موسوعة حديث الثقلين الجزء ٣

موسوعة حديث الثقلين8%

موسوعة حديث الثقلين مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 978-600-5213-65-2
الصفحات: 687

الجزء ١ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 687 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 219804 / تحميل: 4670
الحجم الحجم الحجم
موسوعة حديث الثقلين

موسوعة حديث الثقلين الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٦٥-٢
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

طلبت الملائكة وحملة العرش في أدعيتهم الأخرى أن يحفظ الله المؤمنين ويقيهم من أي سوء أو مكروه في ذلك اليوم ، كي يدخلوا جنّة الخلد براحة بال واطمئنان واحترام كامل.

ثانيا : آداب الدعاء

في هذه الآيات يعلّم حملة العرش والملائكة المؤمنين أسلوب الدعاء.

ففي البداية ينبغي بالتمسك بكلمة «ربّنا».

ثمّ مناداته تعالى بصفات الجلال والجمال ، وطلب العون من مقام رحمته المطلقة وعلمه غير المتناهي :( وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً ) .

وأخيرا الدعاء وطلب الحاجة بحسب أهميتها وبشروط توفّر الأرضية للاستجابة :( فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ ) .

ثم ينتهي الدعاء بذكر صفاته تعالى الجمالية والجلالية ، والتوسّل برحمته تعالى مرّة اخرى.

والطّريف في الأمر أنّ حملة العرش الإلهي يعتمدون على خمسة أوصاف إلهية مهمّة في دعائهم وهي : الربوبية ، والرحمة ، والقدرة ، والعلم ، والحكمة.

ثالثا : لماذا تبدأ الأدعية بكلمة «ربّنا»؟

عند قراءة آيات القرآن الكريم نرى أنّ أولياء الله ـ سواء منهم الأنبياء أو الملائكة أو الصالحون ـ كانوا يبدأون كلامهم بـ «ربّنا» أو «ربّي» عند الدعاء

فآدمعليه‌السلام يقول :( رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا ) .

ونوحعليه‌السلام يقول :( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ ) وإبراهيمعليه‌السلام يقول :( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ ) .

أما يوسفعليه‌السلام فيقول :( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ ) .

٢٠١

وموسى الكليمعليه‌السلام يقول :( رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ) .

أما سليمانعليه‌السلام فيقول : رب هب( لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) .

أما عيسى المسيحعليه‌السلام فيقول :( رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ ) (١) .

والرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :( رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ ) (٢) .

وعلى لسان المؤمنين نقرأ في أماكن متعدّدة كلمة «ربّنا» في فاتحة الدعاء ، ففي آخر سورة «آل عمران» نرى دعائهم :( رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً ) .

من خلال هذه النماذج والمواقف نستنتج أنّ أفضل الدعاء هو ما يبدأ بالربوبية صحيح أنّ الاسم المبارك «الله» هو أكثر شمولية لأسماء الخالق ، ولكن لارتباط الحاجات بمقام الرّبوبية ، هذا المقام الذي يرتبط به الإنسان منذ اللحظة الأولى من وجوده وحتى آخر عمره ، وتستمر بعد ذلك صفة الارتباط بـ «الربوبية» التي تغرق الإنسان بالألطاف الإلهية ، لذا فإنّ ذكر هذه الكلمة في بداية الأدعية يعتبر أكثر تناسبا من باقي الأسماء الأخرى(٣) .

رابعا : ما هو العرش الإلهي؟

لقد أشرنا مرارا إلى أن ألفاظنا ـ الموضوعة أصلا لتوضيح مشخصات الحياة المحدودة ـ لا تستطيع أن توضّح عظمة الخالق ، أو حتى أن تحيط بعظمة مخلوقاته جلّ وعلا ، لهذا السبب فليس أمامنا سوى استخدام ألفاظ ومعاني للكناية عن تلك العظمة.

وفي طليعة الألفاظ التي يشملها هذا الوضع كلمة (العرش) التي تعني لغويا (السقف) أو (السرير ذا المسند المرتفع) في قبال (الكرسي) الذي هو (سرير ذو

__________________

(١) المائدة ، الآية ١١٤.

(٢) المؤمنين ، الآية ٩٧.

(٣) التّفسير الكبير ، الفخر الرازي في نهاية الآية مورد البحث.

٢٠٢

مسند منخفض). ثمّ استخدمت هذه الكلمة لتشمل (عرش) القدرة الإلهية.

وللمفسّرين والفلاسفة والمناطقة كلام كثير حول المقصود بالعرش ، وما ينطوي عليه من معنى كنائي.

فأحيانا فسّروا العرش بمعنى (العلم اللامتناهي لله تبارك وتعالى).

واخرى قالوا بأن المعنى هو (المالكية والحاكمية الإلهية).

وفسّروا العرش أيضا بأنّه إشارة إلى أي واحدة من الصفات الكمالية والجلالية لله تبارك وتعالى ، لأنّ كلّ واحدة من هذه الصفات توضح عظمة منزلته جلّ وعلا ، كما أنّ عرش السلطان (والأمثال تضرب ولا تقاس) يوضح عظمته.

فالخالق جلّ وعلا يملك عرش العلم ، وعرش القدرة ، وعرش الرحمانية ، وعرش الرحيمية.

وطبقا للتفاسير والآراء الثلاثة هذه ، فإنّ مفهوم (العرش) يعود إلى صفات الخالق جل وعلا ، ولا يعني وجود خارجي آخر له.

وفي بعض الرّوايات الواردة عن أهل البيتعليه‌السلام ، ما يشير إلى هذا المعنى ، ففي رواية عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه أجاب عند ما سئل عن معنى قوله تعالى :( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) أنّ المقصود بذلك علمه تعالى شأنه(١) .

وفي حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام أيضا أنّه فسّر (العرش) بأنّه «العلم» الذي كشفه وعلّمه الله للأنبياءعليهم‌السلام ، بينما (الكرسي) هو «العلم» الذي لم يعلمه لأحد ولم يطلع عليه أحد(٢) .

وبين أيدينا تفاسير اخرى استندت إلى روايات إسلامية ، ففسّرت العرش والكرسي بأنّهما موجودات عظيمة من مخلوقات الله تبارك وتعالى.

قالوا ـ مثلا ـ إنّ المقصود بالعرش هو مجموع عالم الوجود.

__________________

(١) بحار الأنوار ، المجلد ٥٨ ، صفحة ٢٨ ، الحديث رقم ٤٦ ، ٤٧.

(٢) المصدر السابق.

٢٠٣

وقالوا أيضا : هو مجموع الأرض والسماء المتجسدة ضمن هذا الكرسي ، بل إنّ السماء والأرض كالخاتم في الصحراء الواسعة مقايسة بينهما وبين (الكرسي) ثم قالوا : إنّ «الكرسي» في مقابل العرش كالخاتم في الصحراء الواسعة.

وفي تفاسير اخرى تستند بدورها إلى روايات إسلامية ، أطلقوا كلمة (العرش) للكناية عن قلوب الأنبياء والأوصياء والمؤمنين التامين الكاملين ، كما جاء ذلك

في الحديث : «إنّ قلب المؤمن عرش الرحمن»(١) .

وفي حديث قدسي نقرأ قوله تعالى : «لم يسعني سمائي ولا أرضي ، ووسعني قلب عبدي المؤمن»(٢) .

أما أفضل الطرق لإدراك معنى العرش ـ بمقدار ما تسمح به قابلية الإنسان واستيعابه ـ فهو أن نبحث موارد استعمال هذه الكلمة في القرآن الكريم ، ونتفحص مدلولاتها بشكل متأن.

في آيات كثيرة من كتاب الله نلتقي مع هذا التعبير ، كما في قوله تعالى :( ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ) (٣) . ثمّ يرد تعبر( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ) في بعض الآيات التي تأتي بعد مفاد الآية أعلاه (آية العرش) أو ترد جمل اخرى تعبّر عن علم الله ودراية الخالق جلّ وعلا.

في آية اخرى من القرآن الكريم يوصف العرش بالعظمة :( وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) (٤) .

وأحيانا تتحدث الآية عن حملة العرش ، كما في الآية التي نحن بصددها.

ومن الآيات ما تتحدث عن الملائكة المحيطة بالعرش ، كما في قوله تعالى :

__________________

(١) بحار الأنوار ، المجلد ٥٨ ، صفحة ٣٩.

(٢) بحار الأنوار ، المجلد ٥٨ ، صفحة ٣٩.

(٣) الأعراف ، الآية ٥٤.

(٤) التوبة ، الآية ١٢٩.

٢٠٤

( وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ) (١)

وفي آية اخرى نقرأ قوله تعالى :( وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ) .

من خلال مجموع هذه الموارد ، والتعابير الأخرى الواردة في الأحاديث والروايات الإسلامية ، نستنتج بشكل واضح أنّ كلمة (العرش) تطلق على معاني مختلفة بالرغم من أنّها تشترك في أساس واحد.

فأحد معاني العرش هو مقام (الحكومة والمالكية وخلق عالم الوجود) إذ تلاحظ أنّ الاستخدام الشائع للعرش يدلل ـ من خلال الكناية ـ على سيطرة الحاكم على أمور دولته ، فنقول مثلا : «فلان شلّ عرشه» والتعبير كناية عن انهيار قدرته وحكومته.

والمعنى الآخر من معاني العرش هو ، «مجموع عالم الوجود» لأنّ كلّ الوجود هو دليل على العظمة.

وأحيانا يستخدم العرش بمعنى «العالم الأعلى» والكرسي بمعنى «العالم الأدنى».

ويستخدم العرش أحيانا بمعنى (عالم ما وراء الطبيعة) والكرسي بمعنى (مجموع عالم المادة) بما في ذلك الأرش والسماء ، كما جاء في آية الكرسي :( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) .

ولأنّ علم الخالق لا ينفصل عن ذاته المنزهة ، لذا فانّ كلمة (عرش) تطلق أحيانا على «علم الله».

وإذا أطلق وصف (عرش الرحمن) على القلوب الطاهرة لعباد الله المؤمنين ، فذلك يعود إلى أنّ هذا المكان هو محل معرفة الذات الإلهية المنزهة ، وهو بحدّ ذاته أحد أدلة عظمته وقدرته جلّ وعلا.

من كلّ ذلك يتضح أنّ كافة معاني العرش ـ التي وردت آنفا ـ توضح عظمة

__________________

(١) الزمر ، الآية ٧٥.

٢٠٥

الخالق جلّ وعلا.

وفي الآية التي نحن بصدد بحثها يمكن أن يكون المقصود من العرش هو نفس حكومة الله تعالى وتدبيره لعالم الوجود ، وحملة العرش يقومون بتنفيذ إرادة الله الحاكمة في الخلق.

ويمكن أن يكون المعنى هو مجموع عالم الوجود أو عالم ما وراء الطبيعة. أمّا حملة العرش الإلهي فهم الملائكة الذين تقع عليهم مسئولية تدبير أمر هذا العالم بأمر الله تعالى.

