معشر الأنصار ، قد حان الفراق ، وقد دُعيت وأنا مجيب الداعي ، وقد جاورتم فأحسنتم الجوار ، ونصرتم فأحسنتم النصرة ، وواسيتم في الأموال ، ووسعتم في السكنى ، وبذلتم لله مهج النفوس ، والله مجزيكم بما فعلتم الجزاء الأوفى.

وقد بقيت واحدة ، وهي تمام الأمر وخاتمة العمل ، العمل معها مقرون به جميعاً ، إنّي أرى أن لا يفرّق بينهما جميعاً ، لو قيس بينهما بشعرة ما انقاست ، من أتى بواحدة وترك الأُخرى كان جاحداً للأُولى ، ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلا ».

قالوا : يا رسول الله ، فأَبنِ لنا نعرفها ، ولا نمسك عنها فنضلّ ونرتدّ

____________

١ ـ كتاب الوصيّة لعيسى بن المستفاد مفقود ، ولا نعرف منه إلاّ ما نقله ابن طاووس في طرفه ، وما أوردناه منه.

٢ ـ طرف من الأنباء والمناقب : ١١٥ ، الطرفة الأُولى.

٦٩

عن الإسلام ، والنعمة من الله ومن رسوله علينا ، فقد أنقذنا الله بك من الهلكة يا رسول الله ، [ وقد بلّغت ونصحت وأدّيت ، وكنت بنا رؤوفاً رحيماً ، شفيقاً مشفقاً ، فما هي يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله )؟ ](١) .

قال لهم : « كتاب الله وأهل بيتي ، فإنّ الكتاب هو القرآن ، وفيه الحجّة والنور والبرهان ، وكلام الله جديد غضّ طريّ ، شاهد ومحكم عادل ، دولة قائد بحلاله وحرامه وأحكامه ، بصير به ، قاض به ، مضموم فيه ، يقوم غداً فيحاجّ به أقواماً ، فتزلّ أقدامهم عن الصراط ، فاحفظوني معاشر الأنصار في أهل بيتي ، فإنّ اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.

ألا وأنّ الإسلام سقف تحته دعّامة ، ولا يقوم السقف إلاّ بها ، فلو أنّ أحدكم أتى بذلك السقف ممدوداً لا دعّامة تحته ، فأوشك أن يخرّ عليه سقفه فهوى في النار.

أيّها الناس ، الدعّامة دعّامة الإسلام ، وذلك قوله تبارك وتعالى( إليه يصْعَدُ الكَلِمُ الطيّبُ والعَمَلُ الصّالِحُ يرفَعُه ) ، فالعمل الصالح طاعة الإمام وليّ الأمر والتمسّك بحبل الله.

أيّها الناس ، ألا فهمتم ، الله الله في أهل بيتي ، مصابيح الهدى ، ومعادن العلم ، وينابيع الحكم ، ومستقرّ الملائكة ، منهم وصيّي وأميني ووارثي ، ومن هو منِّي بمنزلة هارون من موسى ، علي ( عليه السلام ) ، ألا هل بلّغت؟

والله يا معاشر الأنصار ، [ لتقرُّن لله ولرسوله بما عهد إليكم ، أو ليُضرَبن بعدي بالذلّ.

يا معشر الأنصار ](٢) ألا اسمعوا ومن حضر ، ألا إنّ باب فاطمة بابي ،

____________

١ ـ بين القوسين ساقط في بعض النسخ.

٢ ـ بين القوسين ساقط من بعض النسخ.

٧٠

وبيتها بيتي ، فمن هتكه فقد هتك حجاب الله ».

قال عيسى بن المستفاد : فبكى أبو الحسن ( عليه السلام ) طويلا ، وقطع عنه بقيّة الحديث ، وأكثر البكاء ، وقال : « هُتك ـ والله ـ حجاب الله ، هُتك ـ والله ـ حجاب الله ، هُتك ـ والله ـ حجاب الله ، وحجاب الله حجاب فاطمة ، يا أُمّه يا أُمّه ، صلوات الله عليها »(١) .

عيسى بن المستفاد :

قال النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) : عيسى بن المستفاد أبو موسى البجلي الضرير ، روى عن أبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) ، ولم يكن بذاك(٢) .

وذكره الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) في الفهرست ، وسكت عنه(٣) ، ومثله ابن شهر آشوب ( ت ٥٨٨ هـ ) في المعالم(٤) .

وقال ابن الغضائري ( ت ٤١١ هـ ) : ذكر له رواياته عن موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) ، وله كتاب الوصيّة لا يثبت سنده ، وهو في نفسه ضعيف(٥) .

ونقل في الخلاصة كلام النجاشي وابن الغضائري ، أورده في القسم الثاني المخصّص للضعاف أو من يردّ قوله أو يتوقّف فيه(٦) ، ولكن ابن داود ( ت ٧٠٧ هـ ) أورده في القسمين ، ورمز له في أصحاب الباقر ( عليه السلام ) ، ونقل في الأوّل عن رجال الشيخ والفهرست والنجاشي أنّه لم يكن بذاك ، مع أنّه غير مذكور في رجال الشيخ(٧) ، وفي الثاني أعاد ما ذكره أوّلا ، ولكنّه

____________

١ ـ طرف من الأنباء والمناقب : ١٤٣ ، الطرفة العاشرة.

٢ ـ رجال النجاشي : ٢٩٧ [ ٨٠٩ ].

٣ ـ فهرست الطوسي : ٣٣٢ [ ٥٢١ ].

٤ ـ معالم العلماء : ٨٦ [ ٥٩٤ ].

٥ ـ رجال ابن الغضائري : ٨١ [ ١٠٠ ] ، وانظر : مجمع الرجال ٤ : ٣٠٦.

٦ ـ خلاصة الأقوال : ٣٧٨ [ ١٥٢٠ ] ، القسم الثاني.

٧ ـ رجال ابن داود : ١٤٩ [ ١١٧٦ ].

٧١

نسبه إلى النجاشي فقط(١) .

ثمَّ ترجم في جامع الرواة : ( عيسى الضرير ) و ( عيسى الضعيف ) يرويان عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، واستظهر أنّهما واحد لاتّحاد الطريق(٢) ، ووافقه التستري ( ت ١٤١٥ هـ ) في القاموس(٣) ، والسيّد الخوئي ( ت ١٤١٣ هـ ) في المعجم(٤) ، وأمّا المامقاني ( ت ١٣٥١ هـ ) فأستظهر اتّحادهما مع عيسى بن المستفاد أيضاً(٥) ، مع أنّ صاحب القاموس استبعد ذلك(٦) .

