آلاء الرحمن في تفسير القرآن الجزء ١

آلاء الرحمن في تفسير القرآن15%

آلاء الرحمن في تفسير القرآن مؤلف:
الناشر: مكتبة الوجداني - قم
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 394

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 394 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 55100 / تحميل: 6058
الحجم الحجم الحجم
آلاء الرحمن في تفسير القرآن

آلاء الرحمن في تفسير القرآن الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مكتبة الوجداني - قم
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

بالحيّات المسمومةِ

وخنازير الوالي

وكلاب البرّيّهْ

أفّ للسلطان

إذا قام يهرّج في ذاكرة البشريّهْ ..!

أفّ للراعي

لو قام يجرجر شعباً في الأسواقِ

كما الأغنام

ويلجم ألسنة الصدقِ

ويقطعها

ويحزّ الأعناق على الظنّةِ

والتهمة

ويطبق قانون الهمجيّهْ

ويسوق النسوة للسبيِ

ويرهب أطفالاً

ويحارب شيخاً وصبيّ

ويؤلّف شعراً

ويجاهر بعداء نبيّ

أفّ للشعر إذا قام يجاهرُ

بعداء نبيّ !

فلتُكتَبْ بطلا يا ابنَ الطلقاءِ

لتُصبحْ ملكاً

٤١

فلقد تُوّجتَ أخيراً

وقتلت حسيناً

وغنمت البرنسَ

والدرع البتراءَ

ونعلاً !

وسلبت رقيةَ قرطا ذهبيّ

وذبحت حسيناً

وقطعت الإصبع من أجل الخاتمِ

وكأنك لص صربيّ !

ونزعتَ الأثواب عن النسوةِ

وكسوتَ قبائلنا شرفاً عربيّ !!

فلتلبسْ هندٌ في حفرتها

حلل الأيتام الأسرى

ولتتجمَّلْ يا ابنَ سليمِ الكلبيّ !

وجهه والمدَى

صوته والصدى

دمعه والندى

رحله والذئاب والردى

صدره والسهام والقدَرْ !

وجهه كان باسمَا

صوته ظل قادما

٤٢

دمعه الربابُ في السّما

قلبه كان عائما

كقارب علي أشعة القمرْ !

فأغرقته موجة من الرماحِ

والسيوفِ

والحجَرْ !

     

آهٍ، وألفٌ، واَمَدْ !

من الحسرة المتشعبة في

ذرات النفس كسيقان العنكبوتْ

كربلاءُ كربلاءْ

يا عَبرةَ الأرض وشهقةَ السماءْ

ومئذنة العرش ومبكى الأنبياءْ

ومحطّ المعجزات الخارقهْ

حيث يعبق أريج الورود المدمّاةِ

المدلآةِ

من عُرى قلوب الوالهين

أيّة ذكرى تلك موجعةٍ وساحقَهْ

ومشعلةٍ وحارقهْ !

وأيُّ ماضٍ لن يعود

وما كان ليعود

وأيّ خاطر كان ومرَّ

٤٣

كنشيد غجريْ

في حفل بربريٍّ وحشيّ

ثقل به دفتر الزمانْ

آهٍ لكَ، ومنك !!

آهٍ لك أيها الجسد الملقَى مُجَدّلاً

على مسرح الفنون الجاهليَّهْ

بلا رأس، ولا خشبةٍ

ولا نُظَّارةٍ، ولا نَصّ !

وآهٍ منك أيها الرأس الدائرُ

في مدن اليبابْ

وضمائر الخرابْ

أربعين يوماً

أربعين جيلاً

أربعين آدماً

وأنت الذي لم تكن أبداً « بروتوسْ »

ولا طاعنَ الامبراطور القيصرْ

ولا حارق الخليل الحنيفْ

ولا مبلبل اللغة اللسانْ

في برج بابلْ

أو الصرح الذي لم يبنه « هامانْ » !

ولم تكن « الاسخر يوطّي » على

مائدة العشاء الأخيرْ !

٤٤

أيها النبأ الساطع في

صفحات السِّفر الأولِ

قبل الصفْرِ ..

وقبل التكوينْ

تمنح الظلام قمراً ونجوما

والسماء فردوسا

والأرض حُججا وأوصياءْ

والكونَ أوفياءْ

والسُدَّةَ حكماءْ

في زمن يحكمه البغاءُ

والرجال التي تحيضْ

والنعاج والدجاجْ

وأبراج المراقَبَةْ

وأحبار الأسفار المخضَّبهْ

الذين يشترون بآيات رأسك الرّيَّ

والشامَ، والعراقَ

وبيتَ الله

والشموس الغاربَهْ !!

أجول وتبحر ذاكرتي

نحو « حوارين » الآراميَّهْ

لأرى اللاعب بالطنبور يصلّي

٤٥

في حجر امرأة روميّهْ

أثر معاقرة ومسامرةٍ

وقصيدة غزل غير عفيفْ !

والحُلمُ مخيف !!

والرؤيا تنذر بكلاب عاويةٍ

تتقافز فوق المنبرِ

وتؤمّ الأمَّةْ !

مرحى للضارب بالدفِّ

صديق القردة

وضجيعِ العَمَّهْ !!

مرحى لابن ابن أبيهِ

ومرحى لابن البوّال على عقبيهِ

وراعية المعزى

مرحى للملهاة إذا انقلبت محنَة !

مرحى لمن اختار النار على الجنَّةْ !

مرحى للناكتِ لثنايا السبطِ

أمام رسولِ الرومِ

كأنّ ثناياه المتلالئةَ بفمه الوضَّاءْ

لا تعدل حافر بغلٍ

لابن العذراءْ !

- يا عيسى يا ابنَ العذراءْ - !!

مرحى لتقاليد الأدبِ على

٤٦

مائدة الأمراءْ !

مرحى لسياسات الخلفاءْ !

مرحى لكَ يا ابنَ النصرانيَّةِ

وحفيدَ « مينيرقا » ..

وسليلَ « زيوسْ »

Dios, Dios

Santos, Santos

Dios, Santos..!!

راءٌ، باءْ !

     

لو لم يأخذ ربي من ظهري عهداً

لسجدتُ لرأسك ياابنَ الزهراءْ !!

فقأت عيني

لاستدر عطف الشانئين

فازدادوا شنآنا !

     

وأخرجت شَطئي

فلم أعجب الزرّاع !

وصرخت فلم يُستجَبْ لي !

فجننت على ضفتك المسلوبِة

يا نيلْ ..

وزعقت أولول وأقولْ:

[ مسموح أن تبكي كليوباترا

انطونيو

٤٧

فوق ضفاف النيلْ

أما زينب فعليها الصمتْ

عليها أن ترقص للموتْ

وأخوها في الطفّ قتيلْ !

...

يا سيدتي ..

يا زينب يا سيدتي !

في قاهرتي

تجدين يزيداً يتحصن بالقلعَهْ

يسكر فيها ..

يتبول فيها ..

.... ويصلي فيها الجمعَهْ ..! ]

...

ليست في عنقي ليزيدٍ بيعَهْ !

كل رجال مدينتنا « ابنُ عقيلٍ »

وجميع نساء مدينتنا « طوعَهْ » !

[ يا ربي ..

لم يرتفع قلبي

ولم تَسْتَعْلِ عينايْ

ولم أسلك في العظائمْ

ولا في عجائبَ فوقي

٤٨

بل هَدَأتُ، وسَكَّتُّ نفسي

كفطيم نحو اُمّهْ ..

نفسي نحوي كفطيم ! ]

هَلِّلُويا هلِّلُويا !!

فلماذا ارتجّت الأمم ؟

وتفكَّرَ الشعوب في الباطل

وكثرت الفروج على السروجْ ؟!

هلّلويا هلّلويا !!