* * *

٢٠٦

الآيات

( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (١٠) قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (١١) ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢) )

التّفسير

اعترفنا بذنوبنا فهل من خلاص؟

تحدثت الآيات السابقة عن شمول الرحمة الإلهية للمؤمنين ، أمّا مجموعة الآيات التي بين أيدينا فهي تتحدث عن «غضب» الله تعالى على الكافرين ، كي يكون بالمستطاع المقارنة بين صورتين ومشهدين متقابلين.

في البداية تقول الآية :( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ ) .

من الذي ينادي هؤلاء بهذا النداء؟

يبدو أن ملائكة العذاب ينادونهم بهذا النداء لتوبيخهم وفضحهم ، في مقابل ما

٢٠٧

تفعله ملائكة الرحمة من إكرام المؤمنين والصالحين.

ويحتمل أن يكون هذا النداء من نوع التخاطب والتخاصم الذي يقوم بين الكفار في القيامة ، لكن المعنى الأوّل أرجح كما يبدو ، وعلى كلّ حال سينطلق هذا النداء يوم القيامة ، كما أنّ الآيات اللاحقة شاهد على هذا المعنى.

«المقت» تعني في اللغة البغض والعداوة الشديدة. وهذه الآية تبيّن أن غضب الله تعالى على الكافرين هو أشد من عداوتهم لأنفسهم أمّا فيم يتعلق بمقت الكفار لأنفسهم ، فهناك تفسيران :

الأوّل : يتمثل في ارتكاب هؤلاء في الحياة الدنيا لأكبر عداوة إزاء أنفسهم برفضهم لنداء التوحيد ، فهم لم يهملوا مصابيح الهداية وحسب ، بل عمدوا إلى تحطيمها. فهل ثمّة عداء للنفس أكثر من أن يغلق الإنسان أمامه أبواب السعادة الأبدية ، ويفتح على نفسه أبواب العذاب.

وطبقا لهذا التّفسير يكون قوله تعالى :( إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ ) بيانا لكيفية مقت وعداوة الكافرون أنفسهم.

الثّاني : أن يكون المقصود بغضبهم وعدائهم لأنفسهم هو أن تصيبهم حالة من الألم والندم الشديد عند ما يشاهدون يوم القيامة نتيجة أعمالهم وما اقترفت أيديهم في هذه الدنيا ، حيث ترتفع آهاتهم وصرخاتهم ، ويعضون على أناملهم من الندم ، ولات ساعة مندم يقول تعالى :( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ ) (١) . ويتمنون أن يكونوا ترابا :( وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً ) (٢) .

وفي ذلك اليوم تنفتح آفاق البصر :( فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) (٣) وتنكشف الأسرار والحقائق الخفية :( يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ ) (٤) . وفي ذلك اليوم تنشر الصحف وتكشف

__________________

(١) فرقان ، الآية ٢٧.

(٢) نبأ ، الآية ٤٠.

(٣) سورة ق ، الآية ٢٢.

(٤) الطارق ، الآية ٩.

٢٠٨

الأعمال :( وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ) (١) . وعندها تكون النتيجة :( كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ) (٢) . لذلك سيلوم هؤلاء أنفسهم بشدة ويتنفرون منها ويبكون على مصيرهم.

وهنا يأتي النداء :( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ ) .

وطبقا لهذا التّفسير تكون جملة :( إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ ) بيانا لدليل شدة الغضب الإلهي عليهم(٣) .

بالطبع فإن كلا التّفسيرين مناسب ، إلّا أنّ التّفسير الأوّل بلحاظ بعض الأمور ـ أرجح.

عند ما يشاهد المجرمون أوضاع يوم القيامة وأهوالها ، ويرون مشاهد الغضب الإلهي حيالهم ، سينتبهون من غفلتهم الطويلة ويفكرون بطريق للخلاص ، فيعترفون بذنوبهم ويقولون :( قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ ) .

عند ما تزول حجب الغرور والغفلة ، وينظر الإنسان بالعين الحقيقية ، فلا سبيل عندها سوى الاعتراف بالذنوب!

إنّ هؤلاء كانوا يصرون على إنكار المعاد ، ويستهزئون بوعيد الأنبياء لهم ،

__________________

(١) التكوير ، آية ١٠.

(٢) الإسراء ، الآية ١٤

(٣) طبقا للتفسير الأوّل تكون (إذ) ظرفية ومتعلقة بـ «مقتكم أنفسكم» أمّا طبق التّفسير الثّاني فتعتبر (إذ) تعليلية ومتعلقة بـ «مقت الله» والجدير بالملاحظة أنّ المقتين الواردين في الآية أعلاه يرتبطان بأربعة احتمالات هي :

الأوّل : أن يكون مكان الإثنين في يوم القيامة.

الثّاني : أن يكون مكانهما في هذه الدنيا.

الثّالث : أن يكون المقت الأوّل في الدنيا والثّاني في الآخرة.

أما الرابع : فهو عكس الثّالث.

ولكن الأفضل وفقا للتفسير أعلاه أن يختص الأوّل بالآخرة. والثّاني بالدنيا ، أو أن يختص الاثنان بالآخرة.

٢٠٩

ولكن بعد توالي الموت والحياة لا يبقى مجال للإنكار ، وقد يكون سبب تكرارهم للموت والحياة ، أنّهم يريدون القول : يا خالقنا الذي تملك الموت والحياة ، أنت قادر على أن تعيدنا إلى الدنيا مرة اخرى كي نعوّض ما مضى.

* * *

ذكر المفسرون عدّة تفاسير حول المقصود من قوله تعالى :( أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ ) و( أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) ومن بين هذه التفاسير هناك ثلاثة آراء نقف عليها فيما يلي :

أوّلا : أن يكون المقصود من( أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ ) هو الموت في نهاية العمر ، والموت في نهاية البرزخ. أمّا المقصود من( أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) فهي الإحياء في نهاية البرزخ والإحياء في القيامة.

ولتوضيح لذلك ، نرى أنّ للإنسان حياة اخرى بعد الموت تسمى الحياة البرزخية ، وهذه الحياة هي نفس حياة الشهداء التي يحكي عنها قوله تعالى :( بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١) ، وهي نفس حياة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة من أهل البيتعليهم‌السلام ، حيث يسمعون سلامنا ويردون عليه.

وهي أيضا نفس حياة الطغاة والأشقياء كالفراعنة الذين يعاقبون صباحا ومساء بمقتضى قوله تعالى :( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا ) (٢) .

ومن جانب آخر نعرف أنّ الجميع ، من الملائكة والبشر والأرواح ، ستموت في نهاية هذا العالم مع أوّل نفخة من الصور :( فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ) (٣) . ولا يبقى أحد سوى الذات الإلهية (بالطبع على خلاف ما أوضحناه في نهاية الآية (٨٦) من سورة الزمر بين موت وحياة الملائكة والأرواح ، وبين موت وحياة الإنسان).

__________________

(١) آل عمران ، الآية ١٦٩.

(٢) غافر ، الآية ٤٦.

(٣) الزمر ، الآية ٦٨.

٢١٠

وعلى هذا الأساس فإنّ هناك حياة جسمانية وحياة برزخية ، ففي نهاية العمر يحل الموت بحياتنا الجسمانية ، لكن في نهاية العالم يحل بحياتنا البرزخية.

يترتب على ذلك أن تكون هناك حياتان بعد هذين الموتتين : حياة برزخية ، وحياة في يوم القيامة.

وهنا قد يطرح البعض هذا السؤال : إنّنا في الواقع نملك حياة ثالثة هي حياتنا في هذه الدنيا ، وهي غير هاتين الحياتين ، وقبلها أيضا كنّا في موت قبل أن نأتي إلى هذه الدنيا ، وبهذا سيكون لدينا ثلاث موتات وثلاثة إحياءات.

ولكن الجواب يتوضح عند التدقيق في نفس الآية ، فالموت قبل الحياة الدنيا (أي في الحالة التي كنّا فيها ترابا) يعتبر «موتا» لا «إماتة» وأمّا الحياة في هذه الدنيا فالبرغم من أنّها مصداق للإحياء ، إلا أنّ القرآن لم يشر إلى هذا الجانب في الآية أعلاه ، لإنّ هذا الإحياء لا يشكّل عبرة كافية بالنسبة للكافرين ، إذ الشيء الذي جعلهم يعون ويعترفون بذنوبهم هو الحياة البرزخية أوّلا ، والحياة عند البعث ثانيا.

ثانيا : إنّ المقصود بالحياتين ، هو الإحياء في القبر لأجل بعض الأسئلة ، والإحياء في يوم القيامة ، وإنّ المقصود بالموتتين ، هما الموتة في نهاية العمر ، والموتة في القبر.

لذلك اعتبر بعض المفسّرين هذه الآية دليلا على الحياة المؤقتة في القبر.

أمّا عن كيفية حياة القبر ، وفيما إذا كانت جسمانية أو برزخية. أو نصف جسمانية ، فهذه كلّها بحوث ليس هنا مجال الخوض فيها.

ثالثا : إنّ المقصود بالموتة الأولى ، هو الموت قبل وجود الإنسان في هذه الدنيا ، إذ أنّه كان ترابا في السابق ، لذا فإنّ الحياة الأولى هي الحياة في هذه الدنيا ، والموت الثّاني هو الموت في نهاية هذا العالم ، فيما الحياة الثانية هي الحياة عند

٢١١

البعث.

والذين يعتقدون بهذا التّفسير يستدلون بالآية (٢٨) من سورة «البقرة» حيث قوله تعالى :( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) .

إلّا أنّ الآية التي نبحثها تتحدث عن إماتتين ، في حين أنّ آية سورة البقرة تتحدّث عن حياة واحدة وإماتة واحدة(١) .

يتّضح من مجموع التفاسير الثّلاثة هذه أنّ التّفسير الأوّل هو الأرجح.

ولا بأس أن نشير إلى أنّ بعض مؤيدي «التناسخ» أرادوا الاستدلال بهذه الآية على الحياة والموت المكرّر للإنسان ، وعودة الروح إلى الأجساد الجديدة في هذه الدنيا ، في حين أنّ الآية أعلاه تعتبر إحدى الأدلة الحية على نفي التناسخ ، لأنّها تتحدّد الموت والحياة في مرّتين ، إلّا أنّ أنصار عقيدة «التناسخ» يقولون بالموت والحياة المتعدّدة والمتوالي ، ويعتقدون بأنّ روح الإنسان الواحد يمكن أن تتجسّد وتحل مرأت اخرى في أجساد جديدة ، ونطف جديدة وترجع إلى هذه الدنيا.

من الطبيعي أن يكون الجواب على طلب الكافرين بالعودة إلى هذه الدنيا للتكفير عمّا فاتهم هو الرفض. وهذا الرفض من الوضوح بحيث لم تشر إليه الآيات التي نبحثها.

لكن نستطيع أن نعتبر الآية التي بعدها دليلا على ما نقول ، إذ تقول :( ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ) .

فعند ما يدور الكلام عن التوحيد والتقوى والأوامر الحقة تشمئزون وتحزنون ، أما إذا دار الحديث عن الكفر والنفاق والشرك فستفرحون وتنبسط

__________________

(١) احتمل بعض المفسّرين أنّ الآية أعلاه تشير إلى «الرجعة» إلّا أنّ مراعاة عمومية الآية وشمولها جميع الكافرين ، وعدم ثبوت عمومية الرجعة لهم جميعا ، يجعل هذا التّفسير قابلا للنقاش.

