مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور5%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 278543 / تحميل: 5467
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

وعن الصادق عن آبائه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: ( تُكلِّم النارُ يوم القيامة ثلاثة: أميراً، وقارئاً، وذا ثروةٍ من المال، فتقول للأمير: يا مَن وهَبَ اللّه له سلطاناً فلَم يعدل، فتزدَرِدَه كما يَزدَرِدَ الطير حبّ السمسم.

وتقول للقارئ: يا مَن تزَيّن للناس وبارَز اللّه بالمعاصي فتزدرده.

وتقول للغني: يا من وهب اللّه له دنيا كثيرةً واسعةً فيضاً، وسأله الحقير اليسير قرضاً فأبى إلاّ بُخلاً فتزدرده )(١).

وليس هذا الوعيد الرهيب مقصوراً على الجائرين فحسب، وإنّما يشمل من ضلع في ركابهم، وارتضى أعمالهم، وأسهم في جورهم، فإنّه وإيّاهم سواسية في الإثم والعقاب، كما صرحت بذلك الآثار:

قال الصادقعليه‌السلام : ( العامل بالظلم، والمعين له، والراضي به، شركاء ثلاثتهم )(٢) .

لذلك كانت نُصرة المظلوم، وحمايته من عسف الجائرين، من أفضل الطاعات، وأعظم القربات إلى اللّه عزّ وجل، وكان لها وقعها الجميل، وآثارها الطيّبة في حياة الإنسان المادّيّة والروحيّة.

قال الإمام الكاظمعليه‌السلام لابن يقطين: ( اضمَن لي واحدةً أضمنُ لك ثلاثاً، اضمن لي أنْ لا تلقى أحداً مِن موالينا في دار الخلافة إلاّ بقضاء حاجته، أضمن لك أنْ لا يصيبك حدّ السيف أبداً، ولا يظلّك

_____________________

(١) البحار م ١٦ ص ٢٠٩ عن الخصال للصدوق ( ره ).

(٢) الوافي ج ٣ ص ١٦٣ عن الكافي.

١٢١

سقف سجن أبداً، ولا يدخل الفقر بيتك أبداً )(١) .

وقال أبو الحسنعليه‌السلام : ( إن لله جل وعزّ مع السلطان أولياء، يدفع بهم عن أوليائه ).

وفي خبر آخر: ( أولئك عتقاء اللّه من النار )(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : ( كفّارة عمل السلطان قضاء حوائج الإخوان )(٣).

وعن محمّد بن جمهور وغيره من أصحابنا قال: كان النجاشي - وهو رجلٌ من الدهاقين - عاملاً على الأهواز وفارس، فقال بعض أهل عمله لأبي عبد اللّهعليه‌السلام : إنّ في ديوان النجاشي عليّ خراجاً، وهو ممّن يَدين بطاعتك، فإنّ رأيت أنْ تكتب لي إليه كتاباً. قال: فكتب إليه أبو عبد اللّه: ( بسم اللّه الرحمن الرحيم سُرَّ أخاك يَسُرّك اللّه ).

فلمّا ورَد عليه الكتاب وهو في مجلِسه، فلمّا خلا ناوله الكتاب وقال: هذا كتاب أبي عبد اللّهعليه‌السلام ، فقبّله ووضعه على عينيه ثُمّ قال: ما حاجتك ؟ فقال: عليّ خراج في ديوانك. قال له: كم هو؟ قال: هو عشرة آلاف درهم.

قال: فدعا كاتبه فأمره بأدائها عنه، ثُمّ أخرَج مثله فأمره أنْ يثبتها له لقابل، ثُمّ قال له: هل سررتك ؟ قال نعم. قال: فأمر له بعشرة آلاف درهم أُخرى فقال له: هل سررتك ؟ قال: نعم جعلت فداك.

_____________________

(١) كشكول البهائي طبع إيران ص ١٢٤.

(٢)، (٣) الوافي ج ١٠ ص ٢٨ عن الفقيه.

١٢٢

فأمر له بمركب، ثُمّ أمر به بجاريةٍ وغلام، وتخت ثياب، في كلّ ذلك يقول: هل سررتك ؟ فكلّما قال: نعم، زاده حتّى فرغ، فقال له: احمل فرش هذا البيت الذي كنت جالساً فيه حين دفعتَ إليَّ كتاب مولاي فيه، وارفع إليّ جميع حوائجك. قال: ففعل، وخرج الرجل فصار الى أبي عبد اللّهعليه‌السلام ، فحدثه بالحديث على جهته، فجعل يستبشر بما فعله.

قال له الرجل: يابن رسول اللّه، قد سرّك ما فعل بي ؟ قال: ( إي واللّه، لقد سرّ اللّه ورسوله )(١).

وخامة الظلم:

بديهي أنّ استبشاع الظلم واستنكاره، فطريٌّ في البشَر، تأباه النفوس الحرّة، وتستميت في كفاحه وقمعه، وليس شيء أضرّ بالمجتمع، وأدعى الى تسيبه ودماره من شيوع الظلم وانتشار بوائقه فيه.

فالإغضاء عن الظلم يشجّع الطغاة على التمادي في الغيّ والإجرام، ويحفّز الموتورين على الثأر والانتقام، فيشيع بذلك الفوضى، وينتشر الفساد، وتغدو الحياة مسرحاً للجرائم والآثام، وفي ذلك انحلال الأُمم، وفقد أمنها ورخائها، وانهيار مجدها وسلطانها.

_____________________

(١) الوافي ج ١٠ ص ٢٨ عن الكافي.

١٢٣

علاج الظلم:

من العسير جدّاً علاج الظلم، واجتثاث جذوره المتغلغلة في أعماق النفس، بيد أنّ من الممكن تخفيف جماحه، وتلطيف حدته، وذلك بالتوجيهات الآتية:

١ - التذكر لما أسلفناه من مزايا العدل، وجميل آثاره في حياة الأمم والأفراد، من إشاعة السلام، ونشر الوئام والرخاء.

٢ - الاعتبار بما عرضناه من مساوئ الظلم وجرائره المادّيّة والمعنويّة.

٣ - تقوية الوازع الديني، وذلك بتربية الضمير والوجدان، وتنويرهما بقِيَم الإيمان ومفاهيمه الهادفة الموجّهة.

٤ - استقراء سيَر الطغاة وما عانوه من غوائل الجور وعواقبه الوخيمة.

جاء في كتاب حياة الحيوان عند ذكر الحِجْلان: أنّ بعض مقدّميُّ الأكراد حضَر على سِماط بعضِ الأمراء، وكان على السماط حِجْلتان مشويتان، فنظر الكرديُّ إليهما وضحك، فسأله الأمير عن ذلك، فقال: قطعت الطريق في عنفوان شبابي على تاجر فلمّا أردت قتله، تضرّع فما أفاد تضرّعه، فلمّا رآني أقتله لا محالة، التفت إلى حِجْلتين كانتا في الجبل، فقال: اشهدا عليه إنّه قاتلي، فلمّا رأيت هاتين الحجلتين تذكرت حمقه ) فقال الأمير: قد شهدتا، ثُمّ أمر بضرب عنقه(١) .

_____________________

(١) كشكول البهائي طبع إيران ص ٢١.

١٢٤

وفي سراج الملوك لأبي بكر الطرطوسي: أنّ عبد الملك بن مروان أرِق ليلةً، فاستدعى سميراً له يحدّثه، فكان فيما حدّثه أنْ قال: يا أمير المؤمنين، كان بالموصل بومة، وبالبصرة بومة، فخطبت بومة الموصل إلى بومة البصرة بنتها لابنها، فقالت بومة البصرة: لا أفعل إلاّ أنْ تجعلي صداقها مِئة ضيعة خراب! فقالت بومة الموصل: لا أقدر على ذلك الآن، ولكن إنْ دام والينا علينا، سلّمه اللّه تعالى سنةً واحدة فعلت ذلك، فاستيقظ عبد الملك، وجلَس للمظالم، وأنصف الناس بعضهم من بعض، وتفقّد أمر الولاة(١) .

_____________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ١١٠.

١٢٥

الإخلاص

الإخلاص: ضدّ الرياء، وهو صفاء الأعمال مِن شوائب الرياء، وجعلها خالصةً للّه تعالى.

وهو قوام الفضائل، وملاك الطاعة، وجوهر العبادة، ومناط صحّة الأعمال، وقبولها لدى المولى عزّ وجل.

وقد مجّدته الشريعة الإسلاميّة، ونوّهت عن فضله، وشوّقت إليه، وباركَت جهود المتحلّين به في طائفة مِن الآيات والأخبار:

قال تعالى:( فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) (١) .

وقال سُبحانه:( فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ) (٢).

وقال عزَّ وجل:( وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (٣).

