آلاء الرحمن في تفسير القرآن الجزء ٢

آلاء الرحمن في تفسير القرآن25%

آلاء الرحمن في تفسير القرآن مؤلف:
الناشر: مكتبة الوجداني - قم
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 152

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 152 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 65814 / تحميل: 5819
الحجم الحجم الحجم
آلاء الرحمن في تفسير القرآن

آلاء الرحمن في تفسير القرآن الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مكتبة الوجداني - قم
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

عنها عوارض التلف مع أن فيها الأعيان المأكولة من اليتامى السابقين أو عهدة ضمانها. فيتلفها الله بمقاديره وله ما في السماوات والأرض. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية ما حاصله أن الذي يخاف على أيتامه الضيعة وأن يسيء إليهم من يلي أمرهم فليحسن إذن إلى أيتام الناس إذا وليهم ولا يأكل أموالهم - ومن الأحاديث - ما في الدّر المنثور مما أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس ان الآية في الرجل يسمع المريض يوصي بوصية تضر بورثته فأمره الله ان يرشد المريض ويسدده بالنظر إلى ورثته وما أخرجه ابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس ما حاصله ان من حضر مريضا فلا يأمره بإنفاق ماله في العتق والصدقة بل ينظر لأيتام المريض كما ينظر لأيتام نفسه. ونحوه ما أخرجه ابن أبي حاتم أيضا عن ابن عباس - أقول - وان مفاد الآية الكريمة بالنظر إلى مفرداتها وجملتها وكرامة حجتها في تمثيلها المجيد لهو أعم مما ذكر. وملخص الكلام هو ان الغالب من نوع الإنسان من لا يزن الأمور الضارة بميزانها من القبح والمرجوحية ولا يرى وجوب تركها أو رجحانه إلّا إذا مسته بضررها أو تمثل له في مفكرته انه يبتلي بها وتمسه بضررها المزعج. فشاء الله بلطفه إصلاحه لشؤون عباده وتنبيههم وإرشادهم للخير وتحذيرهم من التعدي على أموال اليتامى. أو إهمال أمرهم. أو الإجحاف بهم. أو الحمل على الإجحاف بهم. أو السكوت عن ارشاد المجحف ونهيه. فاستلفت الله بحكمته الإنسان إلى انه ماذا يقول وما هو حاله وماذا يقدر من انتقام الله وغضبه إذا فرض في مفكرته انه ترك من بعده ذرية له ضعافا وأيتاما صغارا وهو يرى حالهم ومن يأكل أموالهم. أو يرى من يعين هذا الآكل على ظلمه. أو يرى من يقدر على منع الظالم ولا يمنعه. أو يرى من يقدر على ارشاد أيتامه وإصلاحهم فلا يفعل. أو يرى ضياع ذريته وتلف أموالهم حيث أهمل الوصية كما ينبغي أو حابى بالوصية من لا يثق به من اصدقائه أو أقربائه أو زوجته. أو يرى العاقبة حيث ان بعض الناس ورّطه في انفاق ماله في العتق والصدقة وترك أيتامه عالة يتكففون. أو يرى من سمع المنفق المعتق ولم يرشده إلى أن رسول الله نهى عن ذلك. اذن فالذين تستلفتهم الآية إلى تقدير ابتلائهم في أيتامهم بهذه الحوادث الكونية فيتألمون منها ويقدرون لها ما يقدرونه من الانتقام وسائر المحاذير. هؤلاء ليخشوا في أمثال هذه الأمور ومواردها وليخافوا من يجب ان يخشى وهو الله شديد الانتقام وليخشوا ما ينبغي ان يخشى من الانتقام

٢١

فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (١٠)إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أموال الْيَتامى ظُلْماً إنّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ

____________________________________

ومحاذير المخالفة للحرمة والوجوب والآداب الشرعية في الوجوه المذكورة.( فَلْيَتَّقُوا اللهَ ) فيما نهاهم عنه أو أوجبه عليهم( وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ) جاريا على الصلاح وآداب الشريعة فيما يحتاج إلى القول في اقامة الوصي الثقة العارف على أيتامهم. وفي مقام الإرشاد إلى المشروع وما هو الصالح وفي مقام ما يجدي من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع هذه الشؤون. وان هذا البيان على طوله ليقصر عما تضمنته الآية الكريمة في تعليمها العام مما يفرضه الإنسان في مفكرته مما لا يرضاه من شؤون أيتامه ومن إهمال متعلق الخشية وايكاله إلى ما تقتضيه وجوه ما تفرضه المفكرة كما أشرنا إلى بعضها والله الهادي. وانّما جرى التعبير بكلمة «لو تركوا» لأن المقام مقام فرض وتقدير في المفكرة ليكون التعليم عاما لان الكثير من المأمورين بالخشية بتقدير هذا الفرض والتنبه به من لا يكون لهم ذرية ضعاف يتركونهم. والظاهر من كرامة تعليم الآية وعموم إرشادها ان المراد بالضعاف ما يعم المعتوهين الكبار والنساء الضعيفات و «الذين» في الآية فاعل «فليخش» و «خافوا» جواب «لو» وجملة «لو» صلة للذين ١٠( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أموال الْيَتامى ظُلْماً ) لا بلحاظ اجرة عملهم وتقديرها أو باستقراض سائغ في مورده( إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً ) أي إنّما يأكلون في بطونهم شيئا يجرهم إلى النار. فالمأكول باعتبار هذه الغاية المهولة واستحقار سائر الغايات من الأكل بالنسبة إليها كأنه نار محضة. وبهذا الاعتبار جاء الحصر بكلمة «إنما» كما في قول حطان بن المعلى

وإنما أولادنا بيننا

أكبادنا تمشي على الأرض

فإنه لأجل شدة العلقة بين الآباء والأولاد وقوة المحبة حصر شؤون الأولاد في وجودهم بأنهم أكباد الآباء لأن الأكباد من أعز الأعضاء كما يقال الولد قطعة من الكبد وكما قالت الخنساء في وصف البقرة الفاقدة لعجلها

ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت

فإنما هي اقبال وادبار

وفي مرسلة الكافي عن محمد بن مسلم عن الباقر (ع) في الآية ان آكل مال اليتيم يجيء يوم القيامة والنار تلتهب في بطنه حتى يخرج لهبها من فيه يعرفه أهل الجمع بأنه آكل مال اليتيم

٢٢

ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (١١)يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ

____________________________________

ونحوه ما في الدّر المنثور مما أخرجه ابن أبي شيبه وابو يعلي والطبراني وابن حبان في صحيحه وابن أبي حاتم عن أبي برزة عن رسول الله (ص). وفي تفسير القمّي عن الصادق (ع) قال قال رسول الله (ص) لما أسري بي إلى السماء رأيت قوما يقذف في أفواههم النار وتخرج من ادبارهم فقلت من هؤلاء يا جبرائيل فقال هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما. ونحوه ما في الدّر المنثور مما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (ص)( وَسَيَصْلَوْنَ ) يوم القيامة في جهنم( سَعِيراً ) صلى النار لزمها وقاسى حرها وإحراقها. وسعر النار واسعرها أو قدها وشعلها. والسعير بمعنى المسعور ويقال في المؤنث أيضا ككف خضيب ١١( يُوصِيكُمُ اللهُ ) يعهد إليكم ومرجع ذلك إلى معنى يشرع ويفرض( فِي ) ارث( أَوْلادِكُمْ ) منكم والولد يشمل من تولد من الإنسان ولو بواسطة أو وسائط. وعلى ذلك جاءت رواية حذيفة عن النبي (ص) سيد ولد آدم يوم القيامة محمد (ص). ورواية بريدة ان رسول الله (ص) رأى الحسنين يمشيان ويعثران فنزل عن المنبر وأخذهما ووضعهما بين يديه وقال صدق الله ورسوله إنّما أموالكم وأولادكم فتنة رأيت هذين فلم اصبر كما أخرجه ابن أبي شيبة واحمد وابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابو يعلي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم في مستدركه والبيهقي في السنن والضياء في المختارة. ورواية الترمذي عن واثلة عن رسول الله (ص) واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة. ورواية أمّ سَلَمة عن رسول الله (ص) المهدي من عترتي من ولد فاطمة (ع) كما أخرجه أحمد ومسلم وابو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي وغيرهم. ورواية حذيفة عنه (ص) المهدي من ولدي أخرجه الروباني والطبراني وابو نعيم السيوطي وصححه وغيرهم. ورواية أنس نحن ولد عبد المطلب سادات أهل الجنة انا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين كما أخرجه ابن ماجه وابو نعيم والحاكم والطبراني والديلمي والثعلبي وغيرهم. نعم قد تقتضي قرائن الحال والمقال ومناسبة الحكم ان يفهم منه الولد بلا واسطة وقد يقتضي بيان الطبقة في الولدية ان يقال هذا ولد ولدي لا ولدي فإن النفي إنّما هو لرتبة من رتب الولدية لا لماهية الولدية وقد يراد النص على العموم فيقال اولادي وأولاد اولادي. وقد اجمع المسلمون في هذا المقام وأمثاله على مقتضى الوضع اللغوي في ثبوت الحكم لمطلق الولد

٢٣

لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ

____________________________________

الولد وان نزل بل لعله اجماع على استعمال اللفظ في ذلك في القرآن على مقتضى وضعه كما صرح به جماعة من الإمامية ويكون الميزان في ارث الطبقات منهم ما تكرر في الآية السادسة من قوله تعالى( وَالْأَقْرَبُونَ ) وقوله تعالى في سورة الأنفال والأحزاب( أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) ( لِلذَّكَرِ ) من الأولاد في حال الاجتماع مع نوع الإناث في الطبقة( مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) من الميراث. وقد سئل عن الحكمة في تفضيل الذكر بالحظ من الميراث على الأنثى فأجاب أئمة الهدى من أهل البيت عن ذلك بأن الرجال يعولون ويعطون مهرا وعليهم جهاد ونفقات ومعقلة في الديات والمرأة تكون عالة وتأخذ مهرا كما ذكر رواياته في تفسير البرهان عن الصادق والرضاعليهما‌السلام . ولعل هذا هو النكتة في ذكر القرآن لزيادة حظ الذكر لا نقص حظا لانثى فإن الإشارة إلى جهة فضل الفاضل احسن في التعليل وأطيب إلى قلب المفصول من الإشارة إلى جهة نقصه( فَإِنْ كُنَ ) الوارثات من النساء بجهة الولدية والأقربية( نِساءً ) ليس معهن من الأولاد في طبقتهن ذكر واحد أو متعدد( فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ ) الميت الموروث المدلول عليه بمجرى الكلام. وقد اجمع المسلمون عدا ما يحكى عن ابن عباس على ان حكم الاثنتين حكم الأكثر. وذكر الثلثان ليبقى المجال لهم من يتفق معهن في الميراث كالأبوين أو أحدهما أو الزوج أو الزوجة وليكون الثلثان ميزانا للرد مع الأب أو الام( وَإِنْ كانَتْ ) الوارثة من الأولاد بحسب الأقربية( واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ) وذكر النصف ليبقى مجال لسهم من يتفق معها كالأبوين أو أحدهما أو الزوج أو الزوجة وليكون ميزانا للرد إذا كان معها الأبوان أو أحدهما( وَلِأَبَوَيْهِ ) أي ابوي الموروث. ولا يتعدى الحكم إلى الأجداد والجدات وان جاء في سورة الأعراف ٢٦( كَما أخرج أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ) لأن المعنى الحقيقي للأب لا يعلم شموله للجد ولو فرض العلم لكانت التثنية قرينة على ان المراد هو ما لا يتعدى مصداقه الاثنين وهما الأبوان القريبان واما الأجداد والجدات فيكونون في الطبقة الاولى اربعة وكلما علت الطبقة تضاعفوا هذا مع الإجماع على عدم تعدي الحكم إلى الأجداد والجدات( لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ ) أي للموروث

٢٤

وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ

____________________________________

( وَلَدٌ ) وان نزل فإن الأمة مجمعة على ان ولد الولد وان نزل يرث مع الأبوين ويرد كلا منهما إلى السدس وشد خلاف الصدوق في الفقيه والمقنعة في ذلك( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ ) وان نزل( وَوَرِثَهُ أَبَواهُ ) ممن يرث بالقرابة لأن سوق الكلام في الإرث من هذه الجهة( فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ) من أصل المال الموروث كما في سائر الفرائض المذكورة في القرآن( فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ ) لأبويه أو لأبيه( فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ) من أصل المال بإجماع المسلمين وعلى نهج سائر الفرائض والباقي للأب ما لم يزاحمه أحد الزوجين فيه. وقد اجمع المسلمون على كفاية الأخوين في الحجب للأم عن ثلثها عدا ما يروى عن ابن عباس من اشتراط الثلاثة. ومذهب الإمامية انه يكفي في هذا الحجب اربع أخوات أو أخ مع أختين وعلى ذلك حديثهم. واشترطوا ان لا يكون في العدد المعتبر في الحجب كافر ولا رق لإجماعهم على ذلك واطلاق أحاديثهم في ان الكافر والمملوك لا يحجبان. وان لا يكون فيهم قاتل للموروث لإجماعهم الذي لا يضر فيه ما يحكى من خلاف العماني والصدوق. وهؤلاء الاخوة لا يرثون وانّما يوفرون على الأب نصيبه وحكي عن ابن عباس توريثهم. ولا يخفى ان مذهب الامامية ان للأم مع الأب عند عدم الحاجبين المذكورين ثلث اصل المال من بعد الوصية والدين سواء ورث أحد الزوجين مع الأبوين أم لم يرث. وحجتهم على ذلك ظاهر القرآن في الثلث بظهور يقارب الصراحة بالنظر إلى نظائره من الفرائض وحياطة الظاهر بقوله تعالى في آخر الآية( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أو دَيْنٍ ) وصحاح أحاديثهم المتعاضدة المتناصرة عن رسول الله وامير المؤمنين والباقر والصادق (ع) ووافقهم على ذلك ابن عباس. وهو احدى روايتي الجمهور عن علي (ع) في رواية سعيد بن منصور والبيهقي في سننهما من طريق يحيى الجزار وحكاه ابن رشد في البداية عن شريح وابن سيرين وداود وجماعة. وذهب الأكثر من الجمهور إلى ان لها مع الزوج أو الزوجة ثلث ما يبقى بعد فرض أحدهما. ولهم في ذلك تشبثات مضطربة مدفوعة حلا ونقضا - التشبث الأول - ما في تفاسير الكشّاف والرازي وأبي السعود وغيرهم من انهم حصروا فرض الآية بصورة انحصار الإرث بالأبوين فحسب من غير مشاركة أحد الزوجين لقوله تعالى( وَوَرِثَهُ أَبَواهُ ) . وهذا

