النور المبين في شرح زيارة الأربعين

النور المبين في شرح زيارة الأربعين0%

النور المبين في شرح زيارة الأربعين مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-8956-16-2
الصفحات: 246

النور المبين في شرح زيارة الأربعين

مؤلف: مهدي تاج الدين
الناشر: دار الأنصار
تصنيف:

ISBN: 964-8956-16-2
الصفحات: 246
المشاهدات: 25461
تحميل: 4183

توضيحات:

النور المبين في شرح زيارة الأربعين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 246 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25461 / تحميل: 4183
الحجم الحجم الحجم
النور المبين في شرح زيارة الأربعين

النور المبين في شرح زيارة الأربعين

مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
ISBN: 964-8956-16-2
العربية

وَباعَ حَظَّهُ بِالْأَرْذَلِ الْأَدْنىٰ

الحظ : النّصيب من الفضل والخير ، قال تعالى :( إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) أي : نصيب واف ، وفي الحديث : من أراد بالعلم الدنيا فهو حظّه ، أي نصيبه وليس له حظ في الآخرة

والأرذل : الأخس والأحقر والناقص ، قال تعالى :( أَرْذَلِ الْعُمُرِ ) ، فعن عليّعليه‌السلام : هو خمس وسبعون سنة ، وفي بعض الأخبار ، المائة من العمر ، والرذيلة ضدّ الفضيلة

الأدنى : نفس الأرذل ، أي : الأخس وأقل قيمة ، ويقال : وأدنى ، إذا عاش عيشاً ضيقاً بعد سعة ، وقال تعالى :( أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ ) أي الّذي هو أخس

فبقتلهم سيّد شباب الجنّة الحسين بن عليعليه‌السلام حجّة الله على الخلق ، فقد باعوا آخرتهم الّتي هي دار الخلود ، والبقاء مقابل دنيا زائلة فانية والتي عبر عنها الإمام الصادقعليه‌السلام في الزيارة « بِالْأَرْذَلِ الْأَدْنىٰ » فإنهم لم يخسروا الآخرة فحسب بل خسروا حتى الدنيا بقتلهم أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام وأهل بيته( أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ )

فأمّا الخسران في الدنيا فإنهم لم يصلوا إلى أهدافهم الدنيوية من قتلهم سيد الشهداءعليه‌السلام ، فذاك عمر بن سعد عليه اللعنة الذي كان هدفه من قتل الإمامعليه‌السلام أن يصل إلى ملك الرّي وجرجان كما قال في أبيات له لمّا أمره إبن زياد أن يخرج لقتال الحسينعليه‌السلام قال :

فوالله ما أدري وإنّي لحائر

أُفكّر في أمري على خطرين

أأترك ملك الرّي والرّي منيتي

أم أصبح مأثوماً بقتل حسين

١٤١

حسين بن عمّي والحوادث جمّة

لعمري ولي في الرّي قرّة عين

وإنّ إله العرش يغفر زلّتي

ولو كنت فيها أظلم الثّقلين

ألا إنّما الدنيا لخير معجّل

وما عاقل باع الوجود بدين

يقولون إنّ الله خالق جنّة

ونار وتعذيب وغلّ يدين

فإن صدقوا فيما يقولون

إنّني أتوب إلى الرّحمن من سَنتين

وإن كذبوا فُزنا بدنيا عظمة

وملك عقيم دائم الحجلين

وإذا بنداء من السّماء قد أجابه بحيث يسمع الصّوت ولا يُرى :

ألا أيها النّغل الذي خاب سعيه

وراح من الدنيا ببخسة عين

ستصلي جحيماً ليس يطفى لهيبها

وسعيك من دون الرّجال بشين

إذا كنت قاتلت الحسين ابن فاطم

وأنت تراه أفضل الثقلين

فلا تحسبنّ الرّي يا أخسر الورى

تفوز به من بعد قتل الحسين(١)

مع ما أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام نصحه وبيّن له أنّه لا يصل إلى مراده وهدفه بل وبيّن له مصرعه على فراشه ، وإنّه لا يتهنّأ بدنيا ولا آخرة ، كما مرّ الإشارة إليه في فقرة « ومنح النّصح » من الزيارة ، راجع الصفحة

