موسوعة حديث الثقلين الجزء ٣

موسوعة حديث الثقلين8%

موسوعة حديث الثقلين مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 978-600-5213-65-2
الصفحات: 687

الجزء ١ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 687 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 219801 / تحميل: 4670
الحجم الحجم الحجم
موسوعة حديث الثقلين

موسوعة حديث الثقلين الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٦٥-٢
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

ولذلك قال تعالى:( فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ) (1) .

فالآية تريد أن تحدد المسؤوليات، وتسد أبواب التملصات المقيتة، من قبل من يظهرون الطاعة والإنقياد، ويبطنون الصدود والعناد، ويدبرون في الخفاء للإستئثار بالأمر، وإقصاء صاحبه الشرعي عنه، ولا شيء يدفعهم إلى ذلك سوى حب الدنيا وزينتها، وعدم الإعتداد بشيء آخر سواها..

فعلى الناس أن يحفظوا نعمة الله عليهم، وأن لا يفرطوا فيما حباهم الله به، ولا يخضعوا لأهواء أهل الكفر، ولا يخشوا كيدهم ومؤامراتهم، وإلا فإنهم سيذوقون وبال أمرهم، وستكون أعمالهم هي السبب في سلب هذه النعمة منهم وعنهم.

أكملت.. أتممت:

ويلاحظ: أن الآية قد عبرت بالإكمال بالنسبة للدين، وبالإتمام بالنسبة للنعمة، وربما يكون الفرق بينهما: أن الإكمال هو تتميم خاص، فإنه يستعمل حيث يكون للشيء أجزاء لها أغراض وآثار مستقلة، فكلما حصل جزء، تحقق معه أثره وغرضه.

فهو من قبيل العموم الأفرادي، ويمكن أن يمثل له بصيام شهر رمضان، فإن صيام أي يوم منه يوجب تحقيق أثره، ويسقط وجوبه، وتبقى سائر الأيام على حالها..

____________

1- الآية 150 من سورة البقرة.

٢٤١

أما الإتمام، فيستعمل فيما يكون له أجزاء لا يتحقق لها أثر حتى تكتمل، فيكون الأثر لمجموعها، فلو فقد واحد منها لانتفى الأثر المترتب على المجموع.

فهو نظير ساعات اليوم الذي يصام فيه، فإنها لا يترتب الأثر على صيامها إلا بعد انضمام أجزائها إلى بعضها، بحيث لا يتخلف جزء منها، فإنه يوصف بالتمام في هذه الحال، ولذلك قال تعالى:( أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (1) ، وكذلك الحال في الصلاة بالنسبة لأجزائها الأساسية الواجبة، فإن بطلان أو إسقاط أي جزء منها يوجب سقوط الصلاة نفسها، وبطلانها.

والدين هو مجموعة قضايا، ومفاهيم وأحكام، لها آثارها الخاصة بها، ولكل واحد منها طاعته ومعصيته على حدة.. فيصح التعبير عنه بالإكمال.

أما النعمة التي أتمها الله فهي هنا تشريع ما يكون موجباً لحفظ الدين، وهو ولاية أولياء الله تبارك وتعالى، لتقام بهم أركان الإسلام، وتنشر بهم أعلامه. وبذلك يأمن المؤمنون من أي فتنة أو افتتان.

ويتحقق بذلك شرط قبول أعمال العباد، فإذا نقض المسلمون عهدهم، ولم يلتزموا بطاعة الإمام، حرمـوا من بركـات وجوده، وعاشوا في المصائب والبـلايـا في حياتهم الدنيـا، ويكـونـون عرضـة للفتن والمحن بما كسبت أيديهم.

____________

1- الآية 187 من سورة البقرة.

٢٤٢

الإسلام مرضي لله تعالى دائماً:

وليس معنى قوله تعالى:( وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) (1) . أن الإسلام لم يكن مرضياً قبل ذلك اليوم.. فإن الإسلام مرضي دائماً لله تعالى، والآية لا مفهوم لها..

لأنها تريد أن تقول: إن يأس الكفار، وإتمام النعمة وإكمال الدين، الذي رضيه الله تعالى لكم أيها البشر قد كان في هذا اليوم، فالله سبحانه راض لكم هذا في كل حين، وقد بلغه لكم على لسان أنبيائه، ووضع الضمانات لحفظ حدوده وشرائعه، وهيأ الظروف لبقائه واستمراره، من خلال تشريع الولاية، وتعريف الناس بأئمة دينهم، وبما يحفظهم من الضلال، ويدفع عن دينه تحريف المبطلين، وشبهات المضلين..

أو يكون المراد: أن الله كما لا يرضى الإسلام الناقص، لا يرضى الإسلام بدون حافظ لحدوده وشرائعه..

فإذا لم يبلغ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ما أنزل إليه من ربه كان الإسلام ناقصاً، وبلا حافظ معاً. ولا سيما مع ملاحظة: أن قبول الأعمال مرهون بولايته (عليه‌السلام ).

آية الإكمال نزلت مرتين:

ذكرنا في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله )

____________

1- الآية 3 من سورة المائدة.

٢٤٣

أموراً كثيرة حول آية الأمر بالبلاغ.. وآية إكمال الدين.. فلا غنى عن مراجعته.

وقلنا في ذلك الكتاب ما يلي: إن سورة المائدة قد نزلت يوم عرفة دفعة واحدة، فقرأها النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على الناس، وسمعوا آية الإكمال، وحاول أن يبلغ أمر الإمامة في عرفة، فمنعته قريش وأعوانها.

ثم بدأت الأحداث تتوالى، وتنزل تلك الآيات المرتبطة بكل حدث على حدة. فنزلت بعد ذلك آية:( بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) (1) . وجاءته بالعصمة من ربه، فبادر إلى إعلان إمامة علي (عليه‌السلام ) يوم الغدير، ثم تلا عليهم، أو نزلت عليه آية الإكمال بعد نصبه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) علياً (عليه‌السلام ) في ذلك اليوم الأغر، وقبل أن يشرع الناس بالتفرق.

فيكون الحديثان في نزول هذه الآية يوم عرفة، ويوم الغدير صحيحين معاً، لكن نزولها يوم عرفة كان في ضمن السورة، التي نزلت دفعة واحدة، ونزولها يوم الغدير كان بصورة منفردة عن بقية آيات السورة، بل ومنفردة عن سائر فقرات الآية التي هي في ضمنها كجملة إعتراضية، حسبما بيناه..

وقد نقل الرواية بذلك الطبرسي في الإحتجاج ونقلها غيره أيضاً(2) ،

____________

1- الآية 67 من سورة المائدة.

2- راجع: الإحتجاج (ط دار النعمان ـ النجف الأشرف) ج1 ص66 فما بعدها، وبحار الأنوار ج37 ص201 واليقين لابن طاووس ص343 والتفسير الصافي ج2 ص53 وروضة الواعظين ص89 وغاية المرام ج1 ص327 وج2 ص142 وج3 ص337 وموسوعة أحاديث أهل البيت "عليهم‌السلام " للنجفي ج8 ص48

٢٤٤

وفيها: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قرأ عليهم آية إكمال الدين يوم عرفة، حيث أمره الله تعالى بتبليغ ولاية علي (عليه‌السلام )، ولم تنزل العصمة.

ويعلم بالمراجعة: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حاول تنفيذ هذا الطلب، فمنع، فنزل قوله تعالى:( بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ..) (1) ، ففعل ذلك في يوم الغدير، ولم ينبس أحد منهم ببنت شفة إلا همساً.

ويؤيد هذ المعنى: ما ذكر في بعض الروايات، من أن يوم الغدير كان يوم الخميس كما سيأتي.

وهذا لا يتلاءم مع قولهم: إن يوم عرفة كان يوم الخميس، بل يتلاءم مع كون عرفة يوم الثلاثاء.

وقد روي عن عمر(2) ، ومعاوية، وسمرة بن جندب، ونسب إلى علي

____________

1- الآية 67 من سورة المائدة.

