مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور5%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 278174 / تحميل: 5443
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

بعد ذلك تبيّن الآية الكريمة دوافع هذا الاستهزاء ، فتذكر أنّ هذه الجماعة إنّما تفعل ذلك لجهلها وابتعادها عن الحقائق ، فتقول :( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ ) .

* * *

الأذان شعار اسلامي كبير :

إنّ لكل أمّة ـ في أي عصر أو زمان كانت ـ شعار خاص بها تنادي به أفرادها وتستحث به همهم للقيام بواجباتهم الفردية والاجتماعية ، ويشاهد هذا الأمر في عالمنا الحاضر بصورة أوسع.

فالمسيحيون ينادون قومهم ويدعونهم لحضور الصّلاة في الكنائس بدق الناقوس وهذه هي طريقتهم وشعارهم سابقا وحاضرا.

والإسلام جاء بالأذان شعارا لدعوة المسلمين ، حيث يعتبر هذا الشعار أكثر تأثيرا وجاذبية في نفوس الناس قياسا بشعارات الديانات والأمم الأخرى ، فقد ذكر صاحب تفسير (المنار) أنّ بعض المسيحيين المتطرفين حين يستمعون إلى أذان المسلمين لا يجدون بدأ من يعترفوا بتأثيره المعنوي العظيم في نفوس سامعيه ، وينقل صاحب المنار ـ أيضا ـ أنّ بعضهم في إحدى مدن مصر شاهد جماعة من النصارى كانوا قد اجتمعوا أثناء أذان المسلمين للاستماع إلى هذا اللحن السماوي.

فأي شعار أقرب إلى الذوق وآنس إلى الأسماع من شعار يبدأ بذكر اسم الله ويشهد بتوحيده ووحدانيته وبنبوة رسول الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويدعو إلى الفلاح والعمل الصالح ، وينتهي ـ كذلك ـ بذكر الله!! فبدايته اسم «الله» وختامه اسم (الله) في جمل موزونةمتناغمة ، ذات عبارات قصيرة واضحة المعنى وذات محتوى تربوي بنّاء.

ولذلك أكّدت الرّوايات الإسلامية كثيرا على ضرورة أداء الأذان ، فقد ورد

__________________

أشير إليها سابقا ـ صحة الاحتمالين ، لأنّ المنافقين والكفار كانوا يستهزئون بالآذان والصّلاة معا ، لكن ظاهر الآية يعزز الاحتمال الأوّل ، أي أن الضمير يعود على الصّلاة.

٦١

عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديث معروف في هذا المجال ، أنّه قال : المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة(1) وهذا العلو هو نفس علو منزلة القيادة التي تدعو الناس إلى الله وإلى عبادة كالصّلاة.

إنّ صوت الأذان الذي ينطلق في أوقات الصّلاة من مآذن المدن الإسلامية بمثابة نداء الحرية والنسيم الذي يهب الحياة لروح الاستقلال والمجد ، ويدغدغ أذان المسلمين الأبرار ويثير الرعب والخوف في نفوس الأعداء الحاقدين ، ويعتبر رمزا من رموز بقاء الإسلام ، والدليل على هذا الأمر اعتراف أحد رجالات انجلترا المعروفين الذي قال أمام جمع من المسيحيين : ما دام اسم النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرفع على المآذن ، وما دامت الكعبة باقية وما دام القرآن يهدي ويوجه المسلمين ، فلا يمكن أن تترسخ قواعد سياسة الإنجليز في الأراضي الإسلامية(2) .

وبالرّغم من ذلك فانّ بعض المسلمين البؤساء أزاحوا مؤخرا هذا الشعار الإسلامي العظيم ـ الذي هو سند ومستمسك حيّ على صمود ومقاومة دينهم وثقافتهم على مر العصور ـ من إذاعاتهم ووضعوا مكانه برامج رخيصة ، نسأل الله أن يهدي هؤلاء للعودة إلى صفوف المسلمين.

ومن الطبيعي أنّ الأذان ـ لفحواه ومحتواه الجميل البديع ـ يحتاج أدائه إلى صوت مقبول ، لكي لا يشوّه الأداء غير المستساغ هذا المحتوى الجميل الجذاب.

نزول الأذان وحيا على النّبي :

وردت في بعض الرّوايات المنقولة من طرق أهل السنة قصص غريبة حول تشريع الأذان لا تتناسب ولا تتلاءم مع المنطق الإسلامي ، وممّا نقلوا في هذا الباب أن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أن سأله أصحابه عن إيجاد طريقة لمعرفة أوقات الصّلاة ،

__________________

(1) الوسائل : ج 5 ، ص 376 ، باب 2 ، ح 21.

(2) صاحب هذا القول «كلودستون» الذي يعتبر من السياسيين المتفوقين في عصره.

٦٢

استشار الصحابة ، فقدم كل منهم اقتراحا ، ومن ذلك رفع علم خاص في أوقات الصّلاة أو إشعال نار ، أو دق ناقوس ، لكن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يوافق على أي من هذه الاقتراحات ، ثمّ أن عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب ـ رأيا في المنام ـ شخصا يأمرهما بأداء الأذان لإعلان وقت الصّلاة ، وعلمهما كيفية هذا الأذان ، فقبل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك(1) .

إنّ هذه الرواية المختلقة تعتبر اهانة لمنزلة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الرفيعة ، حيث تدّعي أن النّبي ـ بدلا من أن يعتمد على الوحي ـ استند على حلم رآه أفراد من أصحابه في تشريع الأذان.

والصحيح في هذا الباب ما ورد في روايات أهل البيتعليهم‌السلام من أن الأذان نزل وحيا على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يحدثنا الإمام الصّادقعليه‌السلام أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان واضعا رأسه في حجر عليعليه‌السلام حين نزل جبرائيل بالأذان والإقامة ، فعلّمهما للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ رفع النّبي رأسه وسأل عليّا إن كان قد سمع صوت أذان جبرائيل ، فردّ عليعليه‌السلام بالإيجاب ، فسأله النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّة ثانية إن كان قد حفظ ذلك ، فردّ عليعليه‌السلام بالإيجاب أيضا ـ ثمّ طلب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عليعليه‌السلام أن ينادي بلالا ـ الذي كان يتمتع بصوت جيد ـ ويعلمه الأذان والإقامة ، فاستدعى عليعليه‌السلام بلالا وعلمه الأذان والإقامة(2) .

وللاستزادة من التفاصيل في هذا الباب يمكن مراجعة كتاب (النص والاجتهاد) للسيد عبد الحسين شرف الدين ـ ص 128.

* * *

__________________

(1) تفسير القرطبي.

(2) الوسائل ، ج 4 ، ص 612.

٦٣

الآيتان

( قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ(60) )

سبب النّزول

نقل عن عبد الله بن عباس أنّ جماعة من اليهود جاؤوا إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطلبوا منه أن يشرح لهم معتقداته ، فأخبرهم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه يؤمن بالله الواحد الأحد ، ويؤمن بأنّ كل ما نزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى وجميع الأنبياء هو الحقّ ، وأنّه لا يفرق بين أنبياء الله ، فأجابوه بأنّهم لا يعرفون عيسى ولا يؤمنون بنبوّته ، ثمّ قالوا للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّهم لا يعرفون دينا أسوأ من دينه! فنزلت هاتان الآيتان ردّا على هؤلاء الحاقدين.

٦٤

التّفسير

في هذه الآية يأمر الله نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يسأل أهل الكتاب عن سبب اعتراضهم وانتقادهم للمسلمين ، وهل أنّ الإيمان بالله الواحد الأحد والإعتقاد بما أنزل على نبي الإسلام والأنبياء الذين سبقوه يجابه بالاعتراض والانتقاد ، حيث تقول الآية :( قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ ) (1) .

وتشير هذه الآية ـ أيضا ـ إلى جانب آخر من جوانب صلف ووقاحة اليهود وتطرفهم غير المبرر ، ونظرتهم الضيقة الآحادية الجانب التي دفعت بهم إلى الاستهانة بكل شخص ودين غير أنفسهم ودينهم ، وهم لتطرفهم ذلك كانوا يرون الحقّ باطلا والباطل حقّا.

وتأتي في آخر الآية عبارة تبيّن علّة الجملة السابقة ، حيث تبيّن أن اعتراض اليهود وانتقادهم للمسلمين الذين آمنوا بالله وبكتبه ، ما هو إلّا لأنّ أكثر اليهود من الفاسقين الذين انغمسوا في الذنوب ، ولذلك فهم ـ لانحرافهم وتلوثهم بالآثام ـ يعيبون على كل انسان ظاهر اتباعه للصواب وسيره في طريق الحقّ حيث تؤكّد الآية :( وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ ) .

وبديهي أنّ المقاييس في محيط موبوء بالفساد والفسق ، تنقلب ـ أحيانا ـ بحيث يصبح الحقّ باطلا والباطل حقا ، ويصبح العمل الصالح والإعتقاد النزيه شيئا قبيحا مثيرا للاعتراض والانتقاد ، بينما يعتبر كل عمل قبيح شيئا جميلا جديرا بالاستحسان والمديح ، وهذه هي طبيعة المسخ الفكري الناتج عن الانغماس في الخطايا والذنوب إلى درجة الإدمان.

وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الآية تنتقد جميع أهل الكتاب ، وواضح أنّها

__________________

(1) إنّ كلمة «تنقمون» مشتقة من المصدر «نقمة» وتعني في الأصل إنكار شيء معين نطقا أو فعلا كما تأتي بمعنى إيقاع العقاب أو الجزاء.