هذا نموذج واحد ممّن قاتل الإمام الحسينعليه‌السلام ، وخسارته في الدّنيا قبل الآخرة ، فإنّ جميع من حضر قتال الإمام الحسينعليه‌السلام لم يتهنّأ في الدُّنيا ولا في الآخرة ، راجع ما صنع المختار ابن أبي عبيدة الثقفي بهم ، وراجع جزاء قتلة الإمام الحسينعليه‌السلام ، هذا في الدنيا ، وأمّا في الآخرة والبرزخ فهم في جهنّم وبئس المصير

__________________

(١) ناسخ التواريخ ، في حياة الإمام الحسينعليه‌السلام ، ٢ : ١٧٩

١٤٢

ففي الحديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال : « يبعث الله يوم القيامة قوماً بين أيديهم نور كالقباطي ثمّ يقال له : كن هباءً منثوراً ، ثم قال : اما والله إنّهم كانوا يصومون ويصلّون ولكنّما كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام أخذوه ، وإذا ذكر لهم شيء من فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام أنكروه »(١)

وعن ثواب الأعمال(٢) باسناده عن جعفر بن محمد عن آبائهعليهم‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ الجنّة تشتاق لأحباء عليعليه‌السلام يشتد ضوؤها لأحبّاء علي وهم في الدنيا قبل أن يدخلوها ، وإنّ النّار لتغيظ ويشتدّ زفيرها على أعداء عليعليه‌السلام وهم في الدنيا قبل أن يدخلوها »

__________________

(١) الأنوار الساطة ٤ : ٢١٢

(٢) ثواب الأعمال : ٢٤٧

١٤٣

وَشَرىٰ آخِرَتَهُ بِالثَّمَنِ الْأَوْكَسِ

شَرَىٰ : أي باع ومنه قوله تعالى :( وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ ) أي باعوه

وقال تعالى :( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ ) أي يبيعها وتأتي بمعنى بدّل ، كما قال تعالى :( اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ ) (١) أي بدلوا

الآخرة : خلاف الدنيا ، دار البقاء ، منها قوله تعالى :( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ ) أي قيام الساعة

وفي الحديث عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : من حرص على الآخرة ملك ومَن حرص على الدنيا هلك

بالثمن : ما تستحق به الشيء ، وثمن كل شيء قيمته

الأوكس : النقص واتضاع الثمن في البيع ويقال وُكس فلان ( على ما لم يسمى فاعله ) في تجارته أي خسر ، وفي الحديث بيع الربا وشراؤه وكس أي نقص

فالإمام الصادقعليه‌السلام يريد أن يقول في هذه الزيارة ان الذين حضروا كربلاء وتوازروا على قتل الإمام الحسينعليه‌السلام بما غرتهم هذه الدنيا وباعوا حظهم ونصيبهم من الخير مقابل دنيا زائلة وبثمن اوكس قليل ، وباعوا آخرتهم وسعادتهم بلا مقابل ، كل ذلك لانهم عبيد الدنيا وعبيد شهواتهم واهوائهم كما قال الإمام الحسينعليه‌السلام في حقهم : « الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم » ، نعم باعوا آخرتهم بثمن قليل ، قال الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام : من ابتاع آخرته بدنياه ربحهما ، ومن باع آخرته بدنياه خسرهما ، وقال : مَن عمّر دنياه خرّب ماله من عمّر آخرته بلغ آماله

__________________

(١) مجمع البحرين ، مادة ( شري )

١٤٤

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عجباً كل العجب للمصدق بدار الحيوان وهو يسعى لدار الغرور ، فكل الذين حضروا في يوم الطف لقتال الإمام الحسينعليه‌السلام قد خسروا الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ، ألا لعنة الله على قتلة الإمام الحسينعليه‌السلام وعلى القوم الظالمين وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين

١٤٥

وَتَغَطْرَسَ وَتَرَدّىٰ في هَواهُ

غطرس : الاعجاب بالنفس والتطاول على الاقران وقيل هو الظلم والتكبر

تردى : الهلاك ، يقال : سقط على رأسه في قولهم : تردىٰ من رأس الجبل إذا سقط ، ويقال : تردى إذا مات فسقط في قبره ، وقيل : تردى سقط في جهنم ، قال تعالى :( وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ ) ، إذا مات وقيل إذا تردى في النار وقوله تعالى :( وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ ) وهي التي تقع من جبل أو تطيح في بئر أو تسقط من موضع مشرف فتموت ومنه الآية :( وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ )

الهوى : هوى النفس ارادتها وما تحبه وتميل إليه ومنه قوله تعالى :( وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ )

ان من اخطر الأمراض الخلقيّة وأشدها فتكاً بالانسان ، وادعاها إلى مقت الناس له وازدرائهم به ونفرتهم منه ، هو التغطرس والاعجاب بالنفس والتطاول على الاقران والتكبر بالقول أو بالفعل ، وهذه الصفة تجسدت في الذين حاربوا الإمام الحسينعليه‌السلام ، والذين حضروا كربلاء لقتال الإمام الحسينعليه‌السلام ، فكانت نتيجة هذه الأمراض الخلقية وانعكاساتها وطغيانها ان يقتلوا ولي الله وحجته على أرضه من دون أن يتحرك لهم ساكن ، بل أكثر من ذلك أن يأخذوا بنات الوحي أسرى من بلد إلى بلد يتصفح وجوههن القريب والبعيد والدني والشريف ليس معهن من حماتهنّ حمى ولا من رجالهن ولي ، ولذلك نجد أئمة أهل البيتعليهم‌السلام أكّدوا على مذمة هذه الأمراض النفسية والاخلاقية واتباع هوى النفس في كثير من الروايات منها :

عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : « إنما أخاف عليكم اثنتين اتباع الهوى وطول الأمل ، إما اتباع الهوى فإنه يصدّ عن الحق وإمّا طول الأمل فينسي الآخرة »(١)

__________________

(١) اُصول الكافي ٢ : ٢٥٢ ، باب اتباع الهوى

١٤٦

وعن الإمام الصادقعليه‌السلام : « احذروا اهوائكم كما تحذرون اعدائكم فليس شيء أعدى للرجال من اتباع أهوائهم وحصائد السنتهم »(١)

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يقول الله عزّ وجل : « وعزّتي وجلالي وعظمتي وكبريائي ونوري وعلوي وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواه على هواي إلّا شتت عليه أمره ولبست عليه دنياه وشغلت قلبه بها ولم أُوته منها إلّا ما قدّرت له ، وعزّتي وجلالي وعظمتي ونوري وعلوّي وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواي على هواه إلّا استحفظته ملائكتي وكفّلت السماوات والأرضين رزقه وكنت له من وراء تجارة كل تاجر واتته الدنيا وهي راغمه »(٢)

__________________

(١) و (٢) نفس المصدر

١٤٧

وَاَسْخَطَكَ وَاَسْخَطَ نَبِيَّكَ

اسخط : اغضب خلاف الرضا ، وإذا أسند إلى الله تعالى يراد منه ما يوجب السخط من العقوبة

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : سمي به لأنه انبأ من الله تعالى أي أخبر فالنبي : هو الإنسان المخبر عن الله تعالى بغير واسطة بشر أعم من أن يكون له شريعة كمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أو ليس له شريعة كيحيىعليه‌السلام ثمّ الفرق بينه وبين الرسول ، أن الرسول هو المخبر عن الله بغير واسطة أحد من البشر وله شريعة مبتدئة كآدمعليه‌السلام أو ناسخة كمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ ان النبي هو الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يعان الملك والرسول هو الذي يسمع الصوت ويرى في المنام ويعاين ، وأن الرسول قد يكون من الملائكة بخلاف النبي ، وعددهم مئة وعشرون ألفاً والمرسلون ثلاثمائة وثلاثة عشر(١)

