مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور5%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 278620 / تحميل: 5480
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة الناشر

الحمدلله وحده

والصلاة على من لا نبي بعده

وآله الأطهار.

بين مفردتين:

بين يدي هذا الكتاب.. لا بد أن نلقي بصيصاً من الضوء على قضية ربما خفيت على البعض.. وسببت الكثير من الخلط والإبهام في الأذهان..

وهذه القضية هي: أنّ هنالك مفردتين:

«المفردة الأولى»: «الوحدة السياسية» في مواجهة العدو المشترك.

و«المفردة الثانية»: «الحوار الفكري الحر» في محاولة الوصول الى «الحق».

فهل يوجد هنالك تناقض بين هاتين المفردتين؟

وهل تلغي الوحدة السياسية: الحوار الفكري الحرّ؟

أم هل يفجر الحوار الفكري الحرّ: الوحدة السياسية؟

الجواب على هذه الأسئلة الثلاثة: كلا!

إذ لا يوجد هنالك أي تناقض بين الوحدة السياسية.. والحوار الفكري.

إن الوحدة السياسية بين أبناء الأمة الواحدة ضرورية.. في مواجهة العدو المشترك.. ولكن «الوصول الى الحق» هو الآخر ضروري أيضاً

فالحق هو محور الكون وبالحق قامت السموات والأرض وهدف كل إنسان ينبغي أن يكون هو «الوصول الى الحق».

وهل يمكن الوصول إلى الحق إلا عبر «الحوار الفكري الحر» و «النقاش العلمي البناء»؟

١

القرآن الكريم يدعو إلى الحوار:

ولعله من هنا نجد أنّ القرآن الكريم: يفتح جميع المناطق الفكرية للحوار الحرّ.. فلا توجد هنالك «منطقة محرمة» أمام الحوار والمناقشة.

وحتى مسألة «الألوهية» - وهي القاعدة التي يبتني عليها الدين كله - يدعها القرآن الكريم مفتوحة للحوار والبحث والمناقشة.

فالقرآن الكريم يحاور «الرأي الآخر» في الألوهية..

وفي التوحيد..

وفي النبوة..

وفي المعاد..

وفي مسائل أخرى كثيرة.. كما يظهر لمن راجع آيات القرآن الكريم.. ويؤسس القرآن الكريم قاعدة الحوار الحرّ في جميع المسائل بقوله:( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ )

وهذا الكتاب - الذي يرقد بين يديك أيها القارئ الكريم - يتناول مسائل «الامامة» و«ومتفرعاتها» و«شطراً من الأحكام الفقهية الخلافية» في حوار موضوعي بنّاء.

ونسأل الله تعالى: أن يكون هذا الكتاب خطوة في طريق الكتشاف «الحق».. والعمل إليه.. والله ولي التوفيق.. وهو حسبنا ونعم الوكيل.

الناشر

٢

مقدمة المترجم

جدير بأن نسمي عصرنا بعصر الحوار والتفاهم.

لقد حان الوقت ليتصارح المسلمون بأمورهم العقائدية حتى يظهر الحق وتتوحّد كلمتهم عليه، فإن الوحدة الإسلامية، أُمنية جميع المسلمين.

ولأننا لمسنا أن التفرقة هي بُغية أعدائهم، وهي الوسيلة التي استعملها أعداء الدين والمستعمرون لفرض سيطرتهم على البلاد الإسلامية، ونهب خيراتها وبث مبادئ الكفر والإلحاد والضلال والفساد بين أبناء الإسلام الحنيف.

وبما أن الوحدة الاسلامية ضرورة ملحّة، وهي لا تتم إلا بالصدق والحوار الإيجابي البنّاء بلا تعصّب ولا عناد مع تحكيم القرآن والعقل والوجدان الحر، في اختيار أحسن القول، كما أمر بذلك رب العباد في قوله العزيز:( فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) (الزمر آية ١٨)، فيلزم على المسلم الكامل والإنسان العاقل، أن يكون بصيراً في أمر دينه، عالماً بقضايا مذهبه، لا يقبل قولاً ولا يتمسك به إلّا عن دليل وبرهان، حتى يصبح في أمره على يقين وإيمان.

لأنّه إذا سلك طريقاً وتمسّك بعقائد ومبادئ بغير علم يسنده ولا دليل يعضده وبرهان يرشده، فسيكون كمن أغمض عينيه ولزم طريقاً طويلا يمشي فيه على أمل أن يوصله الى مقصده ومنزله، حتى إذا أصاب رأسه الحائط، فأبصر وفتح عينيه، فإنه سوف يرى نفسه بعيداً عن مقصده، تائهاً ضالاً عن سواء الصراط.

فمن لم يحقق في الأمور الدينية ولم يدقّق في القضايا المذهبية، بل ذهب الى مذهب آبائه ولزم سبيل أسلافه، فربما فتح عينيه بعد جهد طويل، فيرى نفسه تائها قد ضلّ السبيل.

٣

ولذا عبّر الله العزيز الحكيم عن هكذا إنسان بالأعمى فقال:

( وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا ) (الإسراء ٧٢).

ولإنقاذ المسلمين من العناد والتعامي قدمت على تعريب هذا الكتاب القيّم من اللغة الفارسية الى العربية، لعلّه يحقّق شيئاً من هذا الهدف السامي. راجياً أن يترك في المسلمين أثراً إيجابياً، فيقرّب قلوبهم ويوحّد صفوفهم وكلمتهم، ويجمعهم على كلمة الله سبحانه بالحق والصلاح، والسعادة والفلاح. ولقد أدركتُ مؤلّف هذا الكتاب المرحوم آية الله السيد محمد (سلطان الواعظين) وحضرت مجلسه وسمعت حديثه ومواعظه.

فلقد كان رحمة الله عليه رجلاً ضخماً في العلم والجسم، ذا شيبة وهيبة، وكان جسيما وسيماً ذا وجه منير، قلّ أن رأيت مثله، وكان آنذاك يناهز التسعين عاماً من عمره الشريف، ولقد شاركت في تشييع جثمانه الطاهر في مدينة طهران، حيث عطّلت أسواق عاصمة إيران لوفاته وخرجت حشودٌ عظيمة في مواكب عزاء حزينة وكئيبة، ورفعت الرايات والأعلام السوداء معلنةً ولائها وحبّها لذلك العالم الجليل والسيّد النبيل.

ولا أذكر تاريخ وفاته بالضبط، ولكن كان في العقد الأخير من القرن الرابع عشر الهجري، وأُشهد الله العزيز أني لمـّا بدأت بتعريب هذا الكتاب رأيت ذلك السيد العظيم مرتين في الرؤيا، وكان مقبلاً عليَّ مبتسّماً ضاحكاً في وجهي، وكأنه يشكرني على هذا العمل.

فأسأل الله تبارك وتعالى أن يتغمّده برحمته الواسعة وأن يتقبّل هذا المجهود منه ومنا ويجعله ذخيرةً لآخرتنا ولكل من ساعد وسعى في نشر هذا الكتاب، إنه سميع الدعاء.

قم المقدسة حسين الموسوي

٢٨ شوال ١٤١٩ هـ الموافق ١٤ فبراير ١٩٩٩ م

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدّمة

الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد رسوله المصطفى، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

وبعد:

إنّ هذا الكتاب الذي بين يدي القارئ الكريم، هو الكتاب القيّم«ليالي بيشاور» لمؤلّفه الكبير: سماحة السيّد محمد الموسوي، الملقّب بـ:(سلطان الواعظين الشيرازي).

وقد كتب مقدّمة طويلة لكتابه استغرقت ما يقرب من مائة صفحة من كتابه القيّم هذا، تطرّق فيها على أهميّة التقارب بين المسلمين، وإلغاء الخلافات والخصومات التي بثّها الأعداء في أوساطهم.

وحثّ فيها على الوحدة الإسلامية والأُخوّة الدينية التي ندب الله المسلمين إليها، وحرّض على الاعتصام بحبل الله الذي دعاهم القرآن للتمسّك به والالتفاف حوله.

وحذّرهم عواقب التشتّت والتفرّق، وذكَّرهم اللهَ من الوقوف بعيداً والاكتفاء بالتفرّج، أو الابتعاد والاشتغال - لا سمح الله - بقذف

٥

بعضهم بعضاً بما يسخط الرحمن ويؤذي حبيبه المصطفى، الذي بعثه الله رحمة للعالمين، وأرسله ليُتمّ به مكارم الأخلاق، معالي الشِّيم والفضائل الإنسانية، وجمع الناس على التوحيد.

وندبهم إلى ما ندب إليه القرآن من التعارف فيما بينهم، قال تعالى:( لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ ) (١) مرتئياً أنّ أفضل الطرق للتعارف هو: الحوار الحرّ، والنقاش العلمي البحت، والمناظرة المنطقية البعيدة عن كلّ تعصّب، والمجرَّدة عن التقاليد والأهواء، من الخلفيات الشائنة.

وقد اشترك هو (قُدّس سرّه) - بدعوة من أصدقائه ومعارفه في بيشاور(٢) - في مجالس المناظرة التي عقدت له بهذا الشأن، والتي اشترك فيها كبار علماء السُّنَّة المعاصرين له آنذاك، وقد استمرّت المناظرة ليالي عديدة استغرقت عشرة مجالس، نشرتها في حينها جرائد الهند وصحفها، وتلقّاها الناس بالقبول والترحيب.