٦٥

عزلت حساب الأقلية الصالحة بدقة عن الأكثرية الآثمة باستخدام كلمة (أكثركم) في العبارة الأخيرة منها.

الآية الثّانية تقارن المعتقدات المحرفة وأعمال أهل الكتاب والعقوبات التي تشملهم بوضع المؤمنين الأبرار من المسلمين لكي يتبيّن أي الفريقين يستحق النقد والتقريع ، وهذا بذاته جواب منطقي للفت انتباه المعاندين والمتطرفين في عصبيتهم.

وفي هذه المقارنة تطلب الآية من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يسأل هؤلاء : هل أنّ الإيمان بالله الواحد وبكتبه التي أنزلها على أنبيائه أجدر بالنقد والاعتراض ، أم الأعمال الخاطئة التي تصدر من أناس شملهم عقاب الله؟

فتخاطب الآية النّبي بأن يسأل هؤلاء : إن كانوا يريدون التعرف على أناس لهم عند الله أشد العقاب جزاء ما اقترفوه من أعمال ، حيث تقول :( قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ ) (1) .

ولا شك أنّ الإيمان بالله وكتبه ليس بالأمر غير المحمود ، وأن المقارنة الجارية في هذه الآية بين الإيمان وبين أعمال وأفكار أهل الكتاب ، هي من باب الكناية ، كما ينتقد انسان فاسد إنسانا تقيا فيسأل الإنسان التقي ردا على هذا الفاسد : أيّهما أسوأ الأتقياء أم الفاسدون.

بعد هذا تبادر الآية إلى شرح الموضوع ، فتبيّن أنّ أولئك الذين شملتهم لعنة الله فمسخهم قرودا وخنازير ، والذين يعبدون الطاغوت والأصنام ، إنّما يعيشون في هذه الدنيا وفي الآخرة وضعا أسوأ من هذا الوضع ، لأنّهم ابتعدوا كثيرا عن طريق الحقّ وعن جادة الصواب ، تقول الآية الكريمة :( مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ

__________________

(1) إن كلمة (مثوبة) وكذلك كلمة (ثواب) تعنيان ـ في الأصل ـ الرجوع أو العودة إلى الحالة الأولى ، كما تطلقان ـ أيضا ـ لتعنيا المصير والجزاء (الأجر أو العقاب) لكنهما في الغالب تستخدمان في مجال الجزاء الحسن ، وأحيانا تستخدم كلمة (الثواب) بمعنى العقاب وفي الآية جاءت بمعنى المصير أو العقاب.

٦٦

وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ ) (1) .

وسنتطرق إلى معنى المسخ الذي يتغير بموجبه شكل الإنسان ، وهل أنّ هذا التغير في الشكل يشمل صورته الجسمية ، أم المراد التغير الفكري والأخلاقي؟

وذلك عند تفسير الآية (163) من سورة الأعراف ، وبصورة مفصلة بإذن الله.

* * *

__________________

(1) إنّ كلمة (سواء) تعني في اللغة (المساواة والاعتدال والتساوي) وان وجه تسمية الصراط المستقيم في الآية :( سَواءِ السَّبِيلِ ) لأنّ جميع أجزاء هذا الطريق مستوية ولأن طرفيه متساويان وممهدان ، كما تطلق هذه التسمية على كل طريقة تتسم بالاعتدال وتخلو من الانحراف ، ويجب الانتباه هنا ـ أيضا ـ إلى أن عبارة( عَبَدَ الطَّاغُوتَ ) عطف على جملة( مَنْ لَعَنَهُ اللهُ ) وكلمة (عبد) فعل ماض وليست صيغة جمع لعبد مثلما احتمله البعض من المفسّرين وإطلاق تسمية( عَبَدَ الطَّاغُوتَ ) على أهل الكتاب ، إمّا أن يكون إشارة إلى عبادة العجل من قبل اليهود ، أو إشارة إلى انقياد أهل الكتاب الأعمى لزعمائهم وكبارهم المنحرفين.

٦٧

الآيات

( وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ (63) )

التّفسير

الآية الاولى من هذه آيات الثلاث ـ واستكمالا للبحث الذي تناولته الآيات السابقة حول المنافقين ـ تكشف عن ظاهرة الازدواجية النفاقية عند هؤلاء ، وتنبّه المسلمين إلى أنّ المنافقين حين يأتونهم يتظاهرون بالإيمان وقلبهم يغمره الكفر ، ويخرجون من عندهم المسلمين ولا يزال الكفر يملأ قلوبهم ، حيث لا يترك منطق المسلمين واستدلالهم وكلامهم في نفوس هؤلاء المنافقين أي أثر يذكر ، تقول الآية الكريمة :( وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ ) ولذلك يجب على المسلمين أن لا ينخدعوا بهؤلاء الذين يتظاهرون بالحقّ والإيمان ،

٦٨

ويبدون القبول لأقوال المسلمين رياء وكذبا.

وتؤكّد الآية أنّ المنافقين مهما تستروا على نفاقهم ، فإنّ الله يعلم ما يكتمون.

ثمّ تبيّن الآية الأخرى علائم من نوع آخر للمنافقين ، فتشير إلى أنّ كثيرا من هؤلاء في انتهاجهم طريق العصيان والظلم وأكل المال الحرام ، يتسابقون بعضهم مع بعضهم الآخر تقول الآية :( وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ) (1) أي أن هؤلاء يسرعون الخطى في طريق المعاصي والظلم ، وكأنّهم يسعون إلى أهداف تصنع لهم الفخر والمجد ، ويتسابقون فيما بينهم في هذا الطريق دون خجل أو حياء.

وتجدر الإشارة ـ هنا ـ إلى أنّ كلمة «إثم» قد وردت بمعنى (الكفر) كما وردت لتعني جميع أنواع الذنوب أيضا ، وبما أنّها اقترنت في هذه الآية بكلمة (العدوان) قال بعض المفسّرين : أنّها تعني الذنوب التي تضرّ صاحبها فقط ، على عكس العدوان الذي يتعدى طوره صاحبه إلى الآخرين ، كما يحتمل أن يكون مجيء كلمة (العدوان) بعد كلمة (الإثم) في هذه الآية ، من باب ما يصطلح عليه بذكر العام قبل الخاص ، وأن مجيء كلمة «السحت» بعدهما هو من قبيل ذكر الأخص.

وعليه فالقرآن قد ذم المنافقين ، أوّلا لكل ذنب اقترفوه ، ثمّ خصص ذنبين كبيرين لما فيهما من خطر ـ وهما الظلم وأكل الأموال المحرمة ، سواء كانت ربا أم رشوة أم غير ذلك.

وخلاصة القول أن القرآن الكريم قد ذم هذه الجماعة من المنافقين من أهل الكتاب ، لوقاحتهم وصلفهم وتعنتهم في ارتكاب أنواع الآثام وبالأخص الظلم

__________________

(1) لقد بيّنا معنى (السحت) في تفسير الآية (42) من هذه السورة ، وشرحنا معنى (يسارعون) في تفسير الآية (41) من هذه السورة أيضا ، في هذا الجزء.

أمّا كلمة (إثم) فقد شرحنا معانيها في تفسير الآية (219) من سورة البقرة ، في المجلد الأوّل.

٦٩

وأكل المال الحرام ، ولكي يؤكّد القرآن قبح هذه الأعمال ، قالت الآية :( لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) .

وتدل عبارة( كانُوا يَعْمَلُونَ ) على أنّ هذه الذنوب لم تكن تصدر عن هؤلاء صدفة ، بل كانوا يمارسونها دائما مع سبق إصرار.

بعد ذلك تحمل الآية الثالثة على علمائهم الذين أيّدوا قومهم على ارتكاب المعاصي بسكوتهم ، فتقول :( لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ) .

وقد أشرنا سابقا إلى أنّ كلمة (ربّانيون) هي صيغة جمع لكلمة (ربّاني) المشتقة من كلمة (رب) وتعني العالم أو المفكر الذي يدعو الناس إلى الله ، لكنّها قد أطلقت في كثير من الحالات على علماء المسيحيين ، أي رجال الدين المسيحي.

أمّا كلمة (أحبار) فهي صيغة جمع لكلمة (حبر) وهي تعني العلماء الذين يخلفون أثارا حسنة في المجتمع ، لكنّها أطلقت في موارد كثيرة على رجال الدين اليهود.

أمّا خلو هذه الآية من كلمة (العدوان) التي وردت في الآية قبلها ، فقد استدل بعضهم من ذلك على أن كلمة (الإثم) الواردة هنا تشمل جميع المعاني التي تدخل في إطار هذه الكلمة ومن ضمنها (العدوان).

لقد وردت في هذه الآية عبارة( قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ ) التي تختلف عمّا ورد في الآية السابقة ، ولعل هذه إشارة إلى أن العلماء مكلفون بردع الناس عن النطق بما يشوبه الذنب من قول ، كما هم مكلّفون بمنع الناس عن ارتكاب العمل السيء ، ولربّما تكون كلمة (قول) الواردة هنا بمعنى (العقيدة) أي أن العلماء الذين يهدفون إلى إصلاح أي مجتمع فاسد ، عليهم أوّلا أن يصلحوا أو يغيروا المعتقدات الفاسدة التي تشيع في هذا المجتمع ، فما لم يحصل التغيير الفكري لا يمكن توقع حصول اصلاحات جذرية في الجوانب العملية ، وبهذه الصورة تبيّن الآية للعلماء أنّ الثورة

٧٠

الفكرية هي الأساس والمنطلق لكل إصلاح يراد تحقيقه في كل مجتمع فاسد.