وعن الصادقعليه‌السلام : « الأنبياء والمرسلون على أربع طبقات : فنبي منبأ في نفسه ولا يعدوا غيرها ، ونبي يرى في النوم ويسمع الصوت ولا يعاين في اليقظة ولم يبعث إلى أحد ، وعليه إمام مثل ما كان إبراهيمعليه‌السلام على لوط ، ونبي يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاني الملك ، وقد أرسل إلى طائفه قلوا أو كثروا كيونسعليه‌السلام ، قال الله تعالى ليونسعليه‌السلام :( وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ) قال يزيدون ثلاثين ألفاً وعليه إمام ، والذي يرى في نومه ويسمع الصوت ويعاين في اليقظة وهو إمام مثل أُولي العزم »

وعن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : « إن الله اتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبياً ، وان الله اتخذه نبياً قبل أن يتخذه رسولاً ، وإن الله اتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً ، وإن الله اتخذه خليلاً قبل أن يجعله إماماً ، فلما جمع له الأشياء قال :
__________________

(١) مجمع البحرين ، مادة ( نبأ )

١٤٨

( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) فمن عظمها في عين إبراهيم :( قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِي ) قال لا يكون السفيه إمام التقي

وفي حديث آخر من عبد صنماً أو وثناً لا يكون إماماً »

وعلى أي حال فالذي حضروا كربلاء قد اسخطوا الله تعالى واسخطوا نبيه ، ومن يسخط الله فجزاءه جهنم وساءت مصيرا ، ومن يسخط النبي بقتل فلذة كبده الحسينعليه‌السلام لا ينالون شفاعته يوم القيامة ، كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا أنالهم الله شفاعتي »

ففي تفسير البرهان في ذيل قوله تعالى :( وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ ) باسناده عن أبي عبد الله عن أبيه عن جدهعليه‌السلام قال : « للنار سبع أبواب باب يدخل منه فرعون وهامان وقارون ، وباب يدخل منه المشركون والكفار ممن لم يؤمن بالله طرفة عين ، وباب يدخل منه بنو اُمية هو لهم خاصة لا يزاحمهم فيه أحد وهو باب لظى وهو باب سقر وهو باب الهاوية تهوي بهم سبعين خريفاً فكلما فارت بهم فورة قذف بهم في أعلاها سبعين خريفاً فلا يزالون هكذا أبداً مخلدين ، وباب يدخل منه مبغضونا ومحاربونا وخاذلونا وإنه لأعظم الأبواب وأشدها حرّا »

١٤٩

وَاَطاعَ مِنْ عِبادِكَ

أطاع : في التهذيب : وقد طاع له يطوع إذا انقاد له ، بغير ألف ، فإذا مضى لامره فقد اطاعه ، فإذا وافقه فقد طاوعه ، ولكن قال ابن السكيت لا فرق بين أطاع وطاع أي انقاد له ، فالطاعة الانقياد وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام : خلق الخلق حين خلقهم غنياً عن طاعتهم آمناً من معصيتهم لأنه لا تضرّه معصية من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه وقالعليه‌السلام : الطاعة تطفي غضب الرب ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنه لا يدرك ما عند الله إلّا بطاعته ، قال عليعليه‌السلام : أفضل الطاعات العزوف عن اللذات ، وفي حديث آخر : هجر اللذات ، وقالعليه‌السلام : أطع من فوقك يطيعك من دونك ، وقالعليه‌السلام : من احتاج إليك كانت طاعته لك بقدر حاجته إليك

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من ارضى سلطاناً بما يسخط الله خرج عن دين الله عزّ وجل ، وقال عليعليه‌السلام : لا دين لمن دان بطاعة المخلوق ومعصية الخالق

عبادك : العبادة لغة هي غاية الخضوع والتذلل ، ولذلك لا تحسن إلّا لله تعالى الذي هو مولى أعظم النعم فهو حقيق بغاية الشكر ، قوله تعالى :( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) أي نخصك بالعبادة وهي ضرب من الشكر وغاية فيه ، وهي أقصى غاية الخضوع

والعبادة بحسب الاصطلاح : هي المواظبة على فعل المأمور به والفاعل عابد ثم استعمل العابد فيمن اتخذ الهاً غير الله ، فقيل عابد الوثني وعابد الشمس والتعبد التنسك(١)

قال المحقق الطوسي في الأخلاق الناصرية : قال الحكماء عبادة الله ثلاثة أنواع :

