مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور5%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 277747 / تحميل: 5413
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وكت ذبحه سِماها يمطر أحمر

مهو ريحانة الهادي المبرور

دخلي احسين لتيتم اطفاله

شِريده كل هلي اذبحني ابداله

كل ارواحنه فدوه الجماله

حسافه الباز يغدي افريسة اطيور

فجذبها عنه قهرا وضربها ضربا عنيفا ثم إنه دنا إليه وكان قد أغمي عليه فارتقى على صدره والمطهر ثم قلبه على وجهه المنور فلما رأته يفعل به ذلك تقدمت إليه وجذبت السيف من يديه وقالت يا عدو الله ارفق به لقد كسرت صدره وأثقلت ظهره فبالله عليك إلا ما امهلته سويعة لأتزود منه ويلك أما علمت أن هذا الصدر تربى على صدر رسول الله وصدر فاطمة الزهراء ويحك تجلس على صدر حاز علوم الأولين والآخرين ويحك هذا ناغاه جبرئيل وهزَّه ميكائيل.

(نصاري)

تزايد بالعناد الشمر واشتد

ولاباله ابحچي زينب او لارد

قسه گلبه او وجهه بالخزي أسود

يدور اعليه او بيده السيف مشهور

فعلها ابن الضبابي اشلون فعله

او داس اخزانة الباري ابرجله

اهو يدري اشعظمها من مُشِكْله

تنوح اله الخلايق كل الدهور

فعندها فتح الحسينعليه‌السلام عينيه وقال لها: يا أختاه دعيني أنا أكلمه ماذا تريد يا عدو الله؟ لقد ارتقيت مرتقى عظيما وركبت أمرا جسيما فقال أريد التقرب إلى يزيد بذبحك فلما سمعت زينب كلامه نادت بصوت يقرّح القلوب يا شمر دعني أودعه يا شمر دعني أغمضه يا شمر دعني أنادي البنيات يتزودن منه

١٦١

يا شمر دعني آتيه بولده العليل يشتاق بلقائه دعني آتيه بابنته سكينة فانه يحبها وتحبه فغار اللعين عليها بالسيف فوقعت على وجهها مغشيا عليها وجعل يهبر نحر الحسين بالسيف بقطع عنيف وهو ينادي وا جداه وا أباه وا أماه وا أخاه(١) .

(نصاري)

جسر شمر الضبابي اشلون جسره

اعلى مولاه او تربع فوگ صدره

لزم راسه او حط سيفه ابنحره

او ظل يفري او داجه والسمه اتمور

گطع راسه او شاله والهوه اظلم

وظلت تمطر اعيون السمه دم

او على جثته الوحش والطير حوَّم

واهتز العرش والفلك ميدور

فأخذت الناس الزلازل وأمطرت السماء دما عبيطا وترابا أحمر(٢) .

لهفي وقد ذُبح الحسينُ بسيفه

والشيبُ مخضوبٌ بقانٍ سائلِ

لهفي وقد قطع الزنيمُ كريمَه

كفرا وقد علّاه فوقَ الذابل

____________________

(١) - تظلم الزهراء ص٢٦٥/٢٦٦.

(٢) - تظلم الزهراء ص٢٦٦.

١٦٢

المجلس الثالث والعشرون

القصيدة: للشيخ محمد بن عبد الله الزهيري القطيفي

ت ١٣٢٩ه

يا عينُ جودي بانسكابِ

لمصاب آلِ أبي ترابِ

وحشاي ذوبي باحتراقٍ

واضطرمٍ واضطراب

وفؤادي المضنَّى أقِمْ

ما عشت دهرَك في اكتئاب

وتقطَّعي كبدي

لمقتول بسيف ابنِ الضبابي

كيف التصبُّر والسلوُّ

لصاحبِ القلبِ المذاب

أو بعدَ وقعةِ كربلا

يصبو المحبُّ إلى التصابي

أو يستلذُّ بباردِ الأفياءِ

أو عذبِ الشراب

وجسومُ سادتِه على الر

مضاءِ في تلك الرِحاب

ومن الضما أكبادُهم

نَضِجَتْ بوقدٍ والتهاب

وتُرَضُّ أعظمُهم خلا

فَ القتيلِ بالخيلِ العِراب

ونساؤُهم بين الأعادي

قد برزن بلا حجاب

تَرثي لقتلاها وتندب

في عويل وانتحاب

ولزينب نوحٌ يهدُّ

جوانب الصُمِّ الصِلاب(١)

____________________

(١) - شعر القطيف ج١، ص١٦٤ علي المرهون.

١٦٣

(نصاري) (١)

يا گلب ذوب ابحسره وونين

او يا دمع دم فجّر على احسين

احسين انصاب اويلي باعظم امصاب

فگد أهله اوياهم ذيچ الأصحاب

(وكف ما بينهم والدمع سچاب)

يگلها اوداعة الله او هملت العين

بعد ساعه التحق بيكم يخوتي

بعد ساعه ايخفه اعلى الحرم صوتي

بعد ساعه العده تنهب ابيوتي

بعد ساعه ايفگدني النساوين

اويلي من وگع من فوگ مهره

واجتَّه الحرم وي زينب الحره

او لن شمر الضبابي فوگ صدره

يحز بمهنده ويلي الوريدين

الله ايساعد اسكينه الحزينه

من شافت وليها ذابحينه

او راسه فوگ رمحٍ شايلينه

(صاحت راح وسفه ضنوة الدين)

شهادة الإمام الحسينعليه‌السلام

قال من المنتخب: بعد ما أقبل الشمر إلى الحسينعليه‌السلام وكان قد غشي عليه فدنى إليه وبرك على صدره فأحس به وقال له: يا ويلك من أنت؟ فقد ارتقيت مرتقى عظيما فقال لعنه الله: أنا الشمر، فقالعليه‌السلام ويلك من أنا؟ فقال: أنت الحسين أمك فاطمة الزهراء وجدك محمد المصطفى فقال الحسينعليه‌السلام يا ويلك إذا عرفت هذا حسبي ونسبي تقتلني؟ فقال الشمر: ان لم أقتلك فمن يأخذ الجائزة من يزيد؟ فقالعليه‌السلام أيهما أحب إليك الجائزة من يزيد أو شفاعة جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال اللعين: دانق من الجائزة أحب إلي منك

____________________

(١) - للمؤلف.

١٦٤

ومن جدك!! فقال له الحسينعليه‌السلام ويلك اكشف لي عن وجهك وبطنك فكشف له فإذا هو أبقع أبرص له صورة تشبه الكلاب والخنازير، فقالعليه‌السلام صدق جدي فيما قال. فقال الشمر وما قال جدك؟ قالعليه‌السلام كان يقول لأبي: يا علي يقتل ولدك هذا رجل أبقع أبرص أشبه الخلق بالكلاب والخنازير، فغضب الشمر لعنه الله من ذلك وقال: تشبهني بالكلاب والخنازير فو الله لأذبحنَّك من قَفاك ثم قلبه على وجهه وجعل يقطع أوداجه روحي له الفداء وكلما قطع منه عضوا نادى: وا محمداه وا جداه وا أبا القاسماه وا أبتاه وا علياه، أأقتل عطشانا وأبي علي المرتضى وأمي فاطمة الزهراء؟ فلما احتز الملعون رأسه الشريف شاله في قناة فكبر وكبر العسكر معه وتزلزلت الأرض واظلم الشرق والغرب وأخذت الناس الرجفة والصواعق وأطرت السماء دما عبيطا ونادى مناد من السماء قتل والله الإمام ابن الإمام أخو الإمام أبو الأئمة الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما‌السلام )(١) .

(مجردات)(٢)

احسين انذبح يهله دحضروه

او راسَهْ ابراس الرمح رفعوه

وابلا دفن ويلاه خلَّوه

او فوگ الذبح راحوا يسحگوه

بالخيل تاليها يهشموه؟

أي وا إماماه، وا سيداه، وا حسيناه، وا مظلوماه...

وأما حالة النساء فقد وصفها الشاعر بقوله:

____________________

(١) - المنتخب ص٤٦٥. الدمعة الساكبة ج٤، ص٣٥٨/٣٥٩.

(٢) - للمؤلف.