ولماذا قطعوا كفّ العبّاسِ

وناشوا عبدالله بسهمٍ

مزّق نَحْرَهْ ؟

ولماذا باعوا الكوفَةَ

والفسطاطَ

وفتحوا مكةَ سوقا حُرَّهْ ؟

     

ولماذا قتلوني عطشاً

ولماذا باعوا ماء بحيرة طبريَّهْ ؟

ولماذا جعلوا من غزّةَ

راقصةً غجريَّهْ ؟

ولماذا جعلوني أرطن بالعبريَّهْ ؟!

هلّلويا هلّلويا !!

ورجوتكَ من ساعتها

وإلى الآنْ ..

٤٩

وإلى الدهرْ !

ومن الأعماق صرخت إليكْ

كالفرس الصاهل ظُهر العاشرْ

يفتح للثوار معابرْ

نحو الحريّة في الأفق النادرْ

ووقفت أناجيك تقدس وجهكْ

فتقبّلْني كدماء لا تسقطْ

أَصعِدني أَصعِدني

حتى لا أفقد ذاكرتي

او ألتاثَ، وقد صلّى الصبحَ خليفتُنا

أربع ركعاتٍ

وتهيّأَ لثمانٍ لمن ازدادْ !!

وارفع عن ليل وجودي

وندى الحلم على أرض سجودي

شبح العاتية الرعويَّهْ

تلك الأمويَّهْ

فلقد أسرتني بحديد الظلمِ

ونار الطغيانْ

الف شهرٍ

الف عامٍ

.... الف قرنٍ

.. الف دهرٍ وزمانْ

٥٠

الف موتٍ ومَعادْ

الف سوقٍ ومزادْ

...

سيفي لم يُصنعْ للأغمادْ !

...

فان ازدادت طرفة عين أخرى

فلتشهد أني لست بمزدادْ

لست بمزدادْ ..

لستُ بمزدادْ !!

11 - 2 - 1994

٥١

٥٢

الظليمة !

يخنقون الورود في فصل التجلِّي

ويبيدون الغصون وهي تصلّي

فاستمرّوا !

إنه العطر رشّته على الكون الشدائدْ

واجتباه الربيع من كمد الروض

واصطفته الخدود من دموع الخَرائدْ

واستدار للشرق يعزف للفجرِ

ويسترخى على صدر القصائدْ

واستمروا ..

يفرح القلب بالرحيلِ ويبقى

وهج عينيه برقاً

يغمر اللهفةَ في النظرةِ

والعَبرةِ شدْواً

ويسترعى سيوف الغيبِ للثأر

ويستدعي السواعدْ

واغرزوا في ملاءات النهار رماحاً

٥٣

وسهاما أخرى

والصَقوا الحلكةَ في وجه الليلِ

وجبهات النجومِ

وناموا عن صلاةٍ

تنشر الحبَّ

وصدقَ النيّةِ

والأملَ العلويَّ

وتكبيراً

ورُدّوا طارق الوحي

وسدوا طاقة النورِ

وأبوابَ المساجدْ !

عارفا كنتُ

وكشف السِّتر أدماني

ودمي خمرةُ نساك الخراباتِ

واملاكٍ يقرآن زيارة المذبوحِ

في صحن الرزايا ..

لم أحبّذ لعبة العكسِ

وظل الظلِّ في قعر المرايا ..

بل تجولت بنفسي

حول نفسي

وهززت رفاتي

٥٤

وطرقتُ البابَ

واجتزت الحجابَ

وصولاً للذي تخفيه ذاتي !

فتبدّت في تجلِّي النور أشباح الخفايا !

وانجلى السر لبصر أصبح اليوم حديداً

بعد ما انبلجت خيوط الصبح من دلج العشايا

جذبةٌ !

يده تراءت !

فتطاولتُ وأمسكتُ بحبلٍ

وتبصّرتُ بكحلٍ

لم أعد من هذه الدنيا

ولا هاتي البرايا ..

في فمي نبعٌ

وفي عينيَّ بستانٌ

وفي كفيَّ للنعمة طعم ودنانٌ

والفضاء الواسع الرحبُ تناءىٰ

وترامى

فانمحى البَعْدَ صُعُوداً ..

واختفى البُعْدُ. وُجُوداً ..

وزالت من زواياه الزوايا ..

ذُهل الحزنُ

وجفّت من محيطاتي همومي

٥٥

ولمستُ القاعَ ؟!

هل قاعٌ ؟!

وتحسستُ السقف ..

اَسَقْفً ؟!

.. ليس هذا ..

إنه الماضي

غزا قولي بنذرٍ من تشابيه البقايا ..

هاهنا عشقٌ

ومعشوقٌ

والعلاقات تَعَرَّت في كمالِ الوصلِ

وانطفأت شرارات الخطايا ..

وتجمّعْتُ على هيكل خُلد وصفاء

بعد ما كنت عظاماً

وقتاما

وتصاويرَ فناءٍ

وشظايا !

كم تجملتُ ..

فقد كنت قبيحَا. !

وتنافستُ ..

فلم أخْلُدْ كسيحَا

وتداويت بعشب العشقِ

٥٦

فازددتُ جروحَا !

فترجَّعتُ ..

فأصعدْتُ ذبيحَا ..

فتوسلتُ بنصل بين أضلاعِ ( الحسينِ )

فهمَّت تحتويني عن يمين العرش طوبى

وأحاطتني عصافير البشائرْ !

يائساً كنتُ ..

وقلبي كان مشقوقاً كصدري

ورجائي كان مصدوعاً كعمري

لم أكن أدري بأنّ ( الرمزَ )

في احرفِ ( عَشْرِ ) !

فتناولت يقيني ..

وتتبعت الوفدَ إلى ( الطَّفِّ )

لأعرف روحي

وهي عطشى فوق شطآن الخناجرْ ..

مسرعاً كنتُ كخيل جَمَحَتْ

فتعثرت بطفل كحّل الآفاق من دمهِ

ونحرُ الطفل يسقي الأرض نبضاً

ومِهاداً ..

ومحيّاه تجلَّى بالبراءاتِ

وصلَّى بين أشلاء المجاوزْ !

مُغمداً سيفيَ كنتُ

٥٧

فجرَّدْتُ ..

وملت بخيلي نحو أرض الكربِ

أُبلَى !

ضارباً من لحميَ المنهوشِ فسطاطاً

على هلع الحرائرْ !

واضعاً حتْفي على كفِّي

أشدُّ الشمسَ ..

يا شمسُ أعينينا

وكوني في زمان القهر والخذلان ناصرْ !

فتحيّرت لوجه فوق رمح

كسفَ الشمسَ

وأرسى نوره الخلابَ في حَدَق المنائرْ

أشرق الله ( بكوفانَ ) على الرمحِ

جهاراً ..

علّها تحيا ..

وتستيقظ هاتيك الضمائرْ !

زاهداً كانَ ..

كما كان أبوهُ ..

وخصفُ النعلِ خيرٌ

عندما تأبى الأمارَهْ !

إنَّ للبيعة عبئاً يثقل الأعناقَ

٥٨

أنتم ناقضوها !

فاستمرّوا ..

وانْسَخوا الآياتِ في غار حراء

وافتحوا في الكعبة العصماءِ

بيتاً للدعارهْ !!

3 - 3 - 1995

٥٩

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ولحقتموه وهو غدا خارج طالب بثأره وحقه، وتراث آبائه، وإقامة دين الله، وما يمنعكم من نصرته ومؤازرته، إنّني خارج من وجهي هذا إلى الكوفة للقيام بأمر الله، والذب عن دينه والنصر لأهل بيته، فمَن كانت له نيّة في ذلك، فليلحق بي...).

واستجابت له الزيدية وغيرهم، واتجه أبو السرايا بجيوشه نحو الكوفة.