الأول : ما يجب على الأبدان كالصلاة والصيام والسعي في المواقف الشريفة لمناجاته

__________________

(١) ميزان الحكمة : ج ٦ ، باب الطاعة

١٥٠

الثاني : ما يجب على النفوس كالاعتقادات الصحيحة من العلم بتوحيد الله وما يستحقه من الثناء والتمجيد والفكر فيما افاضه الله تعالى على العالم من وجوده وحكمته ثم الاتساع في هذه المعارف

الثالث : ما يجب عند مشاركات الناس في المدن ، وهي في المعاملات والمزارعات والمناكح وتأدية الامانات ونصح البعض للبعض بضروب المعاونات وجهاد الأعداء والذب عن الحريم وحماية الحوزة

وحقيقة العبودية كما في حديثٍ عنوان لثلاث أشياء : ان لا يرى العبد لنفسه فيما خوله الله ملكاً ، لأن العبيد لا يكون لهم ملك بل يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرهم الله ، ولا يدبر العبد لنفسه تدبيراً ، وجملة اشتغاله فيما أمره الله تعالى ونهاه عنه ، فإذا لم يرى العبد فيما خوله الله ملكاً هان على الانفاق ، وإذا فوض العبد تدبير نفسه إلى مدبرها هانت عليه مصائب الدنيا ، وإذا اشتغل العبد فيما أمره الله تعالى ونهاه لا يتفرغ منها إلى المراء أو المباهات مع الناس ، فإذا كرم الله العبد بهذه الثلاثة هانت عليه الدنيا والمسيس والخلق ، ولا يطلب الدنيا تفاخراً وتكاثراً ولا يطلب عند الناس عزاً وعلوّاً ولا يدع أيامه باطلة(١)

__________________

(١) مجمع البحرين مادة ( عبد )

١٥١

اَهْلَ الشِّقاقِ وَالنِّفاقِ

أهل : أهل الرجل : آله وهم أشياعه وأتباعه وأهل ملّته ، وأهل الإسلام من يدين به

الشّقاق : العداوة بين فريقين والخلاف بين اثنين ، سمي ذلك شقاقاً لأن كل فريق من فرقتي العدو قصد شقاً أي ناحية غير شقّ صاحبه

النفاق : الخلاف والكفر والمنافق : هو الذي يخفي الكفر ويظهر غيره ، مأخوذة من النفق وهو السرب في الأرض أي يستتر بالاسلام كما يستتر في السرب(١)

وفي الحديث المنافق الذي يظهر الإيمان ويتصنع بالإسلام

وقد اهتم القرآن بأمر المنافقين اهتماماً بالغاً ويكرّ عليهم كرّة عنيفة بذكر مساوي أخلاقهم

فالذين حضروا كربلاء وحاربوا الإمام الحسينعليه‌السلام قد حملوا هذه الصفات الرذيلة من الشقاق والنفاق والتي ورثوها من آبائهم وأجدادهم ضد أهل البيتعليهم‌السلام ، وكما قالوا للإمام الحسينعليه‌السلام نقاتلك بغضاً منّا لأبيك وما صنع بأشياخنا يوم بدر وحنين ، وهذا الكلام يدل على عدم إيمانهم بالله وبالرسول وبالآخرة لأنهم قدموا لأخذ ثارات بدر وحنين أي ثارات أهل الكفر والشرك

وقد أشار إلى هذا النفاق والكفر ـ بما جاء به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يزيد بن معاوية حيث قال ابياته المعروفة في قصره :

ليت أشياخي ببدر شهد

جزع الخزرج من وقع الأسل

لا هلوا واستهلوا فرحا

ثم قالوا يا يزيد لا تشل

__________________

(١) لسان العرب ، مادة ( شقق )

١٥٢

إلى أن قال البيت الذي أعلى بها عن كفره :

لعبت هاشم بالملك فلا

خبرٌ جاء ولا وحي نزل

ولذلك اهتم القرآن من الابتعاد عن هذه الصفات الرذيلة وبالأخص صفة النفاق

كلمة حول النفاق والمنافقين :