أقول : إنّ ( عيسى الضرير ) أو ( عيسى الضعيف ) لم يرد ذكره في رجال الطوسي ولا البرقي في أصحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، بل لم يرد ذكره أصلا ، لا في هذين الكتابين ولا في بقيّة كتب الرجال ، وإنّما جاء في سند الروايات عن الإمام الصادق ( عليه السلام ).

نعم ، ذكر الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) في رجاله في أصحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) عيسى بن عبد الرحمن السلميّ البجليّ ، كوفي(٧) ، ولم يذكر

____________

١ ـ رجال ابن داود : ٢٦٥ [ ٣٨٤ ].

وانظر : نقد الرجال ٣ : ٣٩٦ [ ٤٠٦٢ ] ، إيضاح الاشتباه : ٢٣٤ [ ٤٥٣ ] ، هداية المحدّثين : ١٢٦ ، منتهى المقال ٥ : ١٦٩ [ ٢٢٥٦ ] ، حاوي الأقوال ٤ : ١٥٠ ، عدّة الرجال ١ : ٢٤٦ ، جامع الرواة ١ : ٦٥٤ ، تنقيح المقال ٢ : ٣٦٣ ، مع بعض الاشتباه نبّه عليه التستري في قاموس الرجال ٨ : ٣٣١ [ ٥٨٢٤ ] ، معجم رجال الحديث ١٤ : ٢٢٤ [ ٩٢٤١ ] ، الوجيزة : ٢٧٦ [ ١٣٨٧ ] ، مجمع الرجال ٤ : ٣٠٦ ، بهجة الآمال ٥ : ٦٤٥.

٢ ـ جامع الرواة ١ : ٦٥١.

٣ ـ قاموس الرجال ٨ : ٣١٩ [ ٥٨٠٢ ] و [ ٥٨٠٣ ].

٤ ـ معجم رجال الحديث ١٤ : ٢٢٩ [ ٩٢٥٣ ] و [ ٩٢٥٤ ].

٥ ـ تنقيح المقال ٢ : ٣٦١.

٦ ـ قاموس الرجال ٨ : ٣١٩ [ ٥٨٠٣ ].

٧ ـ رجال الطوسي : ٢٥٨ [ ٣٦٦٥ ].

٧٢

عيسى بن المستفاد في أصحاب أيّ إمام من الأئمّة ( عليهم السلام ) ، مع أنّه ذكره في الفهرست(١) .

فإذا أخذنا بعين الاعتبار اتّحاد الاسم واللقب ، وأنّ المستفاد يمكن أن يكون لقب لعبد الرحمن ، أمكن القول باتّحادهما ، بل باتّحاد الجميع الضرير أو الضعيف وابن المستفاد وابن عبد الرحمن السلميّ البجليّ ، فإنّ الضعيف ـ كما هو الأصحّ على ما أشار إليه التستري ( ت ١٤١٥ هـ )(٢) ويحتمل العكس ـ قد روى عن الصادق ( عليه السلام ) في الكافي والفقيه والتهذيب(٣) ، مع أنّ الشيخ لم يذكره في رجاله.

وقد يكون من القرينة على ذلك ما رواه الرضي ( ت ٤٠٦ هـ ) في الخصائص بسند ، هو : حدّثني هارون بن موسى ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد بن عمّار العجليّ الكوفي ، قال : حدَّثني عيسى الضرير ، عن أبي الحسن ( عليه السلام ) ، عن أبيه قال : ، وهي الطرفة الخامسة عشر من طرف السيّد ابن طاووس ( ت ٦٦٤ هـ )(٤) ، كما وأورد رواية أُخرى بنفس السند ، ولكنّه ذكر الاسم هكذا : أبو موسى عيسى الضرير البجلي ، وهو في الطرفة السادسة عشر من الطرف(٥) .

فاكتفائه في الأوّل بـ ( عيسى الضرير ) ، وأضاف إليه في الثاني ( أبو موسى ) و ( البجلي ) يقرّبنا إلى المراد كما هو واضح ; لأنّ المراد بعيسى الضرير في السند هو ابن المستفاد ، بقرينة ذكر روايته في ضمن الطرف

____________

١ ـ فهرست الطوسي : ٣٣٢ [ ٥٢١ ].

٢ ـ قاموس الرجال ٨ : ٣١٩ [ ٥٨٠٣ ].

٣ ـ الكافي ٧ : ٢٩٥ ح ١ و ٢٧٦ ح ٤ ، من لا يحضره الفقيه ٤ : ٦٩ ح ١٢ ، التهذيب ١٠ : ١٨٧ ح ٣٢ ، كتاب الديّات ، باب : القضايا في الديّات والقصاص.

٤ ـ طرف من الأنباء والمناقب : ١٥٧ ، الطرفة الخامسة عشر.

٥ ـ طرف من الأنباء والمناقب : ١٦١ ، الطرفة السادسة عشر.

٧٣

التي أكثرها عن ابن المستفاد عن الكاظم ( عليه السلام ).

ويبقى ما انفرد به النجاشي من أنّه من أصحاب أبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) ، فالظاهر أن لا رواية له عن الجواد ( عليه السلام ) ، فهل يمكن حمل ( الثاني ) على الاشتباه وأنّه أبو جعفر الباقر ( عليه السلام ) ، كما عن ابن داود؟ الله أعلم!

كتاب الوصيّة :

لم يصلنا من كتاب عيسى بن المستفاد إلاّ ما نقله ابن طاووس في طرفه ، ولكنّه لم يصرّح بأنّه من كتاب الوصيّة لعيسى ، وإن استظهر الكلّ أنّه منه ; لأنّهم لم يذكروا لابن المستفاد كتاباً غيره ، ولأنّ ما نقله ابن طاووس ينطبق تماماً على اسم الكتاب ، ألا وهو ( الوصيّة ).

قال النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) : له كتاب الوصيّة ، رواه شيوخنا ، عن أبي القاسم جعفر ابن محمّد ، قال : حدَّثنا أبو عيسى عبيد الله بن الفضل بن هلال بن الفضل بن محمّد بن أحمد بن سليمان الصابوني ، قال : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل بن محمّد ، قال : حدَّثنا أبو يوسف الوُحاظي والأزهر بن بسطام بن رستم والحسن بن يعقوب ، قالوا : حدَّثنا عيسى بن المستفاد ، وهذا الطريق طريق مصريّ فيه اضطراب ، وقد أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن عمران ، قال : حدَّثنا يحيى بن محمّد القصباني ، عن عبيد الله بن الفضل(١) .

