في رحاب الزيارة الجامعة

في رحاب الزيارة الجامعة8%

في رحاب الزيارة الجامعة مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-7165-40-4
الصفحات: 698

  • البداية
  • السابق
  • 698 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 67955 / تحميل: 5078
الحجم الحجم الحجم
في رحاب الزيارة الجامعة

في رحاب الزيارة الجامعة

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
ISBN: ٩٦٤-٧١٦٥-٤٠-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

المسألة الرابعة

في تزيين المشاهد بالذهب والفضة والحلي والحلل، وايقاد السراج فيها وتظيلها، فالوهابي حرم كل ذلك واحتج عليه: تارة باللغو والعبث وأنها مما لا ينتفع به الميت، وأخرى بما عن الشافعي من أن عمر رأى قبة على قبر ميت فنحاها وقال: دعوه يظله عمله، وثالثة بحديث ابن عباس: «لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج».

حجية الإمامية القائلين بالجواز:

(أولاً) أصالة الإباحة الدال عليها قوله تعالى:( وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ) ، وقد أسمعناكها مفصلاً في المقدمة الأولى.

(وثانياً) مقايسة زينة المشاهد ومعلقاتها وحليها وحللها بزينة الكعبة وحللها وكسوتها، فإن الجهة واحدة والإسراف واللغوية وعدم الاستفادة بها علة مشتركة. والحال أن سيرة الخلفاء الراشدين على تعظيم الكعبة بذلك، بل وسيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً - كما تشهد لها التواريخ بل وكتب الحديث.

قال ابن خلدون في مقدمته: وقد كانت الأمم منذ عهد الجاهلية تعظم البيت وتبعث إليه الملوك بالأموال والذخائر كسرى وغيره. وقصة الأسياف وغزالي الذهب اللذين وجدهما عبد المطلب حين احتفر زمزم معروفة، وقد وجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين افتتح مكة في الجب الذي كان فيها سبعون ألف أوقية من الذهب مما كان الملوك يهدون للبيت فيها ألف ألف دينار مكررة

٦١

مرتين بمائتي قنطار وزناً وقال له علي بن أبي طالب: يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو استعنت بهذا المال على حربك فلم يفعل، ثمّ ذكر لأبي بكر فلم يحركه.. إلى أن قال أبو وائل: جلست إلى شيبة قال: جلس إلي عمر بن الخطاب فقال: هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلاّ قسمتها بين المسلمين. قلت: ما أنت بفاعل. قال: لم يفعله صاحبك فقال: هما اللذان يقتدي بهما.

قال ابن خلدون: وأقام ذلك المال إلى أن كانت فتنة الأفطس، فإنه أخرج الأموال وقسمها على عساكره».

وأقول: ومن بعد الأفطس كان الأمر على ما كان عليه زمن الخلفاء، فتهدى للبيت ولحرم رسول الله الأموال والذخائر إلى أن قامت فتنة الوهابية في المدينة ومكة المشرفة، فأباحوا ما في الحرمين الشريفين إعراضاً منهم عن سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسير أصحابه التابعين له بإحسان.

وفي البخاري في باب الاقتداء بسنن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله تعالى:( واجعلنا للمتقين إمام ) قال: أئمة نقتدي بمن قبلنا ويقتدي بنا من بعدنا.

كراهية التظليل

(وثالثاً) إن ما نقل عن عمر غايته كراهية التظليل دون الحرمة، كيف وقبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر تحت السقف بمرأى ومنظر من المسلمين والصحابة والتابعين إلى يومنا هذا.

مضافاً، إلى ما في البخاري والعقد الفريد من أنه لما مات الحسن بن علي ضربت امرأته القبة على قبره سنة ثمّ رفعت... ومعلوم أن القبة تظل القبر

٦٢

ولأجل ذلك يصح المصير إلى أن الكراهة ربما ترتفع ببعض المصالح العامة، مثل حفظ الزائر والقارئ للقرآن عند القبر عن الحر والبرد، وهي مصلحة راجحة إلى المسلمين وإن لم ينتفع بها الميت.

(ورابعاً) أن رواية ابن عباس - لو صحت - لخالفتها السنة وعمل المسلمين فإن الإسراج عند قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليه المسلمون من زمن الخلفاء إلى يومنا هذا.

(وخامساً) أن كون الإسراج لغواً وعبثاً يدفعه انتفاع المؤمنين بالضياء من الزائرين، سيما القادمين من مكان بعيد، البائتين في نواحي القبر، وكذلك ينتفع به القارئ للقرآن في تلك المشاهد، فلا يكون إسرافاً كما توهم.

٦٣

المسألة الخامسَة في زيارة قبور الأئمةعليهم‌السلام

قالت الوهابية: لا تجوز زيارة قبور الأئمة ولا شد الرحال من الأماكن البعيدة لأجل زيارة قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنها من الشرك وعبادة لغير الله تعالى.

قال ابن تيمية في ص ١٣١ من الجزء الأول من كتاب منهاج السنة: قد علم من ضرورة دين الإسلام أن النبي لم يأمر بما ذكروه - يعني الإمامية - من أمر المشاهد، ولا شرع لأمته مناسك عند قبور الأنبياء والصالحين بل هذا من دين المشركين الذين قال الله تعالى فيهم:( وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسر ) .

قال ابن عباس: هؤلاء كانوا قوماً صالحين في قوم نوح، لما ماتوا عكفوا على قبورهم، فطال عليهم الأمد، فصوروا تماثيلهم ثمّ عبدوهم.. إلى آخر كلامه.

وقال أيضاً في جملة كلام له على الإمامية: إنهم يعظمون المشاهد المبنية على القبور، فيعكفون عليها مشابهة للمشركين، ويحجون إليها كما يحج الحاج إلى البيت العتيق، ومنهم من يجعل الحج إليها أعظم من الحج إلى الكعبة، بل يسبون من لا يستغني بالحج إليها عن الحج الذي فرضه الله تعالى على عباده، وهذا من جنس دين النصارى والمشركين الذين يفضلون عبادة الأوثان على عبادة الرحمن. وقد صنف شيخهم المفيد كتاباً سماه مناسك المشاهد، جعل

٦٤

قبور المخلوقين تحج كما تحج الكعبة البيت الحرام الذي جعله الله قياماً للناس - انتهى.

واحتج من قال بتحريم شد الرحال إلى زيارة قبر النبي - كابن الآلوسي - بما في البخاري من حديث «لا تشد الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد» - انتهى.

واحتج ابن عبد الوهاب في جملة كلماته في كشف الشبهات على تحريم مطلق ما عليه الإمامية من تعظيم قبور الأنبياء والأولياء وإكرامها والالتزام بها وبآدابها - من الزيارة والدعاء والتوسل وطلب الشفاعة: بأن هذه من جعل الآلهة. قال: ومن الدليل على ذلك أيضاً ما حكى الله تعالى عن بني إسرائيل مع إسلامهم وعلمه بصلاحهم أنهم( قالوا لموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ) وقول أناس من الصحابة: اجعل لنا يا رسول الله ذات أنواط، فحلف أن هذا مثل قول بني إسرائيل أن اجعل لنا إلهاً - انتهى.

أقول: الكلام في هذه المسألة يتم في ضمن مباحث:

المبحث الأول تجويز الإمامية زيارة القبور

إن الإمامية على جواز زيارة قبور المؤمنين، وأنها مستحبة شرعاً، فضلاً عن زيارة قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لتواتر الأحاديث الصحيحة الصريحة في استحبابها مضافاً إلى عمل المسلمين قاطبة من زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى زماننا هذا، فضلاً عن عمل النبي في زيارته شهداء أُحد وحضورهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لزيارة البقيع:

٦٥

وفي سنن النسائي وابن ماجة وإحياء العلوم للغزالي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة».

وفيها عن ابن أبي مليكة عن عائشة: أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رخص في زيارة القبور.

وفيها أيضاً عن أبي هريرة قال: زار النبي قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنت ربي في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة.

وفيها أيضاً عن ابن مسعود: أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: نهيتكم عن زيارة القبور، فمن أراد أن يزور فليزر، فإنها تذكركم الآخرة ولا تقولوا هجراً.