١٦٥

(مجردات)

زينب والحرم گامن ينحبن

اچبود اعيونهن من دم يكتن

طاحن فوگ ابو اليمه يشمن

اصوابات بالبجسمه او يجلبن

او لن سهم المثلث يشوفن

ابصدره نبت وابدمه تحنن

(تخميس)

ذُبحَ السبطُ يا لك اللهُ يوما

فهلمي يا أكرمَ الناس قوما

واطلبي الثأر أو تنالين لوما

فاملئي العين يا أميةُ نوما

فحسينٌ على الصعيد صريعُ

١٦٦

المجلس الرابع والعشرون

القصيدة: للشيخ محمد حسين كاشف الغطاء

ت ١٣٧٣ه

وقام لسانُ الله يخطب واعظا

فصمُّوا لِما عن قُدسِ أنوارِه عَمُوا

وقال انسبوني مَن أنا اليوم وانظروا

حلالا لكم مني دمي أم محرَّم

فما وجدوا إلا السهامَ بنحره

تُراشُ جوابا والعوالي تُقوَّمُ

ومذايقن السبطُ انمحى دينُ جدِّه

ولم يبقَ بين الناس في الأرض مسلم

فدى نفسَه في نصرة الدينِ خائضاً

عن المسلمين الغامراتِ ليسلَموا

وقال خذيني يا حتوفْ وهاكِ يا

سيوفُ فأوصالي لَكِ اليومَ مغنم

وهيهات أنْ أغدوا على الضيم جاثما

ولولا على جمر الأسنةِ مجثم

وكرَّ وقد ضاق الفضا وجرى القضا

وسال بوادي الكفر سيلٌ عرمرم

ومذ خرّ بالتعظيم لله ساجدا

له كبَّروا بين السيوف وعظَّموا

وجاء إليه الشمرُ يرفع سيفَه

فقام به عنه السِنانُ المقوَّم

وزُعزع عرشُ الله وانحطَّ نورُه

فأشرق وجهُ الأرض والكونُ مظلم

فلهفي له فردا عليه تزاحمت

جموعُ العدى تزداد جهلا فيَحلُم

ولهفي له ظامٍ يجود وحولَه

الفراتُ جرى طامٍ وعنه يُحرَّم

١٦٧

ولهفي على اعظاكَ يا ابنَ محمدٍ

تُوزَّعُ في أسيافِهم وتُسهَّم

فجسمُك ما بين السيوفِ موزَّعٌ

ورحلك ما بين الأعادي مقسَّم

فلهفي على ريحانةِ الطهرِ جسمُه

لكل رجيم بالحجارة يُرجم(١)

(مجردات)

امن انصرع واهله اوياه صرعه

دارت عليه العده اتنزعه

اثيابه او خذت سيفه او درعه

او بسيوفها گامت تزوعه

او بجدل گطع بالسيف اصبعه

والخيل تلعب فوگ ظلعه

والمهر صب اعليه دمعه

او ناده الظليمه او سحب صرعه

تعنَّه الخيم والنسه اتسمعه

حنَّت عليه حنَّه مِفِجْعه

حتى الصخر گامت تصدعه

او ضاگت ابچتله الوسعه

(أبوذية)

متى بالطف مواضيها نسلها

ولأرواح العدة ابحدها نسلها

الزهره ابكربله گطعوا نسلها

متى نگطع نسل هند او سميه

(تخميس)

يا ابنَ الأولى نَجَبَتْ أحسابُهم كرما

وجل رزئُهمُ بين الورى عظما

أبعدَ أنْ سال دمعُ العينِ منسجما

أيُّ المحاجرِ لا تبكي عليكَ دما

أبكيتَ واللهِ حتى محجرَ الحجرِ

____________________

(١) - ديوان شعراء الحسينعليه‌السلام ص٣٠.

١٦٨

خروج السيدة زينب إلى مصرع أخيها الحسين (عليهما‌السلام )

(بعد المصرع)

قال الراوي: خرجت زينبعليها‌السلام بعد مصرع الحسينعليه‌السلام هي تندبه بصوت حزين وقلب كئيب: يا محمداه، صلى عليك مليك السماء، هذا حسين مرمل بالدماء، مقطع الأعضاء، مسلوب العمامة الرداء، وبناتك سبايا إلى الله المشتكى، وإلى محمد المصطفى، وإلى علي المرتضى وإلى فاطمة الزهراء، وإلى حمزة سيد الشهداء، يا محمداه هذا حسين بالعراء، تسفي عليه الصباء.

(نصاري)

يجدي گوم شوف احسين مذبوح

على الشاطي او على التربان مطروح

يجدي امن الطعن ما بگت بيه روح

يجدي امن العطش گلبه تفطَّر

يجدي مات محد وگف دونه

اولا نغَّار غمَّضله اعيونه

وحيد ايعالج او منخطف لونه

ولا واحد ابحلگه ماي گطر

يجدي مات محد مدد أيديه

ولا واحد يجدي عدل رجليه

يعالج بالشمس محد گرب ليه

يحطله اظلال يا جدي امن الحر

تناديهم يهلنه اولا لفوها

ولا جدها يجاوبها اولا أبوها

حنَّت وانگطع ظنها من أخوها

او شافت علْخيم صوَّل العسكر

دعني أكمل لك كلام الحوراء زينب وهي تندب أخاها الحسينعليه‌السلام قائلة: بأبي من لا غائب فيرجى، ولا جريح فيداوي، بأبي المهموم حتى قضى، بأبي العطشان حتى مضى، بأبي من شيبته تقطر بالدما(١) .

____________________

(١) - معال السبطين ج٢. نفس المهموم ص٣٧٧ عباس القمي.

١٦٩

(أبوذية)

الگلب شاجر على ابن امي وداوي

تضعضع وانهدم صبري وداوي

لا مجروح حتى اگعد وداوي

ولا غايب وگول ايعود ليه

***

فَقَدَتْ خيرَ عمادٍ فدعت

من بني عمرو العلى كلَّ عميدْ

١٧٠

المجلس الخامس والعشرون

القصيدة: للشيخ محمد بن حماد الحلي

ت ٩٠٠ه

إن يومَ الطفوفِ لم يُبقِ لي من

لذّة العيشِ والرقادُ نصيبا

يوم سارت إلى الحسين بنو حر

ب بجيش فنازلوه الحروبا

وحمَوه عن الفرات فماذا

ق سوى الموتِ دونه مشروبا

في رجال باعوا النفوسَ على الله

فنالوا ببيعِها المرغوبا

لست أنساه حين أيقن بالمو

ت دعاهم فقام فيهم خطيبا

ثم قال الحَقُوا بأهليكمُ إذ

ليس غيري أنا لهم مطلوبا

فأجابوا ما وفيناك إنْ نحن

تركناك بالطفوف غريبا

فبكى ثم قال جُوزيتمُ الخيرَ

فما كان سعيُكم أن يخيبا

وغدا للقتال في يوم عاشورَ

فأبدى طعنا وضربا مُصيبا

وكأني بصحبه حولَه صر

عى لدى كربلا شبابا وشيبا

فكأني أراه فردا وحيدا

ظاميا بينهم يُلاقي الكروبا

وكأني أراه إذ خرَّ مطعو

نا على حَرِّ وجهِه مكبوبا

فكأني بزينبٍ إذ رأته

عاريا داميَ الجبينِ تريبا

١٧١

ثم خرَّت عليه تلثم خدَّيه

وقد صار دمعُها مسكوبا

يا أخي لا حَييتُ بعدك هيهاتَ

حياتي من بعدكم لن تطيبا

يا هلالا لما استتم كمالا

غاله خسفُه فأبدى غروبا(١)

(مجردات)

يحسين خويه اشيوجعك گُول

او من يا جرح يا خوي معلول

لو ناشدونه الناس شنگول

يالچنت سور او سيف مسلول

وسافه اعله حگك تمسي مچتول

مرمي او عليك اتجول الخيول

تمنيت الك من هاشم اشبول

يشوفونه الجسمك على ارمول

(أبوذية)

وين الچان الك مرهم وشافك

حضر عندك يبو اليمه وشافك

يبس من العطش چبدك وشافك

او عله صدرك تجول اخيول اميه

فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام

تروي لنا كيفية هجوم القوم عليهم (بعد المصرع)

قال في البحار: إن فاطمة بنت الحسين قالت: كنت واقفة بباب الخيمة، وأنا أنظر إلى أبي وأصحابه مجزرين كالأضاحي على الرمال، والخيول على أجسادهم تجول، وأنا أفكر فيما يقع علينا بعد أبي من بني أمية أيقتلوننا أو يأسروننا؟

____________________

(١) - أدب الطف ج٤، ص٣٠٨.

١٧٢

(مجردات)

اشصاير بهلنه او لا لفونه

او بين الأجانب ضيعونه

ننخه او لاهُم يسمعونه

او يدرون بينه مات اخونه

وإذا برجل على ظهر جواده يسوق النساء بكعب رمحه وهن يلذن بعضهن ببعض وقد أخذ ما عليهن من احمرة وأسورة وهن يصحن وا جداه وا أبتاه وا علياه وا قلة ناصراه وا حسناه أما من مجير يجيرنا أما من ذائد يذود عنا.