وقال الشيخ ( ت ٤٦٠ هـ ) في الفهرست : له كتاب ، رواه عبيد الله بن عبد الله الدهقان ، عنه(٢) ، وهو ضعيف بعبيد الله بن عبد الله الدهقان(٣) .

____________

١ ـ رجال النجاشي : ٢٩٧ [ ٨٠٩ ].

٢ ـ فهرست الطوسي : ٣٣٢ [ ٥٢١ ].

٣ ـ انظر : خاتمة المستدرك ٩ : ٢٤٦ [ ٥٣٢ ] ، معجم رجال الحديث ١٤ : ٢٢٤ [ ٩٢٤١ ].

٧٤

وقال ابن الغضائري ( ت ٤١١ هـ ) : وله كتاب الوصيّة لا يثبت سنده(١) .

ولكن المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) قال ـ بعد أن أخرج عدّة روايات من الطرف ـ : انتهى ما أخرجناه من كتاب الطرف ممّا أخرجه من كتاب الوصيّة لعيسى بن المستفاد ، وكتاب خصائص الأئمّة للسيّد الرضي ( رضي الله عنه ) ، وأكثرها مرويّ في كتاب الصراط المستقيم للشيخ زين الدين البياضي ( ت ٨٧٧ هـ ) ، وعيسى وكتابه مذكوران في كتب الرجال ، ولي إليه أسانيد جمّة ، وبعد اعتبار الكليني ( رحمه الله ) الكتاب واعتماد السيّدين عليه لا عبرة بتضعيف بعضهم ، مع أنّ ألفاظ الروايات ومضامينها شاهدة على صحّتها(٢) .

ولا يخلو كلامه ( قدس سره ) من المناقشة.

وذكر الكتاب العلاّمة الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) في الذريعة أيضاً ، واستظهر وجود نسخة منه عند السيّد ابن طاووس من خلال كثرة نقله عنه في الطرف(٣) .

____________

١ ـ رجال ابن الغضائري : ٨١ [ ١٠٠ ] ، مجمع الرجال ٤ : ٣٠٦.

٢ ـ البحار ٢٢ : ٤٩٥.

٣ ـ الذريعة ٢٥ : ١٠٣ [ ٥٦٥ ] ، و ١٥ : ١٦١ [ ١٠٥٣ ].

٧٥
٧٦

حديث الثقلين عند الإماميّة ( الاثني عشريّة )

القرن الثالث الهجري

٧٧
٧٨

(٤) صحيفة الإمام الرضا ( عليه السلام ) بسند الطبرسي

للإمام علي بن موسى بن جعفر الرضا ( عليه السلام ) ( ت ٢٠٣ هـ )

الحديث :

حدّثني علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) سنة أربع وتسعين ومائة ، قال : حدّثني أبي موسى بن جعفر ، قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد ، قال : حدّثني أبي محمّد بن علي ، قال : حدّثني أبي علي بن الحسين ، قال : حدّثني أبي الحسين بن علي ، قال : حدّثني أبي علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) ، قال :

وبإسناده ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « كأنّي دعيت فأجبت ، وإنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفونني فيهما »(١) .

الراوون عنها :

وعنها الصدوق ( ت ٣٨١ هـ ) في عيون أخبار الرضا ( عليه السلام )(٢) .

____________

١ ـ صحيفة الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ٥٩ ح ٨٣. وعنها في إثبات الهداة ١ : ١١٢ ح ٦٢٢ ، فصل (٣١) ، والبحار ٢٣ : ١٤٥ ح ١٠١.

٢ ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ٢ : ٣٤ ح ٤٠ ، الباب (٣١) : في ما جاء عن الرضا ( عليه السلام ) من أخبار مجموعة ، وفيه : « كأنّي قد دعيت » ، وفيه : « فانظروا كيف تخلفوني فيهما ».

٧٩

والقاسم بن محمّد بن علي ( ت ١٠٢٩ هـ ) في الاعتصام بحبل الله المتين(١) .

صحيفة الإمام الرضا ( عليه السلام ) :

ذكرها الشيخ الحرّ ( ت ١١٠٤ هـ ) في الكتب المعتمدة لديه وقال : رواية أبي علي الطبرسي(٢) ، وذكر طريقه إليها(٣) .

وذكرها المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) في مصادره وقال : المسندة إلى شيخنا أبي علي الطبرسي ( رحمه الله ) بإسناده إلى الرضا ( عليه السلام )(٤) ، وقال في توثيقها : وكتاب الرضا ( عليه السلام ) من الكتب المشهورة بين الخاصّة والعامّة ، وروى السيّد الجليل علي بن طاووس منها بسنده إلى الشيخ الطبرسي ( رحمه الله ) ، ووجدت أسانيد في النسخ القديمة منه إلى الشيخ المذكور ومنه إلى الإمام ( عليه السلام ) ، وقال الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار : كان يقول يحيى بن الحسين الحسيني في إسناد صحيفة الرضا : لو قرئ هذا الإسناد على أُذن مجنون لأفاق ، وأشار النجاشي في ترجمة عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي ، وترجمة والده راوي هذه الرسالة إليها ، ومدحها ، وذكر سنده إليها ، وبالجملة هي من الأُصول المشهورة ويصحّ التعويل عليها(٥) .

____________

١ ـ الاعتصام ١ : ١٣٣ ، فصل : فيما ورد من احاديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إنّه ترك في المسلمين كتاب الله تعالى وسنّته وعترته أهل بيته .

وفيه : وفي صحيفة علي بن موسى الرضى عن آبائه ، أباً فأباً ، إسناداً متّصلا عن علي عليه وعليهم السلام ، قال : « وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : كأنّي قد دعيت واُجبت » ، وفيه : « كتاب الله عزّ وجلّ حبل . » ، وفيه : « فانظروا كيف تخلفوني فيهما ».

٢ ـ خاتمة الوسائل ٣٠ : ١٥٦ [ ٣٥ ] الفائدة الرابعة.

٣ ـ خاتمة الوسائل ٣٠ : ١٨٦ ، الطريق الثاني والأربعون.

٤ ـ البحار ١ : ١١.

٥ ـ البحار ١ : ٣٠.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

الطريق المؤدّي إلى الله( ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ ) (١) إلّا أولئك الذين يريدون أن يحترقوا في نار جهنّم( إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ ) .

هذه الآيات ـ خلافا لما يتصوّره أتباع مذهب الجبر ـ دليل ضدّ هذا المذهب ، وهي إشارة إلى أنّه لا يعذر أي أحد انحرف عن الطريق المستقيم ، مدّعيا أنّه قد خدع ، وانحرافه وعبادته للأوثان بسبب هذه الوساوس ، ولذا تقول الآيات المباركة ، أنتم ـ المشركون ـ لا قدرة لديكم على إضلال الأشخاص وخداعهم ، إلّا إذا كان أولئك يتّجهون بإرادتهم نحو صراط الجحيم.