وفي الإحياء عن ابن أبي مليكة قال: أقبلت عائشة يوماً من المقابر فقلت: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمن. فقلت: أليس كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد نهى عنها؟ قالت: نعم ثمّ أمر بها.

وفي الصحاح والسنن الأحاديث الواردة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكيفية زيارة الأموات، وأن الزائر متى خرج إلى البقيع يقول: السلام على أهل الديار من المؤمنين.

هذه في فضل زيارة الصلحاء، ويكفيك من الأحاديث المعتبرة في فضل زيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما رواه البيهقي والغزالي وغيرهم من أنه قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من زارني وجبت له شفاعتي» وهذه شفاعة اختصّ بها الزائر غير شفاعتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العامة للمؤمنين.

٦٦

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من زارني بالمدينة محتسباً كنت له شفيعاً وشهيداً يوم القيامة.

وعن نافع عن ابن عمر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: «من حج ولم يزرني فقد جفاني».

وعن أبي هريرة مرفوعاً عن النبي قال: من زارني بعد موتي فكأنما زارني حياً.

وعن ابن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال «من حج وقصدني في مسجدي كانت له حجتان مبرورتان»... إلى غير ذلك من الأحاديث المتكاثرة البالغة حد التواتر.

قال عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في رسالته: والذي نعتقده أن رتبة نبينا أعلى مراتب المخلوقين، وأنه حي في قبره حياة برزخية أبلغ من حياة الشهداء المنصوص عليها في التنزيل، إذ هو أفضل منهم، وأنه يسمع سلام المسلم عليه، وتسن زيارته إلاّ أنه لا يشد الرحل إلاّ لزيارة المسجد والصلاة فيه.

جواز زيارة النبي حياً وميتاً

أقول:

(أولاً) أنه إذا جازت زيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكونه حياً في قبره جازت زيارة أهل بيته وأصحابه لهذه الجهة، فلا وجه لتخصيصه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالزيارة دون غيره من الأنبياء والصلحاء، كما أنه لا وجه لتخصيص النبي بالزيارة من بين التوسل والاستشفاع والاستغاثة، فإنه إذا اثبت حياته المستقرة وأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسمع نداء من يناديه تابعتها آثارها كما لا يخفى.

٦٧

و(ثانياً) أنه لا وجه لمنع الشيخ شد الرحال إلى زيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير رواية البخاري، وهي مردودة من وجوه:

أولها: إعراض المسلمين عنها لو كانت لها دلالة، لاستمرار سيرتهم على شد الرحال من الأماكن البعيدة إلى زيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد وفاته، كما كان يشد إليه الرحال على حياته، فلقياس إحدى الحالتين على الأخرى مدرك واضح، سيما بالنظر إلى قوله: «من زارني بعد موتي فكأنما زارني حياً».

وثانيها: مخالفتها للنصوص المذكورة الصحيحة المعتضدة بعمل الأصحاب الصريحة في جواز شد الرحال إلى زيارة قبر النبي وقبور أصحابه وأهل بيته من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من حج ولم يزرني فقد جفاني» وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من حج وقصدني في مسجدي كانت له حجتان» ولم يقلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وقصد مسجدي كما قاله الشيخ.

وثالثها: إن المستثنى منه الحديث؛ إما خصوص المساجد أو عموم الأسفار. فعلى الأول: المعنى لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد إلاّ إلى ثلاثة مساجد.

كما صرح بالمستثنى منه الشيخ سليمان النجدي في الهدية السنية قائلاً: وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة وأبي سعيد أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: «لا تشد الرحال إلى مسجد إلاّ لثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا».

٦٨

وعليه لا يعم الحديث المشهد، كما لا يعم سائر الأسفار، ولم يقل بعمومه لها أحد وهذا نظير ما لو قال الموالي لعبده «لا تمض إلاّ إلى ثلاثة أطباء فلان وفلان وفلان» وسماهم بأسمائهم، فإنه لا يفهم منه في أي محاورة وأي لسان حرمة المضي إلى غير الاطباء من العلماء والزهاد.

(وعلى الثاني) يلزم النهي عن مطلق شد الرحال إلى الأسفار المباحة، ولم يقل به أحد مع أنه يلزم تخصيص الأكثر الذي لا يصح حمل الكلام عليه.

المبحث الثاني : تعظيم قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة ليس بشرك

في نقل البحث مع ابن عبد الوهاب وأتباعه من الوهابية فنقول:

إن قولهم: «تعظيم قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبور الأئمة بزيارتها والارتحال إليها شوقاً وحباً شرك، وجعل للإله نظير الطلب من موسى مع إيمانهم بالله أن يجعل لهم إلهاً»، الجواب عنه:

أولاً: المنع عن أنهم طلبوا من موسى إلهاً شفيعاً يتقربون به إلى الله وإنما طلبوا منه إلهاً مدبراً، ولذا لما أضلهم السامري وأخرج لهم عجلاً جسداً له خوار وقال هذا إلهكم وإله موسى فنسي، كفروا واعتقدوا أن العجل هو خالقهم ومدبرهم حيث أن له خواراً.

ويفصح عن ذلك قوله:( هذا إلهكم وإله موسى ) فانه ما كان لموسى إلهٌ وشفيعٌ غير إلهه الخالق المدبر.

وقال المفسرون: المعنى قال السامري إن هذا إلهكم وإله موسى، وأن

٦٩

موسى نسي ربه هنا وذهب يطلبه في موضع آخر، والقوم إما كانوا في غاية البلادة والجلافة حيث اعتقدوا أن العجل المعمول هو إله السماء والأرض، أو كان اعتقادهم في العجل اعتقاد الحلولية، وعلى التقديرين لا وجه لإنكار ابن عبد الوهاب أن القوم أرادوا من موسى إلهاً خالقاً مدبراً.

ثانياً: إنا لو سلمنا كون القوم باقين على إيمانهم حين ما طلبوا من موسى ذات أنواط، لكن الكفر والشرك ليس في طلبها، ولذا لم يكفرهم موسى بل قال لهم( إنكم قوم تجهلون ) وإنما الكفر والشرك يكون في عبادتها.

ومعلوم أن عبادة غير الله توجب الكفر والشرك، ولكن أين هذا ممن لا يعبد الشفيع في توسله به والاستشفاع منه؟؟

وتوهم أن ذلك عبادة لغير الله، مدفوع بخروجه عن الفهم المستقيم، كما نبهناكم عليه...( بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ) .

وثالثاً: إن جعل الشفيع والوسيلة إلى الله تعالى إذا كان من عند الله تعالى لا يضر بالإيمان الخالص بالله، ألا ترى أن الأنبياء سفراء ووسائط بين الخلق والخالق، يتوسل الناس بهم ويشد الرحال إليهمعليهم‌السلام شوقاً وحباً وتبركاً بهم، وقضاء للحاجة من الله تعالى بواسطتهم، ولا يكون ذلك من جعل الآلهة؟؟

ومثل ذلك شد الرحال إليهمعليهم‌السلام بعد وفاتهم لغرض الحاجة والدعاء والمسألة، أنهم يسمعون نداء من يناديهم واستغاثة من يستغيث بهم.

٧٠

المبحث الثالث : أدلة الوهابية على حرمة الزيارة

في البحث مع ابن تيمية فنقول إنه استدل في منهاج السنة على حرمة الزيارة بحديث ابن عباس: «لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زائرات القبور».

والجواب عنه:

أولاً: أنه خبر واحد ظني لا يقاوم الأخبار المتوترة المفيدة للقطع، فلا ترفع اليد عن القطع بالظن.

وثانياً: أن اللعن قبل النسخ. كما تدل عليه رواية ابن أبي مليكة عن عائشة حين أقبلت من المقابر وفيه: قلت أليس كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عنها؟ قالت: نعم ثمّ أمر بها. وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نهيتكم من زيارة القبور، فمن أراد أن يزور فليزر.

قال محمد بن عبد الهادي في حاشية النسائي في شرح قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «نهيتكم الخ: جميع بين الناسخ والمنسوخ والنهي والإذن.

وثالثا: النهي متوجه إلى النساء، لحرمة خروجهن من بيوتهن بغير الإذن، أو لما في الخروج من لزوم الفساد.

قال ابن تيمية: الشيعة يعظمون المشاهد مشابهة للمشركين.