(مجردات)

آنه شايطه وانده ابصوتي

او يسمعوني او يغضون اخوتي

ياليت گبل احسين موتي

او لاشوف العده تنهب ابيوتي

قالت فطار فؤادي وارتعدت فرائصي وجعلت اُجيل بطرفي يمينا وشمالا على عمتي أم كلثوم خشية منه أن يأتيني فبينما أنا على هذه الحال وإذا به قد قصدني فقلت مالي إلا البَر ففررت منهزمة وأنا أظن أسلم منه وإذا به قد تبعني فذهلت خشية منه وإذا بكعب الرمح بين كتفي فسقطت على وجهي فخرم أذني وأخذ قرطي. وترك الدماء تسيل على خدي... وولى راجعا إلى الخيم وأنا مغشي علي وإذا بعمتي عندي تبكي وهي تقول قومي نمضي ما أعلم ما صدر على البنات وأخيك العليل فما رجعنا إلى الخيمة إلا قد نهبت وما فيها، وأخي علي بن الحسينعليه‌السلام مكبوب على وجهه لا يطيق الجلوس من كثرة الجوع والعطش والسقام فجعلنا نبكي عليه ويبكي علينا(١) .

____________________

(١) - الدمعة الساكبة ج٤، ص٣٧٢.

١٧٣

(نصاري)

سلب ما چان على النسوان موجود

بگت وحده اعله اخوها ابروحها اتجود

دحاها بين مطروده او مطرود

تفر هذي او هذي ابذيچ تعثر

يسلبها العدو او يشتم وليها

او جاير بالضرب ويلي عليها

اتهبط راسها او تشگف بديها

او دمعها ايسيل علوجات أحمر

(أبوذية)

يخويه الحرم بالوديان هاجن

او عليك ايركضن امن الخوف هاجن

العقل من شبت النيران هاجن

العده فرهود صاحوا بالثنيه

***

وبزجرٍ يسوقها زجرُ عنفاً

وإذا تستغيث فيه يزيدُ

١٧٤

المجلس السادس والعشرون

القصيدة: للشيخ محمد شريف الكاظيم

ت ١٢٢٠ه

فما عذرُ مثلي حين اُدعى بموقفٍ

وقد مُلئت من سيآتي صحيفتي

فحتّام يا من عاش في لُجَّةِ الهوى

تُبارزُ ربا عالما بالسريرةِ

تيقظ هداك الله من رَقدِة الهوى

فانك منقول إلى ضيق حفرةِ

تمسكتَ بالدنيا غرورا كمثلها

تمسُّكَ ضامٍ من سرابٍ بِقيعة

أليست هي الدارُ التي طال همُّها

فكم أضحكت قِدْما أناسا وأبكت

وكم قد أهانت من عزيز بغدرها

وكم فجعت من فتية علوية

همُ عترةُ المختارِ أكرمِ شافعٍ

وأكرمِ مبعوثٍ إلى خيرِ اُمَّة

بنفسي بدور منهمُ قد تَغَّيبتْ

محاسنُها في كربلا أيَّ غيبة

بنفسي وأهلي والتليدِ وطارفي

وكلِّ الورى أَفدي قتيلَ أمية

فنادى ألا هل من مجير يُجيرنا

وهل ناصرٌ يرجو الإلهَ بنصرتي

ولم أنسه يوم الطفوف وقد غدا

يكُرُّ عليهم كرةً بعد كرة

إلى أنْ هوى فوقَ الصعيدِ مجدَّلا

فأظلمتِ الدنيا له واقشعرَّت

وما أنسى لا أنسى النساءَ بكربلا

حيارى عليهِنَّ المصائبُ صُبَّتِ

١٧٥

ولمـّا رأين المهرَ وافى وسرجُه

خليّاً توافت بالنحيب ورنَّت

تقول ودمعُ العينِ يسبق نطقَها

وفي قلبها نارُ المصائبِ شَبَّت

أخي يا هلالا غاب بعد كمالهِ

فأضحى نهاري بعدَه مثلَ ليلتي(١)

(نصاري)

مدري اشلون عز الهاشميين

حاطت بيه كلها تطلب ابدين

يهل الخيل زينب صاحت الهم

بس امن الذبح اخلصوا كلهم

خلوا هلعليل الظل بعدهم

عسنه ايطيب ويباري النساوين

هذا ايگول لتخلوه اذبحوه

او هذا ايگول بسكم عاد اتركوه

هذا ايگول لجل الحرم خلّوه

بگيت السلف من الميادين

گاموا رايهم عنه يوخرون

او عزمهم صار بالعنده يسلبون

بفراش المرض گاموا يجرون

لما گلبوه عنه اشلون جسرين

من ردت الروح ابزين العباد

لن تل الرمل صاير له اوساد

ون ونه ايتگطع منها الفواد

صاح ابصوت وين اهلي المشفجين

صاح اشلون صيحه التهدم الحيل

يا ذلي بعد خيالة الخيل

بيش انهض او كل گومي مچاتيل

يوسفه او حيف اذل وانحكم للشين

انتهاء القوم إلى زين العابدينعليه‌السلام (بعد المصرع)

قال أرباب المقاتل: انتهى القوم إلى علي بن الحسينعليه‌السلام وهو مريض على فراشه لا يستطيع القيام، فقائل يقول: لا تدعوا منهم صغيرا ولا كبيرا،

____________________

(١) - أدب الطف ج٦، ص١٢٦/١٢٧.

١٧٦

وآخر يقول: لا تعجلوا عليه حتى نستشير الأمير عمر بن سعد. وجرد الشمر سيفه يريد قتله. فقال حميد بن مسلم: يا سبحان الله، أتقتل هذا المريض؟ فقال: إن ابن زياد أمر بقتل أولاد الحسين. فصاحت زينب والله لا يقتل حتى أقتل دونه، ثم ألقت بنفسها عليه.

(مجردات)

خلوه خيمه ايظل علينه

بس هالعليل التم ولينه

ومن المرض زايد ونينه

واعله الحرم بس تهل عينه

(موشح)

مهجة الزهرة يخايب والحسين

ما بگه برويحته غير الونين

شوف روحه رايحه او غمضت العين

لا تحط ابرگبته غل الثجيل

اشلون يحمل بالشمس لفح السموم

او لو گعد بالگاع ما يگدر يگوم

فاجد اهله يلايم لا تلوم

لو جذب ونه او سهر ليل الطويل

وفي الطبري عن حميد بن مسلم قال انتهيت إلى علي بن الحسين بن علي وهو منبسط على فراش له وهو مريض وإذا شمر بن ذي الجوشن في رجال معه يقولون: ألا تقتل هذا؟ فقلت سبحان الله أتقتل الصبيان؟ إنما هذا صبي وإنه لما به - أي من العلة - قال: فما زال ذلك وأنا ادفع عنه كل من جاء حتى جاء عمر بن سعد فقال: ألا لا يدخلن بيت هؤلاء النسوة أحد ولا يعرضن لهذا الغلام المريض ومن أخذ من متاعهم شيئا فليرده عليهم قال فو الله ما رد أحد شيئا(١) . أقول لقد بقي آل محمد بعد أبي عبد الله وأبي الفضل ينتظرون ابن

____________________

(١) - نقلا عن نفس المهموم ص٣٧٩.

١٧٧

سعد وحميد بن مسلم ليقولوا كلمة يدفعون بها عنهم الأذى؟! وا عجباه.

