في رحاب الزيارة الجامعة

في رحاب الزيارة الجامعة5%

في رحاب الزيارة الجامعة مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-7165-40-4
الصفحات: 698

  • البداية
  • السابق
  • 698 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68102 / تحميل: 5098
الحجم الحجم الحجم
في رحاب الزيارة الجامعة

في رحاب الزيارة الجامعة

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
ISBN: ٩٦٤-٧١٦٥-٤٠-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

وَذَوِى النُّهى (١)

____________________________________

(١) ـ ذَوي : جمع ذي بمعنى صاحب ، فذوي بمعنى أصحاب.

والنُّهى جمع نُهْيَه بضمّ النون بمعنى العقل ـ فإنّه يسمّى العقل بالنُهية لأنّه يَنهى عن القبائح ، أو لأنّ صاحبها ينتهي إليها عن القبائح ، أو ينتهي إلى إختياراته العقلية.

وللعقل أسماء اُخرى أيضاً وردت في اللغة أو إستعملت في المحاورة ، فمن أسمائه :

(الحَصاة ، والحَصافة ، والحِجْر ، والحِجى ، والأُربة ، والمِرّة ، والنّحيزَة ، والأدَب ، واللُّب ، والفِطنة)(١) .

فالنُّهية إذاً هذه التي جُمعت على نُهى بمعنى العقل ، فقوله عليه السلام : «ذوي النهى» بمعنى أصحاب العقول.

وأهل البيت سلام الله عليهم هم أصحاب العقول الكاملة ، والألباب الفاخرة.

وهم الذين منحهم الله العقل الأكمل الذي يُعبد به الرحمن ، ويُكتسب به الجنان.

وهم ورثة رسول الله صلى الله عليه وآله الذي اُعطي تسعة وتسعون جزءاً من العقل ، ثمّ قُسّم بين العباد جزء واحد ، كما في حديث النوفلي(٢) .

وهم المعنيّون بقوله عزّ إسمه :( إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ ) (٣) كما في حديث عمّار(٤) فقد فسّرت بالأئمّة من آل محمّد عليهم السلام ، حيث قد بلغوا القمّة في العقل ، وكانوا سادة العقلاء(٥) .

__________________

(١) لاحظ تهذيب الألفاظ : ص ١٨٣ ، والألفاظ الكتابية : ص ١٤٤.

(٢) بحار الأنوار : ج ١ ص ٩٧ ب ٢ ح ٦.

(٣) سورة طه : الآية ١٢٨.

(٤) بحار الأنوار : ج ٢٤ ص ١١٨ ب ٤٠ ح ١.

(٥) كنز الدقائق : ج ٨ ص ٣٧٢.

١٢١

وَاُولِى الْحِجى (١) وَكَهْفِ الْوَرى (٢)

____________________________________

(١) ـ اُولي : جمعً لا واحد له منن لفظه ، ويستعمل بدل مفرده ذو بمعنى صاحب ، فاُولوا بمعنى أصحاب.

والحِجى هو العقل والفطنة كما عرفت ذلك أنفاً في أسماء العقل.

وهذه الفقرة الشريفة إمّا مرادفة لذوي النُّهى وبمعناها للتأكيد.

أو مغايرة معها بأن تكون الفقرة الاُولى لبيان عقل المعاش والاُمور الدنيوية ، والفقرة الثانية لبيان عقل المعاد والاُمور الاُخروية كما أفاده السيّد شبّر قدس سره(١) .

أو يكون الحجى بمعنى العقل مع الفطانة ، فيزاد معنى هذه الفقرة على الفقرة السابقة كما قد يستفاد هذا المعنى من تعابير اللغة.

(٢) ـ الكهف هو الملجأ والملاذ ، ومنه قوله عليه السلام : «يا كهفي حين تعييني المذاهب» أي ملجئي وملاذي حين تعجزني مسالكي إلى الخلق وتردّداتي إليهم(٢) ، ومنه أيضاً توصيف أمير المؤمنين في زيارته الشريفة في اليوم الحادي العشرين من شهر رمضان المبارك : «كنت للمؤمنين كهفاً وحصناص»(٣) .

والوَرى على وزن فتى بمعنى الخَلْق.

وأهل البيت النبوي صلوا الله عليهم هم الملجأ والملاذ للخلائق في الدين والدنيا ، والآخرة والعقبى ، ففي حديث عبد العزيز بن مسلم عن الإمام الرضا عليه السلام جاء فيه :

«الإمام الأنيس الرفيق ، والوالد الشفيق ، والأخ الشقيق ، والاُمّ البَرّة بالولد

__________________

(١) الأنوار اللامعة : ص ٦٩.

(٢) مجمع البحرين : مادّة كَهَفَ ص ٤٢٠.

(٣) عمدة الزائر ، للسيّد حيدر : ص ١٠٠ وأشار إليه وإلى اعتبار سنده المحدّث القمّي في المفاتيح في آخر باب زياراته عليه السلام المخصوصة.

١٢٢

.........................................

____________________________________

الصغير ، ومفزعُ العباد في الداهية النآد»(١) .

وقد التجأ إليهم ولاذ بهم أعاظم الخلق وأكابر المخلوقين من لدن سيّدنا آدم عليه السلام ، وهم الملجأ والملاذ إلى آخر العالم ، وإلى يوم القيام الأعظم.

وسيأتي في فقرة الشفاعة أحاديث التجاء الأنبياء مع اُممهم إليهم ، والتجاء الخلق إلى الرسول وآله الطاهرين سلام الله عليهم.

والشواهد عليها حيّة ، والدلائل عليها كثيرة. كما تلاحظه في الأحاديث الشريفة نظير :

حديث معمّر بن راشد قال : سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول : أتى يهوديٌ النبي صلى الله عليه وآله فقام بين يديه يحدّ النظر إليه.

فقال : يا يهودي ما حاجتك؟

قال : أنت أفضل م موسى بن عمران النبي الذي كلّمه الله وأنزل عليه التوراة والعصا وفلق له البحر وأظلّه بالغمام؟

فقال له النبي صلى الله عليه وآله : إنّه يكره للعبد أن يزكّي نفسه ، ولكنّي أقول :

«إنّ آدم عليه السلام لمّا أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال : اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّ «لما غفرت لي ، فغفرها الله له.

وإنّ نوحاً لمّا ركب في الفينة وخاف الغرق قال : اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لما أنجيتني من الغرق ، فنجّاه الله عنه.

وإنّ إبراهيم عليه السلام لمّا اُلقي في النار قال : اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لما أنجيتني منها ، فجعلها الله عليه برداً وسلاماً.

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٢٠٠ ح ١.

١٢٣

.........................................

____________________________________

وإنّ موسى لمّا ألقى عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال : اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لما آمنتني فقال الله جلّ جلاله :( لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ ) (١) .

يا يهودي إنّ موسى لو أدركني ثمّ لم يؤمن بي وبنبوّتي ما نفعه إيمانه شيئاً ، ولا نفعته النبوّة.

يا يهودي ومن ذرّيتي المهدي إذا خرج نزل عيسى بن مريم عليه السلام لنصرته فقدّمه وصلّى خلفه»(٢) .

واعلم أنّه جاءت هذه الفقرة في البلد الأمين والمستدرك بصيغة : وكهوف الورى ، وجاء بعدها وبدور الدنيا.

وبدور جمع بدر وهو القمر في ليلة تمامه وكاله ، يعني ليلة أربعة عشر من الشهر.

فأهل البيت سلام الله عليهم هم البدور المضيئة التي أنارت العالم ، وهَدَته إلى الطريق الأقوم ، وإستمدّت نورها المتألّق وضيائها المشرق من شمس الهداية في سماء العالم ، رسول الله صلى الله عليه وآله.

ولو لاهم لهوى الناس في الظلمات وارتكسوا في الداجيات ، كما ترى ذلك في أحاديث تفسير قوله عزّ إسمه :( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ) (٣) ـ(٤) .

فهم البدور الهادية والأقمار المنيرة ، التي إهتدت وتزيّنت بهم عالم الدنيا والآخرة والاُولى.

__________________

(١) سورة طه : الآية ٦٨.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٣١٩ ب ٧ ح ١.

(٣) سورة الشمس : الآية ١ ـ ٢.

(٤) بحار الأنوار : ج ٢٤ ص ٧٢ ح ١ ـ ٧.

١٢٤

وَوَرَثَةِ الاْنْبِياءِ (١)

____________________________________

(١) ـ ورثة جمع وارث وهو من يبقى بعد المورِّث ويستحقّ ميراثه.

والميراث هو ما يخلّفه الرجل لورثته ، ويطلق على كلّ ما يورّث ، ومنه قوله تعالى :( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا ) (١) وهم الأئمّة الذين أورثهم الله كتابه(٢) .

والأنبياء هم المبعوثون المعروفون ١٢٤٠٠٠ نبي سلام الله عليهم.

وأهل البيت صلوات الله عليهم هم الورثة المحقّون ، والأئمّة الوارثون الذين وصل إليهم جميع مواريث الأنبياء بحقٍّ ، وكافّة مواريث سيّدهم الرسول الأكرم صلوات الله عليه وآله وسلّم باستحقاق.

ورثوا كتبهم وآثارهم وآيات نبوّتهم ، وتركة رسالتهم ، وكلّ علم وفضيلة وكمال ومنقبة كانت فيهم ، وهم الذين يرثون الأرض ومن فيها وما عليها.