وأمّا محمد فقد أعلن الثورة في نفس اليوم الذي ثار فيه أبو السرايا، وقد التفت حوله الجماهير الحاشدة، وظل محمد يترقّب بفارغ الصبر قدوم أبي السرايا عليه، وقد طالت الأيام حتى يئس منه أصحابه، ولاموا محمداً على الاستعانة به، واغتمّ محمد لتأخّره عنه، وبينما هم في قلق واضطراب إذ طلعت عليهم جيوش أبي السرايا، ففرح محمد وسرّ سروراً بالغاً، ولـمّا قرب منه قام إليه محمد واعتنقه، وبقي معه أياماً ثم اتجه معه صوب الكوفة، فلمّا انتهى إليها استقبله أهلها استقبالاً رائعاً، وأظهروا الفرحة الكبرى بقدومه، وبايعوه بالإجماع(1) .

واحتلت جيوش أبي السرايا الكوفة، ونهبوا جميع ما في قصر الفضل بن عيسى والي الكوفة، ولم يرغب بذلك أبو السرايا فأصدر أوامره المشدّدة إلى الجيش بالكف عن السلب والنهب وإرجاع المنهوبات إلى أهلها.

وأرسل الحسن بن سهل حاكم العراق من قبل المأمون ثلاثة آلاف فارس بقيادة زهير بن الحسن لحرب أبي السرايا، ولـمّا انتهت إلى الكوفة التحمت مع جيوش أبي السرايا، فانهزم الجيش العباسي شرّ هزيمة، واستولى جيش أبي السرايا على جميع أمتعته(2) ، وقد انتصر أبو السرايا انتصاراً رائعاً، وسرى والخوف والرعب في نفوس العباسيين، وأيقن الكثيرون منهم أنّ الثورة قد نجحت، وأنّ مصيرهم في خطر عظيم.

وفاة الزعيم محمد:

ومن المؤسف حقاً أنّ الزعيم الكبير محمد بن إبراهيم قد توفّي، وذهبت معظم المصادر التأريخية إلى أنّه توفّي وفاة طبيعية، وعزت بعض المصادر وفاته إلى أبي السرايا فقد دسّ إليه سمّاً فاغتاله، ليتخلص منه، وأكبر الظن أنّه توفّي حتف أنفه، ولم يكن

____________________

(1) مقاتل الطالبيين (ص 533).

(2) مقاتل الطالبيين.

١٨١

لأبي السرايا أي ضلع فيها؛ لأنّ الثورة كانت في بدايتها، وليس من الممكن بأي حال من الأحوال أن يقدم أبو السرايا على اغتياله في تلك الظروف الحرجة التي لم يتيقن فيها بنجاح ثورته.

ومهما يكن من أمر فإنّ أبا السرايا قام بتجهيز الجثمان الطاهر فغسّله وأدرجه في أكفانه، وحملوه في غلس الليل البهيم إلى (الغري ) فدفنوه فيه(1) ورجعوا إلى الكوفة، وفي الصبح جمع أبو السرايا الناس، ونعى إليهم الزعيم الكبير محمد وعزاهم بوفاته، فارتفعت الأصوات بالبكاء، والتفت إليهم قائلاً: (ولقد أوصى أبو عبد الله إلى شبيهه، ومَن اختاره وهو أبو الحسن علي بن عبيد الله، فإن رضيتم به فهو الرضي، وإلاّ فاختاروا لأنفسكم).

وساد الوجوم في جميع قطعات الجيش، ولم ينبس أحد ببنت شفة وانبرى العلوي محمد بن محمد بن زيد، وهو غلام حدث السن، فخاطب العلويين قائلاً: (يا آل علي إنّ دين الله لا ينصر بالفشل، وليست يد هذا الرجل - يعني أبا السرايا - عندنا بسيئة، وقد شفى الغليل وأدرك الثأر).

والتفت إلي علي بن عبيد الله، فقال له: (ما تقول: يا أبا الحسن، فقد وصانا بك، أمدد يدك نبايعك).

وأضاف يقول: (إنّ أبا عبيد الله - رحمه الله - قد اختار، فلم يعدم الثقة في نفسه ولم يألوا جهدا في حق الله الذي قلّده، وما رد وصيته تهاوناً بأمره ولا ادع هذا نكولاً عنه، ولكن أتخوّف أن اشتغل به عن غيره، ممّا هو أحمد وأفضل عاقبة، فامض رحمك الله لأمرك، واجمع شمل بني عمّك، فقد قلدناك الرياسة علينا، وأنت الرضي عندنا الثقة في أنفسنا).

ثم التفت إلى أبي السرايا فقال له: (ما ترى أرضيت به؟).

وسارع أبو السرايا قائلاً: (رضاي من رضاك وقولي من قولك).

____________________

(1) مقاتل الطالبيين.

١٨٢

وجذبوا يد محمد بن محمد فبايعوه، وقام محمد في الوقت بعزم ثابت فنظم شؤون حكومته، وبعث عمّاله إلى الأقطار الإسلامية التي فتحها أبو السرايا، وهذه المناطق التي بعث إليها عماله:

1 - الكوفة: وقد ولّى عليها إسماعيل بن علي.

2 - اليمن: وقد ولّى عليها إبراهيم نجل الإمام موسى بن جعفر.

3 - الأهواز: وقد جعل عليها زيد بن موسى.

4 - البصرة: وقد استعمل عليها العباس بن محمد.

5 - مكة: وقد جعل عليها والياً الحسن بن الحسن الأفطس.

6 - واسط: وقد جعل عليها جعفر بن محمد بن زيد وجعل على شرطته روح بن الحجاج، وأسند القضاء إلى عاصم بن عامر.

وضربت النقود بالكوفة، وكتب عليها الآية الكريمة( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ) وأخذت الثورة تتسع في مناطق العالم الإسلامي، فقد سئم المسلمون من الحكم العباسي، واستجابوا بفرح وسرور إلى الحكم العلوي.

وأدرك العباسيون الخطر الذي يهدد حياتهم وزوال سلطانهم، فقد مُني والي العراق الحسن بن سهل بهزيمة ساحقة، فكتب إلى طاهر بن الحسين لينضم إليه إلى قتال أبي السرايا، ولكن كتبت إليه رقعة فيها هذه الأبيات، وقد أخفى صاحبها اسمه وهي:

قناع الشك يكشفه اليقينُ

وأفضل كيدك الرأي الرصينُ

تثبّت قبل ينفذ فيك أمر

ويهيج لشره داء دفينُ

أتندب طاهراً لقتال قومٍ

بنصرتهم وطاعتهم يدينُ

سيطلقها عليك معقلات

تصر ودونها حرب زبونُ

ويبعث كامناً في الصدر منه

ولا يخفى إذا ظهر المصونُ

فشأنك واليقين فقد أنارت

معالمه وأظلمت الظنونُ

ودونك ما تريد بعزم رأي

تدبّره ودع ما لا يكونُ

ولـمّا قرأ الحسن هذه الأبيات رجع عن رأيه، وكتب إلى هرثمة بن أعين يسأله التعجيل في القدوم إليه، وأوفد لمقابلته السندي بن شاهك، وكانت بين الحسن

١٨٣

وهرثمة شحناء وتنافر، فلمّا التقى به السندي، وناوله الكتاب، فقرأه، وقال: (نوطئ نحن الخلافة، ونمهّد لهم أكنافها، ثم يستبدّون بالأمور ويستأثرون بالتدبير علينا، فإذا انفتق عليهم فتق بسوء تدبيرهم وإضاعتهم الأمور، أرادوا أن يصلحوه بنا، لا والله، ولا كرامة حتى يعرف أمير المؤمنين - يعني المأمون - سوء آثارهم وقبيح أفعالهم).

