في رحاب الزيارة الجامعة

في رحاب الزيارة الجامعة8%

في رحاب الزيارة الجامعة مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-7165-40-4
الصفحات: 698

  • البداية
  • السابق
  • 698 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 67963 / تحميل: 5083
الحجم الحجم الحجم
في رحاب الزيارة الجامعة

في رحاب الزيارة الجامعة

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
ISBN: ٩٦٤-٧١٦٥-٤٠-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

.........................................

____________________________________

قال : ثمّ مكث هنيئة فرأى أنّ ذلك كبر على من سمعه منه فقال : علمت ذلك من كتاب الله عزّ وجلّ ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول :( تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ) (١) ـ(٢) .

٢١ ـ حديث محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : نزل جبرئيل على محمّد صلى الله عليه وآله برمّانتين من الجنّة ، فلقيه علي عليه السلام فقال : ما هاتان الرمّانتان اللتان في يد؟

فقال : أمّا هذه فالنبوّة ليس لك فيها نصيب ، وأمّا هذه فالعلم ، ثمّ فلقها رسول الله صلى الله عليه وآله بنصفين فأعطاه نصفها وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله نصفها ثمّ قال : أنت شريكي فيه وأنا شريكك فيه.

قال : فلم يعلم والله رسول الله صلى الله عليه وآله حرفاً ممّا علّمه الله عزّ وجلّ إلاّ وقد علّمه عليّاً ثمّ انتهى العلم إلينا. ثمّ وضع يده على صدره(٣) .

٢٢ ـ حديث المفضّل بن عمر قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : روينا عن ابي عبد الله عليه السلام أنّه قال : «إنّ علمنا غابر ، ومزبور ، ونكتٌ في القلوب ، ونقر في الأسماع ، فقال : أمّا الغابر فما تقدّم من علمنا ، وأمّا المزبور فما يأتينا ، وأمّا النكت في القلوب فإلهام ، وأمّا النقر في الأسماع فأمر الملك»(٤) .

٢٣ ـ حديث عبد بن زرارة قال : أرسل أبو جعفر عليه السلام إلى زرارة أن يُعلم الحكم بن عتيبة ، أنّ أوصياء محمّد عليه وعليهم السلام محدَّثون(٥) .

٢٤ ـ عمّار الساباطي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : بما تحكمون إذا حكمتم؟ قال : «بحكم الله وحكم داود ، فإذا ورد علينا الشيء الذي ليس عندنا ، تلقّانا به

__________________

(١) سورة النحل : الآية ٨٩.

(٢) الكافي : ج ١ ص ٢٦١ ح ٢.

(٣) الكافي : ج ١ ص ٢٦٣ ح ٣.

(٤) الكافي : ج ١ ص ٢٦٤ ح ٣.

(٥) الكافي : ج ١ ص ٢٧٠ ح ١.

٦١

.........................................

____________________________________

روح القدس»(١) .

٢٥ ـ حديث العيون عن الرضا ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسو الله صلى الله عليه وآله : «ما ينقلب جناح طائر في الهواز إلاّ وعندنا فيه علم»(٢) .

٢٦ ـ حديث المناقب عن الإمام الصادق عليه السلام قال : والله لقد اُعطينا علم الأوّلين والآخرين.

فقال له رجل من أصحابه : جعلت فداك أعندكم علم الغيب؟

فقال له : ويحك إنّي لأعلم ما في أصلاب الرجال وارحام النساء.

ويحكم وسّعوا صدوركم ولتبصر أعينكم ولتعِ قلوبكم ، فنح حجّة الله تعالى في خلقه ، ولن يسمع ذلك إلاّ صدر كلّ مؤمن قوي قوّته كقوّة جبال تهامة إلاّ بإذن الله(٣) .

٢٧ ـ حديث أبي الجارود قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : لمّ حضر الحسين عليه السلام ما حضر دعا فاطمة بنته فدفع غليها كتاباً ملفوفاً ووصيّته ظاهرة ، فقال : يابنتي ضعي هذا في أكابر ولدي. فلمّا رجع علي بن الحسين عليهما السلام دفعته إليه وهو عندنا.

قلت : ما ذاك الكتاب؟

قال : ما يحتاج إليه ولد آدم منذ كانت الدنيا حتّى تفنى(٤) .

٢٨ ـ حديث زيد بن شراحيل الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأصحابه : أخبروني بأفضلكم.

قالوا : أنت يا رسول الله.

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٣٩٨ ح ٣.

(٢) بحار الأنوار : ج ١ ص ١٩ ب ١ ح ٤.

(٣) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٢٧ ب ١ ح ٢٨.

(٤) بحار الانوار : ج ٢٦ ص ٥٠ ح ٩٦.

٦٢

.........................................

____________________________________

قال : صدقتم أنا أفضلكم ، ولكن اُخبركم بأفضل أفضلكم ، أقدمكم سلماً وأكثركم علماً وأعظمكم حلماً علي بن أبي طالب عليه السلام.

والله ما استودعت علماً غلاّ وقد أودعته ن ولا علّمت شيئاً إلاّ وقد علّمته ، ولا اُمرت بشيء إلاّ وقد أمرته ، ولا وكّلت بشيء إلاّ وقد وكّلته به ، ألا وإنّي قد جعلت أمر نسائي بيده ، وهو خليفتي عليكم بعدي ، فإن استشهدكم فاشهدوا له(١) .

٢٩ ـ حديث أبي هاشم الجعفري قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول : «الأئمّة علماء حلماء صادقون مفهَّمون محدَّثون»(٢) .

٣٠ ـ حديث حمران بن أعين قال : أخبرني أبو جعفر عليه السلام أنّ علياً كان محدَّثاً.

فقال اصحابنا : ما صنعت شيئاً إلاّ سألته من يحدّثه؟

فقُضي إنّي لقيت أبا جعفر عليه السلام فقلت : أخبرتني أنّ علياً كان محدّثاً.

قال : بلى.

قلت : من كان يحدّثه؟

قال : ملك(٣) .

٣١ ـ حديث ابن مسكان قال : قال أبو عبد الله عليه السلام :( وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) (٤) قال : «كشط لإبراهيم عليه السلام السماوات السبع حتّى نظر إلى ما فوق العرش وكشط له الأرض حتّى رأى ما في الهواء ، وفعل بمحمّد صلى الله عليه وآله مثل ذلك ، وإنّي لأرى صاحبكم والأئمّة من بعده قد فعل

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٦٦ ب ١ ح ١٤٩.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٦٦ ب ٢ ح ١.

(٣) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٧٣ ب ٢ ح ٢٠.

(٤) سورة الأنعام : الآية ٧٥.

٦٣

.........................................

____________________________________

بهم مثل ذلك»(١) .

٣٢ ـ حديث عبد الرحمن بن أبي نجران قال : كتب أبو الحسن الرضا عليه السلام واقرأنيه رسالة إلى بعض أصحابه : «إنّا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وبحقيقة النفاق»(٢) .

٣٣ ـ حديث حذيفة بن اُسيد الغفاري قال : لمّا وادع الحسن بن علي عليهما السلام معاوية وانصرف إلى المدينة صحبته في منصرفه ، وكان بين عينيه حمل بعير لا يفارقه حيث توجّه.

فقلت له ذات يوم : جعلت فداك يا أبا محمّد هذا الحمل لا يفارقك حيث ما توجّهت.

فقال : يا حذيفة أتدري ما هو؟

قلت : لا.

قال : هذا الديوان.

قلت : ديوان ماذا؟

قال : ديوان شيعتنا فيه أسماءهم(٣) .

٣٤ ـ حديث الأعمش قال : قال الكلبي : ما أشدّ ما سمعت في مناقب علي ابن أبي طالب؟

قال : قلت : حدّثني موسى بن طريف ، عن عباية قال : سمعت علياً عليه السلام يقول : «أنا قسيم النار».

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ١١٤ ب ٦ ح ١٥.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ١١٨ ب ٧ ح ٢.

(٣) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ١٢٤ ب ٧ ح ١٩.

٦٤

.........................................

____________________________________

فقال الكلبي : عندي أعظم ممّا عندك ، أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله عليّاً كتاباً فيه أسماء أهل الجنّة وأسماء أهل النار(١) .

٣٥ ـ حديث الثمالي قال : قال أبو جعفر عليه السلام : «إنّ الإمام منّا ليسمع الكلام في بطن أمّه حتّى إذا سقط على الأرض أتاه ملك فيكتب على عضده الأيمن :( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (٢) . حتّى إذا شبَّ رفع الله له عموداً من نور يرى فيه الدنيا وما فيها ، لا يستر عنه منها شيء»(٣) .

٣٦ ـ حديث المفضّل ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «اُعطيت تسعاً لم يعطها أحد قبلي سوى النبي صلى الله عليه وآله لقد فتحت لي السبل ، وعلمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب ، ولقد نئرت في الملكوت بإذن ربّي فما غاب عنّي ما كان قبلي ولا ما يأتي بعدي ، وإنّ بولايتي أكمل الله لهذه الاُمّة دينهم ، وأتمّ عليهم النعم ، ورضي لهم إسلامهم ، إذ يقول يوم الولاية لمحمّد صلى الله عليه وآله : يا محمّد أخبرهم أنّي أكملت لهم دينهم ، وأتممت عليهم النعم ، ورضيت إسلامهم ، كلّ ذلك منّاً من الله علىّ فله الحمد»(٤) .