قال تعالى :( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (٣) فهم آل محمّد يبعث الله مهديهم ، فيعزّهم ويُذلّ أعدائهم كما في الأحاديث المتوفّرة(٤) .

والمواريث التي وصلت إليهم ، وورثوها من سَلَفهم ، كما تستفاد من الأحاديث الشريفة المتظافرة في أبواب متعدّدة(٥) هي كما يلي ملخّصاً :

(١) الكتب السماوية التي نزلت من عند الله عزّ وجلّ على انبيائه كصحف إبراهيم ، وتوراة موسى ، والألواح ، وزبور داود ، وانجيل عيسى ، وسائر الكتب الاُخرى ، بل كلّ ما كان عند الأنبياء.

__________________

(١) سورة فاطر : الآية ٣٢.

(٢) مرآة الأنوار : ص ٢١٧.

(٣) سورة القصص : الآية ٥.

(٤) كنز الدقائق : ج ١٠ ص ٢٩.

(٥) بصائر الدرجات : ص ١٧٤ ، الكافي : ج ١ ص ٢٣١ ، بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٢٠١.

١٢٥

.........................................

____________________________________

وهم يعرفونها ويقرأونها على اختلاف لغاتها كما تلاحظه في أحاديث الكافي(١) .

بل هم ورثه اُصول العلم من جدّهم الرسول الأمين ، وكلّ علم أحصاه الله تعالى في خاتم النبيّين ، كما عرفت ذلك بتفصيل فيما تقدّم عند بيان علومهم في شرح قوله عليه السلام : «وخزّان العلم».

(٢) الإسم الإلهي الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا جعله بين المسلمين والمشركين لم تصل المشركين إلى المسلمين نشّابة أبداً ، كما في حديث السمّان(٢) .

بل اُعطوا إنثان وسبعون حرفاً من الإسم الأعظم كما تلاحظه في أحاديث اُصولنا(٣) .

(٣) سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله : السيف والدِّرع والمِغْفَر ، التي هي من مختصّات الأئمّة ، وتدور حيث دارت الإمامة ، محفوظة عندهم ، ولا تصل إليه أيدي غيرهم كما تلاحظه في أحاديثنا(٤) .

(٤) راية رسول الله العقاب ، ورايته المغلِّبة ، التي لا تنشر إلاّ ويكون معها النصر والغلبة(٥) ، وسيف رسول الله صلى الله عليه وآله المُخذم(٦) ، وسيف أمير المؤمنين عليه السلام ذو الفقار الذي هبط به الأمين جبرئيل عليه السلام وقلّده رسول الله عليّاً سلام الله عليهما وآلهما(٧) ، وكذا رايته السحابة(٨) .

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٢٢٥ ح ٥ ـ ٦ ، وص ٢٢٧ ح ١ ـ ٢.

(٢) الإرشاد ، للشيخ المفيد : ج ٢ ص ١٨٧.

(٣) الكافي : ج ١ ص ٢٣٢ الأحاديث.

(٤) الكافي : ج ١ ص ٢٣٢ الأحاديث.

(٥) الغيبة للنعماني : ص ٣٠٧ ب ١٩ ح ٢ ـ ٣.

(٦) الكافي : ج ١ ص ٢٣٣.

(٧) الكافي : ج ١ ص ٢٣٢.

(٨) بحار الأنوار : ج ٥٢ ص ٣٠٧.

١٢٦

.........................................

____________________________________

(٥) الجفنة التي اُهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، ملؤها اللحم والثريد ، وكانت مباركة ، رآها بعض الأصحاب وتمسّح بها(١) .

(٦) سائر تراث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وآله وآثاره كخاتمه الفيروزج ، وقميص القائم عجّل الله تعالى فرجه ، وكتاب أسماء أهل النجنّة والنار كما تلاحظه في حديث حمران وآبان بن عثمان(٢) وحديث ابن مهران(٣) .

(٧) تابوت بني إسرائيل التي فيها السكينة والعلم والحكمة ، والتي يدور معها العلم والنبوّة والمُلك ، وفيها بقيّة ممّا ترك آل موسى وآل هارون.

وفسّرت السكينة التي فيها بأنّها ريح تخرج من الجنّة لها صورة كصورة الإنسان(٤) .

(٨) قميص يوسف الذي كان ثوب إبراهيم الخليل ، ألبسه جبرئيل حين اُلقي في النار فلم يضرّ معه ريح ولا برد ولا حرّ ، ووصل بعده إلى إبنه إسحاق ثمّ ليعقوب ثمّ كان على عضد يوسف.

وحين أخرجه يوسف من محرزه إشتمّ يعقوب ريحه وقال : إنّي أجد ريح يوسف(٥) ، وكذا قميص آدم عليه السلام(٦) .

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٢١٤ ح ٢٧.

(٢) الكافي : ج ١ ص ٢٣٥ ح ٧ ، وص ٢٣٦ ح ٩.

(٣) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٢٢١ ب ١٦ ح ٤٥ ، والغيبة للنعماني : ص ٢٤٣ ب ١٣ ح ٤٢ ، وبصائر الدرجات : ص ١٩٢ ح ٥.

(٤) كنز الدقائق : ج ٢ ص ٣٨٣ ، بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٢٠٣ ح ٣.

(٥) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٢١٤ ح ٢٨.

(٦) الكافي : ج ١ ص ٢٣١ ح ٤.

١٢٧

.........................................

____________________________________

(٩) مواريث النبي موسى عليه السلام إضافة إلى التوراة والألواح وهي :

(أ) الحَجَر الذي إنفجرت منه إثنتى عشرة عيناً ، الذي يكون مع الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه ، وينادي حين خروجه من مكّة :

«ألا لا يحملنّ أحدكم طعاماً ولاشراباً» ، فلا ينزل منزلاً إلاّ وإنبعثت عينٌ منه ، فمن كان جائعاً شبع ، ومن كان ظامئاً روي كما في حديث أبي سعيد الخراساني(١) .

(ب) العصى التي كانت من آس الجنّة ، وكانت تروّع وتلقف كلّ شيء بلسانها وشفتيها اللتين تنفتحان أربعين ذراعاً ، وتأتي بالعجب العجاب ممّا تلاحظها في بيان خصائصها(٢) .

(ج) الطشت الذي كان يُقرّب فيها موسى عليه السلام القرابين فتأكله النار علامة للقبول كما تلاحظ حديثه في تفسير البرهان(٣) ، وتلاحظ شأنه في كتاب البحار(٤) .

(١٠) خاتم سليمان عليه السلام الذي روي أنّه كان إذا لبسه سخّر الله له الطير والريح والمَلَك(٥) وتلاحظ شأن هذا الخاتم في الأحاديث المباركة(٦) .

واعلم أنّ تلك المواريث موجودة الآن عند سيّدنا الإمام المهدي المنتظر أرواحنا

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٣ ص ١٨٥ ح ٢ وتلاحظ التحريف في : ص ١٩٢.

(٢) الكافي : ج ١ ص ٢٣١ ح ١ ، بحار الأنوار : ج ١٣ ص ٦٠.

(٣) تفسير البرهان : ج ١ ص ٢٠٢.

(٤) بحار الأنوار : ج ١٣ ص ١٩٤ وج ٢٦ ص ٢٠٢ ب ١٦ ح ٢.

(٥) الكافي : ج ١ ص ٢٣١ ح ٤.

(٦) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ٣٥٣ ، وج ٥٣ ص ١٠٠ ، وج ٩٥ ص ٣٧٣.

١٢٨

.........................................

____________________________________

فداه(١) مع مواريث الأئمّة عليهم السلام.

تكون معه قوّةً في قيامه الحقّ ، وظهوره المحقّق ، وحكومته العادلة ، متّعنا الله تعالى بذلك ، وهي من وسائل قواه الربّانية وعُدّته الإلهية.

وبوجود هذه القوّة الإلهية الفائقة يتّضح الجواب ضمناً عن السؤال الذي كثيراً ما يتسائله الشباب : أنّه كيف يخضع الأعداء ، وتخضع الحكومات للإمام المهدي عليه السلام ، ويكون هو الغالب عليهم ، بالرغم من حداثة أسلحتهم؟

فجواب هذا أنّ غلبة الإمام عليه السلام يكون لوجوه هي :

أوّلاً : إرادة الله القادر العليم الذي إذا أراد شيئاً فإنّما يقول له كن فيكون. وقد أراد ذلك بصريح قوله الكريم :( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (٢) .

وقوله الجليل :( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (٣) .

وتعرف كيف تنفذ الإرادة الإلهية وتأتي بالخوارق العجيبة باتلوسائل البسيطة.

نظير غلبة النبي داود عليه السلام على جالوت بأحجار ثلاثة فقط بالرغم من كون جالوت مع جيش عرمرم جرّار ، كما تلاحظ تفصيل بيانه في حديث القمّي(٤) .

ثانياً : غمتلاك الإمام الحجّة أرواحنا فداه للمواريث السابقة التي هي فوق القدرة البشرية ، وأعلى من الاُمور الطبيعية كالإسم الشريف الأعظم ، والراية المغلّبة ، وعصى موسى ، وخاتم سليمان ، وسيوف أصحابه النازلة من الجنّة التي إذا أصابت

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٢٣٥ ح ٧ ، بحار الأنوار : ج ٥٣ ص ٣٦ ح ١.

(٢) سورة القصص : الآية ٥.

(٣) سورة التوبة : الآية ٣٣.

(٤) كنز الدقائق : ج ٢ ص ٣٨٨.

١٢٩

.........................................