ويرده: إن الشيعة وسائر المسلمين يعظمون قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبور الأئمة تعظيماً للدين ولكونها شعائر الله، ومن الحرمات التي أوجب سبحانه احترامها وحرم على الأمة هتكها.

٧١

وحسبك لوجوب تعظيم قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما حكاه الغزالي - الذي هو من أئمة الشافعية - عن كعب الأحبار: أنه ما من فجر يطلع إلاّ ونزل سبعون ألفاً من الملائكة حتى حفوا بقبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضربون بأجنحتهم ويصلون على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى إذا أمسوا عرجوا وهبط مثلهم فصنعوا مثل ذلك وحتى إذا انشقت الأرض في سبعين ألفاً من الملائكة يوقرونه - الحديث.

ومثل قبر النبي في كونه مهبط الرحمة قبور أهل بيته وأصحابه المنتجبين، فلا يترك زيارتهم تبركاً بقبورهم وحباً وشوقاً إليهم، كما كان الناس يحبونهم ويشتاقون إلى زيارتهم حال حياتهم. وليست الزيارة عبادة للمزور، وإلاّ لما جازت شرعاً زيارة المؤمن حياً مع أنها جائزة وراجحة إجماعاً.

طعن ابن تيمية على الشيعة والرد عليه

وأما قول ابن تيمية: «النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأمر بما ذكروه من أمر المشاهد» فالجواب عنه: أنه قول بلا دليل مع أن لنا الدليل من أمر النبي بزيارة قبره وقبور سائر المؤمنين، ولولا أمره لما كان المسلمون يزدلفون إلى زيارة قبرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويجعلونه شعاراً لهم ويحجون إليه في كل عام كما يحجون إلى بيت الله الحرام، لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من حج وزار قبري كان كمن زارني».

وفي إحياء العلوم في باب زيارة النبي قال نافع: كان ابن عمر - رأيته مائة مرة أو أكثر - يجىء إلى القبر فيقول: «السلام على النبي السلام على أبي بكر السلام على أبي».

وهذا هو العكوف على القبر الذي أنكرته الوهابية على المسلمين وادعت أنه الشرك.

٧٢

وتندفع بأن الشرك إنما هو مع عدم مشروعية الزيارة، وإلاّ فمع المشروعية والأمر من الشارع لا تكون الزيارة عبادة لغير الله، ألا ترى أن إطاعة أئمة الدين لا يكون خروجاً من الدين، حيث أنه بأمر من رب العالمين؟؟ ومن هنا نقول: إن سجدة الملائكة لآدمعليه‌السلام ما كانت شركاً، ولا الأمر بها إشراكاً.

وأما قول ابن تيمية على كل من يجوز الزيارة من فرق المسلمين أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يشرع لأمته مناسك عند قبور الأنبياء والأولياء.

فالجواب عنه: إن المسلمين لا يؤدون منسكاً خاصاً عند قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبور أهل بيته وأصحابه إلاّ ما هو الوارد شرعاً، وهي عدة من السنن:

في سنن الزيارة

أحدها: الصلاة والسلام المصرح بهما الشرع كتاباً وسنة: (فمن الكتاب) قوله تعالى:( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليم ) وقوله تعالى:( وسلام على آل يس ) الشامل لحيهم وميتهم ومثله قوله سبحانه:( وسلام على المرسلين ) .

وأصرح من الجميع قوله سبحانه( وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حي ) وقوله تعالى( والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حي ) .

(ومن السنة) ما هو الواجب شرعاً فمن أول: «السلام

٧٣

عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته » ومنه يعلم جواز السلام على غير النبي من المؤمنين وأئمة الدين من بعيد وقريب، كل ذلك مضافاً إلى ما ورد في زيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وزيارة قبور المؤمنين.

وثانيها: التمسح بالضرائح المقدسة وتقبيلها والتبرك بها، فالإمامية حكموا بجوازها، والوهابية صاروا إلى المنع عنها، معللاً بأنها عادات المشركين.

والجواب عنها:

أولاً: إن المتبع في أمثال ذلك - مما لم يرد عنه نهي من الشارع - أصالة الإباحة في الأفعال والأقوال، حسبما عرفت في المقدمة.

وثانياً: إن مجرد كون فعل من عادة جماعة من أهل الضلال لا توجب صيروته حراماً، كما عليه الإجماع الذي في كلام ابن تيمية في منهاج السنة قائلاً: إن الذي عليه أئمة المسلمين أن ما كان مشروعاً لم يترك لمجرد فعل أهل البدع، وأصل الأئمة كلهم يوافقون هذا - انتهى.

وثالثاً: إن المسح لا يكون من الأفعال العبادية المتمحضة في العبادة حتى يكون محرماً عند عدم الوظيفة الشرعية، وإنما هو من الأفعال العادية والحركات البدنية التي لا يتوقف الإتيان بها على صدور الأمر من الشارع، فلو أتى به الإنسان لا بقصد العبادة لم يفعل محرماً، كما لو نظر إلى القبر أو جلس عنده وغير ذلك مما لا يتوقف على اتباع الشارع.

نعم لو أتى به قاصداً به العبادة كان بدعة، وذلك لتوقف العبادة على

٧٤

الأمر من الشارع المفقود هنا. وأما لو أتى به حباً وشرفاً لصاحب القبر فلا يكون عبادة حتى يكون حراماً مع عدم الاستنان شرعاً.

فدعوى الوهابية أن المسح على القبر عبادة يتوقف على الاتباع دون الابتداع يدفعها ما ذكرنا من المنع الشاهد عليه الوجدان، لنهوضه على أن من يمسح القبر ويمسه أو يستلمه لا يرى من نفسه إلاّ الحب والشوق والتبرك، لا عبادة القبر أو صاحبه.

ورابعاً: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ بعادة أهل الكتاب، كما في صحيح البخاري في باب صفة النبي عن ابن عباس: أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسدل شعره، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم وكان أهل الكتاب يسدلون رؤوسهم، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحب موافقة أهل الكتاب.

وفي البخاري أيضاً في باب صيام يوم عاشوراء عن عائشة قالت: كان يوم عاشوراء يصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله يصومه في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه.

وفيه أيضاً عن أبي موسى قال: كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصوموه.

وخامساً: أن التمسح بقبر النبي واستلامه نظير التمسح بالحجر الأسود وتقبيله واستلامه واستلام الركن اليماني المسنون شرعاً إجماعاً، وعليه الصحاح والسنن.

ففي البخاري عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: رأيت عمر بن الخطاب قبل الحجر وقال: لولا أني رأيت رسول الله قبلك ما قبلتك...

٧٥

فإذا صح أن النبي يقبل الحجر ولم يكن ذلك من نحو تعظيم الشجرة على انها ذات أنواط فليكن التمسح بالقبر هكذا، لوحدة الوجه المشروع.

والعجب مع ذلك مما في رسالة الشيخ أحمد الرومي نقلاً عن الأزرق عن قتادة في قوله تعالى:( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) أنه قال: الناس أمروا أن يصلوا عند المقام ولم يؤمروا أن يمسحوا- انتهى.

فإنه إن كان المسح به حراماً وكان شركاً خفياً فالصلاة أولى بعدم الجواز لعظم شأنها وتمحضها في العبادة. فتكون مفسدة الشرك فيها أعظم من مفسدة المسح، فإن قلت - كما قاله الغزالي -: اللازم عند استلام الحجر تصميم العبد على أنه يبايع الله، لما ورد أن الحجر يمين الله في الأرض.

قلنا: إن الغرض ذلك من مسح قبر النبي وقبر الوصي لما في التنزيل:( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) .

فإن قلت - كما قاله الغزالي في ص ٢٠٩ من إحياء العلوم -: وأما التعلق بأستار الكعبة والالتصاق بالمستجار فلتكن نيتك في الالتزام طلب القرب حباً وشوقاً للبيت ولرب البيت وتبركاً بالمماسة ورجاء للتحصن من النار، ولتكن نيتك في التعلق بالستر الإلحاح في طلب المغفرة وسؤال الأمان، كالمذنب المتعلق بثياب من أذنب إليه المتضرع إليه في عفوه وأنه لا يفارق ذيله إلاّ بالعفو وبذل الأمن في المستقبل.