ثمّ وُفِّق المؤلّف - رحمه الله - إلى جمعها في هذا الكتاب: «ليالي بيشاور» وعرضها على الطالبين لتكميل الإفادة والاستفادة، كما وحرّض القارئين الكرام على قراءة الكتاب بدقّة، وطلب منهم مواصلة قراءته من الصفحة الاُولى حتّى الصفحة الأخيرة، وذلك لترابط البحث وتسلسله، ممّا يؤدّي قطعُه إلى ضياع الموضوع، وعدم الاستفادة الكاملة من البحث.

ولمـّا كان الكتاب باللغة الفارسية، وقد أجاز - قدّس سرّه - في

____________________

١) سورة الحجرات، الآية ١٣.

٢) وهي على الحدود الباكستانية الأفغانية.

٦

المقدمة ترجمة الكتاب - ترجمة أمينة - إلى سائر اللغات، حاولنا ترجمته إلى اللّغة العربية، مساهمةً منّا في هذه الخدمة الإنسانية النبيلة، بغية التوصّل إلى الحقّ، والتعرّف على الواقع والحقيقة، ومشاركةً منّا في ما دعانا إليه كتاب الله وسُنّة رسوله الكريم وسيرة أهل بيته الطاهرين، من: التعارف والتقارب، والتوحيد والتآخي، و أخيراً نيل العزّة والسعادة في الدنيا، والنجاة والفوز بالجنّة في الآخرة، إن شاء الله تعالى.

قال السيّد المؤلّف:

سافرت إلى العتبات المقدّسة في شهر ربيع الأوّل عام ١٣٤٥ هـ، وكان لي من العمر ثلاثون سنة، فتشرّفت بزيارة مراقد الأئمّة الأطهار من آل النبي المختار (صلوات الله وسلامه عليه وعليهم) في العراق، ومنها عزمت على السفر إلى الهند وباكستان بغية السفر منهما إلى خراسان والتشرّف بزيارة الإمام الرضاعليه‌السلام ، فوصلت - كراتشي - وهي مدينة ساحلية تُعَدُّ من أهمّ الموانىء في المنطقة-.

وما إنْ وصلتُ إليها إلّا وانتشر خبر وصولي في أهمّ الصحف هناك، فجاءتني دعوات كثيرة من الإخوة المؤمنين الّذين كانت بيني وبينهم معرفة سابقة ومودّة قديمة، وكان لا بُدّ لي من إجابة تلك الدعوات الكريمة، وإن كانت تستوجب منّي قطع مسافات بعيدة، وشدّ الرحال من مدينة إلى أُخرى، ومن بلد إلى آخر.

فواصلت سفري إلى مدينة بومبي، وهي - أيضاً - من أكبر مدن الهند وأعظم الموانىء فيها، فاستقبلني المؤمنون الّذين دعوني إليها

٧

ومكثت فيها ضيفاً معزّزاً بين أهلها ليالي وايّاماً.

ثمّ تابعت السفر على مدينة (دهلي) ومنها إلى (آگره) و(لاهور) و(بنجاب) و(سيالكوت) و(كشمير) و(حيدرآباد) و(كويته) وغيرها

وقد استقبلني كثير من الناس وعامة المؤمنين في هذه المدن بحرارة فائقة، فكانوا يرحبّون بقدومي ويحيّوني بهتافات وتحيّات على العادات والرسوم الشعبية المتعارفة هناك.

وفي أيّام وجودي في تلك المدن المهمّة التي سافرت إليها، كان العلماء من مختلف المذاهب والأديان يزورونني في منزلي، وكنت أردّ لهم الزيارة في بيوتهم، وكان غالباً ما يدور بيني وبينهم محاورات دينية ومناظرات علمية مفيدة، كنت أتعرّف من خلالها على عقائدهم، وهم يتعرّفون على عقائدي.

ومن أهمّ تلك المناقشات والمحاورات، حوار ونقاش دار بيني وبين البراهمة والعلماء الهندوس في مدينة (دهلي)، وكان ذلك بحضور قائد الهند ومحرّرها من الاستعمار الزعيم الوطني غاندي.

وكانت الصحف والمجلاّت تنشر - عبر مراسليها - كلّ ما يدور في المجلس من الحوار بالتفصيل، وبكلّ أمانة وصدق.

وكانت نتيجة تلك المناظرات أن ثبت الحقّ وزهق الباطل، إنّ الباطل كان زهوقاً، فقد خرجتُ من الحوار مُنتصراً على المناظرين، وذلك بالأدلّة العلمية والبراهين العقلية، حتّى ثبت للحاضرين في المجلس أنّ مذهب أهل البيت - الذي هو مذهب الشيعة الجعفرية الاثنى عشرية - هو المذهب الحقّ، وأنّه أحقّ أن يُتّبع، وأنا أقول مردّداً:

٨

( الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا الله ) (١) .

السفر إلى سيالكوت

ثمّ سافرت إلى مدينة (سيالكوت) بدعوة خاصّة من «الجمعية الاثنا عشرية» التي كان يرأسها صديقي الوفي الأُستاذ أبو بشير السيّد علي شاه النقوي، مدير مجلّة«دُرّ النجف» الاُسبوعية.

وعندما دخلت هذه المدينة لقيت استقبالاً حافلاً وتجمّعاً من مختلف الطبقات، ومن حسن الحظّ أنّي وجدت ضمن المستقبلين زميلاً لي، كان وفيّاً مشفقاً، وهو الزعيم (محمّد سرور خان رسالدار) ابن المرحوم (رسالدار محمد أكرم خان) وأخ الكولونيل (محمد أفضل خان) وهو من أكبر شخصيّات اُسرة (قزل باش) في ولاية (البنجاب).

وتعود معرفتي بهذه الاُسرة الكريمة إلى عام ١٣٣٩ هـ في مدينة كربلاء المقدَّسة، حيث كانوا قد تشرّفوا آنذاك لزيارة مراقد الأئمّة الأطهار من آل النبي المختار (صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين) وسكنوا فيها، كما وكانت لهم مناصب حكومية مرموقة في ولاية البنجاب.

وكان (محمد سرور خان) هذا رئيس شرطة (سيالكوت) وكان أهل البلد يحبّونه ويحترمونه لشجاعته وحسن سيرته وديانته.

فما أن رآني حتّى ضمّني إلى صدره، ورحَّب بقدومي، وطلب منّي أن أحلّ ضيفاً عنده وأنزل مدّة إقامتي - هناك - في بيته، فقبلت

____________________

١) سورة الأعراف، الآية ٤٣.

٩

دعوته وذهبت معه، وشَيَّعَني المستقبِلون إلى ذلك البيت الرفيع.

وفور نزولي ضيفاً هناك نشرت صحف ولاية (البنجاب) خبر وصولي إلى (سيالكوت) فكانت الوفود والرسائل - رغم عزمي على السفر إلى إيران لزيارة الإمام الرضاعليه‌السلام - تتسابق في دعوتي إلى زيارة بلادهم ومدنهم.

وأخصّ بالذِكر سماحة حجّة الإسلام السيّد علي الرضوي اللاهوري، العالم الجليل، والمفسّر النبيل، صاحب تفسير «لوامع التنزيل» ذي الثلاثين مجلّداً، وكان يسكن مدينة لاهور، فدعاني بإلحاح منه وإصرار إلى هناك، فاستجبت لدعوته، وذهبت ملبّياً طلبه.

كما وتلقّيت فيها أيضاً دعوة كريمة من إخواني المؤمنين من أُسرة قزل باش، الّذين كانوا من شخصيّات ورجال الشيعة المعروفين في ولاية (البنجاب)، وكانت دعوتهم لي لزيارة مدينة (بيشاور) وهي آخر مدينة حدودية مهمّة تربط ولاية البنجاب بأفغانستان.

ولمـّا تلقّيت تلك الدعوة، ألحَّ عليَّ الزعيم (محمد سرور خان) - مضيّفي الكريم - بأن لا أردّ دعوة أفراد اُسرته ورجال قومه من (بيشاور) ورجاني أن أُلبّي دعوتهم وأذهب إليهم.

في بيشاور

ثمّ إنّي عزمت على الذهاب إلى بيشاور، فسافرت إليها في اليوم الرابع عشر من شهر رجب الحرام، وحين وردتها استقبلني أهلها استقبالاً حافلاً قلّ نظيره في تلك المدينة، وكان على رأس المستقبلين رجالات ووجهاء اُسرة قزل باش.

١٠

و لمـّا استقرّ بي المكان طلبوا منّي بإصرار أن أرتقي المنبر وأخطب فيهم، ولمـّا لم أكن أُجيد اللّغة الهندية، لم اُوافق على ارتقاء المنبر، ولم أخطب طول سفري في الهند، رغم طلباتهم المتكرّرة.

ولكن لمـّا كان أهالي مدينة بيشاور يجيدون اللغة الفارسية، وكان أكثرهم يتكلّم بها، حتّى كادت اللغة الفارسية أن تكون هي اللغة الدارجة فيها، لبّيت طلبهم وقبلت أن أخطب فيهم بالفارسية.

فكنت أرتقي المنبر وقت العصر في الحسينية التي أسّسها المرحوم (عادل بيك رسالدار) وكانت مؤسّسة ضخمة تتّسع لضم الجماهير الغفيرة من الناس، وكانت تمتلىء بالحاضرين، وهم ليسوا من الشيعة فحسب، بل فيهم كثير من أصحاب الأديان والمذاهب المختلفة - الإسلامية وغيرها -.