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَن أخلص للّه أربعين يوماً،

_____________________

(١) الكهف: ١١٠.

(٢) الزمر ( ٢ - ٣ ).

(٣) البيّنة: ٥.

١٢٦

فجّر اللّه ينابيع الحكمة مِن قلبه على لِسانه )(١) .

وقال الإمام الجوادعليه‌السلام : ( أفضل العبادة الإخلاص )(٢).

وعن الرضا عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( الدنيا كلّها جهل إلاّ مواضع العِلم، والعِلم كلّه حجّة إلاّ ما عُمِل به، والعمَل كلّه رياءٌ إلاّ ما كان مخلِصاً، والإخلاص على خطر، حتّى ينظُر العبد بما يُختَم له )(٣).

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( يا أبا ذر، لا يفقه الرجل كلّ الفقه، حتّى يرى الناس في جنب اللّه أمثال الأباعر، ثُمّ يرجع إلى نفسه فيكون هو أحقر حاقرٍ له )(٤).

فضيلة الإخلاص:

تتفاوت قِيَم الأعمال، بتفاوت غاياتها والبواعث المحفّزة عليها، وكلّما سمَت الغاية، وطهُرَت البواعث مِن شوائب الغشّ والتدليس والنفاق، كان ذلك أزكى لها، وأدعى إلى قبولِها لدى المولى عزّ وجل.

وليس الباعث في عرف الشريعة الإسلامية إلاّ ( النيّة ) المحفّزة على الأعمال، فمتى استهدفت الإخلاص للّه تعالى، وصَفَت مِن كدر

_____________________

(١)، (٢) البحار م ١٥ ص ٨٧ عن عدّة الداعي لابن فهد.

(٣) البحار م ١٥ ص ٨٥ عن الأمالي والتوحيد للصدوق.

(٤) الوافي ج ١٤ ص ٥٤ في وصيّة النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي ذر.

١٢٧

الرياء نبلت وسعدت بشرف رضوان اللّه وقبوله، ومتى شابها الخِداع والرياء، باءت بسخَطِه ورفْضِه.

لذلك كان الإخلاص حجَراً أساسيّاً في كيان العقائد والشرائع، وشرطاً واقعيّاً لصحّة الأعمال، إذ هو نظام عقدها، ورائدها نحو طاعة اللّه تعالى ورضاه.

وناهيك في فضل الإخلاص أنّه يُحرّر المرء من إغواء الشيطان وأضاليله:( فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) .

عوائق الإخلاص:

وحيث كان الإخلاص هو المنار الساطع، الذي ينير للناس مناهج الطاعة الحقّة، والعبوديّة الصادقة، كان الشيطان ولوعاً دؤوباً على إغوائهم وتضليلهم بصنوف الأماني والآمال الخادعة: كحب السمعة والجاه، وكسب المحامد والأمجاد، وتحرّي الأطماع المادّيّة التي تمسخ الضمائر وتمحق الأعمال، وتذرها قفراً يباباً من مفاهيم الجمال والكمال وحلاوة العطاء.

وقد يكون إيحاء الشيطان بالرياء هامساً خفيفاً ماكراً، فيمارس الانسان الطاعة والعبادة بدافع الإخلاص، ولو محصها وأمعن فيها وجدها مشوبةً بالرياء. وهذا مِن أخطر المزالق، وأشدّها خفاءً وخداعاً. ولا يتجنّبها إلاّ الأولياء الأفذاذ.

كما حُكي عن بعضهم أنّه قال: ( قضَيت صلاةَ ثلاثين سنة كنت

١٢٨

صلّيتها في المسجد جماعة في الصفّ الأوّل، لأنّي تأخّرت يوماً لعُذرٍ، وصلّيت في الصفّ الثاني، فاعترتني خَجْلةٌ مِن الناس، حيث رأوني في الصفّ الثاني، فعرفت أنّ نظر الناس إليّ في الصفّ الأوّل كان يسرّني، وكان سبب استراحة قلبي.

نعوذ باللّه مِن سُبات الغفلة، وُخِدَع الرياء والغرور. من أجل ذلك يحرص العارفون على كتمان طاعاتهم وعباداتهم، خَشية من تلك الشوائب الخفيّة.

فقد نُقل: أنّ بعض العبّاد صام أربعين سنة لم يعلَم به أحد مِن الأباعد والأقارب، كان يأخذ غذاءه فيتصدّق به في الطريق، فيظنّ أهله أنّه أكل في السوق، ويظنّ أهل السوق، أنّه أكل في البيت.

كيف نكسب الإخلاص:

بواعث الإخلاص ومحفّزاته عديدة تلخصّها النقاط التالية:

١ - استجلاء فضائل الإخلاص السالفة، وعظيم آثاره في دنيا العقيدة والإيمان.

٢ - إنّ أهمّ بواعث الرياء وأهدافه استثارة إعجاب الناس، وكسب رضاهم، وبديهي أنّ رضا الناس غايةٌ لا تُدرك، وأنّهم عاجزون عن إسعاد أنفسهم، فضلاً عن غيرهم، وأنّ المُسعِد الحقّ هو اللّه تعالى الذي بيده أزِمّة الأُمور، وهو على كلّ شيء قدير، فحريٌّ بالعاقل أنْ يتّجه

١٢٩

إليه ويخلص الطاعة والعبادة له.

٣ - إنّ الرياء والخِداع سرعان ما ينكشفان للناس، ويسفران عن واقع الإنسان، ممّا يفضح المرائي ويعرضه للمقت والازدراء.

ثوب الرياء يشفّ عمّا تحته

فإذا التحفتَ به فإنّك عاري

فعلى المرء أنْ يتّسم بصدق الإخلاص، وجمال الطوية، ليكون مثلاً رفيعاً للاستقامة والصلاح.

فقد جاء في الآثار السالفة: ( إنْ رجلاً مِن بني إسرائيل قال: لأعبدنّ اللّه عبارة أُذكَر بها، فمكث مدّةً مبالِغاً في الطاعات، وجعَل لا يمرّ بملأٍ من الناس إلاّ قالوا: متصنّعٍ مراءٍ، فأقبل على نفسه وقال: قد أتعبت نفسك، وضيّعت عُمرك في لا شيء، فينبغي أنْ تعمل للّه سُبحانه، وأخلص عمله للّه، فجعل لا يمرّ بملأٍ من الناس إلاّ قالوا ورعٍ تقيّ ).

١٣٠

الرياء

وهو: طلب الجاه والرِّفعة في نفوس الناس، بمراءاة أعمال الخير.

وهو مِن أسوأ الخصال، وأفظع الجرائم، الموجبة لعناء المرائي وخسرانه ومقته، وقد تعاضدت الآيات والأخبار على ذمّه والتحذير منه.

قال تعالى في وصف المنافقين:( يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ) (١).

وقال تعالى:( فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) (٢).

وقال سبحانه:( كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ ) (٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : ( كلّ رياء شِرك، أنّه مَن عمِل للناس كان ثوابه على الناس، ومَن عمِل للّه كان ثوابه على اللّه )(٤).

وقالعليه‌السلام : ( ما مِن عبدٍ يُسِرُّ خيراً، إلاّ لم تذهب الأيّام

_____________________

(١) النساء: ١٤٢.

(٢) الكهف: ١١٠.

(٣) البقرة: ٢٦٤.

(٤) الوافي ج ٣ ص ١٣٧ عن الكافي.

١٣١

حتّى يُظهِر اللّه له خيراً، وما مِن عبدٍ يُسِرُّ شرَّاً إلاّ لم تذهب الأيّام حتّى يُظهِر له شرَّاً )(١).

وعنهعليه‌السلام قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( سيأتي على الناس زمانٌ تخبث فيه سرائرهم، وتحسن فيه علانيتهم، طمَعاً في الدنيا، لا يُريدون به ما عند ربِّهم، يكون دينهم رياءاً، لا يُخالطهم خوف، يعمّهم اللّه بعقاب فيدعونه دعاءَ الغريق فلا يستجيب لهم )(٢).

وعن موسى بن جعفر عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( يؤمَر برجال إلى النار، فيقول اللّه جلّ جلاله لمالك: قل للنار لا تحرق لهم أقداماً، فقد كانوا يمشون إلى المساجد، ولا تحرق لهم وجهاً، فقد كانوا يسبغون الوضوء، ولا تحرق لهم أيدِيَاً، فقد كانوا يرفعونها بالدعاء، ولا تحرق لهم ألسُناً، فقد كانوا يُكثرون تلاوة القرآن. قال: فيقول لهم خازن النار: يا أشقياء ما كان حالكم ؟ قالوا: كنّا نعمل لغير اللّه عزّ وجل فقيل لنا خذوا ثوابكم ممّن عملتم له )(٣).