وتباعد عنه السندي، ويئس منه، ووردت عليه رسالة من المنصور بن المهدي، فلمّا قرأها استجاب، وقفل راجعاً إلى بغداد، فلمّا صار إلى (النهروان ) خرج البغداديون إلى استقباله، وفي طليعتهم الوجوه وقادة الجيش، وحينما رأوه ترجّلوا جميعاً، ونزل في داره، وأمر الحسن بن سهل بدواوين الجيش فنقلت إليه ليختار من الرجال ما شاء، وأطلقت إليه بيوت الأموال، وأخذ هرثمة يجمع الجيوش ويعد العدة لمناجزة أبي السرايا، ولـمّا كملت جيوشه وكان عددهم ثلاثين ألف مقاتل ما بين فارس وراجل زحف بهم نحو الكوفة واجتاز على(المدائن) فاستولى عليها، وهزم عاملها،

ثم زحف نحو(الكوفة) ، والتقى جيشه بجيش أبي السرايا، فالتحما ودارت بينهما معارك رهيبة، وقد قتل من أصحاب أبي السرايا خلق كثير، وقد انهارت قواه العسكرية، ولم يعد قادراً على حماية(الكوفة) التي هي عاصمته، فهرب نحو(القادسية) ثم منها إلى(السوس) فأغلق أهلها عليه الأبواب، وطلب أبو السرايا منهم أن يفتحوها له ففتحوها، ووقعت الحرب بينهم وبين أهالي السوس فانهزم أبو السرايا قاصداً(خراسان) ، فنزل قرية يقال لها(برقانا) فخرج إليهم عاملها فاجتمع بهم، وأعطاهم الأمان فاستجابوا له، وفي نفس الوقت أرسلهم إلى الحسن بن سهل، وكان مقيماً بالمدائن، فلمّا انتهوا إليه أمر بقتل أبي السرايا، فقتل، ثم أمر بصلب رأسه في الجانب الشرقي من بغداد، كما أمر بصلب بدنه في الجانب الغربي من بغداد(1)، وكانت المدّة بين خروجه وقتله عشرة أشهر(2) .

وانتهت بذلك هذه الحادثة الخطيرة، وقد قتل فيها ما يقرب من مائتي ألف مقاتل، وممّا لا شبهة فيه أنّ هذه الثورة وأمثالها كانت ناجحة من سوء السياسة

العباسية التي لم تألوا جهداً في ظلم الناس وإرغامهم على الذلّ والعبودية للحكم العباسي.

____________________

(1) حياة الإمام موسى بن جعفر 2 / 403 - 406 نقلاً عن مقاتل الطالبيين وغيره.

(2) تأريخ الطبري 10 / 231 تأريخ ابن الأثير 5 / 177.

١٨٤

وعلى أيّ حال فان الحياة السياسة في عصر الإمامعليه‌السلام كانت مضطربة وبشعة، فقد شاعت الاضطرابات، وانتشر التمرّد على الحكم العباسي في معظم البلاد الإسلامية.

التنكيل بالعلويين:

ومن أقسى المحن التي عاناها السادة العلويون في العصور العباسية الأولى، والتي شاهد بعضها الإمام الرضاعليه‌السلام هو التنكيل القاسي بالعلويين فقد عمد العباسيون بشكل سافر إلى اضطهادهم وتصفيتهم جسدياً.

وكان أول مَن أوقع الفتنة بين العلويين والعباسيين هو المنصور الدوانيقي(1) وهو القائل: (قتلت من ذريّة فاطمة ألفاً أو يزيدون، وتركت سيدهم ومولاهم وإمامهم جعفر بن محمد)(2) .

لقد قتل هذا العدد من أبناء رسول الله (ص) ليجعلهم ذخراً له يقدمهم إلى الله تعالى، والى جدّهم رسول الله (ص)، وهو الذي ترك لولده خزانة رؤوس العلويين، وعلّق بكل رأس ورقة كتب فيها اسم العلوي، وقد حوت رؤوس شيوخ وأطفال وشباب(3) .

وقال للإمام الصادقعليه‌السلام : (لأقتلنك ولأقتلن أهلك حتى لا أُبقي على الأرض منكم قامة سوط)(4) .

وقال أبو القاسم الرسي عندما هرب من المنصور إلى (السند):

لم يروه ما أراق البغي من دمنا

في كل أرض فلم يقصر من الطلبِ

وليس يشفي غليلاً في حشاه سوى

أن لا يرى فوقها ابنا لبنت نبي(5)

إنّ ما اقترفه المنصور من إراقة دماء أبناء النبي (ص) من أسوأ الصفحات في

____________________

(1) تأريخ الخلفاء للسيوطي (ص 261)، مروج الذهب 4 / 222.

(2) الأدب في ظل التشيّع (ص 68).

(3) تأريخ الطبري 10 / 446.

(4) المناقب 3 / 357.

(5) النزاع والتخاصم للمقريزي (51).

١٨٥

تأريخ الدولة العباسية كما يقول السيد أمير علي(1) .

وفي عهد الهادي عانت الأسرة العلوية الخوف والإرهاب، فقد أخافهم خوفاً شديداً، وألح في طلبهم، وقطع أرزاقهم، وأعطياتهم إلى الآفاق بطلبهم(2) وهو صاحب (واقعة فخ ) الشبيهة بكارثة كربلاء في مآسيها، فقد بلغ عدد الرؤوس التي أرسلت إليه مائة ونيفاً، وسبى الأطفال والنساء، وقتل السبي حتى الأطفال(3) .

وأمّا في عهد الرشيد فقد عانى العلويون أشد وأقسى ألوان الظلم يقول الفخري: (لم يكن - أي الرشيد - يخاف الله وأفعاله بأعيان آل علي وهم أولاد بنت نبيه لغير جرم(4) وقد أقسم على تصفيتهم وتصفية شيعتهم، يقول: (حتام أصبر على آل بني أبي طالب والله لأقتلنهم ولأقتلن شيعتهم)(5) وقد أوعز إلى عامله على يثرب بأن يضمن العلويون بعضهم بعضاً(6) وهو الذي هدم قبر سيد الشهداء وريحانة رسول الله (ص) الإمام الحسين، وقطع السدرة التي كان يستظل تحتها الزائرون وقد قام بذلك عامله على الكوفة موسى بن عيسى العباسي(7) .

ومن أعظم ما اقترفه من (الإثم) اغتياله لإمام المسلمين وسيد المتقين الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام بعدما قضى في سجونه حفنة من السنين.

ويصف دعبل الخزاعي في قصيدته العصماء التي رثى بها الإمام الرضاعليه‌السلام ما عاناه العلويون من القتل والسجن والتعذيب من العباسيين يقول:

وليس حي من الأحياء نعلمه

من ذي يمان ومن بكر ومن مضرِ

إلاّ وهم شركاء في دمائهم

كما تشارك أيسار على جزرِ

قتلاً وأسراً وتحريقاً ومنهبةً

فعل الغزاة بأهل الروم والخزرِ

أرى أمية معذورين إن فعلوا

ولا أرى لبني العباس من عذرِ(8)

____________________

(1) مختصر تأريخ العرب (ص 18).

(2) تأريخ اليعقوبي 3 / 136.

(3) حياة الإمام موسى بن جعفر.

(4) الآداب السلطانية (ص 20).

(5) الأغاني 5 / 225.

(6) الولاة والقضاة (ص 198).

(7) أمالي الشيخ (ص 330).

(8) ديوان دعبل.