وفي الختام ، يمارس القرآن الكريم نفس أسلوب الذم الذي اتّبعه مع أهل المعاصي الحقيقيين ، فيذم العلماء الساكتين الصامتين التاركين للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويقبح صمتهم هذا ، كما تقول الآية :( لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ ) .

وهكذا تبيّن أنّ مصير الذين يتخلون عن مسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر العظيمة وخاصة إن كانوا من العلماء يكون كمصير أصحاب المعاصي ، وهؤلاء في الحقيقة شركاء في الذنب مع العاصين.

ونقل عن ابن عباس المفسّر المعروف قوله : بأنّ هذه الآية أعنف آية وبخت العلماء المتجاهلين لمسؤولياتهم الصامتين عن المعاصي.

وبديهي أنّ هذا الحكم لا ينحصر في علماء اليهود والنصاري ، بل يشمل كل العلماء مهما كانت دياناتهم إن هم سكتوا وصمتوا أمام تلوث مجتمعاتهم بالذنوب وتسابق الناس في الظلم والفساد ، ذلك لأنّ حكم الله واحد بالنسبة لجميع البشر.

وورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام في إحدى خطبه ، أنّ سبب هلاك الأقوام السابقة هو ارتكابهم للمعاصي وسكوت علمائهم عليهم وامتناعهم عن النهي عن المنكر فكان ينزل عليهم ـ لهذا السبب ـ البلاء والعذاب من الله ، وأن على الناس أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر لكي لا يتورطوا بمصير أولئك الأقوام(1) .

كما ورد بنفس هذا المضمون كلام للإمام عليعليه‌السلام في (نهج البلاغة) في آخر خطبته القاصعة (الخطبة 192) قولهعليه‌السلام : «فإنّ الله سبحانه لم يلعن القرن الماضي بين أيديكم إلّا لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلعن السفهاء لركوب المعاصي والحلماء لترك التناهي ...».

__________________

(1) نور الثقلين ، ج 1 ، ص 649.

٧١

ويلفت الانتباه هنا أيضا أنّ الآية السابقة حين كانت تتحدث عن سواد الناس جاءت بعبارة (يعملون) بينما حين صار الحديث في هذه الآية عن العلماء جاءت بعبارة (يصنعون) والصنع هو كل عمل استخدمت فيه الدقة والمهارة ، بينما العمل يطلق على جميع الأفعال حتى لو كانت خالية من الدقة ، هكذا فإن هذه العبارة (يصنعون) تتضمن بحدّ ذاتها ذما أكبر ، وذلك لأنّ سواد الناس إن ارتكبوا ذنبا يكون ارتكابهم هذا ـ غالبا ـ بسبب جهلهم ، بينما العالم الذي لا يؤدي واجبه فهو يرتكب إثما عن دراية وعلم وتفكير ، ولهذا يكون عقابه أشد وأعنف من عقاب الجاهل.

* * *

٧٢

الآية

( وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) )

التّفسير

تبرز هذه الآية واحدا من المصاديق الواضحة للأقوال الباطلة التي كان اليهود يتفوهون بها ، وقد تطرقت الآية السابقة إليها ـ أيضا ـ ولكن على نحو كلي.

ويتحدث لنا التّأريخ عن فترة من الوقت كان اليهود فيها قد وصلوا إلى ذروة السلطة والقدرة ، وكانوا يمارسون الحكم على قسم مهم من المعمورة ، ويمكن الاستشهاد بحكم سليمان وداود كمثال على حكم الدولة اليهودية ، وقد استمر حكم اليهود بعدهما بين رقي وانحطاط حتى ظهر الإسلام ، فكان إيذانا بأفول الدولة اليهودية ، وبالأخص في الحجاز ، إذ أدى قتال النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليهود بني النضير وبني قريظة ويهود خيبر إلى إضعاف سلطتهم بصورة نهائية.

٧٣

وفي ذلك الوضع كان البعض من اليهود حين يتذكرون سلطتهم القوية السابقة ، كانوا يقولون استهزاء وسخرية ـ إنّ يد الله أصبحت مقيدة بالسلاسل (والعياذ بالله) وأنّه لم يعد يعطف على اليهود! ويقال : أنّ المتفوه بهذا الكلام كان الفخاس بن عازوراء رئيس قبيلة بني القينقاع ، أو النباش بن قيس كما ذكر بعض المفسّرين.

وبما أنّ سائر أبناء الطائفة اليهودية أظهروا الرضى عن أقوال كبار قومهم هؤلاء ، لذلك جاء القرآن لينسب هذه الأقوال إلى جميعهم ، كما تقول الآية :( قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ ) .

ويجب الانتباه إلى أنّ كلمة (اليد) تطلق في اللغة العربية على معان كثيرة ومنها (اليد العضوية) كما أن معانيها (النعمة) و (القدرة) و (السلطة) و (الحكم) ، وبديهي أنّ المعنى الشائع لها هو اليد العضوية.

ولما كان الإنسان ينجز أغلب أعماله المهمّة بيده ، فقد أطلقت من باب الكناية على معان أخرى.

وتفيدنا الكثير من الرّوايات الواردة عن أهل البيتعليهم‌السلام أنّ هذه الآية تشير إلى ما كان اليهود يعتقدون به حول القضاء والقدر والمصير والإرادة ، حيث كانوا يذهبون إلى أنّ الله قد عين كل شيء منذ بدء الخليقة ، وأنّ كل ما يجب أن يحصل قد حصل ، وأنّ الله لا يستطيع من الناحية العملية إيجاد تغيير في ذلك(1) .

وبديهي أنّ تتمة الآية التي تتضمن عبارة( بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ ) ـ كما سيأتي شرحه ـ تؤيد المعنى الأوّل ، كما يمكن أن يقترن المعنى الثّاني بالمعنى الأوّل في مسير واحد ، لأنّ اليهود حين أفل نجم سلطانهم ، كانوا يعتقدون أن هذا الأفول هو مصيرهم المقدر ، وأنّ يد الله مقيدة لا تستطيع فعل شيء أمام هذا المصير.

والله تعالى يرد على هؤلاء توبيخا وذما لهم ولمعتقدهم هذا بقوله :( غُلَّتْ

__________________

(1) تفسير نور الثقلين ، ج 1 ، ص 649 ، تفسير البرهان ، ج 1 ، ص 486.

٧٤

أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا ) ثمّ لكي يبطل هذه العقيدة الفاسدة يقول سبحانه وتعالى( بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ ) فلا إجبار في عمل الله كما أنّه ليس محكوما بالجبر الطبيعي ولا الجبر التّأريخي ، بل أنّ إرادته فوق كل شيء وتعمل في كل شيء.

والملفت للنظر هنا أنّ اليهود ذكروا اليد بصيغة المفرد كما جاء في الآية موضوع البحث ، لكن الله تعالى من خلال رده عليهم قد ثنّى كلمة اليد فقال :( بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ ) وهذا بالإضافة إلى كونه تأكيدا للموضوع ، هو كناية لطيفة تظهر عظمة جود الله وعفوه ، وذلك لأنّ الكرماء جدّا يهبون ما يشاءون للغير بيدين مبسوطتين ، أضف إلىذلك أنّ ذكر اليدين كناية عن القدرة الكاملة ، أو ربّما يكون إشارة إلى النعم المادية والمعنوية ، أو الدنيوية والأخروية.

ثمّ تشير الآية إلى أنّ آيات الله التي تفضح أقوال ومعتقدات هؤلاء تجعلهم يوغلون أكثر في صلفهم وعنادهم ويتمادون في طغيانهم وكفرهم بدلا من تأثيرها الايجابي في ردعهم عن السير في نهجهم الخاطئ حيث تقول الآية الكريمة :( وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً ) .

بعد ذلك تؤكّد الآية على أن صلف هؤلاء وطغيانهم وكفرهم سيجر عليهم الوبال ، فينالهم من الله عذاب شديد في هذه الدنيا ، من خلال تفشي العداء والحقد فيما بينهم حتى يوم القيامة ، فتقول الآية الكريمة :( وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ) .

وقد اختلف المفسّرون في معنى عبارة( الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ ) الواردة في هذه الآية ، لكنّنا لو تغاضينا عن الوضع الاستثنائي غير الدائم الذي يتمتع به اليهود في الوقت الحاضر ، ونظرنا إلى تاريخ حياتهم المقترن بالتشتت والتشرد ، لثبت لدينا أنّ هناك عامل واحد لهذا الوضع التّأريخي الخاص لهؤلاء ، وهو انعدام الاتحاد والإخلاص فيما بينهم على الصعيد العالمي ، فلو كان هؤلاء يتمتعون بالوحدة

٧٥

والصدق فيما بينهم ، لما عانوا طيلة تاريخ حياتهم من ذلك التشرد والضياع والتشتت والتعاسة.

وقد شرحنا قضية العداوة والبغضاء الدائمة بين أهل الكتاب بشيء من التفصيل عند تفسير الآية (14) من نفس هذه السورة.

وتشير الآية ـ في الختام ـ إلى المساعي والجهود التي كان يبذلها اليهود لتأجيج نيران الحروب ، وعناية الله ولطفه بالمسلمين في انقاذهم من تلك النيران المدمرة الماحقة ، فتقول( كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ ) .