_____________________

(١) الوافي الجزء الثالث ص ١٤٧ عن الكافي.

(٢) الوافي الجزء الثالث ص ١٤٧ عن الكافي، ودعاء الغريق: أي كدعاء المشرف على الغرق، فإنّ الاخلاص والانقطاع فيه إلى اللّه عزّ وجل أكثر من سائر الأدعية.

(٣) البحار م ١٥ بحث الرياء ص ٥٣ عن عِلل الشرائع وثواب الاعمال.

١٣٢

أقسام الرياء

ينقسم الرياء أقساماً تُلخّصها النقاط التالية:

١ - الرياء بالعقيدة: بإظهار الايمان وإسرار الكُفر، وهذا هو النفاق وهو أشدّها نُكراً وخطَراً على المسلمين ؛ لخفاء كيده، وتستّره بظلام النفاق.

٢ - الرياء بالعبادة مع صحّة العقيدة:
وذلك بممارسة العبادات أمام ملأ الناس، مراءاةً لهم، ونبذها في الخَلوة والسرّ، كالتظاهر بالصلاة، والصيام، وإطالة الركوع والسجود والتأنّي بالقراءة والأذكار وارتياد المساجد، وشهود الجماعة، ونحوه من صور الرياء، في صميم العبادة أو مكمّلاتها، وهنا يغدو المُرائي أشدُّ إثماً مِن تارك العبادة، لاستخفافه باللّه عزّ وجل، وتلبيسه على الناس.

٣ - الرياء بالأفعال: كالتظاهر بالخشوع، وتطويل اللحية، ووسم الجبهة بأثر السجود، وارتداء الملابس الخشنة ونحوه من مظاهر الزهد والتقشّف الزائفة.

٤ - الرياء بالأقوال: كالتشدّق بالحكمة، والمراءاة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتذكير بالثواب والعقاب مداجاةً وخداعاً.

دواعي الرياء:

للرياء أسباب ودواع نُجملها فيما يلي:

١ - حُب الجاه: وهو مِن أهمّ أسباب المراءاة ودواعيه.

١٣٣

٢ - خوف النقد: وهو دافع على المراءاة بالعبادة، وأعمال الخير، خشية من قوارص الذم والنقد.

٣ - الطمع: وهو من محفّزات الرياء وأهدافه التي يستهدفها الطامعون، إشباعاً لأطماعهم.

٤ - التستّر: وهو باعث على تظاهر المجرمين بمظاهر الصلاح المزيفة، إخفاءاً لجرائمهم، وتستّراً عن الأعيُن.

ولا ريب أنّ تلك الدواعي هي من مكائد الشيطان، وأشراكه الخطيرة التي يأسر بها الناس، أعاذنا اللّه منها جميعاً.

حقائق:

ولا بدّ من استعراض بعض الحقائق والكشف عنها إتماماً للبحث:

١ - إختلفت أقوال المحقّقين، في أفضليّة اخفاء الطاعة أو اعلانها.

ومجمل القول في ذلك، إنّ الأعمال بالنيات، وأنّ لكلّ امرئ ما نوى، فما صفا مِن الرياء فسَواء إعلانه أو إخفاؤه، وما شابه الرياء فسيّان إظهاره أو إسراره.

وقد يُرجّح الإسرار أحياناً للذين لا يُطيقون مدافعة الرياء لشدّة بواعثه في الإعلان. كما يُرجّح إعلان الطاعة، إنْ خلُصت من شوائب الرياء، وقُصِد به غرضٌ صحيح، كالترغيب في الخير والحثّ على الاقتداء.

٢ - ومَن استهدف الإخلاص في طاعته وعبادته، ثُمّ اطلع الناس

١٣٤

عليها، وُسرّ باطلاعهم واغتبط، فلا يقدح ذلك في إخلاصه، إنْ كان سروره نابعاً عن استشعاره بلطف اللّه تعالى، وإظهار محاسنه والستر على مساوئه تكرماً منه عزّ وجل.

وقد سئل الامام الباقرعليه‌السلام عن الرجل يعمل الشيء مِن الخير فيراه إنسانٌ فيسرّه ذلك، فقال: ( لا بأس، ما مِن أحدٍ إلاّ وهو يحبُّ أنْ يظهر اللّه له في الناس الخير، اذا لم يكن صنع ذلك لذلك )(١).

٣ - وحيث كان الشيطان مجدّاً في إغواء الناس، وصدّهم عن مشاريع الخير والطاعة، بصنوف الكيد والإغواء، لزِم الحذر والتوقّي منه، فهو يُسوّل للناس ترك الطاعة ونبذ العبادة، فإنْ عجَز عن ذلك أغراهم بالرياء، وحبّبه إليهم، فإنْ أخفَق في هذا وذاك، ألقى في خُلدِهم أنّهم مراؤون وأعمالهم مشوبةٌ بالرياء، ليسوّل لهم نبذها وإهمالها.

فيجب والحالة هذه طرده، وعدم الاكتراث بخِدَعه ووَساوِسه، إذ المخلص لا تضرّه هذه الخواطر والأوهام.

فعن الصادق عن أبيهعليهما‌السلام : إنّ النبيّ قال: ( اذا أتى الشيطان أحدكم وهو في صلاته فقال: إنّك مرائي، فليُطل صلاته ما بدا له، ما لم يفته وقت فريضة، واذا كان على شيء من أمر الآخرة فليتمكث ما بدا له، واذا كان علي شيء من أمر الدنيا فليسترح...)(٢) .

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ١٤٨ عن الكافي.

(٢) البحار م ١٥ ص ٥٣ عن قرب الإسناد.

١٣٥

مساوئ الرياء:

الرياء من السجايا الذميمة، والخِلال المقيتة، الدالّة على ضِعة النفس، وسُقم الضمير، وغباء الوعي، إذ هو الوسيلة الخادعة المُدجَلة التي يتّخذها المتلوّنون والمنحرفون ذريعةً لأهدافهم ومآربهم، دونَما خجَلٍ واستحياءٍ مِن هوانِها ومناقضتها لصميم الدين والكرامة والإباء.

وحسبُ المرائي ذمّاً أنّه اقترف جُرمين عظيمين:

تحدّى اللّه عزّ وجل، واستخفّ بجلاله، بإيثار عباده عليه في الزلفى والتقرّب، ومخادعة الناس والتلبّس عليهم بالنفاق والرياء.

ومثَل المرائي في صفاقته وغبائه، كمَن وقَف إزاء ملِكٍ عظيم مظهِراً له الولاء والإخلاص، وهو رغم موقفه ذلك يخاتل الملِك بمغازلة جواريه أو استهواء غِلمانه.

أليس هذا حريّاً بعقاب الملك ونكاله الفادحين على تلصصه واستهتاره.

ولا ريب أنّ المرائي أشدّ جرماً وجنايةً من ذلك، لاستخفافه باللّه عزّ وجل، ومخادعة عبيده. والمرائي بعد هذا حليف الهم والعناء، يستهوي قلوب الناس، ويتملق رضاهم، ورضاهم غاية لا تنال، فيعود بعد طول المعاناة خائباً، شقيّاً، سليب الكرامة والدين.

ومن الثابت أنّ سوء السريرة سرعان ما ينعكس على المرء، ويكشف واقعه، ويبوء بالفضيحة والخُسران.

١٣٦

ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تُعلم

وقد أعرب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك قائلاً: ( مَن أسرّ سريرةً ردّأه اللّه رِداءها، إنْ خيراً فخير، وإنْ شرَّاً فشر )(١).

علاج الرياء:

وبعد أنْ عرفنا طرَفاً مِن مساوئ الرياء، يجدر بنا أنْ نعرض أهمّ النصائح الأخلاقيّة في علاجه وملافاته، وقد شرحت في بحث الإخلاص طرفاً من مساوئ الرياء ومحاسن الإخلاص فراجعه هناك.

علاج الرياء العمَلي:

وذلك برعاية النصائح المجملة التالية:

١ - محاكمة الشيطان، وإحباط مكائده ونزعاته المرائيّة، بأُسلوب منطقي يقنع النفس، ويرضي الوجدان.

٢ - زجر الشيطان وطرد هواجسه في المراءاة، طرداً حاسماً، والاعتماد على ما انطوى عليه المؤمن من حبّ الاخلاص، ومقت الرياء.

٣ - تجنب مجالات الرياء ومظاهره، وذلك باخفاء الطاعات والعبادات وسترها عن ملأ الناس، ريثما يثق الإنسان بنفسه، ويحرز فيها الاخلاص.

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ١٤٧ من خبر عن الكافي.

١٣٧

ومِن طرائف الرياء والمرائين ماقيل:

إنّ أعرابيّاً دخل المسجد، فرأى رجلاً يُصلّي بخشوعٍ وخضوع، فأعجبه ذلك، فقال له: نعم ما تُصلّي.