اهتم القرآن بأمر المنافقين اهتماماً بالغاً ، ويكرّ عليهم كرّة عنيفة بذكر مساوي أخلاقهم وأكاذيبهم وخدائعهم ودسائسهم والفتن التي أقاموها على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى المسلمين ، وقد تكرّر ذكرهم في السور القرآنية كسورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنفال والتوبة والعنكبوت والأحزاب والفتح والحديد والحشر والمنافقون والتحريم

وقد أوعدهم الله في كلامه أشدّ الوعيد ؛ ففي الدنيا بالطبع على قلوبهم ، وجعل الغشاوة على سمعهم وعلى أبصارهم ، وإذهاب نورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ، وفي الآخرة بجعلهم في الدرك الأسفل من النار

وليس ذلك إلّا لشدّة المصائب التي أصابت الإسلام والمسلمين من كيدهم ومكرهم أنواع دسائسهم ، فلم ينل المشركون واليهود والنصارى من دين الله ما نالوه ، وناهيك فيهم قوله تعالى لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يشير إليهم :( هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ) (١)

وقد ظهر آثار دسائسهم ومكائدهم أوائل ما هاجر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة ، فورد ذكرهم في سورة البقرة وقد نزلت ـ على ما قيل ـ على رأس ستّة أشهر من الهجرة ، ثمّ في السور الأُخرى النازلة بعد بالإشارة إلى أُمور من دسائسهم
__________________

(١) سورة المنافقون : ٤

١٥٣

وفنون من مكائدهم ، كانسلالهم من الجند الإسلاميّ يوم اُحد وهم ثلثهم تقريباً ، وعقدهم الحلف مع اليهود ، واستنهاضهم على المسلمين ، وبنائهم مسجد الضّرار ، وإشاعتهم حديث الإفك ، وإثارتهم الفتنة في قصّة السّقاية وقصّة العقبة ، إلى غير ذلك ممّا تشير إليه الآيات ؛ حتّى بلغ أمرهم في الإفساد وتقليب الاُمور على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى حيث هدّدهم الله بمثل قوله :( لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا ) (١)

وقد استفاضت الأخبار وتكاثرت في أنّ عبد الله بن اُبيّ بن سلول وأصحابه من المنافقين ، وهم الذين كانوا يقلّبون الاُمور على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ويتربّصون به الدوائر ، وكانوا معروفين عند المؤمنين يقربون من ثلث القوم ، وهم الذين خذلوا المؤمنين يوم اُحد فانمازوا منهم ورجعوا إلى المدينة قائلين : لو نعلم قتالاً لاتّبعناكم ! وهم عبد الله بن اُبيّ وأصحابه وهم الذين انقلبوا على أعقابهم بعد شهادة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وغصبوا حق أمير المؤمنينعليه‌السلام من الخلافة وقتلوا الزهراءعليها‌السلام وتألبوا على الإمام الحسنعليه‌السلام وأخيراً اجتمعوا على فلذة كبد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيد شباب الجنة وارتكبوا تلك الجريمة النكراء التي ليس لها مثيل في العالم الإسلامي ، ثم استمروا بقتل ذرية رسول الله وأئمة الهدى واحداً تلو الآخر إلى أن غيب الله الإمام الحجةعليه‌السلام حتى يظهر ويأخذ بثارهم إنشاء الله تعالى

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٦٠ ـ ٦١

١٥٤

وَحَمَلَةَ الْأَوْزارِ

الوزر : الحمل الثقيل ويطلق على الذنب لثقله والجمع أوزار

فبقتلهم سيد شباب الجنة حملوا الذنب الثقيل في الدنيا والآخرة ، فإما في الآخرة فقد استوجبوا النار كما في الزيارة « وَحَمَلَةَ الْأَوْزارِ الْمُسْتَوْجِبينَ النّارَ » وأما في الدنيا فكما ورد في كتاب كامل الزيارات : ان كل من شارك في قتل الإمام الحسينعليه‌السلام ابتلي باحد الأمراض الثلاثة : الجنون والجذام والبرص

وتقول الرواية أيضاً بأن هذه الأمراض قد انتقلت إلى ذراريهم من بعدهم رغم أنهم لا علاقة لهم بجريرة آبائهم ، إلّا أن هذا هو الذي حصل بالفعل وكان ذلك من عواقب قتل الإمام الحسينعليه‌السلام فكما السكّير تمتد آثار عمله إلى نسله فكذلك الحال مع الظالم وهذه مسألة تكوينية