2- راجع: الدر المنثور ج2 ص258 عن الحميدي، و عن عبد بن حميد، وأحمد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن حبان، والبيهقي في سننه، وراجع: صحيح البخاري ج5 ص186 وج8 ص137 و (ط دار المعرفة) ج1 ص16 وصحيح مسلم ج8 ص238 و 239 والسنن الكبرى للبيهقي ج3 ص181 وج5 ص118 وسنن النسائي ج8 ص114 ومسند أحمد ج1 ص28 وسنن الترمذي ج4 ص316 وعمدة القاري ج18 ص199 وج25 ص23 ومسنـد الحميـدي ج1 ص19 والسنن الكـبرى للنسائي ج2 ص420 = = والمعجم الأوسط للطبراني ج1 ص253 وج4 ص174 ومسند الشاميين ج2 ص60 وفضائل الأوقات للبيهقي ص351 وكنز العمال ج2 ص399 وجامع البيان ج6 ص109 و 111 ومعاني القرآن للنحاس ج2 ص261 وتفسير السمعاني ج2 ص10 وشرح أصول الكافي ج6 ص121 وج11 ص278 والمحلى لابن حزم ج 7 ص 272.

٢٤٥

(عليه‌السلام ) أيضاً أن آية الإكمال نزلت في يوم عرفة(1) .

وهو ما يعني: أن آية الإكمال قد نزلت يوم عرفة في ضمن تمام السورة. ثم نزلت في موردها وحدها يوم الخميس، وهو يوم غدير خم.

ولو قلنا: إن الآية لم تنزل يوم الغدير، بل نزلت يوم عرفة فقط، لم يمكن أن نجد لمضمون الآية مورداً، ومنطبقاً حسبما أوضحناه.

كلام الأميني (رحمه‌الله ):

توضيح: أما العلامة الأميني (رحمه‌الله ) فلم يرتض ما ذكروه من أن

____________

1- راجع: مجمع الزوائد ج7 ص13 والمعجم الكبير ج7 ص220 وج12 ص198 وج19 ص392 ومسند الشاميين ج3 ص396 والجامع لأحكام القرآن ج2 ص15 والدر المنثور ج2 ص258 وتاريخ مدينة دمشق ج46 ص318 وسير أعلام النبلاء ج5 ص323 وتاريخ الإسلام للذهبي ج8 ص508 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص15 والكامل لابن عدي ج5 ص11 وكنز العمال ج2 ص400 وجامع البيان ج6 ص106.

٢٤٦

آية إكمال الدين قد نزلت في عرفة، وأورد أدلة عديدة على بطلان ذلك..

وكلامه صحيح إن كان يقصد تكذيب قولهم: إن شأن نزولها هو يوم عرفة وحسب، وأنها نزلت فيه لحضور مناسبة نزولها.. فراجع كلامه(1) ..

ولكننا ذكرنا: أن سورة المائدة كانت قد نزلت قبل يوم الغدير كلها، بما فيها آية الإكمال، ثم صارت الأحداث تحصل، فتنزل الآيات المرتبطة بها مرة ثانية، فكلام الأميني (رحمه‌الله ) لا ينفي قولنا هذا..

أبو طالب لم يكن حاضراً:

وقد رووا عن ابن عباس: أن أبا طالب (عليه‌السلام ) كان يرسل كل يوم رجالاً من بني هاشم، يحرسون النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، حتى نزلت هذه الآية( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (2) ، فأراد أن يرسل معه من يحرسه، فقال: يا عم: إن الله عصمني من الجن والإنس(3) .

____________

1- راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم "صلى‌الله‌عليه‌وآله " ج31 ص313 و 315.

2- الآية 67 من سورة المائدة.

3- الجامع لأحكام القرآن ج6 ص158 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص81 والغدير ج1 ص228 ولباب النقول للسيوطي (ط دار إحياء العلوم) ص95 و (ط دار الكتب العلمية) ص83 ومجمع الزوائد ج7 ص17 وأسباب نزول الآيات ص135 والمعجم الكبير ج11 ص205 والدر المنثور ج2 ص298 وعن ابن مردويه، والطبراني.

٢٤٧

ونقول:

أولاً: إن ما ذكرناه آنفاً من الإجماع على نزول سورة المائدة في المدينة، وأنها آخر ما نزل، أو من آخر ما نزل.. ومن الصحابة من يقول: إنها نزلت في حجة الوداع ـ إن ذلك ـ يكفي للرد على هذه المزعمة. فإن أبا طالب قد توفي قبل الهجرة إجماعاً..

ثانياً: لقد كانت هناك حراسات للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) تجري في المدينة، وفي المسجد أسطوانة يقال لها: أسطوانة المحرس.. وكان علي (عليه‌السلام ) يبيت عندها يحرس رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).. فإذا كانت الآية المشار إليها قد نزلت في مكة، فترك الحرس منذئذٍ، فلا معنى لتجديد الحراسات عليه في المدينة.

ثالثاً: تقدم في هذا الكتاب: أن أبا طالب (عليه‌السلام ) كان في الشعب إذا حلَّ الظلام، وهدأت الأصوات يقيم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من موضعه، وينيم علياً (عليه‌السلام ) مكانه. حتى إذا حدث أمر، فإن علياً يكون هو الفداء للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

فلو صح: أن أبا طالب كان يرسل رجالاً لحراسته (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كل يوم، فلا تبقى حاجة لهذا الإجراء، فإن الحرس موجودون، وأي أمر يحدث، فإنهم هم الذين يتصدون له..

ويلاحظ هنا: أن أبا طالب لم يختر غير علي (عليه‌السلام ) لهذه المهمة، الأمر الذي لم يكن بلا موجب وسبب، ولعل السبب أمر إلهي كان لا بد من امتثاله.

٢٤٨

رابعاً: إن آية الهجرة التي دلت على مبيت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في الغار، وحديث مبيت علي (عليه‌السلام ) في فراش النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يكذب هذه الرواية أيضاً.

ويظهر لنا: أن المطلوب بهذه الرواية المكذوبة إلقاء الشبهة حول مبيت علي (عليه‌السلام ) مكان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في الشعب، وحول مبيته (عليه‌السلام ) مكانه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في ليلة الهجرة.

بلغ ما أنزل إليك.. في اليهود:

من الأساليب التي يتبعونها لتضييع الحقيقة تكثير الأقوال في المورد، وقد زعموا: أن الأقوال في شأن نزول آية:( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (1) . بلغت العشرة(2) .

وقد رجح الرازي: أنها تريد أن تؤمن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من كيد اليهود والنصارى، فأمره الله بإظهار التبليغ، وعدم المبالاة بهم، ودليله على ذلك: أن ما قبل الآية وما بعدها مرتبط بأهل الكتاب(3) .

ونقول:

أولاً: إن السياق ليس حجة، ولا سيما بعد ورود الروايات الكثيرة المبينة لشأن النزول..

____________

1- الآية 67 من سورة المائدة.

2- التفسير الكبير للرازي ج12 ص49 والغدير ج1 ص225 و226.

3- التفسير الكبير ج12 ص50 والغدير ج1 ص226.

٢٤٩

ثانياً: إن أمر اليهود قد حسم قبل نزول الآية بعدة سنوات، أما النصارى فلم يكن لهم حضور يذكر ولا نفوذ ذو بال في جزيرة العرب..

ثالثاً: لم يكن قد بقي شيء من الشريعة يتوهم أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله )يمتنع عن إبلاغه خشية منهم، فكيف إذا كانت تصرح بأن الذي أمر الله نبيه بإبلاغه يعدل الدين كله، فقد قالت:( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) (1) . مع أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد بلغ الرسالة كلها.. باستثناء بضعة أحكام قد لا تصل إلى عدد أصابع اليد الواحدة. فذلك كله يدل: على أن ما أمر (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بإبلاغه له مساس بجميع أحكام الدين وشرائعه وحقائقه.. وهو الأمر الذي تخشاه قريش والطامعون والطامحون.. والذين أسلموا في الفتح وبعده.. وهو أخذ البيعة لعلي (عليه‌السلام ) بالخلافة من بعده.