قلنا: إن الغرض من المسح والالتصاق بقبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الولي المطلق أيضاً ذلك عند الإمامية حرفاً بحرف، فلا يقدمون عليه إلاّ ونيتهم التبرك وطلب القرب حباً وشوقاً إلى صاحب القبر وسؤال الشفاعة منه

٧٦

والإلحاح في بذل الشفاعة لهم يوم القيامة، نظراً إلى قوله تعالى:( وما كان الله معذبهم وأنت فيهم ) وقوله تعالى( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) وقوله تعالى:( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيم ) .

وقد صح عن النبي: إن مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق... وإن مثل أهل بيتي فيكم كباب حطة في بني أسرائيل.

وسادساً: إن المعتمد في المسح عند المسلمين ما في صحيح البخاري في كتاب المناقب في باب صفة النبي وفيه عن الحكم قال: سمعت أبا جحيفة يقول: خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالهاجرة إلى البطحاء، فتوضأ ثمّ صلى الظهر، إلى أن قال: وقام الناس فجعلوا يأخذون بيده فيمسحون بها وجوههم. قال: فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب من المسك.

وفي أواخر هذا الباب: أنه خرج بلال فنادى بالصلاة، ثمّ دخل فأخرج فضل وضوء رسول الله فوقع الناس عليه يأخذونه منه.

أقول: فاذا صح التمسح بيد النبي والتبرك بفضل وضوئه حال حياته ولم يكن من جعل الآلهة وعبادة ذات أنواط، ولا من الأخذ بعادة اليهود والنصارى صح أيضاً التمسح والتبرك بقبره بعد وفاته لاتحاد الوجه.

وسابعاً: إنه لو سلمنا كون المسح على القبر حراماً شرعاً واقعاً لكنه ليس لمن رأى أنه حرام منع غيره ممن يرى أنه مباح شرعاً، اعتماداً على ما ذكرنا من الوجوه، لأن النهي عن المنكر إنما هو لمن يرى أنه منكر وليست

٧٧

مسألة حرمة المسح على القبر من المسائل الضرورية المسلمة عند كل طائفة من المسلمين ولا يجب على كل طائفة أن تتبع رغائب طائفة أخرى وإلاّ لبطلت المذاهب والإجماع على صحتها، مع أنها مختلفة في كثير من المسائل الفرعية. ولم يحكم أحد عليهم بوجوب الموافقة.

وثالثها: صلاة الزيارة يصليها الزائر عقيب الزيارة في أي مكان شاء ويهدي ثوابها إلى روح المزور، ولا بأس بها شرعاً لأن الصلاة خير موضوع ولكونها نظير قراءة القرآن وإهداء ثوابها إلى الميت.

وقد أورد في البخاري في باب علامات النبوة: أنه خرج النبي يوماً فصلى على أهل أُحد صلاته على الميت ثمّ انصرف.

فالغرض بيان جواز الصلاة عند القبر أولاً، وجواز الصلاة عند قبر المزور ترحماً على الميت وإهداء لثوابها إليه ثانياً، فتكون من النسك الجائزة، فينتدفع بذلك ما في كتاب مجموعة التوحيد: من أن الغلاة - عنى بها الإمامية - إذا وصلوا إلى القبور يصلون عندها ركعتين... إلى قوله: فلا تكون صلاتهم لله تعالى بل للشيطان.

أقول: فلو قال أن صلاتهم لله شكراً له تعالى لما وفقهم إلى زيارة قبور الأنبياء والأولياء ومنحهم من الفضل ما لم يمنح به غيرهم، لكان بمجنب عن متابعة الهوى وأبعد من الكذب والافتراء. والسلام على من اتبع الهدى.

ورابعها: سؤال الزائر من الله حاجته عقيب الصلاة، وهذا جائز وليس شركاً - لا جلياً ولا خفياً - كما في الرسائل النجدية، فإن الدعاء لم يقيد بوقت خاص ولا مكان مخصوص لقوله تعالى:( ادعوني أستجب لكم ) .

٧٨

نعم أنكرت الوهابية جواز التوجه حال الدعاء نحو الحجرة النبوية، مصرحين بالمنع في رسائلهم، ويردهم قوله تعالى:( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) .

وفي البخاري: كان النبي يصلي على راحلته أينما توجهت به.

(ودعوى) الوهابية - تبعاً لابن القيم -: أن ذلك من التشبه بعبدة الأصنام الذين يقفون تجاه اللات والعزى حال الدعاء، ولذا ورد شرعاً النهي عن الصلاة في أوقات خاصة وأماكن مخصوصة، فإنه لقطع مفسدة التشبه بعبادات أهل الشرك.

مدفوعة بأنه لو كان التوجه حال الدعاء نحو المقبرة ذريعة إلى الشرك لزم الشارع أن يعينه بالنهي عنه، كما نهى عن الصلاة في الأماكن المكروهة أو المحرمة، ولما لم يبين مرجوحية التوجه حال الدعاء نحو الحجرة الطاهرة لا يمكننا الحكم بالمرجوحية بعد ثبوت الرخصة العامة في الآيات المذكورة، والحجة الشرعية تقتضي الأخذ بعموم العام إلى أن يأتي المخرج القطعي..

وليس لنا في قبال الآيات البينات حجة وافية لرفع اليد عنها، فالحكم بخلافها سلوك منهج لم يأذن به الله تعالى، كل ذلك مضافاً إلى ما حكم به الإمام مالك حين ما سأله المنصور فقال له: يا أبا عبد الله استقبل القبلة وأدعو الله أم أستقبل رسول الله؟ فقال مالك: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله، بل استقبله واستشفع به - الحديث.

٧٩

ولا يخفى أن هذه الرواية ذكرها جملة من أعاظم علماء السنة بأسانيد صحيحة فراجع شفاء السقام للإمام السبكي وخلاصة الوفاء للسمودي والمواهب اللدنية للعلامة القسطلاني، إلى غير ذلك من أقوال للعلماء في كتبهم حتى يظهر لك أنه لا وجه للحكم بالشرك على من توجه حال الدعاء نحو الحجرة الطاهرة.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

.........................................

____________________________________

المرض الذي توفّى فيه فقال :

يا علي اُدن منّي حتّى أسرّ إليك ما أسرّ الله إليّ وأئتمنك على ما ائتمنني الله عليه ، ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله بعلي عليه السلام ، وفعله علي بالحسن عليه السلام ، وفعله الحسن عليه السلام بالحسين عليه السلام ، وفعله الحسين عليه السلام بأبي ، وفعله ابي بي صلوات الله عليهم أجمعين»(١) .

وأمّا المعنى الثاني فلأنّ أهل البيت عليهم السلام أعظم العارفين بالله ، بل لم يعرف الله حقّ المعرفة إلاّ هم فنؤمن باعتقادهم ، كما أنّهم حجج الله تعالى على الخلق فنؤمن بأقوالهم وأفعالهم.

وقد تقدّم بيانه ودليله في فقرة «وحجج الله» وفقرة «السلام على محال معرفة الله».

__________________

(١) بصائر الدرجات : ص ٣٧٧ ب ٣ ح ١.

٥٢١

وَشاهِدِكُمْ وَغائِبِكُمْ (١)

____________________________________

(١) ـ الشاهد هو الحاضر نظير : أي من كان حاضراً.

والغائب : هو المستتر ، يقال : غاب القمر أي توارى واستتر عن الأبصار(١) .

أي إنّي مؤمن بالإمام الشاهد الحاضر منكم وهم الأئمّة الأحد عشر ، والإمام الغائب وهو الإمام الثاني عشر عليهم السلام.

فإنّه لابدّ للخلق من حجّة فيما بينهم وبين الله تعالى إمّا ظاهر مشهور ، أو غائب مستور.

ويكون الانتفاع بالإمام الغائب كالانتفاع بالشمس إذا غيّبتها السحاب ، كما تلاحظه في التوقيع الشريف لمحمّد بن عثمان العمري عن مولانا صاحب الزمان عليه السلام(٢) .

وقد تقدّم لزوم الإيمان بجميعهم سلام الله عليهم في الشهادة الثالثة من هذه الزيارة المباركة فراجع.

__________________

(١) مجمع البحرين : ص ٢١٢ و ١٣١.

(٢) إكمال الدين : ص ٤٨٥ ب ٤٥ ح ٤.