وعبارة( صالِ الْجَحِيمِ ) شاهد على الكلام المذكور أعلاه ، لأنّ كلمة (صالي) جاءت بصيغة اسم الفاعل ، وعند ما تستخدم أي كلمة بصيغة اسم الفاعل بشأن موجود عاقل فإنّها تعطي مفهوم تنفيذ العمل بإرادته وإختياره ، مثل (قاتل) و (جالس) و (ضارب) ، إذن فإنّ( صالِ الْجَحِيمِ ) تعني رغبة الشخص في الاحتراق بنار جهنّم ، وبهذا تغلق كافّة طرق الأعذار أمام كلّ المنحرفين.

والذي يثير العجب أنّ بعض المفسّرين المعروفين فسّروا الآية بالمعنى التالي : (إنّكم لا تستطيعون خداع أحد ، إن لم يكن مقدّرا له الاحتراق بنار جهنّم).

إن كان حقّا هذا هو معنى الآية ، فلم يبعث الأنبياء؟ ولأي سبب تنزل الكتب السماوية؟ وما معنى محاسبة ولوم وتوبيخ عبدة الأوثان يوم القيامة التي نصّت عليها الآيات القرآنية؟ وأين ذهب عدل الباريعزوجل ؟

نعم ، يجب قبول هذه الحقيقة ، وهي انّ الإقرار بمبدإ الجبر ضدّ مبدأ الأنبياء

__________________

(١) التركيب النحوي لهذه الآية والتي تسبقها والاخرى التي تأتي بعدها ، وكما هو مشهور كذلك ، (ما) في جملة (ما تعبدون) هي (ما) الموصولة معطوفة على اسم أنّ ، وجملة( ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ ) خبرها. و (ما) في (ما أنتم) نافية ، وضمير (عليه) يعود على الله سبحانه وتعالى ، وفي مجموعها نحصل على ما يلي (إنّكم وآلهتكم التي تعبدونها لا تقدرون على إضلال أحد على الله بسببها إلّا من يحترق بنار الجحيم بسوء إختياره). والبعض الآخر اعتبر الآية( فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ) كلاما تامّا مستقلا وتعني أنّكم وآلهتكم ، ثمّ تقول في الآية التالية : ما أنتم بحاملين على عبادة ما تعبدونه إلّا من هو صالّ الجحيم.

٤٢١

تماما ، ويمسخ كلّ المفاهيم التي بعثوا من أجل ترسيخها ، ويقضي على كلّ القيم الإلهية والإنسانية.

ومن الضروري الالتفات إلى هذه النقطة وهي أنّ (صالي) مشتقّة من (صلى) وتعني إشعال النار والدخول فيها أو الاحتراق بها و (فاتن) اسم فاعل مشتقّة من (فتنة) وتعني الذي يثير الفتن والذي يضلّ الآخرين.

بعد انتهاء بحثنا حول الآيات الثلاث السابقة التي وضّحت مسألة إختيار الإنسان في مقابل فتن وإغراءات عبدة الأصنام ، نواصل بحثنا حول الآيات الثلاث التالية والتي تتناول المرتبة العالية لملائكة الله ، وتقول مخاطبة عبدة الأصنام : إنّ الملائكة التي كنتم تزعمون أنّها بنات الله لها مقام معيّن ، والجميل في هذه العبارة أنّ الملائكة هي التي تتحدّث عن نفسها( وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ ) (١) .

وتضيف ملائكة الرحمن : وإنّنا جميعا مصطفون عند الله في انتظار أوامره ،( وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ) .

وإنّنا جميعا نسبّحه ، وننزّه عمّا لا يليق بساحة كبريائه( وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ) .

نعم ، نحن عباد الله ، وقد وضعنا أرواحنا على الأكف بانتظار سماع أوامره ، إنّنا لسنا أبناء الله ، إنّنا ننزّه الباريعزوجل من تلك المزاعم الكاذبة والقبيحة وإنّنا منزعجين ومشمئزّين من خرافات وأوهام المشركين.

في الحقيقة ، إنّ الآيات المذكورة أعلاه أشارت إلى ثلاث صفات من صفات الملائكة.

الاولى : هي أنّ لكلّ واحد منهم مقام معيّن ومشخّص ليس له أن يتعدّاه.

__________________

(١) نقرأ في بعض الرّوايات التي نقلت عن أهل البيتعليهم‌السلام أنّ الأئمّة المعصومين هم المقصودون في هذه الآية ، ومن الممكن أن يكون هذا التّفسير من قبيل تشبيه مقام الأئمّة بالملائكة ، أي كما أنّ للملائكة مقاما وتكليفا معيّنا ، فإنّ لنا مقاما وتكليفا معيّنا أيضا.

٤٢٢

والثانية : هي أنّهم مستعدّون دائما لإطاعة أوامر الله سبحانه وتعالى وتنفيذها في عالم الوجود ، وهذا الشيء مشابه لما ورد في الآيتين (٢٦) و (٢٧) من سورة الأنبياء( بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) .

والثالثة : أنّهم يسبّحون الله دائما وينزّهونه عمّا لا يليق بساحة كبريائه.

الآيتان( إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ) تعطيان مفهوم الحصر في الأدب العربي ، وبعض المفسّرين قالوا في تفسير هاتين الآيتين : إنّ الملائكة تريد أن تقول : نحن فقط المطيعون لأوامر الله والمسبّحون الحقيقيون له ، وهذه إشارة إلى أنّ طاعة الإنسان لله تعالى وتسبيحه يعدّ لا شيء بالنسبة لطاعة وتسبيح الملائكة لله ، ولا يمكن المقارنة بينهما.

والذي يلفت الانتباه أنّ مجموعة من المفسّرين نقلوا في نهاية هذه الآيات حديثا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال فيه : «ما في السموات موضع شبر إلّا وعليه ملك يصلّي ويسبّح»(١) .

وجاء في رواية اخرى : «ما في السماء موضع قدم إلّا عليه ملك ساجد أو قائم»(٢) .

وفي رواية ثالثة ورد أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان جالسا مع مجموعة من أصحابه ، فقال لهم : «أطت السماء وحقّ لها أن تأط! ليس فيها موضع قدم إلّا عليه ملك راكع أو ساجد ، ثمّ قرأ :( وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ) »(٣) .