مم يخاف النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )؟!:

وفي الآية وعد للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بأن الله تعالى سوف يعصمه من الناس، ويحفظه منهم، فيرد سؤال: من أي شيء كان (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يخاف، إن بلَّغ ما أمره الله به؟! مع علمنا: بأنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لا يبخل بنفسه ولا بأي شيء يعود إليه عن البذل في سبيل الله تعالى..

ونجيب:

بأن الذي أظهرته النصوص التي تقدمت في فصل سابق تحدثنا فيه عما

____________

1- الآية 67 من سورة المائدة.

٢٥٠

جرى في عرفة: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كان يخاف من قومه الذين كانوا حديثي عهد بجاهلية أن يتهموه فيما يبلغهم إياه بما يبطل أثر تبليغه، ويوجب فساد دعوته، فهو (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كان بصدد تحصين دعوته عن أن ينالها أولئك المتربصون بها بسوء.

ولعلك تقول: إذا كان هذا هو ما يخشاه الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فلا شك في أن الله يعلمه، فلماذا أمره بالتبليغ مع علمه بعدم إجتماع شرائطه؟!

ونجيب:

أولاً: إن الله تعالى تارة يأمر نبيه أمراً تنجيزياً فعلياً حاضراً بأمر قد اجتمعت شرائطه، وارتفعت موانعه.. وتارة يأمره بإبلاغ أمر بنحو يجعل للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) نفسه مهمة توفير بعض الشرائط، وإزالة بعض الموانع، وتوخي الوقت الأنسب، والأسلوب الأصوب في ذلك، والأمر في موضوع الإمامة من هذا القبيل، فإنه كان يحتاج إلى الإعداد الصحيح، وتهيئة النفوس، وتمهيد الوسائل المناسبة له..

ثانياً: إن قوله تعالى لنبيه وإن لم تفعل، لا يعني أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) هو الذي يختار أن لا يفعل، بل معناه: أن هذا الفعل إن لم يصدر منك بسبب منعهم إياك، كما حصل في عرفات، ثم في منى، فإننا سوف نعتبر أننا قد عدنا معهم إلى نقطة الصفر، وربما تقوم الضرورة بحربهم، كما حوربوا في بدر وأحد، والخندق، والفتح، وحنين..

ومما يدل على أن المشكلة هي في الناس الذين يمنعون النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )

٢٥١

قوله تعالى: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ. وقوله: إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ. فإن هذه الفقرات قد جاءت لتؤيد وتؤكد صحة فعله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وصدق توقعاته، وأن ما فعله كان في محله، وأنه لولا العصمة الإلهية لم يصح التبليغ، لأنه سيكون بمثابة التفريط بالمهمة، وعدم توخي الظرف الملائم.

وربما يشير إلى ذلك أيضاً:( أنه عطف بالواو لا بإلفاء في قوله تعالى: وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ ) (1) ، إذ لو عطف بإلفاء لأفاد أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) هو الذي يمتنع عن الإبلاغ بقرار منه، ووجود الداعي إلى هذا الإمتناع لديه، ولكنه حين عطف بالواو أفاد أن عدم الفعل سوف يطرأ عليه بسبب مانع وعارض.

فما بلغت رسالته:

إن قوله تعالى:( فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) (2) . يدل على أن هذا الذي يراد تبليغه يوازي في أهميته وخطورته تبليغ الرسالة كلها، فبدونه تصبح الرسالة كلا شيء، وتذهب كل الجهود والتضحيات التي بذلت سدى أو فقل: لولاه تصبح الرسالة كلها، بمثابة الجسد الذي لا روح فيه، فهو تام التكوين، ولكن جميع أعضائه معطلة، فإذا نفخت فيه الروح، وسرت فيه الحياة، تحركت جميع الأجهزة وعملت بصورة منتظمة، فتصير العين ترى،

____________

1- الآية 67 من سورة المائدة.

2- الآية 67 من سورة المائدة.

٢٥٢

والأذن تسمع، واللسان يتكلم، واليد تتحرك.. والقلب ينبض..وتكون له مشاعر وأحاسيس، فيحب ويبغض، ويفرح ويحزن و.. و.. إلخ..

وولاية علي (عليه‌السلام ) كذلك، فإنها إن فقدت، فإن جميع أعمال الإنسان تفقد خصوصية التأثير في السعادة الأخروية، ويفتقد معها كثيراً من المنافع في الدنيا..

ولأجل ذلك ورد: أما لو أن رجلاً صام نهاره وقام ليله، وتصدق بجميع ماله، وحج جميع دهره، ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه، وتكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله ثواب، ولا كان من أهل الايمان(1) .

تبرئة الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

والتعبير في الآية الكريمة بـ:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) (2) ، ليفيد: أن هذا الأمر ليس أمراً تدبيرياً أتى به الرسول من عند

____________

1- الآية 67 من سورة المائدة.

2- راجع: وسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص119 وج27 ص42 و 66 و (ط دار الإسلامية) ج1 ص91 وج18 ص26 و 44 ومستدرك الوسائل ج17 ص269 وبحار الأنوار ج23 ص294 وج65 ص333 والكافي ج2 ص19 والمحاسن للبرقي ج1 ص287 وكتاب الأربعين للماحوزي ص97 ومستدرك سفينة البحار ج6 ص588 وج10 ص459 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج3 ص440 وج12 ص227 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص544 والوافية للفاضل التوني ص174 وغاية المرام ج3 ص78.

٢٥٣

نفسه، بل هو أمر يبلغه لهم من حيث هو رسول يأتيهم بالقرار الرباني، الذي لا خيار له ولهم فيه..

ثم بين لهم بصورة أصرح وأوضح أن هذا الأمر أُنْزِلَ إِلَيْكَ.

ولكي لا تذهب بهم الأوهام إلى أن الذي جاء به هو الملك أو غيره، صرح لهم: بأنه مِنْ رَبِّكَ.

٢٥٤

الفصل الثامن: آيات سورة المعارج.. وسورة العصر..

٢٥٥

٢٥٦

الغدير وآيات سورة المعارج:

وتذكر هنا قضية ذلك المستكبر الذي لم يرض بنصب علي (عليه‌السلام ) إماماً يوم الغدير، فطلب من الله تعالى أن ينزل عليه العذاب، فنزل، ونزل قوله تعالى:( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ) (1) . وقد ناقش ابن تيمية في صحة هذه القضية.. ورد العلماء كلامه..

وقد ذكرنا ذلك كله في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وقد رأينا أنفسنا أمام أحد ثلاثة خيارات:

أولها: أن نهمل ذلك كله، فلا نورد منه شيئاً في كتابنا هذا.. ولم يعجبنا هذا الخيار لأسباب كثيرة منها حرمان القارئ الكريم من أمر له ارتباط ظاهر بحياة علي (عليه‌السلام )، وبأهم قضية تعنيه.

الثاني: أن نعيد كتابة ذلك كله من جديد. وهو خيار غير سديد، لأنه سيكون مجرد إتلاف للوقت، وضرب للجهد، لأجل اعتبارات شخصية ليست ذات أهمية.

الثالث: أن نستعير ما كتبناه هناك ونضعه هنا بين يدي القارئ الكريم

____________

1- الآيتان 1 و 2 من سورة المعارج.

٢٥٧

وقد آثرنا هذا الخيار الأخير، رغم ما فيه من حزازة شخصية بالنسبة إلينا..

فإليك ما أوردناه في الجزء الحادي والثلاثين من كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، حرفياً، وبدون أدنى تصرف فيه:

سورة المعارج مكية:

زعموا في مناقشاتهم لهذه الواقعة: أن سورة المعارج مكية، وهو ما ذكرته الرواية عن ابن عباس(1) ، وابن الزبير(2) ، فتكون قد نزلت قبل بيعة الغدير بسنوات.