١٨٦

ويقول منصور النمري:

آل النبي ومَن يحبهم

يتطامنون مخافة القتل

أمن النصارى واليهود وهم

من أمّة التوحيد في أزل

وعرض الشاعر الكبير ابن الرومي في قصيدته التي رثى بها الشهيد الخالد يحيى إلى محن العلويين، وما جرى عليهم من صنوف التعذيب، يقول:

ألا أيهذا الناس طال ضريركم

بآل رسول الله فاخشوا أو ارتجوا

أكل أوانٍ للنبي محمّدٍ

قتيل زكي بالدماء مضرّجُ

تبيعون فيه الدين شرّ أئمّةٍ

فللّه دين الله قد كاد يمرجُ(1)

إلى أن قال:

بني المصطفى كم يأكل الناس شلوكم

لبلواكم عمّا قليل مفرّجُ(2)

أما فيهم راعٍ لحقّ نبيّه

ولا خائف من ربّه يتحرّجُ(3)

وقد عرض أحرار الشعراء إلى ما عانوه السادة من الخطوب والمحن من أئمة الظلم والجور في كثير ممّا نظموه، وقد ذكرنا القسم الكثير منه في مؤلّفاتنا عن أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، مَن أراد الوقوف عليه فليراجعها، ونختم هذا البحث بالرسالة الآتية فقد عرضت ما جرى على العلويين.

رسالة الخوارزمي:

وكشف الخوارزمي في رسالته التي بعثها إلى أهالي (نيشابور) ما جرى على السادة العلويين من ضروب المحن والبلاء التي يعانيها غيرهم وننقل بعض ما جاء منها قال:

(فلما انتهكوا - أي بني أمية - ذلك الحريم، واقترفوا ذلك الاثم العظيم غضب الله عليهم، وانتزع الملك منهم، فبعث عليهم (أبا مجرم) لا أبا مسلم فنظر لا نظر الله إليه إلى صلابة العلوية، والى لين العباسية فترك تقاه واتبع هواه، وباع آخرته بدنياه، بقتله عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وسلّط طواغيت

____________________

(1) أراد بشر الأئمّة العباسيين، ويمرج: أي يفسد ويضطرب.

(2) الشلو: العضو، والمراد قتل أبنائهم.

(3) مقاتل الطالبين (ص 646).

١٨٧

خراسان، وأكراد أصفهان، وخوارج سجستان على آل أبي طالب يقتلهم تحت كل حجر ومدر، ويطلبهم في كل سهل وجبل، حتى سلط الله عليه أحب الناس إليه فقتله كما قتل الناس في طاعته، وأخذه بما أخذ الناس في بيعته، ولم ينفعه أن أسخط الله برضاه، وإن ركب ما لا يهواه، وخلت إلى الدوانيقي الدنيا فخبط فيها عسفاً، وتقضي فيها جوراً وحيفاً، وقد امتلأت سجونه بأهل بيت الرسالة، ومعدن الطيب والطهارة، وقد تتبع غائبهم وتلقط حاضرهم حتى قتل عبد الله بن محمد بن عبد الله الحسني بـ‍ (السند)، على يد عمر بن هشام الثعلبي، فما ظنّك بمَن قرب متناولة عليه ولان مسّه على يديه... وهذا قليل في جنب ما قتله هارون منهم، وفعله موسى قبله بهم، فقد عرفتم ما توجّه على الحسن - والصحيح الحسين - بن علي بـ‍ (فخ) من موسى، وما اتفق على علي بن الأفطس الحسيني من هارون، وما جرى على أحمد بن علي الزيدي، وعلى القاسم بن علي الحسيني من حبسه، وعلى غسان بن حاضر الخزاعي حين أخذ من قبله، والجملة أنّ هارون مات وقد حصد شجرة النبوّة، واقتلع غرس الإمامة وأنتم أصلحكم الله أعظم نصيباً في الدين من الأعمش فقد شتموه ومن شريك فقد عزلوه، ومن هشام بن الحكم فقد أخافوه ومن على بن يقطين فقد اتهموه...)

وعرض بعد هذا إلى بني أمية، ثم عرض ثانياً لبني العباس قائلاً:

وقل في بني العباس فإنّك ستجد بحمد الله مقالاً: وجل في عجائبهم فإنّك ترى ما شئت مجالاً.

يجبي فيؤهم فيفرق على الديلمي، والتركي، ويحمل إلى المغربي والفرغاني، ويموت إمام من أئمّة الهدى، وسيد من سادات بيت المصطفى فلا تتبع جنازته، ولا تجصص مقبرته، ويموت (ظراط) لهم أو لا عجب أو مسخرة، أو ضارب فتحضر جنازته العدول والقضاة، ويعمر مسجد التعزية عنه القواد والولاة ويسلم فيهم من يعرفونه دهرياً، أو سوفسطائياً، ولا يتعرضون لـمَن يدرس كتاباً فلسفيا ومانوياً، ويقتلون مَن يعرفونه شيعياً، ويسفكون دم مَن سمّى ابنه عليّاً.

ولو لم يقتل من شيعة أهل البيت غير المعلّى بن خنيس قتيل داود بن علي، ولو لم يحبس فيهم غير أبي تراب المروزي لكان ذلك جرحاً لا يبرأ، وثائرة لا تطفأ، وصدعاً لا يلتئم، وجرحاً لا تلتحم.

١٨٨

وكفاهم أنّ شعراء قريش قالوا في الجاهلية أشعاراً، يهجون بها أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ويعارضون فيها أشعار المسلمين فحملت أشعارهم، ودوّنت أخبارهم، ورواها الرواة، مثل: الواقدي، ووهب بن منبه التميمي، ومثل الكلبي، والشرقي بن القطامي، والهيثم بن عدي، ودأب بن الكناني، وإنّ بعض شعراء الشيعة يتكلم في ذكر مناقب الوحي، بل ذكر معجزات النبي (ص) فيقطع لسانه، ويمزّق ديوانه، كما فعل بعبد الله بن عمار البرقي، وكما أريد بالكميت بن زيد الأسدي، وكما نبش قبر منصور بن الزبرقان النميري، وكما دمر على دعبل بن علي الخزاعي، مع رفقتهم من مروان بن أبي حفصة اليمامي، ومن علي بن الجهم الشامي، ليس إلاّ لغلوهما في النصب، واستبحابهما مقت الرب، حتى أنّ هارون بن الخيزران وجعفر المتوكل على الشيطان لا على الرحمن كانا لا يعطيان مالاً، ولا يبذلان نوالاً إلاّ لـمَن شتم آل أبي طالب، ونصر مذهب النواصب مثل: عبد الله بن مصعب الزبيري ووهب بن وهب البختري، ومن الشعراء مثل: مروان بن أبي حفصة الأموي، فأما في أيام جعفر فمثل بكار بن عبد الله الزبيري، وأبي السمط بن أبي الجون الأموي وابن أبي الشوارب العبشمي.

وعرّج بعد هذا الكلام على بني أمية وما اقترفوه من ظلم العلويين، ثم أستأنف الكلام عن العباسيين فقال: وما هذا بأعجب من صياح شعراء بني العباس على رؤوسهم بالحق وإن كرهوه، وبتفصيل من نقصوه وقتلوه، قال منصور بن الزبرقان على بساط هارون:

آل النبي ومَن يحبهم

يتطامنون مخافة القتل

أمن النصارى واليهود وهم

من أمّة التوحيد في أزل

وقال دعبل وهو صنيعة بني العباس وشاعرهم(1) :

ألم تر أنّي مذ ثمانين حجّة

أروح وأغدو دائم الحسراتِ

أرى فيئهم في غيرهم متقسّماً

وأيديهم من فيئهم صفراتِ

وقال على بن العباس الرومي وهو مولى المعتصم:

تأليت أن لا يبرح المرء منكم

يشل على حر الجبين فيعفج

____________________

(1) لم يكن دعبل الخزاعي صنيعة بني العباس، وإنّما هو صنيعة أهل البيت وشاعرهم، وعانى في سبيلهم المصاعب والكوارث.