٢٥

مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أو دَيْنٍ

____________________________________

التشبث مدفوع أولا بما قدمناه من ان النظر في الآية إلى الإرث بالقرابة ولبيان ان المورد لحجب الاخوة عن ثلثها وردها إلى السدس إنّما هو في صورة اجتماع الأبوين في الوارثية دون ما يكون الأب فيه ممنوعا عن الإرث بأحد الموانع وللإشارة إلى كون الوارث يسبب حجب الاخوة هو الأب دونهم. وثانيا : بالنقض عليهم باتفاقهم معنا على ان سدس الأم مع حجب الأخوة هو فريضة لها من أصل المال حتى مع وجود أحد الزوجين فمن أين جاؤوا بذلك وبالحجب إذا كانت الآية ناظرة إلى صورة عدم الزوجين - التشبث الثاني - قياس الأم مع الأب على البنت مع الولد والأخت مع الأخ في أن للذكر مثل حظ الأنثيين. ويدفعه أولا بطلان أصل القياس وثانيا ان العامل به لا يجعله حاكما على ظاهر القرآن الكريم ولا السنة على ان القياس منتقض بأن الله قد ساوى بين الأب والأم في الفريضة مع الولد على انه قياس مع الفارق فإن تفضيل الذكر على الأنثى إنّما هو في الأولاد والاخوة والأخوات للأب أو للأبوين وقد صرح القرآن بعدمه في الاخوة للأم - الثالث - ما يروونه عن ابن مسعود من قوله في المقام لا أفضل اما على أب. وليت شعري ماذا يقال إذا اجتمع زوج أو زوجة مع عشرة اخوة ذكور من الأبوين مع اخت واحدة من الأم عند عدم الولد إلى غير ذلك من الأمثلة فهل يقال لا أفضل الأخت من الأم على الأخ من الأبوين - الرابع - تخصيص عموم الثلث في الآية بعموم قوله تعالى( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) كما ذكره الرازي ويدفعه أولا ما ذكرناه من ان المورد لتفضيل الذكر على الأنثى إنّما هم الأولاد في قوله تعالى( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ ) والاخوة للأب أو للأبوين كما في آية الكلالة في آخر السورة وذلك في الإرث بالقرابة لا بالفرض فأين العموم للأب والأم. ولو سلمنا لكانت فريضة الثلث للام أخص كفريضة الاخوة من الام وحدها فكيف يقدم العام على الخاص وماذا الذي أخرج فريضة الام عن سائر الفرائض وجعلها بخصوصها هدفا لهذا العموم المزعوم. وهذه الفرائض والمواريث المذكورة تجري من أصل المال الموروث ولكنها( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها ) الميت الموروث( أَوْ دَيْنٍ ) عليه وقدم ذكر الوصية على الدين لأنها أكثر وقوعا من الدين ولبيان أهميتها بكونها حقا ثابتا في المال. فاحفظوا هذه الوصايا في الفرائض والمواريث ولا يثقل عليكم بحسب اهوائكم رجحان جانب أو نقصان جانب فإنكم بحسب طباعكم ومرتكزات نفوسكم إنّما ترجحون من

٢٦

آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١٢)وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أو دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أو دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أو امْرَأَةٌ

____________________________________

هو أقرب إليكم نفعا من جهات نفعكم وتنفرون ممن لا ينالكم منه نفع. وكم من شخص تحرصون على توريثه وتوفير فرضه ولو انكشف لكم الأمر لحرصتم على منعه فمهلا مهلا لا تستخفنكم النظرة الحمقاه فتثقل عليكم قسمة الله للمواريث واحكامه فيها فها هم( آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً ) مما هو نفع يرغب فيه العقلاء فعليكم بوصية الله وفرضه وأحكامه في المواريث على حسب حكمته( فَرِيضَةً ) الظاهر كما في التبيان انها حال من المواريث الموصى بها والمفروضة عموما وخصوصا في ضمن الآيات المتقدمة فتكون مؤكدة لتشريع المواريث( مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً ) بالأمور ومنها ما هو الأصلح والأوفق بالحكمة في قسمة المواريث( حَكِيماً ) في كل شيء ومن ذلك أحكام المواريث ١٢( وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ ) وان نزل ذكرا كان أو أنثى( فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ ) أي جنس الولد منكم أو من غيركم( فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أو دَيْنٍ وَلَهُنَ ) وان كن أربعا( الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ ) مطلقا( فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ ) أي جنس الولد منهن أو من غيرهن( فَلَهُنَ ) وان كن أربعا( الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أو دَيْنٍ ) عليكم( وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أو امْرَأَةٌ ) «كان» تامة ورجل فاعل وجملة يورث صفة له أي يورث من حيث القرابة. عن الفرا الكلالة ما خلا الوالد والولد سموا كلالة لاستدارتهم بنسب الميت الأقرب فالأقرب من تكلله الشيء إذا استدار به فكل وارث ليس بوالد للميت ولا ولد فهو كلالة مورثة. وفي التبيان واصل الكلالة الاحاطة ومنه الإكليل لاحاطته بالرأس والكلالة لاحاطتها بأصل النسب الذي هو الولد والوالد. وفي الصحاح الكل أي بفتح الكاف من لا ولد له

٢٧

ولا والد يقال منه كل يكل الرجل كلالة والعرب تقول لم يرثه كلالة عن عرض بل قرب واستحقاق وقال بعضهم يسمى الوارث والموروث كلالة وأنشد له قول زياد بن زيد العذري: -

ولم ارث المجد التليد كلالة

ولم يأن مني فترة لعقيب

وفي الكشّاف وتطلق على القرابة من غير جهة الوالد والولد والكلالة في الأصل مصدر بمعنى الكلال وهو ذهاب القوة إنتهى وكلهم قالوا انها تطلق على من ليس بولد ولا والد وعلى هذا جاء الحديث ففي الكافي والتهذيب في الصحيح عن عبد الرحمن عن الصادق (ع) الكلالة ما لم يكن والد ولا ولد. ونحوهما روايتهما عن حمزة بن حمران عنه (ع) ورواية معاني الأخبار في الصحيح من مراسيل ابن أبي عمير عنه (ع) : وأخرج الحاكم في مستدركه عن أبي هريرة عن رسول الله (ص) في حديث والكلالة من لم يترك والدا ولا ولدا وفي الدّر المنثور أخرج أبو الشيخ في الفرائض عن البراء قال سئل رسول الله (ص) عن الكلالة فقال (ص) ما خلا الولد والوالد وذكر أيضا من اخرجوا نحو ذلك عن ابن عباس وعمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت. وقال بعضهم يسمى الوارث والموروث كلالة أقول ولا يأباه ما تقدم بل هو مقتضى إطلاقه. وهب ان الكلالة في الأصل مصدر لكنها صارت اسما منقولا لمن ذكر في الحديث وذكره اللغويون فكلمة «كلالة» حال من الضمير النائب عن الفاعل أي يورث حال كونه ليس بوالد ولا ولد لوارثه. وفي جعلها خبرا لكان الناقصة تعقيد في الكلام وفي جعلها حالا من الوارث المشار إليه في الكلام تكلف زائد في التقدير. نعم لو أبقينا لفظ الكلالة على معناه المصدري جاز أن يكون مفعولا لأجله ووجها للإرث ويجوز في هذا المعنى أن تكون تمييزا رافعا لإبهام الإرث في وجهه وفي المصدرية واحتماليها في الاعراب ضعف. والآية على كل تقدير تدل على اختصاص حكمها بما لم يكن للموروث وارث بالقرابة القوية الأصيلة من والد أو ولد لأنها مقيدة لحكمها بصورة كون الإرث عن كلالة لا يوجد معها والد ولا ولد وهو اجماع وقال مالك في الموطأ في ميراث الأخوة من الأم المجتمع عليه عندنا ان الأخوة للأم لا يرثون مع الولد ولا مع ولد الأبناء ذكرانا وإناثا ولا يرثون مع الأب ولا مع الجد أبي الأب شيئا. وذكر ابن رشد في بدايته عن أهل السنة نحو اجماع مالك. وقال مالك أيضا ما ملخصه ان الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا ان الكلالة في هذه الآية هي التي لا ترث فيها الأخوة للأم حتى لا يكون والد ولا ولد. وهذا كله لقوله تعالى( وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ

٢٨

وَلَهُ أَخٌ أو أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أو دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ

____________________________________

كَلالَةً أو امْرَأَةٌ ) أقول والتقييد وحصر الإرث في الآية بجهة الكلالة من الأقارب في الآية جلي مضافا إلى انها لو كانت مطلقة على خلاف ظاهرها للزم فيها تخصيص الأكثر بإخراج من ذكر الإجماع على انهم لا يرثون مع الاربعة المذكورين وتخصيص الأكثر قبيح في الاستعمال فمن الغريب إذن حكم الجمهور بإرث الأخوة من الأم معها بفرض هذه الآية( أَوِ امْرَأَةٌ ) عطف على رجل ولها مثل حكمه الآتي( وَلَهُ ) أي الرجل فإن عنوان الجملة مسوق له( أَخٌ أو أُخْتٌ ) وقد اجمع المسلمون على ان المراد ومورد النزول هو الاخوة من الأم وحدها كما يشير إليه الجمع بين هذه الآية والآية الأخرى في الكلالة في آخر السورة( فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا ) مع اجتماعهما أو انفرادهما واجتماع الأخوين أو الأختين( السُّدُسُ ) من التركة( فَإِنْ كانُوا ) أي الاخوة المدلول عليهم بقوله تعالى( أَخٌ أو أُخْتٌ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ ) أي من الاثنين( فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ ) على السواء لا يفضل حظ الذكر على حظ الأنثى. وذلك( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها ) ذلك الرجل أو الامرأة المعطوفة عليه( أَوْ دَيْنٍ ) حال كون الرجل ومثله المرأة المعطوفة عليه( غَيْرَ مُضَارٍّ ) للورثة بوصيته بأن تكون اكثر من الثلث. وجرى التعرض للإضرار بالوصية هنا لأن المقام مظنة له لأن ارث الكلالة وخصوص كلالة الأم يكثر ان يكون ثقيلا على الموروث. والحكم عام( وَصِيَّةٍ ) مصدر مؤكد منصوب بيوصيكم مقدرة وصرح بأنها( مِنَ اللهِ ) تأكيدا لعظيم شأنها والتحذير من مخالفتها( وَاللهُ عَلِيمٌ ) بمن يطيع ومن يعصي ويتعدى حدوده( حَلِيمٌ ) لا يعاجل بالعقوبة

وبمناسبة هذه الآيات الكريمة ينبغي هاهنا تفسير الآية المذكورة في آخر السورة وهي قوله تعالى( يَسْتَفْتُونَكَ ) يا رسول الله أي في الكلالة لدلالة ما يأتي( قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ ) في كتابه( فِي ) ميراث( الْكَلالَةِ ) وقد مر معناها وقد أجمع المسلمون على ان المراد منها غير ما تقدم ذكره من كلالة الأم وحدها( إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ) أي جنس الولد وقد مرّ انه أعم من الذكر والأنثى وإن نزل. وجملة ليس له ولد صفة( وَلَهُ أُخْتٌ ) الجملة تصلح لأن تكون صفة

٢٩

معطوفة وحالية( فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ ) ذكر النصف ليبقى مجال لفريضة جنسي الزوجة والاخوة من الأم وحدها وقد أجمع المسلمون على عدم توريث الأخت مع الأبوين إن لم يكن للميت ولد وكان ابن عباس يتضجر من حكم بعض بأن الأخت تأخذ مع البنت ما بقي بنحو التعصيب ويقول أأنتم اعلم أم الله وعن ابن طاوس ان ابن عباس قال قال الله تعالى( إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ ) فقلتم أنتم لها النصف وإن كان له ولد كما رواه الحاكم على شرط البخاري ومسلم ورواه عبد الرزاق في جامعه( وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ ) في صورة تكون هي الميتة وهو باق بعدها. واجمع المسلمون أيضا على عدم توريثه مع الأبوين. والمراد من قوله تعالى( يَرِثُها ) يرث منها وذلك لكثرة ما يتفق معه من وجود الزوج والأخوة من الأم فقد علق إرثه منها على عدم الولد وإن كان أنثى وإن نزلت كما سبق( فَإِنْ كانَتَا ) أي الأخوات( اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ ) وذكر الثلثان ليبقى مجال لفريضة الزوجة والأخوة من الأم( وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) وقد اجمع المسلمون أيضا على عدم توريثهم مع الأبوين ففي الآية إطلاقات متعددة أجمع المسلمون على عدم العمل بالكثير من مواردها مضافا إلى أن الآية لم تبين من احكام الكلالة حكم ما فوق الاثنتين من الأخوات ولا حكم الأخوين فما زاد من الذكور ولا حكم الاثنين من الأخت والأخ مع أن قوله تعالى( يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ ) حفظا لكم من( أَنْ تَضِلُّوا ) يدل على ان الله جلت حكمته ولطفه قد بين أمر الكلالة في كتابه المجيد بالبيان الحافظ من الضلال وذلك بنظم هذه الآية في القرآن مع آيات المواريث فينكشف بالنظر إلى الجميع وتدبره ان وجوه مطلقاتها مبينة وموضحة ببيان تلك المواضيع التي ذكرت أحكامها في الآيات الأخر ومبتنية على أساسياتها من كون الإرث للأقربين وان اولي الأرحام بعضهم أولى ببعض ومن ان الذي ليس له ولد إنّما يكون ارثه بسبب الرحم لأبويه وليس لغير الأبوين من الأرحام مقام في الإرث مع مقام الوالدية. وهذا هو السبب في الاقتصار بحسب حاجة البيان إلى اشتراط عدم وجود الولد في ارث الاخوة لأن الولد لم تذكر له فريضة ومقام إرث الغي فيه الاخوة. وقد تقدم الكلام في الآية العاشرة على مقام فريضة الأبوين مع الغاء الاخوة فيه. وغاية ما هنا انه روعيت عيلولة الأب بهم فوفر نصيبه مع الأم بهم - لا يقال ان تلك الآية لا تدل على الغاء الاخوة مع وجود الأبوين معا ولا على الغائهم مع الام وحدها - لأنا نقول ان