ونقول:

الصحيح: أنها نزلت في المدينة، بعد حادثة الغدير، حيث طار خبر ما جرى في غدير خم في البلاد، فأتى الحارث بن النعمان الفهري أو (جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري).

____________

1- الدر المنثور ج6 ص263 عن ابن الضريس، والنحاس، وابن مردويه، والبيهقي، وسعد السعود لابن طاووس ص291 وفتح القدير ج5 ص287 وتفسير الميزان ج6 ص56 وج20 ص11 ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص219 و (ط دار الكتب العلمية) ص202 وتفسير ابن أبي حاتم ج5 ص1690 وج10 ص3373 عن السدي.

2- الدر المنثور ج6 ص263 عن ابن مردويه، وفتح القدير ج5 ص287 وتفسير الميزان ج6 ص56.

٢٥٨

في هامش الغدير: (لا يبعد صحة ما في هذه الرواية من كونه جابر بن النضر، حيث إن جابراً قتل أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) والده النضر صبراً، بأمر من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لما أسر يوم بدر)(1) .

فقال: يا محمد، أمرتنا من الله أن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وبالصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، فقبلنا منك، ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك، ففضلته علينا، وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شيء منك أم من الله؟!

فقال رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله ): والذي لا إله إلا هو، إن هذا من الله.

فولى جابر، يريد راحلته، وهو يقول: اللهم، إن كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم.

فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته، وخرج من دبره، وقتله. وأنزل الله تعالى: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ الآية)(2) .

____________

1- الغدير ج1 ص239 هامش.

2- الغدير ج1 ص239 عن غريب القرآن لأبي عبيد، ونقله أيضاً عن مصادر كثيرة أخرى. وراجع: شفاء الصدور لأبي بكر النقاش، والكشف والبيان للثعلبي، وتفسير فرات ص190 و (1410هـ ـ 1990م) ص505 وخصائص الوحي المبين لابن البطريق ص88 وكنز الفوائد للكراجكي، وشواهد التنزيل ج2 ص383 و 381 ودعاة الهداة للحاكم الحسكاني. والجامع لأحكام القرآن ج18 ص278 وتـذكـرة الخـواص ص30 والإكتفاء للوصـابي الشـافعي، وفرائـد = = السمطين ج1 ص82 وإقبال الأعمال لابن طاووس ج2 ص251 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص240 وبحار الأنوار ج37 ص136 و 162 و 176 وكتاب الأربعين للماحوزي ص154 و 161 وكتاب الأربعين للشيرازي ص115 ومعارج الوصول للزرندي الحنفي، ونظم درر السمطين ص93 والفصول المهمة لابن الصباغ ص41 وجواهر العقدين للسمهودي الشافعي، وتفسير أبي السعود للعمادي ج9 ص29 والسراج المنير (تفسير) للشربيني الشافعي ج4 ص364 والأربعين في مناقب أمير المؤمنين لجمال الدين الشيرازي ص40 وينابيع المودة ج2 ص370 وفيض القدير ج6 ص218 ومنهاج الكرامة ص117 والعقد النبوي والسر المصطفوي لابن العيدروس، ووسيلة المآل لأحمد بن باكثير الشافعي ص119 و 120 ونزهة المجالس للصفوري الشافعي ج2 ص209 والسيرة الحلبية ج3 ص302 و (ط دار المعرفة) ج3 ص337 والصراط السوي في مناقب النبي للقادري المدني، وشرح الجامع الصغير للحفني الشافعي ج2 ص387 ومعارج العلى في مناقب المرتضى لمحمد صدر العالم، وتفسير شاهي لمحمد محبوب العالم، وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج7 ص13 وذخيرة المآل في شرح عقد جواهر اللآلي لعبد القادر الحفظي الشافعي، والروضة الندية لمحمد بن إسماعيل اليماني ص156 ونور الأبصار للشبلنجي الشافعي ص159 والمنار (تفسير) لرشيد رضا ج6 ص464 والأربعون حديثاً لابن بابويه ص83 وخلاصة عبقات الأنوار ج8 ص342 و 357 و 362 و 368 و 370 والمراجعات ص274 وجامع أحاديث الشيعة ج1 ص52.

٢٥٩

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

( ٩٣ ) النمرقة الوسطى في الردّ على منكر فضل آل المصطفى

علي بن محمّد بن علي بن منصور ( ت ٧٧٣ هـ )

الحديث :

قال : الحجّة الرابعة : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي »(١) .

علي بن محمّد بن علي بن منصور :

قال الهادي بن إبراهيم الوزير ( ت ٨٢٢ هـ ) في كاشفة الغمّة : مولانا الإمام المهدي لدين الله علي بن محمّد بن علي ( عليه السلام ) ، فكان فضله أشهر من الشمس وضحاها ، وأجلى من القمر إذ تلاها ، درّة تاج العترة ومصطفاها ، إلى أن قال : وجمع الله لإمامنا هذا متفرّقات الفضل والفضايل ، وأعطاه ما لم يعطه أحداً من الأواخر والأوايل ، قبولاً في القلوب على اختراقها ، وتماماً في محبة الجهاد معه ، ثمّ قال : وكان له ( عليه السلام ) ثلاث حالات على الجملة ، الحالة الأُولى : حالة اقتباس العلم والتحقيق ، الحالة الثانية : حالة التدريس ، ونشر ما وهب الله له من حكمته ، الحالة الثالثة : حالة الدعاء إلى الله والجهاد في سبيله ، ثمّ قال : فلم يتمكّن من البسط في التصنيف ، وله ( عليه السلام ) مختصرات ورسائل وأجوبة لما لا يحصى من المسائل(٢) .

____________

١ ـ النمرقة الوسطى : ٣. مخطوط مصوّر.

٢ ـ كاشفة الغمّة عن حسن سيرة إمام الأمّة : ٥٩.

٤٦١

قال أحمد بن يحيى بن المرتضى في الجواهر والدرر : والدنا الإمام المهدي علي بن محمّد بن علي بن منصور بن يحيى بن مفضّل بن الحجاج ابن علي بن يحيى بن القاسم بن الإمام يوسف الداعي بن يحيى بن أحمد الناصر بن الهادي إلى الحق ، ولد سنة ٧٠٥ هـ ، ودعا في ( ثلا ) المحروس سنة ٧٥٠ هـ ، وتوفّي في جمادى الآخرة سنة ٧٧٤ هـ في ( ذمار ) ونقل منها إلى ( صعدة ) ومشهده فيها مشهور(١) .

قال محمّد بن علي الزحيف ( النصف الأول من القرن العاشر ) في مآثر الأبرار ـ بعد أن ذكر اسمه ونسبه ـ : ولد ( عليه السلام ) بعد سنة خمس وسبعمائة سنة ، بقيت له الدولة نيفاً وعشرين سنة ، ونشأ على طريقة آبائه الأعلام في السعي لأسباب الكمال والتمام ، حتّى برز في كلّ من الفنون وعلوم الإسلام ، وصارت تشدّ إلى عقوته الأكوار ; لاقتباس الفتاوي وتنفيذ الأحكام ، من المغرب والمشرق واليمن والشام ، ثمّ دعا بثلا يوم الخميس آخر شهر ربيع الآخر سنة خمسين وسبعمائة.

إلى أن قال : وكانت وفاة الإمام علي ( عليه السلام ) في شهر ربيع الأوّل من سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة ، مات وقد لحقه نقص في عقله وتمييزه في وجع أصابه في رأسه ، وكان موته بذمار ، فنقله ولده إلى صعدة بوصاية من أبيه(٢) .

قال السيد أحمد الشرفي ( ت ١٠٥٥ هـ ) في اللآلي المضيّة ـ بعد أن ذكر اسمه ونسبه ـ : ولد سنة سبع وسبعمائة ، ودولته نيّف وعشرون سنة ، إلى أن قال : وكانت وفاة الإمام علي بن محمّد ( عليه السلام ) في شهر ربيع الأوّل من سنة ثلاث

____________

١ ـ الجواهر والدرر : ٢٣١ ، ضمن مقدّمة البحر الزخّار.