موضوع البحث

ولَمّا كان أكثر أهالي بيشاور مسلمين، ومن العامّة وكانوا يحضرون في المجلس مع كثير من علمائهم ومشايخهم، جعلت موضوع البحث هو: الإمامة، فكنت أتكلم حول «عقائد الشيعة» واُبيّن دلائل الشيعة العقلية والنقلية لإثباتها، وأذكر النقاشات، في المسائل الخلافية مع العامّة.

وعلى أثرها طلب منّي علماء السُنّة وكبار شخصيّاتهم الّذين كانوا يحضرون البحث أن اجتمع بهم في لقاء خاصّ للإجابة عن إشكالاتهم، فرحّبت بهم ولبّيت طلبهم.

فكانوا يأتون في كلّ ليلة إلى البيت، ويدور البحث بيننا ساعات

١١

طويلة حول المواضيع الخلافية من بحث الإمامة وغيرها.

من بركات المنبر

وفي يوم من الأيّام عند نزولي من المنبر أخبرني بعض الحاضرين من أصدقائي بأنّ عالمين كبيرين من مشايخ العامة وهما: الحافظ محمد رشيد، والشيخ عبدالسّلام، وكانا من أشهر علماء الدين في (كابل)(١) - ومن منطقة تدعى ضلع ملتان - قد قدِما إلى بيشاور ليلتقيا بي ويشتركا مع بقية الحاضرين في الحوار الدائر فيما بيننا كلّ ليلة، وطلبوا مني السماح لهما.

فأبديتُ سروري ورضاي بهذا النبأ، واستقبلتهما بصدر منشرح وقلب منفتح، ورحّبت بقدومهما وجالستهما مع جماعة كبيرة من أصحابهما في ساعات كثيرة.

فكانوا يأتون بعد صلاة المغرب إلى المنزل الذي نزلت فيه للمناظرة، وذلك لمدة عشر ليالٍ متتالية، وكان الحوار والنقاش يدور حول المسائل الخلافية بيننا، ويطول إلى ستّ أو سبع ساعات، وربّما كان البحث والحوار يستمرّ بنا أحياناً إلى طلوع الفجر، كلّ ذلك بحضور شخصيات ورجال الفريقين في بيشاور.

ولمـّا انتهينا من المحاورة والمناظرة في آخر ليلة من المجلس، أعلن ستّة من الحاضرين - من العامّة - تشيّعهم، وكانوا من الأعيان والشخصيات المعروفة في المدينة.

ومن حسن التقدير أنّه كان يحضر مجلسنا ما يقرب من مأتي

____________________

١) عاصمة أفغانستان

١٢

كاتب من الفريقين، إذ كانوا يشتركون مع الحاضرين في مجلس المناظرة للكتابة، فكانوا يكتبون المواضيع المطروحة، ويسجّلون الحوار والنقاش وما يجري من مسائل وأجوبة وردود وشبهات، بأقلام أمينة وعبارات وافية وجميلة.

وكان بالإضافة إلى اُولئك الكُتّاب، أربعة من الصحفيّين يكتبون أيضاً ما يدور في المجلس بكلّ جزئيّاته، ثمّ ينشرون ما يدوّنوه من المناظرات والمناقشات في اليوم الثاني في الصحف والمجلّات الصادرة هناك.

ويضيف المؤلّف - رحمه الله - بعد ذلك: بأنّه سيعرض على القارىء الكريم في هذا الكتاب الذي سمّاه: «ليالي بيشاور» ما نَقَلَتْهُ تلك الصحف الرصينة، وسَجَّلتْهُ تلك الأقلام الأمينة، وما سجّله هو بنفسه من نقاط مهمّة عن تلك الليالي والمجالس التاريخية القيّمة.

ثمّ يدعو الله العليّ القدير أن ينفع به المسلمين، ويجعله ذخيرة له في يوم الدين، وكان قد كتبه وفرغ من تأليفه في طهران.

العبد الفاني

محمّد الموسوي

«سلطان الواعظين الشيرازي»

١٣

١٤

المجلس الأوّل

ليلة الجمعة ٢٣ / رجب / ١٣٤٥ هجـ

المكان: بيت المحسن الوجيه الميرزا يعقوب علي خان قزل باش(١) ، من الشخصيّات البارزة في بيشاور.

الابتداء: أوّل ساعة من الليل بعد صلاة المغرب.

إفتتاحية المجلس: حضر المشايخ والعلماء، وهم:

____________________

١) كان البيت واسعاً بحيث يسع الكثير من الناس، وكان صاحبه قد استعدّ لاستضافة الوافدين، ولذا كان المجلس ينعقد في كلّ ليلة وباستمرار في ذلك المكان، وكان صاحب البيت أيضاً يقوم بواجبه تجاه الضيوف من: حسن الضيافة، وتكريم الحاضرين، والترحيب بقدومهم، وتقديم الشاي والفواكه والحلوى لهم، وذلك على أحسن وجه.

وقزل باش يعني: أحمر الرأس، ولقب «حمر الرؤوس» كان يطلق على فوج خاصّ من جيش نادرشاه، سكنوا أفغانستان لمـّا فتحها نادرشاه، ولمـّا ضاقت الأمور على الشيعة هناك هاجروا إلى الهند وانتشروا فيها، وهم من الشيعة الأقوياء في تشيّعهم حتّى اليوم.

١٥

الحافظ(١) محمد رشيد، والشيخ عبد السلام، والسيّد عبدالحيّ، وغيرهم من العلماء، وعدد كبير من الشخصيّات والرجال من مختلف الطبقات والأصناف.

فرحبتُ بهم واستقبلتهم بصدر منشرح ووجه منبسط، كما ورحَّبَ بهم صاحب البيت واستقبلهم استقبالاً حارّاً، ثمّ أمر خدمه فقدّموا الشاي والفواكه والحلوى لجميع من حضر.

هذا، ولكنّ مشايخ القوم كانوا على عكس ما كنّا معهم، فقد رأينا الغضب في وجوههم، إذ إنّهم واجهونا في البداية بوجوه مقطّبة مكفهرّة، وكأنّهم جاؤونا للمعاتبة لا للتفاهم والمناظرة.

أمّا أنا فكنت لا اُبالي بهذه الاُمور، لأنّي لم أبتغِ من وراء هذا اللّقاء هدفاً شخصياً، ولم أحمل في نفسي عناداً ولا في صدري تعصّباً أعمى ضدّ أحد، وإنّما كان هدفي أن اُوضّح الحقّ وأُبيّن الحقيقة.

ولذلك لم أتجاوز عما كان يجب عَليَّ من المعاملة الحسنة، فقابلتهم بالبشر والابتسامة، والترحيب والتكريم، وطلبت منهم أن يبدؤا بالكلام بشرط أن يكون المتكلّم شخصاً معيّناً عن الجماعة حتّى لايضيع الوقت، ولا يفوت الغرض الذي اجتمعنا من أجله.

فوافقني القوم على ذلك وعيّنوا من بينهم الحافظ محمد رشيد ليتكلّم نيابة عنهم، وربّما خاض الآخرون - أحياناً - في البحث ولكن مع إذن مسبق.

____________________

١) الحافظ: يطلق على من حفظ القرآن وحفظ سُنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من علماء العامة، أو الخاصة، أو على من حفظ مأة ألف حديث متناً وإسناداً.

١٦

بدء المناظرة

بهذا أخذ المجلسُ طابعَه الرسمي، وبدأت المناظرات بيني وبينهم بكلّ جدّ وموضوعيّة، فبدأ الحافظ محمد رشيد وخاطبني بلقب: (قِبله صاحب)(١) قائلاً:

منذ نزولكم هذا البلد، شرّفتم مسامع الناس بمحاضراتكم، وخطبكم، ولكن بدل أن تكون محاضراتكم منشأ الاُلفة والإخاء فقد سبّبت الفُرقة والعداء، ونشرت الإختلاف بين أهالي البلد، وبما أنّه يلزم علينا إصلاح المجتمع ورفع الاختلاف منه، عزمتُ على السفر، وقطعت مسافة بعيدة مع الشيخ عبد السّلام وجئنا إلى بيشاور لدفع الشبهات التي أثرتموها بين الناس.

وقد حضرت اليوم محاضرتكم في الحسينية، واستمعت لحديثكم، فوجدت في كلامكم سحر البيان وفصل الخطاب أكثر ممّا كنت أتوقّعه، وقد إجتمعنا - الآن - بكم لننال من محضركم الشريف ما يكون مفيداً لعامة الناس إن شاء الله تعالى.

فإنْ كنتم موافقين على ذلك، فإنّا نبدأ معكم الكلام بجدّ، ونتحدّث حول المواضيع الأساسية التي تهمّنا وتهمّكم؟

قلت: على الرحب والسعة، قولوا ما بدا لكم، فاني أستمع لكم

____________________

١) هذه الكلمة من أهم الألقاب التي يخاطب بها المسلمون في الهند وباكستان، علماء دينهم ومشايخهم، وتعني عندهم: «الإمام المقتدى» لذلك كانت الصحف التي تنشر تلك المناظرات تعبّر عن السيّد «سلطان الواعظين» بلقب: «قِبله صاحب» «المترجم»

١٧

بلهفة، وأصغي لكلامكم بكلّ شوق ورغبة، ولكن أرجو من السادة الحاضرين جميعاً - وأنا معكم - أن نترك التعصّب والتأثّر بعادات محيطنا وتقاليد آبائنا، وأن لا تأخذنا حميّة الجاهلية، فنرفض الحقّ بعد ما ظهر لنا، ونقول - لا سَمَحَ الله - مثل ما قاله الجاهلون:( حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ) (١) أو نقول:( بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ) (٢) .