٣٠

القاعدة المستفادة من سير المواريث والمعقولة من إرث الأقارب هو انه إذا كان لقريب مقام ارث مع قريب آخر لا يحجبه عن هذا المقام وجود وارث ثالث بل غاية ما في وارثيته انه يزاحمهم فلا يكون وجود الأب مانعا عن مشاركة الاخوة للام لو كان لهم معها مقام ميراث كما توضح ذلك آيات الأقربين وأولي الأرحام - لا يقال ان عموم تلك الآيات معارض بإطلاق هذه الآية في ارث الاخوة مع عدم الولد - لأنا نقول ان عموم تلك كالمعلل بجهة الاقربية وأولوية الرحم بل هو معلل في الحقيقة ومآل سوقه فيقوى قوة لا يعارضه فيها إلّا النص وأما الذي في هذه الآية فهو اطلاق موهون بخروج الكثير من افراده في صور وجود الأب منفردا ومع الام مع ان الأخذ بالإطلاق لا يتجه إلّا مع عدم البيان وتلك العمومات مع قوتها وجهة تعليلها كافية في البيان الذي يقف امام الإطلاق. إذن فموضوع الإطلاق مختص بالصورة التي لا يوجد فيها من هو أقرب من الاخوة ويكشف عن ذلك انهم لا يرثون مع الأب المنفرد وهو في هذه الصورة ليس بذي فرض وانّما قدم على الاخوة بكونه أقرب وأولى منهم فكذا الام لعين العلة. واما مسألة الإرث معها بالتعصيب فسيأتي ان شاء الله بطلانه - لا يقال ان الإجماعات المتقدم ذكرها كافية في بيان الآية فيؤخذ بمطلقاتها في غير موارد الإجماع - لأنا نقول لا مناص في تدبر القرآن من استيضاح دلالة بعضه ببعض والنظر في وجوه الدلالة. مضافا إلى ان قوله تعالى في نفس الآية «يبين الله لكم ان تضلوا» يدل على ان الآية حين وحيها كانت محفوفة ببيان الله في كتابه الكريم بالدلالة على تقيد موضوعاتها على ما ذكرناه لا موكولة إلى صدفة اجماع المسلمين بعد حين. وهذا جلي بفضل الله وله الحمد وان بعثنا بعض ما يقال في الشبهات إلى هذا التطويل تمحيضا للحقيقة التي عليها اجماع الإمامية وحديثهم والله الموفق.

بقي الكلام فيما يرجع إلى ما في الآيات من عمومات المواريث وإطلاقاتها وفي ذلك أمور «الاول» ان الكافر لا يرث المسلم ولا يحجب وارثه وعلى ذلك اجماع المسلمين وحديثهم «الثاني» ان المسلم يرث الكافر وعليه اجماع أهل البيت والإمامية وحديثهم. وهو المحكي عن معاذ بن جبل ومعاوية وعبد الله بن دغفل من الصحابة وسعيد بن المسيب ومسروق ويحيى بن يعمر من التابعين وأخرج أحمد في مسنده بطريق صحيح عندهم والحاكم وصححه على شرط البخاري ومسلم ولم يتعقب في ذلك ان معاذ بن جبل أتي بميراث يهودي وله وارث

٣١

مسلم فقال سمعت رسول الله (ص) يقول الإسلام يزيد ولا ينقص فورثه. واخرج أبو داود في سننه نحو ذلك. وهو حديث معلل معتضد بالمعقول من ان الإسلام لا ينقص حظ المسلم في الدنيا والآخرة وبما أخرجه الروباني والدارقطني والبيهقي في سننه والضياء عن عائذ بن عمرو وصحح عن النبي (ص) الإسلام يعلو ولا يعلى عليه. وان حجب المسلم عن ميراثه بالكافرين علو على الإسلام. وبمثل قول الباقر (ع) في المقام ان الله لم يزد بالإسلام إلّا عزا فنحن نرثهم ولا يرثوننا كما رواه المشايخ الثلاثة في كتبهم ونحوه عن الصادق (ع). وعن الصادق (ع) انه قال في مثل المقام ان الإسلام لم يزده إلّا عزا في حقه. وفي حديث آخر لم يزده في ميراثه إلّا شدة. ويؤخذ هذا المعنى أيضا من قوله تعالى في السورة ٤٠( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) فإن حجب الكافر للمؤمن عن ميراثه سبيل عليه. وقد ذكر ابن رشد في البداية وغيره احتجاج الجمهور بهذه الآية لعدم ارث الكافر من المسلم. وليت شعري لماذا غفلوا عن دلالتها على عدم حجب الكافر للمسلم فإنها في الدلالة على ذلك أوضح وأظهر. وعن البيهقي في سننه عن إبراهيم قال قال علي (ع) المشرك لا يحجب ولا يرث. وعن إبراهيم أيضا كان علي (ع) لا يحجب باليهودي ولا النصراني ولا المملوك ولا يورثهم - ولو اسلم الكافر قبل قسمة الميراث شارك فيه ان كان مساويا وانفرد فيه ان كان اولى وعليه اجماع الإمامية وحديثهم ووافقهم على ذلك جملة من الجمهور منهم الحسن وقتادة. وفي بداية ابن رشد روي من حديث عطا ان رجلا اسلم على ميراث على عهد رسول الله (ص) قبل ان يقسم فأعطاه رسول الله نصيبه. واحتج الجمهور على مدعاهم بما أخرجه أحمد وأصحاب الجوامع الستة عن اسامة والحاكم عن جابر عن رسول الله (ص) لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر. ويدفع هذا الاحتجاج أولا بكون الرواية مخالفة لنفي السبيل في الآية ولكون الإسلام يزيد ولا ينقص وانه يعلو ولا يعلى عليه. وثانيا بأن روايات الجوامع وإن وصفت بالصحة في اصطلاحهم لا تجدي شيئا في قبال الإجماع من أهل البيت واتباعهم الامامية وحديثهم. واحتجوا أيضا بما أخرجه أحمد وابو داود وابن ماجه عن ابن عمر عن النبي (ص) لا يتوارث أهل ملتين شيئا. ويدفعه إن مدلوله هو ان أهل الملتين لا يتبادلون الميراث بحيث يرث كل من أهل الملتين من أهل الملة الأخرى. ولا يدل على ان احدى الملتين كالإسلام لا يرث أهلها من الكافرين كما قال الباقر والصادق (ع) نرثهم ولا يرثوننا واحتجوا أيضا بما أخرجه أحمد واصحاب

٣٢

الجوامع ما عدا الترمذي عن اسامة من قول النبي (ص) وهل ترك لنا عقيل من رباع. زاعمين ان المقصود ان عقيلا ورث أبا طالب دون علي وجعفر. ويرده انه لا دلالة بوجه من الوجوه على ان عقيلا أخذ ذلك بحق الإرث المختص به في شريعة الإسلام فضلا عن ان النبي (ص) لما سئل عن منزله بمكة عام الفتح قال وهل ترك لنا عقيل رباعا وهذا يدل على ان بيع عقيل لرباعهم حتى رباع النبي (ص) وخديجة بل وحمزة وعبيدة إنّما كان من جلافة الشرك وعدوانه وخلو الجوله - الأمر الثالث - ان العبد لا يرث مع الحر وان بعد الحر نعم إذا انعتق قبل القسمة شارك أو انفرد كما ذكرناه في الكافر وعلى ذلك اجماع الإمامية وحديثهم. ولا يحضرني عاجلا قول الجمهور فيما إذا انعتق قبل القسمة - الرابع - ان ولد الزنا لا يرث ممن تولد منه بالزنا أبا كان أو أما ولا ممن يتقرب إليه بهما وهؤلاء لا يرثون منه وعليه اجماع الإمامية وذلك لأن الشارع قد قطع فوائد العلقة النسبية من الزنا بقوله (ص): الولد للفراش وللعاهر الحجر. وفي جامع الترمذي مسندا عن عمرو بن العاص عن رسول الله (ص) أيما رجل عاهر بحرة أو امة فالولد ولد زنا لا يرث ولا يورث. ولا وجه للتفريع بقوله (ص) فالولد ولد زنا إلّا التمهيد لبيان ان التولد من الزنا مانع من الإرث مطلقا. ويشهد له ما رواه الترمذي والحاكم عن واثلة قال قال رسول الله (ص) المرأة تحوز ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عنه : حيث جعل لها ميراثه باعتبار ان ملاعنتها نفت جهة الزنا من جانبها كما عليه اجماع الإمامية وحديثهم. وحكى مالك في الموطأ عن عروة بن الزبير وسليمان بن يسار قولهما بأن ولد الزنا كولد الملاعنة في التوارث مع امه ومن يمت بها ثم قال مالك وعلى ذلك أدركت أهل العلم ببلدنا : أقول وهو غريب لا يلتئم مع ما ذكرناه من الأحاديث - الأمر الخامس - ان القاتل عمدا ظلما لا يرث من مقتوله وعليه اجماع الإمامية وحديثهم عن رسول الله (ص) وعن الباقر والصادق (ع) وذهب إلى ذلك أيضا جل الجمهور لما رواه الترمذي وابو داود عن ابن عمر والبيهقي عن ابن عباس عن رسول الله (ص) : فإن قتله بحق لم يمنع من ارثه وعليه اجماع الإمامية وروايتهم عن الباقر (ع) في قتال أهل البغي. والمشهور عند الإمامية رواية وفتوى انه يرث في قتل الخطأ لكن المشهور انه لا يرث من الدية ووافقهم في الأمرين مالك وأصحابه - الأمر السادس - ان آيات الأقربين واولي الأرحام وعمومها القوي المؤكد تقتضي ان يرد الفاضل من الفرائض على الأقرب من الأرحام ويكون الرد على نسبة سهامهم فإذا اجتمع

٣٣

الأب والبنت رد ربع الفاضل على الأب وثلاثة أرباعه على البنت. وعلى هذا القياس وعليه أهل البيت وحديثهم واجماع الإمامية اتباعهم. وذهب الجمهور إلى التعصيب ورووه عن امير المؤمنين في بعض الموارد لكن روايتهم مع ضعفها وتعارضها مردودة بما صح في رواياتنا عن الأئمة من خلاف ذلك. والرواية عن ابن مسعود متعارضة ويكثر فيما يروى عنه من مسائل التعصيب العمل على خلافه. احتج الجمهور للتعصيب بوجوه منها المفهوم من تحديد الفرائض بالنصف والثلث ونحو ذلك وهو يقتضي بأن نصيب ذي الفرض ينحصر بمقدار فرضه فلا يرث اكثر من ذلك - ويدفعه أولا انه لا مفهوم مع احتمال فائدة غير فضلا عن تحققها ويكفي من الفائدة إبقاء مجال للفرائض الأخر التي تجمع مع الفريضة الخاصة ولان يكون عنوان الفريضة في الأرحام ميزانا للرد عليهم - وثانيا - اجماع المسلمين على عدم المفهوم كما إذا كان الوارث أبا مع بنت أو بنتين واكثر فإن الشيعة يزيدون على سدس الأب بالرد ، والجمهور يزيدون عليه بالتعصيب. أو كان الوارث زوج هو ابن عم فإن الشيعة يزيدون نصفه بالقرابة والجمهور يزيدونه بالتعصيب أو كان أخا من الأم وابن عم فإن الشيعة يزيدون سدسه بالقرابة والجمهور يزيدونه بالتعصيب ، أو كان الاخوة من الأم أكثر من اثنين وهم أبناء عم فإن الشيعة يزيدون ثلثهم بالقرابة والجمهور بالتعصيب وان فقهاء العراق من الجمهور ومنهم أبو حنيفة واحمد بل والشافعي إذا لم ينتظم بيت المال وافقونا على الرد على ذوي الفرائض من الأرحام إذا لم يكن معهم عاصب وحكاه الترمذي في جامعه عن اكثر أهل العلم وهو المروي عن الصحابة عدا زيد بن ثابت. فينتفي المفهوم بالمرة لأنه ليس بلفظ له عنوان مدلول عليه لكي يقبل التخصيص والتقييد في بعض مصاديقه. بل هو لازم يتبع كون الفريضة حاصرة بمضمونها فإن ثبت ولو في مورد واحد انها في استعمالها غير حاصرة سقط المفهوم بالمرة وقد ثبت انها غير حاصرة - وثالثا - قد ثبت بإجماع المسلمين واهل المحاورات على العمل بالدليل اللفظي وان كان عموما أو إطلاقا دون المفهوم. ومن ذلك ان الشيعة يعملون بآيات الأقربين واولي الأرحام في الرد مطلقا وكذا جمهور الصحابة وفقهاء العراق بل والشافعي كما ذكرنا في الرداذا لم يوجد عاصب. والجمهور بأجمعهم يعملون بعموم ما يرويه ابن طاوس في التعصيب فيزيدون على الفرض كما ذكرناه في مثالي الأب والزوج الذي هو ابن عم - ومن الوجوه - حديثهم في ان معاذ بن جبل قضى في اليمن بأن نصف التركة للبنت ونصفها الآخر للأخت.