٢ ـ مآثر الأبرار ٢ : ١٠٠٣.

٤٦٢

وسبعين وسبعمائة ، وعن الإمام المهدي أحمد بن يحيى أنّه توفّي في جمادى الآخرة سنة أربع وسبعين وسبعمائة(١) .

قال إبراهيم بن المؤيّد ( ت ١١٥٢ هـ ) في الطبقات ـ بعد أن ذكر اسمه ونسبه ـ : الحسني الهادوي الإمام المهدي لدين الله أبو محمّد ، مولده سنة سبع وسبعمائة ، نشأ على طريقة آبائه الأعلام في العلم والعمل والاجتهاد ، فأوّل سماعه على العلاّمة يحيى بن محمّد بن يحيى حنش ، ثمّ قال : وشيخه في الأصولين وغيرها من كتب الأئمّة وشيعتهم العلاّمة أحمد بن حميد بن سعيد الحارثي ، وممّا سمع عليه ( شفاء الأمير الحسين ) ، وكذلك أخذ فقه الزيديّة وشيعتهم على العلاّمة أحمد بن محمّد مرغم ، وممّا سمع عليه أيضاً الشفاء للأمير الحسين ، ومن مشائخه أيضاً يحيى بن القاسم بن عمر العلوي ، وله قراءة وسماع على عمّه السيد الحسن بن علي بن يحيى ، ومن مشايخ الآفاق العلاّمة محمّد بن عبد الكريم الينبعي. إلى أن قال : وله تلامذة أجلاّء أجلّهم السيد الهادي بن يحيى ، والسيد يحيي بن المهدي بن القاسم الحسيني ، وولده الإمام صلاح بن علي ، ومحمّد بن أحمد بن عمران ، والقاضي عبد الله الدّواري.

قال صاحب الإيضاح : وممّن أخذ عنه الإمام المهدي أحمد بن يحيى والإمام الهادي علي بن المؤيّد.

ثمّ قال : كانت دعوته بثلا يوم الخميس آخر شهر ربيع الآخر سنة خمسين وسبعمائة ، ولم يزل قائماً بالجهاد والاجتهاد حتّى كان آخر زمانه في ذمار ، مرض مدّة حتّى لحقه نقص في العقل من وجع أصابه في رأسه ، فتوفّي

____________

١ ـ اللآلي المضيّة ٢ : ٥٠١.

٤٦٣

بذمار في ربيع الأوّل سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة عن ست وستين سنة(١) .

قال عبد السلام الوجيه في أعلام المؤلّفين الزيديّة ، والأكوع في هجر العلم ومعاقله : وله سيرة كتبها إسماعيل بن إبراهيم بن عطيّة(٢) .

النمرقة الوسطى في الردّ على منكر فضل آل المصطفى :

قال ابن أبي الرجال ( ت ١٠٩٢ هـ ) في مطلع البدور في ترجمة علي بن المرتضى بن المفضّل : ولما اشتهرت المناظرة بينهما(٣) عمل العلماء في ذلك رسائل منهم الإمام المهدي علي بن محمّد في حال سيادته ، سمّاها النمرقة الوسطى في الردّ على منكر فضل آل المصطفى(٤) .

ونسبها إليه السيد المؤيّدي في التحف شرح الزلف(٥) ، وإسماعيل الأكوع في هجر العلم ومعاقله(٦) ، وعبد السلام الوجيه في مصادر التراث ، ولكن تحت عنوان ( النمرقة الوسطى وشفاء الأشفى في الردّ على جاحد ذرّيّة المصطفى )(٧) .

____________

١ ـ طبقات الزيديّة ٢ : ٧٨٠ ، الطبقة الثالثة.

٢ ـ أعلام المؤلّفين الزيديّة : ٧١٦ ، هجر العلم ومعاقله ٤ : ١٨٦٦.

وانظر في ترجمته أيضاً : مطمح الآمال في إيقاظ جهلة العمّال : ٢٥٤ ، البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ١ : ٣٣٢ ، الجواهر المضيّة : ٧١ ، مؤلّفات الزيديّة ٣ : ١٢٨ ، التحف شرح الزلف : ١٩٠ ، مصادر التراث في المكتبات الخاصّة في اليمن ١ : ٣٣٩ ، ٤٥٣ ، ٢ : ٥٦٥ ، الفلك الدّوار : ٦٠ ، في الهامش ، المقتطف من تاريخ اليمن : ١٩٥ ، معجم المؤلّفين ٧ : ٢٢٣ ، الأعلام ٥ : ٦ ، بلوغ المرام في شرح مسلك الختام : ٥١ ، ٤١١.

٣ ـ بين علي بن المرتضى بن الفضل والسيد أحمد بن صلاح.

٤ ـ مطلع البدور ٣ : ٢٠٠.

٥ ـ التحف شرح الزلف : ١٩١.

٦ ـ هجر العلم ومعاقله ٤ : ١٨٦٧.

٧ ـ مصادر التراث في المكتبات الخاصّة في اليمن ١ : ٣٣٩ ، ٤٥٣ ، ٢ : ٥٦٥.

٤٦٤

وقال في أعلام المؤلّفين الزيديّة : النمرقة الوسطى في الرد على منكر فضل آل المصطفى ، ثمّ قال : ـ خ ـ منه نسختان ضمن مجموع أوّله تفسير الأئمّة ، وأخرى ضمن مجموع عقود العقيان ـ خ ـ سنة ٧٢٧ هـ بمكتبة آل الهاشمي ، مصوّرة بمكتبة السيد عبد الرحمن شايم(١) .

قال السيد أحمد الحسيني في مؤلّفات الزيديّة : النمرقة الوسطى في الردّ على منكر فضل آل المصطفى ، تأليف : الإمام المهدي علي بن محمّد ، ألّفه على أشد مشاجرة جرت بين السيد جمال الدين علي بن المرتضى والسيد أحمد بن صلاح(٢) .

____________

١ ـ أعلام المؤلّفين الزيديّة : ٧١٦.

٢ ـ مؤلّفات الزيديّة ٣ : ١٢٨.

٤٦٥
٤٦٦

( ٩٤ ) اللآلي الدرّيّة شرح الأبيات الفخريّة

محمّد بن يحيى القاسمي ( حياً ٧٧٩ هـ )

الحديث :

الأوّل : قال : والأئمة الهادين الذين اصطفاهم الله لإرث كتابه ، وجعلهم لا يفارقون القرآن ، وفيهم خبر الثقلين(١) .

الثاني : قال : ونُزيد على ذلك ممّا يؤيّده ما رويته بالإسناد الموثوق به من طريق الإمام الحسن بن محمّد ( عليه السلام ) أنّ الضحّاك سأل أبا سعيد الخدري عن ما اختلف فيه الناس بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال : والله ما أدري ما الذي اختلفوا فيه ، ولكنّي أحدّثكم حديثاً سمعته أذناي ، ووعاه قلبي. إلى قوله : إنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) خطبنا على منبره قبل موته في مرضه الذي توفّي فيه ، لم يخطبنا بعده ، فحمّد الله وأثنى عليه ، وقال : « أيّها الناس ، إنّي تارك فيكم الثقلين » ثمّ سكت ، فقام إليه عمر بن الخطاب ، فقال : ما هذان الثقلان؟ فغضب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتّى أحمرّ وجهه ، وقال : « ما ذكرتهما إلاّ وأنا أريد أن أخبركم بهما ، ولكنّي أضرّ بي وجع ، فامتنعت من الكلام ، أمّا أحدهما فهو الثقل الأكبر كتاب الله ، سبب بينكم وبين الله تعالى ، طرف بيده وطرف بأيديكم ، والثقل الأصغر عترتي أهل بيتي عليّ وذرّيته ، والله إنّ في أصلاب المشركين من هو أرضى من كثير منكم » وهذا الخبر ممّا تلقّته الأمّة بالقبول ، واشتهر عند المؤالف والمخالف ،

____________

١ ـ اللآلي الدرّيّة شرح الأبيات الفخريّة : ٤ ، مخطوط مصوّر.