قال: وأنا صائم، فإنّ صلاة الصائم، تَضعُف صلاةَ المفطر.

فقال له الأعرابي: تفضّل واحفظ ناقتي هذه، فإنّ لي حاجةً حتّى أقضيها. فخرج لحاجته، فركب المصلّي ناقته وخرَج، فلمّا قضى الأعرابي حاجته، رجع ولم يجد الرجل ولا الناقة، وطلبه فلم يقدر عليه، فخرج وهو يقول:

صلّى فأعجبني وصام فرامني

منح القَلُوص عن المصلّي الصائم

وصلّى أعرابيّ فخفّف صلاته، فقام إليه عليّعليه‌السلام بالدرّة وقال: ( أعِدْها )، فلمّا فرغ، قال: ( أهذه خير أم الأولى ؟) قال: بل الأُولى، قال: ( ولِمَ )، قال: لأنّ الأُولى للّه وهذه للّدرة.

١٣٨

العُجُب

وهو استعظام الإسنان نفسه، لاتّصافه بخِلّةٍ كريمة، ومزيّةٍ مشرّفة، كالعِلم والمال والجاه والعمَل الصالح.

ويتميّز العجُب عن التكبّر، بأنّه استعظام النفس مجرّداً عن التعالي على الغير، والتكبّر هما معاً.

والعُجُب من الصفات المَقيتة، والخلال المنفّرة، الدّالة على ضعة النفس، وضيق الأفق، وصفاقة الأخلاق، وقد نهت الشريعة عنه، وحذّرت منه.

قال تعالى:( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ) (١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : ( من دخله العُجب هلك )(٢)

وعنهعليه‌السلام قال: ( قال إبليس ( لعنَه اللّه ) لجنوده: اذا استمكنت مِن ابن آدَم في ثلاث لم أُبال ما عمَل، فإنّه غير مقبولٍ منه، إذا استكثر عمَله، ونسيَ ذنبه، ودخلَه العُجُب )(٣).

_____________________

(١) النجم: ٣٢.

(٢) الوافي ج ٣ ص ١٥١ عن الكافي.

(٣) البحار م ١٥ ج ٣ موضوع العجب بالأعمال عن الخصال للصدوق.

١٣٩

وقال الباقرعليه‌السلام : ( ثلاثٌ هن قاصمات الظهر: رجلٌ استكثر عمله، ونسي ذنوبه، وأعجب برأيه )(١).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( أتى عالمٌ عابداً فقال له: كيف صلاتك ؟ فقال: مثلي يُسأل عن صلاته ؟ وأنا أعبُد اللّه تعالى مُنذ كذا وكذا، قال: فكيف بكاؤك ؟ قال: أبكي حتّى تجري دموعي. فقال له العالِم: فإنّ ضحكك وأنت خائف خير ( أفضل خ ل ) مِن بكائك وأنت مُدِل، إنّ المدل لا يصعّد مِن عمله شيء )(٢) .

وعن أحدهماعليهما‌السلام ، قال: ( دخل رجُلان المسجد أحدهما عابدٌ والآخر فاسق، فخرجا من المسجد، والفاسق صدّيق، والعابد فاسق، وذلك: أنّه يدخل العابد المسجد مدلاًّ بعبادته، يُدِلّ بها، فيكون فكرته في ذلك، ويكون فكرة الفاسق في الندم على فسقه، ويستغفر اللّه تعالى لما ذَكَرَ من الذنوب )(٣).

وعن أبي عبد اللّه عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لولا أنّ الذنب خيرٌ للمؤمن من العجُب، ما خلّى اللّه بين عبده المؤمن وبين ذنبٍ أبداً )(٤).

والجدير بالذكر: أنّ العُجُب الذميم هو استكثار العمَل الصالح،

_____________________

(١) البحار م ١٥ ج ٣ موضوع العجُب بالأعمال عن الخصال للصدوق.

(٢) الوافي ج ٣ ص ١٥١ عن الكافي.

(٣) الوافي ج ٣ ص ١٥١ عن الكافي.

(٤) البحار م ١٥ ج ٣ بحث العجُب عن أمالي أبي عليّ ابن الشيخ الطوسي.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

الشيخ عبد السلام: إذا أثبتّم بهذه الأدلّة أنّ آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من عبد الله إلى آدم كلهم كانوا مؤمنين بالله سبحانه فيتعيّن ذلك فيه ويكون من خصائصه، فلا تشمل الأدلة والد عليّ (كرّم الله وجهه)، فقد ثبت أنّ أبا طالب مات مشركاً ولم يؤمن بالله سبحانه.

إيمان أبي طالبعليه‌السلام

قلت: نعم.. لقد اختلف المؤرخون في إيمان أبي طالبعليه‌السلام ولكن المحقق المنصف يعرف أنّ القول بكفر أبي طالب وشِرِكه صادرٌ من أعداء الإمام عليّعليه‌السلام ومناوئيه من الخوارج والنواصب، أرادوا بذلك الحطّ من كرامة الإمام عليّعليه‌السلام ، وتنزيل مقامه المنيع، وتقليل شأنه الرفيع.

ثم إن بعض الأعلام قد نقلوا هذا الخبر من غير تحقيق وتدبّر، وتناقله آخرون من كتاب إلى كتاب بغير تعمّق وتفكّر، حتى آل اليوم إليكم، وأنتم تنقلونه وترسلونه إرسال المسلّمات، ولو كنتم تتدبرون في الأخبار، وتنقلون الروايات بعد التحقيق، مما تفوّهتم بهذا الكلام،

____________________

=

خُلقا وما خُلِق الوجود، كلاهما

نوران من نور العليّ تفضّلا

في علمه المخزون مجتمعان لن

يتفرّقا أبَداً ولن يتحوّلا

وتقلّبا في الساجدين وأُودعا

في أطهر الأرحام ثمّ تنقّلا

حتى استقرَّ النور نوراً واحداً

في شيبة الحمد بن هاشم يُجتَلى

قُسِما لحكم ارتضاه فكان ذا

نِعْمَ الوصي وذاك اشرف مرسَلا

فعليٌّ نفس محمد ووصيّه

وأمينه وسواه مامون فَلا

«المترجم»

٩٠١

وما قلتم أنّ أبا طالبعليه‌السلام مات مشركاً. إذ إنّ جمهور علماء الشيعة وأهل البيتعليهم‌السلام الذين جعلهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أعلام الهداية وعِدل القرآن الحكيم، وكذلك كثير من أعلامكم مثل ابن أبي الحديد، وجلال الدين السيوطي، وأبي القاسم البلخي، والعلّامة أبي جعفر الإسكافي، وآخرين من أعلام المعتزلة، والعلّامة الهمداني الشافعي، وابن الأثير، وغيره ذهبوا إلى أنّ أبا طالبعليه‌السلام أسلمَ في حياته واعتنق الدين الحنيف ومات مؤمناً، بل اعتقاد الشيعة في أبي طالبعليه‌السلام أنّه آمن بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في أول الأمر، وأمّا إيمانه بالله سبحانه كان فطرياً ولم يكفر بالله طرفة عين، وكما في الأخبار المرويّة عن أعلام العترة وأهل البيتعليهم‌السلام ، أنّه لم يعبد صنماً قطّ، وكان على دين إبراهيم الخليلعليه‌السلام وهو يُعَدُّ من أوصيائه.

وأما قَولُ أعلامكم ومؤرخيكم وعلمائكم المحققين منهم أنّه أسلم، فقد قال ابن الأثير في كتاب جامع الأصول: وما أسلم من أعمام النبي غير حمزة والعبّاس وأبي طالب عند أهل البيتعليهم‌السلام .

ومن الواضح أنّ إجماع أهل البيتعليهم‌السلام مقبولٌ عند المسلمين ولا يحق لمؤمن أن يردّه، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعلهم عِدْلَ القرآن، وأرجع إليهم المسلمين في الأمور التي يختلفون فيها، وجَعَل قولهم الفصل والحجّة والحق، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما إنْ تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً. فجعلَ كلام الله وأهل البيت أماناً من التيه والضّلال.

وعلى القاعدة المشهورة: أهل البيت أدرى بما في البيت، فهم أعلمُ بحال آبائهم وتاريخ حياة أسلافهم.

فالغرابة والعَجَب منكم إذْ تتركون قول أهل البيت الطيبينعليهم‌السلام ،

٩٠٢

وتتركون قول أمير المؤمنين وسيّد الصدّيقين والصادقين الذي شهد الله ورسوله بصدقه وتقواه، ثم تأخذون كلام المغيرة بن شعبة الفاجر وتصدقون بني أميّة والخوارج والنواصب، المخالفين والمناوئين للإمام عليّعليه‌السلام ، الذين دعاهم الحقد والحسد، إلى جعل الأخبار والروايات الموضوعة، للحطّ من كرامة الإمام عليّعليه‌السلام وتصغير شخصيّته العظيمة، وللأسف إنّكم تتمسّكون بتلك الأخبار الموضوعة من غير تدبّر وتحقيق، وترسلونها إرسال المسلّمات، وتؤكّدون على صحّتها بغير علم أتاكم.

قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ١٤/٦٥، ط دار إحياء التراث العربي: و اختلف الناس في إيمان أبي طالب، فقالت الإمامية و أكثر الزيديّة: ما مات إلّا مسلماً. و قال بعض شيوخنا المعتزلة بذلك، منهم الشيخ أبو القاسم البلخي و أبو جعفر الإسكافي و غيرهما.

أقول: والمشهور عندنا أنّه ما تظاهر بالإسلام بل أخفى ذلك ليتمكّن من نصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والذبّ عنه، فإنّ المشركين من أهل مكة وقريش، كانوا يراعون ذمّته ويقفون عند حدِّهم إذا نظروا إليه، فكانوا يهابون، ويعظّمون جانبه إذْ كانوا يحسبوه منهم.

الشيخ عبد السلام: أما سمعتم الحديث المروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في عمه أنه قال: إنّ أبا طالب في ضحضاح من نار.

قلت: هذا الحديث مثل كثير من الأحاديث المرويّة في كتبكم، موضوعٌ وكذب وافتراء على النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله . فلا يخفى على المحقّق البصير، والمنصف الخبير، أنّ هذا الحديث وما شاكله مجعولٌ وموضوعٌ افتراه أعداء محمّد وآل محمّدعليه‌السلام ، وذلك في عهد الأمويين

٩٠٣

وخاصّة معاوية بن أبي سفيان الذي خصَّص أموالاً طائلة لهذا الغرض الإلحادي. ولو عرفتم راوي هذا الخبر وفسقه وفجوره، ما شككتم في كذبه وافترائه وعدم صحة أخباره.

فإنّ الراوي هو المغيرة بن شعبة، من ألدّ أعداء الإمام عليّعليه‌السلام وهو الذي اتُّهم بالزنا في البصرة وشهد عليه ثلاثة من الشهود عند عمر، ولمـّا أراد الرابع أداء الشهادة، قاطعه عمر بجملة فأبى الرابع من أدائها، فخلَصَ المغيرة، وأقام الحدَّ على الشهود(١) .

____________________

١) لقد نقل هذا الخبر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ١٢/٢٢٧ ط دار إحياء التراث الكتب العربية، قال: (الطعن السادس في عمر) أنّه عطّل حَدَّ الله في المغيرة بن شعبة لما شُهد عليه بالزنا و لقَّنَ الشاهد الرابع الامتناعَ عن الشهادة اتّباعاً لهواه فلمّا فعل ذلك عاد إلى الشهود فحدَّهم و ضربهم.

فبعد نقله الاقوال، قال في صفحة ٢٣١: أمّا المغيرة فلا شكّ عندي أنّه زنى بالمرأة و لكنّي لست أُخطِّىءُ عمر في دَرْء الحَدِّ عنه و إنما أذكر أوّلاً قصته من كتابَي أبي جعفر محمد بن جرير الطبري و أبي الفرج الإصفهاني ليُعلم أنَّ الرجل زنى بها لا محالة ثم أعتذر لعمر في درء الحدِّ عنه. فروى ابن أبي الحديد القصة بالتفصيل ثم قال في صفحة ٢٣٩: فهذه الأخبار كما تراها تدلُّ متأمِّلَها على أنَّ الرجل زنى بالمرأة لا محالة و كلّ كتب التواريخ و السِّيَر تشهد بذلك.

ثم نقل عن الأغاني خبريْن آخريْن، قال أبو الفرج بعدهما وحكاه عنه ابن أبي الحديد في صفحة ٢٤١: و إنّما أوردنا هذيْن الخبريْن لِيعلَم السامع أنّ الخَبر بِزِناهُ كان شائعاً مشهوراً مستفيضاً بين الناس.

أقول: هؤلاء الفسقة الفجرة، المغيرة وأصحابه وأشباهه كانوا يضعون الأخبار ويفترون على الإمام عليّعليه‌السلام وكلّ مَن يُنسب إليه إرضاءً لرغبات معاوية، فيشترون مرضات المخلوق بسخط الخالق.

«المترجم»

٩٠٤

ثم نجد في رواته، عبد الملك بن عمير، وعبد العزيز الراوردي، وسفيان الثوري، الذين عدّهم علماؤكم المتخصصين بعلم الرجال في الجرح والتعديل، مثل الذهبي في ميزان الاعتدال: ج ٢/ عدّهم من الضعفاء ورَدَّ رواياتهم، بل عَدَّ سفيان الثوري من المدلِّسين الكذّابين.

فلا أدري كيف تعتمدون على رواية أولئك الكذّابين الوضّاعين؟!

الدلائل والشواهد على إيمان أبي طالبعليه‌السلام

أما الدلائل المثبتة لإيمان أبي طالبعليه‌السلام فكثيرة، ولا ينكرها إلّا من كان في قلبه مرض، منها:

١- قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنّة، وأشار بسبّابته والوسطى منضمّتين مرفوعين، نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ١٤/٦٩، ط دار إحياء الكتب العربية ومن الواضح انهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقصد بحديثه الشريف كلّ مَن يكفُل يتيماً، فإنا نجد بعض الكافلين للأيتام لا يستحقون ذلك المقام وهو جوار سيد الأنام في الجنّة، لأنهم على جنب كفالتهم لليتيم يعملون المعاصي الكبيرة، والذنوب العظيمة، التي يستحقون بها جهنّم لا محالة.

ولكنّه صلوات الله عليه قصد بحديثه الشريف جدَّه عبد المطلب، وعمَّه أبا طالب، الذين قاما بأمره، وتكفّلاه، وربَّياه صغيراً، حتى أنه صلوات الله عليه كان يُعرَف في مكة بيتيم ابي طالب، بعد وفاة جده عبد المطلب، فقد تكفّل أبو طالب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان في الثامنة من العمر، وكان يفضّله على أولاده ويقيه بهم.

٢- حديث مشهور بين الشيعة والسُنّة ورواه القاضي الشوكاني

٩٠٥

أيضاً في الحديث القدسي، أنه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : نزل عَلَيَّ جبرئيل فقال: إنّ الله يقرئك السلام ويقول: إنّي حَرَّمتُ النار على صُلبٍ أنزَلَك و بطنٍ حَمَلَك و حِجْرٍ كَفَلك(١) .

____________________

١) روى ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ١٤/٦٧ ط دار احياء الكتب العربية روى حديثاً أسندَه إلى أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام أنّه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قال لي جبرائيل: إنّ الله مشفِّعُكَ في ستة: بطنٍ حمَلتْكَ آمنة بنت وهب، و صلب أنزلك: عبد الله بن عبد المطلب، و حِجْرٍ كفلكَ: ابي طالب، و بيتٍ آواك: عبد المطلب و أخٍ كان لك في الجاهلية قيل: يا رسول الله و ما كان فعله؟ قال: كان سخيّاً يطعم الطعام و يجود بالنوال. و ثدْيٍ أرضعتك: حليمة السعديّة بنت ابي ذؤيب.

وروى في صفحة ٦٨ عن الإمام محمد بن علي الباقرعليه‌السلام قال: لو وضع إيمان ابي طالب في كفّة ميزان و إيمان هذا الخلق في الكفة الأخرى لرجح إيمانه ثم قال: أ لم تعلموا أنّ أمير المؤمنين علياًعليه‌السلام كان يأمر أن يُحَجّ عن عبد الله - والد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - و عن ابيه ابي طالب في حياته ثمّ أوصى في وصيّته بالحج عنهم.

وقال في صفحة ٦٩: ورُوي أنّ عليّ بن الحسينعليه‌السلام سُئل عن هذا - أي عن إيمان ابي طالب - فقال: وا عجباً! إنّ الله تعالى نَهى رسوله أن يقرّ مسلمة على نكاح كافر و قد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام و لم تزل تحت ابي طالب حتى مات - أي إذا كان أبو طالب غير مؤمن لَفرَّقَ رسول الله بينه وبين زوجته فاطمة بنت اسد حينما أسْلَمَت.

وقال في صفحة ٧٠: وقد رُوي عن ابي عبد الله جعفر بن محمدعليه‌السلام أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إنّ أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان و أظهروا الكفر، فآتاهم الله أجرَهم مرّتين و إنّ أبا طالب أسَرّ الإيمان و أظهر الشرك فآتاه الله أجره مرّتين.