وتعتبر هذه الظاهرة إحدى معاجز حياة النّبي الأكرم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّ اليهود كانوا الأقوى بين أهل الحجاز والأعرف بمسائل الحرب ، بالإضافة إلى ما كانوا يمتلكون من قلاع حصينة وخنادق منيعة ، ناهيك عن قدرتهم المالية الكبيرة التي كانت لهم عونا في كل صراع بحيث أن قريشا كانوا يستمدون العون منهم ، وكان الأوس ، والخزرج يسعى كل منهما إلى التحالف معهم وكسب صداقتهم ونيل العون منهم في المجال العسكري ، لكنّهم فقدوا فجأة قدرتهم المتفوقة ـ هذه ـ وطويت صفحة جبروتهم دفعة واحدة ، بشكل لم يكن متوقعا لديهم ، فاضطر يهود بني النضير وبني قريظة وبني القينقاع إلى ترك ديارهم ، كما استسلم نزلاء قلاع خيبر الحصينة وسكان فدك من اليهود خاضعين للمسلمين ، وحتى أولئك الذين كانوا يقطنون في فيافي الحجاز منهم اضطروا إلى الخضوع أمام عظمة الإسلام ، فهم بالإضافة إلى عجزهم عن نصرة المشركين اضطروا إلى ترك ميدان النزال والصراع.

ثمّ تبيّن الآية ـ أيضا ـ أنّ هؤلاء لا يكفون عن نثر بذور الفتنة والفساد في الأرض فتقول :( وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً ) وتؤكّد أيضا قائلة :( وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) .

ويستدلّ من هذا على أن أسلوب المواجهة القرآني لليهود لم يكن يتركز على

٧٦

أساس عنصري مطلقا ، بل أن المعيار الذي استخدمه القرآن في توجيه النقد إليهم ، هو معيار الأعمال التي يمكن أن تصدر من أي جنس وعنصر أو طائفة ، وسنلاحظ في الآيات القادمة أنّ القرآن على الرغم من كل ما صدر من هؤلاء ، قد ترك باب التوبة مفتوحا أمامهم.

* * *

٧٧

الآيتان

( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ (66) )

التّفسير

بعد أن وجهت الآيات السابقة النقد لنهج وأسلوب أهل الكتاب ، جاءت هاتان الآيتان وفقا لما تقتضيه مبادئ التربية الإنسانية لتفتحا باب العودة والتوبة أمام المنحرفين من أهل الكتاب ، لكي يعودوا إلى الطريق القويم ، ولتريهم الدرب الحقيقي الذي يجب أن يسيروا فيه ، ولتثمن دور تلك الأقلية من أهل الكتاب التي عاشت في ذلك العصر لكنّها لم تواكب الأكثرية في أخطائها ، فتقول الآية الاولى في البدء :( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ ) .

بل ذهبت إلى أبعد من هذا فوعدتهم بالجنّة ونعيمها ، إذ قالت :( وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) ، وهذه إشارة إلى النعم المعنوية الأخروية.

٧٨

ثمّ تشير الآية الثّانية إلى الأثر العميق الذي يتركه الإيمان والتقوى ـ في الحياة الدنيوية للإنسان ، فتؤكّد أنّ أهل الكتاب لو طبقوا التّوراة والإنجيل وجعلوهما منهاجا لحياتهم وعملوا لكل ما نزل عليهم من ربّهم ، سواء في الكتب السماوية السابقة أو في القرآن ، دون تمييز أو تطرف لغمرتهم النعم الإلهية من السماء والأرض ، فتقول الآية :( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ) .

وبديهي أنّ المراد من اقامة التّوراة والإنجيل هو اتّباعهم لما بقي من التّوراة والإنجيل الحقيقيين في أيديهم في ذلك العصر ، ولا يعني اتّباع ما حرّف منهما والذي يمكن معرفته من خلال القرائن.

والمراد بجملة( ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ ) هو كل الكتب السماوية والأحكام الإلهية ، لأنّ هذه الجملة يفهم منها الإطلاق ، وهي في الحقيقة إشارة إلى النهي عن خلط العصبيات القومية بالوسائل الدينية الإلهية ، فليس المهم كون هذا الكتاب عربيا أو ذلك الكتاب يهوديا ، بل المهم هو الأحكام الإلهية الواردة فيهما وفي كل الكتب السماوية ، أي أنّ القرآن أراد أن يطفئ ـ ما أمكنه ذلك ـ نار العصبية القومية عند هؤلاء ، ويمهد السبيل إلى التغلغل في أعماق نفوسهم وقلوبهم ، لذلك فالضمائر الواردة في هذه الآية تعود إلى أهل الكتاب وهي : (إليهم ، من ربّهم ، من فوقهم ، ومن تحت أرجلهم) وما ذلك إلّا لكي يترك هؤلاء عنادهم وصلفهم ، ولكي لا يتصوروا أنّ الخضوع والاستسلام أمام القرآن يعني استسلام اليهود للعرب ، بل هو استسلام وخضوع لربّهم العظيم.

ولا شك أنّ المراد باقامة التّوراة والإنجيل هو العمل بالمبادئ السماوية الواردة فيهما ، لأنّ جميع المبادئ والتعاليم كما أسلفنا سابقا ـ التي جاء بها الأنبياء أينما كانوا ـ واحدة لا فرق بينها غير الفرق بين الكامل والأكمل ، ولا يتنافى هذا مع النسخ الذي ورد في بعض الأحكام الواردة في الشريعة اللاحقة

٧٩

لأحكام وردت في شريعة سابقة.

* * *

ومجمل القول هو أن الآية الأخيرة تؤكّد مرّة أخرى هذا المبدأ الأساسي القائل بأن اتباع التعاليم السماوية التي جاء بها الأنبياء ، ليس لأعمار الحياة الآخرة التي تأتي بعد الموت فحسب ، بل أنّ لها ـ أيضا ـ انعكاسات واسعة على الحياة الدنيوية المادية للإنسان ، فهي تقوي الجماعات وتعزز صفوفها وتكثف طاقاتها ، وتغدق عليها النعيم وتضاعف امكانياتها وتضمن لها الحياة السعيدة المقترنة بالأمن والاستقرار.

ولو ألقينا نظرة على الثروات الطائلة والطاقات البشرية الهائلة التي تهدر اليوم في عالم الإنسان نتيجة للانحراف عن هذه التعاليم ، وفي صنع وتكديس أسلحة فتّاكة ، وفي صراعات لا مبرر لها ومساع هدامة لرأينا أن ذلك كله دليل حيّ على هذه الحقيقة ، حيث أنّ الثروات التي تستخدم لإشاعة الدمار في هذا العالم ـ إذا أمعنا النظر جيدا ـ إن لم تكن أكثر حجما من الثروات التي تنفق في سبيل البناء ، فهي ليست بأقلّ منها.

إنّ العقول المفكرة التي تسعى وتعمل جاهدة ـ اليوم ـ لإكمال وتوسيع انتاج الأسلحة الحربية ، ولتوسيع بقعة النزاعات الاستعمارية ، إنّما تشكل جزءا مهما من الطاقات البشرية الخلاقة التي طالما احتاجها المجتمع البشري لرفع احتياجاته ، وكم سيصبح وجه الدنيا جميلا وجذابا لو كانت كل هذه الطاقات تستغل في سبيل الإعمار؟

وجدير بالانتباه هنا ـ أيضا ـ إلى أن عبارتي( مِنْ فَوْقِهِمْ ) و( مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ) الواردتان في الآية الأخيرة ، معناهما أن نعم السماء والأرض ستغمر هؤلاء المؤمنين ، ما يحتمل أن تكونا كناية عن النعم بصورة عامّة كما ورد في الآثار الأدبية العربية وغيرها قولهم : (إنّ فلانا غرق في النعمة من قمة رأسه حتى

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

ثم لو فرضنا تصحيح خلافة أبي بكر بالاجماع المزعوم، فكيف تصححون خلافة عمر الذي عيّنه أبو بكر بوصيةٍ منه كتبها عثمان؟!

الشيخ عبد السلام: بديهي بأنّ قول أبي بكر في تعيين عمر بن الخطاب بالخلافة أيضاً مستندٌ إلى إجماع الأمة،لأنهم اجمعوا على طاعته وقبول رأيه، وكان مِن رأيه تعيين عمر للخلافة بعده.

قلت: أوّلاً .. إن كان كذلك، فلماذا ما أطعتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في تعيين خليفته، وهو قد عيّن علياً وصرّح به مرّات وكرّات من يوم الإنذار إلى يوم الغدير وما بعده، ولكنكم ترفضونه بحجّة أنّ اختيار الخليفة وانتخابه من حق الأمة وأنّ نصوص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في عليّ بن أبي طالب كانت ارشادية، هذا مع أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان دائماً يحذّر الناس من مخالفة أمره ومخالفة الامام عليعليه‌السلام ، حتى أننا نرى في بعض الأحاديث المرويّة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتبكم، يصرِّحُ بأنّ مخالفة عليّ كفر، وبغضه نفاق، وطاعته إيمان.

ثانياً: بأي دليلٍ عقليّ أو نقليّ تقولون بأنّ قول الفرد المنصوب بالاجماع، لا سيما في تعيين خليفته، يكون قولهُ لازماً وماضياً على الناس! فإنّ هذا الأمر يخالف سيرة أهل العالم لا سيّما العقلاء منهم. ولكي تعرفوا ذلك فطالعوا الكتب المدوّنة في قوانين الدول والانتخابات.