٥٢٢

وَاَوَّلِكُمْ وَآخِرِكُمْ (١)

____________________________________

(١) ـ أي إنّي مؤمن بكم أهل البيت وبإمامتكم أيّها الأئمّة الاثنى عشر من أوّلكم وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى آخركم الحجّة بن الحسن المهدي (عجّل الله تعالى فرجه) ، ولا أنكر أحداً منكم كما أنكره العامّة أو الواقفة والفرق المنحرفة.

فإنّ إنكار واحد منهم إنكار لبقيّتهم وهو موجب للنار كما تلاحظه في الأحاديث مثل :

١ ـ حديث ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : «ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم : من ادّعى إمامة من الله ليست له ، ومن جحد إماماً من الله ، ومن زعم أنّ لهما في الإسلام نصيباً»(١) .

٢ ـ حديث ابن مسكان قال : سألت الشيخ عليه السلام(٢) عن الأئمّة عليهم السلام؟

قال : «من أنكر واحداً من الأحياء فقد أنكر الأموات»(٣) .

فالأئمّة الطاهرون الذين يجب الإيمان بهم جميعاً ، هم إثنى عشر كاملاً ، بالنصّ الثابت من طريق الفريقين ، من طريق الخاصّة في (١٩) حديثاً ومن طريق العامّة في (٦٥) حديثاً(٤) .

وهم الذين نصّ عليهم في حديث اللوح الشريف المتقدّم(٥) .

وهم الذين ثبتت وصايتهم وخلافتهم ، وبُشّر بهم في الأديان السابقة على الإسلام كما تلاحظه في أحاديث كثيرة منها :

حديث أبي الطفيل قال : شهدت جنازة أبي بكر يوم مات ، وشهدت عمر حين

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٣٧٣ ح ٤.

(٢) يعنى به الإمام الكاظم عليه السلام.

(٣) الكافي : ج ١ ص ٣٧٣ ح ٨.

(٤) غاية المرام : ص ٢٨.

(٥) إكمال الدين : ص ٣٠٨ ب ٢٨ ح ١.

٥٢٣

.........................................

____________________________________

بويع ، وعلي عليه السلام جالس ناحية إذ أقبل عليه غلام يهودي عليه ثياب حسان ، وهو من ولد هارون ، حتّى قام على رأس عمر فقال : يا أمير المؤمنين أنت أعلم هذه الاُمّة بكتابهم وأمر نبيّهم؟

قال : طأطأ عمر رأسه ، فقال : إيّاك أعني ، وأعاد عليه القول.

فقال له عمر : ما شأنك؟

فقال : إنّي جئتك مرتاداً لنفسي ، شاكّاً في ديني.

فقال : دونك هذا الشاب.

قال : ومن هذا الشابّ؟

قال : هذا علي بن أبي طالب ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وآله وهو أبو الحسن والحسين إبني رسول الله وهذا زوج فاطمة إبنة رسول الله صلى الله عليه وآله.

فأقبل اليهودي على علي عليه السلام فقال : أكذلك أنت؟

قال : نعم.

فقال اليهودي : إنّي اُريد أن أسألك عن ثلاث وثلاث وواحدة.

قال : فتبسّم علي عليه السلام ، ثمّ قال : يا هاروني ما منعك أن تقول : سبعاً.

قال : أسألك عن ثلاث فإن علمتهنّ سألتك عمّا بعدهنّ وإن لم تعلمهنّ علمت أنّه ليس لك علم.

فقال علي عليه السلام : فإنّي أسألك بالإله الذي تعبده إن أنا أجبتك في كلّ ما تريد لتدعنّ دينك ولتدخلنّ في ديني؟

فقال : ما جئت إلاّ لذلك.

قال : فسل.

قال : فأخبرني عن أوّل قطرة دم قطرت على وجه الأرض أيّ قطرة هي؟ وأوّل

٥٢٤

.........................................

____________________________________

عين فاظت على وجه الأرض أيّ عين هي؟ وأوّل شيء اهتزّ على وجه الأرض أي شيء هو؟ فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام.

فقال : أخبرني عن الثلاث الاُخرى أخبرني عن محمّدٍ كم بعده من إمام عدل؟ وفي أي جنّة يكون؟ ومن الساكن معه في جنّته؟

فقال : يا هاروني إنّ لمحمّد صلى الله عليه وآله من الخلفاء إثنا عشر إماماً عدلاً لا يضرّهم خذلان من خذلهم ولا يستوحشون بخلاف من خالفهم وإنّهم أرسب [أثبت] في الدين من الجبال الرواسي في الأرض ، ومسكن محمّد صلى الله عليه وآله في جنّة عدن معه ، اُولئك الإثنا عشر الأئمّة العدل.

فقال : صدقت والله الذي لا إله إلاّ هو إنّي لأجدها في كتاب أبي هارون ، كتبه بيده وأملاه عمّي موسى عليه السلام.

قال : فأخبرني عن الواحدة فأخبرني عن وصي محمّد كم يعيش من بعده ، وهل يموت أو يقتل؟

قال : يا هاروني يعيش بعده ثلاثين سنة لا يزيد يوماً ولا ينقص يوماً ، ثمّ يضرب ضربة ههنا ـ يعني قرنه ـ فتخضب هذه من هذا.

قال : فصاح الهاروني ، وقطع كستيجه ـ أي شعاره ـ وهو يقول : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأنّك وصيّه ، ينبغي أن تفوق ولا تُفاق ، وأن تعظَّم ولا تُستضعف.

قال : ثمّ مضى به عليه السلام إلى منزله فعلّمه معالم الدين»(١) .

__________________

(١) إكمال الدين : ص ٢٩٩ ب ٢٦ ح ٦٦.

٥٢٥

وَمُفَوِّضٌ فى ذلِكَ كُلِّهِ اِلَيْكُمْ (١)

____________________________________

(١) ـ التفوض في اللغة بمعنى : ردّ الأمر إلى أحد وتحكيمه فيه ، وفي القرآن الكريم :( فَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ) (١) أي أردّه إليه.

وفي الدعاء : «فوّضت أمري إليك» أي رددته إليك وجعلتك الحاكم فيه ، ومنه قوله في الحديث : «قد فوّض الله إلى النبي صلى الله عليه وآله أمر دينه»(٢) ـ(٣) .

والتفويض هنا هو : إرجاع الأمر إليهم وعد الاعتراض عليهم.

وفسّرت هذه الفقرة بمعنيين :

١ / إنّي مفوّض الأمر في أعمالكم إليكم ، ولا أعترض عليكم في شيء من اُموركم ، لأنّي أعلم أنّ كلّما تأتون به فهو بأمر الله تعالى ، بإرجاع كلمة ذلك إلى قوله عليه السلام : «مؤمن بسرّكم وعلانيتكم» الخ.

ففي حديث الأنصاري عن الإمام الصادق عليه السلام : «من سرّه أن يستكمل الإيمان فليقل : القول منّي في جميع الأشياء قول آل محمّد عليهم السلام فيما أسرّوا وفيما أعلنوا وفيما بلغني وفيما لم يبلغني»(٤) .

فنفوّض إليهم ، ولا نعترض عليهم ، علماً بأنّهم سلام الله عليهم لا يفعلون إلاّ ما أمرهم الله تعالى ، ولا يعملون إلاّ بإرادته ، فلا وجه للاعتراض عليهم.

كما تلاحظ ذلك في باب أنّ الأئمّة عليهم السلام لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلاّ بعهد من الله عزّ وجلّ لا يتجاوزونه(٥) .

__________________

(١) سورة غافر : الآية ٤٤.

(٢) مجمع البحرين : ص ٣٥٦.

(٣) الكافي : ج ١ ص ٢٦٥ ح ٢ ، وص ٤٤٠ ح ٥.

(٤) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ٣٦٤ ب ١٣ ح ٢ ـ ٧.

(٥) الكافي : ج ١ ص ٢٧٩ الأحاديث خصوصاً ح ٢.

٥٢٦

.........................................