العبارات المختلفة كناية لطيفة عن أنّ عالم الوجود مكتظّ بالمطيعين لأوامر الله والمسبّحين له.

الآيات الأربع الأخيرة من هذا البحث تشير إلى أحد الأعذار الواهية التي

__________________

(١) تفسير القرطبي ، المجلّد ٨ ، الصفحة ٥٨١.

(٢) المصدر السابق.

(٣) (الدرّ المنثور) نقلا عن تفسير الميزان المجلّد (١٧) الصفحة ١٨٨.

٤٢٣

تذرّع بها المشركون فيما يخصّ هذه القضيّة وعبادتهم للأصنام ، وتجيب عليهم قائلة :( وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ ) (١) .

( لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ ) .

يقول المشركون : لا تتحدّثوا كثيرا عن عباد الله المخلصين الذين أخلصهم الله لنفسه ، وعن الأنبياء العظام أمثال نوح وإبراهيم وموسى ، لأنّه لو كان الله قد شملنا بلطفه وأنزل علينا أحد كتبه السماوية لكنّا في زمرة عباده المخلصين.

وهذا مشابه لما يقوله الطلاب الكسالى الراسبون في دروسهم ، من أجل التغطية على كسلهم وعدم مثابرتهم ، لو كان لدينا معلّم وأستاذ جيّد لكنّا من الطلبة الأوائل.

الآية التالية تقول : لقد تحقّق ما كانوا يأملونه ، إذ أنزل عليهم القرآن المجيد الذي هو أكبر وأعظم الكتب السماوية ، إلّا أنّ هؤلاء الكاذبين في ادّعاءاتهم كفروا به ، ولم يفوا بما قالوا ، واتّخذوا موقفا معاديا إزاءه ، فسيعلمون وبال كفرهم( فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) (٢) .

كفاكم كذبا وادّعاء ، ولا تعتقدوا أنّكم أكفّاء للانضمام إلى صفوف عباد الله المخلصين ، فكذبكم واضح ، وادّعاءاتكم غير صادقة ، فليس هناك كتاب خير من القرآن المجيد ، ولا يوجد هناك نهج تربوي خير من نهج الإسلام ، فكيف كان موقفكم من هذا الكتاب السماوي؟ فانتظروا العواقب الأليمة لكفركم وعدم إيمانكم.

* * *

__________________

(١) (إنّ) مخفّفة من الثقيلة وتقديرها (وإنّهم كانوا ليقولون).

(٢) في الكلام حذف تقديره (فلمّا آتاهم الكتاب وهو القرآن كفروا به فسوف يعلمون عاقبة كفرهم).

٤٢٤

الآيات

( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (١٧٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٤) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٥) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (١٧٦) فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧) )

التّفسير

حزب الله هو المنتصر :

لا زلنا نتابع البحث في آيات هذه السورة المباركة ، والتي شارفت على الانتهاء ، بعد أن استعرضنا في الأبحاث السابقة جهاد الأنبياء العظام والمصاعب والعراقيل التي أثارها وأوجدها المشركون.

ففي آيات بحثنا الحالي سنتطرّق لأهمّ القضايا الواردة في هذه السورة ، والتي تصوّر الخاتمة بأفضل صورة ، إذ زفّت البشرى للمؤمنين بانتصار جيش الحقّ على جيش الشيطان ، الوعد الإلهي الكبير هذا إنّما جاء لبعث الأمل في صفوف المؤمنين في صدر الإسلام الذين كانوا لحظة نزول هذه الآيات يرزحون تحت ضغوط أعداء الإسلام في مكّة ، ولكلّ المؤمنين والمحرومين في كلّ زمان ومكان ،

٤٢٥

ولكي يكون حافزا لهم يدفعهم على نفض غبار اليأس عنهم ، والاستعداد لجهاد ومقاومة جيوش الباطل( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ) .

( وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ ) ، إنّها لعبارة واضحة وصريحة ، وإنّه لوعد يقوّي الروح ويبعث على الأمل.

نعم ، فانتصار جيوش الحقّ على الباطل ، وغلبة جند الله ، وتقديم الله سبحانه وتعالى العون لعباده المرسلين والمخلصين ، هي وعود مسلّم بها وسنن قطعيّة ، وذلك ما أكّدته الآية المذكورة أعلاه بعنوان( سَبَقَتْ كَلِمَتُنا ) أي إنّ هذا الوعد وهذه السنّة كانت موجودة منذ البداية.

نظائر كثيرة لهذا الموضوع وردت في آيات عديدة اخرى من آيات القرآن المجيد ، إذ جاء في الآية (٤٧) من سورة الروم( وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) .

وفي الآية (٤٠) من سورة الحجّ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ) .

وفي الآية (٥١) من سورة غافر( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ ) .

وأخيرا في الآية (٢١) من سورة المجادلة( كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ) .

وبديهي أنّ الله قادر على كلّ شيء ، وليس بمخلف للوعود ، ولم يكن يوما ما ليخلف وعده ، وقادر على أن يفي بهذا الوعد الكبير ، كما أنزل في السابق نصره على المؤمنين به.

الوعد الإلهي من أهمّ الأمور التي ينتظرها السائرون في طريق الحقّ باشتياق ، حيث يستمدّون منه القوى الروحية والمعنوية ، ويسترفدون منه نشاطا جديدا كلّما أحسّوا بالكلل ، فتسري دماء جديدة في شرايينهم.

* * *

٤٢٦

سؤال مهمّ :

وهنا يطرح السؤال التالي ، وهو : إن كانت مشيئة الباريعزوجل وإرادته تقضي بتقديم يد العون للأنبياء ونصرة المؤمنين ، فلم نشاهد استشهاد الأنبياء على طول تأريخ الحوادث البشرية ، وانهزام المؤمنين في بعض الأحيان؟ فإن كانت هذه سنّة إلهيّة لا تقبل الخطأ ، فلم هذه الاستثناءات؟

ونجيب على هذا السؤال بالقول :

أوّلا : إنّ الإنتصار له معان واسعة ، ولا يعطي في كلّ الأحيان معنى الإنتصار الظاهري والجسماني على العدو ، فأحيانا يعني انتصار المبدأ ، وهذا هو أهمّ انتصار ، فلو فرضنا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد استشهد في إحدى الغزوات ، وشريعته عمّت العالم كلّه ، فهل يمكن أن نعبّر عن هذه الشهادة بالهزيمة.