ثالثاً: إنْ كان كلامكم صحيحاً، فلماذا لم يعمل عمر بن الخطاب على ما خطّه أبو بكر، بل قام بإبداع طريقةٍ جديدة تخالف مبنى وأساس خلافته وخلافة أبي بكر من قبله. فانّ الشورى الذي شكله عمر من ستة أفراد، لا يشابه مجالس الشورى البشريّة، ولا يشابه الإنتخابات الجمهورية، بل أقرب ما يكون إلى الاستبداد والديكتاتورية،

٨٨١

وهنا شاط الشيخ عبد السلام ولاح الغضب في وجهه فصاح:

نحن لا نسمح لكم بهذا الكلام، والمسّ من شخصيّة الفاروق، إلّا أنْ تأتوننا بدليل وبرهان.

قلت: ما ذكره المؤرخون في وصية عمر لأبي طلحة الأنصاري في تشكيل ورجحان الكفّة التي فيها عبد الرحمن بن عوف دليل ساطع وبرهان لامع على ما قلنا، لأنّه كان يعرف أنّ عبد الرحمن بن عوف يميل إلى عثمان وأنّ سعد بن أبي وقاص حاقدٌ على أبي الحسن وحاسدٌ له، فلا يميل إلى جانبهعليه‌السلام ، فضمن عمر خلافة عثمان بهذه السياسة والكياسة وسمّاها شورى وما هي بشورى(١) !

____________________

١) ذكر ابن ابي الحديد قصة الشورى في شرح نهج البلاغة ج ١/١٨٨ ط إحياء التراث العربي، قال: وصورة هذه الواقعة أنّ عمر لما طعنَهُ أبو لؤلؤة، وعلم أنّه ميت.. قال: إنّ رسول الله مات و هو راض عن هذه الستة من قريش: عليٌّ و عثمان و طلحة و الزبير و سعد و عبد الرحمن بن عوف و قد رأيتُ أن أجعلها شورى بينهم ليختاروا لأنفسهم

ثم قال ادعوا إلي أبا طلحة الأنصاري فدعوه له فقال انظر يا أبا طلحة إذا عدتم من حفرتي فكن في خمسين رجلاً من الأنصار حاملي سيوفكم فخذ هؤلاء النفر بإمضاء الأمر و تعجيله و اجمعهم في بيت و قفْ بأصحابك على باب البيت ليتشاوروا و يختاروا واحداً منهم فإنْ اتّفق خمسة و أبى واحدٌ فاضرب عنقه و إنْ اتفق أربعة و أبى إثنان فاضرب عنقيْهما و انْ اتّفق ثلاثة و خالف ثلاثة فانظر الثلاثة التي فيها عبد الرحمن فارجع الى ما قد اتفقت عليه فإنْ أصرّت الثلاثة الأخرى على خلافها فاضرب أعناقهم و إن مضت ثلاثة أيام و لم يتفقوا على أمرٍ فاضرب أعناق الستة و دع المسلمين يختاروا لأنفسهم.

أقول: إذا لم نسمي هذا الأمر القاطع والحكم الصادر من الخليفة في شأن أصحاب الشورى بالهمجيّة والدكتاتورية، فماذا يُسمّى؟!

«المترجم»

٨٨٢

شورى.. أم ديكتاتورية!!

ولنا أن نعترض على حكم عمر وتفويضه الأمر النهائي إلى عبد الرحمن بن عوف، ونتساءل: بأي ملاك وعلى أي استناد شرعي وعرفي وعقلي ونظري يكون رأي ابن عوف مقدَّماً على رأي الآخرين وأصوب؟ وكيف يكون رأي الثلاثة الذين فيهم ابن عوف نافذاً، والثلاثة الأخرى ان لم توافق فمصيرهم القتل والاعدام؟!

ومن دواعي التعجب والإستغراب، تقديم رأي عبد الرحمن بن عوف على رأي أبي الحسن علي بن أبي طالبعليه‌السلام في مثل هذا الأمر، مع روايتهم حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليٌّ مع الحق والحق مع علي.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليٌّ فاروق هذه الأمة يفرِّق بين الحق والباطل.

وقد روى الحاكم في المستدرك، وأبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء، والطبراني في الأوسط، وابن عساكر في تاريخه، والعلّامة الكنجي في كفاية الطالب، والمحب الطبري في الرياض النضرة، والحمويني في فرائد السمطين، وابن أبي الحديد في شرح النهج، والسيوطي في الدرّ المنثور، عن ابن عباس، وسلمان، وابي ذر، وحذيفة، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب، فإنّه أول من يصافحني يوم القيامة، و هو الصدّيق الأكبر و هو فاروق هذه الأمة يفرِّقُ بين الحق و الباطل و هو يعسوب المؤمنين(١) .

____________________

١) أيها القارئ الكريم لقد ورد هذا الحديث في كتب المحدثين ومسانيدهم المعتبرة =

٨٨٣

. . . . .

____________________

= وأذكرُ لك بعضها من العامّة وأعلام السُنّة حتى تسكن بها نفسك ويطمئن قلبك، منها:

الإصابة لابن حجر: ج ٧/ القسم الاول ص ١٦٧ قال: وأخرج أبو أحمد وابن مندة وغيرهما من طريق إسحاق بن بشر الأسدي عن خالد بن الحارث عن عوف عن الحسن عن ابي ليلى الغفارية قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالزموا علي بن ابي طالب، فإنه أول من آمن بي و أول من يصافحني يوم القيامة و هو الصديق الأكبر و هو فاروق هذه الأمة و هو يعسوب المؤمنين و المال يعسوب المنافقين.

وذكره ابن عبد البر أيضاً في الاستيعاب:ج ٢/٦٥٧، وابن الأثير أيضاً في اُسد الغابة: ج ٥/ ٢٨٧.

وفي مجمع الزوائد: ج ٩ /١٠٢ قال: وعن أبي ذر وسلمان قالا: أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد عليعليه‌السلام فقال: إنّ هذا أول من آمن بي وهذا أول من يصافحني يوم القيامة و هذا الصديق الأكبر و هذا فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل، و هذا يعسوب المؤمنين و المال يعسوب الظالمين.

ورواه الطبري والبزار عن ابي ذر وحده، وذكره المناوي أيضاً في القدير في الشرح: ج ٤/٣٥٨، والمتقي في كنز العمال: ج ٦/١٥٦، وقال: رواه الطبراني عن سلمان وابي ذر معاً والبيهقي وابن عدي عن حذيفة. وفي الرياض النضرة للمحب الطبري: ج ٢/١٥٥ قال: وعن أبي ذر قال: سمعتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعليعليه‌السلام : أنت الصديق الأكبر و أنت الفاروق الذي تفرق بين الحق والباطل. (قال): وفي رواية وأنت يعسوب الدين. قال: خرّجهما الحاكم.

وهناك مصادر اخرى كثيرة ذكرت بعضها في تعليقاتنا السابقة، وأكتفي بما ذكرت فإنّ فيها الكفاية لمن اراد الحق والهداية.

«المترجم»

٨٨٤

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث مشهور لعمار بن ياسر - ونقلتُهُ لكم بإسناده وذكرت مصادره من كتبكم في الليالي الماضية - قالصلى‌الله‌عليه‌وآله :

يا عمار! إنْ سلكَ الناس كلّهم وادياً و سلكَ عليٌّ وحده وادياً، فاتّبع علياً و خَلِّ عن الناس، يا عمار! عليٌّ لا يردك عن هدىً، و لا يدلَّكَ على ردى يا عمار! طاعةُ عليّ طاعتي، و طاعتي طاعةُ الله.

مع هذا كله يقدّم عمرُ عبدَ الرحمن بن عوف على الإمام عليّعليه‌السلام ويقدّم رأيه على رأي أمير المؤمنين سلام الله عليه، وهذا من أفَحش الظلم في حق الإمام أبي الحسنعليه‌السلام .

كل عاقل منصف، له أدنى إلمام بأمور الدولة والسياسة، يعرف سريرة عمر وغرضه من هذا الأمر، وهو الإطاحة بعليّعليه‌السلام وخذلانه والسعي لتنزيل مقامه الشامخ، ومكانه العليّ.

وكل من له إطّلاع وباع في كتب الرجال والأصحاب من قبيل الإصابة والاستيعاب، وحلية الأولياء وأمثالها، يعرف جيّداً أن علياًعليه‌السلام لا يُقاس بعبد الرحمن، وأعلا من سائر أعضاء الشورى في الفضل والمناقب وفي المنزلة والمقام، وأنتم أيها الحاضرون!

راجعوا كتب الحديث والتواريخ والمناقب وطالعوها وأنصفوا وفكروا ثم احكموا في رأي عمر وتعيينه عبد الرحمن حَكَماً في الشورى، وترجيح رأيه على الآخرين بما فيهم علي بن أبي طالبعليه‌السلام !

والله ما كانت الشورى العُمَريَّة إلّا لعبةً سياسية ومؤامرة تحزّبيّة من مناوئي الإمام عليّعليه‌السلام ومخالفيه، ليحرموه عن حقّه ويبعدوه من مقامه للمّرة الثالثة!!

فالخلفاء «الراشدون عندكم » نالوا الخلافة وتوصّلوا إليها بأربعة

٨٨٥

طرق، كل واحد منهم وصل إلى الخلافة بشكل خاص وطريقة تخصّه، فلا ندري أي طريقة منها وأي شكل من الأشكال مراد الله سبحانه ومقتضى شريعته ودينه! فإن تعيّنوا شكلاً واحداً، فالأشكال الأخرى باطلة، وإن تقولوا: كل هذه الطرق والأشكال صحيحة وشرعية، نعرِفْ أنكم لا تلتزمون لتعيين الخليفة والحاكم الشرعي، بطريق ثابت وقانون معيَّنٍ معلوم.