وقد ورد أيضاً في كامل الزيارات : أن قتلة الإمام الحسينعليه‌السلام قد قُتلوا جميعاً ولم يمت أي منهم ميتة طبيعية في هذا السياق يقول الإمام محمد الباقرعليه‌السلام : والله لقد قُتل قتلة الحسينعليه‌السلام ولم يطلب بدمه بعد والله لم يرضى بعد ، لأن للإمام الحسينعليه‌السلام مكانة في أعالي الذرى والانتقام الذي حل بهم ـ وهو القتل ـ ليس كافياً ألبته

وقد ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام مخاطباً جده الإمام الحسينعليه‌السلام : أشهد أنك ثار الله في أرضه حتى يستثير لك من جميع خلقه ، فإن الله تعالى استغاث واستنهض بجميع الخلائق والكائنات للقيام بثأر الحسينعليه‌السلام ثم ضمّن جميع بقاع الأرض وجميع بني البشر ضمنهم دم الحسين أي جعل دم الحسين ضماناً في ذمتهم

١٥٥

فالمستغيث لثأر الحسين هو الله تعالى بنفسه ، فالله تعالى بذاته يطلب العون للأخذ بثأر الحسين ، والمستغاث فيها جميع الخلق أي جميع المخلوقات ابتداءاً من اللوح والقلم والعرش والكرسي والسماوات والأرضين والاجرام وكل ما يرى وما لا يرى ، وتستمر الاستغاثة إلى آخر مخلوق وحتى آخر لحظة من حياة العالم أشهد أنك ثار الله حتى يستثير لك من جميع خلقه

١٥٦

الْمُسْتَوْجِبينَ النّارَ

استوجب : استحق : اوجب الرجل إذا عمل عملاً يستحق الجنة أو النار والموجبة : الكبير من الذنوب ومنه الحديث : ولا تكتب عليه السيئات إلّا أن يأتي بموجبه

النار : السّمَةُ

فإن كل من خرج لحرب الإمام الحسينعليه‌السلام استوجب النار بل استوجب نار الدنيا قبل نار الآخرة ، والأكثر من ذلك هو أن كل من حضر كربلاء حتى ولم يقاتل عاقبه الله تعالى في الدنيا قبل يوم الآخرة

قال الزهري : ما بقي منهم أحد إلّا وعوقب في الدنيا إما بالقتل أو العمى أو سواد الوجه ، أو زوال الملك في مدّة يسيرة(١)

فقد روى الصدوق في عقاب الأعمال بإسناده إلى يعقوب بن سليمان قال : سهرت أنا ونفر ذات ليلة ، فتذاكرنا قتل الحسينعليه‌السلام فقال رجل من القوم : ما تلبّس أحد بقتله إلّا أصابه بلاء في أهله وماله ونفسه

فقال شيخ من القوم ـ فهو والله ممَن شهد قتله وأعان عليه فما أصابه إلى الآن أمر يكرهه فمقته القوم ـ أنا ممن حضر كربلاء وما أصابني شيء ، قال : فتغير السراج ، وكان دهنه نفطاً فقام إليه ليصلحه فأخذت النار باصبعه فنفخها ، فأخذت بلحيته ، فخرج يبادر إلى الماء فالقى نفسه في النهر وجعلت النار ترفرف على رأسه فإذا أخرجه احرقته حتى مات لعنه الله(٢)

__________________

(١) كشف الغمة

(٢) عقاب الأعمال

١٥٧

وقال ابن شهر آشوب ان المختار حرق بالنار كل من سلب الحسين وغيرهم ، فالذي سلب عمامة الحسينعليه‌السلام جابر بن يزيد الأزدي ، وقميصه اسحاق بن حويه ، وثوبه جعونه بن حويه ، وقطيفته من خزّ قيس بن الأشعث الكندي والقوس والحلل الرحيل بن خيثمة الجعفي ، وغيره ونعليه الأسود الأوسي ، وسيفه رجل من بني نهشل من بني دارم ، فاحرقهم المختار بنار الدنيا قبل نار الآخرة(١)