____________________________________

الجبال قطّتها أو هشمتها.

ثالثاً : إنّ الله تعالى ينصره بالملائكة المسوّمين ، والمردفين ، والمنزَلين ، والكروبيّين ، مع جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ، كما في حديثي الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام(١).

خصوصاً جبرائيل الذي هو رأس الكرّوبيين ، الذين هم سادة الملائكة المقرّبين(٢) .

وقد وصفه الله تعالى بقوله عزّ إسمه :( ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ) (٣) وأيّ قوّة أقوى من قوّته وقد قَلَب بلدة لوط بكاملها ، وجعل عاليها سافلها في آن واحد(٤) .

رابعاً : إنّ الإمام المهدي عليه السلام منصور بالرعب في قلوب الأعداء ، فلا يتسنّى للظالمين إستعمال السلاح بواسطة الرعب الذي يُلقى في قلوبهم ، ويحول بينهم وبين إعمال قدرتهم.

قال تعالى في الغلبة على الأحزاب ومظاهريهم :( وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ) (٥) .

ففي الحديث «الرعب ليسير مسيرة شهر أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله»(٦) .

خامساً : أنّه يسخّر له كلّ شيء كما سخّر لبعض الأنبياء عليهم السلام فالأرض تنصره

__________________

(١) الغيبة للنعماني : ص ٢٤٤ ح ٤٤ ، وص ٣٠٧ ح ٢.

(٢) مجمع البحرين : مادّة كرب ص ١٣٦.

(٣) سورة التكوير : (الآية ٢٠).

(٤) مجمع البيان : ج ١ ص ٤٤٦.

(٥) سورة الأحزاب : الآية ٢٦.

(٦) الغيبة للنعماني : ص ٣٠٧ ح ٢.

١٣٠

.........................................

____________________________________

بالخسف ، والسماء تنصره بالصواعق ، وهاتان القوّتان بنفسهما كافيتان في التغلّب على الأعداء المعاندين وحكومات الظالمين.

مضافاً إلى تسخير الريح له سلام الله عليه(١) .

وهي نصرة الله تعالى التي لا رادّ لها بشيء ، وقدرة الله التي لا يقاومها شيء :( إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ) (٢) .

__________________

(١) الإمام المهدي عليه السلام من المهد إلى الظهور : ص ٥٧٣.

(٢) سورة آل عمران : الآية ١٦٠.

١٣١

وَالْمَثَلِ الأَعْلى (١)

____________________________________

(١) ـ المَثَل بفتح الميم والثاء ، وجمعه مُثُل بضمّتين وأمثال ، يأتي على معانٍ ثلاثة :

١ ـ بمعنى الحجّة والدليل والآية ، كما يستفاد من الشموس(١) .

ولعلّ منه قوله تعالى :( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) (٢) أي الأمثال والآيات والدلائل القرآنية التي هي حجج.

٢ ـ بمعنى الحديث والقصّة ، كما يستفاد من المجمع(٣) . فالعرب تسمّي الحديث الحسن والقصّة الرائقة بالمثل ، كقوله تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ) (٤) .

٣ ـ الصفة فإنّه يستعمل المثل في توصيف الشيء كما يستفاد من المجمع أيضاً(٥) كقوله تعالى :( مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ) (٦) أي صفتها هكذا.

هذه هي المعاني المذكورة للمَثَل ، ويمكن إرادة جميعها من لفظ المَثَل في هذه الفقرة الشريفة التي تصف آل محمّد عليهم السلام بأنّهم المثل الأعلى.

أمّا على المعنى الأوّل ، فأهل البيت سلام الله عليهم أعلى حجج الله تعالى ، وأكبر آياته ، وأعظم براهينه الدالّة علهي والمبيّنة لقدرته.

__________________

(١) الشموس الطالعة : ص ١٧٦.

(٢) سورة الحشر : الآية ٢١.

(٣) مجمع البحرين : مادّة مثل ص ٤٩٥.

(٤) سورة الحجّ : الآية ٧٣.

(٥) مجمع البحرين : مادّة مثل ص ٤٩٥.

(٦) سورة محمّد : الآية ١٥.

١٣٢

.........................................

____________________________________

ولذلك ورد في الحديث عن سيّدهم أمير المؤمنين عليه السلام قوله : «ما لله آيةً أكبر منّي»(١) .

ولذلك أيضاً ضرب به المَثَل رسول الله صلى الله عليه وآله في شأن نزول قوله تعالى :( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ) (٢) كما تلاحظه في أحاديث كثيرة(٣) قد رويت متواتراً منّا ، بل رويت من طريق الفريقين.

وبحقٍّ كان سيّد العترة أمير المؤمنين أكبر آية وأعظم دلالة من آيات الله ودلالاته ، عجيباً في شأنه ، غريباً في معجزاته ، كما تلاحظ ذلك في سيرة حياته(٤) .

ومن عجائبه وليس من بعجيب :

أنّه لم يبارز أحداً إلاّ وظفر به.

ولا نجا أحدٌ من ضربته فصلح منها ولم يفلت منه قرن ولا شجاع.

ولا قاتل تحت راية إلاّ غلب ، وبارز عمرو بن عبد ودّ العامري بوثبته إليه أربعين ذراعاً فضربه ورجع عشرين ذراعاً.

وضرب مرحب الخيبري على رأسه فقطع العمامة والخوذة والرأس والحلق وما عليه من الجوشن من قدّام وخلف فقدّها بنصفين.

وقلع باب خيبر الذي كان يغلقه عشرون رجلاً منهم فدحا به في الهواء ، وتترّس به ، وجعله جسراً لعبور العسكر ، ثمّ جرّبه العسكر فلم يستطع أن يحمله أربعون رجلاً منهم.

بل كان حتّى في الخِلقة والتكوين وحيداً في بدنه وفريداً في صفاته كما تعرف

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٣٦ ص ٣ ب ٢٥ ح ٧ و ١٠ و ١١.

(٢) سورة الزخرف : الآية ٥٧.

(٣) بحار الأنوار : ج ٣٥ ص ٣٢١ ب ١٠ ح ١٨.

(٤) بحار الأنوار : ج ٤٢ ص ٣٣ ح ١١ ، وص ٥٠ ح ١ ، وج ٤١ ص ٢٧٩.

١٣٣

.........................................

____________________________________

ذلك من أحاديث شمائله وجوامع مناقبه(١) .

وقد عقد العلاّمة المجلسي باباً خاصّاً ذكر فيه ما يتعلّق من الإعجاز ببدنه الشريف ، ذكر فيه معاجزه منذ صغر سنّه في مهده ، إلى كبره وفي حربه فلاحظه بالتفصيل(٢) .

وأمّا على المعنى الثاني ، فأهل البيت صلوات الله عليهم هم حديث الله الصدق وقصصه الحقّ ، وأنباؤه الراشدة.

فما أحلى ذكرهم ، وما أعلى حديثهم ، وهم قادة الهداة ، وسادة السادات ، وضربت بهم الأمثال العاليات كما يشهد له القرآن والوجدان وآية النور بالعيان(٣) فلاحظ أحاديثها الحسان(٤) .

وفي الحديث المحكي عن كتاب الإبانة عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال في حديث له : «وبنا ضُربت الأمثال»(٥) .

وأمّا على المعنى الثالث فأهل البيت تحيّات الله عليهم هم المتّصفون بصفات الله ، بل هم أكمل مظاهر أسمائه.

فهذا أمير المؤمنين عليه السلام قد اشتُقّ إسمه العالي من إسم الله العلي ، وهو مظهر التعالي الإلهي ، والترفّع الربّاني ، كما تلاحظه في أحاديث ولادته(٦) .

وكذلك سائر الأئمّة الطاهرين في أسمائهم المقدّسة وصفاتهم المحمودة ، وفي

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٣٥ ص ٥ ح ٢ ، وج ٤٠ ص ٨٩.

(٢) بحار الأنوار : ج ٤١ ص ٢٧٤ ب ١١٣.

(٣) سورة النور : الآية ٣٥.

(٤) الكافي : ج ١ ص ١٩٥ ح ٥.

(٥) مرآة الأنوار : ص ٢٠٢.

(٦) بحار الأنوار : ج ٣٥ ص ٨ ح ١١ ، وص ١٨.

١٣٤

.........................................

____________________________________

حلمهم وكرمهم وجودهم وسخائهم ورأفتهم وقدرتهم ، هم مظاهر الصفات الإلهية الجليلة.

وقد فسّر بهم قوله تعالى(١) :( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ) (٢) .

فأهل البيت عليهم السلام هم المُثُل الربّانية العليا بجميع معنى الكلمة.

وقد يكون هذا الوصف ـ يعني المَثَليّة ـ جارياً في غيرهم كأنبياء الله الكرام عليهم السلام الملك العلاّم ، إلاّ أنّ أهل البيت هم الأعلى منهم ، والمفضّلون عليهم والمختارون فيهم فكانوا هم المثل الأعلى.

__________________

(١) سورة الأعراف : الآية ١٨٠.

(٢) كنز الدقائق : ج ٥ ص ٢٥١.

١٣٥

وَالدَّعْوَةِ الْحُسْنى (١)

____________________________________

(١) ـ الدعوة جاءت هنا بأحد معنيين أو كليهما وهما :

المعنى الأوّل : مصدر دعا يدعو دعوةً بمعنى أنّهم عليهم السلام أهل الدعوة الحسنى ، بحذف المضاف.