فالرجاء هو أن ننظر نحن وأنتم إلى المواضيع والمسائل التي نناقشها نظر الإنصاف والتحقيق، حتّى نسير معاً على طريق واحد ونصل إلى الحقّ والصّواب، فنكون كما أراد الله تعالى لنا: إخواناً متعاضدين ومتحابيّن في الله تبارك وتعالى.

فأجابالحافظ: إنّ كلامكم مقبول على شرط أن يكون حديثكم مستنداً إلى القرآن الكريم فقط.

قلت: إن شرطكم هذا غير مقبول في عرف العلماء والعقلاء، بل يرفضه العقل والشرع معاً، وذلك لأنّ القرآن الكريم كتاب سماويّ مقدّس، فيه تشريع كلّ الأحكام بإيجاز واختصار ممّا يحتاج في فهمه إلى من يبيّنه، والسُنّة الشريفة هي المبيّنة، فلا بُدّ لنا أن نرجع في فهم ذلك إلى الأخبار والأحاديث المعتبرة من السُنّة الشريفة ونستدلّ بها على الموضوع المقصود.

الحافظ: كلامكم صحيح ومتين، ولكن أرجو أن تستندوا في حديثكم إلى الأخبار الصحيحة المجمَع عليها، والأحاديث المقبولة عندنا وعندكم، ولا تستندوا بكلام العوامّ والغثّ من عقائدهم.

____________________

١) سورة المائدة، الآية ١٠٤.

٢) سورة البقرة، الآية ١٧٠.

١٨

وأرجو أيضاً أن يكون الحوار هادئاً، بعيداً عن الضوضاء والتهريج حتّى لا نكون موضع سخرية الآخرين ومورد استهزائهم.

قلت: هذا كلام مقبول، وأنا ملتزم بذلك قبل أن ترجوه منّي، فإنّه لا ينبغي لرجل الدين والعالم الروحي إثارة المشاعر والتهريج في الحوار العلمي والتفاهم الديني، وبالأخصّ لمن كان مثلي،إذ إنّ لي العزّ والفخر وشرف الانتساب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو صاحب الصفات الحسنة والخصال الحميدة والخلق العظيم، الذي أنزل الله تعالى فيه:( إِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (١) .

ومن المعلوم أنّي أولىً بالالتزام بسُنّة جدّي، وأحرى بأن لا اُخالف أمر الله (عزّ وجلّ) حيث يقول:( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (٢) .

الحافظ: ذكرتَ أنّك منتسب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - وهو المشهور أيضاً بين الناس - فهل يمكنكم أن تبيّنوا لنا طريق انتسابكم إلى النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والشجرة التي تنتهي بكم إليه؟

قلت: نعم، إنّ نسبي يصل عن طريق الإمام الكاظم موسى بن جعفر عليه الصلاة والسلام إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك على النحو التالي:

شجرة المؤلّف

أنا محمد بن علي أكبر «أشرف الواعظين» بن قاسم «بحر العلوم»

____________________

١) سورة القلم، الآية ٤.

٢) سورة النحل، الآية ١٢٥.

١٩

ابن حسن بن إسماعيل «المجتهد الواعظ» بن إبراهيم بن صالح بن أبي على محمد بن علي «المعروف بالمردان» بن أبي القاسم محمد تقي بن «مقبول الدين» حسين بن أبي علي حسن بن محمد بن فتح الله بن إسحاق بن هاشم بن أبي محمد بن إبراهيم بن أبي الفتيان بن عبدالله بن الحسن بن أحمد «أبي الطيّب» بن أبي علي حسن بن أبي جعفر محمد الحائري «نزيل كرمان» بن إبراهيم الضرير المعروف بـ «المجاب» ابن الأمير محمد العابد بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام عليّ السجّاد «زين العابدين» ابن الإمام أبى عبدالله الحسين «السبط الشهيد» بن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (سلام الله عليهم أجمعين).

الحافظ: جيّد، لقد انتهى نسبك - حسب بيانك هذا - إلى عليّ بن أبي طالب (كرّم الله وجهه)، وهذا الانتساب يثبت أنّك من أقرباء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لا من أولاده، لأنّ الأولاد إنّما هم من ذريّة الإنسان ونسله، لا من ختنه وصهره، فكيف ادّعيت مع ذلك بأنّك من أولاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

قلت: إنّ انتسابنا إلى النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما يكون عن طريق فاطمة الزهراءعليها‌السلام بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّها اُمّ الإمام الحسين الشهيدعليه‌السلام .

الحافظ: العجب كلّ العجب منك ومن كلامك! إذ كيف تتفوّه بهذا الكلام وأنت من أهل العلم والأدب؟!

ألستَ تعلم أنّ نسل الإنسان وعقبه إنّما يكون عن طريق الأولاد الذكور لا الإناث؟! ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن له عقب من أولاده

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

أخبرنا جعفر بن عَوْن ، حدَّثنا هشام بن سعيد ، قال : حدَّثنا زيد بن أَسْلم :

أن مَرْوَان بن الحكم كان يوماً وهو أمير على المدينة عنده أبو سعيد الخُدْرِي ، وزيد بن ثابت ، ورافع بن خُدَيْجٍ ، فقال مروان : يا أبا سعيد ، أرأيت قوله تعالى :( لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا ) والله إنا لنفرح بما أتينا ، ونحب أن نحمد بما لم نفعل؟ فقال أبو سعيد : ليس هذا في هذا ، إنما كان رجال في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يتخلفون عنه وعن أصحابه في المغازي ، فإذا كانت فيهم النكبة وما يكرهون فرحوا بتخلفهم ، فإذا كان فيهم ما يحبون حلفوا لهم ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا.

٢٨٢ ـ أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد ، أخبرنا أبو سعيد بن حمدون ، أخبرنا أبو حامد بن الشرقيّ ، قال : حدَّثنا أبو الأزهر ، قال : حدَّثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني ابن أبي مليكة : أن علقمة بن وقاص أخبره أن مروان قال لرافع بوابه : اذهب إلى ابن عباس ، وقل له : لئن كان [كل] امرئ منا فرح بما أتي ، وأحب أن يحمد بما لم يفعل عذَّب ـ لنعذبن أجمعين. فقال ابن عباس : ما لكم ولهذا؟ إنما دعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، اليهود فسألهم عن شيء ، فكتموه إياه وأخبروه بغيره ، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه فيما سألهم ، وفرحوا بما أَتوا من كتمانهم إِياه. ثم قرأ ابن عباس :( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ ) رواه البخاري عن إبراهيم بن موسى عن هشام ، ورواه مسلم عن زهير بن حرب عن حجاج ، كلاهما عن ابن جُرَيج.

__________________

[٢٨٢] أخرجه البخاري في كتاب التفسير (٤٥٦٧).

ومسلم في كتاب صفات المنافقين (٨ / ٢٧٧٨) ص ٢١٤٣.

والترمذي في التفسير (٣٠١٤).

والنسائي في التفسير (١٠٦) وابن جرير (٤ / ١٣٨).

والحاكم في المستدرك (٢ / ٢٩٩) وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

وذكره السيوطي في اللباب (ص ٦٧).

وزاد نسبته في الدر (٢ / ١٠٨) لابن المنذر وابن أبي حاتم.

والطبراني والبيهقي في الشعب.

١٤١

٢٨٣ ـ وقال الضحاك : كتب يهود المدينة إلى يهود العراق واليمن ومَنْ بلغهم كتابهم من اليهود في الأرض كلها : أن محمداً ليس نبي الله ، فاثبتوا على دينكم ، وأجمعوا كلمتكم على ذلك. فأجمعت كلمتهم على الكفر بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن. ففرحوا بذلك. وقالوا : الحمد لله الذي جمع كلمتنا ، ولم نتفرق ، ولم نترك ديننا ، وقالوا : نحن أهل الصوم والصلاة ونحن أولياء الله. وذلك قول الله تعالى :( يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا ) بما فعلوا( وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا ) يعني بما ذكروا من الصوم والصلاة والعبادة.

[١٢٩]

قوله تعالى :( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) الآية. [١٩٠].

٢٨٤ ـ أخبرنا أبو إسحاق المقري ، قال : أخبرنا عبد الله بن حامد ، أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى العنبري ، حدَّثنا أحمد بن نجدة ، حدَّثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، أخبرنا يعقوب القمي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال :

أتت قريش اليهودي ، فقالوا : ما جاءكم به موسى من الآيات؟ قالوا : عصاه ويده بيضاء للناظرين. وأتوا النصارى فقالوا : كيف كان عيسى فيكم؟ فقالوا : يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى. فأتوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا : أدع لنا ربك يجعل [لنا] الصفا ذهباً. فأنزل الله تعالى :( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ ) .

[١٣٠]

قوله تعالى :( فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ) الآية. [١٩٥].

__________________

[٢٨٣] مرسل ، وعزاه في الدر (٢ / ١٠٩) لعبد بن حميد وابن جرير.

[٢٨٤] في إسناده : يحيى بن عبد الحميد الحماني وهو متهم بسرقة الحديث.

وأخرجه النسائي في تفسيره (٣١٠) وذكره السيوطي في اللباب (ص ٦٩) قال الحافظ في الفتح (٨ / ٢٣٥) : فيه إشكال من جهة أن هذه السورة مدنية وقريش من أهل مكة ، ويحتمل أن يكون سؤالهم لذلك بعد أن هاجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة ولا سيما في زمن الهدنة أ. ه.