٣٧ ـ حديث معمّر بن خلاّد ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سمعته يقول : «إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا حذو القذّة بالقذّة»(٥) .

٣٨ ـ حديث الأصبغ بن نباتة قال : سمعت علياً عليه السلام يقول على المنبر : «سلوني

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ١٢٦ ب ٧ ح ٢٣.

(٢) سورة الأنعام : الآية ١١٥.

(٣) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ١٣٣ ب ٨ ح ٢.

(٤) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ١٤١ ب ٨ ح ١٤.

(٥) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ١٧٩ ب ١٢ ح ٦٢.

٦٥

.........................................

____________________________________

قبل أن تفقدوني ، فوالله ما من أرض مخصبة ولا مجدبة ولا فئة تضلّ مائة أو تهدي مائة غلاّ وعرفت قائدها وسائقها، وقد أخبرت بهذا رجلاً من أهل بيتي يخبر بها كبيرهم صغيرهم إلى أن تقوم الساعة»(١) .

٣٩ ـ حديث الهروي قال : كان الرضا عليه السلام يكلّم الناس بلغاتهم ، وكان والله أفصح الناس وأعلمهم بكلّ لسان ولغة.

فقلت له يوماً : يابن رسول الله إنّي لأعجب من معرفتك بهذه اللغات على إختلافها؟

فقال : يا أبا الصلت «أنا حجّة الله على خلقه ، وما كان ليتّخذ حجّة على قوم وهو لا يعرف لغاتهم ، أو ما بلغك قول أمير المؤمنين عليه السلام : اُوتينا فصل الخطاب؟ فهل فصل الخطاب إلاّ معرفة اللغات»(٢) .

٤٠ ـ حديث الحسين بن علوان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنّ الله فضّل اُولي العزم من الرسل بالعلم على الأنبياء ، وورثنا علمهم وفُضّلنا عليهم في فضلهم ، وعلّم رسول الله صلى الله عليه وآله ما لا يعلمون ، وعلّمنا علم رسول الله صلى الله عليه وآله فروينا لشيعتنا ، فمن قبل منهم فهو أفضلهم ، وأينما نكون فشيعتنا معنا»(٣) .

وبدراية هذه الأحاديث الشريفة تعرف علوّ علومهم الربّانية ، ومعالمهم الرحمانية ، كما وإنّ الإيمان بها يكون من شؤون معرفتهم والإيمان بهم.

وما أحلى حديث المفضّل الجعفي في هذا المقام ؛ قال : دخلت على الصادق عليه السلام ذات يوم فقال لي : يا مفضّل هل عرفت محمّداً وعلياً وفاطمة والحسن

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٠ ص ١٢١ ب ٨ ح ٢.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ١٩٠ ب ١٤ ح ١.

(٣) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ١٩٩ ب ١٥ ح ١١.

٦٦

.........................................

____________________________________

والحسين عليهم السلام كنه معرفتهم؟

قلت : يا سيّدي وما كنه معرفتهم؟

قال : يا مفضّل من عرفهم كنه معرفتهم كان مؤمناً في السنام الأعلى.

قال : قلت : عرّفني ذلك يا سيّدي.

قال : يا مفضّل تعلم أنّهم علموا ما خلق الله عزّ وجلّ وذرأه وبرأه ، وأنّهم كلمة التقوى ، وخزّان السماوات والأرضين والجبال والرمال والبحار ، وعلموا كم في السماء من نجم وملك ووزن الجبال وكيل ماء البحار وأنهارها وعيونها وما تسقط من ورقة غلاّ علموها ولا حبّة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلاّ في كتاب مبين وهو في علمهم وقد علموا ذلك.

فقلت : يا سيّدي قد علمت ذلك وأقررت به وآمنت.

قال : نعم يا مفضّل ، نعم يا مكرّم ، نعم يا محبور ، نعم يا طيّب ، طبت وطابت لك الجنّة ولكلّ مؤمن بها(١) .

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ١١٦ ب ٦ ح ٢٢.

٦٧

وَمُنْتَهَى الْحِلْمِ (١)

____________________________________

(١) ـ المنتهى على وزن منتدى اسم مكان بمعنى محلّ نهاية الشيء ، وهنا بمعنى محلّ نهاية الحلم ومنتهى درجته.

والحِلم بكسر الحاء وسكون اللام : هي الصفة النفسانية الكريمة التي حقيقتها ضبط النفس عن هيجان الغضب ، وهو يلازم الصبر ، ويكون بمعنى الناة وكظم الغيظ.

والحليم هو الذي لا يستنفره الغضب ، والحلم عن الشيء يكون فيما إذا صفح عنه وسَتَر عليه.

وأهل البيت عليهم السلام قد بلغوا الغاية والنهاية في تلك الصفة الربّانية الكريمة؛ والإنسان حينما يلاحظ حلمهم عليهم السلام وكظم غيظهم إلى جانب قدرتهم الربّأنية ، وجلالة قدرهم الواقعية ، يدرك أنّهم قد بلغوا غاية الحلم ونهايته حتّى فاقوا الأنبياء في ذلك : فيكونون هم الموصوفون بمنتهى الحلم كما في هذه الزيارة الشريفة والموسومون بملأ الحلم كما في حديث عبد العزيز بن مسلم جاء فيه توصيف الإمام عليه السلام بقوله :

«... شرف الأشراف والفرع من عبد مناف ، نامي العلم ، ملأُ الحلم ، مضطلع بالإمامة ...»(١) .

وتلاحظ حلمهم العظيم في سيرتهم الغرّاء كحلم أمير المؤمنين وكظم غيظه عليه السلام في يوم الدار أمام هتك الحرمات التي إرتكبه الأعداء ممّا تلاحظها بالتفصيل في كتاب سليم بن قيس الهلالي(٢) .

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٢٠٢ ح ١.

(٢) كتاب سليم بن قيس الهلالي : ج ٢ ص ٥٨٥.

٦٨

.........................................

____________________________________

ومثل حلم الإمام المجتبى عليه السلام مع الرجل الشامي كما في حديث المبرّد وابن عائشة بأنّ شاميّاً رآه راكباً فجعل يلعنه والحسن عليه السلام لا يردُّ ، فلمّا فرغ أقبل الحسن عليه السلام فسلّم عليه وضحك فقال : «أيّها الشيخ أظنّك غريباً ولعلّك شبّهت ، فلو استعتبتنا أعتبناك ، ولو سألتنا أعطيناك ، ولو إسترشدتنا أرشدناك ، ولو إستحملتنا أحملناك ، وإن كنت جائعاً أشبعناك ، وإن كنت عرياناً كسوناك ، وإن كنت محتاجاً أغنيناك ، وإن كنت طريداً آويناك ، وإن كان لك حاجة قضيناها لك ، فلو حرّكت رحلك إلينا ، وكنت ضيفنا إلى وقت إرتحالك كان أعود عليك ، لأنّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريقاً ومالاً كثيراً.

فلمّا سمع الرجل كلامه ، بكى ثمّ قال : أشهد أنّك خليفة الله في أرضه ، الله أعلم حيث يجعل رسالته ، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ والآن أنت أحبّ خلق الله إليّ ، وحوّل رحله إليه ...»(١) .

وكذلك حلم الإمام زين العابدين عليه السلام عن جاريته التي جعلت تسكب عليه الماء ليتهيّأ للصلاة فسقط الإبريق من يدها فشجّه فرفع عليه السلام رأسه إليها ، فقالت له الجارية :( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ) إنّ الله يقول :(٢) .

فقال لها : كظمت غيظي.

قالت :( وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) .

قال : عفى الله عنك.

قالت :( وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) .

قال : فاذهبي فأنت حرّة لوجه الله(٣) .

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٤٣ ص ٣٤٤.

(٢) سورة آل عمران : الآية ١٣٤.

(٣) بحار الأنوار : ج ٧١ ص ٣٩٨.

٦٩

.........................................

____________________________________

وهكذا حلم الإمام الصادق عليه السلام في حديث حفص بن أبي عائشة قال : بعث أبو عبد الله عليه السلام غلاماً له في حاجة فأبطأ ، فخرج أبو عبد الله عليه السلام على أثره لمّا أبطأ ، فوجده نائماً ، فجلس عند رأسه يروّحه حتّى انتبه ، فلمّا تنبّه قال له أبو عبد الله عليه السلام : يا فلان ، والله ما ذلك لك ، تنام الليل والنهار لك الليل ولنا منك النهار»(١) .

وأيضاً حلم الإمام الكاظم عليه السلام في حديث معتب قال : كان أبو الحسن موسى عليه السلام في حائط له يصرم فنظرت إلى غلام له قد أخذ كارة(٢) من تمر ، فرمى بها وراء الحائط ، فأتيته وأخذته وذهبت به إلىه ، فقلت : جعلت فداك إنّي وجدت هذا وهذه الكارة.