وكأني بزينبعليه‌السلام :

(موشح)

وين المحشم البيه نخوه او عزم

بيده ياخذ معصبي او بيه يلتزم

او بيه يوصل والدي موت الزلم

الخله چف ارگابها املوايه

وكأني بزين العابدين:

(أبوذية)

يعمه بالخيم والخيل يتكم

عطاشه او چتفوها الكفر يتكم

واصيحن وين داحي الباب يتكم

يجي وايشوف حالي اشصار بيه

***

مات الحسينُ فيا لهفي لمصرعه

وصار يعلو ضياءَ الأمةِ الظلمُ

١٧٨

المجلس السابع والعشرون

القصيدة: للشيخ لطف الله بن محمد بن عبد المهدي الجد حفصي

ت ١١٦٤ه

ضَحِكَ المشيبُ بعارضيك فنُحْ أسىً

أسفا على عُمُرٍ مضى وتصرَّما

وإذا أطلّ عليك شهرُ محرمٍ

فابكِ القتيلَ بكربلاءَ على ظما

قلبي يذوب إذا ذكرتُ مصابَه الـ

ـمرَّ المذاقِ ومقلتي تجري دما

واللهِ لا أنساه فردا يلتقي

بالرغم جيشا للضلال عرمرما

والسمرُ والبيضُ الرقاقُ تنوشُه

حتى اُصيبَ بسهم حتْفٍ فارتما

فهوى صريعا في الرُغام مجدلا

ينوي الخيامَ مودِّعا ومسلِّما

ومضى الجوادُ إلى الخيام محمحما

دامي النواصي بالقضية مُعلِما

فخرجن نسوتُه الكرائمُ حسَّرا

ينثرن دمعا في الخدود منظَّما

فبصرنَ بالشمرِ الخبيثِ مسارعا

بالسيف في النحر الشريفِ محكِّما

حتى برا الرأسَ الشريفَ من القفا

فغدا على رأس السنانَ مقوَّما

فارتجتِ السبعُ الطباقُ وزُلزلت

أركانُها والأرضُ ناحت والسما

يا راكبا نحو المدينةِ قِفْ بها

عند الرسول معزِّيا متظلِّما

هذا الحسين بكربلا عهدي به

شفتاه ناشفتان من حر الظما

١٧٩

وانحُ البتولَ وقُلْ أيا ستَّ النسا

أعلمتِ قاصمةَ الظهورِ بنا وما

ستَّ النساءِ ربيبُ حجرِك في الثرى

عاري اللباس مسربَلا حللَ الدما

ستَّ النساءِ رضيعُ ثديك رَضّضت

خيلُ العدى أضلاعَه والأعظما

وبناتُك الخفراتُ في أيدي العدى

خلّفتُهن مكشفاتٍ كالإما

اُبرزن من بعد الخدور حواسرا

سَلَبَ العدى منها الردا والمعصما(١)

(فائزي)

طلعت يتيمه امن احرگوا ذيچ الصواوين

اتنادي يهالوادم درب وادي الغري امنين

لمـَّن عدوها عاين الها انكسر گلبه

اتوجه يحاچيها او دمع عينه يصبه

ايگلها الغري عنچ مسافه ابعيد دربه

ردي اخاف عليچ بالبيده تضيعين

ياهو الذي امنهلچ اهناكه تعتنيله

گالت يشيخٍ سولفت عمْتي العقيله

بارض النجف گبر الوصي حامي ادخيله

اوصل الگبره واشتچيله امصايب البين

گلها اشتگولي ابهالشجايه يا يتيمه

گالت اصيح ابصوت يا صاحب الشيمه

____________________

(١) - أدب الطف ج٥، ص٢٥٥.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

فيحصل من هذه الكلمات والجملات أنّهعليه‌السلام قعَد عن حقه وسكت، رعايةً لما هو أهم، إذ أنّه كان يعلم بأنّ المنافقين وأعداء الدين يترصدون ويتربّصون ليوقعوا بالمسلمين ويقضوا على الدين، وإذا كان الإمام عليعليه‌السلام يقوم بمطالبة حقه ويجرّد الصمصام، لأغتنم المنافقون واليهود والنصارى الفرصة وقضوا على الإسلام. لذلك صبر وتحمّل وسكت على حقه وتنازل. بعدما احتجّ عليهم وأثبتَ حقَّه في الأشهر الست التي ما بايع فيها كما في كتب أعلامكم، فكانعليه‌السلام يتكلّم مع رؤوس المهاجرين والأنصار ويستدلّ على حقوقه المغصوبة بالآيات البيّنات والسنن الواضحات والأمور الظاهرات، فبعد ما بيَّن لهم الحق وأتمَّ عليهم الحجج بايع مُكرَهاً لا طائعاً فصبر على أمَرَّ من العلقم وأحرّ من الجمر، كما أشار إلى حاله في الخطبة الشقشقية المرويّة في نهج البلاغة وهي معروفة قالعليه‌السلام :

أَمَا وَ الله لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنْ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ وَلا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً وَ طَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً وَ طَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ، وَ يَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ، وَ يَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ، فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى، فَصَبَرْتُ وَ فِي الْعَيْنِ قَذًى، وَ فِي الْحَلْقِ شَجًى، أَرَى تُرَاثِي نَهْباً ، حتّى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى ابن خطّاب بعده الخ.

ولا أطيل عليكم أكثر من هذا، إنّما ذكرت لكم بعض كلماته وخطبهعليه‌السلام لنعرف آلامه القلبيّة من تلك الأحداث ثم نعرف علل قعوده وسكوته عن حقه.

١٠٠١

هل الخطبة الشّقشقية للإمام عليعليه‌السلام

الشيخ عبد السلام: أوّلاً: ليس في هذه الخطبة ما يدلّ على تألمات سيدنا عليّ كرّم الله وجهه.

ثانياً: المشهور أنّ هذه الخطبة من إنشاء الشريف الرضي، ألحقها بخطب أمير المؤمنين وليست من إنشاء سيدنا عليّ، وقد ثبت في التاريخ أنه ما كان ناقماً على خلافة الخلفاء الراشدين قبله بل كان راضياً منهم ومن منجزاتهم.

قلت: كلام الشيخ ينبعث من إفراطه في حبّ الخلفاء والتعصُّب لهم، وإلّا فإنّ تألّمات الإمام عليّعليه‌السلام واضحة في غير الخطبة الشقشقيّة أيضاً وهى لا تخفى على كلِّ من تابَعَ الأحداث والقضايا التي وقعت وحدثت بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا سيّما على المتتِّبع لخطب الإمام وكتبه وكلماته واحتجاجاته مع مناوئيه وخصمائه.

وأما كلامك بأنّ هذه الخطبة من إنشاء السيد الرضي (رضوان الله تعالى عليه)، فهو افتراء منك على ذلك السيد الزاهد العابد الورع التقيّ، فإنّه أجلّ وأورع من أنْ يضع خطبةً وينسبها إلى سيد الأوصياءعليه‌السلام ، فإنّ هذا الكلام بعيد عن الإنصاف، وبعيد من أهل التحقيق، ولقد تَبعْتَ أسلافَكَ، وهم تُبعوا المعاندين المتعصّبين، وإلّا لو كُنْتَ تطالع كتب أعلامكم وتُحقِّق عن الخطبة في تصانيف علمائكم لوجدتَ اعترافهم وتصريحهم بأنّها من خُطبِ الإمام عليعليه‌السلام لا محالة.

والشارحون لنهج البلاغة من علمائكم مثل ابن أبي الحديد،

١٠٠٢

والشيخ محمد عبده مفتي الديار المصريّة، والشيخ محمد الخضرمي في كتاب محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية صفحة ٢٧ وغيرهم قد صرَّحوا أنّ الخطبة الشقشقية من بيان الإمام عليّعليه‌السلام وردُّوا القائلين بأنّها من إنشاء الشريف الرضي، وهم بعض المعاندين والمتعصّبين من المتأخّرين، وإلّا فأكثر من أربعين عالم من الفريقين الشيعة والسنّة شرحوا كتاب نهج البلاغة وكلهم أذْعَنوا بأن الخطبة الشقشقية أيضاً من كلام الإمام عليعليه‌السلام لأنها على نسق خُطبه الأخرى، إذ بيانهعليه‌السلام يمتاز ببلاغة منفردة تخصُّه ولا يمكن لأحد أن يشابهه ويقلِّده فيها حتى الشريف الرضي على ما كان يتمتع به من الأدب الرفيع والفصاحة والبلاغة في التكلم والكتابة، فهو عاجزٌ أنْ ينسج مثل الخطبة الشقشقيّة، وهذا ليس كلامي وإنما هو كلام علمائكم الكبار مثل الشيخ محمد عبده والعلّامة ابن أبي الحديد فإنّه نقل في آخر شرحه على الخطبة الشقشقيّة في الجزء الأول، عن المصدَّق بن شبيب أنّه قال لابن الخشّاب وهو من اساتيذ هذا الفن: إنّ كثيراً من الناس يقولون إن خطبة الشقشقيّة من كلام الرضيّ رحمه الله تعالى، فقال: أنّى للرضي و لغير الرضيّ هذا النَفَس و هذا الأسلوب! قد وقفنا على رسائل الرضيّ و عرفنا طريقته و فنّه في الكلام المنثور، و ما يقع مع هذا الكلام في خَلّ و لا خمر.