وروى كان الإمام الحسينعليه‌السلام جالساً في مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فسمع رجلاً يحدث أصحابه ويرفع صوته ليسمع الحسينعليه‌السلام وهو يقول : إنا شاركنا آل أبي طالب في النبوّة حتى نلنا منها مثل ما نالوا منها من السبب والنسب ، ونلنا من الخلافة ما لم ينالوا فبم يفتخرون علينا ؟ وكرّر هذا القول ثلاثاً

فأقبل عليه الحسينعليه‌السلام فقال له : « إني كففت عن جوابك في قولك الأول حلماً وفي الثاني عفواً ، وإما في الثالث فإني مجيبك ، إني سمعت أبي يقول : إن الوحي الذي أنزله الله على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا قامت القيامة الكبرى حشر الله بني اُمية في صور الذّر يطاهم الناس حتى يفرغ من الحساب ، ثم يوتى بهم فيحاسبوا ويصار بهم إلى النار » فلم يطق الأموي جواباً وانصرف وهو يتميّز من الغيظ(٢)

__________________

(١) كما تدين تدان : ٦٠ عن مناقب آل أبي طالب

(٢) حياة الحسين ٢ : ٢٣٥

١٥٨

فَجاهَدَهُمْ فيكَ

جاهد العدوّ : قاتله في سبيل الله ، قال في المجمع : قوله تعالى :( وَجَاهِدُوا فِي اللَّـهِ حَقَّ جِهَادِهِ ) أي في عبادة الله ، قيل : الجهاد بمعنى رتبة الإحسان ، ومعنى رتبة الإحسان هو انك تعبد ربك كأنك تراه فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك ، ولذلك قال : حق جهاده ، أي جهاداً حقاً كما ينبغي بجذب النفس ، وخلوصها عن شوائب الرياء والسمعة مع الخشوع والخضوع ، والجهاد مع النفس الأمارة واللوامة في نصرة النفس العاقلة المطمئنة وهو الجهاد الأكبر ، ولذلك ورد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه رجع من بعض غزواته فقال : « رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر »

فالإمام الحسينعليه‌السلام جاهد في الله تعالى وبذل النفس والمال لاعلاء كلمة التوحيد وإحياء دين جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا الجهاد مع النفس لاصلاحها فإنهمعليهم‌السلام منزهون عن دناسة النفس ، فأنفسهم طاهرة مطهرة كما أخبر الله تعالى بذلك في آية التطهير ، وإن أبيت إلّا أن يراد من الجهاد الأعم منه ومن الجهاد مع النفس فحينئذ معنى جهادهم مع أنفسهم هو عدم اقدامهم على المكاره أو المعاصي مع تمكنهم منها

ضرورة أن عصمتمعليه‌السلام وان اوجبت عدم صدور المعاصي عنهم إلّا أنه لا بنحو الجبر بل بنحو الاختيار ، فعصمتهم لم تنف امكان اقدامهم على المعاصي ، قال عليعليه‌السلام : « لولا التقى لكنت ادهى العرب » أي إني يمكنني الدهاء إلّا أن التقوى المعبر بها هنا بالعصمة تمنعني عنه كما لا يخفى

فجهادهم مع النفس عبارة عن عدم اقدامهم على المعاصي بعد ما كانت لهم المكنة عليها كما لا يخفى ، إلّا أن جهادهم معها لا لأجل تطهيرها عن الرذائل قال الإمام الحسنعليه‌السلام لمعاوية ما حاصله : « إن الله تعالى قد طهرني من الرذائل كما قد برّاك من الفضائل »

١٥٩

وكيف كان فالإمام الحسينعليه‌السلام جاهد في سبيل الله تعالى وفي سبيل طاعته ومحبته وتوحيده حق جهاد ، بل جاهد في الله بتمام انحاء الجهاد سواء بالسيف وبذل المال والزهد في حطام الدنيا والعبادات الشاقة من القيام في الليل والصيام في النهار الخ ومع ذلك كله كان جهاده جهاد صابر محتسب

١٦٠