فإنّهم أحسن الدعاة ، والداعون بأحسن وجه ، إلى الله تعالى وإلى الإسلام وإلى الإيمان والتقوى وطريق الجنّة الذي هو طريق النجاة والفوز بالسعادات.

دَعَوا إليها بأبلغ بيان وأطرف لسان ، وهَدَوا الناس بالحجج القاطعة والأدلّة المُقنعة.

فكانوا كسيّدهم الرسول الأعظم فيا وصفه الله تعالى بقوله :( وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ) (١) .

وجاء في زيارة خاتمهم الأكرم الإمام المهدي عليه السلام : «السلام عليك يا داعيّ الله» في زيارة آل يس المعروفة(٢) .

وفي حديث البصائر عن الإمام الصادق عليه السلام قوله : «جعل الله الأئمّة الدعاة إلى التقوى»(٣) .

فأهل البيت عليهم السلام هم الدعاة إلى الله تعالى بالدعوة الحسنى.

ويكفيك دليلاً على حسن دعوتهم ، سيرتهم الحسنة ، وإحتجاجاتهم المستحسنة ، وقد شهد العدوّ بكمال حجّتهم وحسن دعوتهم ، كما تلاحظ ذلك في إعتراف ابن أبي العوجاء في أوّل حديث توحيد المفضّل(٤) .

__________________

(١) سورة الأحزاب : الآية ٤٦.

(٢) الإحتجاج : ج ٢ ص ٣١٦.

(٣) مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار : ص ١٠١.

(٤) بحار الأنوار : ج ٣ ص ٥٨.

١٣٦

.........................................

____________________________________

المعنى الثاني : أن تكون الدعوة بمعنى الدعاء ويقال : دعوتُ الله أدعوه دعاءً ودعوةً : أي إبتهلت إليه بالسؤال ، ورغبت فيما عنده من الخير(١) .

فالمعنى أنّ في شأنهم كانت دعوة أبيهم نبي الله إبراهيم عليه السلام فكانوا هم المقصودون بالدعوة الحسنة من سيّدنا إبراهيم الخليل.

ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «وأنا دعوة أبي إبراهيم عليه السلام»(٢) .

وقال الإمام الباقر عليه السلام : «فنحن والله دعوة إبراهيم عليه السلام»(٣) .

فإنّ النبي إبراهيم عليه السلام دعا لهم في مواضع متعدّدة حكاها القرآن الكريم وهي :

(١) فيما حكاه الله تعالى بقوله :( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (٤) ـ(٥) .

(٢) فيما حكاه الله تعالى من دعائه بقوله :( رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) (٦) ـ(٧) .

(٣) فيما حكاه الله تعالى من دعائه أيضاً بقوله :( وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ) (٨) حيث استجاب الله دعاءه وأخبر عنه بقوله :( وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ) (٩) ـ(١٠) .

__________________

(١) مجمع البحرين : مادّة دعا ص ٢٩.

(٢) تفسير القمّي : ج ١ ص ٦٢.

(٣) تفسير الصافي : ج ٣ ص ٩١.

(٤) سورة البقرة : الآية ١٢٨ ـ ١٢٩.

(٥) تفسير الصافي : ج ١ ص ١٩٠.

(٦) سورة إبراهيم : الآية ٣٧.

(٧) تفسير الصافي : ج ٣ ص ٩٠.

(٨) سورة الشعراء : الآية ٨٤.

(٩) سورة مريم : الآية ٥٠.

١٣٧

وَحُجَجِ اللهِ عَلى اَهْلِ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَالاْولى(١) وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.

____________________________________

(١) ـ حجج جمع حُجّة مثل غُرَف جمع غُرفة ، هي الدليل والبرهان كما في اللغة ، وهي البيّنة الصحيحة المصحّحة للأحكام ، التي تقصد إلى الحكم ، ماخوذة من حَجَّ إذا قصد كما اُفيد.

وأهل البيت سلام الله عليهم يحتجّ بهم الله تعالى ويُتمّ حجّته على جميع خلقه بواسطة ما جعل لهم من المعجزات الباهرة والدلائل الظاهرة والعلائم الواضحة ، والعلوم الحقّة ، والإحتجاجات المحقّة.

فهم حجج الله تعالى على أهل الدنيا والآخرة ، وعلى الاُولى ، يعني على أهل النشأة الاُولى أي عالم الذرّ ، أو الاُولى مقابل الاُخرى بمعنى عالم الدنيا تأكيداً.

وحجّيتهم على جميع الخلق صريحة في الأدلّة المتظافرة في باب أنّهم الحجّة على جميع العوالم وجميع المخلوقات مثل :

١ ـ حديث عبد الخالق ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : «إنّ لله عزّ وجلّ إثنى عشر ألف عالم وإنّي الحجّة عليهم»(١١) .

٢ ـ حديث سليمان بن خالد المتقدّم ، عن الإمام الصادق عليه السلام : «ما من شيء ولا من آدمي ولا إنسي ولا جنّي ولا ملك في السماوات إلاّ ونحن الحجج عليهم ، وما خلق الله خلقاً إلاّ وقد عرض ولايتنا عليه واحتجّ بنا عليه ، فمؤمن بنا وكافر وجاحد ، حتّى السماوات والأرض والجبال»(١٢) .

٣ ـ حديث سليم بن قيس بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وآله : «وهم حجج الله على

__________________

(١٠) تفسير الصافي : ج ٤ ص ٤٠ ، وج ٣ ص ٢٨٤.

(١١) بحار الأنوار : ج ٢٧ ص ٤١ ب ١٥ ح ١.

(١٢) بحار الأنوار ج ٢٧ ص ٤٦ ب ١٥ ح ٧.

١٣٨

.........................................

____________________________________

خلقه ، وشهداؤه في أرضه»(١) .

ولتوضيح النشأة الاُولى بمعنى عالم الذرّ لا بأس ببيان ما يلي :

إنّ المستفاد من كتاب الله الكريم والسنّة الشريفة أنّ جميع البشر مخلوق من الطين كما هو صريح قوله عزّ إسمه :( وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ ) (٢) .

وسادة الخلق محمّد وآل محمّد صلوات الله عليهم أجميعن ، أبدانهم مخلوقة من طينة علّيين ـ وأرواحهم مخلوقة من النور ـ.

ومن طينة أبدان أهل البيت عليهم السلام خلقت أرواح شيعتهم ، وخلق أبدان الشيعة من طينةٍ دون ذلك.

كما خلق أعداؤهم من طينة خبال من حمأٍ مسنون ، أي طينة فاسدة من الطين الأسود المُنتن السجّين ، وخلقت أرواحهم من طينة دون ذلك.

وقد مزج بين الطينتين الطيّبة والفاسدة فجعل في المؤمن شيء من الطينة الفاسدة ، كما جعل في غير المؤمن شيء من الطينة الطيّبة(٣) لكي يتمّ الإختيار في الإنسان ، ويمكن به الطاعة والعصيان ، ولا يكون جبرٌ في الخلقة ، ولا إجبار في الجبلّة.

والأرواح خلقت قبل الأبدان بألفي عام ، وكانت موجودة في الجوّ إلى أن خلق الله الأبدان ، وتسمّى تلك الخلقة بعالم الأظلّة والأرواح.

ثمّ خلقت الأبدان أوّل ما خلقت بصورة الذرّ الصغير جدّاً ، واُخذ منهم الميثاق واُودعوا في صلب آدم عليه السلام ، وتسمّى تلك الخلقة بعالم الذرّ والأبدان والميثاق ، وهي

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس : ج ٢ ص ٨٤٠ ح ٤٢.

(٢) سورة السجدة : الآية ٧.

(٣) بحار الأنوار : ج ٥ ص ٢٤٣ ب ١٠ ح ٣٠ ـ ٣١.

١٣٩

.........................................

____________________________________

النشأة الاُولى في إحدى المعنيين المتقدّمين.

ويستدلّ لهذه النشأة يعني عالم الذرّ من الكتاب العزيز بقوله تعالى :( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) (١) وتلاحظ تفسيرها بعالم الذرّ في كتب التفسير الشريفة(٢) .

كما يستدلّ لعالم الذرّ من السنّة بأحاديث كثيرة مثل :

(١) أحاديث الإشهاد(٣) .

(٢) أحاديث خلق الأرواح(٤) .

(٣) أحاديث الطينة والميثاق وعالم الذرّ(٥) .

نختار منها نبذة منها ونكتفي ببيانها :

١ ـ حديث داود الرقي ، عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : «لمّا أراد الله أن يخلق الخلق ، نثرهم بين يديه.

قال لهم : مَن ربّكم؟

فأوّل من نطق رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام والأئمّة عليهم السلام ، فقالوا : أنت ربّنا.

__________________

(١) سورة الأعراف : الآية ١٧٢ و ١٧٣.

(٢) كنز الدقائق : ج ٥ ص ٢٢٨.

(٣) البرهان : ج ١ ص ٣٧٤ ، ج ٢ ص ٨٣٣ ، كنز الدقائق : ج ٥ ص ٢٢٨.

(٤) بحار الأنوار : ج ٦١ ص ١٣١ ب ٤٣ وفيه ٢٩ حديثاً.

(٥) بحار الأنوار : ج ٥ ص ٢٢٥ ب ١٠ وفيه ٦٧ حديثاً ، بصائر الدرجات للصفّار : ص ٧٠ ـ ٩٠.

١٤٠

................................ ____________________________________

فحمّلهم العلم والدين.

ثمّ قال للملائكة : هؤلاء حملة ديني وعلمي ، واُمنائي في خلقي ، وهم المسؤولون.