الخطبة الشقشقيّة كانت قبل مولد الرضيّ

وبغَضَّ النظر عن البلاغة الخاصة بكلام الإمام عليّعليه‌السلام والمقايسات التي أشار إليها ابن الخشّاب وغيره، فإنّ كثيراً من علماء

١٠٠٣

الفريقين قالوا: إنّهم وجدوا هذه الخطبة في الكتب المنشرة قبل أنْ يولد الشريف الرضيّ وقبل أنْ يولد أبوه أبو أحمد النقيب - نقيب الطالبيين -، فقد نقل ابن أبي الحديد في آخر شرحه للخطبة، عن الشيخ عبدالله بن أحمد المعروف بابن الخشّاب أنّه قال: والله لقد وقفتُ على هذه الخطبة في كتب صنِّفَتْ قبل أن يُخلَق الرضيّ بمائتي سنة، و لقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها، و أعرف خطوط من هو من العلماء و أهل الأدب قبل أن يُخلق النقيب أبو أحمد والد الرضيّ.

ثم قال ابن أبي الحديد: و قد وجدتُ أنا كثيراً من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي إمام البغداديين من المعتزلة و كان في دولة المقتدر قبل أنْ يُخلَق الرضي بمدة طويلة و وجدتُ أيضاً كثيراً منها في كتاب أبي جعفر بن قِبة - أحد متكلمي الإماميّة - و هو الكتاب المشهور المعروف بكتاب «الإنصاف» و كان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي رحمه الله تعالى و مات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضيّ رحمه الله تعالى موجوداً. انتهى.

وقال كمال الدين ابن ميثم البحراني الحكيم المحقّق في كتابه شرح نهج البلاغة في الخطبة: إنّي وجدتُ هذه الخطبة في كتاب الإنصاف لابن قِبه، وهو متوفى قبل أنْ يولد الشريف الرضيّ.

ووجدتها أيضاً بخطّ الوزير ابن فرات، كان قد كتبها في ميلاد الرضيّ بستّين سنة.

فالدلائل والبيّنات قائمة على أنّ الخطبة كانت في الكتب والمصنّفات قبل أنْ يولد الشريف الرضيّ رحمه الله تعالى. ولكنّ المعاندين المتعصّبين خلقوا هذه الفرية بأنّ الشقشقية من كلام الشريف

١٠٠٤

الرضي، حتّى يجدوا لأنفسهم مفرّاً من الجواب.

وعلى فرض صحّة كلامهم، فلو فَرّوا وأعرضوا عن قبول الخطبة ومحتواها من هذا الطريق، فما يصنعون مع سائر الخطب التي تعرّض فيها أمير المؤمنينعليه‌السلام أيضاً إلى الحوادث والوقائع التي أحدثوها في الاسلام، فيشكو فيها الإمام عليعليه‌السلام ، وبيدي ظلامته، ويفشي مكنون صدره وآلام قلبه من سوء سلوك القوم وظلمهم له ولأهل بيت المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

وقد أشرنا إلى بعضها في المجالس السالفة، ومع ذلك فالشيخ عبد السلام - سلّمه الله - يقول: ما كان عليٌ ناقماً من خلافة الراشدين قبله، وكان راضياً على ما أنجزوا، ولا أعلم كيف عرف رضاه وهوعليه‌السلام كان في كل فرصة ومناسبة يُعرب عن سخطه من عمل القوم؟ ويقول: إنّهم أخّروه عن مقامه وهو أولى بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من غيره، كما في الخطبة المرقمة ١٩٠ في شرح ابن أبي الحديد. قال: وَ لَقَدْ عَلِمَ الْمُسْتَحْفِظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله أَنِّي لَمْ أَرُدَّ عَلَى الله وَ لا عَلَى رَسُولِهِ سَاعَةً قَطُّ وَ لَقَدْ وَاسَيْتُهُ بِنَفْسِي فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي تَنْكُصُ فِيهَا الأبْطَالُ وَ تَتَأَخَّرُ الأقْدَامُ نَجْدَةً أَكْرَمَنِيَ اللهُ بِهَا.

وَ لَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وَ إِنَّ رَأْسَهُ لَعَلَى صَدْرِي، وَ لَقَدْ سَالَتْ نَفْسُهُ فِي كَفِّي فَأَمْرَرْتُهَا عَلَى وَجْهِي وَ لَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَهُصلى‌الله‌عليه‌وآله وَ الْمَلائِكَةُ أَعْوَانِي فَضَجَّتِ الدَّارُ وَ الأفْنِيَةُ مَلأ يَهْبِطُ وَ مَلأ يَعْرُجُ وَ مَا فَارَقَتْ سَمْعِي هَيْنَمَةٌ مِنْهُمْ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى وَارَيْنَاهُ فِي ضَرِيحِهِ فَمَنْ ذَا أَحَقُّ بِهِ مِنِّي حَيّاً وَ مَيِّتاً؟!

ثم قال: فَوَالَّذِي لا إِلَهَ إِلّا هُوَ إِنِّي لَعَلَى جَادَّةِ الْحَقِّ وَ إِنَّهُمْ

١٠٠٥

لَعَلَى مَزَلَّةِ الْبَاطِلِ.

ليت شعري ما يقول الشيخ وأتباعه في هذه الخطبة وأمثالها؟ وبأيّ بيان تريدون أن يُفشي الإمام عليّعليه‌السلام سخطه وعدم رضاه في خلافة أبي بكر والذين تقدّموا عليه وأخّروه؟

فحق الإمام عليعليه‌السلام واضح ولائح، وفضله وعلوّه على غيره ظاهر باهر، ولا يمكن إخفاؤه بالكلمات( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ کَرِهَ الْکَافِرُونَ‌ ) (١) .

الشيخ عبد السلام: إنّي أؤجّل جوابي إلى الليلة المقبلة إن شاء الله والآن نختم المجلس فقد طال بنا وتعب الحاضرون.

فتواعدنا وخرجوا.

____________________

١) سورة التوبة، الآية ٣٢.

١٠٠٦

المجلس العاشر

ليلة الأحد - الثالث من شعبان المعظم

اجتمع القوم أوّل الليل - وكان صاحب البيت قد استعدّ للإحتفال بذكرى ميلاد الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يصادف ذلك اليوم فهيّأ الفواكه والحلويّات، وبعدَ تناولها، بدأ حضرة النوّاب عبد القيوم خان وقال:

أيها العلماء! إسمحوا لي بطرح سؤال قبل أنْ تدخلوا في موضوع الليلة الماضية، والسؤال موجَّه لسماحة السيد وأطلب منه الجواب.

قلت: أنا على أتَمّ الإستعداد لذلك.

سؤالٌ: حول علم عمر

النوّاب: اجتمع في بيتي صباح هذا اليوم كثيرٌ من الأصدقاء والأقرباء، وكان بعضهم ممن لازمَ حضور مجالس البحث والحوار في كلّ الليالي الماضية، وشرعوا بالحديث عن المناقشات والموضوعات التي طُرحت فيها، وأَبْدَوا آراءَهم في النتائج الحاصلة منها، وكانت الصحف والمجلّات التي نقلت تلك الأبحاث والمناظرات موجودة

١٠٠٧

عندهم يراجعونها عند الضرورة، وكان كلام الحاضرين يدور حول المواضيع المطروحة. وإذا بولدي (عبدالعزيز) - وهو طالب في إحدى المدارس الإسلاميّة - يقول: إنّ أستاذنا المعلِّم - قبل أيّام - تكلم خلال الدرس عن الصحابة الذين برزوا وامتازوا في علم الفقه فذكر الخليفة عمر، والإمام علي كرّم الله وجهه، وعبدالله بن عبّاس، وعبدالله بن مسعود، وعكرمة، وزيد بن ثابت (رضي الله عنهم) وقال بأن عمر بن الخطاب كان أبرزهم في علم الدين وأفقههم في أحكام الشرع المبين. حتى أنّ عليَّ بن أبي طالب الذي اشتهر بعلمه وفقهه كان في بعض المسائل يتحيَّر فيراجع الفاروق عمر بن الخطاب ويحصل على الجواب.

قال النواب: والجدير بالذكر أنّ أهل مجلسنا الحاضرين في داري كلهم أيّدوا ما نقله ولدي عن معلِّمه، وقالوا بأنّ علماءنا أيضاً يقولون بذلك، وهو ثابتٌ عند كلّ المسلمين.

ولكنّي بقيتُ ساكتاً متوقفاً في الموضوع، لأني جاهلٌ وليس لي علمٌ بالتاريخ والسيرة حتى أعرف صحّة مقال المعلم أو خطئه. لذلك وعدتُ ولدي والحاضرين أنْ أطرح هذا الموضوع هذه الليلة في مجلسنا هذا، لكي نستفيد من محضر العلماء الحاضرين لاسيّما سماحة السيّد المعظّم.

أفيدونا! جزاكم الله خير جزاء المحسنين.