وهناك مثال أوضح وهو الحسينعليه‌السلام وأصحابه الكرام حيث استشهدوا على أرض كربلاء ، وكان هدفهم العمل على فضح بني اميّة ، الذين ادّعوا أنّهم خلفاء الرّسول ، وكانوا في حقيقة الأمر يعملون ويسعون إلى إعادة المجتمع الإسلامي إلى عصر الجاهلية ، وقد تحقّق هذا الهدف الكبير ، وأدّى استشهادهم إلى توعية المسلمين إزاء خطر بني اميّة وإنقاذ الإسلام من خطر السقوط والضياع ، فهل يمكن هنا القول بأنّ الحسينعليه‌السلام وأصحابه الكرام خسروا المعركة في كربلاء؟

المهمّ هنا أنّ الأنبياء وجنود الله ـ أي المؤمنون ـ تمكّنوا من نشر أهدافهم في الدنيا واتّبعهم أناس كثيرون ، وما زالوا يواصلون نشر مبادئهم وأفكارهم رغم الجهود المستمرّة والمنسّقة لأعداء الحقّ ضدّهم.

وهناك نوع آخر من الإنتصار ، وهو الإنتصار المرحلي على العدو ، والذي قد يتحقّق بعد قرون من بدء الصراع ، فأحيانا يدخل جيل معركة ما ولا يحقّق فيها أي انتصار ، فتأتي الأجيال من بعده وتواصل القتال فتنتصر ، كالانتصار الذي حقّقه المسلمون في النهاية على الصليبيين في المعارك التي دامت قرابة القرنين ، وهذا

٤٢٧

النصر يحسب لجميع المسلمين.

ثانيا : يجب أن لا ننسى أنّ وعد الله سبحانه وتعالى بنصر المؤمنين وعد مشروط وليس بمطلق ، وأنّ الكثير من الأخطاء مصدرها عدم التوجّه إلى هذه الحقيقة ، وكلمات (عبادنا) و (جندنا) التي وردت في آيات بحثنا ، وغيرها من العبارات والكلمات المشابهة في هذا المجال في القرآن الكريم كعبارة( حِزْبَ اللهِ ) و( الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا ) و( لَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ) وأمثالها ، توضّح بسهولة شروط النصر.

نحن لا نريد أن نكون مؤمنين ولا مجاهدين ولا جنودا مخلصين ، ونريد أن ننتصر على أعداء الحقّ والعدالة ونحن على هذه الحالة!

نحن نريد أن نتقدّم إلى الإمام في مسيرنا إلى الله ولكن بأفكار شيطانية ، ثمّ نعجب من انتصار الأعداء علينا ، فهل وفينا نحن بوعدنا حتّى نطلب من الله سبحانه وتعالى الوفاء بوعوده.

في معركة احد وعد الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسلمين بالنصر ، وقد انتصروا فعلا في المرحلة الاولى من المعركة ، إلّا أنّ مخالفة البعض لأوامر الرّسول وتركهم لمواقعهم لهثا وراء الغنائم ، وسعي البعض الآخر لبثّ الفرقة والنفاق في صفوف المقاتلين ، أدّى بهم إلى الفشل في الحفاظ على النصر الذي حقّقوه في المرحلة الاولى ، وهذا ما أدّى إلى خسرانهم المعركة في نهاية الأمر.

وبعد انتهاء المعركة جاءت مجموعة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخاطبته بلهجة خاصّة : ماذا عن الوعد بالنصر والغلبة ، فأجابهم القرآن الكريم بصورة لطيفة يمكنها أن تكون شاهدا لحديثنا ، وهي قوله تعالى في سورة آل عمران الآية (١٥٢) :( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) .

٤٢٨

عبارات (فشلتم) و (تنازعتم) و (عصيتم) التي وردت في الآية المذكورة أعلاه ، وضحّت بصورة جيّدة أنّ المسلمين في يوم احد تخلّوا عن شروط النصر الإلهي ، لذا فشلوا في الوصول إلى أهدافهم.

نعم ، فالباريعزوجل لم يعد كلّ من يدّعي الإسلام وأنّه من جند الله وحزب الله بأن ينصره دائما على أعدائه. الوعد الإلهي مقطوع لمن يرجو من أعماق قلبه وروحه رضى الله سبحانه وتعالى ، ويسير في النهج الذي وضعه الله ، ويتحلّى بالتقوى والأمانة.

ولقد تقدّم نظير لهذا السؤال فيما يخصّ (الدعاء) و (الوعد الإلهي بالاستجابة) وتطرّقنا للإجابة عليه فيما مضى(١) .

ولمواساة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين ، وللتأكيد على أنّ النصر النهائي سيكون حليفهم ، وفي نفس الوقت لتهديد المشركين ، جاءت الآية التالية لتقول :( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ) .

نعم ، إنّه تهديد مفعم بالمعاني ورهيب في نفس الوقت ، ويمكن أن يكون مصدر اطمئنان للمؤمنين في أنّ النصر النهائي سيكون حليفهم ، خاصّة أنّ عبارة( حَتَّى حِينٍ ) جاءت بصورة غامضة.

فإلى أي مدّة تشير هذه العبارة؟ إلى زمان الهجرة؟ أم إلى حين معركة بدر؟ أم حتّى فتح مكّة؟ أم أنّها تشير إلى الزمان الذي تتوفّر فيه شروط الانتفاضة النهائية والواسعة للمسلمين ضدّ الطغاة والمتجبّرين؟

بالضبط لا أحد يدري

وآيات اخرى وردت في القرآن الكريم تحمل نفس المعنى ، كالآية (٨١) من سورة النساء التي تقول :( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ) ، والآية (٩١) من سورة الأنعام ، قوله تعالى :( قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ) .

__________________

(١) راجع ذيل الآية (١٨٦) من سورة البقرة.

٤٢٩

ويؤكّد القرآن الكريم التهديد الأوّل بتهديد آخر جاء في الآية التي تلتها ، إذ تقول : انظر إلى لجاجتهم وكذبهم واعتقادهم بالخرافات ، إضافة إلى حمقهم.

فإنّهم سيرون جزاء أعمالهم القبيحة عن قريب( وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ) وسوف ترى في القريب العاجل انتصارك وانتصار المؤمنين وانكسار وهزيمة المشركين المذلّة في الدنيا.

وعن تكرار أولئك الحمقى لهذا السؤال على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أين العذاب الإلهي الذي واعدتنا به؟ وإن كنت صادقا ، فلم هذا التأخير؟

يردّ القرآن الكريم عليهم بلهجة شديدة مرافقة بالتهديد ، قائلا : أولئك الذين يستعجلون العذاب وأحيانا يتساءلون (متى هذا الوعد) وأحيانا اخرى يقولون متسائلين (متى هذا الفتح)( أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ ) ؟

فعند ما ينزل عذابنا عليهم ، ونحيل صباحهم إلى ظلام حالك ، فإنّهم في ذلك الوقت سيفهمون كم كان صباح المنذرين سيّئا وخطيرا( فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ ) (١) .