١٤٢

٢٨٥ ـ أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النَّصْرَابَادِي ، أخبرنا أبو عمرو إسماعيل بن نجيد ، حدَّثنا جعفر بن محمد بن سوار ، أخبرنا قتيبة بن سعيد ، عن سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن سلمة بن عمر بن أبي سَلَمة ـ رجل من ولد أم سلمة ـ قال :

قالت أم سلمة : يا رسول الله ، لا أَسْمَعُ الله ذَكَرَ النساءَ في الهجرة بشيء. فأنزل الله تعالى :( فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ) الآية. رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه ، عن أبي عون محمد بن أحمد بن ماهان ، عن محمد بن علي بن زيد ، عن يعقوب بن حميد ، عن سفيان.

[١٣١]

قوله تعالى :( لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ ) . [١٩٦].

٢٨٦ ـ نزلت في مشركي مكة ، وذلك أنهم كانوا في رخاء ولين من العيش ، وكانوا يَتّجِرُونَ ويتنعمون ، فقال بعض المؤمنين : إن أعداء الله فيما نرى من الخير ، وقد هلكنا من الجوع والجهد. فنزلت هذه الآية.

[١٣٢]

قوله تعالى :( وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ ) الآية. [١٩٩].

٢٨٧ ـ قال جابر بن عبد الله ، وأنس ، وابن عباس ، وقتادة :

__________________

[٢٨٥] أخرجه الترمذي في كتاب التفسير (٣٠٢٣).

وأخرجه الحاكم (٢ / ٣٠٠) من طريق مجاهد عن أم سلمة وصححه ووافقه الذهبي ، وأخرجه ابن جرير (٤ / ١٤٣).

وذكره السيوطي في لباب النقول (ص ٦٩) وزاد نسبته لعبد الرزاق وسعيد بن منصور ، وزاد نسبته في الدر (٢ / ١١٢) لابن المنذر والطبراني.

[٢٨٦] بدون سند.

[٢٨٧] حديث جابر بن عبد الله أخرجه ابن جرير (٤ / ١٤٦) وفي إسناده عنده أبو بكر الهذلي ، قال الحافظ في التقريب [٢ / ٤٠١] : متروك.

١٤٣

نزلت في النجاشي ، وذلك [أنه] لما مات نعاه جبريل ،عليه‌السلام لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في اليوم الذي مات فيه. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه : اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم. فقالوا : ومن هو؟ فقال : النجاشي ، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى البَقِيع ، وكُشِفَ له من المدينة إلى أرض الحبشة ، فأبصر سرير النجاشي ، وصلى عليه ، وكبّر أربع تكبيرات ، واستغفر له ، وقال لأصحابه : استغفروا له. فقال المنافقون : انظروا إلى هذا يصلي على عِلْجٍ حَبَشِيّ نَصْرَاني ، لم يره قط ، وليس على دينه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٢٨٨ ـ أخبرنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الله بن يوسف ، حدَّثنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر إملاء ، قال : أخبرنا جعفر بن محمد بن سنان الواسطي ، أخبرنا أبو هانئ محمد بن بكار الباهلي ، حدَّثنا المُعْتَمِر بن سليمان ، عن حميد ، عن أنس قال :

قال نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه : قوموا فصلوا على أخيكم النجاشي ، فقال بعضهم لبعض : يأمرنا أن نصلي على عِلْج من الحبشة! فأنزل الله تعالى :( وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ ) الآية.

٢٨٩ ـ وقال مجاهد وابن جريج وابن زيد : نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلّهم.

[١٣٣]

قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا ) الآية. [٢٠٠].

__________________

[٢٨٨] في إسناده حميد بن أبي حميد الطويل : قال الحافظ في التقريب : ثقة مدلس ، والحديث أخرجه الطبراني في الأوسط (٢٦٨٨) والبزار (٨٣٢ كشف).

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٣ / ٣٨) وقال : رواه البزار والطبراني في الأوسط ورجال الطبراني ثقات أ. ه.

وعزاه في الدر (٢ / ١١٣) للنسائي والبزار وابن أبي حاتم وابن مردويه.

وقد أخرجه النسائي في التفسير (١٠٨)

[٢٨٩] مرسل.

١٤٤

٢٩٠ ـ أخبرنا سعيد بن أبي عمرو الحافظ ، أخبرنا أبو علي الفقيه ، حدَّثنا محمد بن معاذ المَالِيني. حدَّثنا الحسين بن الحسن بن حرب المروزي ، حدَّثنا ابن المبارك ، أخبرنا مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ، حدَّثني داود بن صالح ، قال :

قال أبو سلمة بن عبد الرحمن : يا ابن أخي ، هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا ) ؟ قال : قلت : لا ، قال : إنه يا ابن أخي لم يكن في زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم غَزْو يُرابطُ فيه ، ولكن انتظار الصلاة خلف الصلاة. رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه ، عن أبي محمد المزني ، عن أحمد بن نجدة ، عن سعيد بن منصور ، عن ابن المبارك.

__________________

[٢٩٠] مرسل : أخرجه ابن جرير (٤ / ١٤٨) ، وأخرجه الحاكم في المستدرك (٢ / ٣٠١) من حديث أبي هريرة وصححه ووافقه الذهبي.

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٢ / ١١٣) لابن المبارك وابن المنذر والبيهقي في الشعب.

١٤٥

سورة النساء

١٣٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قولهعزوجل :( وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ ) الآية. [٢].

٢٩١ ـ قال مقاتل والكلبي : نزلت في رجل من غطفان كان عنده مال كثير لابن أخ له يتيم ، فلما بلغ اليتيم ، طلب المال فمنعه عمه ، فترافعا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزلت هذه الآية. فلما سمعها العم قال : أطعنا الله وأطعنا الرسول ، نعوذ بالله من الحُوبِ الكبير. فدفع إليه ماله ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : من يُوقَ شُحَّ نفسه ورجع به هكذا فإنه يَحُلُّ دَارَه. يعني جَنَّتَه. فلما قَبَضَ الفتى ماله أنفقه في سبيل الله تعالى ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ثبت الأجر وبقي الوزر ، فقالوا : يا رسول الله ، قد عرفنا أنه ثبت الأجر ، فكيف بقي الوزر وهو ينفق في سبيل الله؟ فقال : ثبت الأجر للغلام ، وبقي الوزر على والده.

[١٣٥]

قوله تعالى :( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى ) الآية. [٣].

٢٩٢ ـ أخبرنا أبو بكر التَّمِيميّ ، أخبرنا عبد الله بن محمد ، حدَّثنا أبو

__________________

[٢٩١] مرسل.

[٢٩٢] أخرجه البخاري في كتاب الشركة (٢٤٩٤) وفي كتاب التفسير (٤٥٧٤)

أخرجه مسلم في كتاب التفسير (٧ / ٣٠١٨) ص ٢٣١٤.

١٤٦

يحيى ، حدَّثنا سهل بن عثمان ، حدَّثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة في قوله تعالى :( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا ) الآية ، قالت :

أنزلت هذه في الرجل يكون له اليتيمة وهو وليها ، ولها مال ، وليس لها أحد يخاصم دونها ، فلا يُنْكِحُها حُبّاً لِمَالها وَيَضرُّ بها ويسيء صحبتها ، فقال الله تعالى :( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) يقول : ما أحللت لكم ودع هذه. رواه مسلم عن أبي كُرَيب ، عن أبي أسامة ، عن هشام.

٢٩٣ ـ وقال سعيد بن جُبَير ، وقتادة ، والربيع ، والضّحاك ، والسّدي :

كانوا يتحرجون عن أموال اليتامى ، ويترخصون في النساء ويتزوجون ما شاءوا ، فربما عدلوا ، وربما لم يعدلوا ، فلما سألوا عن اليتامى ونزلت آية اليتامى :( وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ ) الآية ـ أنزل الله تعالى أيضاً :( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى ) الآية.

يقول : وكما خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى ، فكذلك فخافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهن ، فلا تتزوجوا أكثر مما يمكنكم القيام بحقهن ، لأن النساء كاليتامى في الضعف والعجز. وهذا قول ابن عباس في رواية الوَالبي.

[١٣٦]

قوله تعالى :( وَابْتَلُوا الْيَتامى ) الآية. [٦].

٢٩٤ ـ نزلت في ثابت بن رفاعة وفي عمه وذلك أن رفاعة توفي وترك ابنه ثابتاً وهو صغير ، فأتى عم ثابت إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال له : إن ابن أخي يتيم في حجري فما يحل لي من ماله ، ومتى أدفع إليه ماله؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.

__________________

وأخرجه ابن جرير (٤ / ١٥٥) والنسائي في تفسيره (١١٠).

وعزاه السيوطي في الدر (٢ / ١١٨) للبخاري ومسلم والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في السنن.

[٢٩٣] انظر السابق.

[٢٩٤] الدر (٢ / ١٢٢) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة.

١٤٧

١٣٧

قوله تعالى :( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ) الآية. [٧].