قلت: كلام هذا المعلِّم يثير تعجّبي، ولكن العوام لا يؤاخذون في مثل هذه الأمور، لأنّهم غالباً يسلكون طريق الإفراط والتفريط، وهذا المعلم الجاهل سلك سبيل الغلوِّ والإفراط، لأنّه ادَّعى ما لم يقله أحدٌ من علمائكم، حتى أنّ ابن حزم لمـّا ذكر في بعض مقالاته هذا الأمر

١٠٠٨

المخالف للواقع، خطّأه كبار علمائكم وردّوا عليه مقالته، والجدير بالذكر أنّ عمر بن الخطّاب هو أيضاً ما ادّعى هذا الأمر في حياته، وربما لم يرض من أحدٍ أن يقول ذلك.

نعم ذكر أكثر المؤرِّخين سياسة عمر، وإرادته وفطنته، ولكنهم لم يذكروا فقهه وعلمه بأحكام الدين، بل ذكروا أنّه جَهل كثيراً من المسائل التي طُرحت عليه وعجز عن الجواب، فراجع فيها ابن مسعود أو الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام بالمدينة المنورة.

وقد قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: أنّ عبدالله بن مسعود كان من فقهاء المدينة، وكان عمر بن الخطّاب يصحبه معه ولا يفارقه ليرجع إلى رأيه في المسائل الفقهيّة.

الشيخ عبدالسلام: كأنّك تريد أن تقول بأنّ عمر الفاروق (رض) ما كان يعلم المسائل الفقهيّة والأحكام الشرعيّة فيحتاج الى ابن مسعود أو الإمام عليّ (رضي الله عنهما)، وهذا ما لم نسمعه من قبل اليوم.

قلت: أيها الشيخ لا تهرِّج ولا تغالط، فإنّي ما قلت بأنّ عمر ما كان يعلم المسائل الفقهيّة، وإنّما قلت إنّه في كثير من المسائل كان يراجع الإمام عليّعليه‌السلام أو ابن مسعود أو ابن عباس، لأنّه كان يجهلها.

نعم أقول ولا أنكر ما قلت: أنّ عمر بن الخطاب كان يجهل كثيراً من المسائل والأحكام الدينيّة، وهذا ليس من عندي بل ذكره كبار أعلامكم، والجدير بالذكر ما رواه علماؤكم في الكتب المعتبرة والمصادر المنتشرة، عن اعتراف الخليفة بذلك في قضايا جديرة ومناسبات كثيرة.

الشيخ عبدالسلام: لو سمحت ...اذكر لنا من تلك القضايا

١٠٠٩

حتى نعرفها.

كلّ الناس افقه من عمر حتى ربّات الحجال

لقد ذكر كثير من علمائكم وأعلام محدثيكم ومفسريكم بطرق شتى وألفاظ مختلفة والمعنى واحد، أن الخليفة عمر صعد المنبر في المسجد وخطب فقال: لا يبلغني أنّ امرأة تجاوز صداقُها صداق نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا ارتجعت ذلك منها، فردّت عليه امرأة قائلة: ما جعل الله لك ذلك، إنّه تعالى قال في سورة النساء:( وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَکَانَ زَوْجٍ وَ آتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَ إِثْماً مُبِيناً ) (١) ؟

فقال عمر: كل الناس أفقهُ من عمر، حتى ربّات الحجال! ألا تعجبون من إمام أخطأ وامرأة أصابت؟!

هذا نصّ ما رواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ١ / ١٨٢، ط إحياء الكتب العربية، وأخرجه السيوطي في الدر المنثور: ج ٢ /١٣٣ وابن كثير في تفسيره: ج ١ / ٣٦٨، والزمخشري في تفسير الكشّاف: ج ١/ ٣٥٧، والنيسابوري في غرائب القرآن: ج ١ / في تفسير الآية الكريمة، والقرطبي في تفسيره: ج ٥ / ٩٩، وابن ماجه في السنن: ج ١، والسندي في حاشية السنن: ج ١/٥٨٣، والبيهقي في السنن: ج ٧ / ٢٣٣، والقسطلاني في إرشاد الساري: ج ٨ / ٥٧، والمتّقي في كنز العمال: ج ٨ ٢٩٨، والحاكم النيسابوري في المستدرك: ج ٢ /١٧٧، والباقلاني في التمهيد/١٩٩، والعجلوني

____________________

١) سورة النساء، الآية ٢٠.

١٠١٠

في كشف الخفاء: ج ١ / ٢٧٠، والشوكاني في فتح القدير: ج ١ / ٤٠٧، والذهبي في تلخيص المستدرك، والحميدي في الجمع بين الصحيحين، وابن الأثير في النهاية، وغيرهم رووا بأسانيدهم عن طرق متعددة هذا الخبر وإن كانت ألفاظ بعضهم مختلفة، ولكنّهم متفقون في المعنى.

فتحصَّل من الخبر أنّ عمر كان جاهلاً حتّى بالأحكام المنصوصة في القرآن الحكيم.

الشيخ عبدالسلام: كلامكم مردود، فإنّ الخليفة عمر(رض) كان عارفاً بكتاب الله العزيز وكان حافظاً لكثير من القرآن. وإنّما أراد من كلامه حمل الناس على العمل والإلتزام بسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قلت: يا شيخ لقد اجتهد الخليفة فأخطأ، وقد اعترف بخطئه، وتراجع عن قوله، وإنّ إصرارك لتصحيح خطأ الخليفة ذنبٌ لا يغفر لأنّ الخليفة قد أخطأ جاهلاً بالآية الكريمة، ولمـّا رَدَّت عليه المرأة، قَبِلَ منها، وتريد أنت تصحيح الخطأ بعد ما علمت أنّه مخالفٌ لكتاب الله عزّ وجلّ.

ولا يخفى أنّ جهل الخليفة بكلام الله عزّ وجلّ لم ينحصر في هذا المورد، بل هناك موردٌ آخر،

نقله أيضاً كبار أعلامكم، ورواه كل المؤرخين من غير استثناء.

إنكار عمر موتَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

اتفق أصحاب الحديث والتاريخ أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا تُوفّي أنكر عمر موته، وكان يحلفُ بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ما مات ولا يموت، فلو كان عمر يحفظ القرآن أو يتفكر فيه، ما أنكر موت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لقوله

١٠١١

تعالى:( إِنَّکَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ‌ ) (١) وقوله سبحانه:( فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِکُمْ ) (٢) .

قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ٢ / ٤٠، ط دار إحياء الكتب العربية:

وروى جميع أصحاب السيرة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا توفي كان أبو بكر في منزله في السُّنْح، فقام عمر بن الخطّاب فقال: ما مات رسول الله صلى الله عليه ولا يموت حتّى يظهر دينُه على الدين كلّه، وليرجعنّ فليقطّعنَّ أيديَ رجال وأرجلهم ممّن أرجفَ بموته، لا أسمع رجلاً يقول: مات رسول الله إلّا ضربته بسيفي.

فجاء أبو بكر وكشف عن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: بأبي و أٌميّ! طبتَ حيّاً وميِّتاً، ثم خرج والناس حول عمر، وهو يقول لهم: إنّه لم يَمُتَ ويحلف، فقال له: أيها الحالف، على رِسْلك! ثم قال: من كان يعبدُ محمداً فإنّ محمداً قد مات. ومَن كان يعبد الله فإنّ الله حيٌّ لايموت.قال الله تعالى:( إِنَّکَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ‌ ) (٣) .

وقال عزّ وجلّ:( فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِکُمْ ) (٤) .

قال عمر: فوالله ما ملكتُ نفسي حيث سمعتُها أنْ سَقَطْتُ إلى الأرض، وعلمتُ أنّ رسول الله صلى الله عليه قد مات.

فإذا كان عمر تالياً لكتاب الله العزيز آناء الليل وأطراف النهار، عارفاً لرموز القرآن وتعاليمه، ما أنكر موت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جازماً بحيث يحلف عليه ويهدِّد من خالفه في معتقده بالسيف!!

____________________

١) سورة الزمر، الآية ٣٠.

٢) سورة آل عمران، الآية ١٤٤.

٣) سورة الزمر، الآية ٣٠.

٤) سورة آل عمران، الآية ١٤٤.

١٠١٢

وأمّا جهلُهُ وعدم معرفته بأحكام الله سبحانه فمذكور أيضاً في كتب أعلامكم. ولقد اشتهر عنه في ذلك قضايا كثيرة لم ينكرها أحد من علمائكم، وأنا أذكر بعضها لينكشف الواقع للحاضرين.