ثمّ قال لبني آدم : أقرّوا لله بالربوبية ، ولهؤلاء النفر بالولاية والطاعة.

فقالوا : نعم ، ربّنا أقررنا.

فقال الله للملائكة : اشهدوا.

قال الملائكة : شهدنا.

قال : على ان لا يقولوا غداً :( ... إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا )(١) .

يا داود ، ولايتنا مؤكّدة عليهم في الميثاق(٢) .

٢ ـ حديث بكير بن أعين ، عن الإمام الباقر عليه السلام : «إنّ الله أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا ، وهم ذرّ ، يوم أخذ الميثاق على الذرّ. بالإقرار له بالربوبية ، ولمحمّد صلى الله عليه وآله بالنبوّة.

وعرض الله عزّ وجلّ على محمّد اُمّته في الطين ، وهم أظلّة ، وخلقهم من الطينة التي خلق منها آدم ، وخلق الله ارواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفي عام ، وعرضهم عليهم وعرّفهم

رسول الله صلى الله عليه وآله ، وعرّفهم عليّاً ، ونحن نعرفهم في لحن القول»(٣) .

٣ ـ حديث صالح بن سهل ، عن الإمام الصادق عليه السلام : إنّ بعض قريش قال لرسول الله صلى الله عليه وآله : بأي شيء سبقت الأنبياء ، وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم؟

قال : إنّي كنت أوّل من آمن بربّي ، وأوّل من أجاب حين أخذ الله ميثاق النبيّين( ... وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ ) فكنت أنا أوّل نبيٍ قال : بلى ،

__________________

(١) سورة الأعراف : الآية ١٧٢ ـ ١٧٣.

(٢) كنز الدقائق : ج ٥ ص ٢٣٠.

(٣) كنز الدقائق : ج ٥ ص ٢٣١.

١٤١

.........................................

____________________________________

فسبقتهم بالإقرار بالله»(١) .

٤ ـ حديث ابن مسكان ، عن الإمام الصادق عليه السلام في قوله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا ...) قلت : معاينة كان هذا؟

قال : «نعم ، فثبتت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه ، ولو لا ذلك لم يدر أحد من خالقه ورازقه ، فمنهم من أقرّ بلسانه في الذرّ ولم يؤمن بقلبه ، فقال الله :( ... فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِن قَبْلُ ) »(٢) .

٥ ـ حديث حبيب ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : «ما تقول في الأرواح إنّها جنود مجنّدة ، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف؟

قال : فقلت : إنّا نقول ذلك.

قال : فإنّه كذلك ، إنّ الله عزّ وجلّ أخذ من العباد ميثاقهم وهم أظلّة قبل الميلاد وهو قوله عزّ وجلّ :( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ) إلى آخر الآية.

قال : فمن أقرّ له يومئذ جاءت اُلفته ها هنا ومن أنكره يومئذٍ جاء خلافه ها هنا»(٣) .

وفي الحديث السابع والخمسين من الباب أنّه سئل عليه السلام كيف أجابوا وهم ذرّ؟

قال عليه السلام : «جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه»(٤) .

__________________

(١) كنز الدقائق : ج ٥ ص ٢٣١.

(٢) بحار الأنوار : ج ٥ ص ٢٣٧ ب ١٠ ح ١٤. والآية في سورة الأعراف : الآية ١٠١.

(٣) بحار الأنوار : ج ٥ ص ٢٤١ ب ١٠ ح ٢٦.

(٤) بحار الأنوار : ج ٥ ص ٢٥٧ ب ١٠ ح ٥٧.

١٤٢

الفصل الثالث

اَلسَّلامُ عَلى مَحالِّ مَعْرِفَةِ اللهِ (١)

____________________________________

(١) ـ محالّ جمع محلّ ، وهو المكان والموضع.

والمعرفة هي إدراك الشيء.

ومعرفة الله تعالى هي ـ كما قيل ـ : الإطّلاع على صفاته الجمالية الثبوتية والجلالية أي السلبية ، بقدر الطاقة البشرية ، وأمّا الإطّلاع على الذات المقدّسة فممّا لا مطمع فيه لأحد(١) .

وأهل البيت سلام الله عليهم وُصفوا في هذا التسليم الثالث من هذه الزيارة المباركة بأنّهم محالّ ومواضع معرفة الله تعالى وإدراكه ، وذلك بمعنيين :

المعنى الأوّل : أنّه لا يَعرِف الله تعالى حقّ معرفته إلاّ هم سلام الله عليهم ، فهم أعرف الناس بالله والتامّين في معرفته.

ويشهد لهذا المعنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام : «يا علي ما عرف الله حق معرفته غيري وغيرك ، وما عرفك حقّ معرفتك غير الله وغيري»(٢) .

وقد بلغوا أقصى غاية المعرفة الإلهية بحيث قال سيّدهم الأمير عليه السلام : «لو

__________________

(١) مجمع البحرين : مادّة عرف ص ٤١٥.

(٢) بحار الأنوار : ج ٣٩ ص ٨٤.

١٤٣

................................ ____________________________________

كُشف الغطاء ما ازددت يقيناً»(١) .

وفي حديث الأصبغ بن نباتة أنّه قام إليه رجل يقال له : ذِعلب فقال : يا أمير المؤمنين هل رأيت ربّك؟

فقال : «ويلك يا ذِعلب لم أكن بالذي أعبد ربّاً لم أره».

قال : فكيف رأيته؟ صفه لنا.

قال : ويلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان(٢) .

وللعلم ضمناً بأدنى ما يجزي من المعرفة لاحظ أحاديث المعارف خصوصاً حديث سيّدنا عبد العظيم الحسني سلام الله عليه(٣) .

المعنى الثاني : أنّه لا يُعرف الله تعالى إلاّ بهم ومن طريقهم ، ولا يُتوصّل إلى المعرفة الحقّة إلاّ بتعريفهم ، فتعود المعرفة الصادقة إليهم سلام الله عليهم.

كما يدلّ على ذلك مثل حديث عبد الله بن أبي يعفور ، عن الإمام الصادق عليه السلام الذي جاء فيه : «بنا عُرف الله وبنا عُبد الله ونحن الأدلاّء على الله ولولانا ما عُبد الله»(٤) .

وكذلك حديث نصر العطّار أنّه قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : «ثلاث اُقسم أنّهنّ حقّ : إنّك والأوصياء من بعدك عرفاء لا يُعرف الله إلاّ بسبيل معرفتكم ...»(٥) .

وهكذا حديث الأصبغ بن نباتة ، عن أمير المؤمنين عليه السلام الذي ورد فيه : «نحن الأعراف الذين لا يُعرف الله إلاّ بسبيل معرفتنا»(٦) .

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٤٠ ص ١٥٣.

(٢) بحار الأنوار : ج ٤ ص ٢٧ ب ٥ ح ٢.

(٣) بحار الأنوار : ج ٣ ص ٢٦٨ ب ١٠ ح ٣.

(٤) التوحيد ، للصدوق : ص ١٥٢ ب ١٢ ح ٩.

(٥) بحار الأنوار : ج ٢٣ ص ٩٩ ب ٩ ح ٢ ـ ٨.

(٦) بحار الأنوار : ج ٢٤ ص ٢٤٨ ب ٦٢ ح ٢.

١٤٤

.........................................

____________________________________

فطلب المعارف يكون من طريقهم وبمعرفتهم وهو الإيمان ، وفي مقابله يكون سلوك طريق غيرهم هو الكفر والعصيان.

فإن رجعنا إليهم إهتدينا ، وإن أعرضنا عنهم أو رجعنا إلى غيرهم غوينا.

ويكفي شاهداً وجدانيّاً على معرفتهم التامّة بالله تعالى كلامهم وحديثهم الجميل الذي تلاحظه في روايات التوحيد ، وما ورد عنهم في بيان صفات الله تعالى الذي تلاحظه في مثل خطبة أمير المؤمنين عليه السلام(١) .

وكذلك ما أثر عنهم في أدعيتهم الشريفة المربّية كدعاء الإمام الحسين عليه السلام المعروف يوم عرفة الذي أورده الكفعمي في البلد الأمين ، والسيّد ابن طاووس في الإقبال ، والشيخ المجلسي في زاد المعاد.

وكذلك ما اختصّ بهم من تعليم مواليهم وتهذيب شيعتهم والكمّلين من أصحابهم مثل كميل بن زياد ، وميثم التمّار ، ورشيد الهجري ، وحبيب بن مظاهر وغيرهم.

__________________

(١) نهج البلاغة : ج ٢ ص ١٤٢ رقم الخطبة ١٨١ من الطبعة المصرية.

١٤٥

وَمَساكِنِ بَرَكَةِ اللهِ (١)

____________________________________

(١) ـ المساکن جمع مسکن بفتح الکاف وکسره ، هو محلّ النزول والسكون والإستقرار.

والبركة هي كثرة النعمة والخير والكرم ، وزيادة التشريف والكرامة ، والنماء والسعادة.

وأهل البيت سلام الله عليهم أجمعين هم محلّ الفيوضات الإلهية ، ومستقرّ البركات الربّانية ، وبهم يبارك الله تعالى على الخلائق بالأرزاق المادّية والمعنوية ، وبوسيلتهم يتفضّل الله الكريم على خلقه بالعطايا الجزيلة والمنائح الجميلة ، وبواسطتهم يهب الله العظيم العقل والمعرفة ، ويهدي إلى المعارف الحقّة.