وأنتم الحاضرون ولا سيما العلماء الكرام، اذا تركتم التعصُّب والإنحياز الى مذهب أسلافكم ومُعتَقَد آبائكم، ونظرتم إلى الحوادث والقضايا بعين الإنصاف والعدالة، وَبنظر التحقيق والدّلالة، لعرفتم أنّ الحق غير ما تلتزمون به وتعتقدونه.

الشيخ عبد السلام: نعم ولكن لو أمعنّا النظر وتعمّقنا في الموضوع على أساس بيانكم وغرار كلامكم، فإنّ خلافة سيدنا علي بن أبي طالب تتزلزل أيضاً، لأنّ الناس نصبوه للخلافة وبايعوه هم الذين بايعوا من قبله مِن الخلفاء الثلاثة الراشدين، ولا فرق بينه وبينهم.

خلافة الإمام عليعليه‌السلام منصوصة

قلت: هذا الإشكال يرد على مَنْ يعتقد بأن خلافة الإمام عليعليه‌السلام ومشروعيّتها لاجماع الناس في المدينة بعد مقتل عثمان على خلافة الإمام وبيعتهم له، ولكنّا نعتقد بالدليل والبرهان أنّ خلافة الإمام عليعليه‌السلام منصوصة من الله سبحانه بالأحاديث المكرّرة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو الخليفة الشرعي بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرة وإنْ

٨٨٦

غصبوا حقه وأزالوه عن مقامه طيلة سنين عديد. وحيث لم يجد أعواناً وأنصاراً لإحقاق حقه، أمسى جليس الدار صابراً محتسباً، حتى أجمع الناس على بيعته بعد مقتل عثمان وألُّحوا وأصرَّوا عليه، فقبل منهم البيعة وتعهّد ادارة أمور المسلمين.

وقد بيّنا في المجالس السابقة وذكرنا لكم النصوص المرويّة في كتبكم ومسانيدكم المعتبرة، في تعيين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً خليفته على الأمّة، وإنْ نسيتم حديثنا في موضوع الغدير وإمامة عليّعليه‌السلام وخلافته، فراجعوا الصحف والمجلّات التي نشرت حوارنا ومجالسنا السابقة، فقد استدللنا وأثبتنا ولاية عليّعليه‌السلام وخلافته الشرعيّة بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وإضافةً إلى تواترها في كتب الشيعة فقد ذكرنا عشرات المصادر لها من كتب أعلامكم ومسانيد علمائكم، فالأحاديث التي ذكرناها في إثبات ولاية الإمام عليعليه‌السلام وخلافته متفق عليها وصحيحة بإجماع الشيعة والسُنة.

ولكن لا يوجد حتى حديث واحد متَّفق على صحّته بين الفريقين في ولاية وخلافة الثلاثة قبل الإمام عليّعليه‌السلام ، أو في خلافة أحد الأمويين أو العباسيين.

الشيخ عبد السلام: لقد ورد عندنا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: أبو بكر خليفتي في أمتي.

قلت: أولاً هذا الحديث غير مقبول عندنا ولم يروه أحدٌ من علماء الشيعة، فضار غير متفق عليه.

ثانياً: لقد ذكرنا أقوال بعض أعلامكم في بطلان الأحاديث الموضوعة في فضل أبي بكر ومناقبه، وإضافةً على ما مضى أنقلُ لكم

٨٨٧

قول أحد كبار علمائكم ومشاهير أعلامكم، وهو الشيخ مجد الدين الفيروز آبادي صاحب كتاب القاموس في اللغة، قال في كتابه «سفر السعادة » : إن ماورد في فضائل أبي بكر، فهي من المفتريات التي يَشهد بديهة العقل بكذبها.

خلافة عليّعليه‌السلام أقرب إلى الإجماع من خلافة غيره

ولا يخفى على من تدبّر في تاريخ الخلافة، أنّ خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام كانت أقرب الى الاجماع من خلافة الثلاثة قبله، والذين استولوا على الخلافة بعدَه من الأمويين والعباسيين.

فقد بيَّنا عدم تحقق الإجماع في الخلفاء الذين تولَّوا الأمر قبل الإمام عليّعليه‌السلام وكذلك الذين جاءوا بعده، فلم يتحقق إجماع الأمة لأحدهم، والتاريخ يشهد على ذلك ولكن تحقَّقَ للإمام عليعليه‌السلام ما يقرب من الإجماع، فإن الّذين بايعوه بعد مقتل عثمان كانوا عامة أهل المدينة إلّا من شذّ، وهم أقلّ من عدد الأصابع، وإضافة على أهل المدينة، فقد بايعه جمعٌ كثير من أهالي الأمصار الذين كانوا يتوبون عن أهل بلادهم وقومهم، وهم الذين أقبلوا من البصرة والكوفة ومن مصر وغيرها من بلاد الإسلام ونزلوا المدينة، فقد بايعه جمعٌ كثير من أهالي الأمصار الذين كانوا ينوبون عن أهل بلادهم وقومهم، وهم الذين أقبلوا من البصرة والكوفة ومن مصر وغيرها من بلاد الإسلام ونزلوا المدينة المنوّرة، ليعزلوا عثمان عن الخلافة، أو يصلحوه ويصلحوا شأنه ودولته. فلما قتل عثمان، أجمعوا على بيعة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

ولا يخفى أنّ المجتمعين يومئذٍ في المدينة المنورة، والذين أجمعوا على بيعة الإمام عليّعليه‌السلام ، كانوا زعماء القوم وأهل الحلّ والعَقْد في أمصارهم وشيوخ أهل بلدانهم.

٨٨٨

والجدير بالذكر، أنّنا مع تحقُّق هذا الأمر - الذي كان أقرب شيء إلى الاجماع - لم نجعله دليلاً على خلافة الإمام عليعليه‌السلام .

وإنما الدليل الثابت عندنا والبرهان المثبت لخلافة مولانا وسيدنا الإمام عليّعليه‌السلام هو النصّ الإلهي في القرآن الحكيم وصريح حديث النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو مطابقٌ لسيرة جميع الرسل والأنبياء الذين كانوا يُعيِنون أوصياءهم وخلفاءهم بأمر الله سبحانه.

ثالثاً: قلتم لا فرق بين أبي الحسن أمير المؤمنين وبين الخلفاء قبله. فلا أدري هل تنطقون بهذا الكلام عن جهل أو تجاهل؟ لأنّ الأدلّة العقلية والنقليّة والشواهد التاريخيّة والحسيّة كلها قائمة على أنّ علياًعليه‌السلام يمتاز عن الخلفاء بل عن كل البشر. فلا يُقاس به أحد.

امتيازات الإمام عليّعليه‌السلام

كل من يطالع تاريخ حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام من حين ولادته في بطن الكعبة، إلى استشهاده في سبيل الله في حال العبادة والصلاة في وسط المحراب في مسجد الكوفة، وينظر بنظر التحقيق والتدقيق في جهاده ومواقفه، وفي خطبه وكلماته، وفي حركاته وسكناته، وفي خوضه الحوادث وانزوائه ...، لا يشك في أنّهعليه‌السلام كان شخصية متميزة وفريدة ومن نوادر التاريخ وأعظم نوابغ البشر، لذلك نرى جميع المسلمين وأكثر أعلامكم وكبار علمائكم إلّا من شذّ - وهم من الخوارج والنواصب من الأمويين والبكريين - قالوا: بأفضليته ممن سواه بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك استناداً إلى الحديث الشريف المروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقه أنقله لكم مضافاً إلى ما رويته

٨٨٩

من كتب أعلامكم في الليالي الماضية في فضائله ومناقبهعليه‌السلام .

رَوى أحمد بن حنبل في مسنده، والموفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب، والعلّامة الهمداني في مودّة القربى، والحافظ أبو بكر البيهقي في السنن وغيرهم عن طرق شتى وعبارات متفاوتة في الألفاظ والمعنى واحد، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: عليٌّ أعلمكم وأفضلكم وأقضاكم والرادُّ عليه كالرادّ عليَّ، والرادِّ كالرادّ على الله، وهو على حَدِّ الشرك بالله.

وقال ابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة / بعد ذِكره أقوال المشاهير تحت عنوان (القول فيما يذهب إليه أصحابنا المعتزلة، في الإمامة والتفضيل) قال: و أمّا نحن فنذهب إلى ما يذهب إليه شيوخنا البغداديون، من تفضيلهعليه‌السلام و قد ذكرنا في كتبنا الكلامية ما معنى الأفضل و هل المراد به الأكثر ثواباً أو الأجمع لمزايا الفضل و الخصال الحميدة؟ و بينّا أنّهعليه‌السلام أفضل على التفسيرين معاً.

وهنا ارتفع صوت المؤذّن لصلاة العشاء، وبعد الفراغ من الصلاة، شربنا الشاي، وتناولنا الفاكهة، ثمّ شرعنا في الحديث:

أصول الفضل والكمال

قلت: تعقيباً لكلام ابن أبي الحديد، أطرح عليكم هذا السؤال: ما هي رؤوس الفضل وأصول الكمال عندكم؟؟

الشيخ عبدالسّلام: - بعد أنْ أطرق برأسه مليّاً، رفعها وقال -: هي كثيرة ولكن أهمها بعد الإيمان بالله وبرسوله، النسب الطاهر وطيب المولد والمنبت، والعلم والتقوى.