____________________________________

٢ / إنّي مفوّض اُموري جميعها إليكم ، لكي تصلحوا خللها وما فسد منها ، وتجعلوني في كفاية منها ، حيث إنّ أعمال الخلائق تعرض عليكم ، بإرجاع كلمة (ذلك) إلى قوله عليه السلام : «ومقدّمكم أمام حوائجي وإرادتي في كلّ أحوالي واُموري» وذلك لأنّهم عليهم السلام الملجأ للخلق ، والوسيلة إلى الله تعالى ، فنتوسّل إلى الله تعالى بهم عليهم السلام ونفوّض اُمورنا إليهم.

وأفاد العلاّمة المجلسي قدس سره هنا أنّ المعنى الأوّل أظهر(١) .

ولعلّ وجه الأظهرية هو رجوع إشارة ذلك إلى السرّ والعلانية.

وهو المرجع الأقرب ، بل هو الأنسب بما بعده يعني قوله عليه السلام : «ومسلّم فيه معكم».

وكيف كان فتفويض الأمر إلى المعصومين عليهم السلام الذين هم حجج الله تعالى وخلفاؤه المعصومون هو تفويض إلى الله تعالى ، وهو المستحسن في كلّ حال.

بل في الحديث النبوي الشريف : التفويض إلى الله من أركان الإيمان(٢) .

ولا يخفى أنّ التفويض إلى الله تعالى هو الموجب لراحة الأبد ، والعيش الرغد ، والنجاة من الهلكات ، وكفاية الاُمور في موارد العسر ، كما تجده وتدركه وجداناً في موارده ، وللتقريب نمثّل بموارد ثلاثة :

الأوّل : تفويض حزقيل مؤمن آل فرعون وكفاية أمره.

ففي حديث كتاب الاحتجاج عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل ، يذكر فيه حزقيل وأنّ قوم فرعون وشوا به إلى فرعون وقالوا إنّ حزقيل يدعوا إلى مخالفتك ، ويعين أعداءك على مضادّتك.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٠٢ ص ١٤٢.

(٢) بحار الأنوار : ج ٧١ ص ١٣٥ ب ٦٣ ح ١٣.

٥٢٧

.........................................

____________________________________

فقال لهم فرعون : ابن عمّي وخليفتي على ملكي ووليّ عهدي ، إن كان قد فعل ما قلتم فقد استحقّ العذاب على كفره نعمتي ، وإن كنتم عليه كاذبين فقد استحققتم أشدّ العقاب لإيثاركم الدخول في مساءته.

فجاء بحزقيل وجاء بهم ، فكاشفوه ، فقالوا : أنت تجحد ربوبيّة فرعون الملك وتكفر نعماءه.

فقال حزقيل : أيّها الملك ، هل جرّبت عليّ كذباً قطّ؟

قال : لا.

قال : فاسألهم من ربّهم؟

قالوا : فرعون.

قال : ومن خالقكم؟

قالوا : فرعون.

قال : ومن رازقكم الكافل لمعاشكم ، والدافع عنكم مكارهكم؟

قالوا : فرعون هذا.

قال حزقيل : أيّها الملك ، فاُشهدك وكلّ من حضرك : أنّ ربّهم هو ربّي وخالقهم هو خالقي ، ورازقهم هو رازقي ، ومصلح معائشهم هو مصلح معائشي ، لا ربّ لي ولا خالق [ولا رازق] غير ربّهم وخالقهم ورازقهم. واُشهدك ومن حضرك : أنّ كلّ ربّ وخالق [ورازق سوى] ربّهم وخالقهم ورازقهم فأنا بريء منه ومن ربوبيته وكافر بإلهيّته.

يقول حزقيل هذا وهو يعني : أنّ ربّهم هو الله ربّي ، ولم يقل : إنّ الذي قالوا : هم أنّه ربّهم هو ربّي ، وخفي هذا المعنى على فرعون ومن حضره ، وتوهّموا أنّه يقول فرعون ربّي وخالقي ورازقي.

٥٢٨

.........................................

____________________________________

فقال لهم [فرعون] : يا رجال السوء ، ويا طلاّب الفساد في ملكي ، ومريدي الفتنة بيني وبين ابن عمّي وهو عضدي ، أنتم المستحقّون لعذابي لإرادتكم فساد أمري ، وإهلاك ابن عمّي ، والفتّ في عضدي.

ثمّ أمر بالأوتاد ، فجعل في ساق كلّ واحد منهم وتداً ، [وفي عضده وتداً ،] وفي صدره وتداً ، وأمر أصحاب أمشاط الحديد فشقّوا بها لحومهم من أبدانهم ، فذلك ما قال الله تعالى :( فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ) لمّا وشوا به إلى فرعون ليهلكوه( وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ) (١) وهم الذين وشوا بحزقيل إليه لمّا أوتد فيهم الأوتاد ، ومشّط عن أبدانهم لحومها بالأمشاط»(٢) .

الثاني : كفاية سيّدنا إبراهيم عليه السلام من شرّ نمرود وصيرورة النار له روضة خضراء كما في حديث تفسير الإمام العسكري عليه السلام جاء فيه :

«... فحُبس إبراهيم وجمع له الحطب ، حتّى إذا كان اليوم الذي ألقى فيه نمرود غبراهيم في النار برز نمرود وجنوده ، وقد كان بُنى لنمرود بناء ينظر منه إلى إبراهيم كيف تأخذه النار ، فجاء إبليس واتّخذ لهم المنجنيق لأنّه لم يقدر أحد أن يتقارب من النار ، وكان الطائر إذا مرّ في الهواء يحترق.

فوضع إبراهيم عليه السلام في المنجنيق وجاء أبوه فلطمه لطمةً وقال له : ارجع عمّا أنت عليه.

وأنزل الربّ [ملائكته] إلى السماء الدنيا ، ولم يبق شيء إلاّ طلب إلى ربّه ، وقالت الأرض : يا ربّ ليس على ظهري أحد يعبدك غيره فيُحرق ، وقالت الملائكة : يا ربّ خليلك إبراهيم يُحرق.

__________________

(١) سورة غافر : الآية ٤٥.

(٢) كنز الدقائق : ج ١١ ص ٣٨٩ ، الاحتجاج : ج ١ ص ٣٧٠ ـ ٣٧١.

٥٢٩

.........................................

____________________________________

فقال الله عزّ وجلّ : أما إنّه إن دعاني كفيته ، وقال جبرئيل : يا ربّ خليلك إبراهيم ليس في الأرض أحد يعبدك غيره سلّطت عليه عدوّه يحرقه بالنار.

فقال : اسكت إنّما يقول : هذا عبد مثلك يخاف الفوت ، هو عبدي آخذه إذا شئت فإن دعاني أجبته.

فدعا إبراهيم عليه السلام ربّه بسورة الإخلاص : «يا لله يا واحد يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد نجّني من النار برحمتك».

قال : فاتقى معه جبرئيل في الهواء وقد وضع في المنجنيق فقال : يا إبراهيم هل لك إليّ من حاجة؟

فقال إبراهيم : أمّا إليك فلا ، وأمّا إلى ربّ العالمين فنعم.

فدفع إليه خاتماً عليه مكتوب : «لا إله إلاّ محمّد رسول الله ألجأت ظهري إلى الله وأسندت أمري إلى الله وفوّضت أمري إلى الله».

فأوحى الله إلى النار : «كوني برداً» فاضطربت أسنان إبراهيم من البرد حتّى قال : «وسلاماً على إبراهيم».

وانحطّ جبرئيل وجلس معه يحدّثه في النار ، ونظر إليه نمرود فقال : من اتّخذ إلهاً فليتّخذ مثل غله إبراهيم ، فقال عظيم من عظماء أصحاب نمرود : إنّي عزمت على النار أن لا تحرقه ، فخرج عمود من النار نحو الرجل فأحرقه ، ونظر نمرود غلى إبراهيم في روضة خضراء في النار مع شيخ يحدّثه ، فقال لآزر : يا آزر ما أكرم إبنك على ربّه»(١) .

الثالث : كفاية رسول الله صلى الله عليه وآله منذ طفولته إلى يوم شهادته في السلم والحرب ،

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٢ ص ٣٢ ب ١ ح ٨.

٥٣٠

.........................................