قال: و في الحديث المشهور: أنّ جبرائيلعليه‌السلام قال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة مات أبو طالب: اخرج منها - أي مكة - فقد مات ناصرُك. =

٩٠٦

لأبي طالبعليه‌السلام حق على كل مسلم

قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ١٤ / ٨٣ و٨٤، ط دار إحياء التراث العربي: و لم أستجز أنْ أقعدَ عن تعظيم أبي طالب، فإنّي أعْلَم أنّه لولاه لمـا قامت للإسلام دعامة، و أعلمُ أنّ حقه واجبٌ على كل مسلم في الدنيا إلى أنْ تقوم الساعة، فكتبتُ:

ولو لا أبو طالب وَابنُهُ

لما مثّل الدين شخصاً فقاما

فذاك بمكة آوى وحامى

وهذا بيثرب جسّ الحِماما

تكفّل عبدُ مناف بأمرٍ

و أودَى فكان عليٌّ تماما

فقل في ثبير مضى بعدما

قضى ما قضاه و أبقى شماما

فلله ذا فاتحاً للهدى

و لله ذا للمعالي ختاما

و ما ضَرّ مجدَ أبي طالب

جَهولٌ لَغَا أو بصيرٌ تَعَامى

كما لا يضرُّ إياة الصبا

ح مَن ظنّ ضوء النهار الظلاما

____________________

=

أقول: والله لو كان واحد من هذه الاخبار يرد في إسلام أيّ رجلٍ غير ابي طالبعليه‌السلام لتسلّمه علماء العامة ومحدّثوهم بالقبول، وتلقّوا إسلامه وايمانه أمراً مسلَّماً بلا شكّ ولا ريب، ولكنّا ويا للأسف نجد هذه الشبهات تُلقى حول ايمان ابي طالب واسلامه، من بعض علماء العامّة ولعلّ السبب في ذلك لأنّه والد الإمام عليّعليه‌السلام ولأنّ عليّاً ابنه سلام الله عليه!!

«المترجم»

٩٠٧

أشعار أبي طالبعليه‌السلام في الإسلام

وأدلّ دليلٍ على إيمان أبي طالبعليه‌السلام أشعاره الصريحة بتصديق النبي ودين الإسلام، المطبوعة في ديوانه وفي كثير من كتب التاريخ والأدب، وقد نقل بعضها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ١٤/٧١-٨١ ط دار إحياء الكتاب العربي، منها ميميّته المشهورة:

يُرجّون منا خُطّةً دون نَيْلها

ضِرابٌ و طعنٌ بالوشيج المقوَّم

يُرجّون أن نسخى بقتل محمدٍ

و لم تختضّب سحرُ العوالي من الدَّم

كذبتم و بيتِ الله حتى تُفلِّقوا

جَماجمَ تُلقى بالحطيم وزمزم

وتُقطَع أرحامٌ وتنسى حليلةٌ

حليلاً و يُغشى محرَمٌ بعد محرَم

على ما مضى من مقتكم و عقوقكم

وغشيانكم في أمركم كلّ مَأثم

وظلم نبيٍّ جاء يدعُو إلى الهُدى

وأمرٍ أتى من عند ذي العرش قيِّم(١)

____________________

١) القصيدة مطلعها كما في الديوان:

ألا مَن لهَمٍّ آخِرَ الليل مُعتِم

طَواني و اُخرى النجم لمـّا يتقحّمِ

«المترجم»

٩٠٨

وإليكم أيضاً قصيدته اللاميّة الشهيرة والتي ذكرها ابن أبي الحديد في شرح النهج وذكرها كثيرة من الأعلام وهي مطبوعة في ديوانه أنقلُ إلى مسامعكم بعضها:

أعوذ بربّ البيت من كلّ طاعن

علينا بسوءٍ أو يلوح بباطل

ومن فاجر يغتابُنا بمغيبة

ومن ملحق في الدين ما لم نحاول

كذبتم و بيت الله نبزي محمداً

ولمـّا نطاعن دونه ونناضل

وننصره حتّى نصرَّع دونه

ونذهل عن وأبنائنا الحَلائل

وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهُلّاكُ من آل هاشم

فهم عنده في نعمة وفواضل

لعمري لقد كلّفت وَجداً بأحمد

وأحببته حبّ الحبيب المواصل

وجُدتُ بنفسي دونه فحميته

ودافعتُ عنه بالذرى والكواهل

فلا زال للدنيا جمالاً لأهلها

وشَيْناً لمن عادى وزين المحافل

وأيّده ربّ العباد بنصره

وأظهر ديناً حقه غير باطل

ومن شعره المطبوع في ديوانه ونَقَلَهُ ابن أبي الحديد أيضاً:

يا شاهدَ الله عَلَيَّ فاشهد

أنّي على دين النبيّ أحمد

مَن ضلّ في الدين فإنّي مُهتَد

بالله عليكم أنصفوا!! هل يجوز أن يُنسب قائل هذه الأبيات والكلمات، الى الكفر!!

والله إنّه من الظلم والجفاء أنْ تنسبوا أبا طالب إلى الكفر، بعد أنْ يُشْهِد الله سبحانه بأنّه، على دين النبي أحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الشيخ عبد السلام: أوّلاً: هذه الأشعار ونسبتها إلى أبي طالب

٩٠٩

أخبار آحاد، غير متواترة، ولا اعتبار بخبر واحد.

ثانياً: لم يَنقل أحدٌ بأنّ أبا طالب أقرّ بالإسلام وتفوّه بكلمة التوحيد: لا اله الّا الله. بل قالوا: ما أقرّ إلى أنْ مات.

قلت: واعجباً! إنكم جعلتم حُجّية التواتر وخبر الواحد حسب ميلكم، فتارة تتمسكون بخبر الواحد وتصرون على حجيته مثل الخبر الذي رواه أبو بكر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « نحن معاشر الأنبياء لا نورّث » قبلتم به مع تعارضه للآيات القرآنية!!

ثم إذا كان التواتر عندكم شرط صحة الخبر، فكيف تستدلّون بحديث رواه المغيرة بن شعبة الفاسق الفاجر، بأن أبا طالب في ضحضاحٍ من النار، وليس لهذا الحديث راو آخر(١) .

ولا يخفى على المحقِّق البصير والمدقِّق الخبير أنّ أخبار الآحاد حول إيمان أبي طالب و الأشعار المنسوبة إليه لو جُمعت لحصل منها التواتر المعنوي - أي حصل منها معنىً واحد وهو إيمان أبي طالب - فانّ كثيراً من الأمور حصل فيها التواتر عن هذا الطريق، مثل شجاعة الإمام عليّعليه‌السلام ، فإنّ أخبار الأحاد عن بطولته في الميادين وجهاده في ساحات القتال، كشفت عن شجاعته وبسالته بالتواتر.

____________________

١) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ١٤ / ٧٠، ط. إحياء الكتب العربية:

و أما حديث الضَّحْضاح من النار فإنّما يرويه الناس كلّهم عن رجلٍ واحد و هو المغيرة بن شعبة و بغضُهُ لبني هاشم و على الخصوص لعليّعليه‌السلام مشهور معلوم و قصته و فسقه أمرٌ غير خاف.

«المترجم»

٩١٠

إقرار أبي طالبعليه‌السلام بالتوحيد

وأما قولك: لم ينقل أحدٌ أنَّ أبا طالب أقرّ بالإسلام والتوحيد! فهو تحكُّم وباطلٌ، فهو إدّعاءٌ واهٍ بغير أساس ودليل، لأنّ الإقرار لا يكون موقوفاً على صيغة معيّنة، ولا منحصراً بتركيب واحد. بل يحصل بالنثر والشعر بأي شكل كان تركيبه إذا فُهم منه الإقرار، وكان صريحاً وبليغاً.

والآن أُنشدكم الله أيها الحاضرون!! أيّ إقرارٍ أصْرَح وأبلَغْ من هذا الكلام الذي قاله أبو طالب:

يا شاهد الله عَلَيَّ فاشهد

أنِّي على دين النبي أحمد

وإضافةً على هذا البيت وغيره من أشعاره الصريحة في إيمانه وإسلامه، فقد رَوى الحافظ أبو نعيم، والحافظ البيهقي أنّ صناديد قريش مثل أبي جهل، وعبد الله بن أبي أمية، عادوا أبا طالب في مرضه الذي توفّي فيه، وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حاضراً فقال لعمه أبي طالب: يا عم قل لا إله إلّا الله، حتى أشهد لك عند ربّي تبارك وتعالى، فقال أبو جهل وابن أبي أمية: يا أبا طالب أتَرْجِعْ عن ملّة عبد المطلب! وما زالوا به. حتّى قال:

اعلموا أنّ أبا طالب على ملة عبدالمطلب ولا يرجع عنها.