٣٤

ويدفعه أولا انه اجتهاد من معاذ في اليمن لا حجة فيه وثانيا انه مردود بمخالفته للقرآن الكريم لأن آية الكلالة المذكورة في آخر السورة قد اشترطت في ارث الأخت ان لا يكون لأخيها ولد والبنت ولد بالإجماع وقد سمعت تضجر ابن عباس من هذه الفتيا. وبمخالفة القرآن يعرف الكلام فيما يروى عن ابن مسعود في ابنة وابنة ابن واخت من ان رسول الله (ص) قضى بأن للبنت النصف ولبنت الابن السدس وما بقي للأخت كما أخرجه عبد الرزاق في جامعه والحاكم في مستدركه. وفي بداية ابن رشد ذهب داود الظاهري وطائفة إلى ان الأخت لا ترث مع البنت شيئا - ومنها - ان رسول الله (ص) قضى بأن لزوجة سعد بن الربيع الثمن ولبنتيه الثلثين والباقي لأخيه. ومما يرد به هذا الاحتجاج ان الرواية قد انفرد بها عن جابر عبد الله بن محمد بن عقيل وان جماعة من أهل العلم لا يقبلون روايته كما ذكره ابن رشد في بدايته. والذي تساهل في امره قال في حديثه لين وقد تغير في آخر عمره كما في التقريب مضافا إلى اضطراب الرواية ففي سنن ابن داود من رواية بشير بن المفضل عن عبد الله المذكور روايتها في بني ثابت بن قيس وانه قتل يوم أحد وقال أبو داود ان ثابتا قتل يوم اليمامة - ومنها - ما تفرد به عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس عن رسول الله (ص) الحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت فلأول رجل ذكر. هكذا رواية الجوامع. ويرد هذا الاحتجاج - أولا - وهن متنه فانه لا يليق التعبير برجل ذكر ولا يصدر إلّا في كلام عي لا يحسن كيف يتكلم فكيف تجوز على رسول الله (ص) مضافا إلى عدم عملهم على ظاهره فإنهم يورثون الأولى وان كان طفلا في يوم ولادته فإن قالوا أريد بهذا الحديث من لفظ الرجل ما يشمل الطفل المذكور فقد زادوا متنه بهذه الدعوى المجردة وهنا على وهن ورده إلى الكلام الساقط. وان قالوا ان من لم يبلغ مبلغ الرجال غير مراد من هذا الحديث ولكن مساواتهم للرجل هو حكم الله. قيل لهم أولا من اين علمتم هذه المساواة. وثانيا انكم رددتم الحديث إلى القصور والمعاياة الواهنة فإن المقام مقام بيان وتحديد. وقد خالفوا أيضا مضمونه في حكمهم بأن الإناث يعصبن مع إخوتهن وبذلك يزيدون الحديث في المعاياة والقصور في البيان - وثالثا - وهن سنده فقد روى الشيخ الطوسي في تهذيبه(١) عن أبي طالب الأنباري عن محمد بن أحمد الترمذي عن بشير بن

__________________

(١) سماعا واجازة من أحمد بن عبد الواحد المعروف بابن عبدون وابن الحاشر سنة ثلاث وعشرين واربعمائة وكانت وفاة الأنباري سنة ست وخمسين وثلاثمائة

٣٥

هارون عن الحميري عن سفيان عن أبي اسحق عن قارية بن مضرب قال جلست إلى ابن عباس وهو بمكة فقلت له حديث يرويه أهل العراق عنك وطاوس مولاك ان ما أبقت الفرائض فلأولى عصبة ذكر. قال أمن أهل العراق أنت قلت نعم قال ابلغ من وراءك - ما قلت هذا ولا طاوس يرويه عليّ قال قارية فلقيت طاوسا فقال لا والله ما رويت هذا على ابن عباس وانّما الشيطان ألقاه على ألسنتهم. قال سفيان أراه من قبل ابنه عبد الله بن طاوس فإنه كان على خاتم سليمان بن عبد الملك وكان يحمل على هؤلاء حملا شديدا يعني بني هاشم - ورابعا - يكفي في سقوط هذا الحديث وقيام الحجّة على بطلان التعصيب ما رواه في التهذيب في المعتبر عن الصادق (ع) ان رجلا مات على عهد رسول الله (ص) وكان يبيع التمر فأخذ عمه التمر وكان له بنات فأتت امرأته النبي (ص) فأعلمته بذلك فأخذ النبي (ص) التمر من العم ودفعه إلى البنات. وفي الكافي والتهذيب في المعتبر عن الكاظم (ع) في رجل ترك امه وأخاه قال يا شيخ تريد على الكتاب قال نعم قال (ع) كان علي يعطي المال الأقرب فالأقرب قلت فالأخ لا يرث شيئا قال (ع) قد أخبرتك ان عليا (ع) كان يعطي المال الأقرب فالأقرب. يعني ان عليا كان يجري على مقتضى الكتاب في آيات الأقربين واولي الأرحام ولا يقيم لمسألة التعصيب وزنا. وفيهما في الصحيح عن الصادق المال للأقرب والعصبة في فيه التراب. وفي العيون بسنده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) في حديث ولا يرث مع الولد والوالدين إلّا الزوج والمرأة وذو السهم أحق ممن لا سهم له وليست العصبة من دين الله. وفي الفقيه في الصحيح عن الباقر (ع) لا والله ما ورث رسول الله العباس ولا علي ولا ورثه إلّا فاطمة ثم قال (ع)( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) . وفي الكافي والفقيه وبضائر الدرجات والتهذيب في الصحيح عن الباقر (ع) ورث علي علم رسول الله وورثت فاطمة تركته. وفي بصائر الدرجات في الصحيح عن الصادق مثله. إلى غير ذلك مما هو صحيح الرواية عن الأئمة العترة أهل البيت (ع) - ولو تنزلنا وفرضنا التعارض والتكافؤ بين هذه الروايات وبين روايات التعصيب لكان المرجع كتاب الله في آيات الأقربين واولي الأرحام ودعوى ان آيتي أولي الأرحام لا دخل لهما في الميراث ساقطة وذلك لعمومها وما دل من الحديث وعمل الصحابة واهل العلم واهل البيت في نزولهما في شأن الميراث وعملهم عليهما في ذلك كما تقدم. على انه يكفينا في الانتصار آية الأقربين المؤكدة بالتكرار.

٣٦

-الأمر السابع - وعز عليّ ان أذكره. لكن اصحاب الجوامع والمسند وابن جرير وغيرهم من الجمهور تعرضوا له بما لا يخلو من النقد التاريخي وتعرض له الرازي والألوسي وصاحب المنار في تفاسيرهم بما لا يخلو من النقد العلمي والتاريخي وقد ذكروه بنحو يوجه اللوم على الزهراء (ع) وعلي (ع) وانهما لم يقتنعا بالرواية عن رسول الله (ص) بل أصرا بحنق وشدة على المطالبة به على خلاف المأمول بمقامهما العظيم في الكرامة والدين والمحافظة على الشريعة. ولو لا ذلك لكان ترك التعرض منا له أولى واهدأ للخواطر. ولكن لا بأس بالنقد التاريخي النزيه وتمحيص الروايات والأقوال في هذا المقام. وأمر الحقيقة موكول إلى الله وعلمه. وحاصله ان آيات( الْأَقْرَبِينَ ) و( أُولُوا الْأَرْحامِ ) و( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ ) تقتضي ان تركة رسول الله (ص) يرثها وارثه وهي ابنته وبضعته فاطمة (ع). ولكن ذكر التاريخ المؤلم في ذلك نزاعا احتدمت ناره مدة من السنين بين أهل البيت والعباس من جانب وبين المعاريف من مشايخ الصحابة من جانب آخر. وكثر من ذلك في المروي ما لا يهون وقوعه إذ يروى انه استمرت شكاية أهل البيت (ع) ومنازعتهم في ذلك إلى زمن عثمان ورأوا بعد ذلك ان السكوت أولى. وقد جاء في تأريخ ذلك من كتب الجمهور عن الصحابة أحاديث - الاول - في كتاب الجهاد من جامعي البخاري ومسلم من طريق عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة ان فاطمة (ع) بنت رسول الله (ص) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة(١) وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر قال رسول الله لا نورّث ما تركنا صدقة إنّما يأكل آل محمد من هذا المال واني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله ولأعملن به بما عمل به رسول الله (ص) فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئا فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك. فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله ستة أشهر : وروى نحوه مسلم أيضا في جامعه وابن جرير في تاريخه من طريق عبد الرزاق عن الزهري عن عروة عن عائشة. لكن ذكرا في أوله ان فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله (ص) وهما يطلبان ارضه من فدك وسهمه من خيبر. ونحوه في كتاب الفرائض من جامع البخاري من طريق معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة إلى قولها فهجرته حتى ماتت : وروى مسلم أيضا من طريق صالح عن الزهري عن عائشة ان فاطمة سألت أبا بكر ان يقسم

__________________

(١) من أموال بني النضير حيث انجلوا عنها وبقيت فيئا لرسول الله (ص)

٣٧

لها ميراثها مما ترك رسول الله مما أفاء الله عليه فقال أبو بكر ان رسول الله (ص) قال : لا نورّث ما تركناه صدقة وعاشت بعد رسول الله (ص) ستة أشهر وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله فأبى أبو بكر - وفي الحديث واما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي والعباس - واما خيبر وفدك فأمسكهما عمر وقال هما صدقة رسول الله كانت لحقوقه التي تعروه ونوائبه وأمرهما إلى من ولي الأمر - الحديث الثاني - روى مسلم في كتاب الجهاد من طريق مالك عن الزهري عن مالك بن أوس ما ملخصه ان عليا والعباس جاءا إلى عمر يختصمان فقال عمر لعبد الرحمن وعثمان والزبير وسعد أنشدكم الله أتعلمون ان رسول الله قال لا نورّث ما تركنا صدقة فقالوا نعم ثم ناشد عليا والعباس مثل ذلك فقالا نعم - إلى أن قال عمر فبقي هذا المال فكان رسول الله (ص) يأخذ منه نفقة سنة ثم يجعل ما بقي أسوة المال فلما توفي رسول الله (ص) قال أبو بكر أنا ولي رسول الله فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها فقال أبو بكر قال رسول الله ما نورث ما تركناه صدقة فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا ثم توفي أبو بكر وأنا ولي رسول الله (ص) وولي أبي بكر فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا. الحديث ورواه البخاري أيضا في كتاب الفرائض من طريق عقيل عن الزهري عن مالك بن أوس من دون قول عمر فرأيتماه - فرأيتماني كاذبا آثما إلى آخره. ورواه أبو داود في سننه بنحو رواية البخاري - الحديث الثالث - أخرج أبو داود في سننه عن أبي الطفيل قال جاءت فاطمة إلى أبي بكر تطلب ميراثها من النبي (ص) فقال أبو بكر سمعت رسول الله (ص) يقول ان الله إذا أطعم نبيا طعمة فهي للذي يقوم من بعده. وروى نحوه أحمد في مسند أبي بكر عن أبي الطفيل. ونقله في كنز العمال عن ابن جرير والبيهقي.

وهلم العجب في هذه المشكلة وما جرى في تاريخها من وجوه - الاول - لا يخفى ان فاطمة (ع) قد صح بين المسلمين بل تواتر انها سيدة نساء العالمين. كما أشرنا إليه في الجزء الاول ص ٢٨٢ وانها وعليا من العترة أهل البيت الذين هم ككتاب الله في انهما لا يضل من تمسك بهما ولن يفترقا ص ٤٣ - ٤٥ ومن الكلمات التي تاب الله بها على آدم ص ٨٧ ومن أمر الله رسوله أن يباهل بهم ويستعين بدعائهم ص ٢٩٠ ومن أهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا كما سيأتي بيانه إن شاء الله وان عليا امير المؤمنين ص ١١٢ وسيأتي إن شاء الله تأكيده ونفس رسول الله في وحي الله وحديث الرسول ص ٢٩٠ - ٢٩٤ وانه

٣٨

يقاتل على تأويل القرآن كما قاتل رسول الله على تنزيله كما مر ذلك في هذه المعدودات من صفحات الجزء الأول وباب مدينة العلم. ومع الحق. وأقضى الأمة. وولي المسلمين. وغير ذلك مما سيأتي ذكره إن شاء الله ، إذن فكيف تصر فاطمة مدة حياتها ويصر امير المؤمنين إلى ايام عمر على المطالبة بإرث رسول الله. إلّا تقول كيف يصران على ذلك مع ان أبا بكر يروي حديثا في ذلك عن رسول الله (ص). وهل يكون ذلك إلّا لأنهما يعلمان ان احتجاج أبي بكر لا يجدي شيئا. هب انهما يعلمان ذلك ويريان ان احتجاجه غير جار على الأصول الشرعية من حيث انه هو المدعي في هذه الخصومة وهو الذي استولى على الأموال ولم يتركها على مجراها الشرعي في الخصومات بل كان عليه أن يقف مع الزهراء للمحاكمة عند من سمع من رسول الله ما يسقط دعوى الزهراء فتجري الأمور على ميزان الدعاوي والحقوق في الشريعة. لكن هذا كله لا يوجب أن تهجر فاطمة أبا بكر حتى توفيت. ولا أن يقول عمر لعلي انه رأى أبا بكر آثما كاذبا خائنا غادرا ورأى عمر كذلك. بل كان على علي وفاطمة ان يريا ان من الجائز ان يكون أبو بكر سمع من رسول الله ما رواه وإن لم تجر الخصومة على وجهها فلا تهجره فاطمة مدة حياتها ولا يختلج في اعتقاد علي ما ذكره عمر في شأن أبي بكر وشأنه. إذن فمقام علي وفاطمة والتزامهما بالشريعة يقضي بأنهما كانا بحسب ما يعلمانه من القرآن ورسول الله لا يجدان إلى تجويز الصحة في منع أبي بكر وروايته سبيلا. وقد روى في كتاب بلاغات النساء(١) من طريقين ان فاطمة احتجت على رد حديث لا نورث ما تركناه صدقة بآيتي( وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ) ودعاء زكريا لولد الوارث كما سنذكره إن شاء الله مع ان الاعتبار يساعد على ان أهل البيت أولى بسماع هذا الحديث من رسول الله على وجه يذعنون بأن رسول الله لا يرث ماله وارثه بنحو يلتئم مع آيتي وراثة سليمان ويحيى من أبويهما النبيين. بل هم أولى بأن يخبرهم رسول الله (ص) بذلك جريا على قوله تعالى وأنذر عشيرتك الأقربين. لئلا تقع منهم بعده

__________________

(١) صفحة ٢١ و ٢٢ من المطبوع بمصر سنة ١٣٢٦ ومؤلفه أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر المولود ببغداد سنة ٢٠٤ والمتوفى سنة ٢٨٠ ويوجد في صفحة ١٦ «قال أبو الفضل ذكرت لأبي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)» وهذا غلط من النساخ أو الطبع لأن الذي عاصره ويروي عنه هو زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي المذكور كما يشهد لذلك ما في صفحة ١٦٧ من الكتاب وفي تقريب ابن حجر انه مقبول من الحادية عشرة.