فقال للغلام : يا فلان.

قال : لبّيك.

فقال : أتجوع؟

قال : لا يا سيّدي.

قال : فتعرى؟

قال : لا يا سيّدي.

قال : فلأي شيء أخذت هذه؟

قال : إشتهيت ذلك.

قال : إذهب فهي لك وقال : خلّوا عنه(٣) .

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ص ١١٢ ح ٧.

(٢) الصرم بمعنى القطع يقال : صرمت الشيء أي قطعته ، والكارة مقدار معيّن من الطعام.

(٣) الكافي : ج ٢ ص ١٠٨ ح ٧.

٧٠

.........................................

____________________________________

وقد شهد بحلمهم حتّى من خالفهم فلاحظ ما ذكره ابن أبي الحديد المعتزلي في حلم أمير المؤمنين عليه السلام ، قال :

(وأمّا الحلم والصفح فكان أحلم الناس عن ذنب وأصفحهم عن مسيء) ثمّ ذكر شواهد ذلك في موارد كثيرة فراجع(١) .

واعلم : أنّ في نسخة البلد الأمين يوجد بعد قوله : «ومنتهى الحلم» قوله عليه السلام : «ومأوى السكينة ...» أي أنّهم عليهم السلام تأوي السكينَة إليهم وتنزل عليهم ، وهي الطمأنينة والوقار والأمنة.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ج ١ ص ٢٢.

٧١

وَاُصُولَ الْكَرَمِ (١)

____________________________________

(١) ـ الاُصول جمع الأصل وهو أساس الشيء ، وما يكون منه الشيء.

والكرم ضدّ الؤم ، وهو في اللغة صفة لكلّ ما يُرضى ويُحمد ويُحسَن ، ولذلك يعبّر عن الصفات الحسنة جميعها بمكارم الأخلاق.

وأهل البيت سلام الله عليهم هم الأصل والأساس في هذه السيجيّة الطيّبة.

وفسّر كرمهم الأصيل بتفاسير ثلاثة كلّها متوفّرة لديهم وكاملة فيهم وهي :

الأوّل : الجود في العطاء وعدم البخل ، فيكون الكريم بمعنى الجواد المعطي ، وأصالة كرمهم تفوّقهم في هذا الجود كما تلاحظه في سيرتهم الحسنة ، وكلّ واحد من أهل البيت عليهم السلام كان جواداً معطاءً كما تلمسه في أدوار حياتهم الكريمة.

ففي حديث المناقب أنّه وفد عرابي المدينة فسأل عن أكرم الناس بها ، فدُلّ على الحسين عليه السلام فدخل المسجى فوجه مصلّياً فوقف بازائه وأنشأ :

لم يخب الآن من رجاك ومن

حرّك من دون بابك الحَلَقة

أنت جواى وأنت معتمد

أبوك قد كان قاتلَ الفَسَقة

لو لا الذي كان من أوائلكم

كانت علينا الجحيم منطبِقَة

قال : فسلّم الحسين وقال : يا قنبر هل بقى من مال الحجاز شيء؟

قال : هاتها قد جاء من هو أحقّ بها منّا ثمّ نزع برديه ولفّ الدنانير فيها وأخرج يده من شقّ الباب حياءً من الأعرابي وأنشأ :

خذها فغنّي إليك معتذر

واعلم بأني عليك ذو شفقة

لو كان في سيرنا الغداة عصا

أمست سمانا عليك مندفقة

لكنّ ريب الزمان ذو غير

والكفّ منّي قليلة النفقة

قال : فأخذها الأعرابي وبكى.

٧٢

.........................................

____________________________________

فقال له عليه السلام : لعلّك استقللت ما أعطيناك.

قال : لا ولكن كيف يأكل التراب جودك. وهو المروي عن الحسن بن علي عليهما السلام أيضاً(١) .

الثاني : جميع أنواع الخير والشرف والفضائل الحسنة فيكون الكريم بمعنى الشريف ذي الخير والفضيلة

ففي حديث عبد العزيز بن مسلم في صفة الإمام عليه السلام : «مخصوص بالفضل كلّه من غير طلب منه له ولا إكتساب ، بل إختصاص من المفضل الوهّاب»(٢) .

الثالث : ما احتمله العلاّمة المجلسي(٣) ووالده(٤) أعلى الله مقامها ، من أن يكون المراد كونهم أسباب ووسائل كرم الله تعالى في الدنيا والآخرة ، حيث أنّه بيمنهم رزق الورى وببركتهم تكون الدرجات العُلى.

ويتمسّك لهذا المعنى الثالث بحديث الإمام العسكري عليه السلام «... فنحن ليوث الوقى ، وغيوث الندى وطعّان العدى ، وفينا السيف والقلم في العاجل ، ولواء الحمد والحوض في الآجل ، وأسباطنا حلفاء الدين وخلفاء النبيّين ، ومصابيح الاُمم ومفاتيح الكرم ، فالكليم اُلبس حلّة الإصطفاء لمّا عهدنا منه الوفاء ، وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا بالباكورة ، وشيعتنا الفئة الناجية والفرقة الزاكية صاروا لنا ردءً وصوناً ، وعلى الظلمة إلباً وعوناً»(٥) .

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٤٤ ص ١٩٠.

(٢) الكافي : ج ١ ص ٢٠١ ح ١.

(٣) بحار الأنوار : ج ١٠٢ ص ١٣٥.

(٤) روضة المتّقين : ج ٥ ص ٤٥٩.

(٥) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٢٦٤ باب جوامع مناقبهم وفضائلهم ح ٥٠.

٧٣

وَقادَةَ الاْمَمِ (١)

____________________________________

(١) ـ القادة جمع قائد وهو الأمير والرئيس ومن يقود ، يقال : قوّاد أهل الجنّة أي الذين يسبقونهم ويجرّونهم إلى الجنّة.

والاُمم جمع الاُمّة بمعنى الخلق ، واُمّة كلّ نبي أتباعه ، ويُطلق على الجماعة أيضاً ، بل يطلق على الشخص الواحد الجامع للخير المقُتدى للناس ، ومنه قوله عزّ إسمه :( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ ) (١) .

وأهل البيت سلام الله عليهم قادة الاُمم بكلّ معنى الكلمة ، وفسّر بتفسيرين :

التفسير الأوّل : أنّهم عليهم السلام الرؤساء الحقيقيون المحقّون في العالم لجميع الأنام ، كما في دعاء الاستئذان المتقدّم : «الذين إصطفيتهم ملوكاً لحفظ النظام ، وإخترتهم رؤساء لجميع الأنام ، وبعثتهم لقيام القسط في إبتداء الوجود إلى يوم القيامة ، ثمّ مننت عليهم بإستنابة أنبيائك لحفظ شرائعك وأحكامك ، فأكملت باستخلافهم رسالة المنذرين كما أوجبت رياستهم في فطر المكلّفين»(٢) .

فيقودون جماعات هذه الاُمّة إلى معرفة الله تعالى وطاعته بالهداية في الدنيا ، والإيصال إلى الدرجات العليا بالشفاعة في الآخرة.

ويستفاد هذا المعنى من حديث أبان عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السلام قال : «إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش : أين خليفة الله في أرضه؟ فيقوم داود النبي عليه السلام ، فيأتي النداء من عند الله عزّ وجلّ : لسنا إيّاك أردنا وإن كنت لله تعالى خليفة ؛ ثمّ ينادي ثانية : أين خليفة الله في أرضه؟ فيقوم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، فيأتي النداء من قبل الله عز وجلّ :

يامعشر الخلائق هذا علي بن أبي طالب خليفة الله في أرضه ، وحجّته على عباده ،

__________________

(١) سورة النحل : الآية ١٢٠.

(٢) بحار الأنوار : ج ١٠٢ ص ١١٥.

٧٤

.........................................

____________________________________

فمن تعلّق بحبله في دار الدنيا فليتعلّق بحبله في هذا اليوم يستضيء بنوره ، وليتبعه إلى الدرجات العلى من الجنّات ؛ قال : فيقوم الناس الذين قد تعلّقوا بحبله في الدنيا فيتّبعونه إلى الجنّة.

ثمّ يأتي النداء من عند الله جلّ جلاله : ألا من إئتمّ بإمام في دار الدنيا فليتبعه إلى حيث يذهب به ، فحينئذٍ تبرّأ الذين اتُّبعوا لو أنّ لَنا كرّةً فنتبرّأ منهم كما تبرّؤوا منّا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار»(١) .

التفسير الثاني : أنّهم عليهم السلام يقودون في الآخرة جميع الاُمم حتّى الاُمم السابقة بالشفاعة الكبرى ، والقيادة إلى الجنان العليا.

ويستفاد هذا المعنى من حديث المفضّل الجعفي جاء فيه : «... قال أبو عبد الله عليه السلام : ما من نبي وُلد من آدم إلى محمّد صلوات الله عليهم إلاّ وهم تحت لواء محمّد صلى الله عليه وآله ...»(٢) .