٢١٢

أساريركم ، لذلك ستكون عاقبتكم ما رأيتم.

وهنا نطرح هذا السؤال : كيف نربط هذا الجواب مع طلبهم العودة إلى هذه الدنيا؟

إنّ الآية تفيد أنّ حقيقة أعمال هؤلاء لم تكن محدودة بزمن معين ، ولم تكن مؤقتة ، بل كانت دائمية ، لذلك فلو عادوا إلى الحياة مرّة اخرى فإنهم سيستمرون على هذا الوضع ، أمّا هذا الإيمان والتسليم والإذعان الذي رأيناه منهم يوم القيامة ، فهو اضطراري وليس عن قناعة حقيقية.

ثمّ إنّ اعتقادات هؤلاء وأعمالهم ونياتهم السابقة تستوجب خلودهم في الجحيم ، لذا فلا يمكن عودة هؤلاء إلى الدنيا مع هذا الوضع.

وهذا الوضع يختص بالأفراد الذين تجذّر الكفر والشر والذنب في أعماقهم ، وهؤلاء هم الذين يصفهم القرآن بأنّ نفوسهم تشمئز عند ذكر الله تعالى وحده ، ويفرحون عند ذكر الأصنام :( وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) (١) .

إنّ هذا الوصف لا يختص بالمشركين في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحسب ، إذ يشهد زماننا مثل هؤلاء من ذوي القلوب الميتة ، الذين يفرون من الإيمان والتوحيد والتقوى ، ويقبلون على الكفر والنفاق والفساد.

لذلك نقرأ في بعض الروايات عن أهل البيتعليهم‌السلام ، في تفسير هذه الآية ، أنّها تختص بقضية (الولاية) إذ يتأذى البعض عند سماعها (أي الولاية) ويفرحون عند سماع أسماء أعداء أهل البيتعليهم‌السلام هذا التّفسير هو من باب انطباق المفهوم ، العام على المصداق ، وليس من باب تقييد كلّ المفهوم الذي تطوية الآية بهذا المصداق).

وفي نهاية الآية ، ومن أجل أن لا ييأس هؤلاء المشركون ذوو القلوب

__________________

(١) الزمر ، الآية ٤٥.

٢١٣

المظلمة ، تقول الآية إنّ الحاكمية تختص بذات الله سبحانه وتعالى :( فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ) إذ لا يوجد غيره قاض وحاكم في محكمة الآخرة ، ولا يوجد غيره على وكبير ، فلا يستطيع أحد أن يغلبه أو أن يؤثّر عليه أو على حكمه بفدية أو غرامة أو وساطه ، فالحاكم المطلق هو ، والجميع يطيعونه ، ولا يوجد طريق للهرب من حكمه.

* * *

ملاحظة

الدعاء البعيد عن الإجابة!

ليست هذه المرّة الأولى التي تواجهنا فيها طلبات أهل النّار أو الكفار الذين يريدون العودة إلى هذه الدنيا ، فيكون الجواب بالنفي.

لقد طرحت الآيات بالقرآنية هذا الموضوع عدّة مرّات.

ففي سورة الشورى الآية (٤٤) نقرأ أن الظالمين بعد أن يروا العذاب يقولون :

( هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ ) .

وفي الآية (٥٨) من سورة الزمر ، ورد على لسان المذنبين وغير المؤمنين عند رؤيتهم العذاب :( أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) .

وفي الآية (١٠٧) من سورة «المؤمنون» نقرأ قوله تعالى حكاية على لسان أمثال هؤلاء القوم :( رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ ) .

مجموعة أخير عند ما يحل بها الموت وترى ملائكة الموت تطلب من الله تعالى العودة فتقول :( رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ ) (١) .

إلّا أنّ هذه الطلبات تردع دوما بكلمة «كلّا» أو ما شابه ذلك.

__________________

(١) المؤمنون ، الآيتان ٩٩ ـ ١٠٠.

٢١٤

وبذلك يتضح أنّ المفهوم القرآني يؤكّد على أنّ الحياة في هذه الدنيا هي تجربة لا يمكن تكرارها بالنسبة للشخص ، لذا يجب إبعاد هذا الوهم من العقول بأنّنا إذا متنا وواجهنا العذاب فسوف نعود الى هذه الدنيا ونجبر ما فات حيث لا إمكان للعودة إلى هذه الحياة بعد الموت.

وملاك هذا الأمر واضح ، ففي قانون التكامل لا يمكن الرجوع والعودة ، كما لا يمكن عودة الطفل إلى بطن أمّه وفقا لهذا القانون ، سواء كان هذا الطفل قد اكتمل نموه في بطن أمه أو لم يكتمل وولد ناقصا ، إذ العودة غير ممكنة أصلا.

كذلك الموت الذي هو في الواقع ولادة ثانوية ، وانتقال من عالم الدنيا هذه إلى عالم آخر ، وهناك تعتبر العودة ضربا من المحال.

إضافة إلى ذلك لا يمكن اعتبار اليقظة الاضطرارية التي تنتاب الناس ـ الذين تتحدث عنهم الآية ـ دليلا على الاقتناع أو اليقظة الحقيقية ، إذ عند ما تخف أسبابها سيعود النسيان والغفلة مرة اخرى ، وسيتم تكرار نفس الأعمال ، كما نرى ذلك واضحا في هذه الدنيا لدى الكثير من الناس الذين يتوجهون إلى خالقهم عند ما تضيق عليهم الحياة ، ويلجون أبواب التوبة ، إلّا أنّهم بمجرّد هدوء العواصف ينسون كل شيء وكأنّهم لم يدعوا الله إلى ضر مسّهم!!

* * *

٢١٥

الآيات

( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (١٣) فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (١٤) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (١٥) )

التّفسير

ادع الله وحده رغما على الكافرين :

هذه الآيات المتضمنة للنصيحة والتهديد والإنذار استدلال على المسائل المطروحة في الآيات السابقة ، فهي استدلال على التوحيد والرّبوبية ونفي الشرك وعبادة الأصنام.

تقول الآية أوّلا :( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ ) .

فهي نفس الآيات والعلائم الآفاقية والأنفسية التي تملأ عالم الوجود ، وتستوعب بإشراقتها أركانه ، وتضع بصماتها وآثارها العجيبة على جدران الوجود وجميع أرجاءه.

ثم توضح واحدة من هذه الآيات :( وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً ) .

٢١٦

قطرات المطر تعطي الحياة ، ونور الشمس يحيي الكائنات ، والهواء سرّ الوجود والحياة ، حياة جميع الكائنات ، حيوانات نباتات ، أناس كلّها تنزل من السماء. وتشكّل هذه الأثافي الثلاث فيما بينها قوام الحياة ، حيث تتفرع الأشياء الأخرى من أصولها.

بعض المفسّرين أطلق على السماء اسم «عالم الغيب» وعلى الأرض اسم «عالم الشهود» ونزول الرزق من السماء إلى الأرض هو بمعنى الظهور من عالم الغيب إلى عالم الشهود.

ولكن هذا التّفسير فضلا عن منافاته لظاهر الآية ، لم نعثر له على دليل وشاهد ، صحيح أنّ الوحي والآيات ، هما غذاء الروح ، ينزلان من سماء الغيب ، وأنّ المطر والشمس والنور التي تعتبر غذاء الجسد تنزل من السماء الظاهرية ، وهما متناسقان مع بعضهما. ولكن ينبغي أن لا نتصوّر أن عبارة (آياته) التي نحن بصددها تشير إلى مفهوم أوسع ، أو تشير بالخصوص إلى الآيات التشريعية ، لأنّ عبارة( يُرِيكُمْ آياتِهِ ) وردت مرارا في القرآن الكريم ، وهي عادة ما تطلق على الآيات الدالة على التوحيد في عالم الوجود.

مثلا ، في أواخر هذه السورة (المؤمن) وبعد ذكر النعم الإلهية ، من قبيل الزواحف والفلك تقول :( وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ ) (١) .

إنّ تعبير «يريكم» ينسجم في العادة مع الآيات التكوينية ، بينما جرت العادة في الآيات التشريعية على استخدام تعابير مثل (أوحى) و (يأتيكم).

من هنا يتبيّن أنّ اعتبار هذه الآيات بمعنى الآيات التشريعية ، وأنّها أعم من التشريعية والتكوينية ، كما يذهب بعض كبار المفسّرين القدماء والمحدثين إلى ذلك ، لا يستند إلى دليل ، ولا تقوم عليه حجّة.

ولكن من الضروري أن نلتفت إلى أنّ القرآن يختار الإشارة إلى آية الرزق

__________________

(١) المؤمن ، الآية ٨١.

٢١٧

من بين آيات الله المبثوثة في السماء والأرض وفي وجود الإنسان ، ذلك لأنّ الرزق هو أكثر ما يشغل البال والفكر ، وأحيانا نرى الإنسان يستنجد بالأصنام من أجل زيادة الرزق ، وإنقاذه من وضعه المتردي ، لذا يأتي القرآن ليؤّكد أن جميع الأرزاق هي بيد الله ولا تستطيع الأصنام أو غيرها أن تفعل أي شيء.

وأخيرا تضيف الآية الكريمة : برغم جميع هذه الآيات البينات التي تسود هذا العالم الواسع ، وتغمد الوجود بضيائها ، إلّا أنّ العيون العمياء والقلوب المحجوبة لا تكاد ترى شيئا ، وإنّما يتذكر ـ فقط ـ من ينيب إلى خالقه ويغسل قلبه وروحه من الذنوب :( وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ ) .

الآية التي بعدها ترتب نتيجة على ما سبق فتقول :( فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) انهضوا واضربوا الأصنام وحطموها بفؤوس الإيمان ، وامحوا آثارها من ذاكرة الفكر والثقافة والمجتمع.

ومن الطبيعي أنّ وقفتكم الرّبانية هذه ستؤذي الكافرين والمعاندين ، لكن عليكم أن لا تسمحوا للخوف أن يسترّب الى قلوبكم ، أخلصوا نيّاتكم :( وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ) .

ففي المجتمع الذي يشكل فيه عبدة الأصنام الغالبية ، يكون طريق أهل التوحيد موحشا في بادئ الأمر ، مثل شروق الشمس في بدايات الصباح الأولى وسط عالم الظلام والخفافيش ، لكن عليكم أن لا تركنوا إلى ردود الأفعال غير المدروسة ، تقدموا بحزم وإصرار ، وارفعوا راية التوحيد والإخلاص ، وانشروها في كلّ مكان.

تصف الآية التي تليها خالق الكون ومالك الحياة والموت ، بعض الصفات المهمّة ، فتقول :( رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ) فهو تعالى يرفع درجات العباد الصالحين كما في قوله تعالى :( يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ ) (١) .

__________________

(١) المجادلة ، الآية ١١.

٢١٨

وحتى بين النّبيين فقد فضّل الله بعضهم على بعض بسبب اجتيازهم للامتحان والاختبار أكثر من غيرهم ، فأخلصوا لله تعالى بمراتب أعلى وأفضل :( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ) (١) .