٨٩٠

قلت: أحسنت يا شيخ، فلنبحث في هذه الأمور التي أشرْتَ إليها ونحن نوافقكم على أنّ هذه الثلاثة من أمهات الفضائل والكمالات البشرية. ولا ننكر أنّ بعض الصحابة كانت فيهم خصائص وخصال حميدة، ولكن مَنْ كان جامعاً لهذه الصفات الثلاثة التي أشرتم إليها بأنّها أمهات الفضائل وأصول الكمال، فهو أفضلهم وأكملهم، وبحكم العقل والعقلاء يكون أحق بالخلافة من سائر الصحابة.

طهارة نسب ومولد الإمام عليعليه‌السلام

أمّا في النسب والمولد فلا يشك أحدٌ بأنّ الإمام عليّعليه‌السلام أشرف الصحابة في النسب، وأفضلهم في المولد والمنبت، لأنّه يساوي النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك(١) ، فأمّا النسب فواضح، وأما المنبَت فقد ذَكَر

____________________

١) روى الحافظ الشيخ سليمان القندوزي والحنفي في كتابه «ينابيع المودة» الباب الثاني في شرف آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونقل روايات كثيرة في الموضوع وكلها من كتب العامّة منها، قال: وفي الشفاء عن عائشة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أتاني جبرئيل فقال: قَلَّبْتُ مشارق الأرض ومغاربها، فلم أرَ رجلاً أفضل من محمد، ولم أر ابن أبِ أفضل من بني هاشم، أخرجه في المناقب والمخلص المذهبي والمحاملي وغيرهم.

أقول: وقال الإمامعليه‌السلام في نهج البلاغة خطبة ٩٤: حَتَّى أَفْضَتْ كَرَامَةُ الله سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى إِلَى مُحَمَّدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله فَأَخْرَجَهُ مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً وَ أَعَزِّ الْأَرُومَاتِ مَغْرِساً مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَهُ وَ انْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَهُ عِتْرَتُهُ خَيْرُ الْعِتَرِ وَ أُسْرَتُهُ خَيْرُ الْأُسَرِ وَ شَجَرَتُهُ خَيْرُ الشَّجَرِ نَبَتَتْ فِي حَرَمٍ وَ بَسَقَتْ فِي كَرَمٍ لَهَا فُرُوعٌ طِوَالٌ وَ ثَمَرٌ لا يُنَالُ الخ.

وقال الشيخ صالح التميمي (رحمه الله): =

٨٩١

المؤرخون كلهم أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد وفاة جدّه عبد المطلب، انتقل إلى بيت أبي طالب وكان عمره الشريف يومئذٍ ثمان سنين، فتكفّله عمّه ورعاه أتمّ وأجمل رعاية.

فكما حارت العقول في شخصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وحقيقته، بهرت العقول أيضاً في شخصيّة عليّ وحقيقته، حتى أنّ المتعصّبين من أعلامكم مثل علاء الدين القوشجي، والجاحظ وهو يعدّ من النواصب، وسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني، وغيرهم قالوا: إنّنا حيارى ولا ندري كيف نفسِّر كلام علي بن أبي طالب إذ يقول: نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد.

____________________

=

غاية المدح في عُلاك ابتداءٌ

ليت شعري ما تصنع الشعراء

يا أخا المصطفى وخيرَ ابن عم

وأمير إنْ عُدَّتِ الأمراء

معدن الناس كلها الأرض لكن

أنت من جوهر وهم حصباء

وقال آخر:

خير البريّة بعد أحمد حيدرٌ

الناسُ أرضٌ والوصيُّ سَماء

ويقول آخر:

حاشاك أنْ تسمو إليك سماء

أنت الفضاء وما سواك هباء

ومتى يحلِّق نحوك العظماء؟

والسرِّ أنتَ وغيرُكَ الأسماء

أوَلستَ ساقي الحوض أنت وقاسم الـ

جنّات والنيران كيف تشاء؟؟

هذا غيض من فيض قريحة الشعراء وشعورهم في حقهعليه‌السلام ، ولكن ما لنا والقول والشعراء والبلغاء بعد أن نطق الخالق العزيز بمدحه وتفضيله وجعله نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في آية المباهلة، وأطلق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه ذلك كرّات ومرات وقال: عليٌ كنفسي. ولا شك أنّ خير الكلام كلام الله، وخير الحديث حديث أشرف الخلق محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

«المترجم»

٨٩٢

وقالعليه‌السلام أيضاً في الخطبة الثانية من نهج البلاغة:

لا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ أَحَدٌ وَ لا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً ، هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ وَ عِمَادُ الْيَقِينِ، إِلَيْهِمْ يَفِيءُ الْغَالِي، وَ بِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي، وَ لَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلايَةِ، وَ فِيهِمُ الْوَصِيَّةُ وَ الْوِرَاثَةُ، الآْنَ إِذْ رَجَعَ الْحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ، وَ نُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ(١) .

واعلموا أنّ اعتقاد كثير من كبار علماء السُنّة وأعلامهم في الإمامعليه‌السلام هو كذلك.

فقد روى العلّامة الهمداني في كتابه مودّة القربى / المودّة السابعة عن أبي وائل عن ابن عمر (رض) قال: كنّا إذا عددنا أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قلنا أبو بكر وعمر وعثمان. فقال [له] رجل: يا أبا عبدالرحمن، فعليٌ ما هو؟ قال: عليٌ من أهل البيت لا يُقاس به أحد هو مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في درجته.

وروى العلّامة الهمداني أيضاً عن أحمد بن محمد الكرزي البغدادي قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبي عن التفضيل فقال: أبو بكر وعمر وعثمان، ثم سكت. فقلت: يا أبتِ أين علي بن أبي طالب؟ فقال هو من أهل البيت، لا يقاس به هؤلاء.

أقول : والذي يدلّ على أنّ هؤلاء وغيرهم من الصحابة لا يقاسون به، أنّهعليه‌السلام كرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خُلق في عالم الأنوار قبل أن يظهر في عالم الأكدار، والفرق بينهما كالفرق بين السماء والأرض.

____________________

١) فقد خطب هذه الخطبة بعدما بويعَ بالخلافة.

٨٩٣

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليُّ عليه‌السلام من نور واحد

رَوَى جماعة من الأعلام والحفّاظ من علمائكم، منهم أحمد بن حنبل في المسند، والشيخ محمد بن طلحة العدوي القرشي في كتاب مطالب السئول، والحافظ ابن المغازلي الفقيه الشافعي في كتابه المناقب / حديث رقم ١٣٠ / بسنده عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: كنت أنا و علي بن أبي طالب نوراً بين يدي الله مِنْ قبل أنْ يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلمّا خلق الله تعالى آدم ركَّبَ ذلك النور في صلبه فلم يزل في نورٍ واحد حتى افترقنا في صلب عبدالمطلب، ففيَّ النبوّة وفي عليّ الخلافة.

وقد فتح العلّامة الهمداني باباً في كتابه مودّة القربى بعنوان / المودّة الثامنة في أنّ رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلياً من نور واحد، وأُعطي عليٌّ من الخصال ما لم يُعطَ أحدٌ من العالمين.

فنقل أخباراً كثيرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بطرقٍ شتى، منها ما رواه عن عثمان بن عفّان عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: خُلِقتُ أنا و عليٌّ من نور واحد قبل أن يخلُقَ الله آدم بأربعة آلاف عام، فلما خلق الله تعالى آدم ركّب ذلك النور في صلبه، فلم يزل شيئاً واحداً حتى افترقنا في صلب عبدالمطلب، ففيَّ النبوّة وفي عليّ الوصيّة.

ورَوى أيضاً عن عليّعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ! خَلَقني الله وخلقكَ من نوره، فلما خلق آدمعليه‌السلام أودَعَ ذلك النور في صلبه، فلم نزل أنا وأنت شيئاً واحداً ثم افترقنا في صلب عبدالمطلب، ففيَّ النبوّة وفيك الوصيّة والإمامة.

٨٩٤

ونَقَل ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج ٩ / ١٧١ ط. دار إحياء التراث / الخبر الرابع عشر: «كنت أنا و عليٌّ نوراً بين يدي الله عزّ و جلّ قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلمّا خَلَقَ آدم قسَّم ذلك فيه وجعله جزأيْن، جزء أنا و جزء عليٌّ » قال ابن أبي الحديد: رواه أحمد في المسند وفي كتاب فضائل عليّعليه‌السلام ، وذكره صاحب كتاب الفردوس، وزاد فيه: « ثم انتقلنا حتى صرنا في عبد المطلب، فكان لي النبوّة ولعليّ الوصيّة ».

وروى الحافظ القندوزي في كتابه ينابيع المودّة في الباب الأول روايات كثيرة في الموضوع عن جمع الفوائد، ومناقب ابن المغازلي وعن الفردوس للدليمي وفرائد السمطين للحمويني ومناقب الخوارزمي نعم روى المؤيّد الخوارزمي في الفصل الرابع من كتابه المناقب وأيضاً في الفصل الرابع من كتابه مقتل الحسينعليه‌السلام روايات شتى في الموضوع.