فإنّه بيُمنهم رُزِقَ الورى ، وبوجودهم ثبتت الأرض والسماء.

ويدلّ على ذلك مضافاً إلى وجدان بركاتهم ، المشهودة في كراماتهم ، الأدلّة المتواترة مثل :

١ ـ حديث الإمام السجّاد عليه السلام : «وبنا يُنزّل الغيث ، وتُنشر الرحمة ، وتخرج بركات الأرض ، ولو لا ما في الأرض منّا لساخت بأهلها»(١) .

٢ ـ حديث الإمام الصادق عليه السلام : «بنا أثمرت الأشجار ، وأينعت الثمار ، وجرت الأنهار ، وبنا اُنزل غيث السماء ، ونبت عشب الأرض»(٢) .

٣ ـ حديث الإمام الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى :( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) (٣) : «نحن أهل البيت النعيم الذي أنعم الله بنا على العباد ، وبنا ائتلفوا بعد أن كانوا مختلفين ، وبنا ألّف الله بين قلوبهم وجعلهم إخواناً بعد أن كانوا أعداءً ، وبنا

__________________

(١) إكمال الدين : ج ١ ص ٢٠٧ ح ٢٢.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٤ ص ١٩٧ ب ٥٢ ح ٢٤.

(٣) سورة التكاثر : الآية ٨.

١٤٦

.........................................

____________________________________

هداهم الله للإسلام ، وهي النعمة التي لا تنقطع ، والله سائلهم عن حقّ النعيم الذي أنعم به عليهم ، وهو النبيصلى الله عليه وآله وعترته عليهم السلام»(١) .

٤ ـ الزيارة الرجبية المعروفة : «فَبِكُم يُجبرُ المهيض ويُشفى المريض».

٥ ـ حديث الإمام الصادق عليه السلام : «نحن أهل بيت الرحمة وبيت النعمة وبيت البركة»(٢) .

ولقد بارك الله تعالى في آل محمّد صلوات الله عليهم أجمعين بأنواع البركات.

وجعل سيّدتهم الصدّيقة الطاهرة الكوثر والخير الكثير ، وسمّاها المباركة(٣) .

وبارك فيهم وفي نسلهم وفي شيعتهم وفي محبّيهم وحتّى في تربتهم التي تضمّنتهم ، والمشاهد الشامخة التي تشرّفت بهم.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٤ ص ٤٩ ب ٢٩ الآيات ، كنز الدقائق : ج ١٤ ص ٤٢١.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٢٥٤ ب ٤ ح ٢٧.

(٣) بحار الأنوار : ج ٤٣ ص ١٠ ب ٢ ح ١.

١٤٧

وَمَعادِنِ حِكْمَةِ اللهِ (١)

____________________________________

(١) ـ المعادن جمع مَعدِن بكسر الدال بمعنى محلّ إستقرار الجواهر وإفاضتها ، وهو مركز كلِّ شيء وأصله ومبدؤه.

والحكمة في اللغة هي : العلم الذي يرفع الإنسان ويمنعه عن فعل القبيح مستعارٌ من حكمة اللجام وهي ما أحاط بحنك الدابّة ، ويمنعها عن الخروج والمخالفة (١). ويكون هذا المنع للإصلاح(٢) .

وعُرّفت الحكمة بأنّها هي : العلوم الحقيقيّة الإلهية(٣) .

وقد وردت كلمة الحكمة في الكتاب المبين ، وفُسّرت في كلمات الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، بما نستغني معها عن تفاسير الآخرين.

فقد قال الله تعالى :( وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ) (٤) .

وقال عزّ إسمه :( وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ) (٥) .

وفسّرها المعصومون عليهم السلام بضياء المعرفة ، وطاعة الله تعالى ، ومعرفة الإمام عليه السلام ، واجتناب الكبائر التي أوجب الله عليها النار والعقاب ، والتفقّه في الدين ، والعقل والفهم(٦) .

وأهل البيت سلام الله عليهم هم معادن أنوار الحكمة الإلهية ، واُصول المعارف الربّانية ، وأسمي المراتب العقلانيّة.

وهم أتمّ الناس في هذه المزايا ، ومعلّموا الخلق في هذه العطايا ، كما تلمسه في كلماتهم الصريحة ، وبياناتهم المليحة ، وفي نصوصهم وتنصيص سيّدهم

__________________

(١) مجمع البحرين : مادّة حكم ص ٥١١.

(٢) مفردات الراغب : ص ١٢٦.

(٣) الأنوار اللامعة : ص ٧٧.

(٤) سورة البقرة : الآية ٢٦٩.

(٥) سورة لقمان : الآية ١٢.

(٦) تفسير البرهان : ج ١ ص ١٥٨ ، وج ٢ ص ٨١٨ ، كنز الدقائق : ج ٢ ص ٤٤٣.

١٤٨

.........................................

____________________________________

الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله فلاحظ مثل :

١ ـ حديث جابر بن عبد الله الأنصاري قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله آخذاً بيد علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يقول : «... أنا مدينة الحكمة وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأت الباب»(١) .

٢ ـ خطبة أمير المؤمنين عليه السلام : «أيّها الناس نحن أبواب الحكمة ، ومفاتيح الرحمة ، وسادة الأئمّة ، واُمناء الكتاب ، وفصل الخطاب وإنّا أهل بيت خصّنا بالرحمة والحكمة والنبوّة والعصمة ...»(٢) .

٣ ـ حديث يونس بن ظبيان ، عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال له : «يا يونس إذا أردت العلم الصحيح فخذ عن أهل البيت فإنّا روينا واُوتينا شرح الحكمة وفصل الخطاب ، إنّ الله إصطفانا وآتانا ما لم يؤت أحداً من العالمين»(٣) .

وفي البلد الأمين بعد هذه الفقرة زيادة : «وخزنة علم الله» فجميع العلوم الإلهية مخزونة عندهم ، محفوظة لديهم ، وقد مرّ بيان ذلك مفصلّلاً في الفقرة الشريفة المتقدّمة «خزّان العلم» فلاحظ.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٤٠ ص ٢٠١ ب ٩٤ ح ٣ و ٩ و ١١.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٢٦٠ ب ٤ ح ٣٧.

(٣) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ١٥٨ ب ١١ ح ٥.

١٤٩

وَحَفَظَةِ سِرِّ اللهِ (١)

____________________________________

(١) ـ حفظة : جمع حافظ ، يقال : حَفَظَ المال والسرّ أي رعاه ، والمحافظة على الشيء هي المواظبة عليه ، والمراقبة له ، والإعتناء به كما يستفاد من كتب اللغة(١) .

والسِرّ : جمعه أسرار ، هو في اللغة بمعنى ما يُكتم ، ومنه (هذا من سرّ آل محمّد) أي من مكتومهم عليهم السلام الذي لا يظهر لكلّ أحد(٢) .

وأسرار الله تعالى هي العلوم التي لا يجوز إظهارها وإفشاؤها إلاّ لمن هو أهلٌ لها من الكمّلين والمتحمّلين مثل سلمان وكميل(٣) .

فمعنى حفظة سرّ الله أنّ أهل البيت عليهم السلام هم الحافظون المراعون للأسرار الإلهية المودعة عندهم ، اللازم كتمانها ، ولا يظهرونها إلاّ لمن يتحمّلها ، ولا يظهرون منها إلاّ ما يُتحمّل ، فإنّ إلقاء السرّ إلى من لا يتحمّله تضييع للسرّ ، وإرهاق للمُلقى إليه ، وهو خلاف الحكمة.

وليس كلّ أحد قابلاً لأن يُستودع السرّ ، فكيف بأن يكون صاحب أسرار الله الحكيم في هذا العالم العظيم ، المُلك والملكوت.

فإنّ الأسرار الإلهية لا يتحمّلها إلاّ مَلَكٌ مُقرّب أو نبيٌّ مرسل أو عبدٌ إمتحن الله قلبه للإيمان كما جاء في أحاديث كثيرة(٤) .

وقد فسّرت الأحاديث الصعبة المستصعبة في إحدى تفاسيرها بأسرار الله المخزونة عندهم ، المكنونة لديهم(٥) .

بل في بعض الأحاديث لا يتحمّلها لا مَلَك مقرّب ولا نبي مرسل ولا مؤمن

__________________

(١) لسان العرب : ج ٧ ص ٤٤١.

(٢) مجمع البحرين : مادّة سرر ص ٢٦٦.

(٣) الأنوار اللامعة : ص ٧٨.

(٤) الكافي : ج ١ ص ٤٠١ ح ٢.

(٥) مصابيح الأنوار : ج ١ ص ٣٤٤.

١٥٠

.........................................

____________________________________

إمتحن الله قلبه للإيمان إلاّ أهل البيت أو من شاء أهل البيت سلام الله عليهم كما تلاحظه في حديث أبي بصير(١) .

فعدم التحمّل يدعو إلى حفظ السرّ وعدم إفشاءه كما في بعض قضايا من لم يتحمّل الإسم الأعظم.

بل حتّى بعض أهل التحمّل يجيش العلم والسرّ في صدورهم ويضيق بهم ذرعاً كما تلاحظه في حديث جابر الجعفي(٢) .

ومثل النبي الكليم موسى عليه السلام إذا لم يتحمّل بعض الأسرار فما ظنّك بالآخرين فلاحظ أحاديثه الشريفة في قضايا موسى والخضر عليهما السلام الواردة في القرآن الكريم في أحاديث التفسير القويم(٣) .