لقد استخلف الله الإنسان في هذه الأرض ، وجعل منه خليفته ، وفضّل البعض على البعض الآخر وفقا لاختلاف الخصائص والقابليات لدى الإنسان :( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ ) (٢) .

فإذا كانت الآية السابقة قد دعت إلى الإخلاص في الدين ، فإنّ الآية التي بين أيدينا تقول : إنّ الله تبارك وتعالى سوف يرفع درجاتكم بمقدار إخلاصكم ، فهو رفيع الدرجات.

إنّ صحة كلّ هذه المعاني منطوة بتفسير (رفيع) بالرافع ، إلّا أنّ البعض ذهب إلى أنّ (رفيع) في الآية بمعنى (المرتفع) وبناء على هذا المعنى فإنّ( رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ) تشير إلى الصفات العالية الرفيعة لله تعالى ، فهو رفيع في علمه ، وفي قدرته ، وفي جميع أوصافه الكمالية والجمالية ، هو تعالى رفيع في أوصافه بحيث أنّ عقل الإنسان برغم قابليته واستعداده لا يستطيع أن يدركها.

وبحكم أنّ اللغة تعطي صلاحية متساوية للمعنيين الآنفين لكلمة (رفيع) فإنّ التّفسيرين واردان ، ولكن لأنّ الآية تتحدث عن إعطاء الأجر لعباد الله الصالحين ، والذي هو الدرجات الرفيعة ، لذا فإنّ المعنى الأوّل أظهر.

لكن لا مانع من الجمع بين التّفسيرين ، لأننا نعتقد جواز استخدام اللفظ لأكثر من معنى ، خصوصا في إطار الآيات التي تشتمل ألفاظها على معاني كبيرة وواسعة.

تضيف الآية بعد ذلك قوله تعالى :( ذُو الْعَرْشِ ) .

__________________

(١) البقرة ، الآية ٢٥٣.

(٢) الأنعام ، الآية ١٦٥.

٢١٩

فكل عالم الوجود تحت حكومته وفي قبضته ، ولا منازع له في حكومته ، وهذا بحد ذاته ذليل على أنّ تحديد درجات العباد حسب أفضليتهم إنّما يتمّ بقدرته تعالى.

وبما إنّنا تحدثنا بالتفصيل عن «العرش» فلا حاجة هنا للتكرار.

وفي وصف ثالث تضيف الآية أنّه هو تعالى الذي :( يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ) وهذه الروح هي نفس القرآن ومقام النبوّة والوحي ، حيث تحيي هذه الأمور القلوب ، وتكون في الإنسان كالروح بالنسبة لجسد الإنسان.

إنّ قدرته من جانب ، ودرجاته الرفيعة من جانب آخر ، تقتضي أن يعلنعزوجل عن برنامجه وتكاليفه عن طريق الوحي ، وهل ثمّة تعبير أجمل من الروح ، هذه الروح التي هي سرّ الحياة والحركة والنشاط والتقدم.

لقد ذكر المفسّرون احتمالات متعدّدة لمعنى الروح ، لكن من خلال القرائن الموجودة في الآية ، وممّا تفيده الآية (٢) من سورة «النحل» التي تقول :( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ) وكذلك ممّا تفيده آية (٥٢) من سورة «الشورى» التي تخاطب الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتوضح له نزول القرآن والإيمان والروح بقوله تعالى :( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ ) من كلّ ذلك يتبيّن أنّ المقصود بالروح في الآية التي نحن بصددها ، هو الوحي والقرآن والتكليف الإلهي.

تفيد عبارة (من أمره) أنّ ملك الوحي المكلّف بإبلاغ هذه الروح ، إنّما يتحدث ويتكلّم بأمر الله لا من عند نفسه.

أمّا قوله تعالى :( عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ) فلا تعني أنّ هبة الوحي تعطى لأي كان ، لأن مشيئته تعالى هي عين حكمته ، وكل من يجده مؤهلا لهذا المنصب يخصه بهذا الأمر ، كما نقرأ في الآية (١٢٤) من سورة الأنعام حيث قوله تعالى :( اللهُ أَعْلَمُ

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده ، أئمّة الهدى ، ثمّ قال : قد ورد في وجوب اتّباعهم أوضح دليل ، وهو قول الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي » وحديث السفينة ، وحديث باب حطّة ، وحديث أنّهم أئمّة الهدى والخلفاء ، وغير ذلك من الآثار(١) .

الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة :

قال حميد المحلّي ( ت ٦٥٢ هـ ) في الحدائق : هو أمير المؤمنين أبو محمد عبد الله بن حمزة الجواد بن سليمان البر التقي بن حمزة النجيب بن علي المجاهد بن حمزة الأمير القائم بأمر الله ابن الإمام النفس الزكيّة أبي هاشم الحسن بن شريف الفاضل عبد الرحمن بن يحيى نجم آل الرسول ، ابن أبي محمّد عبد الله العالم بن الحسين الحافظ بن الإمام ترجمان الدين القاسم بن إبراهيم الغمر طباطبا ابن إسماعيل الديباج ابن إبراهيم الشبه ابن الحسن الرضي بن الحسن السبط سيد شباب أهل الجنّة ابن أمير المؤمنين سيد العرب علي بن أبي طالب سيد قريش ( عليه السلام ) ، ثمّ قال : ولد ( عليه السلام ) بعيشان من ظاهر همدان في شهر ربيع الآخر لإحدى وعشرين ليلة خلت منه سنة إحدى وستّين وخمسمائة.

ثمّ قال : وسمعت شيخنا بهاء الدين أحمد بن الحسن الرصاص ( رضوان الله عليه ) يقول : أخشى أن تكون إمامة الإمام ( عليه السلام ) صارفة للناس عن إمامة غيره بعده ، فقلت : ولم ذلك فقال : لأنّ الناس يطلبون منه من العلم ما يعهد من الإمام وربّما لا يتّفق ذلك.

____________

١ ـ الشافي ٤ : ٢٣٣.

٢٦١

ثمّ قال : وأمّا كراماته التي خصّ بها فهي كثيرة ، لا سبيل إلى استقصائها. ثمّ قال : ولم يعلم أنّ أحداً من الأئمّة المهتدين الهادين ( عليهم السلام ) نقل له ما يقرب ممّا كان للإمام المنصور بالله.

ثمّ قال : كانت دعوته ( عليه السلام ) العامّة التي هي دعوة الإمامة ـ وقد تقدّم من الجوف إلى الحقل ـ في شهر ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة.

ثمّ قال : ولم يعلم أنّه اجتمع لأحد من أئمّتنا ( عليه السلام ) ما اجتمع له من انتظام أمور اليمن والحجاز وجيلان وديلمان قبله ( عليه السلام ) ، وكذلك فإنّ جميع من في جهات الري من الزيديّة كلّهم اعتقدوا إمامته ( عليه السلام ) وعلا صيته في جميع الأقطار.

ثمّ قال : واختار الله له الانتقال إلى دار كرامته ومستقر رحمته يوم الخميس لاثني عشر يوماً من شهر المحرم سنة أربع عشرة وستّمائة.

ثمّ قال : وله من التصانيف الجمّة ما لا يوجد لإمام ممّن قام في اليمن من أئمّة الزيديّة ( عليه السلام ) إلى هذه الغاية ، بل لا يدنو منها(١) .

قال الحسن بن بدر الدين ( ت ٦٧٠ هـ ) في أنوار اليقين :

أو كإمام عصرنا المنصور

الصابر العلاّمة المشهور

ثمّ قال : بعد أن ذكر اسمه ونسبه : قام ( عليه السلام ) بعد الإمام المتوكّل على الله ، وكان معاصراً للملّقب بالناصر.

ثمّ قال : وكانت البيعة له ( عليه السلام ) يوم الجمعة عشر من ربيع الأوّل سنة أربع وتسعين وخمسمائة ، وله ( عليه السلام ) التصانيف الكثيرة والفتاوى الحسنة.

ثمّ قال : وتوفّي ( عليه السلام ) يوم الخميس لاثني عشر يوماً من شهر المحرّم سنة

____________

١ ـ الحدائق الورديّة ٢ : ٢٤٧ ـ ٣٥٤.

٢٦٢

أربع عشرة وستّمائة بكوكبان(١) .

قال محمّد بن علي الزحيف ( النصف الأول من القرن العاشر ) في مآثر الأبرار بعد أن ذكر اسمه ونسبه ـ : كان مولد الإمام المنصور بعيشان من ظاهر همدان ، في شهر ربيع الآخر لإحدى وعشرين ليلة خلت منه سنة إحدى وستّين وخمسمائة.

ثمّ قال : وأمّا دعوته ( عليه السلام ) فإنّه تقدّم من الجوف إلى الحقل في ذي القعدة في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة ، وسار إلى هجرة دار معين.

ثمّ قال : ولمّا كان يوم الجمعة الثالث عشر من ربيع الأوّل سنة أربع وتسعين وخمسمائة تقدّم هو ومن معه إلى المسجد الجامع فبايعه الناس.

ثمّ قال : واختار الله تعالى له الانتقال إلى دار كرامته ومستقر نعمته يوم الخميس لاثني عشر يوماً من محرّم سنة أربع عشرة وستّمائة.

ثمّ قال : ومدّة عمره اثنتنان وخمسون سنة وثمانية شهور واثنتان وعشرون ليلة ، ومدّة خلافته تسع عشرة سنة وتسعة أشهر وعشرون يوماً(٢) .

وعدّه محمّد بن عبد الله ( ١٠٤٤ هـ ) في التحفة العنبريّة من المجددين ، وهو المجدّد على رأس المائة السادسة(٣) .

قال القاسمي ( ١٣٧٥ هـ ) في الجواهر المضيّة : عبد الله بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي بن حمزة بن أبي هاشم أبو محمد المنصور بالله ، ثمّ قال : قرأ على أبيه وعلى أحمد بن الحسين الأكوع ، وعمر بن جميل النهدي والحسن بن محمّد الرصّاص ومحمّد بن أحمد بن الوليد وحنظلة بن

____________

١ ـ أنوار اليقين : ٣٦٠ ـ ٣٦٨.

٢ ـ مآثر الأبرار ٢ : ٧٩٩ ـ ٨١٦.

٣ ـ التحفة العنبريّة : ١٧٦ ـ ٢٥٠.

٢٦٣

الحسن والأمير محمّد بن أحمد والقاضي جعفر بن أحمد ، وغيرهم ، في جميع كتب الإسلام حتّى لم يبق عالم إلاّ مدّ إلى روايته بسبب ، وعنه محمّد ابن أحمد الأكوع المعروف بشعلة ، والفقيه حميد بن أحمد وابن سعيش الصنعاني ، وغيرهم من العلماء(١) .

قال الهادي بن إبراهيم الوزير ( ت ٨٢٢ هـ ) في هداية الراغبين : وأقول : استيفاء مثل هذا من أخباره ( عليه السلام ) في زهده وفضله وورعه وجوده يخرجنا عن المقصود ، ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة سيرة بسيطة ومتوسّطة ومختصرة ، فالبسيطة سيرة القاضي العالم علي بن نشوان ( رحمه الله ) ، فإنّه الذي ابتدأ تأليف ( السيرة المنصورية ) وأبسط فيها القول بسطاً شافياً.