٣٩

هذه الدعوى بغير الحق والتي تثير الخلاف بين خواص الأمة. بل الحديث يدل على ان نساء النبي (ص) لا علم لهن بذلك وأردن ان يبعثن عثمان رسولا إلى أبي بكر للمطالبة بإرثهن من النبي (ص) فمنعتهن عائشة برواية أبيها لا نورّث كما أخرجه البخاري في كتاب الفرائض ومسلم في كتاب الجهاد عن عائشة. بل أخرج البخاري في كتاب المغازي بعد حديث مالك ابن أوس عن عائشة أرسل ازواج النبي (ص) عثمان إلى أبي بكر يسألنه ثمنهن الحديث وهذا يدل على ان عثمان أيضا لا يدري بحديث لا نورث وإلا لذكره لهن ولم يقبل رسالتهن. وروى أبو داود في كتاب الخراج حديث نساء النبي أيضا وفيه من رواية عائشة عن قول النبي لا نورث ما تركناه صدقة وانّما هذا المال لآل محمد لنائبتهم ولضيفهم فإذا مت فهو إلى من ولي الأمر من بعدي - الوجه الثاني - ان الذي يروى من الجواب لفاطمة وعلي في منع الإرث إنّما هي كلمات متدافعة متنافرة. وكل منها لا يصلح جوابا ولنذكر في ذلك أمور - الأول - ان أبا بكر بحسب ما ذكرناه من المروي هو الخصم في هذه المنازعة ومدعي الصدقة والولاية عليها بالانحاء التي تقدمت في الأحاديث. وليس من شريعة القضاء ان يكون الخصم هو القاضي والحاكم لنفسه وولايته ومنفعته لرواية ينفرد بها مع التدافع والاضطراب المروي فيها. مع ان القرآن الكريم على خلافها - الثاني - ان انفراده بالرواية هو المعروف وجرى عليه علماء الأصول من أهل السنة حيث استدلوا بالعمل بتخصيص الكتاب المجيد بهذه الرواية مع انفراد أبي بكر بها. واخرج أحمد في مسند أبي بكر في حديث ان عمر قال لعلي والعباس حدثني أبو بكر وحلف انه لصادق انه سمع النبي يقول ان النبي لا يورث وانّما ميراثه في فقراء المسلمين والمساكين. ولو كان عمر وغيره يعلم بذلك من النبي (ص) لما احتاج أبو بكر إلى ان يحلف لعمر انه لصادق وقد روى عن عائشة انفراد أبي بكر بذلك. وعدته من فضائله. ففي صواعق ابن حجر وكنز العمال ومختصره في فضائل أبي بكر انه أخرج أبو القاسم البغوي وابو بكر في الغيلانيات وابن عساكر عن عائشة في حديث ان الناس اختلفوا في ميراث رسول الله فما وجدوا عند أحد من ذلك علما فقال أبو بكر سمعت رسول الله (ص) يقول «انا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة «لا يقال» ان رواية مالك بن أوس المتقدمة ناطقة بأن عمر ناشد عليا والعباس بالله انهما هل يعلمان ان رسول الله قال لا نورث ما تركناه صدقة فقالا اللهم نعم «لأنا نقول» ان لم يعرف ما لأمير المؤمنين من المقام السامي في العصمة فإنه لا يجهل

٤٠

أحد من المسلمين ما له من المقام الأرفع في التقوى والزهد والورع. اذن فكيف يتصور في حقه انه يعلم بأن رسول الله أخبر بأن أمواله لا تكون ارثا بل تكون للمسلمين وهو يريد ان يستلبها منهم غصبا بدعوى الإرث ومخالفة لحكم الله وبيان الرسول ويستمر مع ذلك على المطالبة سنين عديدة. ولو تنزلنا عن هذا لقلنا لا يخفى ان عليا والعباس لهما شرف ومروءة وسداد في الرأي والقول فكيف يطالبان بالإرث من رسول الله مدة سنين ويعتر فان مع ذلك بالعلم بقول الرسول لا نورث ما تركناه صدقة. وكيف يسجلان على أنفسهما بهذا الاعتراف انهما يستمران على الدعوى الباطلة ومحاولة غصب المسلمين حقهم وأكل مالهم بالباطل. وأي صاحب شعور حتى من السفلة يقدم على ذلك فيشوه سمعته ويدنس مستقبله وإن لم يكن له رادع من تقوى الله. دع هذا ولكن كيف يجعله عمر مع ذلك من رجال الشورى المرشحين للخلافة والائتمان على امور المسلمين. فما رواية الاعتراف من علي (ع) مع إصراره على المطالبة بالإرث إلّا فلتة ممن لا يعرف كيف يتكلم فيما يرويه «ولا يقال» ان عمر ناشد عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعدا بمثل ما ناشد عليا والعباس فقالوا اللهم نعم «لأنا نقول» ان الراوي لهذه المناشدة وجوابها هو الراوي لمناشدته عليا والعباس وجوابهما وقد عرفت قيمة الرواية. وثانيا ان الرواية تذكر ان عمر سألهم عن علمهم بذلك لا عن سماعهم له من رسول الله فأجابوا بالعلم اعتمادا على رواية أبي بكر وعمله «ولا يقال» ان عائشة قد روت حديث لا نورث لنساء النبي (ص) «لأنا نقول» انها استندت على علمهن من رواية أبيها كما يدل عليه ما تقدم في انفراد أبي بكر في روايتها فلم يسعهن إلّا السكوت في الموقف الحرج «ولا يقال» ان أبا هريرة روى عن رسول الله كما في جوامع مسلم والترمذي وأبي داود لا يقتسم ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة. وفي حديث آخر لا نورث ما تركناه صدقة «لأنا نقول» لا يخفى ان الرواية الأولى واردة في النقود وانه (ص) لا يدخر مما يملكه منها ما يبقى بعده بل ينفقها بسماحة النبوة ورأفتها وأبوته للأمة في سبيل الله والمحاويج. ولا يزاحم ذلك إلّا بالواجب الوقتي من نفقة نسائه ومؤنة عامله فهو (ص) على هذا المنوال وقتا بعد وقت فلا يبقى في خزائنه ما يكون معرضا لأن يتركه بعده إلّا ما كان من بيت المال والصدقات ان وسع المال ان يتربص به حاجة المسلمين في المستقبل. فالحديث اجنبي عن مثل الأراضي والعقار. واما الرواية الثانية فتكون بقرينة اتحاد الراوي جارية هذا المجرى ولا دلالة لها على اكثر من ذلك

٤١

- الأمر الثالث - ان رواية عائشة في تفرد أبي بكر بالرواية. وتداول نقلها بين العلماء والمصنفين وذكرها في الكتب كلها تشهد بأن الأصل في الرواية «انا معاشر الأنبياء لا نورث» وعلى ذلك جرى سطرها في الكتب. وعليه قال الرازي في تفسيره مذهب اكثر المجتهدين ان الأنبياء لا يورثون ثم ذكر انهم احتجوا بقول النبي (ص) نحن معاشر الأنبياء لا نورث. ويشهد لذلك ما في شمائل الترمذي من رواية أبي البختري ان عمر قال لطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد نشدتكم الله أسمعتم رسول الله يقول كل مال نبي صدقة إلّا ما أطعمه اهله إلّا لا نورث ونحوه في كتاب الخراج من سنن أبي داود. وما رواه أحمد في مسند أبي بكر من قوله لفاطمة سمعت رسول الله يقول ان النبي لا يورث. إذن فالرواية مخالفة لكتاب الله في قوله تعالى في سورة النمل ١٦( وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ) وليس ارث العلم والنبوة لأن القرآن يدل على ان سليمان اوتي العلم والحكمة كداود في زمان داود كما في سورة الأنبياء ٧٧ و ٧٨ وفي قوله تعالى في سورة مريم في قول زكريا ودعائه ٤( إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ ) أي الأقارب الوارثين( مِنْ وَرائِي ) أي بعد موتي أي خاف من أن يكونوا هم الوارثين لماله. ومقتضى مقام النبوة انه خاف ذلك لأمر شرعي( وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً ) لم تلد لي ولدا يكون هو الوارث من بعدي دونهم( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ) من رحمتك وقدرتك ولدا( وَلِيًّا يَرِثُنِي ) ويكون له ما ابقيه من المال الذي خفت ان يرثه الموالي من ورائي. ولا يخفى ان مقام زكريا في النبوة يمنع من ان يقال انه خاف ان يرثه مواليه وأقاربه العلم والنبوة. وذلك لأن النبوة وعلمها أمر بيد الله في مقامها الخاص يجعلها لمن هو أهل لها ويمنعها عمن ليس بأهل ولا يخفى ذلك عمن هو دون زكريا إذن فلا يصح في المعقول ان يقال ان زكريا النبي خاف من ان يجعل الله النبوة وعلمها فيمن ليس بأهل لذلك. ولا انه خاف من ان يجعل الله النبوة وعلمها بحسب حكمته فيمن هو أهل لها. فلا بد من ان يكون الذي خافه هو إرث المال الذي يرثه البر والفاجر بحسب الشريعة. ومثل ذلك قوله تعالى عن زكريا في سورة الأنبياء ٨٨( رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً ) بلا ولد وارث كما يدل عليه قوله( وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ ٨٩ فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى ) وان استجابة دعائه بالوارث تبطل ان يكون يحيى قتلوه في حياة أبيه زكريا حتى لو قلنا ان مراد زكريا ارث العلم والنبوة فان معنى ارث يحيى لهما من زكريا لا يستقيم في الكلام إلّا إذا وصلا ليحيى بعد موت زكريا. ودعوى الإجماع على قتل يحيى في حياة

٤٢

أبيه مجازفة تشهد دلالة القرآن ببطلانها - الأمر الرابع - في تدافع الحجّة المروية في أحاديث المسألة فإن الحديث الأول يذكر الاحتجاج أولا برواية انا لا نورث ما تركناه صدقة. وهذا كالصريح في دعوى ان أموال النبي (ص) التي هي ملكه في حياته يتصرف بها كيف يشاء تكون بعد وفاته صدقة مضافا إلى ان الاعتبار لا يساعد على ان يكون النبي محجورا عليه في أمواله وما أفاء الله عليه واضافه إليه وجعله له في نص القرآن فلا يكون كسائر المالكين يهب ويبيع ويعطي من اعيان أمواله على ما تقتضيه الحالة والمصلحة بل تكون صدقة لا يقدر ان يتصرف فيها إلّا على شيء من نمائها لنسائه فلا يساوي في أمواله التي جعلها الله له واحدا من المسلمين - لكن قول الحديث «إنما يأكل آل محمد من هذا المال يتضمن ان رسول الله (ص) كان محجورا عليه في املاكه بالنحو الذي ذكرناه وبمجرد ان يعطيه الله شيئا تكون أعيانه صدقة محجورا عليها. فالعبارتان في الحديث متدافعتان متنافيتان. ودع ما في العبارة الثانية ومؤدى حجرها على الرسول (ص). وعلى ذلك جرى قول الحديث «لا أغير شيئا من صدقة رسول الله عن حالها التي كانت عليها» إذ لو كان المدعى ان رسول الله (ص) جعلها صدقة بجعله لكان أمرا ثالثا تجب اقامة البينة الكافية عليه ولا يكفي في ذلك كون الرسول يتناول من نماء أمواله نفقة نسائه ويصرف الباقي في سبيل الله فإنه رسول الله وابو الأمة والإسلام معدن الرحمة والجود. «لا يقال» ان معنى المروي هو ان رسول الله (ص) جعل هذه الأموال صدقة في حياته وجرى في سيرته - لأنه يقال - لو كانت صدقة بجعل الرسول قبل وفاته بمدة سنين كما يروى من سيرته لكان ذلك من الأمور المشهورة ولما خفي على خواص أصحابه وعلى نسائه واهل بيته. ولما احتاج أبو بكر في رد فاطمة إلى رواية لا نورث ولا احتاجت عائشة في رد نساء النبي (ص) إلى هذه الرواية ولا احتاج لمناشدة عثمان والزبير وطلحة وسعد عن علمهم بها. مع ان الرواية اجنبية عن موضوع النزاع على هذا التقدير بل الذي يلزم هو اقامة الحجّة على وقوع التصدق منذ سنين والاستشهاد عليه. وفي رواية مسلم والبخاري في باب فرض الخمس «واما خيبر وفدك فأمسكهما عمر وقال هما صدقتا رسول الله كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه وأمرهما إلى من ولي الأمر» والكلام في هذه الفقرة كالكلام في سابقتها. وان كل مالك تكون أمواله لحقوقه التي تعروه ونوائبه. وتزيد هذه الفقرة بدعوى ان أمر فدك وخيبر إلى من ولي الأمر. فإن المقام مقام مطالبة بالحقوق على الموازين الشرعية والحجج لا مقام استفتاء يكتفي فيه بالفتيا المجردة والدعوى