٤٦٧

ورووه بألفاظ مختلفة ، وهي في المعنى مؤتلفة(١) .

الثالث : قال : قوله « أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا » وتبيين النبي ( صلى الله عليه وآله ) بقوله « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً : كتاب الله وعترتي أهل بيتي »(٢) .

الرابع : قال : وذلك فيما رويناه من الإسناد الموثوق به من قوله ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به بعدي لن تضلّوا أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا على الحوض »(٣) .

الخامس : قال : وأمّا الوجه الثاني وهو من السنّة فهو قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » فهذا الخبر ممّا ظهر بين الأمّة واشتهر ، وتلقته بالقبول ، وأجمعوا على روايته بالألفاظ المختلفة المفيدة لمعنى واحد ; لأنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال بمحضر الجمع الكثير في حجّة الوداع فجرى مجرى الأخبار المتعلّقة بأصول الدين المهمّة كالصلاة والصوم وغير ذلك(٤) .

السادس : قال : ومن طريق السيد الإمام مجد الدين المرتضى بن مفضل ( قدّس الله روحه ) ما قاله في كتابه بيان الأوامر المجملة قوله ( عليه السلام ) : ومن صريح ما ذكره الأئمّة ( عليهم السلام ) في معنى ما ذكرناه أوّلاً وآخراً في ذلك قول أمير المؤمنين

____________

١ ـ اللآلي الدرّيّة شرح الأبيات الفخريّة : ١٣ ـ ١٤ ، مخطوط مصوّر.

٢ ـ اللآلي الدرّيّة شرح الأبيات الفخريّة : ٦٧ ، مخطوط مصوّر.

٣ ـ اللآلي الدرّيّة شرح الأبيات الفخريّة : ٦٧ ، في أمر الرسول باتّباع العترة ، مخطوط مصوّر.

٤ ـ اللآلي الدرّيّة شرح الأبيات الفخريّة : ٣٣٨ ، في أنّ إجماع أهل البيت حجّة ، مخطوط مصوّر.

٤٦٨

وسيد الوصيين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : « فأين يتاه بكم ، بل كيف » وقال ( عليه السلام ) فيه : أيّها الناس ، اعلموا أنّ العلم الذي أنزله الله على الأنبياء من قبلكم في عترة نبيّكم ، فأين يتاه بكم عن أمر تنوسخ من أصلاب أصحاب السفينة لأمثلها فيكم ، وهو كالكهف لأصحاب الكهف ، وهم باب السلم فادخلوا في السلم كافة ، وهم باب حطة من دخله غفر له ، خذوها عنّي عن خاتم المرسلين ، حجّة من ذي حجّة ، قالها في حجّة الوداع : إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا » الخبر(١) .

السابع : قال : وأمّا كلام الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين ( عليه السلام ) ، فإنّه قال : اعلم أيّها السائل ، وفي أمر الأمّة باتباع ذريّة المصطفى ما يقول النبي المرتضى : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي » الخبر(٢) .

الثامن : قال : فصل في الكلام في الأئمّة من بعد الحسن والحسين ( عليهما السلام ) وزيد بن علي ( عليه السلام ) من كلام الإمام أحمد بن سليمان ( عليه السلام ) ، قال بعد ذلك : فهذا ما جاء في الكتاب من ذكر أهل البيت ، ومن سنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما نورده ، فإنّه روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنّه قال : « تركت فيكم الثقلين ، ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا علي الحوضّ »(٣) .

التاسع : قال : وقد روى الإمام الحسن بن محمّد ( عليه السلام ) الخبر الأوّل(٤) ، وفيه

____________

١ ـ اللآلى الدرّيّة شرح الأبيات الفخريّة : ٣٤٠ ، مخطوط مصوّر.

٢ ـ اللآلي الدرّيّة شرح الأبيات الفخريّة : ٣٤٢ ، مخطوط مصوّر.

٣ ـ اللآلي الدرية شرح الأبيات الفخريّة : ٣٨٨ ـ ٣٨٩ ، مخطوط مصوّر.

٤ ـ وهو الخبر المتقدّم برقم ٨.

٤٦٩

زيادة وهو قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً : كتاب وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » وهذا الخبر ممّا ظهر بين الأمّة واشتهر ، وتلّقته بالقبول ، وأجمعوا على روايته بالألفاظ المختلفة المفيدة لمعنى واحد ; لأنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) بمحضر ذلك الجمع الكثير في حجّة الوداع فجرى مجرى الأخبار المتعلّقة بأمور الدين المهمّة كالصلاة والصوم وغير ذلك(١) .

العاشر : قال : ومن طريق الإمام المهدي لدين الله أمير المؤمنين الولي علي ابن محمّد بن علي ( عليه السلام ) مثله(٢) ، إلاّ أنّه زاد فيه أنّه « لن ينفع هذا إلاّ بهذا » وهذا الخبر ممّا تلقّته الأمّة بالقبول ، واشتهر بين المخالف والمؤالف ، ولنا فيه وجوه منها : أنّه حثّ على التمسّك بهم كما حثّ عليه في القرآن(٣) .

الحادي عشر : قال : وحكى الحاكم رحمه الله عن زيد بن علي ( عليه السلام ) أنّه قال : الردّ إلينا نحن والكتاب الثقلان(٤) .

الثاني عشر : قال : قال الإمام يحيى بن حمزة ( عليه السلام ) ، والحجّة الرابعة قوله ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إنّه لن ينفع هذا إلاّ بهذا » وهذا الخبر ممّا تلقته الأمّة بالقبول ، واشتهر بين المخالف والمؤالف ، ولنا فيه وجوه منها :(٥) .

____________

١ ـ اللآلي الدريّة شرح الأبيات الفخرية : ٣٨٩ ، مخطوط مصوّر.

٢ ـ أي : حديث الثقلين السابق برقم ٩.

٣ ـ اللآلي الدرّيّة شرح الأبيات الفخريّة : ٣٩١ ، مخطوط مصوّر.

٤ ـ اللآلي الدرّيّة شرح الأبيات الفخريّة : ٣٩٤ ، مخطوط مصوّر.

٥ ـ اللآلي الدرّيّة شرح الأبيات الفخريّة : ٤٣٩ ، مخطوط مصوّر.

٤٧٠

الثالث عشر : قال : قال ( عليه السلام ) أيضاً(١) : فإنّه قد روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنّه قال في خطبة الوداع : « أيّها الناس ، إنّي امرء مقبوض ، وقد نعيت إليّ نفسي ، وستفترق أمّتي بعدي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلّها هالكة إلاّ فرقة واحدة » فلمّا سمع ذلك منه ضاق به المسلمون ذرعاً ، وقالوا يارسول الله ، كيف لنا بعدك بطريق النجاة؟ وكيف لنا بمعرفة الفرقة الناجية؟ حتّى يعتمد عليها فقال ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » والأمّة مجمعة على صحّة هذا الخبر ، وكلّ فرقة من فرق الإسلام تلقّته بالقبول(٢) .

الرابع عشر : قال : ما رواه الإمام المنصور بالله الحسين بن محمّد ( عليه السلام ) من كتاب السفينة عن ابن عبّاس أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رجع من سفره وهو متغيّر اللون ، فخطب خطبة بليغة ، وهو يبكي ، ثمّ قال : « أيّها الناس ، إنّي قد خلّفت فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي وأرومتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، ألا وإنّي أنتظرهما ، ألا وإنّي سائلكم يوم القيامة في ذلك ، ألا إنّه سيرد عليّ يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الأمّة راية سوداء ، فتقف فأقول : من أنتم؟ فينسون ذكري ، ويقولون : نحن أهل التوحيد من العرب ، فأقول : أنا محمّد نبي العرب والعجم ، فيقولون : نحن من أمّتك ، فأقول كيف خلفتموني في عترتي وكتاب ربّي؟ فيقولون : أمّا الكتاب فضيّعنا ، وأمّا عترتك فحرصنا على أن نبيدهم ، فأولّي وجهي عنهم ، فيصدرون عطاشا ، قد اسودّت

____________

١ ـ أحمد بن سليمان.