ثمّ قال : وأمّا السيرة المتوسّطة فهي سيرته المشهورة التي جمعها الشيخ الفاضل أبو فراس بن دعثم ( رحمه الله ) ، وهي ستّة مجلّدة ، أخبرني بعض العلماء أنّه أختصرها من سيرة ابن نشوان.

وأمّا السيرة المختصرة فهي ما ختم به الفقيه حميد ( رحمه الله ) ( كتاب الحدائق الورديّة )(٢) .

قال عبد السلام الوجيه في أعلام المؤلّفين الزيديّة : وقد كثر المتحاملون على هذا الإمام العظيم ، ومنهم في عصرنا إسماعيل الأكوع وأخوه ، وعلي بن محمّد زيد ، وأحمد بن محمّد الشامي(٣) .

____________

١ ـ الجواهر المضيّة في تراجم بعض رجال الزيديّة : ٥٦.

٢ ـ هداية الراغبين إلى مذهب العترة الطاهرين : ٣٤٥.

٣ ـ أعلام المؤلّفين الزيديّة ، ٥٧٨.

وانظر في ترجمته أيضاً : قواعد عقائد آل محمّد ( صلى الله عليه وآله ) : ٤٠٤ ، طبقات الزيديّة ٣ : ٨٩ ، اللآلي المضيّة ٢ : ٢٣٩ ـ ٣١٠ ، التحف شرح الزلف : ١٦٤ ، كاشفة الغمّة عن حسن سيرة إمام الأمّة : ٢٤٣ ، مطمح الآمال : ٢٤٥ ، الجواهر والدرر : ٢٢٣ ، ضمن مقدّمة البحر الزخّار ، المقصد الحسن والمسلك الواضح السنن : ٤٨ ، لوامع الأنوار ١ : ٤٨٦ ، مطلع البدور ٤ : ٥٦ ، بلوغ المرام : ٤٣ ، هجر العلم ومعاقله ٣ : ١٢٨٦ ، الفلك الدوّار : ١٧ ، تحقيق سالم عزّان في الهامش ، مؤلّفات الزيديّة : انظر الفهرست ، مصادر التراث في المكتبات الخاصّة في اليمن : انظر الفهرست ، الذريعة ٦ : ٢٩١ ، ٣٨٣ ، واستقرّ بي النوى : ١٨ ، الأعلام ٤ : ٨٣ ، هديّة العارفين ١ : ٤٥٨ ، الزيديّة لأحمد صبحي : ٧٤٨ ، الزيديّة في موكب التاريخ : ٤١١ ، المقتطف من تاريخ اليمن : ١٨١ ، كتاب : عرض لحياة وآثار الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة.

٢٦٤

كتاب الشافي :

قال عبد الله بن حمزة في بداية كتابه الشافي : أمّا بعد ، فإنّ الرسالة الخارقة وصلتنا منقلبنا من المغرب في شهر شوّال سنة ثمان وستمّائة وابتدأنا بسطر جوابها في شهر ربيع الأوّل سنة تسع وستّمائة ، وسبب تراخي المدّة كثرة الأشغال وتراكمها ، وقال أيضاً : ولا نروي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلاّ ما صحّ لنا سماعه ، ثمّ قال : وما رويناه ممّا يختصّ بروايته أهل العدل ذكرنا سند ذلك منّا إلى راويه ، ثمّ بيّناه على أصله(١) . وقال في كتاب العقد الثمين : وقد قدّمنا في الدلالة على إمامة علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ثمّ قال : وإنّ ذلك لولديه ( عليه السلام ) ، ثمّ قال : وبسطنا في الكتاب الشافي بسطاً بليغاً لا يكاد يوجد مثله في شيء من كتب الأصول(٢) .

نسبه إليه حميد المحلّي ( ت ٦٥٢ هـ ) في الحدائق ، قال : كتاب الشافي وهو يشتمل على أربع مجلّدات ، تولّى الربع الأوّل على الخصوص وهو يتعلّق بأخبار القائمين من العترة ( عليه السلام ) ، ومن يصلح للقيام وإن لم يقم ، ومن

____________

١ ـ الشافي ١ : ١٤ ، ٥٧.

٢ ـ العقد الثمين : ٤.

٢٦٥

عارضهم من بني أميّة وبني العبّاس ، من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى وقت الإمام المنصور بالله ( عليه السلام )(١) .

ونسبه إليه أيضاً : الحسن بن بدر الدين في أنوار اليقين(٢) ، ومحمّد بن عبد الله في التحفة العنبريّة(٣) ، والشرفي في اللآلي المضيّة(٤) ، وإبراهيم بن المؤيّد في الطبقات(٥) ، وغيرهم(٦) .

قال الهادي بن إبراهيم الوزير ( ت ٨٢٢ هـ ) في هداية الراغبين : ومن تصانيفه ( عليه السلام ) ( كتاب الشافي ) وهو النبأ العظيم والصراط المستقيم كما قال الصاحب في كتاب المغني ; لأنّه ( عليه السلام ) ضمّنه علوماً كثيرة وسيراً وأخباراً وتواريخ ونوادر وفرائد ونخباً في الأدب وفوائد ، وجعله أربع مجلّدة كباراً في جواب الخارقة ، وهي رسالة جاءت إليه من الفقيه المسمّى بأبي القبائل الأشعري الجبري ، يطعن فيها على الإمام ( عليه السلام ) ، وقد وقف له على رسالة إلى الحجاز ، ذكر فيها الإمام المنصور أحاديث نبوية ، وضمّنها ما يضمّنه الأئمّة دعواتهم من الدعاء للجهاد ، ثمّ قال : فاعترضها فقيه الخارقة وطعن في شيء من النحو والتصريف ، وما يكتب بالياء وما يكتب بالألف ، ثمّ أخذ يتكلّم في الأحاديث ، ويتعرّض للإمام ( عليه السلام ) بعدم الأسانيد ، إلى أن قال : فلمّا وصلت هذه الرسالة المسمّاة بالخارقة أجابها الإمام ( عليه السلام ) ، ثمّ قال : هذا المجلّد الأوّل والمجلّد الثاني والثالث والرابع في علوم شتّى من مذهب العدليّة من العترة النبويّة

____________

١ ـ الحدائق الورديّة ٢ : ٢٥٩.

٢ ـ أنوار اليقين : ٣٦٥.

٣ ـ التحفة العنبرية في المجدّدين من أبناء خير البريّة : ١٥٧.

٤ ـ اللآلي المضيّة ٢ : ٢٣٨.

٥ ـ طبقات الزيديّة ٣ : ٨٩.

٦ ـ انظر ما قدّمنا ذكره من المصادر في هامش ترجمة المصنّف.

٢٦٦

وأتباعهم من المعتزلة والزيديّة ، وبيّن الأسانيد في الأحاديث التي يختصّ بروايتها أهل البيت ( عليهم السلام ).

إلى أن قال : فكان هذا الكتاب من أقوى ما يعتمده الزيديّة ، وتعوّل عليه هذه الفرقة الهاديّة المهديّة ، فهو حصنها العزيز ومعقلها الحريز ، فقدس الله روح منشيه(١) .

وقال السيد مجد الدين في مقدّمته لكتاب الشافي : فأروي كتاب الشافي من أربع طرق :

الأولى : بالطريقة المتّصلة بالإمام الأوحد المنصور بالله الحسن بن بدر الدين محمّد بن أحمد بن يحيى بن يحيى في إسناد أنوار اليقين ، كما أوضحتها في لوامع الأنوار ، ورجال هذا السند كلّهم من أعلام آل محمّد ( عليهم السلام ).

والطريق الثانية المتّصلة بالإمام الشهيد المهدي لدين الله أحمد بن الحسين ( عليه السلام ) وليس فيها من غير العترة المطهّرة إلاّ رجلان من أعلام أوليائهم الكرام.

والطريق الثالثة المتصّلة بالإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى المرتضى وليس فيها من غير العترة إلاّ ثلاثة من الأبرار ( رضي الله عنهم ) وفي الطريق الرابعة ضعّفهم والبقيّة من العترة الزكيّة ويستّضح لك ذلك في الطريقين اللتين اخترت إيرادهما هنا ، وأمّا الأولى والرابعة فهما مذكورتان فيما تقدّم ، ثمّ ذكر الطريقين(٢) .

قال السيد أحمد الحسيني في مؤلّفات الزيديّة : الشافي تأليف الإمام

____________

١ ـ هداية الراغبين إلى مذهب العترة الطاهرين : ٣٣٤.

٢ ـ كتاب الشافي ١ : ٩ ، مقدّمة المحقّق.

٢٦٧

المنصور بالله عبد الله بن حمزة الحسني اليمني ، ردّ على كتاب « الرسالة الخارقة » للفقيه عبد الرحيم بن أبي القبائل(١) المتوفّى سنة ٦١٦ وهو في أربع مجلّدات ضخمة ، حقّق فيها أيضاً طرقه ومرويّاته ، بدأ بتأليفه في شهر ربيع الأوّل سنة ( ٦٠٩ ) واكتفى في الجواب بما لابدّ من ذكره ، ولم يتعرّض لكّل ما قاله صاحب الرسالة(٢) .

وقال عبد السلام الوجيه في أعلام المؤلّفين : ونسخه الخطيّة كثيرة(٣) .

____________

١ ـ وقيل غير هذا.

٢ ـ مؤلّفات الزيديّة ٢ : ١٢١.

٣ ـ أعلام المؤلّفين الزيديّة : ٥٨٣.

٢٦٨

( ٤٦ ) الرسالة النافعة بالأدلّة الواقعة

الحديث :

الأوّل : قال : ومن مناقب الفقيه أبي الحسن علي بن المغازلي الواسطي الشافعي بإسناده ، يرفعه إلى الوليد بن صالح ، عن ابن امرأة زيد بن أرقم ، قال : أقبل نبي الله ( صلى الله عليه وآله ) من مكّة في حجّة الوداع حتّى نزل بغدير الجحفة بين مكّة والمدينة ، فأمر بالدوحات فقمّ ما تحتهنّ من شوك ، ثمّ نادى الصلاة جامعة ، فخرجنا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في يوم شديد الحرّ ، إن منّا لمن يضع رداءه على رأسه ، وبعضه تحت قدميه من شدّة الحر ، حتّى انتهينا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فصلّى بنا الظهر ، ثمّ انصرف إلينا ، فقال : « الحمد لله نحمده ونستعينه ، أشهد أنّكم قد صدقتم وصدقتموني ، ألا وإنّي فرطكم وأنتم تبعي ، توشكون أن تردوا عليّ الحوض ، فأسألكم حين تلقوني عن ثقلي كيف خلفتموني فيهما؟ » قال : فأعيل علينا ما ندري ما الثقلان؟ حتّى قام رجل من المهاجرين وقال : بأبي وأمّي أنت ـ يارسول الله ـ ما الثقلان؟ قال : « الأكبر منهما كتاب الله سبب طرف بيد الله تعالى وطرف بأيديكم ، فتمسّكوا به ولا تلووا وتضلوا ، والأصغر منهما عترتي ، من استقبل قبلتي وأجاب دعوتي ، فلا تقتلوهم ، ولا تقهروهم ، ولا تقصروا عنهم ، فإنّي قد سألت لهما اللطيف الخبير فأعطاني ، ناصرهما لي ناصر ، وخاذلهما لي خاذل ، ووليّهما لي ولي ، وعدوّهما لي عدو ، ألا فإنّها لم تهلك أمّة قبلكم حتّى تدين بأهوائها »(١) .