فسرّوا وفرحوا وخرجوا من عنده، ثم اشتدّت عليه سكرة الموت وكان العباس أخوه جالساً عند رأسه، فرأى شفتيه تتحركان، فانصت له واستمع وإذا هو يقول: لا إله إلّا الله. فتوجّه العباس إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال يا ابن أخي والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته بها - ولم يذكر

٩١١

العباس كلمة التوحيد لأنه كان بعدُ كافراً -.

ولا يخفى أنّنا أثبتنا من قبل أنّ آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كلهم كانوا موحدين ومؤمنين بالله يعبدونه ولا يشركون به شيئاً.

فلما قال أبو طالب في آخر ساعات حياته: إعْلموا أنّ أبا طالب على ملّة عبد المطلب، ولا شك أنّ عبد المطّلب كان على ملّة أبيه إبراهيم مؤمناً بالله موحِّداً، فكذلك أبو طالبعليه‌السلام .

مضافاً إلى ذلك فقد تفوّه ونطق بكلمة التوحيد وسمعه أخوه العبّاس يقول: لا إله إلّا الله.

فإيمان أبي طالب ثابتٌ عند كل منصف بعيد عن اللجاج والعناد.

موقف أبي طالبعليه‌السلام من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

إذا كان أبو طالبعليه‌السلام مشركاً كما يزعم بعض الناس، كان من المتوقّع أنْ يعارض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من حين إعلانه النبوّة والرسالة، إذْ جاء إليه و قال: إنّ الله قد أمرني بإظهار أمري وقد أنبأني واستنبأني فما عندك يا عمّ؟

فلو كان أبو طالب غير مؤمن بكلامه وغي معتقد برسالته، لكان من المفروض أن ينتصر لدين قريش ومعتقدات قومه، فينهاه عن ذلك الكلام ويوبّخه ويؤنّبه، بل يحبسه حتى يرجع عن كلامه أو يطرده ولا يأويه ولا يحميه كآزر عم إبراهيم الخليلعليه‌السلام فحينما سمع من الخليل كلاماً يخالف دينه ودين قومه، هدّده وهجره، وقد حكى الله سبحانه ذلك في كتابه الكريم سورة مريم / ٤٣ قال حكايةً عن قول إبراهيمعليه‌السلام :( إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا ) ( قالَ

٩١٢

أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إبراهيم لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَ اهْجُرْنِي مَلِيًّا ) (١) .

ولكنّ أبا طالبعليه‌السلام حينما سمع ابن أخيه يقول: إنّ الله أنبأني واستنبأني، وأمرني بإظهار أمري، فما عندك يا عمّ؟

أيّدهُ وأعلنَ نصرته له بقوله: أُخرُج يا بن أخي! فإنّك الرفيع كعباً، والمنيع حزْباً، والأعلى أباً، والله لا يسلقك لسانٌ إلّا سلقته ألسنٌ حداد، واجتذبه سيوفٌ حداد، والله لنذلّلنّ لك العرب ذل البهم لحاضنها.

ثم أنشأ قائلاً:

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتى أُوَسَّدَ في التراب دفينا

فانفذ لأمركِ ما عليك مخافةً

وأبشر بذاك وقرّ بذالك منه عيونا

ودَعَوتني وزَعمتٍ أنّك ناصحي

ولقد صَدقْتَ وكُنْتَ قبلُ أمينا

وَعَرضْتَ ديناً قَد عَلِمْتُ بأنّه

من خيرِ أديان البريّة دينا

لولا الملامة أو حذاري سبِّه

لوجدتني سمحاً بذاك مبينا

ذكر هذا الشعر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ١٤ / ٥٥ ط. إحياء الكتب العربية، ونقله سبط ابن الجوزي في التذكرة: ١٨، ط. بيروت، وتجده في ديوان أبي طالب أيضاً.

ولو راجعتم ديوانه، وما نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، لوجدتم أشعاراً أخرى صريحة في تصديق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي إعلان نصرته والذبِّ عنه.

فأَنْصِفوا أيها الحاضرون، وخاصّة أنتم أيها العلماء! هل يجوز لكم أن تنسبوا قائل هذه الكلمات إلى الكفر والشرك؟!

____________________

١) سورة مريم، الآية ٤٦.

٩١٣

أم إنّها تُنبيء عن إيمان واسلام قائلها وأنّه مؤمن حقيقي ومسلم ملتزم ومتمسّك بما جاء به محمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

كما اعترف بذلك بعض أعلامكم، فقد نقل الشيخ الحافظ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودّة / الباب الثاني والخمسون نقل من رسالة أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ: وحامي النبي، ومعينه، ومحبِّه، أشدّ حبّاً، وكفيله، ومربّيه، والمقرّ بنبوّته، والمعترف برسالته، والمنشد في مناقبه أبياتاً كثيرة، وشيخ قريش: أبو طالب.

لقائل أنْ يقول: إذا كانت هذه التصريحات من أبي طالب في تصديق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وتأييده ونصرته والدفاع عنه، فكيف نجد أكثر المؤرخين وأصحاب السِّيَر ذهبوا إلى كفره أو التوقف في إيمانه؟!

والجواب: إنّ الدعايات الأمويّة - خاصّة في زمان معاويّة - لعبت دوراً هاماً في مثل هذه الأمور، فمَن سَنَحت له الفرصة أنْ يأمر بسب أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ويأمر بلعنه ولعن ولديه الحسن والحسين سِبطي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وريحانتيه وحبيبه ويشتمهم على رؤوس الأشهاد وعلى منابر الإسلام والمسلمين، حتى صارت هذه المنكرات عادة جارية حتى في قنوت الصلوات وخطب الجمعات، فمن أتيحت له هكذا فرصة وقام بقلب الحقائق وتغيير الوقائع وتبديل الحق بالباطل وبالعكس، فهل يأبى من إنكار إيمان أبي طالبعليه‌السلام وبث الدعايات في أنّه مات كافراً، أم يعجز من ذلك ويصعب عليه؟!

والأعجب.. أنّ معاوية وأباه وكذلك ابنه يزيد ورؤوس الكفر

٩١٤

والنفاق، مع كثرة الدلائل المذكورة في تاريخهم الدالّة على كفرهم وإلحادهم وعد إيمانهم، يظهرون للمسلمين بظاهر الإيمان بل يُعدُّ معاوية وابنه من أمراء المؤمنين إلى يومنا هذا، فهؤلاء مع سوابقهم في محاربة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومعاندتهم للدين، ودخولهم في الإسلام كُرهاً بعد عام الفتح، ثم نفاقهم وشقاقهم بين المسلمين وقتالهم لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، وتحرّكاتهم العدوانية وأعمالهم الشيطانية على الإسلام، والقيام بالأعمال الوحشيّة، والتهجّمات البشعة على بلاد المسلمين والناس الآمنين، ونهب أموالهم، وقتل رجالهم، وهتك أعراضهم مثل هجوم بُسر بن أرطاة على الطائف واليمن والأنبار وغيرها، وهجوم الأعور بني مرّة مسلم بن عقبة بجيش الشام على مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في واقعة الحرّة، ونقض معاوية عهده مع الامام الحسنعليه‌السلام وقتله بالسم، وكذلك قتله حجر بن عدي وأصحابه، وغيره من صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقتل يزيد حسيناًعليه‌السلام وسبي أهله وحريمه، وغير ذلك من الأعمال العدوانية والكفر والالحاد المشهود منهم والمشهور عنهم في التاريخ، كل هذا وتحسبونه من أمراء المؤمنين! لعنهم الله!!

ولكن أبا طالب مع تلك المواقف المشرفة، والسوابق المشرقة التي هي أظهر من الشمس، تقولون ما آمَن ومات مشركاً!! أما يكون هذا وذاك من تأثير الدعايات الامويّة!!

معاوية خال المؤمنين!!

الشيخ عبد السلام: لا يجوز هذه التعابير السيّئة على معاوية

٩١٥

ويزيد، ولا يجوز لعنهما فإنهما من كبار خلفاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا سيما معاوية (رض) فانّه خال المؤمنين وكاتب الوحي، ولم يَقتل الحسن بن علي (رض)، بل قتلته زوجته جعدة بنت الأشعث.

قلت: من أين جاءَهُ هذا اللقب؟ وكيف صار معاوية خال المؤمنين؟!

الشيخ عبدالسلام: لأن أم حبيبة - زوجة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - هي بنت أبي سفيان وأخت معاوية، تكون أم المؤمنين فيكون أخوها معاوية خال المؤمنين!

قلت: هل أم المؤمنين عائشة، عندكم مقامها أعلى أم أخت معاوية أمّ حبيبة؟

الشيخ عبدالسلام: زوجات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإن كنّ كلهنّ أمهات المؤمنين كما هو تعبير القرآن الكريم، إلّا أنّ عائشة تمتاز عن قريناتها وهي أفضلهن وأعلاهن مقاماً(١) .