٢ ـ اللآلي الدرّيّة شرح الأبيات الفخريّة : ٤٤٥ ، مخطوط مصوّر.

٤٧١

وجوههم ، ثمّ ترد راية أخرى أشدّ سواداً من الأولى ، فأقول لهم : من أنتم؟ فيقولون : كالقول الأوّل ، نحن أهل التوحيد ، فإذا ذكرت اسمي قالوا : نحن من أمّتك كالقول الأوّل ، نحن من أمّتك ، فأقول : كيف خلفتموني في الثقلين : كتاب الله وعترتي؟ فيقولون : أمّا الكتاب فخالفنا ، وأمّا العترة فخذلنا ، ومزّقناهم كلّ ممزّق ، فأقول لهم : إليكم عنّي ، فيصدرون عطاشا مسودّة وجوههم ، ثمّ ترد عليّ راية أخرى تلمع نوراً فأقول : من أنتم؟ فيقولون : نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى نحن أمّة محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ، ونحن بقيّة أهل الحق ، حملنا كتاب ربّنا فأحللنا حلاله وحرّمنا حرامه ، وأجبنا ذرّيّة محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ، فنصرناهم من كلّ ما نصرنا به أنفسنا ، وقاتلنا معهم ، وقتلنا من ناواهم ، فأقول لهم ابشروا فأنا نبيّكم محمّد ، ولقد كنتم كما وصفتم ، ثمّ أسقيهم من حوضي فيصدرون رواء » الخبر(١) .

الخامس عشر : قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « إني تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً » الخبر(٢) .

محمّد بن يحيى القاسمي :

قال ابن أبي الرجال ( ت ١٠٩٢ هـ ) في مطلع البدور : السيد العلاّمة محمّد ابن يحيى بن الحسين ، قال في تاريخ السادة آل الوزير : العلاّمة محمّد بن يحيى بن الحسين بن محمّد القاسمي رحمه الله وأعاد من بركاته ، هو شارح أبيات الواثق بالله المطهّر بن محمّد بن المطهّر الذي ذكر فيها عقيدة

____________

١ ـ اللآلي الدرّيّة شرح الأبيات الفخريّة : ٤٥١ ، مخطوط مصوّر.

٢ ـ اللآلي الدرّيّة شرح الأبيات الفخريّة : ٤٥٦ ، مخطوط مصوّر.

٤٧٢

أهل البيت ( عليهم السلام )(١) .

قال إبراهيم بن المؤيّد ( ت ١١٥٢ هـ ) في الطبقات : محمّد بن يحيى القاسمي ، السيد العلاّمة المعروف بمؤمن آل القاسم الرسي ( عليه السلام ).

ثمّ ذكر مشايخه وما استجازه من كتب عن قول محمّد بن يحيى ، إلى أن قال : وكان تمام تأليف كتابه في ربيع الأوّل من شهور سنة تسع وسبعين وسبعمائة بهجرة الظهراوين.

ثمّ قال : وأجلّ تلامذته علي بن المرتضى بن مفضّل ، وولده إبراهيم بن علي ابن المرتضى(٢) .

قال محمّد زبارة في ملحق البدر الطالع : السيد العلاّمة محمّد بن يحيى القاسمي الحسني المعروف بمؤمن آل القاسم الرسي ( عليه السلام ) ، أخذ عن السيد الحسن بن المهدي الهادوي ، والإمام محمّد بن المطهّر ، والقاضي أحمد بن الحسن بن محمّد الرصّاص والفقيه علي بن شوكان ، وجار الله الينبعي وغيرهم ، وكان عالماً كبيراً ، وأجلّ تلامذته : السيد علي بن المرتضى بن المفضّل ، وولده إبراهيم بن علي المرتضى وغيرهم ، وهو شارح الأبيات الفخريّة ، إلى أن قال : وكان فراغ صاحب الترجمة من تأليف شرحها في ربيع الأوّل سنة ٧٧٩ تسع وسبعين وسبعمائة بهجرة الظهراوين(٣) .

قال عبد السلام الوجيه في أعلام المؤلّفين الزيديّة : وربّما عاش حتّى أدرك زمن الإمام أحمد بن يحيى المرتضى المتوفّي سنة ٨٤٠ هـ(٤) .

____________

١ ـ مطلع البدور ٤ : ٢١٢.

٢ ـ طبقات الزيديّة ٢ : ١١١٠ ، الطبقة الثالثة.

٣ ـ البدر الطالع ٢ : ٣٥٨ ، في ملحق محمّد زبارة.

٤ ـ أعلام المؤلّفين الزيديّة : ١٠١٢.

٤٧٣

أقول : إنّ صاحب الطبقات ذكر أنّ من أجل تلامذته علي بن المرتضى ابن المفضّل كما تقدّم ، وأنّ علي هذا ولد سنة ٧٠٤ هـ وتوفّي سنة ٧٨٤ هـ(١) ، فالتلميذ قد توفّي في ٧٨٤ هـ عن عمر ثمانين سنة ، فما حال استاذه.

اللآلي الدرّيّة شرح الأبيات الفخريّة :

قال ابن أبي الرجال ( ت ١٠٩٢ هـ ) في مطلع البدور : قال في تاريخ السادة آل الوزير : محمّد بن يحيى ، هو شارح أبيات الواثق بالله المطهّر بن محمّد بن المطهّر الذي ذكر فيها عقيدة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ثمّ قال : كتاب قليل ندّه عظيمة فائدته ، في جميع أقوال أهل البيت في أصول الدين وعقائدهم ، وكان ينبغي أن تشحن به الخزائن ، وتحيى مكنوناته في الصدور ، ولكن المتأخّرين أهملوا علوم آبائهم ، فنسجت عليها عناكب النسيان حتّى إذا ذكرت الآن كذّب رواتها وضلّل معتقدها(٢) .

قال إبراهيم بن المؤيّد ( ت ١١٥٢ هـ ) في الطبقات : قال في كتابه شرح منظومة الواثق المطهّر بن محمّد بن المطهّر بن يحيى ( عليه السلام ) التي أوّلها :

لا يستزلّك أقوام بأقوال

ملفّقات حريّات بإبطال

قال ما لفظه : نقلت هذا المنقول من نهج البلاغة ومن حقائق المعرفة للإمام أحمد بن سليمان ، ومن التصنيف الظريف للسيد الإمام يحيى بن منصور بن العفيف ، وهو لي سماع ، ومن مجموع القاسم والهادي ، وهما لي إجازة من السيّد شرف الدين الحسن بن المهدي الهادوي وهما لي

____________

١ ـ مطلع البدور ٣ : ٢٠٢ ، وانظر في ترجمته أيضاً : الجواهر المضيّة : ٩٧ ، مؤلّفات الزيديّة ٢ : ٣٩٥ ، مصادر التراث في المكتبات الخاصّة في اليمن : انظر الفهرست ، هجر العلم ومعاقله ٣ : ١٣٤٧ ، معجم المؤلّفين ١٢ : ١٠٩ ، الأعلام ٧ : ١٤٠.

٢ ـ مطلع البدور ٤ : ٢١٢.

٤٧٤

إجازة من الفقيه إسماعيل بن علي الأسلمي ، ومن موضوعات السيد حميدان بن القاسم وهو لي إجازة عن السيد المقدّم ذكره.

ثمّ قال : وكان تمام تأليف كتابه في ربيع الأوّل من شهور سنة تسع وسبعين وسبعمائة بهجرة الظهراوين بشظب ، ثمّ قال ما لفظه : وقد أذنت لمن أبطل عليه من أولاد البطنين واتّباع الثقلين ، وشيعة الأخوين أن يصلحوا ما وجدوا فيه من اللحن والخطل ، يتعاهدوا بما شاهدوا فيه من خطأ وزلل ، انتهى بلفظه(١) .