٤٣

المحضة - ومما ذكرناه - يعرف التدافع في حديث مالك بن أوس في الجمع فيها بين الاحتجاج برواية لا نورث ما تركناه صدقة وبين الاحتجاج بأن رسول الله (ص) كان ينفق من مال بني النظير على اهله نفقة سنتهم ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله كما في روايات البخاري وفي رواية مسلم ثم يجعل ما بقي أسوة المال. ولا يخفى ان للناس في أموالهم شؤونا وهل يجب شرعا أو عقلا أو عادة ان تجرى أموال الشخص بعد موته على ما كانت تجرى عليه في حياته وان رسول الله (ص) في تفانيه في ذات الله والإسلام ورحمته بالمسلمين لو ملك اضعاف ما ملك لاقتصر على واجب النفقة وأنفق الباقي في سبيل الله وأما بعد وفاته فيرجع الأمر إلى شأن وارثه وليس لأحد ان يتحكم بفعل الموروث في النماء ما لم يثبت انه تصدق بالعين في حياته. ومما يزيد في الاضطراب والتدافع في ما يروى من الحجّة ما ذكرناه مما رواه أحمد في مسند أبي بكر عن عمر عن أبي بكر انه سمع رسول الله يقول النبي لا يورث وانّما ميراثه في فقراء المسلمين والمساكين. ويزيد ذلك بما ذكرناه في الحديث الثالث من قول أبي بكر سمعت رسول الله (ص) ان الله إذا اطعم نبيه طعمة فهي للذي يقوم من بعده. ويزيد في الاضطراب ما ذكرناه من شمائل الترمذي - الوجه الثالث - قد سمعت مما تقدم من جامعي البخاري ومسلم وتاريخ الطبري ان فاطمة طالبت أبا بكر بإرثها مما أفاء الله على رسوله بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فردها أبو بكر برواية لا نورث ما تركناه صدقة وفي رواية مالك بن أوس ان عمر قال في فدك وخمس خيبر انهما صدقة رسول الله وأمسكهما. إذن فكيف بلغ الحال إلى ما رواه أبو داود في كتاب الخراج من سننه في فدك انه لما مضى أبو بكر وعمر اقطعها «بالبناء للمجهول» مروان بن الحكم وبقيت في ولده حتى ردها عمر بن عبد العزيز. وقد صرح جماعة كثيرون بما يفهم من الحديث من ان الذي أقطعها مروان هو عثمان في أيامه كما في السيرة الحلبية والمرقاة وغيرها. وما اكثر وجوه الاشكال في هذه المسألة ورواياتها وذلك في ذمة تاريخها - هذا ومن المعلوم عند أهل البيت والإمامية وعليه حديثهم ان فدكا كانت نحلة من رسول الله لفاطمة وكانت تحت يدها وعمل عاملها في حياة رسول الله (ص) ولما طرد عاملها ادعت النحلة وقدمت لأبي بكر شهودها فلم ينفعها ذلك أصلا. ونقل ابن أبي الحديد في شرح النهج عن قاضي القضاة قوله انا لسنا ننكر صحة ما روي من ادعائها فدكا وأما انها كانت في يدها فغير مسلم ونقل أيضا عن كتاب السقيفة لأحمد بن عبد العزيز الجوهري أحاديث جمة في ادعائها

٤٤

(ع) نحلة فدك وذكر في المواقف وشرحها في المقصد الرابع من مقاصد الإمامة انها ادعت النحلة وشهد لها علي والحسنان وأضاف في المواقف ام كلثوم وقال في شرحها الصحيح انها ام ايمن : وقال ابن حجر في الشبهة السابعة من الباب الخامس من الفصل الأول في صواعقه ودعواها ان رسول الله (ص) نحلها فدكا لم تأت عليها بشاهد إلّا بعلي وام أيمن ونحوه في معجم البلدان وفتوح البلدان للبلاذري. وقال الشهرستاني في الملل والنحل الخلاف السادس في أمر فدك والتوارث عن النبي (ص) ودعوى فاطمة تملكا تارة ووراثة اخرى حتى دفعت عن ذلك بالرواية المشهورة عن النبي (ص) نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة. وفي كتاب امير المؤمنين علي إلى عامله عثمان بن حنيف «بلى كانت في أيدينا فدك فشحت عليها نفوس قوم وسخت بها نفوس قوم آخرين ونعم الحكم الله» وفي الدّر المنثور في تفسير قوله تعالى( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ) من سورة بني إسرائيل أخرج البزاز وابو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال لما نزلت هذه الآية( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ) دعا رسول الله فاطمة فأعطاها فدكا. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال لما نزلت( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ) اقطع رسول الله فاطمة فدكا. ونقل السيوطي أيضا هذين الحديثين في لباب النقول وذكر ان الطبراني أخرج الحديث الأول عن أبي سعيد وفي كنز العمال ومختصره في صلة الرحم من كتاب الأخلاق عن تاريخ الحاكم عن أبي سعيد قال لما نزلت( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ) قال النبي (ص) يا فاطمة لك فدك - هذا ولكن لما وردت دعوى الزهراء في نحلة فدك ولم تنفعها فيها شهادة علي والحسنين وأم أيمن ويا للعجب عدلت إلى المطالبة بها بوجه الإرث اقلا كسائر المتروكات هذا وان صاحب المنار ذكر عن الالوسي في تفسيره روح المعاني احتجاجه على الشيعة في ان الأنبياء لا يورثون بأمرين - أحدهما - ما

رواه في اصول الكافي بسنده عن أبي البختري وهب عن الصادق (ع) قوله : ان العلماء ورثة الأنبياء وذلك ان الأنبياء لا يورثوا دينارا ولا درهما وانّما أورثوا أحاديث من أحاديثهم. الحديث. فاحتج بان «إنّما» تفيد الحصر «ويدفعه» أنَّ الحصر لم يكن إضافيا بالنسبة إلى الدينار والدرهم فهو حصر بالنسبة لحملة الحديث من سائر الناس وعامتهم لا وارث المال من الأقرباء ومن المعلوم أنَّ سائر الناس لا يرثون من الأنبياء إلّا الحديث في العلم ولا إرث للعلماء من الأنبياء إلّا ذلك - وثانيهما - بأن تركة النبي (ص) وقعت في أيدي جماعة من المعصومين عند الشيعة والمحفوظين عند أهل

٤٥

السنّة كعلي والحسنين وعلي بن الحسين فلم يعطوا منها العباس ولا بنيه ولا أزواج النبي (ص) ولو كان الميراث جاريا في تلك التركة لشاركوهم قطعا «ويدفعه» أنَّ ما يشير إليه من نحو العمامة المقدّسة والسّلاح والرواية قد كان رسول الله (ص) أعطاه في مرضه لعليٍّ على أنّها من مختصات الإمامة ولذا صارت تنتقل من إمام إلى إمام وعلى ذلك يجري ما رواه أحمد في مسند أبي بكر عن ابن عباس بسند لو لم يكن صحيحا عندهم لكان حسنا مقبولا قال: لما قبض رسول الله (ص) واستخلف أبو بكر خاصم العباس عليا في أشياء تركها رسول الله (ص) فقال أبو بكر شيء تركه رسول الله فلم يحركه فلا أحركه. فلما استخلف عمر اختصما إليه فقال شيء لم يحركه أبو بكر فلا أحركه. فلما استخلف عثمان اختصما إليه فسكت ونكس رأسه فخشيت ان يأخذه فضربت بين كتفي العباس فقلت: يا أبت أقسمت عليك إلّا سلمته لعلي فسلمه اليه. ورواه في كنز العمال ومنتخبه في أول كتاب الخلافة عن البزاز أيضا. ولو تنزلنا عن ذلك وفرضنا كونها تركة موروثة لقلنا ان عدم اعطائهم للعباس لأنه لا يرث مع فاطمة عند أهل البيت لآيات الأقربين واولي الأرحام كما مر في مسألة التعصيب. وأما أزواج النبي (ص) فيجوز ان يكون قد طبن نفسا بذلك لفاطمة (ع) لسماحتها لهن ببقائهن في بيوتهن وتصرفهن بما فيها من ادارة البيت احتراما لمقامهن من رسول الله أو لغير ذلك من الوجوه. ويجوز أيضا أنْ تكون تلك الأشياء تستخلص في سائر الطبقات من بقية الوراث بطيب النفس أو بالمعاوضة فلا تشبث بذلك للالوسي وصاحب المنار.

- الأمر الثامن في العول: ومحل النزاع فيه بين النافين له والمثبتين هو ان يجتمع من الفرائض المذكورة في القرآن الكريم بحسب صورة إطلاقها ما يتزاحم ولا يمكن اجتماعه مع الإطلاق وبقائه على معناه. فالقائل بالعول يخرج اسماء الفرائض في مسائل عوله عن معانيها الحقيقية لكي يقسم المال على نسبة تلك المعاني بعضها من بعض. والنافون للعول يستدلون على تقييد بعض المطلقات في تلك المسائل فيرتفع التزاحم. وتحرير الكلام هو أنَّ الصور التي يفرض تزاحم الفرائض فيها في الظاهر هي على ما يخطر في ذهني في الحال اثنتان وعشرون صورة ثلاثة عشر منها متفق على إمكان تصويرها ووقوعها بين المسلمين وتسعة منها يختص تصويرها بأهل السنة لأنهم يورثون الاخوة والأخوات مع الأمّ فلنذكر هذه الصور وما تصير إليه فرائضها على تقدير العول ليتضح وجه الحجّة والكلام في المسألة ان شاء الله وان استلزم التطويل -

٤٦

فالصور المتفّق عليها الأولى منها - زوج وبنت وأم وأب. يصير فيها على العول ربع الزوج ثلاثة من ثلاثة عشر ونصف البنت ستة من ثلاثة عشر وكل من سدسي الأب والأم اثنين من ثلاثة عشر - الثانية - زوج وبنتان فما فوق وأم وأب. يصير فيها ربع الزوج ثلاثة من خمسة عشر وهو الخمس وثلثا البنات ثمانية من خمسة عشر وكل من سدسي الأب والأم اثنين من خمسة عشر - الثالثة - زوج وبنتان فما فوق وواحد من الأبوين. يصير فيها ربع الزوج ثلاثة من ثلاثة عشر. وثلثا البنات ثمانية من ثلاثة عشر. وسدس أحد الأبوين اثنين من ثلاثة عشر - الرابعة - زوج وأخت من الأبوين أو الأب واثنان من كلالة الأم. يصير فيها نصف الزوج ثلاثة من ثمانية وكذا نصف الأخت. وكل واحد من سدسي الكلالة واحد من ثمانية وهو الثمن - الخامسة - الصورة السابقة مع كون الكلالة من الأم فيها اكثر من اثنين يصير النصفان فيها كما في التي قبلها وثلث الكلالة ربعا - السادسة - الصورة السابقة وكلالة الأم واحد. يصير فيها كل من النصفين ثلاثة من سبعة وسدس الكلالة واحد من سبعة - السابعة - زوج واختان فما فوق من الأب أو الأبوين. يصير فيها نصف الزوج ثلاثة من سبعة وثلثا الأخوات اربعة من سبعة - الثامنة - الصورة السابقة وواحد من كلالة الأم. يصير فيها نصف الزوج ثلاثة من ثمانية وثلثا الأخوات أربعة من ثمانية وهو النصف وسدس الكلالة ثمنا - التاسعة - الصورة السابقة وكلالة الأم فيها اثنان. يصير فيها نصف الزوج ثلاثة من تسعة وهو الثلث وثلثا الأخوات اربعة من تسعة وكل من سدسي الكلالة واحدا من تسعة - العاشرة - الصورة السابقة وكلالة الأم أكثر من اثنين وقسمتها كسابقتها ويكون ثلث الكلالة اثنين من تسعة - الحادية عشر - زوجة وبنتان فما فوق وأم وأب. يصير فيها ثلثا البنات ستة عشر من سبعة وعشرين(١) وثمن الزوجة ثلاثة من سبعة وعشرين وهي التسع - الثانية عشر - زوجة واختان فما فوق من الأب أو الأبوين مع اثنين من كلالة الأم. تصير فيها القسمة كسابقها - الثالثة عشر - هذه الصورة وكلالة الأم فيها اكثر من إثنين وتصير كسابقتها وثلث الكلالة ثمانية من سبعة وعشرين «وأما المختصّة» بمواريث أهل السنة فهي - الرابعة عشر - زوج وام وأخت من الأب والأبوين يصير فيها كل من نصفي الزوج والأخت ثلاثة من ثمانية وثلث الأم اثنين من ثمانية وهو الربع - الخامسة عشر - زوج وأم واختان فما فوق من الأب أو الأبوين يصير فيها نصف الزوج ثلاثة من تسعة وهو الثلث وثلثا الأخوات

٤٧

أربعة من تسعة وثلث الأم اثنين من تسعة - السادسة عشر - الصورة السابقة مع واحد من كلالة الأم. يصير فيها نصف الزوج ثلاثة من عشرة وثلث الأمّ اثنين من عشرة وهو الخمس وثلثا الأخوات اربعة من عشرة وسدس الكلالة واحد من عشرة - السابعة عشر - الصورة السابقة مع ثان من كلالة الأم. يصير فيها نصف الزوج ثلاثة من أحد عشر وثلث الأمّ اثنين من أحد عشر وثلثا الأختين اربعة من أحد عشر وكل من سدسي الكلالة واحد من أحد عشر - الثامنة عشر - الصورة السابقة ويكون فيها كلالة الأمّ اكثر من اثنين. يصير فيها ثلث الكلالة اثنين من أحد عشر - التاسعة عشر - زوجة وام وأختان فما فوق من الأب أو الأبوين. يصير فيها ربع الزوجة ثلاثة من خمسة عشر وهو الخمس وثلث الأم اربعة من خمسة عشر وثلثا الأخوات ثمانية من خمسة عشر - العشرون - الصورة السابقة مع واحد من كلالة الأمّ. يصير ربع الزوج فيها ثلاثة من سبعة عشر وثلث الأمّ أربعة من سبعة عشر وثلثا الأخوات ثمانية من سبعة عشر وسدس الكلالة اثنين من سبعة عشر - الحادية والعشرون - الصورة السابقة مع ثان من كلالة الأمّ يصير فيها ربع الزوج ثلاثة من تسعة عشر وثلث الأم اربعة من تسعة عشر وثلثا الأخوات ثمانية من تسعة عشر وكل من سدسي الكلالة اثنين من تسعة عشر - الثانية والعشرون - الصورة السابقة ويكون فيها كلالة الأم أكثر من اثنين. يصير ثلثهم فيها أربعة من تسعة عشر.