وحديث جابر أنّه قال لأبي جعفر عليه السلام : جعلت فداك يابن رسول الله حدّثني بحديث في فضل جدّتك فاطمة إذا أنا حدّثت به الشيعة فرحوا بذلك.

قال أبو جعفر عليه السلام : «حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إذا كان يوم القيامة نصب للأنبياء والرسل منابر من نور ، فيكون منبري أعلى منابرهم يوم القيامة ، ثمّ يقول الله : يا محمّد اخطب ، فأخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأنبياء والرسل بمثلها.

ثمّ ينصب للأوصياء منابر من نور ، وينصب لوصيّي علي بن أبي طالب في

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٨ ص ١٠ ب ٩ ح ٣.

(٢) بحار الأنوار : ج ٨ ص ٤٥ ب ١٩ ح ٤٦.

٧٥

.........................................

____________________________________

أوساطهم منبر من نور ، فيكون منبره أعلى منابرهم ، ثمّ يقول الله : يا علي اخطب ، فيخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأوصياء بمثلها.

ثمّ ينصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور ، فيكون لإبنيَّ وسبطيَّ وريحانتي أيّام حياتي منبر من نور ، ثمّ يقال لهما : اخطبا ، فيخطبان بخطبتين لم يسمع أحد من أولاد الأنبياء والمرسلين بمثلها.

ثمّ ينادي المنادي وهو جبرئيل عليه السلام : أين فاطمة بنت محمّد؟ أين خديجة بنت خويلد؟ أين مريم بن عمران؟ أين آسية بنت مزاحم؟ أين اُمّ كلثوم اُمّ يحيى بن زكريّا؟ فيقمن.

فيقول الله تبارك وتعالى : يا أهل الجمع لمن الكرم اليوم؟

فيقول محمّد وعلي والحسن والحسين : لله الواحد القهّار.

فيقول الله تعالى : يا أهل الجمع إنّي قد جعلت الكرم لمحمّد وعلي والحسن والحسين وفاطمة ، يا أهل الجمع طأطأ والرؤوس وغضّوا الأبصار ، فإنّ هذه فاطمة تسير إلى الجنّة ؛ فيأتيها جبرئيل بناقة من نوق الجنّة مدبّحة الجنبين ، خطامها من اللؤلؤ الرطب ، عليها رحل من المرجان ، فتناخ بين يديها فتركبها ، فيبعث الله مائة الف ملك ليسيروا عن يمينها ، ويبعث إليها مائة ألف ملك ليسيروا عن يسارها ، ويبعث إليها مائة ألف ملك يحملونها على أجنحتهم حتّى يصيّروها على باب الجنّة فإذا صارت عند باب الجنّة تلتفت.

فيقول الله : يا بنت حبيبي ما التفاتك وقد أمرت بك إلى جنّتي؟

فتقول : يا ربّ أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم.

فيقول الله : يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حبّ لك أو لأحد من ذرّيتك خذي بيده فأدخليه الجنّة.

٧٦

.........................................

____________________________________

قال أبو جعفر عليه السلام : والله يا جابر إنّها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبّيها كما يلتقط الطير الحبّ الجيّد من الحبّ الرديء ، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنّة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا ، فإذا التفتوا يقول الله : يا أحبّائي ما التفاتكم وقد شفّعت فيكم فاطمة بنت حبيبي؟

فيقولون : يا ربّ أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم.

فيقول الله : يا أحبّائي ارجعوا وانظروا من أحبّكم لحبّ فاطمة ، انظروا من أطعمكم لحبّ فاطمة ، انظروا من كساكم لحبّ فاطمة ، انظروا من سقاكم شربة في حبّ فاطمة ، انظروا من ردّ عنكم غيبة في حبّ فاطمة فخذوا بيده وأدخلوه الجنّة.

قال أبو جعفر عليه السلام : والله لا يبقى في الناس إلاّ شاكّ أو كافر أو منافق ، فإذا صاروا بن الطبقات نادوا كما قال الله تعالى :( فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ) (١) فيقولون :( فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (٢) .

قال أبو جعفر عليه السلام : هيهات هيهات منعوا ما طلبوا( وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) (٣) ـ(٤) .

هذه قيادتهم عليهم السلام في الاُخرى بل هم يقودون الاُمم في الدنيا أيضاً إلى حوائدهم ، بالتوسّل بأنوارهم المقدّسة كما يستفاد من حديث علي بن الحسن بن فضّال ، عن أبيه ، عن الإمام الرضا عليه السلام قال : «لمّا أشرف نوح عليه السلام على الغرق دعا الله بحقّنا فدفع الله عنه الغرق».

__________________

(١) سورة الشعراء : الآية ١٠٠ و ١٠١.

(٢) سورة الشعراء : الآية ١٠٢.

(٣) سورة الأنعام : الآية ٢٨.

(٤) بحار الأنوار : ج ٨ ص ٥١ ب ٢١ ح ٥٩.

٧٧

.........................................

____________________________________

وإنّ موسى لمّا ضرب طريقاً في البحر ، دعا الله بحقّنا فجعله يبساً.

وإنّ عيسى لمّا أراد اليهود قتله ، دعا الله بحقّنا فنجّي من القتل فرفعه إليه»(١) .

وغيره من الأحاديث في باب أنّ دعاء الأنبياء إستجيب بالتوسّل والإستشفاع بهم صلوات الله عليهم.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٣٢٥ ب ٧ ح ٧.

٧٨

وَاَوْلِياءَ النِّعَمِ (١)

____________________________________

(١) ـ أولياء جمع ولي وهو الأولى والأحقّ الذي يلي التدبير.

والنعم جمع نِعمة بكسر النون : ما يتنعّم به الإنسان.

والنعم جمع شامل لجميع النعم وهي :

(الف) : النعم الظاهرة : أي التي تكون مرئية في السماء والأرض وما بينهما ممّا نشاهدها.

(ب) : النعم الباطنة : أي التي لا تكون مرئية ولكنّها نِعم معنوية مدرَكة كالمعرفة والإيمان ، والصفات الحسنة والكمالات النفسيّة التي ندركها.

(ج) : النعم الاُخروية : أي التي يُتفضّل بها في الحياة الآخرة كالكوثر والشفاعة والدرجات الرفيعة.

هذه نعم الله تعالى التي تفضّل بها علينا ظاهرة وباطنة دنياً وآخره.

قال عزّ إسمه :( وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ) (١) كما تلاحظ بيانها وتفسيرها(٢) في مثل حديث عبد الله بن عبّاس وجابر بن عبد الله الأنصاري أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجده في رهط من أصحابه ـ إلى قولهما في الحكاية ـ عن رسول الله صلى الله عليه وآله : «وقد أحى إلىَّ ربّي ـ جلّ وتعالى ـ أن اُذكّركم بالنعمة ، وأُنذركم بما اقتصّ عليكم من كتابه. وتلا( وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ) (الآية).

ثمّ قال لهم : قولوا الآن قولكم ، ما أوّل نعمة رغّبكم الله فيها وبلاكم بها؟

فخاض القوم جميعاً. فذكروا نعم الله التي أنعم عليهم وأحسن إليهم بها من المعاش والرياش والذرّية والأزواج إلى سائر ما بلاهم الله ـ عزّ وجلّ ـ من أنعمه الظاهرة.

__________________

(١) سورة لقمان : الآية ٢٠.

(٢) تفسير كنز الدقائق : ج ١٠ ص ٢٦٠.

٧٩

.........................................

____________________________________

فلمّا أمسك القوم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على علي عليه السلام فقال : يا أبا الحسن ، قل فقد قال أصحابك.

فقال : فكيف لي بالقول؟ فداك أبي واُمّي وإنّما هدانا الله بك.

قال : ومع لك فهات ، قل ما أوّل نعمة أبلاك الله عزّ وجلّ وأنعم عليك بها؟

قال : أن خلقني جلّ ثناؤه ولم أك شيئاً مذكوراً.

قال : صدقت ، فما الثانية؟

قال : أن أحسن بي إذ خلقني ، فجعلني حيّاً لا مواتاً.

قال : صدقت ، فما الثالثة؟

قال : أن أنشأني ـ فله الحمد ـ في أحسن صورة وأعدل تركيب.

قال : صدقت ، فما الرابعة؟

قال : أن جعلني متفكّراً داعياً لا بلهة ساهياً.

قال : صدقت ، فما الخامسة؟

قال : أن جعل لي شواعر أدرك ما ابتغيت لها. فجعل لي سراجاً منيراً.

قال : صدقت ، فما السادسة؟

قال : أ، هداني الله لدينه ولم يضلّني عن سبيله.

قال : صدقت ، فما السابعة؟

قال : أن جعل لي مردّاً في حياة لا انقطاع لها.

قال : صدقت ، فما الثامنة؟

قال : أن جعلني ملكاً مالكاً لا مملوكاً.