إلاّ أنّ أهل البيت سلام الله عليهم هم المثل الأعلى والقمّة العليا لأسرار الله تعالى كما تلاحظه في مثل :

١ ـ حديث إسحاق بن غالب ، عن الإمام الصادق عليه السلام في خطبته الشريفة التي يذكر فيها حال الأئمّة عليهم السلام : «استودعه سرّه ، واستحفظه علمه ، واستخباه حكمته ، واسترعاه لدينه ، وانتدبه لعظيم أمره»(٤) .

٢ ـ حديث سيف التمّار ، عن الإمام الصادق عليه السلام جاء فيه : «لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما إنّي أعلم منهما ، ولأنبئتهما بما ليس في أيديهما ، لأنّ موسى والخضر عليهما السلام اُعطيا علم ما كان ، ولم يُعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتّى تقوم الساعة ، وقد ورثناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وراثةً»(٥) .

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٤٠٢ ح ٥.

(٢) رجال الكشّي : ص ١٧١.

(٣) بحار الأنوار : ج ١٣ ص ٢٧٨ الأحاديث.

(٤) الكافي : ج ١ ص ٢٠٤ ح ٢.

(٥) الكافي : ج ١ ص ٢٦١ ح ١.

١٥١

وَحَمَلَةِ كِتابِ اللهِ (١)

____________________________________

(١) ـ حملة جمع حامل وهو من يحمل الشي.

وكتاب الله هو القرآن الكريم.

وفسّر حامل كتاب الله بمن يكون عنده جميع القرآن ، الذي فيه تبيان كلّ شيء ، على ما نَزَل من عند الله ، من غير نقصٍ ولا تغيير ، مع حفظ جميع ألفاظه بجميع المعاني ، بما فيها من ظاهر وباطن ، وتأويلٍ وتفسير ، وناسخ ومنسوخ ، وعامٍ وخاصّ ، ومطلق ومقيّد ، ومكان النزول وزمانه وشأن النزول وبيانه.

ومحمّد وآله الطاهرون صلوات الله عليهم أجمعين هم الحاملون لعلوم القرآن ومعارفه وأسراره , والواقفون على معانيه وأبعاده وأغواره.

مضافاً إلى حفظهم ألفاظ القرآن من دون زيادةٍ ولا نقصان.

ودليل ذلك أحاديث كثيرة مثل :

١ ـ حديث محمّد بن فضيل قال : سألته عن قول الله عزّ وجلّ :( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) (١) .

قال : «هم الأئمّة عليهم السلام خاصّة»(٢) .

٢ ـ حديث جابر قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «ما ادّعى أحد من الناس أنّه جمع القرآن كلّه كما اُنزل إلاّ كذّاب ، وما جمعه وحفظه كما نزّله الله تعالى إلاّ علي بن أبي طالب والأئمّة من بعده عليهم السلام»(٣) .

٣ ـ حديث عبد الأعلى مولى آل سام قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : «والله إنّي لأعلم كتاب الله من أوّله إلى آخره كأنّه في كفّي ، فيه خبر السماء وخبر

__________________

(١) سورة العنكبوت : الآية ٤٩.

(٢) الكافي : ج ١ ص ٢١٤ ح ٥.

(٣) الكافي : ج ١ ص ٢٢٨ ح ١.

١٥٢

.........................................

____________________________________

الأرض ، وخبر ما كان وخبر ما هو كائن ، قال الله عزّ وجلّ :( تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ) (١) »(٢) .

٤ ـ حديث عبد الرحمن بن كثير ، عن الإمام الصادق عليه السلام جاء فيه : «... ففرّج أبو عبد الله عليه السلام بين أصابعه فوضعها على صدره ، ثمّ قال : وعندنا والله علم الكتاب كلّه»(٣) .

ولاحظ أحاديث باب أنّهم الذكر وأهل الذكر(٤) .

__________________

(١) سورة النحل : الآية ٨٩.

(٢) الكافي : ج ١ ص ٢٢٩ ح ٤.

(٣) الكافي : ج ١ ص ٢٢٩ ح ٥.

(٤) بحار الأنوار : ج ٢٣ ص ١٧٢ ب ٩ الأحاديث.

١٥٣

وَاَوْصِياءِ نَبِىِّ اللهِ (١)

____________________________________

(١) ـ أوصياء : جمع وصيّ وهو لغة مأخوذ من الوصيّة على وزن فعيلة ، من وصى يصي : إذا وصل الشيء بغيره ، لأنّ الموصي يوصل تصرّفته بعد الموت بما قبله. والوصاية : هي إستنابة الموصي غيره بعد موته في التصرّف فيما كان له التصرّف فيه(١) ، و: (أوصى الرجل ووصّاه أي عهد إليه)(٢) .

وهذه الوصاية كانت ثابتة مستمرّة من النبي آدم عليه السلام إلى الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله.

وأوصياء نبي الله صلى الله عليه وآله هم الذين أوصى إليهم الرسول بأمر ربّه ، وجعلهم أولى بالمؤمنين من أنفسهم كنفسه ، ونصبهم حججاً على خلقه ، وأئمّة على بريّته ، وخلفاء في أرضه.

وهم كرسول الله عليه وآله صلوات الله إلاّ في النبوّة فهو نبي وهم أئمّة.

وهؤلاء الأوصياء هم الأئمّة الإثنى عشر ، أوّلهم أمير المؤمنين وسيّد الوصيين علي بن أبي طالب ، وآخرهم الوصي الغائب والنجم الثاقب الحجّة بن الحسن المنتظر أرواحنا فداهم الذين ثبتت وصايتهم بالمعجزات الباهرات والآيات الظاهرات , والنصوص المتواترات.

فقد تواترت الأحاديث الصريحة بالألسنة الفصيحة على وصايتهم وخلافتهم من طرق الخاصّة والعامّة ممّا جمعها في غاية المرام(٣) من الخاصّة في ١١٩ حديثاً ، ومن العامّة في ١٣٥ حديثاً.

ومنها ما رواها العامّة عن النبي صلى الله عليه وآله في صحاحهم فقط بما يزيد على ستّين

__________________

(١) مجمع البحرين : مادّة وصا ص ٩٣.

(٢) لسان العرب : ج ١٥ ص ٣٩٤.

(٣) غاية المرام : ص ٣٢ ـ ٢٧ ب ١٢ ـ ١٣ ، وص ١٥٢ ـ ١٦٨ ب ٢٢ ـ ٢٣.

١٥٤

.........................................

____________________________________

حديثاً بطرق عديدة(١) ممّا صرّحت بوصاية الأئمّة الإثنى عشر عليهم السلام.

وفي بعضها التنصيص على أسمائهم إلى الإمام المهدي عليه السلام ، مع ذكر سيّدة النساء فطامة الزهراء سلام الله عليها بالنصّ الجلي.

ففي حديث الزمخشري والحمويني والقندوزي وابن حسنويه الحنفي : «فاطمة قلبي ، وإناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والأئمّة من ولدها أمارتي وحبلي الممدود ، فمن إعتصم بهم نجى ، ومن تخلّف عنهم هوى»(٢) .

هذا إلى جانب ما تواتر من الأحاديث الشريفة من طرق الخاصّة المعتبرة الواردة في اُصولهم الأصلية.

ويكفيك في ذلك حديث لوح فاطمة سلام الله عليها الذي أهداه الله تعالى إلى رسوله وأعطاه رسول الله للزهراء عليها السلام بمناسبة ميلاد الإمام الحسين عليه السلام ليسرّها بذلك ويبشّرها بالأوصياء والأزكياء الذين يكونون من ولدها.

والحديث من طرائف الحكمة ننقله للإنتفاع والبركة.

روى جماعة من الأعلام منهم ثقة الإسلام الكليني عن محمّد بن يحيى ومحمّد بن عبد الله ، عن عبد الله بن جعفر ، عن الحسن بن ظريف وعلي بن محمّد ، عن صالح بن أبي حمّاد ، عن بكر بن صالح ، عن عبد الرحمن بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أبي لجابر بن عبد الله الأنصاري : إنّ لي إليك حاجة فمتى يخفّ عليك أن أخلو بك فأساً لك عنها.

فقال له جابر : أي الأوقات أحببته ، فخلا به في بعض الأيّام.

فقال له : يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد اُمّي فاطمة عليهما السلام بنت

__________________

(١) إحقاق الحقّ : ج ١٣ ص ١ ـ ٨٦.

(٢) إحقاق الحقّ : ج ١٣ ص ٧٩.

١٥٥

.........................................

____________________________________

رسول الله صلى الله عليه وآله وما أخبرتك به اُمّي أنّه في ذلك اللوح مكتوب؟

فقال جابر : أشهد بالله أنّي دخلت على اُمّك فاطمة عليها السلام في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله فهنّيتها بولادة الحسين عليه السلام ورأيت في يديها لوحاً أخضر ، ظننت أنّه من زمرّد ورأيت فيه كتاباً أبيض ، شبه لون الشمس.

فقلت لها : بأبي واُمّي يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ما هذا اللوح؟

فقالت : هذا لوح أهداه الله إلى رسوله صلى الله عليه وآله فيه إسم أبي واس بعلي واسم إبنيّ واسم الأوصياء من ولدي ، وأعطانيه أبي ليبشّرني بذلك.

قال جابر : فأعطتنيه اُمّك فاطمة عليها السلام فقرأته واستنسخته.

فقال له أبي فهل لك يا جابر أن تعرضه عليّ؟

قال : نعم ، فمشى معه أبي إلى منزل جابر فأخرج صحيفة من رقّ.