١٨٩

كذاك بنو العباس تصبر منكم

ويصبر للسيف الكمي المدجج

لكل أوان للنبي محمّدٍ

قتيل زكي بالدماء مضرّج

وقال إبراهيم بن العباس الصولي: وهو كاتب القوم وعاملهم في الرضا لما قربه المأمون:

يمن عليكم بأموالكم

وتعطون من مئة واحدا

وكيف لا ينتقضون قوماً يقتلون بني عمّهم جوعاً وسغباً، ويملأون ديار الترك والديلم فضة وذهباً، يستنصرون المغربي والفرغاني ويجنون المهاجري والأنصاري، ويولون أنباط السود وزارتهم وتلف العجم والطماطم قيادتهم، ويمنعون آل أبي طالب ميراث أمّهم، وفيء جدّهم، يشتهي العلوي الأكلة فيحرمها، ويقترح على الأيام الشهوة فلا يطعمها، وخراج مصر والأهواز، وصدقات الحرمين والحجاز تصرف إلى ابن مريم المديني، وإلى إبراهيم الموصلي، وابن جامع السهمي، والى زلزل الضارب، وبرصوما الزامر، وإقطاع بختيشوع النصراني قوت أهل بلد، وجاري بغا التركي والافشين الاشروسني، كفاية أمة ذات عدد.

والمتوكل زعموا يتسرى باثني عشر ألف سرية، والسيد من سادات أهل البيت يتعفّف بزنجية أو سندية، وصفوة مال الخراج مقصورة على أرزاق الصفاعنة، وعلى موائد المخاتنة، وعلى طعمة الكلابين، ورسوم القرادين، وعلى مخارق وعلوية المغني، زرزر، وعمر بن بانة المهلبي، ويبخلون على الفاطمي بأكلة أو شربة، ويصارفونه على دانق وجبة، ويشترون العوادة بالبدر، ويجرون لها ما يفي برزق عسكر.

والقوم الذين أحلّ لهم الخمس، وحرمت عليهم الصدقة، وفرضت لهم الكرامة والمحبة، يتكفّفون ضرّاً، ويهلكون فقراً، ويرهن أحدهم سيفه، ويبيع ثوبه، وينظر إلى فيئه بعين مريضة، ويشتد على دهره بنفس ضعيفة، ليس له ذنب إلاّ أنّ جدّه النبي (ص)، وأبوه الوصي، وأمّه فاطمة، وجدّته خديجة، ومذهبه الإيمان، وإمامه القرآن، وحقوقه مصروفة إلى القهرمانة والمفرطة وإلى المغمزة، والى المزررة، وخمسه مقسوم على نقار الديكة الدمية، والقردة، وعلى رؤوس اللعبة واللعبة، وعلى مرية الرحلة.

(وماذا أقول في قوم حملوا الوحوش على النساء المسلمات وأجروا العبادة وذويه الجرايات، وحرثوا تربة الحسينعليه‌السلام بالفدان، ونفوا زوّاره إلى البلدان وما

١٩٠

أصف من قوم هم نطق السكارى في أرحام القيان؟ وماذا يقال في أهل بيت منهم

البغا، وفيهم راح التخنيث وغدا، وبهم عرف اللواط؟ كان إبراهيم ابن المهدي مغنياً، وكان المتوكل مؤنثاً موضعاً، وكان المعتز مخنثاً، وكان ابن زبيدة معتوهاً مفركاً، وقتل المأمون أخاه، وقتل المنتصر أباه، وسمّ موسى ابن المهدي أمّه، وسمّ المعتضد عمّه).

وعرض بعد هذا إلى مصائب الأمويين، ثم ختم كلامه بعيوب العباسيين قائلاً: (وهذه المثالب مع عظمها وكثرتها، ومع قبحها وشنعها، صغيرة وقليلة في جنب مثالب بني العباس الذين بنوا مدينة الجبارين، وفرّقوا في الملاهي والمعاصي أموال المسلمين...)(1) .

لا أكاد أعرف وثيقة سياسية جامعة مثل هذه الوثيقة فقد ألـمّت بأحوال ملوك العباسيين، وحكت سوء سياستهم، التي منها قسوتهم البالغة على السادة العلويين، وحرمانهم من جميع حقوقهم الطبيعية، حتى بلغت بها الضائقة إلى حد لا يطاق، في حين أنّ الأموال الطائلة كانت تنفق على الشهوات، وعلى العابثين والمغنّين والماجنين وأهل البيت ومَن يمت إليهم من شيعتهم، لا يجدون الرغيف ولا الستر، ولا غير ذلك من مستلزمات الحياة.

كما حكت هذه الوثيقة أموراً بالغة الأهمية والخطورة، ولا نحتاج إلى بيانها فهي واضحة في مدلولها.

مع الواقفية:

من الأحداث التي جرت في عصر الإمام الرضاعليه‌السلام ، وأزعجته إلى حدٍّ بعيد هي انتشار مذهب (الواقفية) بين صفوف الشيعة، فقد ذهب القائلون بالوقف: إلى أنّ الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام حي ولم يمت، ولا يموت، وأنّه رفع إلى السماء كما رفع المسيح بن مريم، وأنّه هو القائم المنتظر الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، وزعموا أنّ الذي في سجن السندي بن شاهك ليس هو الإمام موسىعليه‌السلام ، وإنّما شبّه وخيّل إلى الناس أنّه هو... ولا بد

____________________

(1) حياة الإمام الرضا (ص 100 - 106) نقلاً عن رسائل الخوارزمي.

١٩١

من وقفة قصيرة للحديث عن يعض شؤون هذه العصابة:

1 - سبب الوقف:

أمّا سبب الوقف فيعود إلى أنّ الإمام الكاظمعليه‌السلام حينما كان في سجن هارون نصب وكلاء له لبعض الحقوق الشرعية التي كانت ترد إليه من الشيعة، وقد اجتمعت أموال كثيرة عند بعض الوكلاء، فكان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار، فلمّا توفّي الإمام الكاظمعليه‌السلام جحدوا موته، واشتروا بالأموال التي عندهم الضياع والدور، وقد طلبها الإمام الرضاعليه‌السلام منهم فأنكروا موت أبيه، وأبوا من تسليمها له(1) .

2 - انتشار الوقف:

وانتشرت أفكار (الواقفية) بسبب الدعاة، فقد بذلوا الأموال الطائلة بسخاء لشراء الضمائر، وإضلال الناس فقد روى يونس بن عبد الرحمن قال: (مات أبو إبراهيم موسىعليه‌السلام وليس من قومه أحد إلاّ وعنده المال الكثير، وكان ذلك سبب وقفهم وجحدهم موته طمعاً في الأموال، فكان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار، فلمّا رأيت ذلك، وتبيّنت الحق، وعرفت من أمر أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ما عرفت تكلّمت ودعوت الناس إليه، فبعثا إليّ، وقالا: ما يدعوك إلى هذا؟ إن كنت تريد المال فنحن

نعينك، وضمنا لي عشرة آلاف دينار، وقالا: كفّ، فأبيت، وقلت لهما، إنّا روينا عن الصادقينعليهم‌السلام أنّهم قالوا: إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه فإن لم يفعل سلب نور الإيمان، وما كنت لأدع الجهاد في أمر الله على كل حال، فناصباني، وأضمرا لي العداوة(2) .

بمثل هذه الأساليب والخدع انتشر مبدأ الوقف، ولكنّه ما لبث أن تحطّم، وانكشف زيفه، وظهر دجل دعاته.

شجب الامام للواقفية:

وأنكر الإمام الرضا عليه لسلام على دعاة الواقفية ما ذهبوا إليه، فقد كتب

____________________

(1) البحار 2 / 308.

(2) البحار 12 / 308.

١٩٢

إليه بعض شيعته يسأله عنهم فأجابهعليه‌السلام : (الواقف حائد عن الحق، ومقيم على سيئة إن مات لها كانت جهنّم مأواه وبئس المصير)(1) .