قال : صدقت ، فما التاسعة؟

قال : أن سخّر لي سماءه وأرضه وما فيهما وما بينهما من خلقه.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

التذييلُ الثالث

في ترجمة كدير الضبّي

حيث إنّ كدير الضبّي كان يقول بالوصيّة الإلهيّة النبويّة لعلي (عليه السلام)، فقد تناوله أرباب الجرح والتعديل من سنّة أهل الجماعة بالجرح اللاذع والطعن القاسي؛ لمَا بنو عليه من ضعف الصحابي والراوي إذا كان موالياً لعلي وعاملاً بقوله تعالى: ( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلاّ الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى ) ، وتوثيق الصحابي والراوي إذا كان منابذاً لعلي (عليه السلام)، ومجافياً له، وتاركاً العمل بآية المودّة، ونابذاً للتسليم بآية التطهير، ومتبرّماً من فضائل علي (عليه السلام) وأهل بيته، وإليك جملة من كلماتهم في كدير الضبي الدالّة على صدق ما رووه عنه، من إتيانه بالتشهّد بالصلاة على النبي والوصي (بلفظة الوصي).

أ - ما ورد في الجرح والتعديل: ج7، ص 174 / 992

كدير الضبّي: (روى عن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) مرسلاً، وروى عن علي (رضي الله عنه)، روى عنه أبو إسحاق الهمداني، وسمّاك بن سلمة، ويزيد بن حيّان، سمعتُ أبي يقول ذلك: إنّ عبد الرحمان قال: سألتُ أبي عنه؟ فقال: محلّه الصدق، وقيل له: إنّ محمّد بن إسماعيل البخاري أدخلهُ في كتاب الضعفاء، فقال يحوّل من هناك).

ب - الضعفاء المتروكين لابن الجوزي: ج3، ص24 / 2795

كدير الضبّي: روى عنه أبو إسحاق السبيعي وجدّه ويقال: إنّ له صحبة البغوي، ضعّفه البخاري والنسائي.

٢٤١

ج - ميزان الاعتدال في نقد الرجال: ج5، ص 497 / 6961

كدير الضبّي: شيخ لأبي إسحاق، وَهَمَ مَن عدّه صحابيّاً، قوّاه أبو حاتم، وضعّفه البخاري والنسائي، وكان من غلاة الشيعة.

سفيان وشعبة - واللفظ له - عن أبي إسحاق، سمعتُ كدير الضبي يقول: جاء رجل إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: أخبرني بعمل يدخلني الجنة؟ قال: (قل العدل، وأعط الفضل، قال: لا أطيق، قال: فأطعِم الطعام، وأفشِ السلام...).

عن مغيرة عن سمّاك بن سلمة قال: دخلتُ على كدير الضبي أعوده، فقالت لي امرأته: ادنُ منه فإنّه يصلّي، فسمعتهُ يقول في الصلاة: السلام على النبي والوصي، فقلت: لا والله، لا يراني الله عائداً إليك.

د - لسان الميزان: ج4، ص 486 / 5139

مَن اسمه كدير، كديره، كدير الضبّي: شيخ لأبي إسحاق، وَهَم مَن عدّه صحابيّاً، قوّاه أبو حاتم، وضعّفه البخاري والنسائي، وكان من غلاة الشيعة.

سفيان وشعبة - واللفظ له - عن أبي إسحاق، سمعتُ كدير الضبي يقول: جاء إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: أخبرني بعمل يدخلني الجنة؟ قال: (قل العدل، وأعطِ الفضل، قال: لا أطيق ذلك، قال: هل لك من إبل إظر سيراً وسقاء، ثُمّ انظر أهل بيت لا يشربون الماء إلاّ غبّاً فاسقهم؛ فإنّه لعلّه لا ينفق بعيرك، ولا ينخرق سقاؤك حتى تجب لك الجنّة...).

هـ - الكامل في ضعفاء الرجال: ج ص 79 / 1612

كدير الضبّي: سمعتُ بن حمّاد يقول، قال السعدي: كدير زائغ، وقال النسائي: كدير الضبّي ضعيف، حدّثنا الفضل بن الحباب، ثنا محمد بن كثير، ثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق، عن كدير الضبّي: أنّ رجلاً جاء إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال: أخبِرني بعمل يدخلني...

ويقال لكدير: البغوي، وهو من الصحابة...

٢٤٢

و - الضعفاء الصغير: ج1 ص 97/ 308

كدير الضبّي: عن النبي (صلّى الله عليه وآله)، روى عنه أبو إسحاق السبيعي ليس بالقوي.

ي - ضعفاء العقيلي: ج4، ص 13 / 1568

كدير الضبّي: كان من الشيعة، حدّثنا محمّد بن عيسى، حدّثنا محمّد بن علي يقال له حمدان الورّاق ثقة، حدّثنا إسحاق بن إسماعيل، حدّثنا جرير عن مغيرة، عن سمّاك بن سلمة قال: دخلت على كدير الضبي أعوده بعد الغداء، فقالت لي امرأته: أدنُ منه يصلّي حتّى يتوكّأ عليك، فذهبتُ ليعتمد عليّ، فسمعته وهو يقول في الصلاة: سلام على النبي (صلّى الله عليه وآله) والوصي، فقلت: لا والله، يا فلان لا يراني الله عائداً إليك بعد يومي هذا، ومن حديثه ما حدّثناه محمد بن إسماعيل، حدّثنا يعلى بن عبيد، حدّثنا أبو حيّان التيّمي، عن يزيد بن حيّان، عن علي (رضي الله عنه) قال: (إنّ من ورائكم أموراً متماحلة، ردحاً وبلاءاً مكلّحاً مبلّحاً).

ل - المجروحين: ج2، ص 221 / 892

كدير الضبّي: شيخ يروي المراسيل، روى عنه أبو إسحاق السبيعي، منكر الرواية على أنّ المراسيل لا تقوم ثمّ بها الحجّة، وهي وما لم يروَ سيّان، فلا يعجبني الاحتجاج بما انفرد به كدير، المراسيل إن وجد ذلك.

ك - الإصابة: ج5، ص 576

قال ابن خزيمة: لستُ أدري سماع أبي إسحاق من كدير، قلت: قد صرّح به شعبة عن أبي إسحاق، وأخرجه ابن شاهين من طريق سعيد بن عامر الضبي عن شعبة قال: سمعتُ أبا إسحاق منذ أربعين سنة قال: سمعتُ كديراً الضبّي منذ ثلاثين سنة، وقال البخاري في الضعفاء كدير الضبّي روى عنه أبو إسحاق،

٢٤٣

وروى عنه سمّاك بن سلمة، وضعّفه لمَا رواه مغيرة بن مقسم عن سمّاك بن سلمة قال: دخلتُ على كدير الضبي أعوده فوجدته يصلّي وهو يقول: اللهمّ صلِّ على النبي والوصي، فقلت: والله، لا أعودك أبداً).

٢٤٤

الفصلُ الثاني

في إثبات ندبيّة الشهادة الثالثة، الخاصّة والعامّة

والبحثُ في جهاتٍ خمس:

الجهة الأولى: الأقوال في الندبيّة الخاصّة والعامّة والتقريب الصناعي لها.

الجهة الثانية: في بيان روايات الندبيّة الخاصّة.

الجهة الثالثة: في بيان روايات الندبيّة العامّة.

الجهة الرابعة: في بيان السيرة الشرعيّة.

الجهة الخامسة: في إثبات الجزئيّة (الندبيّة الخاصّة) بحسب قاعدة التسامح في أدلّة السُنن.

٢٤٥

٢٤٦

الجهةُ الأولى

الأقوال في الندبيّة الخاصّة والعامّة والتقريب الصناعي لها

قال العلاّمة في التذكرة في كتاب الحج حول الأذان: (ولا تُكره الصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند الذبيحة مع التسمية، بل هي مستحبّة - وبه قال الشافعي - (1) ؛ لأنّه شُرِّع فيه ذِكر الله تعالى، فشُرِّع فيه ذكر رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كالأذان.

وقال أحمد: ليس بمشروع (2).

وقال أبو حنيفة ومالك: إنّه مكروه (3)، لمَا روي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أنّه قال: (موطنان لا أُذكر فيهما: عند الذبيحة، وعند العطاس) (4).

ومرادهُ: (لا أُذكر فيهما) مع الله تعالى على الوجه الذي يُذكر معه في غيرهما، فإنّ في الأذان يُشهد لله بالتوحيد، ويُشهد للنبي بالرسالة، وكذا في شهادة الإسلام والصلاة، وهنا يسمّي الله تعالى، ويصلّي على النبي (صلّى الله عليه وآله)، والصلاة ليست من جنس التسمية وكذا العطاس، فإنّ المروي فيه أنّه يسمّي الله تعالى، ويصلّي على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (5) .

ومثله في المنتهى من نفس كتاب الحج.

____________________

(1) الأم: ج52، ب 239، والحاوي الكبير: ج15، ص 95- 96.

(2) المغني: ج11، ص6، حُلية الأولياء: ج3، ص75 3.

(3) الحاوي الكبير: ج15، ص 96.

(4) أورده ابن قدامة في المغني: ج11، ص6، والماوردي في الحاوي الكبير: ج15، ص 96.