٢٩٥ ـ قال المفسرون : إن أوس بن ثابت الأنصاري توفي وترك امرأة يقال لها : أم حُجَّة وثلاث بنات له منها ، فقام رجلان : هما ابنا عم الميت ووصياه ، يقال لهما : / سُوَيْد وعَرْفَجَة ، فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئاً ، وكانوا في الجاهلية لا يُوَرِّثُون النساء ولا الصغير وإن كان ذكراً ، إنما يورثون الرجال الكبار ، وكانوا يقولون : لا يُعطى إِلا من قاتل على ظهر الخيل وحاز الغنيمة. فجاءت أم حُجَّة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالت : يا رسول الله إن أوس بن ثابت مات وترك عليَّ بنات وأنا امرأته ، وليس عندي ما أنفق عليهن ، وقد ترك أبوهن مالاً حسناً وهو عند سُوَيد وعَرْفَجَة ، لم يعطياني ولا بناته من المال شيئاً ، وهن في حجري ، ولا يطعماني ولا يسقياني ولا يرفعان لهن رأساً. فدعاهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالا : يا رسول الله ، ولدها لا يركب فرساً ، ولا يحمل كلّا ، ولا يُنْكي عدواً. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم انصرفوا حتى أَنظر ما يحدث الله لي فيهن. فانصرفوا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

[١٣٨]

قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً ) الآية. [١٠].

٢٩٦ ـ قال مقاتل بن حيان : نزلت في رجل من غطفان يقال له : مَرْثَد بن زيد ، وَلِيَ مالَ ابن أخيه وهو يتيم صغير فأكله ، فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية.

[١٣٩]

قوله تعالى :( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ ) الآية. [١١].

٢٩٧ ـ أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر ، أخبرنا الحسن بن أحمد

__________________

[٢٩٥] الدر (٢ / ١٢٢) ، لباب النقول ص ٧٠.

وقد ذكر هذه القصة الحافظ ابن حجر في الإصابة (١ / ٨٠) في ترجمة أوس بن ثابت.

[٢٩٦] إصابة (٣ / ٣٩٧) في ترجمة مرثد بن زيد الغطفاني.

[٢٩٧] أخرجه البخاري في كتاب التفسير (٤٥٧٧).

١٤٨

المخلدي ، أخبرنا المُؤَمَّل بن الحسن بن عيسى ، قال : حدَّثنا الحسن بن محمد بن الصباح قال : حدَّثنا حجاج عن ابن جريج ، قال : أخبرني ابن المُنْكَدِر ، عن جابر قال :

عادني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر في بني سلمة يمشيان ، فوجدني لا أعقل ، فدعا بماء فتوضأ ثم رش عليَّ منه فأفقت ، فقلت : كيف أصنع في مالي يا رسول الله؟ فنزلت :( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) الآية.

رواه البخاري عن إبراهيم بن موسى ، عن هشام.

ورواه مسلم عن محمد بن حاتم ، عن حجاج كلاهما عن ابن جريج.

٢٩٨ ـ أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد المنصوري ، قال : أخبرنا علي بن

__________________

ومسلم في الفرائض (٦ / ١٦١٦) ص ١٢٣٥.

والنسائي في التفسير (١١١) وزاد المزي نسبته في تحفة الأشراف (٣٠٦٠)

للنسائي في الطهارة والفرائض في الكبرى.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٦ / ٢١٢).

وأخرجه أبو داود في الفرائض (٢٨٨٦) والترمذي في التفسير (٣٠١٥) والنسائي في التفسير (١٥٤) وابن ماجة في الجنائز (١٤٣٦) وفي الفرائض (٢٧٨) من طريق سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر به.

وأخرجه الحاكم في المستدرك (٢ / ٣٠٣) من طريق عمرو بن أبي قيس عن محمد بن المنكدر به وقال الحاكم : هذا إسناد صحيح.

وذكره السيوطي في لباب النقول (ص ٧٠).

وزاد نسبته في الدر (٢ / ١٢٤) لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

[٢٩٨] صحيح : أخرجه أبو داود في الفرائض (٢٨٩١ ـ ٢٨٩٢).

والترمذي في الفرائض (٢٠٩٢) وقال : هذا حديث صحيح.

وابن ماجة في الفرائض (٢٧٢٠).

وأحمد في مسنده (٣ / ٣٥٢) والحاكم في المستدرك (٤ / ٣٣٤ ، ٣٤٢) وصححه ووافقه الذهبي والبيهقي في السنن (٦ / ٢٢٩).

وأورده السيوطي في لباب النقول (ص ٧١).

وزاد نسبته في الدر (٢ / ١٢٥) لابن سعد وابن أبي شيبة ومسدد وأبي داود الطيالسي وابن أبي عمرو وابن منيع وابن أبي أسامة وأبي يعلى وابن أبي حاتم وابن حبان.

١٤٩

عمر بن مهدي قال : حدَّثنا يحيى بن صاعد ، قال : حدَّثنا أحمد بن المقدام ، قال : حدَّثنا بشر بن المفضل قال : حدَّثنا عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله ، قال :

جاءت امرأة [إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ] بابنتين لها فقالت : يا رسول الله ، هاتان بنتا ثابت بن قيس ـ أو قالت سعد بن الرَّبيع ـ قتل معك يوم أحد ، وقد اسْتَفَاءَ عمهما مالهما وميراثهما ، فلم يدع لهما مالاً إلا أخذه ، فما ترى يا رسول الله؟ فو الله ما ينكحان أبداً إلا ولهما مال. فقال : يقضي الله في ذلك ، فنزلت سورة النساء وفيها :( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) إلى آخر الآية ، فقال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ادع لي المرأة وصاحبها ، فقال لعمهما : أعطهما الثلثين ، وأعط أمهما الثمن ، وما بقي فلك.

[١٤٠]

قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً ) الآية. [١٩].

٢٩٩ ـ أخبرنا أبو بكر الأصفهاني ، قال : حدَّثنا عبد الله بن محمد الأصفهاني ، قال : حدَّثنا أبو يحيى قال : حدَّثنا سهل بن عثمان قال : حدَّثنا أسباط بن محمد ، عن الشيباني ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال أبو إسحاق الشيباني ـ وذكره عطاء بن الحسين السُّوَائي ولا أظنه ذكره إلا عن ابن عباس في هذه الآية( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً ) قال :

__________________

وللحافظ ابن حجر تعليق على هذا الحديث والذي قبله : انظر الفتح (٨ / ٢٤٤) شرح الحديث رقم (٤٥٧٧)

[٢٩٩] أخرجه البخاري في التفسير (٤٥٧٩).

وفي الإكراه (٦٩٤٨).

وأخرجه أبو داود في النكاح (٢٠٨٩).

والنسائي في التفسير (١١٤) وأخرجه ابن جرير (٤ / ٢٠٧) ، وذكره السيوطي في لباب النقول (ص) ٧٢) وأخرجه البيهقي في السنن (٧ / ١٣٨) وزاد نسبته في الدر (٢ / ١٣١) لابن المنذر وابن أبي حاتم.

١٥٠

كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته ، إن شاء بعضهم تزوجها ، وإن شاءوا زوجوها ، وإن شاءوا لم يزوجوها ، وهم أحق بها من أهلها. فنزلت هذه الآية في ذلك. رواه البخاري في التفسير عن محمد بن مقاتل ، ورواه في كتاب الإكراه عن حسين بن منصور ، كلاهما عن أسباط.

٣٠٠ ـ قال المفسرون : كان أهل المدينة في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا مات الرجل وله امرأة ، جاء ابنه من غيرها أو قريبه من عَصَبَتِهِ ، فألقى ثوبه على تلك المرأة فصار أحقّ بها من نفسها ومن غيره ، فإن شاء أن يتزوجها تزوَّجَها بغير صداق إلا الصداق الذي أصدقها الميت ، وإن شاء زوّجها غيره وأخذ صداقها ولم يعطها شيئاً ، وإن شاء عَضَلَهَا وضَارَّهَا لتفتدي منه بما ورثت من الميت ، أو تموت هي فيرثها ، فتوفي أبو قيس بن الأَسْلَت الأنصاري ، وترك امرأته كُبَيْشَة بنت معن الأنصارية فقام ابن له من غيرها يقال له : حصن ، وقال مقاتل : اسمه قيس بن أبي قيس ، فطرح ثوبه عليها فَوَرِث نكاحها ، ثم تركها فلم يقربها ولم ينفق عليها ، يضارها لتفتدي منه بمالها ، فأتت كبيشة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، إن أبا قيس توفي وورث ابنه نكاحي ، وقد أضرّ بي وطوّل عليّ ، فلا هو ينفق عليّ ولا يدخل بي ، ولا هو يخلي سبيلي. فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : اقعدي في بيتك حتى يأتي فيك أمر الله. قال : فانصرفت ، وسمعت بذلك النساء في المدينة ، فأتين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وقلن : ما نحن إلا كهيئة كبيشة غير أنه لم ينكحنا الأبناء ، ونكحنا بنو العم. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

[١٤١]

قوله تعالى :( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) الآية. [٢٢].

٣٠١ ـ نزلت في حصن بن أبي قيس ، تزوج امرأة أبيه : كبيشة بنت معن.

__________________

[٣٠٠] ابن جرير (٤ / ٢٠٧).

وذكره السيوطي في لباب النقول (ص ٧٢) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم بإسناد حسن.

وذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري (٨ / ٢٤٧) شرح الحديث رقم (٤٥٧٩) وذكره في الإصابة (٤ / ١٦٢) ترجمة أبي قيس بن الأسلت.

[٣٠١] أخرجه ابن جرير عن عكرمة (٤ / ٢١٧).

الدر (٢ / ١٣٤) وعزاه لابن أبي حاتم والفريابي وابن المنذر والطبراني.

١٥١

وفي الأسود بن خلف ، تزوج امرأة أبيه. وصفوان بن أمية بن خلف ، تزوج امرأة أبيه : فَاخِتة بنت الأسود بن المطلب. وفي مَنْظُور بن زبّان تزوج امرأة أبيه : مليكة بنت خارجة.