وسأله بعض الشيعة عن جواز إعطاء الزكاة لهم فنهاه عن ذلك، وقال: إنّهم كفّار مشركون زنادقة(2) ، ووفد محمد بن الفضيل على الإمام الرضا عليه السلام، فقال للإمام يخبره بحال زعماء الوقف:

(جعلت فداك، إنّي خلفت ابن أبي حمزة، وابن مهران وابن أبي سعيد - وهم زعماء الواقفية - أهل الدنيا عداوة لله تعالى...)

فأجابه الإمام:

(ما ضرك مَن ضلّ إذا اهتديت، إنّهم كذبوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكذبوا فلاناً، وفلاناً، وكذبوا جعفر وموسىعليهما‌السلام ، ولي بآبائي أسوة...).

فانبرى محمد قائلاً:

(إنّك قلت لابن مهران: أذهب الله نور قلبك، وأدخل الفقر بيتك...).

فقال الإمام عليه السلام:

(كيف حاله، وحال إخوانه؟).

فأخبره محمد باستجابة دعائه، وأنّهم معانون البؤس والفقر قائلاً: (يا سيدي، هم بأشد حال مكروبون ببغداد، لم يقدر الحسين أن يخرج إلى العمرة...).

لقد تميّز موقف الإمامعليه‌السلام بالشدّة والصرامة تجاه هؤلاء الذين ساقتهم الأطماع إلى التمرّد على الحق، وجحود الإمام.

الإمام مع الحسين بن مهران:

أمّا الحسين بن مهران فهو من أعلام الواقفية، وكان يكتب إلى الإمام الرضاعليه‌السلام بلهجة تنمّ عن نفاقه وعدم إيمانه، فكان يأمر الإمام وينهاه، وقد تخلّى بذلك عن نواميس الأدب، فلم يرع مقام الإمام، وقد كتب إليه الإمام برسالة، وأمر أصحابه باستنساخها؛ لئلاّ يسترها ابن مهران، وهذه صورة الكتاب بعد البسملة:

____________________

(1) حياة الإمام موسى بن جعفر 2 / 207.

(2) البحار 12 / 909.

١٩٣

(عافانا الله، وإيّاك، جاءني كتابك تذكر فيه الرجل الذي عليه الخيانة والغبن، وتقول: احذره، وتذكر ما تلقاني به، وتبعث إليّ بغيره، فاحتججت، فأكثرت، وزغمت عليه أمراً، وأردت الدخول في مثله... تقول: إنّه عمل في أمري بعقله وحيلته، نظراً فيه لنفسه، وإرادة أن تميل إليه قلوب الناس، ليكون الأمر بيده، وإليه يعمل فيه برأيه، ويزعم أنّي طاوعته فيما أشار به عليّ، وهذا أنت تشير عليّ فيما يستقيم عندك في العقل والحيلة بعدك (بغيرك) لا يستقم الأمر إلاّ بأحد الأمرين:

إمّا قبلت الأمر على ما كان يكون عليه، وإمّا أعطيت القوم ما طلبوا، وقطعت عليهم، وإلاّ فالأمر عندنا معوج، والناس غير مسلمين ما في أيديهم من مالي وذاهبون به، فالأمر ليس بعقلك، ولا لحيلتك يكون، ولا نفعل الذي نحلته بالرأي والمشورة، ولكنّ الأمر إلى الله عزّ وجل وحده لا شريك له، يفعل في خلقه ما يشاء، مَن يهدي الله فلا مضل له، ومَن يضلله فلا هادي له ولن تجد له ولياً مرشداً.

فقلت: واعمل في أمرهم، وأحيل فيه، وكيف الحيلة، والله يقول:

( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) وقوله: عزّ وجل( وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ ) فلو تجيبهم فيما سألوا عنه استقاموا وسلموا، وقد كان منّي ما أمرتك، وأنكرت وأنكروا من بعدي، ومد لي لقائي، وما كان ذلك منّي إلاّ رجاء الإصلاح لقول أمير المؤمنينعليه‌السلام :

(اقتربوا أو سلوا فإنّ العلم يفيض فيضاً) وجعل يمسح بطنه ويقول: (ما مُلئ طعام ولكن ملأته علماً، والله ما آية نزلت في بر ولا بحر، ولا سهل ولا جبل إلاّ أنا أعلمها، وأعلم في مَن نزلت) وقول أبي عبد اللهعليه‌السلام : (إلى الله أشكو أهل المدينة إنّما أنا فيهم كالشعرة ما انتقل، يريدونني أن لا أقول الحق: (والله لا أزال أقول الحق حتى أموت) فلمّا قلت حقاً أريد به حقن دمائكم، وجمع أمركم على ما

كنتم عليه أن يكون سرّكم مكتوماً عندكم غير فاشٍ في غيركم.

وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (سر أسرّه الله إلى جبرئيل، وأسرّه جبرئيل إلى محمد، وأسرّه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي، وأسرّه علي إلى مَن شاء).

ثم قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : ثم أنتم تحدثون به في الطريق، فأردت

١٩٤

حيث مضى صاحبكم أن ألف أمركم عليكم لئلاّ تضعوه في غير موضعه، ولا تسألوا عنه غير أهله، فتكونون في مسألتكم إيّاهم هلكتم، فكم مَن دعا إلى نفسه، ولم يكن داخلاً، ثم قلتم: لا بد إذا كان ذلك منه يثبت على ذلك، ولا يتحوّل عنه إلى غيره قلت: لأنّه كان من التقية، والكفّ أولى، وأمّا إذا تكلّم فقد لزمه الجواب فيما يسأل عنه، وصار الذي كنتم تزعمون أنّكم تدعون به، فإنّ الأمر مردود إلى غيركم وأنّ الفرض عليكم إتباعهم فيه إليكم فصيرتم ما استقام في عقولكم وآرائكم، وصحّ به القياس عندكم بذلك لازماً لـمّا زعمتم من أن لا يصح أمرنا، زعمتم حتى يكون ذلك علي لكم.

فإن قلتم: إن لم يكن كذلك لصاحبكم فصار الأمر أن وقع إليكم نبذتم أمر ربّكم وراء ظهوركم فلو اتبع أهواءكم قد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين، وما كان بد من أن تكونوا كما كان من قبلكم قد أخبرتم أنّها السنن والأمثال القذّة بالقذّة.

وما كان يكون ما طلبتم من الكف أولاً ومن الجواب آخراً شفاء لصدوركم ولا ذهاب شكّكم، وما كان بد من أن يكون ما قد كان منكم، ولا يذهب عن قلوبكم حتى يذهبه الله عنكم، ولو قدر الناس كلهم على أن يحبونا ويعرفوا حقّنا، ويسلموا لأمرنا فعلوا، ولكنّ الله يفعل ما يشاء ويهدي إليه مَن أناب.

فقد أجبتك في مسائل كثيرة فانظر أنت ومَن أراد المسائل منها وتدبّرها، فإن لم يكن في المسائل شفاء، وقد مضى إليكم منّي ما فيه حجّة ومعتبر.

وكثرة المسائل معتبة عندنا مكروهة، إنّما يريد أصحاب المسائل المحنة ليجدوا سبيلاً إلى الشبهة والضلال ومَن أراد لبساً لبس الله عليه، ووكله إلى نفسه، ولا ترى أنت وأصحابك أنّي أجبت فذاك إليّ وإن شئت صممت فذاك إليّ لا ما تقوله أنت وأصحابك، لا تدرون كذا وكذا، بل لا بد من ذلك إذ نحن منه على يقين، وأنتم منه في شك)(1) .

وانتهت هذه الرسالة التي بعثها الإمام إلى الحسين بن مهران، وقد احتوت على أمور غامضة، بالإضافة إلى تقطع فصولها، وعدم ترابطها، وأكبر الظن أنّه قد حذف

____________________

(1) الكشي معجم رجال الحديث 6 / 104 - 107.

١٩٥

منها ما يوجب ربطها، وإيضاح المقصود منها.