____________________________________

خصوصاً في واقعة اغتياله ومحاولة قتله في عقبة هرشى عند رجوعه إلى المدينة بعد يوم الغدير الشريف ، وتلاحظها في حديث حذيفة جاء فيه :

فدعاني رسول الله صلى الله عليه وآله ودعا عمّار بن ياسر وأمره أن يسوقها ـ أي ناقته ـ وأنا أقودها ، حتّى إذا صرنا رأس العقبة ، ثار القوم من ورائنا ، ودحرجوا الدباب بين قوائم الناقة ، فذعرت وكادت تنفر برسول الله صلى الله عليه وآله ، فصاح بها النبي صلى الله عليه وآله : أن اسكني ، وليس عليك بأس ، فأنطقها الله تعالى بقول عربي مبين فصيح.

فقالت : والله ، يا رسول الله صلى الله عليه وآله لا أزلت يداً مستقر يد ، ولا رجلاً عن موضع رجل ، وأنت على ظهري.

فتقدّم القوم إلى الناقة ليدفعوها فاقبلت أنا وعمّار نضرب وجوههم بأسيافنا وكانت ليلة مظلمة ، فزالوا عنّا وأيسوا ممّا ظنّوا ، وقدّروا ودبّروا.

فقلت : يا رسول الله من هؤلاء القوم الذين يريدون ما ترى؟

فقال صلى الله عليه وآله : يا حذيفة هؤلاء القوم الذين يريدون ما ترى؟

فقال صلى الله عليه وآله : يا حذيفة هؤلاء المنافقون في الدنيا والآخرة.

فقلت : ألا تبعث إليهم يا رسول الله رهطاً فيأتوا برؤوسهم؟

فقال : إنّ الله أمرني أن أعرض عنهم ، فأكره أن تقول الناس : إنّه دعا اُناساً من قومه وأصحابه إلى دينه فاستجابوا ، فقاتل بهم حتّى إذا ظهر على عدوّه ، أقبل عليهم فقتلهم ، ولكن دعهم يا حذيفة ، فإنّ الله لهم بالمرصاد ، وسيمهلهم قليلاً ثمّ يضطرّهم إلى عذاب غليظ.

فقلت : ومن هؤلاء القوم المنافقون يا رسول الله صلى الله عليه وآله أمن المهاجرين أم من الأنصار؟ فسمّاهم لي رجلاً رجلاً فرغ منهم ، وقد كان فيهم اُناس أنا كاره أن يكونوا فيهم ، فأمسكت عند ذلك.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا حذيفة كأنّك شاكّ في بعض من سمّيت لك ، ارفع رأسك

٥٣١

.........................................

____________________________________

إليهم ، فرفعت طرفي إلى القوم ، وهم وقوف على الثنيّة ، فبرقت برقة فأضاءت جميع ما حولنا ، وثبتت البرقة حتّى خلتها شمساً طالعة فنظرت والله إلى القوم فعرفتهم رجلاً رجلاً ، فإذا هم كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله ، وعدد القوم أربعة عشر رجلاً ، تسعة من قريش ، وخمسة من سائر الناس.

فقال له الفتى : سمّهم لنا يرحمك الله تعالى!

قال حذيفة : هم والله أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقّاص ، وأبو عبيدة بن الجرّاح ، ومعاوية بن أبي سفيان ن وعمرو بن العاص ، هؤلاء من قريش ، وأمّا الخمسة الاُخر فأبو موسى الأشعري ، والمغيرة بن شعبة الثقفي ، وأوس بن الحدثان البصريّ ، وأبو هريرة ، وأبو طلحة الأنصاري ...»(١) .

وفي نسخة الكفعمي بدل هذه الفقرة من الزيارة : «ومفوّض في ذلك كلّه إلى الله عزّ وجلّ ثمّ إليكم».

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٨ ص ٩٩ ب ٣ ح ٣.

٥٣٢

وَمُسَلِّمٌ فيهِ مَعَكُمْ (١) وَقَلْبى لَكُمْ سِلْمٌ (٢)

____________________________________

(١) ـ مسلّم : من التسليم وهو الإنقياد.

أي إنّي مسلّم ومنقاد في جميع اُموركم ما أعلنتم وما أسررتم ، لله تعالى ، كما أسلمتم أنتم ورضيتم ، فلا أعترض على الله تعالى في شيء من ذلك.

فإنّه لا يكمل إيمان المؤمن إلاّ بالتسليم.

وقد تقدّم حديث يحيى بن زكريا الأنصاري ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : سمعته يقول : «من سرّه أن يستكمل الإيمان كلّه فليقل : القول منّي في جميع الأشياء قول آل محمّد عليهم السلام فيما أسرّوا وفيما أعلنوا ، وفيما بلغني وفيما لا يبلغني»(١) .

ولاحظ في التسليم الأحاديث اواردة في تفسير قوله تعالى :( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (٢) ـ(٣) .

(٢) ـ في هامش الفقيه أنّ في بعض النسخ : «وقلبي لكم مسلّم» ، وفي عيون الأخبار : «وقلبي لكم مؤمن».

فعلى نسخة سلم المعنى إنّ قلبي لكم صلح ، اي لا اعتراض له عليكم.

وقد تقدّم دليله في فقرة : «ومفوّض في ذلك كلّه إليكم».

وعلى نسخة مسلّم المعنى : إنّ قلبي منقاد مطيع مذعن لكم ، لا يختلج فيه اعتراض على شيء من أفعالكم أو أقوالكم أو أحوالكم.

لأنّي أعلم علم اليقين أنّكم حجج الله ، ومعصومون من قبله ، وعاملون بإرادته.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ٣٦٤ ب ١٣ ح ٢.

(٢) سورة النساء : الآية ٦٥.

(٣) كنز الدقائق : ج ٣ ص ٤٥٧.

٥٣٣

.........................................

____________________________________

وعلى نسخة مؤمن المعنى : إنّ قلبي يؤمن بكم فأنا مؤمن بكم بلساني وقلبي فأكون لكم أنا بقلبي سلمٌ ومسلّم ومؤمن مضافاً إلى تصديقي بلساني. فإنّ هذا من شؤون الإيمان ، الذي يلزم تحقّقه في كلّ إنسان.

٥٣٤

وَرَأيى لَكُمْ تَبَعٌ (١) وَنُصْرَتى لَكُمْ مُعَدَّةٌ (٢)

____________________________________

(١) ـ أي أنّ رأيي تابع لرأيكم لي مع رأيكم ولا أختار رأياً على رأيكم.

لأنّي أعلم أنّكم تنطقون عن الله ، وأنّكم أوعية مشيئة الله تعالى ، فالرأي المصيب هو ما إرتأيتم ، فأكون تابعاً لكم.

(٢) ـ النصرة : حسن المعونة ، والإعداد : هي التهيئة.

أي أنّ حسن معونتي مهيّأة لكم.

بمعنى إنّي منتظر ومتهيىءٌ لخروجكم والجهاد في خدمتكم مع أعدائكم.

وإنّي متهيىءٌ لبيان دينكم وإعلاء كلمتكم بالبراهين والأدلّة بحسب الإمكان.

وذلك لأنّ نصرتهم من وظائفنا تجاه إمامتهم.

ففي حديث الفضيل عن الإمام الباقر عليه السلام : «... إنّما اُمروا أن يطوفوا بها ـ أي الكعبة ـ ثمّ ينفروا إلينا ، فيُعلمونا ولايتهم ومودّتهم ، ويعرضوا علينا نصرتهم ...»(١) .

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٣٩٢ ح ١.

٥٣٥

حَتّى يُحْيِىَ اللهُ ـ تَعالى ـ دينَهُ بِكُمْ (١) وَيَرُدَّكُمْ في اَيّامِهِ (٢)

____________________________________

(١) ـ أي حتّى يحيي الله تعالى دين الإسلام بكم أهل البيت ، لأنّ الإسلام هو دين الله الذي لا يقبل من أحد غيره ، واحياؤه يكون بتمكّن أهل البيت عليهم السلام وظهورهم واستيلائهم.

كما وعد الله تعالى بقوله :( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (١) ـ(٢) .

وقوله تعالى :( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ) (٣) ـ(٤) .

(٢) ـ أي يردّكم في أيّام ظهور دينه واستيلاء كلمته بظهور الإمام المهدي عليه السلام ، وهي أيّام الرجعة ، التي هي أيّام الله تعالى.

كما ورد بها تفسير قوله تعالى :( وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ) (٥) ـ(٦) .

__________________

(١) سورة التوبة : الآية ٣٣.