إذن فعلى القول بالعول وما تقدم من الحساب في الصور المذكورة يصير معنى الثمن المذكور في القرآن للزوجة أو الزوجات واحدا من ثمانية كما في غير مسائل العول وواحدا من تسعة أي تسعا في الصور الحادية عشر والثانية عشر والثالثة عشر : ويكون ربع الزوجة واحدا من أربعة في غير العول وواحد من خمسة كما في الصورة التاسعة عشر وثلاثة من سبعة عشر كما في الصورة العشرين وثلاثة من تسعة عشر كما في الحادية والعشرين والثانية والعشرين. وربع الزوج ثلاثة من ثلاثة عشر كما في الصورة الأولى والثالثة وثلاثة من خمسة عشر كما في الثانية ويكون نصف الزوج واحدا من اثنين في غير العول وثلاثة من سبعة كما في الصورة السادسة والسابعة. وثلاثة من ثمانية كما في الرابعة والخامسة والثامنة والرابعة عشر. وثلاثة من تسعة أي ثلثا كما في التاسعة والعاشرة والخامسة عشر. وثلاثة من عشرة كما في السادسة عشر. وثلاثة من أحد عشر كما في السابعة عشر والثامنة عشر. وتزيد معاني النصف بالنظر إلى نصفي البنت والأخ

٤٨

فيكون أيضا ستة من ثلاثة عشر كما في الصورة الأولى. وثلاثة من ثمانية كما في الرابعة والخامسة والرابعة عشر. وثلاثة من سبعة كما في السادسة فيكون للنصف سبعة معان : ويكون سدس الأب أو الأم أو الواحد من كلالة في غير العول واحدا من ستة. واثنين من ثلاثة عشر كما في الصورة الأولى والثالثة. واثنين من خمسة عشر كما في الثانية. وأربعة من سبعة وعشرين كما في الحادية عشر. وواحدا من سبعة كما في السادسة. وواحدا من ثمانية كما في الرابعة والثامنة. وواحدا من تسعة كما في التاسعة. واربعة من سبعة وعشرين كما في الثانية عشر. وواحدا من عشرة كما في السادسة عشر. وواحدا من أحد عشر كما في السابعة عشر. واثنين من سبعة عشر كما في الصورة العشرين. واثنين من تسعة عشر كما في الحادية والعشرين. فيكون للسدس اثنا عشر معنى : ويكون الثلث لكلالة الأم واحدا من ثلاثة في غير العول. واثنين من ثمانية كما في الخامسة. واثنين من تسعة كما في العاشرة. وثمانية من سبعة وعشرين كما في الثالثة عشر. واثنين من أحد عشر كما في الثامنة عشر. واربعة من تسعة عشر كما في الثانية والعشرين : ويكون الثلث للأم اثنين من ثمانية كما في الرابعة. واثنين من تسعة كما في الخامسة عشر. واثنين من عشرة كما في السادسة عشر. واثنين من أحد عشر كما في السابعة عشر والثامنة عشر. واربعة من خمسة عشر كما في التاسعة عشر. واربعة من سبعة عشر كما في الصورة العشرين : واربعة من تسعة عشر كما في الحادية والعشرين والثانية والعشرين. ويكون أيضا باعتبار ثلثي البنات والأخوات له معان أخر فإن الثلثين يكونان ثمانية من خمسة عشر في الصورة الثانية وثمانية من ثلاثة عشر في الثالثة. واربعة من سبعة في السابعة. واربعة من ثمانية في الثامنة. واربعة من تسعة في التاسعة والعاشرة والخامسة عشر. وستة عشر من سبعة وعشرين في الحادية عشر والثانية عشر والثالثة عشر. واربعة من عشرة في السادسة عشر والثامنة عشر. وثمانية من خمسة عشر في التاسعة عشر. وثمانية من سبعة عشر في الصورة العشرين. وثمانية من تسعة عشر في الحادية والعشرين والثانية والعشرين. فيكون للثلث باعتبار ثلث الأم وثلث كلالتها وثلثي البنات والأخوات أحد وعشرون معنى.

إذا تحرر هذا فنقول ان الله العليم الخبير والذي أحصى كل شيء علما وعددا لا شك في انه يمتنع على جلاله ان يكون قد جعل الفرائض وهو لا يعلم بما يؤدي إليه تزاحمها كما في فروض مسائل العول. إذن فلم يبق في المسألة إلّا وجهان - أحدهما - ان يكون استعمل

٤٩

ألفاظ الفرائض في معانيها الحقيقة في غير مسائل العول وفي المعاني الكثيرة المتنافرة التي يؤول إليها تقسيم العول كما شرحناه - وثانيهما - ان يكون الشارع في الموارد يتراءى فيها تزاحم الفرائض بحسب الظاهر البدوي من إطلاقها قد قيد بعض مطلقاتها وأخرج بعض مصاديقها منها بحيث لا يحصل التزاحم وأوكل أمر هذه المصاديق إلى عمومات الإرث بالقرابة وآيات الأقربين واولي الأرحام - لكن - الوجه الاول باطل ممتنع في اللغة لأنه يستلزم استعمال اللفظ الواحد في الاستعمال الواحد في معناه الحقيقي ومعان أخر متنافية متشتتة لا جامع بينها كما شرحناه وليس فيما بين كل واحد منها وبين المعنى الحقيقي علاقة تصحح التجوز فانها كلها في مقام التقسيم واناطة الحكم بخصوصيات الكسور فتكون بذلك معاندة ومنافرة للمعنى الحقيقي ومتعاندة ومتنافرة فيما بينها. على انه لا يجوز الجمع في الاستعمال بين الحقيقة والمجاز حتى مع وجود العلاقة ووضوحها كما تحرر في الأصول. ومما يشهد لذلك ان الأوائل القائلين بالعول من الصحابة لم يدعوا أن تزاحم الفرائض صار قرينة على ان الله أراد من ألفاظها ما ذكرناه من تلك المعاني الكثيرة بل جعلوا العول من قبيل الصلح القهري عند اشتباه الحكم الشرعي لأنه لم يتضح لهم من قدم الله ومن أخره كما يعرف من رواية عبيد الله عن ابن عباس. كما يشهد لذلك ان ابن عباس اكتفى في ابطال العول بعلم الله وإحصائه لرمل عالج عددا ولم يخطر في خياله ان الله أراد من اسماء الفرائض تلك المعاني الكثيرة وعلى ذلك يجري تصويب الزهري لقوله واحتجاجه وما ذاك إلّا لأن ما ذكرناه من الامتناع خصوصا في هذا المقام مرتكز في الغريزة مستحكم في الفطرة. هذا ولو تنزلنا وجوزنا الجمع بين كل من المعنى الحقيقي والمعنى المجازي في استعمال واحد لما كان هذا المقام من واديه ولا يدانيه لما ذكرناه من المعاندة في مقام التقسيم - فان قيل - يمكن ان يكون ألفاظ الفرائض مستعملة في الجامع بين تلك المعاني المتشتتة وهو عنوان الجزء المطلق من التركة وما يشبهه - قلنا - إذا كان المسمى والمعنى هو الجزء المطلق وكانت اسماء الفرائض كالمترادفة فما هي الفائدة فيها والمحصل منها. ولماذا يعطى في كل مورد من موارد العول وغيره جزء مخصوص ومقدار معين - فان قيل - انا نعطي تلك المقادير المخصوصة من باب تزاحم الحقوق المجعولة - قلنا - أولا لماذا تعطون في غير العول مقادير مخصوصة على مقتضى المعاني الحقيقية لألفاظ الفرائض كالنصف والثلث مثلا. وثانيا. إذا كانت اسماء الفرائض اسماء للجزء المطلق لم يكن هناك تزاحم حقوق بل يعطون

٥٠

على التساوي. فلا مناص إذن عما ذكرناه قبلا من ثاني الوجهين وهو التقييد لإطلاق بعض الفرائض التي لا تخرج أسماؤها عن معانيها الحقيقية والرجوع في موردها إلى الإرث بالقرابة. فعلينا البحث في تعيين ما هو خارج عن الإطلاق ويرجع أمر مورده إلى آيات الأقربين واولي الأرحام. فإن أصبناه انحل اشكال التزاحم وإلا وجب التوقف والرجوع إلى الصلح ما بين الورثة في هذه الموارد المشكلة بظاهر التزاحم. بل لو تمحلنا وجوزنا استعمال القرآن الكريم لألفاظ الفرائض على الوجه الأول المخالف للمعنى الحقيقي والراجع إلى الألغاز والمعميات بل الطلاسم لكان الحمل على التقييد هنا هو المتعين لأنه لا تجوز فيه وهو شايع جدا في المحاورات والقرآن الكريم. ومعرفة الخارج عن الإطلاق قريبة من التناول ووجه التقييد واضح كما قاله ابن عباس كما ذكره في كنز العمال ومختصره عن أبي الشيخ في فرائضه والبيهقي في سننه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ورواه ابن حزم الاندلسي في كتابه المحلى عن إسماعيل القاضي كما رواه المشايخ في الكافي والفقيه والعلل والتهذيب بأسانيدهم عن الفضل بن شاذان عن محمد بن يحيى جميعا عن علي بن عبد الله المدائني(١) ورواه أيضا في التهذيب سماعا واجازة عن ابن عبدون عن أبي طالب الانباري عن أبي بكر الحافظ أحمد بن هوده عن علي بن محمد الحصيني جميعا عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال خرجت انا وزفر بن أوس إلى ابن عباس فتحدثنا عنده حتى عرض ذكر فرائض المواريث فقال ابن عباس سبحان الله العظيم أترون الذي أحصى رمل عالج عددا جعل في مال نصفا ونصفا وثلثا. النصفان قد ذهبا بالمال فأين موضع الثلث. فقال له زفر يا أبا العباس من أول من أعال الفرائض فقال عمر بن الخطاب لما التقت عنده الفرائض ودافع بعضها بعضا قال ما ادري كيف اصنع. ما أدري أيكم قدم الله وأيكم أخر وما أجد في هذا المال شيئا أحسن من أن أقسمه عليكم بالحصص. ثم قال ابن عباس وايم الله لو قدم من قدم الله وأخر من أخر الله ما عالت فريضة. فقال له زفر وأيهم قدم الله وأيهم أخر. فقال كل فريضة لم يهبطها الله إلّا إلى فريضة فهذا ما قدم وأما ما أخر فكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها إلّا ما بقي فذلك الذي أخر. فأما التي قدم الله فالزوج له النصف فإذا دخل

__________________

(١) في التقريب ثقة ثبت امام اعلم أهل عصره بالحديث وعلله. إلى غير ذلك من تفخيم ابن عيينة والبخاري والنسائي له

٥١

عليه ما يزيله رجع إلى الربع لا يزيله عنه شيء. والزوجة لها الربع فإن زالت عنه صارت إلى الثمن لا يزيلها عنه شيء. والأم لها الثلث فإن زالت عنه صارت إلى السدس ولا يزيلها عنه شيء. والذي أخر فريضة الأخوات والبنات النصف والثلثان فإذا أزالتهن الفرائض عن ذلك لم يكن لهن إلّا ما بقي. فإذا اجتمع ما قدم الله وما أخر بدء بمن قدم فأعطي حقه كاملا فإن بقي شيء كان لمن أخر. فقال زفر فما منعك يا ابن عباس من ان تشير عليه بهذا الرأي قال ابن عباس هبته. قال ابن شهاب والله لو لا انه تقدمه امام عدل أمره إلى الورع لما اختلف على ابن عباس اثنان من أهل العلم إنتهى ورواه الحاكم في الصحيح على شرط البخاري ومسلم بسنده عن علي بن عبد الله المدائني إلى آخر السند المتقدم من قول ابن عباس أول من أعال الفرائض عمر إلى قوله فإن بقي شيء كان له. وفي ذلك محل الغرض من احتجاج ابن عباس فيمن قدم الله ومن أخر وبيان الوجه الذي يعرف منه التقييد لبعض المطلقات. فانه لو دخل ولد ذكر مع البنت أو البنات أو أخ مع الأخت أو الأخوات زلن عن فرضهن ولم يكن لهن مع أخيهن إلّا ما بقي. بل لو كان في مقامهن ولد أو أولاد أو أخ أو اخوة لم يكن لهم إلّا ما بقي. فيكشف ذلك عن ان هذا هو الشأن المشروع في مقام هذه الوراثة. وعلى ذلك جرى ما رواه المشايخ الثلاثة في الكافي والفقيه والتهذيب في الصحيح عن الباقر (ع) قال كان علي (ع) يقول ان الذي احصى رمل عالج يعلم ان السهام لا تعول على ستة. لو يبصرون وجهها لم تجز ستة إنتهى يعني (ع) ان كل فريضة تعطى مثل مخرجها وهو ما بنسبتها من الستة فصاحبة الثمن تعطى ثلاثة أرباع الواحد من الستة. وصاحب الربع يعطى واحدا ونصفا من الستة(١) ومراده (ع) من وجهها هو ما ذكرناه من التقييد للإطلاق في فرائض البنت والبنات والاخت والأخوات في صور التزاحم : وروى الشيخ في التهذيب عن ابن عبدون عن أبي طالب الانباري عن الحسن بن محمد بن أيوب عن عثمان بن أبي شيبة عن يحيى بن أبي بكر عن شعبة عن سماك عن ابى عبيدة السلماني قال كان علي (ع) على المنبر فقام إليه رجل فقال يا امير المؤمنين رجل مات وترك ابنتيه وأبوين وزوجة فقال (ع) صار ثمنها تسعا قال سماك فقلت لعبيدة وكيف ذلك

__________________

(١) لكنا في صور التقسيم السابق حذرا من الكسور جعلنا المخرج لما فيه الثمن اربعة وعشرين ليكون الثمن ثلاثة بلا كسر. ولما فيه الربع اثني عشرة ليكون الربع ثلاثة بلا كسر

٥٢

قال ان عمر بن الخطاب وقعت في إمارته هذه الفريضة فلم يدر ما يصنع فقال له اصحاب محمد (ص) أعط هؤلاء فريضتهم للأبوين السدسان وللزوجة الثمن وللبنتين ما يبقى فقال واين فريضتهما الثلثان فقال علي (ع) لهما ما يبقى فأبي ذلك عليه عمر وابن مسعود قال أبو عبيدة واخبرني جماعة من اصحاب علي (ع) بعد ذلك في مثلها انه اعطى الزوج الربع مع البنتين وللأبوين السدس والباقي رد على البنتين وذلك هو الحق وان أباه قومنا إنتهى ومن الواضح ان قوله (ع) صار ثمنها تسعا خارج مخرج الإنكار والتألم من قسمة العول وهو ان الذي سماه الله ثمنا كيف يكون تسعا وكيف يطلق لفظ الثمن في استعمال واحد على جزء من ثمانية وعلى جزء من تسعة : هذا واما الأحاديث الواردة في بطلان العول ودخول النقص على البنات والأخوات عن الأئمة من أهل البيت علي والباقر والصادق والرضاعليهم‌السلام فهي كثيرة تناهز التواتر أكثرها من الصحيح وعلى مقتضاها اجماع الإمامية ومذهب ابن عباس ومحمد بن الحنفية وحكاه المرتضى في الإنتصار عن عطا بن رياح وداود بن علي الاصفهاني. وفي المحلى لابن حزم قال به أبو سليمان وجميع أصحابه يعني داود إنتهى وذهب إليه الناصر جد المرتضى في الناصريات واختاره ابن حزم في المحلى.