____________________

١) هذا مخالف للنص الصريح المروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتبكم فأفضل نسائهصلى‌الله‌عليه‌وآله وخيرهن خديجةعليه‌السلام ، وبرواية عائشة نفسها تقول: «كان النبي يكثر ذكره» فربما قلتُ له: كأنما لم يكن في الدنيا امرأة إلّا خديجة، فيقول: كلا والله، ما أبدلني الله خيراً منها إنها كانت وكانت: آمنت إذ كفر الناس، وصدّقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد دون غيرها من النساء. (راجع تفصيل الخبر في رواياته عند البخاري في صحيحه ج ١٦ ص ٢٢٧ - ٢٨٢ بشرح العيني، وعند أحمد في المسند، وعند الطبراني من رواية ابي نجيح).

كما روى الإمام عليعليه‌السلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة... يعني في الدنيا الأولى وفي دنيا الثانية. (راجع عمدة القاري شرح صحيح البخاري: ج ١٦ في فضائل خديجة).

«المترجم»

٩١٦

لم لا يُلَقَّب محمد بن أبي بكر بخال المؤمنين؟

قلت: إذا كان معاوية خال المؤمنين لأنّه أخ لإحدى زوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فجميع أخوات زوجات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خالات المؤمنين، وجميع إخوان زوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يكونون أخوال المؤمنين، فلماذا لقّبتم معاوية وحده بخال المؤمنين ولم تلقّبوا محمد بن أبي بكر وغيره بهذا اللقب؟!

ثم إذا كانت أخوّة معاوية لزوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تُعَدُّ فضيلةً وشرفاً فأبوّة حُيَي بن أخطب اليهودي لصفيّة زوجة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يجب أن تُعدّ له فضيلةً وشرفاً أيضاً!!

وإنما انفرد معاوية بهذا اللقب، لأنّه تزعم المنافقين والنواصب وقاد جيوش الضلال لحرب أمير المؤمنين وسيد الوصيين وإمام المتقين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وسنَّ لعنَه وسبَّه على منابر المسلمين!

معاويةُ: قاتلُ الإمام الحسنعليه‌السلام

وأما قتله للإمام الحسن سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو وإن لم يكن فيه مباشراً، ولكنه كان هو السبب والمحرّض في ذلك، فقد نقل أكثر المؤرخين والمحدّثين منهم ابن عبد البرّ في الاستيعاب، والمسعودي في إثبات الوصيّة، وأبو الفَرَج في مقاتل الطالبيين روى بسنده عن المغيرة قال: أرسل معاوية إلى ابنة الأشعث أنّي مزوّجك بيزيد إبني، على أن تسمي الحسن بن علي، وبعث إليها بمائة ألف درهم، فقبلت وسمَّت

٩١٧

الحسن(١) .

وذكر كثير من المؤرّخين والمحدثين منهم ابن عبدالبر في الاستيعاب، وابن جرير الطبري في تاريخه قالوا: لما جاء معاوية نبأ وفاة الحسن بن عليّعليه‌السلام كبَّرَ سروراً، وكبَّر من حوله وأظهروا الفرح!

فيا شيخ عبد السلام! بميولكم وأهوائكم تجعلون هكذا مجرم خال المؤمنين! ولا تلقّبون محمد بن أبي بكر بهذا اللقب، لأنّه كان ربيب عليّعليه‌السلام ومن حواريه وأصحابه الصامدين وشيعته المؤمنين، ولأنّه قال في أهل البيتعليهم‌السلام :

يا بني الزهراء أنتم عُدّتي

وبكم في الحشر ميزاني رجحْ

وإذا صحَّ ولائي لكمُ

لا اُبالي أيَّ كلبٍ قد نبحْ

____________________

١) لقد ثبت أنّ معاوية كان السبب في قتل الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام فقد نقل سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص / تحت عنوان: سبب موتهعليه‌السلام : قال علماء السير سَمَّتْهُ زوجته جعدةَ بنت الأشعث، وقال السدّي: دس إليها يزيد بن معاوية أنْ سمي الحسن وأتزوجك، فسمته وقال الشعبي: إنّما دسّ إليها معاوي فقال: سمّي الحسن وأزوّجك يزيد وقال ابن سعد في الطبقات: سمه معاوية مراراً. «انتهى كلام سبط ابن الجوزي»

وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة / آخر الباب العاشر: وفي رواية - قال للحسين -: إنّي يا أخي سُقيت السم ثلاث مرّات، لم أسقه مثل هذه المرة، فقال: مَنْ سقاك:؟ قال ما سؤالك عن هذا؟ أتريدُ أنْ تقاتلهم؟ أكِلُ أمرهم إلى الله.

قال ابن حجر: وفي رواية لقد سُقيتُ السمّ مراراً ما سقيته مثل هذه المرة.

أقول ثبتَ أن الحسن السبطعليه‌السلام قُتل مسموماً، فلعنة الله على المسبِّب والمباشر والراضي بذلك إلى يوم الدين.

«المترجم»

٩١٨

فهو قول ابن أبي بكر وأخو عائشة أم المؤمنين، ولا شك أنّ أبا بكر عندكم أفضل من أبي سفيان وعائشة أعلا مقاماً وأجلى رتبةً من أم حبيبة. ومع ذلك لا تطلقون على محمد لقب خال المؤمنين، بل بعض العامة يلعنونه ويتبرّءون منه.

ولما دخل عمرو بن العاص ومعاوية بن خديج مصر فاتحين، حاصروا محمداً ومنعوا عنه الماء ولما استولوا عليه قتلوه عطشاناً، ثم جعلوا جنازته في بطن حمار ميِّت وحرَّقوه، وأخبروا معاوية بذلك، فأظهر الفرح والسرور وأمر أصحابه أيضاً بإظهار الفرح.

والعجب أنكم عندما تسمعون أو تقرؤون هذه الأخبار الفجيعة، لا تتألّمون ولا تتأثّرون لما فعل أولئك المجرمون الملعونون بمحمد بن أبي بكر، ولكن لا تطيقون أنْ تسمعوا لعن معاوية المجرم وحزبه الظالمين، فتدافعون عنه وتقولون لا يجوز لعنه، بل يجب احترامه لأنه خال المؤمنين!!

فلماذا هذا التناقض في الرأي والعقيدة؟!

أما يكشف هذا عن التعصّب والعناد، وعن التطرّف واللجاج!!

هل كان معاويةُ كاتباً للوحي؟

من الثابت الذي لا نقاش فيه أنّ معاوية أسلم بعد الفتح في العام العاشر الهجري، وقد كان إلى ذلك الزمان جُلُّ القرآن الحكيم - القريب للكلّ - نازلاً على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكما ذكر المؤرّخون: أنّ فتح مكة كان في العام الثامن الهجري و فيه أسلم أبو سفيان إلّا أنّ معاوية اختفى وأرسل إلى أبيه كتاباً يعاتبه ويؤنّبه على إسلامه، ولمـّا

٩١٩

انتشر الإسلام في كل الجزيرة العربية وحتى في خارجها اضطر معاوية أنْ يسلم، وبعد إسلامه كان مهاناً بين المسلمين، ينظرون إليه نظراً شزراً، فتوسّط العباس بن عبد المطلب عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يفوّض إليه أمراً حتّى يحترمه المسلمون ويتركوا تحقيره وتوهينه.

فعيّنه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كاتباً لمراسلاته، وبه لبّى طلب عمه العباس(١) .

دليل كفر معاوية وجواز لعنه

وأما دلائل كفر معاوية وعدم إيمانه وجواز لعنه، فهي كثيرة، ولو أردنا نقلها جميعاً لاقتضى تأليف كتاب مستقل، ولكن أنقل لكم بعضها من الكتاب والسنّة، ومن سيرته وسلوكه ضدّ الإسلام والمسلمين، منها قوله تعالى:( وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إلّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إلّا طُغْياناً كَبِيراً ) (٢) .

فقد ذكر أعلام مفسريكم مثل العلامة الثعلبي، والحافظ العلّامة جلال الدين السيوطي في الدر المنثور، والفخر الرازي في تفسيره

____________________

١) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ١/٣٣٨،ط دار احياء التراث العربي:وكان - معاوية - أحَدَ كتّاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله و اختُلف في كتابته له كيف كانت فالذي عليه المحققون من أهل السيرة أنّ الوحي كان يكتبه عليُّعليه‌السلام و زيد بن ثابت و زيد بن أرقم و أنّ حنظلة بن الربيع التيميّ و معاوية بن أبي سفيان كانا يكتبان له إلى الملوك و إلى رؤساء القبائل.

«المترجم»

٢) سورة الإسراء، الآية ٦٠.

٩٢٠

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199