____________

١ ـ الرسالة النافعة بالأدلّة الواقعة : ٤٠٨ ، ضمن مجموع عبد الله بن حمزة الجزء الثاني ، القسم الأوّل.

٢٦٩

الثاني : قال : ولأنّ الخبر في الصحاح قد وردت منه قطعة تفيد معنى ولاية التصرّف لأهل البيت باتّباعهم ووجوب طاعتهم ، وأنّه لا نجاة إلاّ بالتمسّك بهم وعلي ( عليه السلام ) سيد أهل البيت ورأسهم ممّا جاء فيهم من ذكر صفوة وأحتسب أنا قد قدّمنا ذكره من صحيح أبي داود ، ومن صحيح مسلم ، ومن الجمع بين الصحيحين للحميدي والترمذي وهو ما رواه عن زيد بن أرقم أنّه قال : قام فينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خطيباً بماء يدعى خماً بين مكّة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر ، ثمّ قال : « أمّا بعد أيّها الناس ، فإنّما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتيني رسول ربّي فأجيب ، وأنا تارك فيكم الثقلين : أوّلها كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ، ثمّ قال : وأهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي » فأوصى بكتاب الله دفعة وبأهل بيته ثلاثاً لتأكيد الحق وامتثال الأمر ، وعلى رأس أهل البيت والإجماع منعقد على أنّه لا أمر لأحد منهم مع أمره ، ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله ) : « حبلان ممدودان لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » ثمّ نعى إليهم صلوات الله عليه وعلى آله وسلم نفسه ، فكان الخبر وصيّة في آخر العمل لا يصحّ نسخها ، ويجب امتثالها ، فرحم الله من نظر بعين فكره »(١) .

الثالث : ومن ( صحيح مسلم ) في الجزء الرابع منه من أجزاء ستّة في آخر الكرّاس الثانية من أوّله بإسناده إلى يزيد بن حباب ، قال : انطلقت أنا وحصين ابن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم ، فلمّا جلسنا إليه ، قال حصين : لقد رأيت يا زيد خيراً كثيراً ، رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وسمعت حديثه ، وغزوت معه ، وصلّيت ، لقد أوتيت يا زيد خيراً ، حدّثنا يا زيد ما سمعت عن رسول

____________

١ ـ الرسالة النافعة بالأدلّة الواقعة : ٤١٨ ، ضمن مجموع عبد الله بن حمزة الجزء الثاني ، القسم الأوّل.

٢٧٠

الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : يابن أخي ، والله لقد كبر سنّي ، وقدم عهدي ، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فما حدّثتكم فاقبلوه ، وما لا فلا تكلّفونيه ، ثمّ قال : قام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خمّاً بين مكّة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ وذكّر ، ثمّ قال : « أمّا بعد أيّها الناس ، إنّما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربّي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين : أولّهما كتاب الله فيه النور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به » فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ، ثمّ قال : وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي » فقال الحصين : ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ فقال : نساؤه من أهل بيته ، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده(١) .

الرابع : وممّا يزيد ذلك وضوحاً ما رويناه من حديث الثقلين ، وقد ورد ذلك من طرق شتّى ، وصحّ تواتره ، وقد روي في الصحاح وغيرها من الكتب المأثورة ، والنُقل المقبولة عند الأمّة(٢) .

الخامس : وقد روينا بالإسناد الموثوق به إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنّه قال : « اعلموا أيّها الناس ، أنّ العلم الذي أنزل الله تعالى على الأنبياء من قبلكم في عترة نبيّكم ، خذوا عنّي عن خاتم المرسلين حجّة من ذي حجّة ، قالها في حجّة الوداع : إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »(٣) .

____________

١ ـ الرسالة النافعة بالأدلّة الواقعة : ٤١٩ ، ضمن مجموع عبد الله بن حمزة ، الجزء الثاني ، القسم الأوّل.

٢ ـ الرسالة النافعة بالأدلّة الواقعة : ٢٤٧ ، ضمن مجموع عبد الله بن حمزة ، الجزء الثاني ، القسم الأوّل.

٣ ـ الرسالة النافعة بالأدلّة الواقعة : ٢٤٧ ، ضمن مجموع عبدالله بن حمزة ، الجزء الثاني ، القسم الأوّل

٢٧١

السادس : قال :( إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، وقد تقدّم معنى هذه الآية في الصحاح ، ومن المراد بها ، قرنهم الحكيم سبحانه بالكتاب الكريم ، على لسان نبيّه الصادق العليم ، كما بيّنا لك في حديث الثقلين من الصحاح فما ظنّك بمن هو عدل للقرآن ، وردت بالتمسّك به وصاة الرحمن(١) .

الرسالة النافعة بالأدلّة الواقعة :

نسبها عبد الله بن حمزة إلى نفسه في كتابه العقد الثمين(٢) .

ونسبها إليه أيضاً حميد المحلّي في الحدائق الورديّة(٣) ، ومحمّد بن عبد الله في التحفة العنبريّة(٤) ، والشرفي في اللآلي المضيّة(٥) ، وغيرهم(٦) .

وقد تقدّم ذكر سند مجد الدين المؤيّدي إلى جميع مصنّفات عبد الله بن حمزة(٧) .

قال عبد السلام الوجيه في أعلام المؤلّفين الزيديّة : الرسالة النافعة بالأدلّة القاطعة في تبين الزيديّة ومذاهبهم ، وذكر فضائل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، والإجابة على الإماميّة والباطنيّة والمطرفيّة(٨) .

____________

١ ـ الرسالة النافعة بالأدلّة الواقعة : ٤٨٠ ، ضمن مجموع عبد الله بن حمزة ، الجزء الثاني ، القسم الأوّل.

٢ ـ العقد الثمين : ٤.

٣ ـ الحدائق الورديّة ٢ : ٢٦٧.

٤ ـ التحفة العنبريّة : ١٧٥.

٥ ـ اللآلي المضيّة ٢ : ٢٣٨.

٦ ـ انظر ما قدّمنا ذكره من المصادر في هامش ترجمة المصنّف.

٧ ـ انظر ما تقدّم من كلام عن كتاب الشافي.

٨ ـ أعلام المؤلّفين الزيديّة : ٥٨٣.

٢٧٢

( ٤٧ ) شرح الرسالة الناصحة في الدلائل الواضحة

في فضل أهل البيت ( عليهم السلام )

الحديث :

الأوّل : قال : وكيف نرخّص في التقليد ، ونحن أشدّ الناس ذمّاً للمقلّدين؟ إلى أن قال : فكان ممّا تلاه على الكافّة من الآيات ، وبيّنه لهم من الدلالالت ، وأخرجهم من الضلال ، وهو صادق مصدّق ، وذلك ثابت فيما رويناه بالإسناد الموثوق به من قوله ( عليه السلام ) : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »(١) .

الثاني : قال وأمّا دلالة السنّة فقوله ( عليه السلام ) : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » ، والكلام في هذا الخبر يقع في موضعين : أحدهما في صحّته ، والثاني في وجه الاستدلال به ، أمّا في صحّته فلأنّه ممّا ظهر بين الأمّة ظهوراً عامّاً ، بحيث لم ينكره أحد ، فصاروا بين عامل به ومتأوّل له ، فيجري مجرى أخبار الأصول من حجّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) وصيامه إلى غير ذلك(٢) .

الثالث : قال : قوله ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من

____________

١ ـ شرح الرسالة الناصحة ١ : ٣١ ، ضمن مجموع مخطوط مصوّر.

٢ ـ شرح الرسالة الناصحة ١ : ٤٦ ، حجّية إجماع أهل البيت ( عليهم السلام ).

٢٧٣

بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » ، وهذا الخبر ممّا أطبقت الأمّة على نقله ، واعترفت بصحّته ، فجرى مجرى الأخبار في أصول الشريعة كالصلاة والصوم ، وما شاكل ذلك(١) .

الرابع : قال : وقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في وجوب الرجوع إلينا ، والتمسّك بنا ما رويناه بالإسناد الموثوق به إليه ( عليه السلام ) أنّه قال : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض »(٢) .

الخامس : قال : فلو لم يكن في ذلك إلاّ ما رويناه بالإسناد الموثوق به إلى أبينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) أنّه قال : « أيّها الناس اعلموا أنّ العلم الذي أنزله الله على الأنبياء ، خذوا عنّي عن خاتم المرسلين ، حجّة من ذي حجّة ، قالها في حجّة الوداع : إنّى تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »(٣) .

شرح الرسالة الناصحة في الدلائل الواضحة :

نسبها عبد الله بن حمزة إلى نفسه في كتابه العقد الثمين(٤) .

قال حميد المحلّي ( ت ٦٥٢ هـ ) في الحدائق : ومن تصانيفه ( عليه السلام ) شرح

____________

١ ـ شرح الرسالة الناصحة ١١٧ : ١ ، ضمن مجموع مخطوط مصور.

٢ ـ شرح الرسالة الناصحة ٢٠ : ٢ ، ضمن مجموع مخطوط مصور.

٣ ـ شرح الرسالة الناصحة ٩٥ : ٢ ، ضمن مجموع مخطوط مصور.

٤ ـ العقد الثمين : ٤.

٢٧٤

الرسالة الناصحة بالأدلّة الواضحة ، وهو مشتمل على جزئين ، الأوّل : الكلام في أصول الدين من التوحيد والعدل والنبوءات والوعد والوعيد وما يتبعها ، والثاني : الكلام في فضائل العترة ( عليهم السلام ) ، وهو يشتمل على نكت حسنة من أخبارهم ، وملح آثارهم ، وهو كتاب جليل القدر(١) .

ونسبها إليه الحسن بن بدر الدين ( ت ٦٧٠ هـ ) في الأنوار ، وقال : وله ( عليه السلام ) في معنى كتابنا هذا ما يشفي غليل الصدور ، ويوضّح لأهل البصاير ما التبس من الأُمور ، ونحن نذكر من ذلك طرفاً يدلّ على غيره ممّا لم نذكره ، وهو موجود لطالبه بحمد الله ومنّه ، قال ( عليه السلام ) في كتاب شرح الرسالة الناصحة(٢) .

ونسبها إليه أيضاً : محمّد بن عبد الله في التحفة العنبريّة(٣) ، والشرفي في اللآلي المضيّة(٤) ، وغيرهم(٥) .

وقد تقدّم ذكر طرق المؤيّدي إلى جميع مؤلّفات عبد الله بن حمزة(٦) .

____________

١ ـ الحدائق الورديّة ٢ : ٢٥٩.

٢ ـ أنوار اليقين : ٣٦٥.

٣ ـ التحفة العنبريّة في المجدّدين من أبناء خير البريّة : ١٧٥.