(5) البحار: ج18، ص 178.

٢٤٧

أقول: ويتحصّل من كلام العلاّمة استفادة استحباب اقتران ذِكر الرسول بذكر الله تعالى حيثما ذُكر، واستحباب اقتران الشهادتين باستفادة ذلك بالاقتران الوارد في ذكرهما، وبالشهادة لهما في الأذان والصلاة، وفي شهادة الدخول في الإسلام، واستُحصل من هذه الموارد: استحباب قاعدة عامّة باقتران الذِكرين والشهادتين في الموارد الأخرى التي يرد فيها دليل خاص، كالتسمية عند الذبيحة.

وإذا تمّ هذا النمط من الاستدلال يتّضح قالب الاستدلال بالوجه الثاني - الندبيّة الخاصّة - بتقريبيّة الآيتين، حيث إنّ المستفاد من طوائف الروايات الواردة في التقريبين قاعدة عامّة وهي: استحباب اقتران الشهادات الثلاث، وذِكر علي والأئمّة (عليهم السلام) بذكر الله ورسوله، وبالتالي مشروعيّته في الأذان، لاسيّما وأنّ اقتران الشهادات الثلاث مشروع في الصلاة، كما مرّ في الفصل الأوّل، بل في مواطن عدّة من الصلاة ببركة القاعدة العامّة وخصوص الصلاة قوي جدّاً، وقال في منتهى المطلب: (المشهور ذهبوا إلى جواز الكلام بعد الإقامة ودلّت على ذلك النصوص... ولا خلاف بينهم في تسويغ الكلام بعد الإقامة إذا كان ممّا يتعلّق بالصلاة، كتقديم الإمام وتسوية الصف) (1).

ويشير إلى حسنة الحسن بن شهاب قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (لا بأسَ أن يتكلّم الرجل وهو يقيم الصلاة، وبعدما يقيم إنشاء) (2).

____________________

(1) منتهى المطلب: ج4، ص 394 طبعة جماعة المدرّسين.

(2) أبواب الأذان والإقامة: باب 10، ح10.

٢٤٨

وفي صحيحة حمّاد بن عثمان قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتكلّم بعدما يقيم الصلاة؟ قال: (نعم) (1).

وفي مصحّح الحلبي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتكلّم في أذانه أو إقامته؟ فقال: (لا باس) (2).

وفي صحيح بن أبي عمير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتكلّم في الإقامة؟ قال: (نعم، فإذا قال المؤذِّن: قد قامت الصلاة، فقد حرُم الكلام على أهل المسجد، إلاّ أن يكونوا قد اجتمعوا من شتّى، وليس لهم إمام فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض تقدّم يا فلان) (3).

وفي صحيحة عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) قلت: أيتكلّم الرجل بعدما تقام الصلاة؟ قال: (لا بأس) (4).

والرواية وإن كانت من مستطرفات السرائر عن محمد بن علي بن محبوب، إلاّ أنّه ذَكر في مستطرفات السرائر أنّ نسخة الكتاب عنده بخط جدّه الشيخ الطوسي، مضافاً إلى صحّة إسناد ابن إدريس إلى الشيخ الطوسي، كما هو مذكور في سلسلة الإجازات، ومن ثَمّ تكون طرق بن إدريس إلى الكتب هي طرق الشيخ الطوسي.

____________________

(1) أبواب الأذان والإقامة: باب 10، ح9.

(2) أبواب الأذان والإقامة: الباب10، ح7.

(3) أبواب الأذان والإقامة: الباب10، ح8.

(4) أبواب الأذان والإقامة: باب 10، ح13.

٢٤٩

قال العلاّمة في التذكرة: في مسألة 162: يكره الكلام خلال الأذان والإقامة... إلى أن قال: لو كان الكلام لمصلحة الصلاة، لم يُكره إجماعاً؛ لأنّه سائغ الأذان والإقامة أيضاً) (1).

أقول: وقد اختلف الأصحاب في التثويب، واختلفوا على جوازه للتقيّة وهو قوله: (الصلاة خير من النوم) في الصبح والعشاء، ومع عدم التقيّة الأشهر الكراهيّة، وقال الجعفي: (تقول في صلاة الصبح بعد قولك (حيّ على خير العمل)، الصلاة خير من النوم، وليست من أصل الأذان).

ولم يَستشكل عليه الأصحاب من جهة تسويغه إقحام التثويب، مع عدم كونه جزء الأذان وإن خالفوه في حكم التثويب في نفسه، وهو يُعطي ذهابهم إلى مشروعيّة الكلام المتعلّق بالأذان وغاياته، وإن لم يكن جزءاً منه.

وقد تقدّم في الفصل الأوّل في الطائفة الثالثة من طوائف الروايات، ذِكر الروايات الخاصّة الصحيحة المتضمّنة الندب الخاص بذكر الشهادة الثالثة في مطلق الصلاة، والتي قد أفتى بمضمونها العلاّمة في المنتهى (2) ، حيث جَعل ذِكر أسمائهم في الصلاة من أذكار الصلاة، واستثنى ذكرهم من الكلام المبطل في الصلاة، وأفتى كلّ من الصدوق، والمفيد، باستحباب ذكرهم في قنوت الصلاة، والطوسي أيضاً، والمحقّق الأردبيلي (3) ، والنراقي (4) في المستند.

____________________

(1) التذكرة: ج3، ص51، طبعة مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام).

(2) منتهى المطلب: ج5، ص292 طبع الأستانة الرضويّة، مشهد.

(3) في قنوت صلاة الجمعة في مجمع الفائدة والبرهان: ح2، ص 392- 393.

(4) في تشهّد الصلاة: ج5، ص 331 - 332.

٢٥٠

وقد تقدّمت جملة من الروايات المعتبَرة المعاضدة للصِحاح، هذا مضافاً إلى جملة أخرى من ألسن الروايات في سكك الطائفة أيضاً المتقدّمة في مواضع أخرى من الصلاة.

فالإقرار بإمامتهم وذِكر أسمائهم في الصلاة من أذكار الصلاة، هذا مضافاً إلى ما في موثّق أبي بصير التي مرّت الإشارة إليه من قول أبي جعفر (عليه السلام): (إنّ ذِكرنا من ذِكر الله، وذِكر عدوّنا من ذِكر الشيطان) (1) ، وفي صحيح الحَلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): (كلّما ذَكرت الله عزّ وجل، والنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فهو من الصلاة) (2).

وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: (وأفصِح بالألف والهاء وصلِّ على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كلّما ذكرتهُ، أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره) (3).

وتقريب دلالة هذه الرواية: أنّها دالّة على عموم حكم ذِكر النبي وذِكر الله لكلّ الموارد، ومنها الأذان وعدم خروج طبيعة الأذان عن ذلك، لكون طبيعة الذكر منطوية فيه.

ومن خصائص النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): الصلاة عليه بالصلاة التامة كلّما سُمع اسمه الشريف، فإذا ثَبتت هذه الكبرى، والكبرى أنّ من أحكام التشهّد بالوحدانيّة من الرسالة هو الاقتران بالشهادة الثالثة، وهذا العموم شامل لطبيعة الأذان، ولا يُتوهّم أنّ ذلك يغيّر صورة الأذان وفصوله، أو أنّ الأذان ينقطع موالاته باقتحام الكلام ونحو ذلك من التعليلات الأخرى لذلك الوهم؛ لأنّ هذه المناشئ لا تُمانع عموم استحباب الصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لعموم موضوعه وهو ذِكره بالصلاة عليه.

____________________

(1) أبواب الذكر: باب 3، ح3.

(2) أبواب الركوع: باب 20، ح4.

(3) الكافي: ج3، ص303 ح7، والفقيه: ح1، ص 184، ح875، الوسائل: أبواب الأذان والإقامة، باب 41 ح1.

٢٥١

قال الشهيد الثاني في الروضة:

(ولو فعلَ هذه الزيادة أو إحداهما بنيّة أنّها منه أثمَ في اعتقاده، ولا يبطل الأذان بفعله وبدون اعتقاد ذلك لا حرج) (1).

ويظهر منه مشروعيّة ذِكرها - لا بنيّة الجزئيّة - كشعار؛ لأنه ذَكر أنّها من أحكام الإيمان قبل ذلك.

وقال المجلسي الأوّل (قدِّس سرّه) في شرح الفقيه في ذيل الكلام المتقدّم: (الجزم بأنّ هذه الأخبار من موضوعاتهم مُشكل، مع أنّ الأخبار التي ذكرنا [ مختلفة ] في الزيادة والنقصان، وما لم نذكره كثيرة، والظاهر أنّ الأخبار بزيادة هذه أيضاً كانت في الأصول وكانت صحيحة أيضاً، كما يظهر من المحقّق، والعلاّمة، والشهيد (رحمهم الله)؛ فإنّهم نسبوها إلى الشذوذ، والشاذ ما يكون صحيحاً غير مشهور، مع أنّ الذي حكم بصحّته أيضاً شاذ كما عرفتَ، فبمجرّد عمل المفوّضة أو العامّة على شيء لا يمكن الجزم بعدم ذلك أو الوضع، إلاّ أن يرد عنهم (صلوات الله عليهم) ما يدلّ عليه، ولم يرد مع أنّ عمل الشيعة كان عليه في قديم الزمان وحديثه، والظاهر أنّه لو عمل عليه أحد لم يكن مأثوماً، إلاّ مع الجزم بشرعيّته فإنّه يكون مخطئاً، والأَولى أن يقوله على أنّه جزو الإيمان لا جزو الأذان، ويمكن أن يكون واقعاً ويكون سبب تركه التقيّة،

____________________

(1) الروضة: ج1، ص 573 الطبعة القديمة.