وعلى أي حال فقد عبّرت هذه الرسالة عن محنة الإمامعليه‌السلام وآلامه من الواقفية الذين غرتهم الدنيا.

2 - الحسين بن عمر:

قال: سمعت يحيى بن أكثم (قاضي سامراء)، بعدما جهدت به، وناظرته، وحاورته، وواصلته، وسألته عن علوم آل محمد، فقال: بينا أنا ذات يوم دخلت أطوف بقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فرأيت محمد بن علي الرضاعليه‌السلام ، يطوف به، فناظرته في مسائل عندي، فأخرجها إلي، فقلت له: والله إني أريد أن أسألك مسألة، وإني والله لأستحيي من ذلك!

فقال لي: أنا أخبرك، قبل أن تسألني، تسألني عن الإمام.

فقلت: هو والله هذا! فقال: أنا هو.

فقلت: علامة؟

فكان في يده عصا، فنطقت وقالت: (إن مولاي إمام هذا الزمان وهو الحجة!)(1) .

وروي الحسين بن عمر بن يزيد، قال: دخلت على الرضاعليه‌السلام ، وأنا يومئذ واقف، وقد كان أبي سأل أباه عن سبع مسائل، فأجابه في ست، وأمسك عن السابعة، فقلت: (والله لأسألنه عما سأل أبي أباه، فإن أجاب بمثل فسألته، فأجاب بمثل جواب أبيه في المسائل الست، فلم يزد في الجواد واوا ولا ياء، وأمسك عن السابعة.

وقد كان أبي قال لأبيه: إني احتج عليك عند الله يوم القيامة، أنك زعمت أن عبد الله لم يكن إماما، فوضععليه‌السلام يده على عنقه ثم قال له: نعم أحتج علي بذلك عند الله عز وجل، فما كان فيه من اثم فهو في رقبتي الخ(2) .

3 - الوشاء:

روى الوشاء قال: أتيت خراسان، وأنا من الواقفية، وقد حملت معي قناعا،

____________________

(1) أصول الكافي 1 / 353.

(2) أصول الكافي 1 / 353.

١٩٦

وكان معي ثوب وشي في بعض الرزم، ولم اعرف مكانه فلما قدمت، ونزلت في بعض منازلها لم أشعر إلا ورجل مدني من بعض مولديها، فقال لي أبو الحسن الرضا يقول لك: ابعث إليّ الثوب الوشي الذي عندك، فقلت: ومَن أخبر أبا الحسن بقدومي؟

وأنا قدمت آنفاً، وما عندي ثوب وشي، فرجع إليه، وأخبره فعاد إليّ، فقال لي: يقول لك: هو في موضع كذا وكذا، فطلبته حيث قال فبعثت به إليه(1) وكان ذلك سبباً لهدايته.

هؤلاء بعض المؤمنين الذين هداهم الله، ورجعوا عن الوقف ودانوا بإمامة الإمام الرضاعليه‌السلام .

مشكلة خلق القرآن:

من الأحداث المهمّة في عصر الإمامعليه‌السلام هي مسألة خلق القرآن، فقد اختلف العلماء فيها اختلافاً كثيراً، وعانى منهم جماعة سخط الدولة ونقمتها، وغضب الجمهور.

لقد نشأت هذه الفكرة في آواخر الدولة الأموية، وكان أول مَن ابتدعها الجعد بن درهم معلم مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، فهو أول مَن تكلّم بها، وقد حرّر وشرح فصولها وأذاعها في دمشق، فطلبته السلطة فهرب منها ثم نزل الكوفة، فتعلم منه الجهم بن صفوان الذي تنسب إليه الطائفة الجهمية(2) ويقول ابن الأثير: إنّ هشام بن عبد الملك قبض على الجعد وأرسله مخفوراً إلى خالد القسري أمير العراق وأمره بقتله، فحبسه خالد ولم يقتله فبلغ الخبر هشاماً فكتب إليه يلومه ويعزم عليه بقتله، فأخرجه خالد من الحبس في وثاقه، فلمّا صلّى العيد يوم الأضحى قال في آخر خطبته: انصرفوا وضحوا يقبل الله منكم، فاني أريد أن أضحي اليوم بالجعد، فإنّه يقول: ما كلّم الله موسى، ولا اتخذ الله إبراهيم خليلاً، تعالى الله عمّا يقول الجعد: ثم نزل وذبحه(3) .

وظلّت هذه الفكرة بعد مقتل الجعد تحت الخفاء، وفي طي الكتمان إلى دور

____________________

(1) أصول الكافي 1 / 354.

(2) سرح العيون (ص 159).

(3) عصر المأمون 1 / 395.

١٩٧

هارون وعند ما ظهر أمر المعتزلة، وانتشرت أفكارهم، أعلنوا القول بخلق القرآن، وكان من أهم الداعين إلى ذلك بشر المريسي، وقد ألّف فيها عدة كتب، وبلغ خبره هارون، فقال: والله لأن أظفرني الله به لأقتلنه قتلة ما قتلتها أحداً، ولـمّا بلغ بشر ذلك توارى واختفى طيلة حكم هارون(1) .

ولـمّا ولي الحكم المأمون نشطت الحركة، وأخذت الفكرة بالنمو والاتساع وتبنى المأمون القول بخلق القرآن، وحمل الناس على القول بها فمَن خالفها تعرّض للنقمة والعذاب.

وتعتبر هذه المسألة من أهم الأحداث الخطيرة التي حدثت في عصر الإمامعليه‌السلام ، وقد تعرّض لبسطها وإيضاح جوانبها الفلاسفة من المعتزلة وغيرهم، وهي ترتبط ارتباطاً وثيقا بالكلام النفسي فهي من فروعه، وبحوثه، ولولا خوف الإطالة لتحدثنا عنها بالتفصيل(2) .

الكذب على الأئمّة:

وشاع افتعال الأحاديث والكذب على الأئمةعليهم‌السلام في عصر الإمام الرضاعليه‌السلام ، وغيره من سائر العصور، وذلك للحط من شأنهم، والتقليل من أهميتهم، ومن بين تلك الأحاديث ما نقله أبو الصلت فقد قال للإمام الرضا: (يا بن رسول الله ما شيء يحكيه الناس عنكم؟).

وسارع الامام قائلاً:

(ما هو؟).

(يقولون: إنكم تدعون أن الناس عبيد لكم...).

فأنكر الإمام ذلك، وتبرّأ منه وقال: (اللّهمّ فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تشهد بأنّي لم أقل ذلك قط، ولا سمعت أحداً من آبائي قاله، وأنت العالم بما لنا من المظالم عند هذه الأمّة وإنّ هذه منها.

____________________

(1) النجوم الزاهرة 1 / 147.

(2) حياة الإمام موسى بن جعفر 2 / 213.

١٩٨

ثم التفت إلى أبي الصلت فقال له:

(يا عبد السلام إذا كان الناس كلهم عبيدنا على ما يقولون: فعلى مَن نبيعهم؟ يا عبد السلام أمنكر أنت لما أوجب الله عزّ وجل لنا من الولاية كما ينكره

غيرك...).

وعلّق العلاّمة السيد هاشم معروف الحسني (رحمه الله) على هذه الرواية بقوله: لقد أنكر الإمام على السائل ذلك الاتهام الذي أراد أعداؤهم من خلاله التشنيع عليهم، وعدّه من جملة المظالم التي ارتكبتها الأمة بحقهم؛ لأنّ نسبة ذلك لهم يعني أنّهم يخالفون سنن الإسلام، ونصوص القرآن التي لا ترى فضلاً لأحد إلاّ بالتقوى(1) .

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن عصر الإمام الرضا، وقد ذكرنا بحثاً مفصّلاً عن

هذا العصر في كتابنا (حياة الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام ) ولا نكرّر ما ذكرناه.

____________________

(1) سيرة الأئمة الاثني عشر 2 / 359.

١٩٩

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394