٣٠٢ ـ وقال أشعث بن سَوَّار : توفي أبو قيس ـ وكان من صالحي الأنصار ـ فخطب ابنُه قيس امرأة أبيه ، فقالت : إني أعدك ولداً ، ولكني آتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أستأمره. فأتته فأخبرته ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

[١٤٢]

قوله تعالى :( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) [٢٤].

٣٠٣ ـ أخبرنا محمد بن عبد الرحمن البُنَانِي قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان قال : أخبرنا أبو يعلى ، قال : أخبرنا عمرو الناقد ، قال : أخبرنا أبو أحمد الزبيري قال : حدَّثنا سفيان ، عن عثمان البَتِّي ، عن أبي الخَليل ، عن أبي سعيد الخُدْري قال :

أصبنا سبايا يوم أَوطاسَ لهنَّ أزواج ، فكرهنا أن نقع عليهن ، فسألنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزلت :( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) فاستحللناهن.

__________________

[٣٠٢] البيهقي في السنن (٧ / ١٦١) من طريق أشعث بن سوار عن عدي بن ثابت الأنصاري وقال البيهقي : هذا مرسل.

وقال السيوطي في الدر (٢ / ١٣٤) : عند ابن أبي حاتم : عن عدي بن ثابت عن رجل من الأنصار.

قلت : أشعث بن سوار ضعيف (تقريب ١ / ٧٩) و (المجروحين ١ / ١٧١)

[٣٠٣] أخرجه مسلم في الرضاع (٣٥ ، ٣٥ مكرر / ١٤٥٦) ص ١٠٨٠.

وأخرجه الترمذي في النكاح (١١٣٢) وقال : هذا حديث حسن. وفي التفسير (٣٠١٧).

والنسائي في التفسير (١١٧) وأخرجه أحمد في مسنده (٣ / ٧٢).

وأخرجه ابن جرير (٥ / ٣).

وذكره السيوطي في لباب النقول (ص ٧٣).

وزاد نسبته في الدر (٢ / ١٣٧) للطيالسي والفريابي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبي يعلي وابن أبي حاتم والطحاوي وابن حبان والبيهقي في السنن.

١٥٢

٣٠٤ ـ أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن الحارث ، قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، قال : حدَّثنا أبو يحيى ، قال : حدَّثنا سهل بن عثمان ، أخبرنا عبد الرحيم ، عن أشعث بن سَوَّار ، عن عثمان البَتِّي ، عن أبي الخليل ، عن أبي سعيد قال :

لما سبا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل أوطَاس قلنا : يا نبي الله ، كيف نقع على نساء قد عرفنا أنسابهن وأزواجهن؟ فنزلت هذه الآية :( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) ).

٣٠٥ ـ أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي ، أخبرنا محمد بن عيسى بن عمْرَوَيْه ، حدَّثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدَّثنا مسلم بن الحجاج ، حدَّثني عبيد الله بن عمر القَوَارِيري ، حدَّثنا يزيد بن زرَيع ، حدَّثنا سعيد بن أبي عَرُوبَةَ عن قتادة ، عن أبي صالح أبي الخليل ، عن أبي علقمة الهاشمي ، عن أبي سعيد الخدري :

أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم حنين بعث جيشاً إلى أوطَاس ، ولقي عدواً فقاتلوهم فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا ، وكان ناس من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تحرَّجُوا من غِشْيَانِهِنّ من أجل أزواجهن من المشركين ، فأنزل الله تعالى في ذلك( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) .

[١٤٣]

قوله تعالى :( وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ ) [٣٢].

__________________

[٣٠٤] انظر السابق.

[٣٠٥] أخرجه مسلم في الرضاع (٣٣ ، ٣٤ / ١٤٥٦) ص ١٠٧٩.

وأبو داود في النكاح (٢١٥٥).

والترمذي في النكاح (١١٣٢ مكرر) وفي التفسير (٣٠١٦).

والنسائي في النكاح (٦ / ١١٠).

وفي التفسير (١١٦).

وأحمد في مسنده (٣ / ٨٤) والبيهقي في السنن (٩ / ١٢٤) وأخرجه ابن جرير (٥ / ٣) وانظر رقم (٣٠٣)

١٥٣

٣٠٦ ـ أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم الصّوفي ، أخبرنا إسماعيل بن نجيد ، حدَّثنا جعفر بن محمد بن سوَّار ، أخبرنا قُتَيْبَة ، حدَّثنا سفيان بن عُيَيْنَةَ ، عن ابن أبي نُجَيح ، عن مجاهد ، قال :

قالت أم سلمة : يا رسول الله ، يغزو الرجال ولا نغزو ، وإنما لنا نصف الميراث. فأنزل الله تعالى :( وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ ) .

٣٠٧ ـ أخبرنا محمد بن عبد العزيز : أن محمد بن الحسين أخبرهم عن محمد بن يحيى بن يزيد ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا عَتَّابُ بن بَشِير ، عن خُصيف ، عن عكرمة :

أن النساء سألن الجهاد فقلن : وَدِدْنَا أن الله جعل لنا الغزو فنصيب من الأجر ما يصيب الرجال. فأنزل الله تعالى :( وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ ) .

٣٠٨ ـ وقال قتادة والسدي : لما نزل قوله تعالى :( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) قال الرجال : إنا لنرجو أن نُفَضِّل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضَّلنا عليهن في الميراث ، فيكون أجرنا على الضعف من أجر النساء ، وقالت النساء : إنا لنرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال في الآخرة ، كما لنا الميراث على النصف من نصيبهم في الدنيا. فأنزل الله تعالى :( وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ ) .

__________________

[٣٠٦] أخرجه الترمذي في التفسير (٣٠٢٢) وقال : هذا حديث مرسل.

وأخرجه الحاكم في المستدرك (٢ / ٣٠٥) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين إن كان سمع مجاهد من أم سلمة ووافقه الذهبي.

وأخرجه ابن جرير (٥ / ٣٠) وذكره السيوطي في اللباب (ص ٧٣) وزاد السيوطي نسبته في الدر (٢ / ١٤٩) لعبد بن حميد وسعيد بن منصور وابن أبي حاتم.

[٣٠٧] إسناده ضعيف : عتاب بن بشير : قال الإمام أحمد : أحاديث عتاب عن خصيف منكرة وكذا قال ابن عدي [تهذيب التهذيب ترجمة عتاب بن بشير].

خصيف بن عبد الرحمن : مختلف فيه.

[٣٠٨] مرسل.

١٥٤

١٤٤

قوله تعالى :( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ ) الآية [٣٣].

٣٠٩ ـ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الفارسي ، قال : حدَّثنا محمد بن عبد الله بن حمويه الهَرَوِيّ ، قال أخبرنا علي بن محمد الخُزَاعي ، قال : حدَّثنا أبو اليمان الحكم بن نافع ، قال : أخبرني شُعَيب بن أبي حمزة ، عن الزّهري ، قال : قال سعيد بن المسيب :

نزلت هذه الآية :( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ) في الذين كانوا يَتَبَنَّوْنَ رجالاً غير أبنائهم ويورِّثونهم. فأنزل الله تعالى فيهم أن يُجْعَلَ لهم نَصِيبٌ في الوصية ، ورَدَّ اللهُ تعالى الميراثَ إلى الموالي من ذوي الرَّحم والعَصَبَةِ ، وأبى أن يجعل لِلْمُدّعَيْنَ ميراثاً ممن ادعاهم وتبناهم ، ولكن جعل [لهم] نصيباً في الوصية.

[١٤٥]

قوله تعالى :( الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ ) الآية. [٣٤].

٣١٠ ـ قال مقاتل : نزلت هذه الآية في سعد بن الرَّبِيع ، وكان من النُقَبَاء ، وامرأته حَبِيبَة بنت زَيد بن أبي زهير وهما من الأنصار ، وذلك أنها نَشَزَتْ عليه فلطمها ، فانطلق أبوها معها إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : أَفْرَشْتُهُ كريمتي فلطمها! فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : لتقتص من زوجها. وانصرفت مع أبيها لتقتص منه ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ارجعوا ، هذا جبريلعليه‌السلام أتاني. وأنزل الله تعالى هذه الآية ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أردنا أمراً وأراد الله أمراً ، والذي أراد الله خير» ، ورفع القصاص.)

__________________

[٣٠٩] مرسل : أخرجه ابن جرير (٥ / ٣٥).

وله شاهد صحيح موصول عن ابن عباس : أخرجه البخاري في الكفالة. (٢٢٩٢) وفي التفسير (٤٥٨٠) وفي الفرائض (٦٧٤٧).

وأبو داود في الفرائض (٢٩٢٢) وزاد المزي نسبته في تحفة الأشراف (٥٥٢٣) للنسائي في الفرائض في الكبرى.

[٣١٠] مرسل ـ الإصابة (٢ / ٢٧)

١٥٥

٣١١ ـ أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد ، قال : أخبرنا زاهر بن أحمد ، قال : أخبرنا أحمد بن الحسين بن الجنيد ، قال : حدَّثنا زياد بن أيوب ، قال : حدَّثنا هشيم قال : حدَّثنا يونس عن الحسن :

أن رجلاً لطم امرأَته فخاصمته إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجاء معها أهلها فقالوا : يا رسول الله ، إِن فلاناً لطم صاحبتنا. فجعل رسول الله يقول : القصاص القصاص. ولا يقضي قضاء ، فنزلت هذه الآية :( الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ ) فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : أَردنا أَمراً وأَراد الله غيره.