٢٥٢

كما وقعَ في كثير من الأخبار ترك (حيّ على خير العمل) تقيّة، على أنّه غير معلوم أنّ الصدوق أيّ جماعة يريد من المفوّضة، والذي يظهر منه - كما سيجيء - أنّه يقول: كلّ مَن لم يقل بسهو النبي، فإنّه من المفوّضة، وكلّ مَن يقول بزيادة العبادات من النبي، فإنّه من المفوّضة، فإن كان هؤلاء فلا تلُم مذهبهم حتى تنسب إليهم الوضع واللّعن، نعم، كلّ مَن يقول بإلوهيّة الأئمّة أو نبوّتهم؛ فإنّهم ملعونون) (1).

أقول: ويستفاد من كلامه (قدِّس سرّه) أمور:

الأمرُ الأوّل: أنّ ما أفاده أوّلاً في تعريف الشاذ، هو الأشهر في تعريفه حيث قالوا: إنّه ما رواه الثقة مخالفاً لمَا رواه جماعة، ولم يكن له إلاّ إسناد واحد، فهو يقابل المنكر والمردود، ويعضد إرادة هذا المعنى من الشاذ في المقام: أنّ الصدوق (قدِّس سرّه) فيما تقدّم من كلامه، ذَكر أنّ الأخذ بتلك الروايات من علامات الاتّهام بالمفوّضة، فلم يجزم ولم يحقّق النسبة إلى التفويض في الراوين الآخذين لها، وكذا ما تقدّم من كلمات القدماء، فإنّ غاية طعنهم فيها هو بالشذوذ لا الضعف في السند، الذي قد يُتوهم من كلام الصدوق (قدِّس سرّه)، وقد عرفتَ عمل القاضي ابن برّاج لبعضها، وقد قدّمنا في الفصل الأوّل استقصاء معاني الشاذ في كلمات الشيخ الطوسي، والصدوق وغيرهم، وعُلم منه أنّ الأشهر في معناه ما ذكرناه سالفاً.

الأمرُ الثاني: إنّ الجمع بين كلامَي الشيخ متين، وكذا ما فسّر به عبائر الأصحاب المتكرّرة، من أنّ الشهادة الثالثة من أحكام الإيمان أو جزء الإيمان لا جزء الأذان، من إرادتهم ذِكرها في الأذان مبنيّاً على أنّها شعار وجزء للإيمان لا بنيّة جزء الأذان، كما في الصلوات على النبي عند ذِكر الشهادة الثانية، كما يأتي في تنقيح بقيّة الوجوه المشار إليها.

____________________

(1) روضة المتقين: ج2، ص245، طبعة قم.

٢٥٣

الأمرُ الثالث: إنّ منشأ الإعراض عن روايات الشهادة الثالثة، هو الأخذ بصحيح زرارة المحدّد للأذان والإقامة بعدد معيّن متّحد فيهما، مع أنّ روايات الأذان من جهة عدّ فصوله مع الإقامة مختلفة في تحديد العدد، فلا يصلح ذلك منشأ للإعراض عن روايات الشهادة الثالثة.

وقال المجلسي الثاني - في ذيل عبارة الصدوق بَعدما نقلها في البحار -: (لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان؛ لشهادة الشيخ، والعلاّمة، والشهيد وغيرهم بورود الأخبار بها، قال الشيخ:... ونقل كلامَي الشيخ المتقدّمَين، ثُمّ قال: ويؤيّده ما رواه الشيخ أحمد بن أبي طالب (قدِّس سرّه)، ونقلَ رواية الاحتجاج، فيدلّ على استحباب ذلك عموماً والأذان من تلك المواضع، وقد مرّ أمثال ذلك في أبواب مناقبه (عليه السلام)، ولو قاله المؤذِّن أو المقيم لا بقصد الجزئيّة، بل بقصد البركة لم يكن آثماً، فإنّ القوم جوزّوا الكلام في أثنائهما مطلقاً، وهذا أشرف الأدعية والأذكار).

واستجودَ هذه المقالة صاحب الحدائق.

وقال صاحب الجواهر بعد كلام المجلسي المتقدّم: (وهو كما ترى إلاّ أنّه لا بأس بذكر ذلك لا على سبيل الجزئيّة، عملاً بالخبر المزبور، ولا يقدح مثله في الموالاة والترتيب، بل هي كالصلاة على محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)عند سماع اسمه، وإلى ذلك أشار العلاّمة الطباطبائي في منظومته عند ذكر السُنن للأذان وآدابه فقال:

صلِّ إذا اسمُ محمّد بدا

عليه والآل فصلِّ لتحمدا

وأكمل الشهادتين بالتي

قد أكمل الدين بها في الملّة

وأنّها مثل الصلاة خارجة

عن الخصوص والعموم والجهة

٢٥٤

ثُمّ قال: بل لولا تسالم الأصحاب لأمكنَ دعوى الجزئيّة بناءً على صلاحيّة العموم لمشروعيّة الخصوص، والأمر سهل) (1) انتهى.

وقال الوحيد البهبهاني في حاشيّته على المدارك - عند ذِكر الترجيع (أي التكرار في فصول الأذان) -: (وردَ في العمومات متى ذكرتم محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فاذكروا آله، ومتى قلتم محمّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قولوا علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، كما رواه في الاحتجاج فيكون حال الشهادة بالولاية حال الصلاة على محمّد وآله بعد قول المؤذّن: (أشهدُ أنّ محمّداً رسول الله) في كونه خارجاً عن الفصول ومندوباً عند ذِكر محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (2).

وقال الحرّ العاملي في الهداية (3) : إنّ المجلسي ذهبَ إلى كون الشهادة بالولاية فيهما من الأجزاء المستحبّة وقال: إنّ ما ذكرهُ شيخنا في البحار قوي.

وقال المحدّث العلاّمة الشيخ حسين العصفوري البحراني، أنّه قال في الفرحة الإنسيّة: (وأمّا الفصل المروي في بعض الأخبار المرسلة وهو: أشهدُ أنّ عليّاً وليّ الله، فممّا نفاه الأكثر، وظاهر الشيخ في المبسوط بثبوته، وجواز العمل به وهو الأقوى، والطعن فيه كما عن الصدوق غير متحقّق، فلا بأس بما ذهب إليه الشيخ، وليس من البِدع كما زعمه، ثُمّ يؤيّد ما ذكرنا أخبار عدم التفكيك بين الشهادتين، الشهادة بالنبوّة، والشهادة بالولاية، ومنها رواية الاحتجاج) (4).

____________________

(1) الجواهر: ج9، ص 86 - 87.

(2) حاشية المدارك: ج2، ص410.

(3) هداية الأمّة إلى أحكام الأئمّة: بحث الأذان.

(4) الفرحة الإنسيّة: ج2، ص16 طبعة بيروت.

٢٥٥

أقول: وما استظهره من عبارة المبسوط متين جدّاً، كما عرفتَ ممّا تقدّم، وكذا ردّه لطعن الصدوق (قدِّس سرّه) للروايات المزبورة.

وقال صاحب القوانين في الغنائم: (أشهدُ أنّ عليّاً وليّ الله، وأنّ محمّداً وآله خير البريّة) فالظاهر الجواز، - ثُمّ نقلَ قول الصدوق، والشيخ في النهاية والمبسوط - ويظهر من هؤلاء الأعلام ورود الرواية، فلا يبعد القول بالرجحان، سيّما مع المسامحة في أدلّة السُنن ولكن بدون اعتقاد الجزئيّة.

وممّا يؤيّد ذلك: ما ورد في الأخبار المطلقة (متى ذكرتم محمّداً صلّى الله عليه وآله فاذكروا آله، ومتى قلتم: محمّداً رسول الله، فقولوا: عليّ وليّ الله) (1).

وعن الشيخ محمّد رضا جدّ الشيخ محمّد طه نجف في العدّة النجفيّة - شرح اللمعة -: (الذي يقوى في النفس أنّ السرّ في سقوط الشهادة بالولاية في الأذان؛ إنّما هو التقيّة ومعه فقد يكون هو الحكمة فيطرّد، نعم، لو قيل لا بقصد الجزئيّة لم يبعد رجحانه).