وكذلك روى في الموضوع سبط ابن الجوزي في التذكرة / ٥٠ ط. مؤسسة أهل البيت بيروت، وابن الصبّاغ المالكي في كتابه الفصول المهمّة، والعلّامة الكنجي الشافعي في كتاب كفاية الطالب / الباب ٨٧ نقل عن محدِّث الشام ابن عساكر وعن محدِّث العراق وعن معجم الطبراني بإسنادهم بطرق شتى وعنوانه (الباب السابع والثمانون: في أنّ علياً خُلق من نور النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ) وحيث أنّ الروايات في الموضوع منقولة بألفاظ شتى وكلمات مختلفة والمعنى واحد، فأقول: ربما صدرت الروايات من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيان هذا الموضوع كرّات ومرّات عديدة لأهمّيته.

٨٩٥

أجداد الإمام عليعليه‌السلام وآباؤه مؤمنون

ولقد ثبت أنّ أجداد الإمام عليّعليه‌السلام كلهم كانوا مؤمنين ولم يشركوا بالله طرفة عين، فانّ الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة التي حملته وتناقلته هي الأصلاب والأرحام التي حملت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد طهّرها الباري عزّ وجلّ من دَرَن الشرك وأقذار الجاهليّة، فهو عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن نضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أدّ بن أدد بن اليسع بن الهميس بن نبت، بن سلامان بن حمل بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الله بن تارخ بن تاحور بن شاروع بن أرغو بن تالغ بن عابر بن شالح بن ارفخشد بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوه بن بارد بن مهلائل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم أبي البشرعليه‌السلام هؤلاء كلهم كانوا مؤمنين بالله تعالى، يعبدونه ولا يُشركون به شيئاً.

الشيخ عبد السلام: ولكنّ القرآن الحكيم يصرّح بخلاف هذا الكلام، فقد قال تعالى في سورة الأنعام آية ٧٤:( وَ إِذْ قالَ إبراهيم لابيهِ آزَرَ أَ تَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَ قَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) .

آزر عم إبراهيمعليه‌السلام

قلت: كلام الشيخ واصل اليه من أسلافه، وهم لمـّا رأوا نَسب شيوخهم وزعمائهم من الصحابة ينتهي إلى الكفر والشرك، أرادوا دفع

٨٩٦

هذا النقص ورفع العيب عنهم، فتفوّهوا بهذا الكلام وعابوا على خير الأنام، وقال بأنّ آزر أبا إبراهيم الخليل كان يعبد الأصنام، وكلكم تعلمون أنّ علماء الأنساب أجمعوا على أنّ والد إبراهيم الخليلعليه‌السلام كان تارخ، وآزر كان عمه.

الشيخ عبد السلام - متعجباً -: إنّكم تقابلون القرآن الحكيم بكلام علما الأنساب!! فإنّ الله سبحانه يصرِّح بأنّ آزر أبا إبراهيم كان يعبد الأصنام ونحن نأخذ بظاهر القرآن ونترك قول من خالفه، لأنّ الظاهر نصٌّ وخلافه اجتهاد.

قلت: نحن لا نجتهد في مقابل النصّ، وإنّما نقابل النصّ بالنصّ ونستخرج المعنى المعقول المفهوم من النَّصَّيْن، فإنّ القرآن في كثير من الأمور يفسّر بعضُهُ بعضا. وما اشتبه علينا تفسيره فنرجع به إلى قول العترة الهادية الذين عيَّنهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لذلك إذ قال: إنّي تاركٌ فكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي.

وهم قالوا بأنّ آزر كان عم إبراهيم الخليل، فلما توفّي تارخ والد ابراهيم، تزوّجت أمُّهُ بآزر، فكان إبراهيم يناديه بالأب، وهو شيءٌ شائع في العرف.

الشيخ عبدالسلام: نحن لا نترك ظاهر الآية الشريفة:( وَ إِذْ قالَ إبراهيم لأبيهِ آزَرَ ) إلّا أن تأتوا بآية من القرآن الحكيم تفسّر كلمة الأب بالعم، وهذا لا يوجد في القرآن.

قلتُ: لا تنفي ذلك، لأنّ علمك ناقص بمفاهيم القرآن الحكيم، وما تجهله من هذا الكتاب العظيم أكثر مما تعلمه.

ولكي يتّضح لك أنّ كلمة الأب جاءت بمعنى العم في القرآن

٨٩٧

الحكيم، فراجع سورة البقرة / الآية ١٣٣ في قوله تعالى:

( إِذْ قال (١) لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ إبراهيم وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِلهاً واحِداً ) .

الشاهد والدليل في الآية «اسماعيل » لأنه كان عم يعقوب واسحاق هو أبو يعقوب. ولكنّ أولاد يعقوب عَدُّوا إسماعيل أباً ليعقوب في عداد أبويه إبراهيم وإسحاق.

دليل آخر

وعندنا دليل آخر من القرآن الحكيم في أنّ آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كلهم كانوا مؤمنين بالله يسجدون له وحده ويعبدونه إلهاً واحداً وهو قوله تعالى مخاطباً لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَ تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) (٢) روى الحافظ الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع لمودّة / الباب الثاني / وغيره أيضاً من علمائكم رووا عن ابن عباس حَبر الأمّة وهو مَن تَعلمون مقامه من المفسرين، قال: اي تقلّبهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أصلاب الموحّدين، نبيٌّ إلى نبيّ ، حتّى أخرجه الله من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم.

وروى العلّامة القندوزي حديثاً آخر في الباب ورواه أيضاً جمعٌ من علمائكم منهم الثعلبي في تفسيره، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أهبطني الله إلى الأرض في صلب آدم وجعلني في صلب نوح في السفينة وقذف بي في صلب إبراهيم ثم لم يزل الله ينقلني من

____________________

١) أي: إذ قال يعقوب.

٢) الشعراء، الآية ٢١٩.

٨٩٨

الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة حتّى أخرجني من بين أبوين لم يلتقيا على سفاح قطّ.

وفي رواية أخرى قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لم يدنّسني بدَنَس الجاهلية.

وروى القندوزي أيضاً في الباب الثاني قال: وفي كتاب أبكار الأفكار للشيخ صلاح الدين بن زين الدين الشهير بابن الصلاح (قدّس سرّه) قال جابر بن عبدالله الأنصاري (رضي الله عنهما) سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن أول شيء خلقه الله تعالى، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : هو نور نبيك يا جابر - والرواية مفصلة وطويلة لا مجال لذكرها كلها، وجاء في آخرها - : وهكذا ينقل الله نوري من طَيِّب إلى طيب، ومن طاهر إلى طاهر إلى أن أوصله إلى صلب أبي عبد الله بن عبد المطلب، ومنه أوصله الله إلى رحم أُمي آمنة، ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين وخاتم النبيين، ومبعوثاً إلى كافّة الناس أجمعين ورحمةً للعالمين وقائد الغر المحجَّلين، هذا كان بدء خِلْقة نبيّك يا جابر.

ثم قال القندوزي: وفي شرح الكبريت الأحمر للشيخ عبد القادر روى الحديث المذكور عن جابر بن عبد الله أيضاً إلى آخره.

فقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وهكذا ينقل الله نوري من طَيِّب إلى طيب، ومن طاهر إلى طاهر، دليلٌ على أنهم كانوا مؤمنين بالله و موحّدين له. فبرّأهم الله تعالى من الكفر والشرك، إذ يقول الله سبحانه:( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) (١) .

وكذلك روى القندوزي في الباب الثاني من ينابيع المودّة عن ابن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: ما ولدني في سفاح الجاهلية شيءٌ وما

____________________

١) التوبة، الآية ٢٨.

٨٩٩

ولدني إلّا نكاحٌ كنكاح الاسلام.

وفي نهج البلاغة / خطبة رقم ٩٤ يصف بها الأنبياء الكرام لا سيّما خاتمهم وسيدهم، فقال: فاستودعهم في أفضل مُستَودَع و أقرّهم في خير مستقر. تناسختهم [ تناسلتْهم ] كَرائمُ الأصلاب إلى مطهَّرات الأرحام حتى أفضَتْ كرامة الله سبحانه وتعالى إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخرجه من أفضل المعادن منبتاً، و أعَزّ الأرومات مغرساً، من الشجرة التي صَدَعَ منها أنبياءَه و انتجب منها أمناءَه.

ولو أردنا جمع الأخبار والروايات الواردة عن طرقنا وطرقكم لبلغ مجلّداً ضخماً، ولكن في المنقول كفاية لمن أراد الهداية واتباع الحق، فإنّ الحق الذي يظهر من هذه الروايات والآيات يدلّ على أن آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأجداده كانوا موحّدين لله سبحانه مؤمنين به عزّ وجلّ، ومنه يثبت هذا الأمر لعليّ بن ابي طالبعليه‌السلام أيضاً، لأنهما صلوات الله عليهما وآلهما من شجرة واحدة ونور واحد، كما تواتر عن طرق الشيعة ورواه أيضاً كثيرٌ من أعلامكم وكبار علمائكم أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أنا وعليٌ من شجرة واحدة وسائر الناس من شجر شتّى.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : خُلِقْتُ أنا وعليٌّ من نور واحد.. الخ، وقد ذُكرِ بعض مصادره من كتب اعلامكم.

فبحكم العقل ورأي العقلاء، فإنّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام أحق من غيره بخلافة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأنه أقرب الناس إليه في المقام والمنزلة، مع هذه المشابهات والمقارنات بينهماعليهما‌السلام (١) .

____________________

١) من المناسب نقل بعض الأبيات من قصيدة بليغة في الموضوع للمرحوم الشيخ علي الشفهيني الحلي من أعلام القرن السادس الهجري: =

٩٠٠

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199