استخدام عبارة (ساحة) والتي تعني فناء البيت أو الفضاء الموجود في وسط البيت ، جاء ليجسّم لهم نزول العذاب في وسط حياتهم ، وكيف أنّ حياتهم الطبيعيّة ستتحوّل إلى حياة موحشة ومضطربة.

عبارة( صَباحُ الْمُنْذَرِينَ ) تشير إلى أنّ العذاب الإلهي سينزل صباحا على هؤلاء القوم اللجوجين والمتجبّرين ، كما نزل صباحا على الأقوام السابقة ، أو أنّها تعطي هذا المعنى ، وهو أنّ كلّ الناس ينتظرون أن يبدأ صباحهم بالخير والإحسان ، إلّا أنّ هؤلاء ينتظرهم صباح حالك الظلمة. أو أنّها تعني وقت الاستيقاظ في الصباح ، أي إنّهم يستيقظون في وقت لم يبق لهم فيه أي طريق للنجاة من العذاب ، وأنّ كلّ شيء قد انتهى.

* * *

__________________

(١) في الكلام حذف تقديره (فساء الصباح صباح المنذرين).

٤٣٠

الآيات

( وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٨) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٩) سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٢) )

التّفسير

تولّ عنهم!

كما قلنا ، فإنّ الآيات الأخيرة النازلة في هذه السورة جاءت لمواساة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين الحقيقيين ، ولتهديد الكافرين اللجوجين.

الآيتان الأوّليان في بحثنا هذا ، تشبهان الآيات التي وردت في البحث السابق ، وتكرارها هنا إنّما جاء للتأكيد ، إذ تقول بلغة شديدة مرفقة بالتهديد : تولّ عنهم واتركهم في شأنهم لمدّة معيّنة( وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ) .

وانظر إلى لجاجة أولئك الكافرين وكذبهم وممارساتهم العدائية ونكرانهم لوجود الله ، الذين سينالون جزاء أعمالهم عمّا قريب( وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ) .

لتكرار ـ كما قلنا ـ جاء للتأكيد ، وذلك ليدرك أولئك الكافرون أنّ جزاءهم وهزيمتهم وخيبتهم أمر قطعي لا بدّ منه وسيكون ذلك عمّا قريب ، وسيبتلون

٤٣١

بالنتائج المريرة لأعمالهم ، كما أنّ انتصار المؤمنين هو أمر قطعي ومسلّم به أيضا.

أو أنّه هدّدهم في المرّة الاولى بالعذاب الدنيوي ، وفي المرّة الثانية بجزاء وعقاب الله لهم يوم القيامة.

ثمّ تختتم السورة بثلاثة آيات ذات عمق في المعنى بشأن (الله) و (الرسل) و (العالمين) ، إذ تنزّه الله ربّ العزّة والقدرة من الأوصاف التي يصفه بها المشركون والجاهلون( سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ) .

فأحيانا يصفون الملائكة بأنّها بنات الله ، وأحيانا يقولون بوجود نسبة بين الله والجنّ ، وأحيانا اخرى يجعلون مصنوعات لا قيمة لها من الحجر والخشب بمرتبة الباريعزوجل .

ومجيء كلمة (العزّة) ـ أي ذو القدرة المطلقة والذي لا يمكن التغلّب عليه ـ هنا تعطي معنى بطلان وعدم فائدة كلّ تلك المعبودات المزيّفة والخرافية التي يعبدها المشركون.

فآيات سورة الصافات تحدّثت أحيانا عن تسبيح وتنزيه( عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ ) وأحيانا عن تسبيح الملائكة ، وهنا تتحدّث عن تسبيح وتنزيه الباريعزوجل لذاته المقدّسة.

وفي الآية الثانية شمل الباريعزوجل كافّة أنبيائه بلطفه غير المحدود ، وقال :( وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ) . السلام الذي يوضّح السلامة والعافية من كلّ أنواع العذاب والعقاب في يوم القيامة ، السلام الذي هو صمّام الأمان أمام الهزائم ودليل للانتصار على الأعداء.

وممّا يذكر أنّ الله سبحانه وتعالى أرسل في آيات هذه السورة سلاما إلى كثير من أنبيائه وبصورة منفصلة ، قال تعالى في الآية (٧٩)( سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ ) ، وفي الآية (١٠٩)( سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ ) ، وفي الآية( سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ ) ، وفي الآية (١٣٠)( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ) .

٤٣٢

وقد جمعها هنا في سلام واحد موجّه لكلّ المرسلين ، قال تعالى :( وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ) .

وأخيرا اختتمت السورة بآية تحمد الله( وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) .

الآيات الثلاث الأخيرة يمكن أن تكون إشارة واستعراضا مختصرا لكلّ القضايا والأمور الموجودة في هذه السورة ، لأنّ الجزء الأكبر منها كان بشأن التوحيد والجهاد ضدّ مختلف أنواع الشرك ، فالآية الاولى تعيد ما جاء بشأن تسبيح وتنزيه اللهعزوجل عن الصفات التي وصف بها من قبل المشركين ، والقسم الآخر من السورة يبيّن جوانب من أوضاع سبع أنبياء كبار أشارت إليها هنا الآية الثانية.

والآية الثالثة استعرضت جزءا آخر من النعم الإلهية ، وبالخصوص أنواع النعم الموجودة في الجنّة ، وانتصار جند الله على جنود الكفر ، والحمد والثناء الذي جاء في الآية الأخيرة ، فيه إشارة لكلّ تلك الأمور.

المفسّرون الآخرون ذكروا تحليلات اخرى بخصوص الآيات الثلاث الواردة في آخر هذه السورة ، وقالوا : إنّ من أهمّ واجبات الإنسان العاقل معرفة أحوال ثلاثة :

الاولى : معرفة الله تعالى بالمقدار الممكن للبشر ، وآخر ما يستطيعه الإنسان في هذا المجال هو ثلاثة امور : تنزيهه وتقديسه عن كلّ ما لا يليق بصفات الالوهية ، والتي وضّحتها لفظة (سبحان).

ووصفه بكلّ ما يليق بصفات الالوهية والكمال ، وكلمة (ربّ) إشارة دالّة على حكمته ورحمته ومالكيّته لكلّ الأشياء وتربيته للموجودات.

وكونه منزّها في الالوهية عن الشريك والنظير ، والتي جاءت في عبارة( عَمَّا يَصِفُونَ ) .