(٢) كنز الدقائق : ج ٥ ص ١٤٥.

(٣) سورة النور : الآية ٥٥.

(٤) الكافي : ج ١ ص ١٩٣ ح ١.

(٥) سورة إبراهيم : الآية ٥.

(٦) كنز الدقائق : ج ٧ ص ٢٩.

٥٣٦

وَيُظْهِرَكُمْ لِعَدْلِهِ (١) وَيُمَكِّنَكُمْ في اَرْضِهِ (٢) فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لا مَعَ غَيْرِكُمْ (٣)

____________________________________

(١) ـ أي يظهركم في تلك الأيّام الزاهرة لإقامة عدله وإظهاره.

حيث يملؤون الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً كما وردت في أحاديث الفريقين(١) .

(٢) ـ من المُكنة والسلطنة والثبات.

ففي المجمع : مكّناهم في الأرض أي ثبّتناهم ، وأمكنته من الشيء تمكيناً جعلت له عليه سلطاناً وقدراً فتمكّن منه(٢) .

أي يمكّنكم الله تعالى في ارضه بدولتكم الزاهرة كما وعد الله تعالى في قوله عزّ وجلّ :( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ) (٣) ـ(٤) .

(٣) ـ أي فأنا معكم بالقلب واللسان ، أو في أيّام الغيبة والرجعة ، أو في الدنيا والآخرة فتكرار المعيّة يفيد معنيين.

ويحتمل أن يكون تكرار المعيّة لمجرد التأكيد.

وفي هامش الفقيه أنّ في بعض النسخ : «لا مع غيركم» ، وفي نسخة الكفعمي : «فمعكم معكم إن شاء الله لا مع غيركم».

__________________

(١) غاية المرام : ص ٧٥٠.

(٢) مجمع البحرين : ص ٥٧٢.

(٣) سورة النور : الآية ٥٥.

(٤) كنز الدقائق : ج ٩ ص ٣٣٧.

٥٣٧

آمَنْتُ بِكُمْ وَتَوَلَّيْتُ آخِرَكُمْ بِما تَوَلَّيْتُ بِهِ اَوَّلَكُمْ (١)

____________________________________

(١) ـ تبيّن هذه الفقرة الشريفة والتي تليها دعائم الدين وحدود الإيمان ، أعني التولّي والتبرّي كما تلاحظ دعاميّتها في الأحاديث المعتبرة(١) .

ومعنى هذه الفقرة : آمنت بكم قلباً ولساناً ، وفي عالم الذرّ وهذه الدنيا أتولّى آخركم وأعتقد به وأتّخذه وليّاً بنحو ما كنت أتولّى به أوّلكم وأعتقد به وأتّخذه وليّاً.

أي أتولّى الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه بمثل ما كنت أتولّى أمير المؤمنين عليه السلام كما هو المعنى الظاهر.

أو أتولّى كلّ واحد منكم بنحو ما كنت أتولّى به أوّلكم لأنّ كلّ واحد منهم عليهم السلام آخر ، بالنسبة إلى سابقه(٢) .

وعلى الجملة على صعيد إيماني بكم أتولّى جميعكم ، وكلّكم أوليائي بالولاية الإلهية التي ولاّكم بها الله ورسوله صلى الله عليه وآله في يوم العهد المعهود.

فإنّه يلزم الاعتقاد بجميعهم ، ولا يجوز إنكار واحد منهم ، كما تقدّم في الأحاديث(٣) .

وذكرناها في فقرة «وأوّلكم وآخركم» فراجع.

لذلك قال الشيخ المفيد قدّس الله روحه في كتاب المسائل ـ فيما حكي عنه ـ : (اتّفقت الإمامية على أنّ من أنكر إمامة أحد من الأئمّة وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعة فهو كافر ضالّ ، مستحقّ للخلود في النار.

وقال في موضع آخر : اتّفقت الإمامية على أنّ أصحاب البدع كلّهم كفّار ، وأنّ على الإمام أن يستتيبهم عند التمكّن بعد الدعوة لهم ، وإقامة البيّنات عليهم ، فإن تابوا من بدعهم وصاروا إلى الصواب وإلاّ قتلهم لردّتهم عن الإيمان ، وأنّ من مات منهم على ذلك فهو من أهل النار)(٤) .

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ص ١٨ ح ١ ـ ١٠.

(٢) الأنوار اللامعة : ص ١٧٤.

(٣) الكافي : ج ١ ص ٣٧٣ ح ٤ ـ ٨.

(٤) بحار الأنوار : ج ٢٣ ص ٣٩٠.

٥٣٨

وَبَرِئْتُ اِلَى اللهِ عَزَّوَجَلَّ مِنْ اَعْدائِكُمْ (١)

____________________________________

(١) ـ البراءة والتبرّي من الشيء والشخص : هو التنزّه والتباعد عنه(١) .

وبرأ فلان من فلان إذا سقط عنه طلبه وكان متبرّءاً منه(٢) .

فالتبرّي من العدوّ هو التباعد منه.

وتمهيداً لبيان هذه الفقرة الشريفة نلفت النظر إلى انّ التبرّي من العدوّ فطرة بشريّة وحقيقة ثابتة طبيعية ، فنحن نرى ونحسّ أنّ كلّ إنسان يحبّ صديقه ويتنفّر من عدوّه ومن ظلمه.

وهذا التنفّر من دواعي العقل والحكمة ، بحيث أنّه لو ساوى الإنسان في المحبّة بين صديقه وعدوّه لكان ظالماً لصديقه.

بل التبرّي من ركائز الدين القويم.

لذلك ترى أنّ الله تعالى يقول :( مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ ) (٣) .

وقال تعالى :( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ) (٤) فمعاداة الأعداء إذاً أمر فطري وديني.

خصوصاً إذا كان الأعداء هم أعداء الله ورسوله ، فإنّه يلزم معاداتهم والتبرّي منهم بأنحاء التبرّي كبغضهم ولعنهم وإظهار البراءة منهم ، فإنّه نوع تقرّب إلى الله تعالى وتحبّب إليه.

لذلك تبيّن هذه الزيارة المباركة بأنّنا في حال التجائنا إلى الله عزّ إسمه نتبرّأ من أعداء أهل البيت عليهم السلام يعني الناصبين والضالّين والجاحدين والمعاندين القاتلين ،

__________________

(١) لسان العرب : ج ١ ص ٣٣.

(٢) مجمع البحرين : ص ١٠.

(٣) سورة البقرة : الآية ٩٨.

(٤) سورة فاطر : الآية ٦.

٥٣٩

.........................................

____________________________________

فإنّ أعداءهم أعداء الله تعالى كما في حديث الإحقاق(١) .

والتبرّي منهم بمثل اللعن ثابت بالكتاب والسنّة.

أمّا الكتاب : فقوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (٢) ـ(٣) .

وأمّا السنّة : فالأحاديث المتظافرة مثل :

١ ـ حديث الإمام الرضا عليه السلام المتقدّم الذي ورد فيه انّ من محض الإسلام وشرائع الدين (البراءة من الذين ظلموا آل محمّد ...)(٤) .

٢ ـ حديث الأعمش المتقدّم ، عن الإمام الصادق عليه السلام الذي ورد فيه (والبراءة من أعدائهم واجبة ...)(٥) .

٣ ـ حديث هشام ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : «من جالس لنا عائباً أو مدح لنا قالياً أو واصل لنا قاطعاً أو قطع لنا واصلاً أو والى لنا عدوّاً أو عادى لنا وليّاً فقد كفر بالذي أنزل السبع المثاني والقرآن العظيم»(٦) .

٤ ـ حديث سعدان ، عن الإمام الصادق عليه السلام في قوله :( وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ) (٧) قال : «حقيق على الله

__________________

(١) إحقاق الحقّ : ج ٥ ص ٤١.

(٢) سورة الأحزاب : الآية ٥٧.

(٣) كنز الدقائق : ج ١٠ ص ٤٣٩.

(٤) عيون الأخبار : ج ٢ ص ١٢٤ ب ٣٥ ح ١.

(٥) بحار الأنوار : ج ٢٧ ص ٥٢ ب ١ ح ٣.

(٦) بحار الأنوار : ج ٢٧ ص ٥٢ ب ١ ح ٤.

(٧) سورة البقرة : الآية ٢٨٤.

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698