٤ ـ اللآلي المضيّة في أخبار أئمة الزيديّة ٢ : ٢٣٨.

٥ ـ انظر ما قدّمنا ذكره من المصادر في هامش ترجمة المصنّف.

٦ ـ انظر ما تقدّم حول كتاب الشافي.

٢٧٥
٢٧٦

( ٤٨ ) العقد الثمين في تبيين أحكام الأئمّة الهادين ( عليهم السلام )

الحديث :

الأوّل : قال : والذي يدلّ على أنّ إجماعهم حجّة قوله تعالى : ( ) ، وأمّا الخبر فهو ما أخبرنا به الشريف الأمير الأجلّ الداعي إلى الله عزّ وجلّ بدر الدين ، صدر الإسلام ، شيخ آل الرسول ، محمّد بن أحمد بن الهادي إلى الحق ، قال : أخبرنا الشريف السيد عماد الدين الحسن بن عبد الله ( رحمه الله ) ، قال : أخبرنا القاضي الإمام الأوحد الزاهد قطب الدين شرف الإسلام عماد الدين أحمد بن الحسن الكشي بقراءته علينا ، وأخبرنا المشايخ الأجلاّء حسام الدين الحسن بن محمّد الرصاص ( رحمه الله ) ، والشيخ محيي الدين محمّد بن أحمد القرشي ـ طوّل الله مدّته ـ والشيخ عفيف الدين حنظلة بن الحسن ( رحمه الله ) ، قالوا : أخبرنا القاضي الأجلّ شمس الدين جمال الإسلام والمسلمين جعفر بن أحمد بن عبد السلام بن أبي يحيى ( رضي الله عنه ) ، قال : أخبرنا القاضي العالم الإمام الأوحد الزاهد قطب الدين شرف الإسلام عماد الشريعة أحمد بن أبي الحسن الكشي ( أدام الله تأييده ) ، قال : أخبرنا أبو منصور بن عبد الرحيم الحمدوني ( رحمه الله ) في شهر رمضان سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة قراءة عليه ، قال : أخبرني والدي الشيخ أبو سعيد المظفّر بن عبد الرحيم بن علي الحمدوني ، قال : حدّثنا السيد الإمام المرشد بالله أبو الحسن يحيى بن الموفّق بالله أبي عبد الله الحسن بن إسماعيل ابن زيد بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن محمّد بن جعفر بن عبد الرحمن الشجري بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام )

٢٧٧

في ذي الحجّة سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة ، قال : أخبرنا أبو طاهر محمّد بن أحمد بن محمّد بن عبد الرحيم بقراءتي عليه ، قال : أخبرنا أبو محمّد عبد الله ابن محمّد بن جعفر بن حبّان ، قال : أخبرنا عبيد بن محمّد بن صبيح الزيّات ، قال : حدّثنا عباد بن يعقوب ، قال : حدّثنا علي بن هاشم ، عن عبد الله بن أبي سليمان ، عن عطيّة ، عن أبي سعيد ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنّه قال : « أيّها الناس ، إنّي قد تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا الثقلين ، وأحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ، إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » ولم نذكر سند هذا الخبر بهذه الطريقة إلاّ تبرّكاً بذكر من ذكرنا فيه من الصالحين من أهل البيت ( عليهم السلام ) وأشياعهم ، ومن طريق العامّة وشيوخهم ، وإن كان لا حاجة إلى ذكر شيء من طرقه ; لظهورهِ واشتهاره ، وتلقّي الأمّة له بالقبول جميعاً.

فرقة متأوّله ، وفرقة عاملة بمقتضاه فى أمر الدين ، فلحق بالأخبار الواردة في أصول الدين فلا حاجة إلى ذكر طرقه(١) .

الثاني : قال : وقد أخبرنا النبي بوجوب التمسّك به(٢) ، فلو علم فواته أو بعضه لما أمر أن نتمسّك بالفايت ، وقال : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »(٣) .

الثالث : قال : وقد قال الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبّأني

____________

١ ـ العقد الثمين : ٣٠ ـ ٣١ ، مخطوط مصوّر.

٢ ـ أي القرآن الكريم.

٣ ـ العقد الثمين : ٦٧ ، مخطوط مصوّر.

٢٧٨

أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »(١) .

كتاب العقد الثمين :

قال عبد الله بن حمزة في العقد الثمين : يوم أنشأنا هذا التصنيف في شهر جمادى الآخرة سنة عشر وستمائة(٢) .

قال حميد المحلّي ( ت ٦٥٢ هـ ) في الحدائق : ومن تصانيفه ( عليه السلام ) : العقد الثمين في تبين أحكام الأئمّة الهادين ، في الكلام على الإماميّة خاصّة ، وهو مجلّد(٣) .

ونسبه إليه أيضاً : محمّد بن عبد الله في التحفة العنبريّة(٤) ، والشرفي في اللآلي المضيّة(٥) ، وغيرهم(٦) ، وقد ذكر السيد مجد الدين المؤيّدي عدّة أسانيد لجميع كتب عبد الله بن حمزة(٧) .

قال السيد أحمد الحسيني في مؤلّفات الزيديّة : العقد الثمين في تبين أحكام الأئمّة الهادين ، تأليف : الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة الحسني اليمني ، فيه كلام على الشيعة الإماميّة خاصّة ، والمناقشة معهم فيما يذهبون إليه من النصّ على أئمتهم بعد الإمام علي والحسن والحسين ( عليهم السلام ) ، واستطرد إلى البحث في بعض عقائدهم كالبداء والغيبة والعصمة وأمثالها(٨) .

____________

١ ـ العقد الثمين : ١٥٦ ، مخطوط مصوّر.

٢ ـ العقد الثمين : ١١٦.

٣ ـ الحدائق الورديّة ٢ : ٣٢٦.

٤ ـ التحفّة العنبريّة : ١٧٥.

٥ ـ اللآلي المضيّة ٢ : ٢٣٨.

٦ ـ انظر ما قدّمنا ذكره من المصادر في هامش ترجمة المصنّف.

٧ ـ انظر : مقدّمة كتاب الشافي ، وكتاب لوامع الأنوار ١ : ٤٨٦.

٨ ـ مؤلّفات الزيديّة ٢ : ٢٦٧.

٢٧٩

قال السيد محمّد بن حمود العمدي في كتابه واستقرّ بي النوى : « العقد الثمين في تبيين أحكام الأئمّة الهادين » كتاب في الفرق بين الزيديّة والإماميّة ، والرد على الإمامية ، وهو كتاب مليء بالشبه ، ولم يتحرّ مؤلّفه عبد الله بن حمزة فيه ـ مع الأسف ـ الموضوعيّة والدقّة ، كمآل أكثر الكتب عند كثير من المذاهب ، والتي تؤلّف لهذا الغرض(١) .

وقد طبع الكتاب مؤخّراً بتحقيق عبد السلام الوجيه ، وتقديم السيد مجد الدين المؤيّدي ، وصدر عن مؤسّسة الإمام زيد ( عليه السلام ).

____________

١ ـ واستقرّ بي النوى : ١٨.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

بسم الله الرحمن الرحيم

١ ـ في كتاب ثواب الأعمال باسناده عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من قرء( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) في فرائضه ونوافله سقاه الله من الكوثر يوم القيامة، وكان محدثه عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أصل طوبى.

٢ ـ في مجمع البيان في حديث أبي: من قرأها سقاه الله من أنهار الجنة واعطى من الأجر بعدد كل قربان قربه العباد في يوم عيد، ويقربون من أهل الكتاب والمشركين.

٣ ـ خاطب الله سبحانه نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على وجه التعداد لنعمه عليه فقال( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) اختلفوا في تفسير الكوثر فقيل هو نهر في الجنة عن عائشة وابن عمر

قال ابن عباس لـمّا نزل:( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) صعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المنبر فقرأها على الناس فلما نزل قالوا: يا رسول الله ما هذا الذي أعطاكه الله؟ قال: نهر في الجنة أشد بياضا من اللبن وأشد استقامة من القدح حافتاه قباب الدر والياقوت، ترده طير خضر لها أعناق كأعناق البخت(١) قالوا: يا رسول الله ما أنعم تلك الطير قال: أفلا أخبركم بأنعم منها؟ قالوا: بلى قال من أكل الطائر وشرب الماء(٢) وفاز برضوان الله.

٤ ـ وروى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: نهر في الجنة أعطاه الله نبيه عوضا من ابنه.

٥ ـ وقال أنس: بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاء ثم رفع رأسه متبسما فقلت: ما أضحك يا رسول الله؟ قال: أنزلت على آنفا سورة فقرأ سورة الكوثر، ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله اعلم، قال: فانه نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير، هو حوضي ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد نجوم السماء فيختلج القرن منهم فأقول: يا رب أمتي؟(٣) فيقال: انك لا تدري ما أحدثوا

__________________

(١) البخت: الإبل الخراسانية.

(٢) الالف واللام في «الطائر» والماء للعهد.

(٣) وفي المصدر «يا رب انهم من أمتي اه».

٦٨١

بعدك أورده مسلم في الصحيح.

٦ ـ وقيل هو الشفاعة رووه عن الصادقعليه‌السلام .

٧ ـ في كتاب الخصال فيما علم أمير المؤمنينعليه‌السلام أصحابه من الاربعمأة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه: انا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعى عترتي على الحوض فمن أرادنا فليأخذ بقولنا، وليعمل بعملنا، فان لكل أهل نجيبا ولنا نجيب ولنا شفاعة. ولأهل مودتنا شفاعة، فتنافسوا في لقائنا على الحوض، فانا نذود عنه أعداءنا ونسقي منه أحباءنا وأولياءنا، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا حوضنا فيه مثعبان(١) ينصبان من الجنة، أحدهما من تسنيم والاخر من معين، على حافتيه الزعفران، وحصاه اللؤلؤ [والياقوت] وهو الكوثر.

٨ ـ عن أبي صالح عن ابن عباس قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: أعطاني الله تبارك وتعالى خمسا واعطى عليا خمسا، أعطاني الكوثر وأعطاه السلسبيل، الحديث ٩ ـ في كتاب معاني الأخبار باسناده إلى الحسين بن أعين أخي مالك بن أعين قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الرجل للرجل: جزاك الله خيرا ما يعنى به؟ فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ان الخير نهر في الجنة مخرجه من الكوثر، والكوثر مخرجه من ساق العرش ؛ والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

في روضة الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن الحسين بن يزيد النوفلي عن الحسين بن أعين وذكر مثل ما كتاب معاني الأخبار سواء.

١٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حديث طويل ذكرناه بتمامه أول الإسراء وفيه يقولصلى‌الله‌عليه‌وآله : ثم مضيت مع جبرئيل فدخلت البيت المعمور فصليت فيه ركعتين ومعى أناس من أصحابي عليهم ثياب جدد، وآخرين عليهم ثياب خلقان، فدخل أصحاب الجدد وجلس أصحاب الخلقان، ثم خرجت فانقاد لي نهران نهر يسمى الكوثر ونهر يسمى الرحمة، فشربت من الكوثر واغتسلت من الرحمة، ثم انقاد لي جميعا حتى دخلت الجنة.