٣١٢ ـ أخبرنا أبو بكر الحارثي ، قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ ، قال : حدَّثنا أبو يحيى الرازي ، قال : حدَّثنا سهل العسكري ، قال : حدَّثنا علي بن هاشم ، عن إسماعيل ، عن الحسن ، قال :

لما نزلت آية القصاص بين المسلمين لطم رجل امرأته ، فانطلقت إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالت : إن زوجي لطمني فالقصاص ، قال : القصاص ، فبينا هو كذلك أَنزل الله تعالى :( الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ) فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : أردنا أمراً فأبى الله تعالى [إلا غيرَه]. خذ أيها الرجل بيد امرأَتك.

[١٤٦]

قوله تعالى :( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ) [٣٧].

٣١٣ ـ قال أكثر المفسرين : نزلت في اليهود [حين] كتموا صفة محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يبينوها للناس ، وهم يجدونها مكتوبة عندهم في كتبهم.

٣١٣١ م ـ وقال الكلبي : هم اليهود ، بخلوا أن يصدقوا من أتاهم بصفة محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ونعته في كتابهم.

__________________

[٣١١] مرسل.

[٣١٢] مرسل. الدر (٢ / ١٥١) لباب (ص ٧٤)

[٣١٣] بدون إسناد.

[٣١٣١] م الكلبي ضعيف.

١٥٦

٣١٤ ـ وقال مجاهد : الآيات الثلاث إلى قوله :( عَلِيماً ) نزلت في اليهود.

٣١٥ ـ وقال ابن عباس ، وابن زيد : نزلت في جماعة من اليهود ، كانوا يأتون رجالاً من الأنصار يخالطونهم وينصحونهم ويقولون لهم : لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر ، فأنزل الله تعالى :( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ) .

[١٤٧]

قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ) الآية. [٤٣].

نزلت في أناس من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كانوا يشربون الخمر ويحضرون الصلاة وهم نَشَاوَى ، فلا يدرون كم يصلون ولا ما يقولون في صلاتهم.

٣١٦ ـ أخبرنا أبو بكر الأصفهاني ، قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ ، قال : حدَّثنا أبو يحيى ، قال : حدَّثنا سهل بن عثمان ، قال : حدَّثنا أبو عبد الرحمن الأَفْرِيقي قال : حدَّثنا عطاء ، عن أبي عبد الرحمن ، قال :

صنع عبد الرحمن بن عوف طعاماً ، ودعا أناساً من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فطعموا وشربوا ، وحضرت صلاة المغرب فتقدم بعض القوم فصلى بهم المغرب فقرأ( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) فلم يُقمْها ، فأنزل الله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ) .

__________________

[٣١٤] بدون إسناد.

[٣١٥] بدون إسناد ، الدر (٢ / ٢٦٢) ، لباب النقول (ص ٧٥)

[٣١٦] إسناده ضعيف : عطاء بن السائب اختلط ، وله علة أخرى وهي أنه مرسل. وله شاهد بإسناد صحيح موصول : أخرجه الحاكم في المستدرك (٢ / ٣٠٧) من طريق سفيان عن عطاء وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقد سمع سفيان من عطاء قبل الاختلاط. وأخرجه ابن جرير (٥ / ٦١) من طريق سفيان به.

١٥٧

[١٤٨]

قوله تعالى :( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) . [٤٣].

٣١٧ ـ أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق ، قال : حدَّثنا أبو عمرو بن مطر ، قال : حدَّثنا إبراهيم بن علي الذُّهْلِي ، قال : حدَّثنا يحيى بن يحيى ، قال : قرأت على مالك بن أنس ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، أنها قالت :

خرجنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في بعض أسفاره ، حتى إذا كنا بالبَيْدَاء أو بِذَاتِ الجَيْش ، انقطع عقد لي فأقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على التماسه ، وأقام الناس معه ، وليسوا على ماء وليس معهم ماء ، فأتى الناس إلى أبي بكر ، فقالوا : ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وبالناس معه [وليسوا على ماء] وليس معهم ماء. فجاء أبو بكر ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واضعٌ رأسه على فخذي قد نام ، فقال : أَحَبَسْتِ رسولَ الله والناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء؟ قالت : فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتي ، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم على فخذي ، فنام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى أصبح على غير ماء ، فأنزل الله تعالى آية التيمم فتيمموا ، فقال أسيد بن حضير ـ وهو أحد النقباء ـ : ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. قالت عائشة : فبعثنا البعير الذي

__________________

[٣١٧] أخرجه البخاري في التيمم (٣٣٤).

وفي كتاب النكاح (٥٢٥٠) مختصراً.

وأخرجه في فضائل الصحابة (٣٦٧٢) وفي كتاب التفسير (٤٦٠٧). وأخرجه في الحدود (٦٨٤٤) مختصراً.

وأخرجه مسلم في كتاب الحيض (١٠٨ / ٣٦٧) ص ٢٧٩.

والنسائي في الطهارة (١ / ١٦٣).

وفي التفسير (١٢٧).

وأخرجه مالك في الموطأ في كتاب الطهارة رقم ٨٩ (ص ٥٣).

وأخرجه ابن جرير (٥ / ٦٩) مختصراً.

والبيهقي في السنن الكبرى (١ / ٢٠٤)

١٥٨

كنت عليه فوجدنا العقد تحته. رواه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس ، ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى : كلاهما عن مالك.

٣١٨ ـ أخبرنا أبو محمد الفارسي ، قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ ، قال : حدَّثنا محمد بن يحيى ، قال : حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، قال : حدَّثنا أبي ، عن أبي صالح ، عن ابن شهاب ، قال : حدَّثني عبيد الله بن عبد الله بن عُتْبَةَ ، عن ابن عباس ، عن عَمّار بن يَاسِر ، قال :

عرّس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بذات الجيش ، ومعه عائشة زوجته ، فانقطع عقد لها من جذع ظَفَار فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر ، وليس مع الناس ماء [فتغيّظ عليها أبو بكر وقالت : حبست الناس]. فأنزل الله تعالى على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قصة التطهُّر بالصَّعيد الطَّيب ، فقام المسلمون فضربوا بأيديهم الأرض ثم رفعوا أيديهم ، فلم يقبضوا من التراب شيئاً ، فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب ، وبطون أيديهم إلى الآباط.

قال الزهري : وبلغنا أن أبا بكر قال لعائشة : والله إنك ما علمتُ لمباركة.

[١٤٩]

قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ ) الآية [٤٩].

٣١٩ ـ قال الكلبي : نزلت في رجال من اليهود أتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بأطفالهم ، وقالوا : يا محمد هل على أولادنا هؤلاء من ذنب؟ قال : لا ، فقالوا : والذي نحلف به ، ما نحن إلا كهيئتهم ، ما من ذنب نعمله بالنهار إلا كُفّرَ عنا بالليل ، وما من

__________________

[٣١٨] أخرجه أبو داود في الطهارة (٣٢٠).

والنسائي في الطهارة (١ / ١٦٧) في الصغرى.

وأحمد في مسنده (٤ / ٢٦٣) والبيهقي في السنن (١ / ٢٠٨).

وأخرجه ابن جرير (٥ / ٧٢).

وعزاه السيوطي في الدر (٢ / ١٦٧) لابن جرير والبيهقي.

[٣١٩] الكلبي ضعيف.

١٥٩

ذنب نعمله بالليل إلا كُفّر عنا بالنهار. فهذا الذي زكوا به أنفسهم.

[١٥٠]

قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ) . [٥١].

٣٢٠ ـ أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى ، قال : أخبرنا والدي ، قال : حدَّثنا محمد بن إسحاق الثقفي ، قال : حدَّثنا عبد الجبار بن العلاء ، قال : حدَّثنا سفيان عن عمرو ، عن عكرمة ، قال :

جاء حُيَيّ بن أخْطَب ، وكَعْبُ بن الأشْرَف إلى أهل مكة ، فقالوا لهم : أَنتم أهل الكتاب ، وأهل العلم القديم ، فأخبرونا عنا وعن محمد. قالوا : ما أنتم وما محمد؟ قالوا : نحن ننحر الكَوْمَاءَ ، ونَسْقِي اللبن على الماء ، ونَفك العُناة ، ونصل الأرحام ، ونَسْقِي الحَجِيج ، وديننا القديم ، ودين محمد الحديث. قالوا : بل أنتم خير منه وأهدى سبيلاً ، فأنزل الله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ ) إلى قوله تعالى :( وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً ) .

٣٢١ ـ وقال المفسرون : خرج كعب بن الأشرف في سبعين راكباً من اليهود إلى مكة بعد وقعة أُحد ، ليحالفوا قريشاً على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وينقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم . فنزل كعب على أبي سفيان ، ونزلت اليهود في دور قريش ، فقال أهل مكة : إنكم أهل كتاب ، ومحمد صاحب كتاب ، ولا نأمن أن يكون هذا مكراً منكم ، فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين ، وآمن بهما. فذلك قوله :( يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ) ثم قال كعب لأهل مكة : ليجيءْ منكم ثلاثون ومنا ثلاثون ، فنلزق أكبادنا بالكعبة ونعاهد رب البيت لنجهدن على قتال محمد. ففعلوا ذلك ، فلما فرغوا قال أبو سفيان لكعب : إنك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم ، ونحن أميون لا نعلم ، فأيّنا أهدى طريقاً وأقرب إلى الحق ، أنحن أم

__________________

[٣٢٠] مرسل ، عزاه في الدر (٢ / ١٧١) لسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم.

[٣٢١] بدون إسناد.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199