لولا عليّعليه‌السلام لهلكَ عمر

(١)

قضية الزناة الخمسة

روى الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين قال: في خلافة عمر بن الخطّاب، جاؤا بخمسة رجال زنوا بامرأة وقد ثبت عليهم ذلك. فأمر الخليفة برجمهم جميعاً. فأخذوهم لتنفيذ الحكم، فلقيهم الإمام علي بن أبي طالب وأمَر بردّهم، وحضر معهم عند الخليفة وسأله هل أمَرتَ برجمهم جميعاً؟ فقال عمر: نعم فقد ثبت عليهم الزنا، فالذنب الواحد يقتضي حكماً واحداً.

فقال عليٌّ: ولكن حكم كل واحدٍ من هؤلاء الرجال يختلف عن حكم صاحبه.

قال عمر: فاحكم فيهم بحكم الله فإني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: عليٌّ أعلمكم، وعليٌّ أقضاكم.

فحكم الإمام عليّعليه‌السلام بضرب عنق أحدهم، ورجم الآخر، وحدِّ الثالث وضربَ الرابع نصف الحدّ، وعزَّرَ الخامس.

فتعجّب عمر واستغرب فقال: كيف ذلك يا أبا الحسن؟!

فقال الإمام عليّ: أمّا الأوّل: فكان ذميّاً، زنى بمسلمة فخرج عن ذمّته، والثاني: محصَن فرجمناه، وأمّا الثالث: فغير محصن فضربناه

١٠١٣

الحدّ، والرابع: عبدٌ مملوك فحدّه نصف، وأمّا الخامس: فمغلوبٌ على عقله فعزّرناه.

فقال عمر: لولا عليٌ لَهَلَك عمر، لا عشتُ في أُمّةٍ لستَ فيها يا أبا الحسن!

(٢)

قضية الزانية الحامل

ذكر كثير من أعلامكم منهم: أحمد في المسند، والبخاري في الصحيح، والحميدي في الجمع بين الصحيحين، والقندوزي في الينابيع / باب الرابع عشر / عن مناقب الخوارزمي، والفخر الرازي في الأربعين/ ٤٦٦، والمحب الطبري في الرياض ج ٢/ ١٩٦ وفي ذخائر العقبى/ ٨٠، والخطيب الخوارزمي في المناقب / ٤٨، ومحمد بن طلحة العدوي النصيبي في مطالب السئول / الفصل السادس، والعلّامة محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي في كتابه كفاية الطالب / آخر باب ٥٩ - والنصّ للأخير - قال: رُوى إنّ امرأةً أقرَّت بالزنا، وكانت حاملاً فأمر عمر برجمها، فقال عليٌّعليه‌السلام إنْ كان لك سلطانٌ عليها فلا سلطان لك على ما في بطنها. فترك عمر رجمها(١) .

____________________

١) وأخرج الكنجي في الباب قبل هذه القضيّة، قضيّة أخرى قال: رُوىَ أنّ عمر أمر برجم امرأة ولدت لستة اشهر، فرفع ذلك إلى عليّعليه‌السلام ، فنهاهم عن رجمها وقال: أقَلُّ مدّة الحمل ستة أشهر. فأنكروا ذلك. فقال: هو في كتاب الله تعالى، قوله عزّ اسمه:( وَ حَمْلُهُ وَ فِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً ) ثم بيّن مدّة إرضاع الصغير بقوله:( وَ الْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ کَامِلَيْنِ ) ، فتبيّن من مجموع الآيتين أنّ أقلّ مدة الحَمل ستة أشهر، فقال عمر: لولا عليٌ لهلك عمر.

أقول: لقد اشتهر هذا القول من عمر في حق الإمام عليّعليه‌السلام في كتب أعلام =

١٠١٤

(٣)

المجنونة التي زَنَت

وكذلك روى أحمد في المسند، والمحب الطبري في ذخائر العقبى / ٨١ وفي الرياض / ١٩٦، والقندوزي في الينابيع / باب ١٤، وابن حجر في فتح الباري: ج ١٢ /١٠١، وأبو داود في السنن: ج ٢ /٢٢٧، وسبط ابن الجوزي في التذكرة تحت عنوان [ فصل في قول عمر بن الخطاب: أعوذ بالله من معضلةٍ ليس لها أبو حسن]، وابن ماجه في السنن: ج ٢ /٢٢٧، والمناوي في فيض القدير: ج ٤/ ٣٥٧، والحاكم في المستدرك: ج ٢ /٥٩، والقسطلاني في إرشاد الساري: ج ١٠/٩، والبيهقي في السنن: ج ٦ / ٢٦٤، والبخاري في صحيحه باب لا يُرجم المجنون والمجنونة، هؤلاء وغيرهم من كبار أعلامكم رووا بأسانيدهم من طرق شتى قالوا: أُتى عمر (رض) بامرأة قد زنت فأمر برجمها فذهبوا ليرجموها فرآهم الإمام عليّعليه‌السلام في الطريق، فقال: ما شأن هذه؟ فأخبروه فأخلى سبيلها، ثم جاء إلى عمر فقال له: لم رددتها؟ فقالعليه‌السلام : لأنّها معتوهةُ آل فلان، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

____________________

= العامّة حتى كاد أن يكون من المتواترات المسلَّم صدورها منه، حتى أنّ سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص فتح فصلاً بعنوان: (فصل في قول عمر: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن، وما ورد في هذا المعنى) ثم نقل قضايا كثيرة حكَم فيها الإمام عليعليه‌السلام ، كان عمر يجهلها ولذا كرّر قوله: لولا عليٌ لهلك عمر أو ما بمعناه.

«المترجم»

١٠١٥

رُفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ والصبي حتّى يحتلم والمجنون حتّى يفيق. فقال عمر: لولا عليٌ لهلك عمر(١) .

ولقد ذكر ابن السّمَّان في كتابه «الموافقة» روايات كثيرة من هذا القبيل فيها قد أخطأ عمر في الحكم، حتّى وجدتُ في بعض الكتب قريباً من مائة قضيّة من هذا القبيل، ولكن ما نقلناه من كتب الأعلام يكفي لإثبات المرام.

وإنّما نقلت هذه الروايات، تبياناً للحق وكشفاً للحقيقة، حتّى يعرف حضرة النوّاب وابنه عبدالعزيز وذلك المعلّم الذي زعم كِذْباً وادّعى باطلاً، ويعرف الذين أيَّدوا مقال المعلم الجاهل وصدّقوه عن جهلهم، ويعرف الحاضرون أجمع، بأنّ الخليفة عمر بن الخطّاب ربّما كان عارفاً بالسياسة وإدارة البلاد وتسيير العباد، ولكن ما كان عالماً بالفقه والأحكام الدينيّة وما كان عارفاً بدقائق كلام الله العزيز وحقائق كتابه المجيد(٢) .

____________________

١) ذكر هذه القضيّة ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ١٢ /٢٠٥، ط إحياء الكتب العربي ذكرها ضمن المطاعن الواردة على عمر، قال: الطعن الثالث، خبر المجنونة التي أَمَرَ برجمها. فنبّهه أمير المؤمنينعليه‌السلام وقال: إنّ القلم مرفوعٌ عن المجنون حتى يفيق. فقال عمر: لولا علي لهلك عمر. وذكر بحثاً طويلاً في الموضوع، فراجع.

«المترجم»

٢) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ١ / ١٨١، دار إحياء الكتب العربية: وكان عمر يُفتي كثيراً بالحكم ثم ينقضه. ويُفتي بضدّه وخلافه.

وروى في ج ١٢ قضايا تدل على عدم فهمه لدقائق القرآن. فقال في صفحة ١٥: مرّ عمر بشاب من الأنصار وهو ظمآن فاستسقاه، فخاض له عسلاً، =

١٠١٦

. . . . .

____________________

= فردّه ولم يشرب وقال: إنّي سمعت الله سبحانه يقول:( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِکُمْ فِي حَيَاتِکُمُ الدُّنْيَا وَ اسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا ) الأحقاف: ٢٠، فقال الفتى: إنها والله ليستْ لك، فاقرأ يا أمير المؤمنين ما قبلها:( وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ کَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِکُمْ فِي حَيَاتِکُمُ الدُّنْيَا.. ) الخ، أفَنحن منهم! فشرب وقال: كل الناس أفقه من عمر!

وروى في صفحة ١٧ قال: وكان يَعُسُّ ليلةً فمرّ بدارٍ سمع فيها صوتاً، فارتاب وتسوّر، فرأى رجلاً عند امرأة وزقّ خمر، فقال: يا عدوّ الله، أظننتَ أنّ الله يسترك وأنت على معصيّة! فقال: لا تعجل يا أمير المؤمنين! إن كنتُ اخطأتُ في واحدة فقد أخطأت [أنتَ] في ثلاث: قال الله تعالى:( وَ لاَ تَجَسَّسُوا ) الحجرات: ١٢،وقد تجسست.