والقضيّة الثانية المهمّة في حياة الإنسان هي تكميل الإنسان لنواقصه ، والذي

٤٣٣

لا يمكن أن يتمّ دون وجود الأنبياءعليهم‌السلام ، وجملة( سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ) إشارة إلى هذه القضيّة.

والقضيّة الثالثة المهمّة في حياة الإنسان هي أن يعرف أنّه كيف يكون حاله بعد الموت؟ والانتباه إلى نعم ربّ العالمين ومقام غناه ورحمته ولطفه يعطي للإنسان نوعا من الاطمئنان( وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) (١) .

* * *

ملاحظة

التفكّر في نهاية كلّ عمل :

جاء في روايات عديدة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام «من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى (من الأجر يوم القيامة) فليكن آخر كلامه في مجلسه : سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين»(٢) .

نعم ، فلنختتم مجالسنا بتنزيه ذات الله ، وإرسال السلام والتحيّات إلى رسله ، وحمد وشكر الله على نعمه ، كي تمحى الأعمال غير الصالحة أو الكلمات المحرّمة التي جاءت في ذلك المجلس.

وقد جاء في كتاب التوحيد للشيخ الصدوق ، أنّ أحد علماء الشام حضر عند الإمام الباقرعليه‌السلام ، فقال : جئت أسألك عن مسألة لم أجد أحدا يفسّرها لي ، وقد سألت ثلاثة أصناف من الناس ، فقال كلّ صنف غير ما قال الآخر.

فقال أبو جعفرعليه‌السلام : «وما ذلك»؟

فقال : أسألك ما أوّل ما خلق اللهعزوجل من خلقه؟ فإنّ بعض من سألته قال :

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ، المجلّد ٢٦ ، الصفحة ١٧٣.

(٢) مجمع البيان ، ذيل آيات البحث ، واصول الكافي ، ومن لا يحضره الفقيه نقلا عن تفسير نور الثقلين ، المجلّد ٤ ، الصفحة ٤٤٠.

٤٣٤

القدرة. وقال بعضهم : العلم. وقال بعضهم : الروح؟

فقال أبو جعفرعليه‌السلام : «ما قالوا شيئا ، أخبرك أنّ الله علا ذكره كان ولا شيء غيره ، وكان عزيزا ولا عزّ ، لأنّه كان قبل عزّه ، وذلك قوله تعالى :( سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (١) وكان خالقا ولا مخلوق» والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة (وهو إشارة إلى انّ ما قاله لك أولئك النفر لا يخلو من شرك وهو مشمول لهذه الآية ، فإنّ اللهعزوجل كان قادرا وعالما وعزيزا منذ الأزل).

نهاية سورة الصافات

* * *

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، المجلّد ٤ ، الصفحة ٤٤٠.

٤٣٥
٤٣٦

سورة

ص

مكيّة

وعدد آياتها ثمان وثمانون آية

٤٣٧
٤٣٨

سورة (ص)

محتويات السورة :

سورة (ص) يمكن اعتبارها مكمّلة لسورة الصافات ، فمجمل مواضيعها يشابه كثيرا ما ورد في سورة الصافات ، ولكون السورة مكيّة النّزول فإن خصائصها كخصائص بقيّة السور المكيّة التي تبحث في مجال البدء والمعاد ورسالة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما أنّها تحتوي على مواضيع حسّاسة اخرى ، وفي المجموع بمثابة الدواء الشافي لكلّ الباحثين عن طريق الحقّ.

ويمكن تلخيص محتويات هذه الآية في خمس أقسام :

الأوّل : يتحدّث عن مسألة التوحيد والجهاد ضدّ الشرك والمشركين ، ومهمّة نبوّة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعناد ولجاجة الأعداء تجاه الأمرين المذكورين أعلاه.

الثاني : يعكس جوانب من تأريخ تسع من أنبياء الله ومن بينهم (داود) و (سليمان) و (أيّوب) حيث تتحدّث عنهم السورة أكثر من غيرهم ، ويعكس ـ أيضا ـ المشكلات التي عانوا منها في حياتهم وخلال دعوتهم الناس إلى الله. وذلك لكي تكون درسا مفيدا يتّعظ منه المؤمنون الأوائل الذين كانوا في ذاك الوقت يرزحون تحت أشدّ الضغوط من قبل المشركين.

الثالث : يتطرّق إلى مصير الكفرة الطغاة يوم القيامة ومجادلة بعضهم البعض في جهنّم ، ويبيّن للمشركين وللذين لا يؤمنون بالله إلى أين ستؤدّي بهم أعمالهم.

الرابع : يتناول مسألة خلق الإنسان وعلوّ مقامه وسجود الملائكة له ، ويكشف

٤٣٩

عن الفاصل الكبير الموجود بين سمو الإنسان وانحطاطه ، كي يفهم هؤلاء المعاندون قيمة وجودهم ، وأن يعيدوا النظر في نظمهم المنحرفة ليخرجوا من زمرة الشياطين.

القسم الخامس والأخير : يتوعّد الأعداء المغرورين بالعذاب ، ويواسي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويبيّن هذه الحقيقة ، وهي أنّ النّبي لا يريد جزاء من أحد مقابل دعوته ، ولا يريد الشقاء والأذى لأحد.

فضيلة تلاوة سورة (ص)

ورد في أحد الروايات عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «من قرأ سورة (ص) اعطي من الأجر بوزن كلّ جبل سخّره الله لداود حسنات عصمه الله أن يصرّ على ذنب صغيرا أو كبيرا»(١) .

كما ورد في حديث آخر عن الإمام الباقرعليه‌السلام «من قرأ سورة (ص) في ليلة الجمعة اعطي من خير الدنيا والآخرة ما لم يعط أحد من الناس إلّا نبي مرسل أو ملك مقرّب ، وأدخله الله الجنّة وكلّ من أحبّ من أهل بيته حتّى خادمه الذي يخدمه»(٢)

فإذا وضعنا محتوى هذه السورة إلى جانب فضلها وثوابها ، يتّضح لنا الارتباط والعلاقة الموجودة بين أجرها وثوابها مع محتواها ، ونؤكّد مرّة اخرى على هذه الحقيقة ، وهي أنّ المراد من التلاوة هنا ليست تلك التلاوة الجافّة والخالية من الروح ، وإنّما التلاوة التي ترافق التفكير العميق والتصميم الجدّي ، الذين يدفعان الإنسان إلى العمل بما جاء في هذه السورة المباركة.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان بدء سورة (ص) ، المجلّد ٨ ، الصفحة ٤٦٣.

(٢) نفس المصدر.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619