__________________

(١) المثعب: مسيل الماء.

٦٨٢

١١ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي (ره) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حديث طويل في مكالمة بينه وبين اليهود وفيه قالوا: نوح خير منك؟ قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم ذاك؟ قالوا: لأنه ركب في السفينة فجرت على الجودي؟ قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ولقد أعطيت أنا أفضل من ذلك، قالوا: وما ذاك؟ قال: إنّ اللهعزوجل أعطانى نهرا في السماء مجراه من تحت العرش وعليه ألف ألف قصر، لبنة من ذهب ولبنة من فضة، حشيشها الزعفران ورضراضها(١) الدر والياقوت وأرضها المسك الأبيض، فذلك خير لي ولامتى، وذلك قوله تعالى:( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) قالوا: صدقت يا محمد، وهو مكتوب في التوراة: هذا خير من ذاك.

١٢ ـ في أمالي الصدوق (ره) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حديث طويل وفيه قال عليٌّعليه‌السلام : يا رسول الله أصابتني جنابة البارحة من فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فطلبت في البيت ماء فلم أجد الماء، فبعثت الحسن كذا والحسين كذا، فابطئا على فاستلقيت على قفاي فاذا انا بهاتف من سواد البيت: قم يا عليُّ وخذ السطل واغتسل، فاذا انا بسطل من ماء مملو، عليه منديل من سندس، فأخذت السطل واغتسلت ومسحت بدني بالمنديل، ورددت المنديل على رأس السطل، فقام السطل في الهواء فسقط من السطل جرعة فأصابت هامتي، فوجدت بردها على فؤادي فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : بخ بخ يا ابن أبي طالب أصبحت وخادمك جبرئيل، اما الماء فمن الكوثر، وأمّا السطل والمنديل فمن الجنة كذا أخبرني جبرئيل كذا أخبرني جبرئيل.

١٣ ـ في أمالي شيخ الطائفةقدس‌سره باسناده إلى عبد الله بن العباس قال: لـمّا نزل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) قال له علي بن أبي طالب: ما هو الكوثر يا رسول الله؟ قال: نهر أكرمني الله به، قال عليٌّعليه‌السلام : ان هذا النهر شريف فانعته لنا يا رسول الله، قال: نعم يا عليّ الكوثر نهر يجرى تحت العرش ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد، حصاه الزبرجد والياقوت والمرجان، حشيشه الزعفران، ترابه المسك الأذفر، قواعده تحت عرش الله

__________________

(١) الرضراض: ما صغر ودق من الحصى.

٦٨٣

عزوجل ، ثم ضرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على جنب أمير المؤمنينعليه‌السلام وقال: يا عليُّ هذا النهر لي ولك ولمحبيك من بعدي.

١٤ ـ في كتاب المناقب لابن شهر آشوب عن يوسف بن مازن الراسبي انه لـمّا صالح الحسن بن عليٍّعليهما‌السلام عذل وقيل: يا مذل المؤمنين ومسود الوجوه فقالعليه‌السلام : لا تعذلوني فان فيها مصلحة، ولقد راى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في منامه تخطب بنو أميّة واحد بعد واحد، فحزن فنزل جبرئيل بقوله:( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) و( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) .

١٥ ـ في تفسير علي بن إبراهيم( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) قال: الكوثر نهر في الجنة اعطى الله محمدا عوضا عن ابنه إبراهيمعليه‌السلام .

١٦ ـ في الكافي علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن جعفر عن آبائهعليهم‌السلام ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: السخي محبب في السموات محبب في الأرض، خلق من طينة عذبة، وخلق ماء عينيه من ماء الكوثر، والبخيل مبغض في السموات، مبغض في الأرض، خلق من طينة سبخة وخلق ماء عينيه من ماء العوسج(١)

١٧ ـ في مجمع البيان:( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) عن عمر بن يزيد قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول في قوله:( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) هو رفع يديك حذاء وجهك. وروى عنه عبد الله بن سنان مثله.

١٨ ـ وعن جميل قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام :( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) فقال بيده هكذا يعنى استقبل بيديه حذاء وجهه القبلة في افتتاح الصلوة.

١٩ ـ وروى عن مقاتل بن حيان عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: لـمّا نزلت هذه السورة قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجبرئيلعليه‌السلام : ما هذه النحيرة التي أمرنى بها ربي، قال: ليست بنحيرة ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلوة أن ترفع يديك إذا كبرت، وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع وإذا سجدت، فانه صلوتنا وصلوة الملائكة في السماوات السبع ؛ فان لكل شيء زينة وان زينة الصلوة رفع

__________________

(١) السبخة: الأرض المالحة. والعوسج: الشوك.

٦٨٤

الأيدي عند كل تكبيرة.

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : رفع الأيدي من الاستكانة. قلت: وما الاستكانة؟ قال: ألا تقرأ هذه الاية:( فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ ) أورده الثعلبي والواحدي في تفسيريهما.

٢٠ ـ وأمّا ما رواه عن عليٍّعليه‌السلام ان معناه ضع يدك اليمنى على اليسرى حذاء النحر في الصلوة فمما لا يصح عنه، لان جميع عترته الطاهرينعليهم‌السلام قد رووه عنه بخلاف ذلك، وهو ان معناه ارفع يديك إلى النحر في الصلوة.

٢١ ـ في الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن حماد عن حريز عن رجل عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قلت له:( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) قال: النحر الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه ونحره.

٢٢ ـ في عوالي اللئالى وروى عن مقاتل عن حماد بن عثمان قال: سألت الصادقعليه‌السلام ما النحر؟ فرفع يده إلى صدره فقال: هكذا ثم رفعهما فوق ذلك فقال: هكذا استقبل القبلة في استفتاح الصلوة.

٢٣ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي (ره) عن الحسن بن عليعليه‌السلام حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام وأمّا أنت يا عمرو بن العاص الشانئ اللعين الأبتر فانما أنت كلب (كنت ظ) أول أمرك، ان أمك لبغية وانك ولدت على فراش مشترك، فتحا كمت فيك رجال قريش منهم أبو سفيان بن حرب والوليد بن المغيرة، وعثمان بن الحارث، والنضر بن الحارث بن كلدة، والعاص بن وائل، كلهم يزعم انك ابنه، فغلبهم عليك من بين قريش الأمهم حسبا وأخبثهم منصبا وأعظمهم بغية، ثم قمت خطيبا وقلت انا شانئ محمد، وقال العاص وائل: ان محمد رجل أبتر لا ولد له، فلو قد مات انقطع ذكره، فأنزل الله تبارك وتعالى:( إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) وكانت أمك تمشي إلى عبد قيس تطلب البغية، تأتيهم في دورهم ورحالهم وبطون أوديتهم.

٢٤ ـ في كتاب الخصال فقال أبو ذررحمه‌الله أنا أحدثكم بحديث سمعتموه ألستم تشهدون ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: شر الأولين والآخرين اثنا عشر، ستة

٦٨٥

من الأولين وستة من الآخرين؟ إلى أن قال: وأمّا السنة من الآخرين فالعجل وهو نعثل وفرعون وهو معاوية، وهامان هذه الامة زياد، وقارونها وهو سعيد(١) والسامري وهو أبو موسى عبد الله بن قيس لأنه قال كما قال سامرى قوم موسى «لا مساس» أي لا قتال، والأبتر وهو عمرو بن العاص.

٢٥ ـ في تفسير علي بن إبراهيم قال: دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المسجد وفيه عمرو بن العاص والحكم بن أبي العاص فقال عمرو: يا أبا الأبتر وكان الرجل في الجاهلية إذا لم يكن له ولد سمى أبتر، ثم قال عمرو: انى لأشنأ محمدا أي أبغضه، فأنزل الله على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شانِئَكَ ) أي مبغضك عمرو بن العاص( هُوَ الْأَبْتَرُ ) يعنى لا دين له ولا نسب.

بسم الله الرحمن الرحيم

١ ـ في كتاب ثواب الأعمال باسناده عن أبي عبد اللهعليه‌السلام من قرأ: «( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) ، و( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) في فريضة من الفرائض غفر الله له ولوالديه وما ولد وان كان شقيا محى من ديوان الأشقياء، وأثبت في ديوان السعداء ؛ وأحياه الله سعيدا وأماته شهيدا وبعثه شهيدا.

٢ ـ في مجمع البيان في حديث أبي: من قرأ( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) كأنما قرأ ربع القرآن، وتباعدت عنه مردة الشياطين، وبرىء من الشرك ويعافى من الفزع الأكبر.

٣ ـ وعن أنس بن مالك قال: سأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رجلا من أصحابه فقال: يا فلان هل تزوجت؟ قال: لا وليس عندي ما أتزوج به. قال: أليس معك( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) ؟ قال: بلى، قال: ربع القرآن قال: ليس معك( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) ؟ قال: بلى قال: ربع القرآن، قال: ليس معك «إذا زلزلت»؟ قال: بلى قال: ربع القرآن ثم قال: تزوج تزوج تزوج.

__________________

(١) أي سعيد بن العاص.

٦٨٦

٤ ـ وعن جبير بن مطعم قال: قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أتحب يا جبير إذا خرجت في سفر أن تكون من أمثل أصحابك هيئة وأكثرهم زادا؟ قلت: نعم بأبي أنت وأمّي يا رسول الله، قال: فاقرأ هذه السور الخمس: «( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) ، و( إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ) ، و( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ، و( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) . و( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) وافتتح قراءتك ببسم الله الرحمن الرحيم قال جبير: وكنت غير كثير المال، وكنت اخرج مع من شاء الله ان اخرج فأكون أكثرهم همة، وأقلهم زادا حتى ارجع من سفري ذلك.

٥ ـ وعن فروة بن نوفل الأشجعي عن أبيه انه أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال جئت يا رسول الله لتعلمني شيئا أقوله عند منامي، قال: إذا أخذت مضجعك فاقرأ( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) ثم نم على خاتمتها فانها براءة من الشرك.

٦ ـ الحذاء عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كان أبي يقول:( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) ربع القرآن وكان إذا فرغ منها قال: اعبد الله وحده، اعبد الله وحده.

٧ ـ وعن هشام بن سالم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إذا قلت:( لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ ) فقل ولكني اعبد الله مخلصا له ديني، وإذا فرغت منها فقل: ديني الإسلام ثلاث مرات.

٨ ـ وروى داود بن الحصين عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إذا قرأت( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) فقل:( يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) وإذا قلت:( لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ ) فقل اعبد الله وحده وإذا قلت:( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) فقل ربي الله وديني الإسلام.

٩ ـ في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام من الأخبار المجموعة بهذا الاسناد قال: قال عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : صلى بنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صلوة السفر فقرأ في الاولى:( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) وفي الاخرى( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ثم قال: قرأت لكم ثلث القرآن وربعه.

١٠ ـ وفي باب ذكر أخلاق الرضاعليه‌السلام ووصف عبادته وكان إذا قرأ:( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) قال في نفسه سرا:( يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) ، فاذا فرغ منها قال: ربي

٦٨٧