وقال:( وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ) البقرة: ١٨٩. وقد تجسَّستَ.

وقال:( فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا ) النور: ٦١. وما سلَّمتَ. فقال: هل عندك من خير إنْ عفوتُ عنك؟ قال: نعم، والله لا أعود. فقال: إذهب فقد عفوتُ عنك.

وروى في صفحة ٣٣ قال: خرج عمر يوماً إلى المسجد وعليه قميص في ظهره أربع رقاع، فقرأ «سورة عبس» حتى انتهى إلى قوله:( وفاكهة وأبّاً ) فقال ما الأب؟ ثمّ قال: إن هذا لهو التكلف! وما عليك يابن الخطّاب ألّا تدري ما الأب؟!

وقال في صفحة ٦٩: أسلَم غيلان بن سلمة الثقفي عن عشر نسوة، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : اِختَر منهنّ أربعاً وطلِّق ستاً، فلمّا كان على عهد عمر طلّق نساءه الأربع،وقسّم ماله بين بنيه، فبلغ ذلك عمر فأحضره فقال له: إنّي لأظنّ الشيطان فيما يسترق من السمع، سمع بموتك فقذفه في نفسك، ولعلّك لا تمكث إلّا قليلاً! وأيْمُ الله لتراجعنُ نساءك، ولترجعنّ في مالك، أو لأُورّثنهنّ منك، ولآمرنّ بقبرك فيُرجمَ، كما رُجِم قبر أبي رِغال. =

١٠١٧

ولقد اتّفق جُلّ علماء الإسلام أو كلّهم، وثبتَ بالدَلائل الواضحة والشواهد اللائحة أنّ أمير المؤمنين علياًعليه‌السلام أعلم أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأقضاهم وأعرفهم بالفقه وأحكام الدين. وصرّح بهذا الرأي كثيرٌ من علماء السّنّة وأعلامهم، منهم: العلّامة نور الدين بن صبّاغ المالكي في كتابه الفصول المهمّة / الفصل الثالث في ذكر شيءٍ من

____________________

=

أقول: لا أدري بأيّ دليل من القرآن والسُّنة أصدر هذا الحكم؟! ولا يخفى أنّ حكمه مخالفٌ لحكم الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ونقل في صفحة ١٠٢ قال: وجاء رجلٌ إلى عمر. فقال: إنّ ضُبَيعاً التميمي لَقِيَنا فجعَلَ يسألنا عن تفسير حروف من القرآن. فقال: اللهم أمكنّي منه، فبينا عمر يوماً جالسٌ يغدِّي الناس إذْ جاءَه الضُبَيع وعليه ثياب وعمامة، فتقدَّم فأكل، حتّى إذا فرغ، قال: يا أمير المؤمنين ما معنى قوله تعالى:( وَ الذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلاَتِ وِقْراً ) ؟ سورة الذاريات: ١ و٢.

قال: ويحك أنت هو فقام إليه فحسَر عن ذراعيه، فلم يزل يجلده حتّى سقطت عمامته، فإذا له ضفيرتان، فقال: والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقاً لضربت رأسَك، ثم أمر به فجعل في بيت [أي حبسه] ثم كان يُخرجه كلَّ يوم فيضربه مائة، فإذا أبرأ أخرجه فضربه مائة اُخرى، ثمّ حمله على قَتَبٍ وسَيَّرهُ إلى البصرة، وكتب إلى أبي موسى يأمره أنْ يحرِّم على الناس مجالستَه، وأنْ يقوم في الناس خَطيباً، ثم يقول: إنّ ضُبيعاً قد ابتغى العلم فأخطأه، فلم يزل وضيعاً في قومه وعند الناس حتّى هلك، وقد كان من قَبْلُ سيِّدَ قومه.

أقول: ليت شعري بأيّ حق عامل الرجل بهذه القسوة!! وبأيّ مستندٍ شرعيّ أو عرفيّ حكمَ على الضُبيع بالنفي من بلده وقومه؟! وذلله بعد أنْ كان سيّداً عزيزاً، أكان يحق لعمر ذلك؟ أكان الضبيع يستحق ذلك الضرب والهتك والتبعيد و ...؟!!

«المترجم»

١٠١٨

علومه قال: فمنها علم الفقه الذي وهو مرجع الأنام ومنبع الحلال والحرام، فقد كان عليٌّ مطَّلعاً على غوامض أحكام الإسلام، منقاداً له جامحه بزمامه، مشهوداً له فيه بعلوّ محلّه ومقامه. ولهذا خصَّهُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعلم القضاء، كما نقله الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي رحمة الله عليه في كتابه المصابيح، مرويّاً عن أنَس بن مالك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا خصَّص جماعةً من الصحابة كلُّ واحدٍ بفضيلة خصَّصَ علياً بعلم القضاء، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأقضاهم عليٌّعليه‌السلام .

ورَوى هذا الحديث أيضاً محمد بن طلحة العدوي في كتابه مطالب السئول / الفصل السادس / قال: ومن ذلك - أي الأحاديث الواردة في علم الإمام علي - ما نقله القاضي الإمام أبو محمد الحسين ابن مسعود البغوي: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خصَّص جماعةً من الصحابة كل واحدٍ بفضيلة وخصَّصَ عليّاً بعلم القضاء. فقال: وأقضاهم عليٌّعليه‌السلام .

قال محمد بن طلحة: وقد صَدَع بالحديث بمنطوقه وصرّح بمفهومه أنّ أنواع العلم وأقسامه قد جمعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام دون غيره. وبعد تفصيل الحديث والخبر قال في أواخر الصفحة: فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أخبر بثبوت هذه الصِّفة العالية لعليّعليه‌السلام مع زيادة فيها على غيره بصيغة (أفعل التفضيل) ولا يتّصف بها إلّا بعد أن يكون كامل العقل، صحيح التمييز، جيّد الفِطنة، بعيداً عن السهو والغفلة،يتوصّل بفطنتهِ إلى وضوح ماأشكَل وفصل ماأعضَل،ذاعدالة تحجزه أنْ يحومَ حول حِمى المحارم، ومروّةٍ تحملُهُ على محاسن الشِّيَم ومجانبة

١٠١٩

الدنايا، صادق اللهجة ظاهر الأمانة، عفيفاً على المحظورات، مأموناً في السخط والرِّضا، عارفاً بالكتاب والسّنة، و الاتّفاق والاختلاف، والقياس ولغة العرب بحيث يُقدِّم المحْكَم على المتشابه والخاص على العام والمبيَّن على المجمل والناسخ على المنسوخ وبعد تفصيل وشرح مبسَّط للعلوم اللازمة للقضاء، قال: فظهر لك أيَّدك الله تعالى أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث وصف علياًعليه‌السلام بهذه الصفة العالية بمنطوق لفظه المثبت له فضلاً فقد وصفه بمفهومه بهذه العلوم المشروحة المتنوّعة الأقسام فرعاً وأصلاً، وكفى بذلك دلالة لمن خصّ بهديّة الهداية قولاً وفعلاً على ارتقاء عليّعليه‌السلام في مناهج معارج العلوم إلى المقام الأعلى الخ.

والجدير بالذكر أنّ عمر بن الخطاب - الذي يحسبه الجاهلون المتعصّبون أمثال ذاك المعلم ومؤيّديه بأنّه أفقه وأعلم من الإمام عليعليه‌السلام قد أعلن كرّات ومرّات وقال: لولا عليٌ لَهلك عمر، أو بعبارات اُخرى تتضمّن نفس المعنى، حتى أنّ كبار علمائكم قالوا: أنّ عمر في سبعين موضع حينما عجز عن الفصل والقضاء راجع علي بن أبي طالب، ولمـّا حكم في القضيّة وبيَّنَ الدلائل الشرعيّة والعقليّة في حكمه وقضائه، قال عمر: لا أبقاني الله لمعضلةٍ ليس لها أبو الحسن.

ولقد قال أحمد بن حنبل في المسند، ومحبّ الدين الطبري في ذخائر العقبى كما نقل عنهما الحافظ القندوزي في ينابيع المودّة / باب ٥٦، وكذلك في كتاب الرياض النضرة للطبري أيضاً: ج ٢/١٩٥، رَوَوا أنّ معاوية قال: إنّ عمر بن الخطاب إذا أشكل عليه شيءٌ أخذ من علي بن أبي طالب.

١٠٢٠

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199