وقال المحقّق النراقي في المستند: (صرّح جماعة منهم الصدوق، والشيخ في المبسوط بأنّ الشهادة بالولاية ليست من أجزاء الأذان والإقامة الواجبة ولا المستحبّة، وكرّهها بعضهم مع عدم اعتقاد مشروعيّتها للآذان، وحرّمها معه (والظاهر إرادته صاحب مفاتيح الشرائع)، ومنهم مَن حرّمها مطلقاً لخلو كيفيّتهما المعقولة (والظاهر إرادته صاحب الذخيرة)، وصرّح في المبسوط بعدم الإثم وإن لم يكن من الأجزاء، ومفاده الجواز، ونفى المحدّث المجلسي في البحار البُعد عن كونها من الأجزاء المستحبّة للأذان، واستحسنه بعض مَن تأخّر عنه.

____________________

(1) الغنائم: ج2، ص 422.

٢٥٦

أقول: (1) أمّا القول بالتحريم مطلقاً، فهو ممّا لا وجه له أصلاً، والأصل ينفيه وعمومات الحثّ على الشهادة بها تردّه.

وليس من كيفيّتهما اشتراط التوالي وعدم الفصل بين فصولهما حتى تخالفهما الشهادة، كيف؟ ولا يُحّرم الكلامَ اللغو بينهما، فضلاً عن الحقّ، وتوهّم الجاهل الجزئيّة غير صالح لإثبات الحرمة كما في سائر ما يتخلّل بينها من الدعاء، بل التقصير على الجاهل حيث لم يتعلّم.

بل وكذا التحريم مع اعتقاد المشروعيّة، إذ لا يُتصوّر اعتقاد إلاّ مع دليل ومعه لا إثم، إذ لا تكليف فوق العلم، ولو سُلِّم تحقّق الاعتقاد وحرمته فلا يوجب حرمة القول، ولا يكون ذلك القول تشريعاً وبدعة، كما حقّقناه في موضعه.

وأمّا القول بكراهتها: فإن أُريد بخصوصها فلا وجه له أيضاً، وإن أُريد من حيث دخولها في التكلّم المنهي عنه في خلالهما، فله وجه لولا المُعارض، ولكن تُعارضه عمومات الحثّ على الشهادة مطلقاً، والأمر بها بعد ذِكر التوحيد والرسالة بخصوصه كما في المقام رواه في الاحتجاج - ونقلَ رواية معاوية المتقدّمة - بالعموم من وجه، فيبقى أصل الإباحة سليماً من المزيل، بل الظاهر من شهادة الشيخ، والفاضل، والشهيد - كما صرّح به في البحار - ورود الأخبار بها في الأذان بخصوصه أيضاً - ثُمّ نَقل كلامَي الشيخ في المبسوط والنهاية - وعلى هذا فلا بُعد في القول باستحبابها فيه، للتسامح في أدلّته.

وشذوذ أخبارها لا يمنع عن إثبات السُنن بها، كيف؟ وتراهم كثيراً يجيبون عن الأخبار بالشذوذ فيحملونها على الاستحباب) (2) انتهى كلامه.

____________________

(1) والكلام لا زال للنراقي.

(2) المستند: ج4، ص486.

٢٥٧

وقال صاحب الرياض - في معرض ردّه على المستشكل في ذِكر الشهادة الثالثة في الأذان -: (قيل: إنّ الأذان سُنّة متلقاة من الشارع كسائر العبادات فتكون الزيادة فيه تشريعاً محرّماً، كما يحرم زيادة أنّ محمّداً وآله خير البريّة؛ فإنّ ذلك وإن كان من أحكام الإيمان إلاّ أنّه ليس من فصول الأذان كما ترى، فإنّ التشريع لا يكون إلاّ إذا اعتقد شرعيّته من غير جهة أصلاً، ومنه يظهر جواز زيادة أنّ محمّد وآله إلى آخره، وكذا عليّاً وليّ الله مع عدم قصد الشرعيّة في خصوص الأذان، وإلاّ فيحرم قطعاً، ولا أظنّهما من الكلام المكروه أيضاً؛ للأصل، وعدم انصراف إطلاق النهي عنه إليهما بحكم عدم التبادر، بل يستفاد من بعض الأخبار استحباب الشهادة الثالثة بالولاية بعد الشهادة بالرسالة) (1) .

وإليك بعض فتاوى وكلمات أعلام العصر في جواز الثالثة وهي:

1- قال السيّد إسماعيل النوري - عند ذِكر الماتن للأذان -: (المتصفِّح للروايات الواردة في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، يحصل له القطع بمحبوبيّة اقتران اسمه المبارك والشهادة له بولايته باسم الله تعالى، واسم رسوله كلّما يُذكران لفظاً وكتابةً، وذكروا أنّه لا معنى للاستحباب إلاّ رجحانه الذاتي النفس الأمري) (2).

وإطلاق كلامه شامل للتشهّد في الصلاة كما يشمل الأذان.

____________________

(1) رياض المسائل: ج1، ص151.

(2) نُقلت من كتاب سرّ الإيمان، للسيّد عبد الرزاق المقرّم.

٢٥٨

2- وقال السيّد علي الطباطبائي آل بحر العلوم في البرهان القاطع، عند ذِكر كيفيّة الأذان: (وبالجملة بالنظر إلى ورود تلك العمومات يستحبّ كلّما ذُكرت الشهادتان تُذكر الشهادة بالولاية، وإن لم ينصّ باستحبابه في خصوص المقام، إذ العموم كاف له، ومنه الأذان والإقامة فيستحبّ الشهادة بالولاية بعد الشهادتين فيهما، لا بقصد جزئيّتهما فيهما؛ لعدم الدليل وفاقاً للدرّة) (1) .

أقول: يظهر من هذا الكلام وما تقدّم، أنّ كلّ مَن بنى على استحباب اقتران الشهادات الثلاث عموماً، مقتضاه أن يبني على استحبابه في التشهّد أيضاً لا بنحو الجزئيّة، بل من باب استحباب العام لكيفيّته الخاصّة.

3- وقال الميرزا محمّد تقي الشيرازي - وهو في رتبة أستاذ الميرزا النائيني - في رسالته العمليّة التي طُبعت في بغداد (في مطبعة الآداب 1328)، قال في ص60: (ويستحبّ الصلاة على محمد وآله عند ذِكر اسمه الشريف، وإكمال الشهادتين بالشهادة لعلي بالولاية، وإمرة المؤمنين في الأذان وغيره) (2).

وقال الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء في حاشيته على العروة: (يمكن استفادة كون الشهادة بالولاية والصلاة على النبي وآله، أجزاء مستحبّة في الأذان والإقامة من العمومات) (3).

أقول: إنّ ما ذهب إليه من استفادة الجزئيّة من العمومات، نظير ما ذهب إليه صاحب الجواهر، وذهب للاستحباب في الأذان والإقامة الميرزا عبد الهادي الشيرازي في حاشيته على العروة.

____________________

(1) البرهان القاطع: ج3.

(2) رسالة سرّ الإيمان: السيّد عبد الرزاق المقرّم، ص 76.

(3) حاشية على العروة الوثقى، في ذيل مسألة فصول الأذان الإقامة.

٢٥٩

تكملة كلام السيّد الحكيم والتعليق عليه.

قال: (وما في الجواهر من أنّه كما ترى غير ظاهر).

ويستفاد من قوله (قدِّس سرّه):

الأوّل: عدم حصول القطع ولا العلم القصدي من دعوى الصدوق بكذب الرواة، وأنّ احتمال صدقهم قائم بحاله، وعلى ذلك فتجري قاعدة التسامح في أدلّة السُنن على القول بها، بل حتّى على القول بها كما سيأتي بيانه.

الثاني: تقريره بأنّ الأذان شعار للإيمان أو محلّ لشعائر الإيمان.

الثالث: استوجهَ ما ذهبَ إليه المجلسي في البحار من كون الشهادة الثالثة من الأجزاء المستحبّة في الأذان، استناداً إلى شهادة الشيخ، والعلاّمة، والشهيد بورود الأخبار الخاصّة المعتضدة بالأخبار العامّة الدالّة على التلازم بين الشهادات الثلاث، وذَكر أنّ تَنظّر صاحب الجواهر بأنّ دعوى المجلسي المزبورة لا وجه له ظاهر.

4- قال الميرزا النائيني في وسيلة النجاة: (يستحبّ الصلاة على محمد وآله عند ذِكر اسمه الشريف، وإكمال الشهادتين بالشهادة لعلي (عليه السلام) بالولاية، وإمرة المؤمنين في الأذان وغيره).

أقول: وعموم كلامه يقتضي شموله للتشهّد في الصلاة، لاسيّما وإنّ الصلاة على النبي محمّد عند ذِكر اسمه يعمّ الصلاة وغيرها.

5- قال السيّد الحكيم في منهاج الصالحين يُمثل عبارة أستاذه الميرزا: (وتستحبّ الصلاة على محمّد وآله عند ذِكر اسمه الشريف، وإكمال الشهادتين لعلي (عليه السلام) بالولاية، وإمرة المؤمنين في الأذان وغيره) (1).

____________________

(1) منهاج الصالحين: ص 129 الطبعة السابعة.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698