فقال : يا جابر اُنظر في كتابك لأقرأ أنا عليك ، فنظر جابر في نسخته فقرأه أبي فما خالف حرف حرفاً ، فقال جابر : فأشهد بالله أنّي هكذا رأيته في اللوح مكتوباً :

بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم

هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمّد نبيّه ونوره وسفيره وحجابه ودليله ، نزل به الروح الأمين من عند ربّ العالمين ، عظِّم يا محمّد أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي ، إنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا قاصم الجبّارين ، ومُديل المظلومين ، وديّان الدِّين ، إنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا ، فمن رجا غير فضلي ، أو خاف غير عدلي ، عذّبته عذاباً لا اُعذّب به أحداً من العالمين ، فإيّاي فاعبد وعلىّ فتوكّل ، إنّي لم أبعث نبيّاً فاُكملت أيّامه وإنقضت مدّته إلاّ جعلت له وصيّاً ، وإنّي فضّلتك على الأنبياء وفضّلت وصيّك على الأوصياء ، وأكرمتك بشبليك وسبطيك حسن وحسين ، فجعلت حسناً معدن علمي ، بعد إنقضاء مدّة أبيه ، وجعلت حسيناً خازن وحيي

١٥٦

.........................................

____________________________________

وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة ، فهو أفضل من إستشهد وأرفع الشهداء درجةً ، جعلت كلمتي التامّة معه وحجّتي البالغة عنده ، بعترته اُثيب واُعاقب ، أوّلهم علي سيّد العابدين وزين أوليائي الماضين ، وإبنه شبه جدّه المحمود محمّد الباقر علمي والمعدن لحكمتي ، سيهلك المرتابون في جعفر ، الرادُّ عليه كالرادّ عليّ ، حقّ القول منّي لأكرمنّ مثوى جعفر ولاُسرّنّه في أشياعه وأنصاره وأوليائه ، اُتيحت بعد موسى فتنة عمياء حندس لأنّ خيط فرضي لا ينقطع وحجّتي لا تخفى وأنّ أوليائي يسقون بالكأس الأوفى ، من جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي ومن غيّر آية من كتابي فقد افترى عليّ ، ويل للمفترين الجاحدين عند إنقضاء مدّة موسى عبدي وحبيبي وخيرتي في علي وليّي وناصري ومن أضع عليه أعباء النبوّة وأمتحنه بالإضطّلاع بها ، يقتله عفريت مستكبر يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شرّ خلقي ، حقّ القول منّي لاُسرّنّه بمحمّد إبنه وخليفته من بعده ووارث علمه ، فهو معدن عليمي وموضع سرّي وحجّتي على خلقي ، لا يؤمن عبد بن إلاّ جعلت الجنّة مثواه وشفّعته في سبعين من أهل بيته كلّهم قد استوجبوا النار ، وأختم بالسعادة لإبنه علي وليّي وناصري والشاهد في خلقي وأميني على وحيي ، اُخرج منه الداعي إلى سبيلي والخازن لعلمي الحسن ، واُكمّل ذلك بإبنه «م ح م د» رحمة للعالمين ، عليه كمال موسى ، وبهاء عيسى ، وصبر أيّوب ، فيذلّ أوليائي في زمانه ، وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم ، فيُقتلون ويُحرقون ، ويكونون خائفين ، مرعوبين ، وجلين ، تصبغ الأرض بدمائهم ويفشوا الويل والرنّة في نسائهم ، اُولئك أوليائي حقّاً ، بهم أدفع كلّ فتنة عمياء حندس ، وبهم أكشف الزلازل ، وأدفع الآصار والأغلال ، اُولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة ، واُولئك هم المهتدون.

١٥٧

.........................................

____________________________________

قال عبد الرحمن بن سالم : قال أبو بصير : لو لم تسمع في دهرك ، إلاّ هذا الحديث لكفاك ، فصُنه إلاّ عن أهله(١) .

هؤلاء خلفاء الله تعالى في أرضه ، وأوصياء الرسول في بريّته ، ووسائل الخير إلى يوم القيامة وما بعد يوم القيامة.

وتتمثّل الخلافة والوصاية هذا اليوم في خاتمهم وقائمهم ومهديّهم المنتظر عليه السلام الذي هو المحور الأساسي لفلك الوجود ، والوسيط الرئيسي لفيض كلّ موجود ؛ فينتفع بوجوده ، ويستضاء بنور ولايته في غيبته كما ينتفع بالشمس وإن جلّلها السحاب ، كما بيّنه الرسول الناطق صلى الله عليه وآله في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري(٢) ، ثمّ ولده الإمام الصادق عليه السلام في حديث سليمان بن مهران الأعمش(٣) ، ثمّ نفس الإمام المهدي عليه السلام في جواب مسائل إسحاق بن يعقوب(٤) .

__________________

(١) الكافي ، للكليني : ج ١ ص ٥٢٧ ، إكمال الدين ، للصدوق : ص ٣٠٨ ، الإختصاص ، للشيخ المفيد : ص ٢١٠ ، إعلام الورى ، لأمين الإسلام : ص ٢٢٥ ، الإحتجاج ، للطبرسي : ج ١ ص ٤١ ، بحار الأنوار ، للمجلسي : ج ٣٦ ص ١٩٦.

(٢) إعلام الورى : ص ٣٧٦.

(٣) أمالي الصدوق : ص ١٦٤.

(٤) الغيبة ، للشيخ الطوسي : ص ١٧٧.

١٥٨

وَذُرِّيَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ (١) وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ.

____________________________________

(١) ـ ذرّية على وزن فُعليّة ، وجمعها ذرّيّات وذراري.

هي في اللغة اسم لجميع نسل الإنسان من ذكرٍ واُنثى(١) .

وذرّية الرجل : ولده(٢) .

مأخوذة من الذرّ بمعنى البثّ والنشر والتفريق(٣) .

فسمّي نسل الإنسان بالذرّية لأنّ الله تعالى ذرّهم ونشرهم في الأرض حين أخرجهم من صلب آدم عليه السلام في عالم الذرّ(٤) .

وكان القياس في نسبته أن يقال : ذَرّية بالفتح ، لكنّها لم تجيء إلاّ مضمومة الأول(٥) .

وذريّة رسول الله صلى الله عليه وآله هم أهل البيت سلام الله عليهم بدليل القرآن والسنّة ، ثمّ اللغة.

وتشمل الذرّية أمير المؤمنين عليه السلام الذي هو أخ الرسول لا ولده بالتغليب كما أفاده العلاّمة المجلسي قدس سره(٦) .

والتغليب باب شائع في اللغة وهو إيثار أحد اللفظين على الآخر ، إذا كان بين مدلوليهما عُلقة وإختلاط(٧) .

وتشمل أيضاً الصدّيقة الطاهرة سيّدة الذريّة المطهّرة وبضعة النبي بالنصّ الجليّ ، وليس ذلك بخفي.

وتشمل السيّدين الإمامين الحسنين ثمّ أولاد الإمام الحسين عليهما السلام بالنصّ القرآني والروائي ، فهم ذرّية الرسول وأبناؤه.

__________________

(١) مجمع البحرين : مادّة ذرر ص ٢٦١.

(٢) المصباح المنير : مادّة ذرّ.

(٣) المحيط في اللغة : ج ١٠ ص ٥٥.

(٤) مرآة الأنوار : ص ١٠٢.

(٥) لسان العرب : ج ٤ ص ٣٤.

(٦) بحار الأنوار : ج ١٠٢ ص ١٣٦.

(٧) المعجم الوسيط : ج ٢ ص ٦٥٨.

١٥٩

.........................................

____________________________________

والدليل من نصّ الكتاب :

١ ـ أنّ الله تعالى سمّاهم أبناء الرسول في آية المباهلة :( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (١) .

ومن المتّفق عليه من الفريقين أنّه لم يكن مع الرسول من الرجال إلاّ علي ابن أبي طالب ، ومن النساء إلاّ فاطمة الزهراء ، ومن الأبناء إلاّ الحسن والحسين عليهم السلام رويت في طرق الخاصّة بخمسة عشر حديثاً ، وفي طرق العامّة بتسعة عشر حديثاً(٢) .

٢ ـ أنّ الله تعالى أطلق عليهم الذرّية في كتابه الكريم :( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) (٣) .

فقد نزلت في الرسول والأمير والزهراء والأبناء عليهم السلام في تفسير ابن عبّاس(٤) بل في حديث التفسير(٥) .

والدليل من نصوص السنّة أحاديث كثيرة ، في أبواب كثار ممّا صرّحت ونصّت على الإمامين الهامين الحسن والحسين بالذرّية ، وجعلتهما إبنا رسول الله ، وجعلت الذرّية النبوية من صلبه وصلب علي بن أبي طالب عليهم السلام»(٦) .

من ذلك حديث أبي الجارود ، عن الإمام الباقر عليه السلام قال :

«يا أبا الجارود ما يقولون في الحسن والحسين؟

__________________

(١) سورة آل عمران : الآية ٦١.

(٢) غاية المرام : ص ٣٠٢ ـ ٣٠٣.

(٣) سورة الطور : الآية ٢١.

(٤) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ٢٤١ ح ٢٢.

(٥) كنز الدقائق : ج ١٢ ص ٤٥٤.

(٦) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ٢٤١ ، وج ٤٣ ص ٢٢٩ ب ٩ الأحاديث ، وص ٢٧٠ ح ٣٠ ، وص ٢٨٤ ح ٥٠.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698