ونسبه إليه أيضاً : عبد الله القاسمي في الجواهر المضيّة(٢) ، ومحمد زبارة في ملحق البدر الطالع(٣) ، وعبد السلام في مصادر التراث(٤) ، وغيرهم(٥) .

قال السيد أحمد الحسيني في مؤلّفات الزيديّة : اللآلي الدرّيّة في شرح الأبيات الفخريّة ، تأليف : السيد محمّد بن يحيى القاسمي اليمني ، شرح على القصيدة اللاميّة التي نظّمها الإمام الواثق المطهّر بن محمّد في أصول الدين ، فرغ منه الشارح في ربيع الأول سنة ٧٧٩ بهجرة الظهراوين من اليمن(٦) .

قال عبد السلام الوجيه في أعلام المؤلّفين الزيديّة : اللآلىء الدرّيّة شرح الأبيات الفخريّة ، شرح فيها أبيات الإمام المطهّر بن محمّد المتوفّى

____________

١ ـ طبقات الزيديّة ٢ : ١١١٠ ، الطبقة الثالثة.

٢ ـ الجواهر المضيّة في تراجم بعض رجال الزيديّة : ٩٧.

٣ ـ البدر الطالع ٢ : ٣٥٨ ، ملحق البدر لمحمد زبارة.

٤ ـ مصادر التراث في المكتبات الخاصّة في اليمن : انظر الفهرست.

٥ ـ انظر ما قدّمنا ذكره من المصادر في هامش ترجمة المصنّف.

٦ ـ مؤلّفات الزيديّة ٢ : ٣٩٥.

٤٧٥

سنة ( ٨٠٢ هـ ) ، ثمّ ذكر عدّة نسخ للكتاب في عدّة مكتبات(١) .

والكتاب تحت التحقيق ، وسيصدر عن مؤسسة الإمام زيد بن علي ( عليه السلام ) الثقافيّة.

____________

١ ـ أعلام المؤلّفين الزيديّة : ١٠١٢.

٤٧٦

( ٩٥ ) الدّر النضيد ( العقد النضيد ) المستخرج من شرح ابن أبي الحديد

فخر الدين عبد الله بن الهادي بن يحيى بن حمزة ( ت ٧٩٣ هـ )

الحديث :

الأوّل : قال : فكتب عمرو : من عمرو بن العاص إلى معاوية بن أبي سفيان ، أمّا بعد : ، وقد قال فيه : « عليّ وليّكم بعدي » وأكّد القول عليّ وعليك وعلى جميع المسلمين ، وقال « إنّي مخلّف فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي »(١) .

الثاني : قال : وروى الواقدي ، قال : سئل الحسن ( عليه السلام ) عن علي ( عليه السلام ) ، وكان يظنّ به الانحراف عنه ولم يكن كما يظنّ ، فقال : فما أقول فيمن جمع الخصال الأربع ، وقول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « الثقلان : كتاب الله وعترتي »(٢) .

فخر الدين عبد الله بن الهادي بن يحيى بن حمزة :

قال ابن أبي الرجال ( ت ١٠٩٢ هـ ) في مطلع البدور : فخر الدين عبد الله ابن الهادي ابن الإمام يحيى بن حمزة ( عليه السلام ) ، ترجم له السيد الهادي بن إبراهيم ابن محمّد تراجم مختصرة ، قال : كان يسكن خبان ، وهو أحد العلماء الأعلام الشيوخ المنتفع بهم ، وقراءته بصعدة على الشيخ إسماعيل والقاضي عبد الله وغيرهما.

____________

١ ـ الدر النضيد ( العقد النضيد ) : ٣٦٠ ، مخطوط مصوّر.

٢ ـ الدر النضيد ( العقد النضيد ) : ٥٨٤ ، مخطوط مصوّر.

٤٧٧

ثمّ قال : كان رحمه الله للعلم جمّاعاً ، وفي الكلام شجاعاً ، شهد له موضوعاته وتعليقاته في كلّ فن ، ثمّ قال : توفّي رحمه الله بمدينة صنعاء ، ودفن في مسجد الأخيرم ، قلت : يعني به المسجد المعروف اليوم بالوشلي(١) .

قال عبد السلام الوجيه في أعلام المؤلّفين الزيديّة : عبد الله بن الهادي ابن الإمام يحيى بن حمزة ، عالم ، فاضل ، فقيه ، محقق ، سكن خبان ، وقرأ بصعدة على الشيخ إسماعيل والقاضي عبد الله وغيرهما ، وكان من أنصار الإمام صلاح الدين بن محمّد بن علي ، وهو أديب مشارك في عدّة علوم ، توفّي بمدينة صنعاء ، نحو ٧٩٣ هـ(٢) .

قال الأكوع في هجر العلم : عبد الله بن الهادي بن يحيى بن حمزة : فقيه عالم محقق ، سكن خبان ، وتوفّي بصنعاء سنة ٧٩٣ هـ تقريباً(٣) .

ولكن قال عمر كحالة في معجم المؤلّفين : توفّي حوالي ٨١٠ هـ ، عن بروكلمان(٤) .

الدّر النضيد ( العقد النضيد ) المستخرج من شرح ابن أبي الحديد :

قال ابن أبي الرجال ( ت ١٠٩٢ هـ ) في مطلع البدور : وله منتخب من شرح ابن أبي الحديد يسّمى الدرّ النضيد من شرح ابن أبي الحديد على

____________

١ ـ مطلع البدور ٣ : ٩٠.

٢ ـ أعلام المؤلّفين الزيديّة : ٦٢٤.

٣ ـ هجر العلم ومعاقله ١ : ٥٠٩.

٤ ـ معجم المؤلّفين ٦ : ١٦١ ، وانظر في ترجمته أيضاً : الذريعة ١٤ : ١٣٤ ، ١٥ : ٢٩٩ ، مجلّة تراثنا ٥ : ١٥٨ ، مؤلّفات الزيديّة ٢ : ٢٧٠ ، مصادر التراث في المكتبات الخاصّة في اليمن : انظر الفهرست.

٤٧٨

نهج البلاغة(١) .

قال الطهراني في الذريعة : شرح النهج لفخر الدين عبد الله بن المؤيّد بالله ، هو اختصار من شرح ابن أبي الحديد ، ويسمّى ( العقد النضيد ) أو ( الدرّ النضيد ) المستخرج من شرح ابن أبي الحديد ، توجد منه نسخة كتابتها سنة ١٠٨٠ في مكتبة المجلس بطهران كما في فهرس المخطوطات منها ( ج١ ، ص١٦٧ )(٢) .

قال عبد السلام الوجيه : العقد الفريد في مختصر ابن أبي الحديد ، ويسمّى الدرّ النضيد ، ومنه نسخة مصوّرة باسم العقد النضيد ، خطّ قديم منزوع الأول إلى ص ٢٥ ، بمكتبة السيد محمّد بن حسين العجري بصعدة ، ثلاث نسخ مصوّرة بمكتبة السيد محمّد بن عبد العظيم الهادي ( ٦٧٨ هـ )(٣) .

ونسبه إليه أيضاً : السيد أحمد الحسيني في مؤلّفات الزيديّة(٤) ، والأكوع في هجر العلم ومعاقله(٥) ، والأميني في الغدير(٦) .

____________

١ ـ مطلع البدور ٣ : ٩٠.

٢ ـ الذريعة ١٤ : ١٣٤ ، ١٥ : ٢٩٩.

٣ ـ أعلام المؤلّفين الزيديّة : ٦٢٥.

٤ ـ مؤلّفات الزيديّة ٢ : ٢٧٠.

٥ ـ هجر العلم ومعاقله ١ : ٥٠٩.

٦ ـ الغدير ٤ : ١٨٩.

٤٧٩
٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687