احتجوا للقول بالعول بوجوه - الأول - انه لا بد من النقص عند تزاحم الفرائض. ودخوله على بعض دون بعض ترجيح من دون مرجح ومقتضى العدل هو إدخاله على الجميع - ويدفعه - ان المقام مقام جعل وتشريع واتباع الشرع في القسمة وقد أوضحنا انه يمتنع ان يكون في أدلة التشريع ولفظه ما يراد منه دخول النقص على الجميع. اذن فإدخال النقص على الجميع تحكم باطل على الشرع لأعدل. خصوصا إذا علمنا انه لا بد فيه من التقييد لبعض المطلقات. واما إدخال النقص على البعض فانما هو لترجيح الدليل وتعيينه كما قدمناه عن ابن عباس وما جاء عن أهل البيت (ع) وإجماع الإمامية - الثاني - القياس على الحكم بالتقسيط فيما اوصى الإنسان بوصية نافذة بنصف الألف لزيد ونصفها لعمرو وثلثها لبكر مثلا - ويدفعه - أولا بطلان القياس من أصله. وثانيا. انه قياس مع الفارق فانا إذا لم نجد في هذه الوصية قرينة على العدول أو التقييد كان قرينة ارادة الموصي بلفظي النصف والثلث مجازا بنحو اللغز هو الجزء الناتج من التقسيط على نسبة المعاني الحقيقية. وليس في هذا ما يستلزم الممتنع من الجمع

٥٣

في الاستعمال الواحد بين المعنى الحقيقي والمعاني المتعددة المتنافية المتباينة وهذا إذا جاز من الناس لا نجوز مثله من القرآن الكريم فضلا عن ان محل الكلام في العول يستلزم امرا ممتنعا في اللغة وهو الجمع بين المعنى الحقيقي والمعاني المتباينة المتنافرة كما شرحناه ولو تمحلنا وجوزناه على الناس في هذل الاحاجي والالغاز لما جاز على مجد القرآن الكريم في البيان لتمييز السهام - من وجوه القياس - ان المال إذا قصر عن ديون الغرماء يوزع عليهم على نسبة ديونهم - ويدفعه - مع انه قياس ان الفارق جلي. فإن قصور المال لا ينافي ثبوت الدين في الذمة بمقاديره الحقيقية ولم يكن ثبوته مبتنيا على استعمال ممتنع في اللفظ الواحد. وان توزيع المال على الدين لم يكن في حال يئول إلى العلم الإجمالي فضلا عن التفصيلي بالتقييد وخروج البعض من افراد الدين عن الإطلاق الذي في دليل ثبوته واستحقاقه. فما هذا القياس إلّا من نحو قياس الضد على ضده في جهة المضادة - الثالث - رواية القول بالعول عن علي (ع) في رواية عبيدة السلماني بقوله (ع) صار ثمنها تسعا - ويدفعه - ما ذكرناه من ظهوره في نفسه في خروجه مخرج الإنكار فضلا عما ذكرناه من تتمة الرواية عن عبيدة وفضلا عن المعلوم المنقول عن أئمة أهل البيت وغيرهم من انه (ع) كان ينكر على القول بالعول - الرابع - النقض على الحل لمسئلة التزاحم بتقييد بعض المطلقات وتقديم من قدمه الله وتأخير من اخره وإدخال النقص على البنات أو الأخوات من الأب أو الأبوين وذلك بما إذا كان التزاحم في فرائض من قدمه الله كما إذا كان الوراث زوجا واما واثنين من كلالة الأم أو اكثر فإن المال لا ينقسم على نصف وثلث وسدسين. وكذا إذا كان مع هؤلاء اخت أو اختان من كلالة الأب أو الأبوين فإن المال يضيق وان أخرجنا هذه الكلالة من الميراث بالمرة - ويدفعه - ان هاتين الصورتين ممتنعتين في المواريث بحسب ما تقيمه الشيعة من الأدلة على ان الكلالة بقسميها لا ترث مع الأم كما مر بعضه. فلا نقض بما ذكروه ولا تشبث

(الأمر التاسع) ارث الزوج والزوجة في عقد المتعة فإنه خارج عن اطلاق ارث الزوجين على المشهور عند الإمامية وعليه حديثهم الدال على تقييد الإطلاق

(الأمر العاشر) خروج الرباع مطلقا والشجر والبناء عينا لا قيمة عن ارث الزوجة غير ذات الولد بإجماع الإمامية وحديثهم وفي ذات الولد خلاف

(الأمر الحادي عشر) - الحبوة - وهي لباس الميت وخاتمه ومصحفه وسيفه فان

٥٤

(١٣)تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٤)وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (١٥)وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ

____________________________________

المشهور عند الامامية انها حبوة يختص بها الأكبر من أولاده الذكور الصلبيين أو المنفرد وعلى ذلك حديثهم. وقيل انها على الاستحباب لتشكيك القائلين به في استفادة الوجوب والاستحقاق من الأحاديث -

هذا وأما الكلام في مواريث الأجداد والجدات وأبناء الاخوان والأخوات. والأعمام والأخوال وأبنائهم من اولي الأرحام والأقربين وكذا ميراث الولاء فهو موكول إلى علم الفقه وكتبه ١٣( تِلْكَ ) أي ما ذكر من احكام المواريث( حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ ) في العمل بهذه الأحكام على حدودها وما جاء في السنة في بيانها تفسيرا أو تخصيصا أو تقييدا( يُدْخِلْهُ ) الله( جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ) حال كون المطيعين( خالِدِينَ ) وجرى الجمع على معنى «من» الموصولة( فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ١٤وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ ) المذكورة( يُدْخِلْهُ ) الله( ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ ) فوق ذلك( عَذابٌ مُهِينٌ ) وجرى افراد الضمائر على لفظ الموصول ١٥( وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ ) أي يفعلنها فجاءت الكناية عن الفعل بالإتيان كما جاءت الكناية عن الفعل بالقرب في قوله تعالى الانعام ١٥١( وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ) وفي سورة الاسراء ٣٢( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى ) والإتيان والقرب على معانيها الحقيقية والغرض منها الفعل ونحوه بالمعنى الكنائي فهي مثل قوله تعالى في سورتي الأعراف ٧٩ والنمل ٤٥( أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ) وفي سورة العنكبوت ٢٨( إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ) ٢٩( وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ) وقد التفت الرازي في تفسيره إلى دلالة هذه الكنايات على ان فاعل الفاحشة هو الذي فعلها بإرادته وذهب إليها من عند نفسه وأتاها بقصده. واختارها بمجرد طبعه. أي غير مجبور على ذلك بوجه من الوجوه التي يلتجأ فيها إلى فرض الكسب. ولكنه قال لا يتم ذلك إلّا على قول المعتزلة. ويا ليته أصاب المرمى فقال وهذا مما يدل على قول المعتزلة في عدم الجبر. والفاحشة اسم للفعل القبيح والمراد منه في الآية بحسب المعهود ومناسبة المقام هو الزنا. وحكي

٥٥

مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا

____________________________________

عن أبي مسلم الاصفهاني من الجمهور وحكاه الرازي أيضا عن مجاهد ان الفاحشة هنا هي مساحقة النساء وفي قوله تعالى( وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ ) هو اللواط. وذكر الرازي وجوه رده والدفع عنه بلا تصريح منه بترجيحه ورجحه صاحب المنار وحكى الترجيح عن استاذه بما لا يخرج عما ذكره الرازي وأيده الاردبيلي في زبدة البيان بنحو ذلك. والكل تخرص سقيم لا يجدي. فقد روي من عدا البخاري من اصحاب الجوامع الست وذكر في الدّر المنثور من غيرهم اثنى عشر ممن أخرجه من كبار المحدّثين عن عبادة ابن الصامت في حديث ان رسول الله (ص) اوحي إليه ولما سوى عنه الوحي قال (ص) خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا الثيب جلد مائة ورجم بالحجارة والبكر جلد مائة ثم نفي سنة. واخرج أحمد عن سلمة ابن المحيق عن رسول الله نحو ذلك. وروى في الكافي بسنده عن الباقر (ع) ما ملخصه ان كل سورة النور نزلت بعد سورة النساء قال الله تعالى :( وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ ) إلى قوله تعالى( سَبِيلاً ) فالسبيل الذي قال الله( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ) . وفي تفسير البرهان عن العياشي عن جابر عن الباقر جعل السبيل الرجم أو الجلد. ورواه الجزائري في القلائد عن العياشي عن أبي بصير عن الصادق (ع) وفي مجمع البيان ان النسخ أي بآية النور وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله. وفي الوسائل في رسالة المحكم والمتشابه للمرتضى نقلا من تفسير النعماني باسناده عن إسماعيل بن جابر عن الصادق (ع) عن آبائه عن امير المؤمنينعليه‌السلام في حديث ذكر فيه احكام هذه الآية إلى ان قال فلما قوي الإسلام انزل الله( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ) فنسخت هذه الآية الحبس والأذى الحديث. وأما القول بأن السبيل هو التزويج والاستغناء بالحلال فقد قال في التبيان انه باطل بالإجماع( مِنْ نِسائِكُمْ ) أي من نساء المؤمنين وإن كان الحكم عاما وذلك لأن المؤمنين حينئذ هم الذين يتلقون احكام الشريعة بالإجراء فحسن لذلك خطابهم بالحكم العام. ودعوى ان المراد نساء الأزواج يبطلها ما ذكرنا روايته من الفريقين من حكم غير المحصنة في الجلد( فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً ) من الرجال( مِنْكُمْ ) أي من المسلمين وذلك لأجل اجراء الحكم عليهن أي اطلبوا شهادتهم والظاهر انها على نمط الدعاوي في إقامتها عند الحاكم( فَإِنْ شَهِدُوا ) وثبت الأمر

٥٦

فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أو يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (١٦)وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (١٧)إنّما التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ

____________________________________

( فَأَمْسِكُوهُنَ ) حبسا( فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَ ) أي يأخذهن ويستوفيهن( الْمَوْتُ ) وقد تكلف في الكشّاف وتبعه الرازي إذ قدرا حتى يميتهن ملائكة الموت. وقد قدمنا الكلام في معنى التوفي في الجزء الأول ص ٣٣ - ٣٧( أَوْ يَجْعَلَ اللهُ ) ويشرع( لَهُنَّ سَبِيلاً ) من غير شريعة الحبس مما هو مؤدب ومقاوم لمادة فساد الزنا. وقد جرى الأمر في كلتا الشريعتين على حكمة التشريع من حيث المسايرة في أول الأمر مع الناس فيما يألفونه في مقام المحافظة على ناموس العفة وان كان غير واف بالمصلحة المطلوبة في هذا المقام حتى إذا استحكم أمر الدين وساد الخضوع للشريعة شرع الحكم الموافق للمصلحة العامة ونظام الاجتماع كما نطقت به رواية النعماني واشارت إليه الغاية في الآية الكريمة. هذا في مقام صون المرأة عن معاودة الزنا وأما ما يعود إلى مقام الردع والتأديب في أول التشريع فهو ما قاله جل شأنه ١٦( وَالَّذانِ ) أي الزاني والزانية( يَأْتِيانِها ) أي فاحشة الزنا( مِنْكُمْ ) باعتبار تلقي المسلمين لأحكام الشريعة حينئذ وان كان عاما أو لعلم الله بأن هذه الشريعة قبل نسخها لا يتيسر للمسلمين إجراؤها على غيرهم( فَآذُوهُما ) بما يعتاد بينكم نوعا من الإيذاء في مقام الردع عن الزنا من التوبيخ والضرب ونحو ذلك( فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا ) أعمالهما ليكون ذلك إمارة على التوبة الحقيقية( فَأَعْرِضُوا عَنْهُما ) من حيث الإيذاء. ولا يتقيد الاعراض بتوبتهما معا. بل يعرض عن الإيذاء لمن عرفت توبته منهما بإصلاح عمله. كما تقتضيه حكمة التوبة( إِنَّ اللهَ كانَ ) من الأزل وإلى الأبد( تَوَّاباً ) على التائبين( رَحِيماً ) بعباده لا يريد إلّا صلاحهم. ولكن لا يغتر المغترون باسم التوبة الجارية على حكمة الرحمة والإصلاح والاستصلاح بل التوبة حقيقة هي التي تجري عليها رحمة الله وحكمته. فما كل من قال تبت تاب الله عليه كما كتب بلطفه وغناه على نفسه الرحمة بل ١٧( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ ) بمقتضى رحمته ولطفه وحكمته( لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ) منهم. وذكرت الجهالة للتوضيح والتوبيخ فان كل عمل للسوء إنّما يكون بجهالة وعمى ولو أبصر الإنسان وجه رشده وعرف ببصيرته ما فيه صلاحه لما عمل السوء ولما استولت عليه النفس الأمارة وغواية

٥٧

ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٨)وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٩)يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً

____________________________________

إبليس بفلتات الشهوة والغضب والتعصيب الذميم وسوء الأخلاق وحب العاجل والتغاضي عن وباله أعاذنا الله من ذلك وأعاننا على أنفسنا بلطفه وتوفيقه( ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ ) عهد( قَرِيبٍ ) بالنسبة إلى ما كانوا يرونه بعيدا من حضور آجالهم وانقطاع آمالهم من زهرة الحياة الدنيا وحينما تموت شهواتهم وتسقط دواعي المعصية كما قال بعضهم لما سئل عن الزنا عند ضعفه بالهرم «تركني وما تركته» بل التوبة إنّما هي في الحال التي يراغمون بها نزعات النفس الأمارة وغواية إبليس وينيبون إلى الله إقلاعا عن المعصية وندما على ما فرطوا فيه ورغبة في الأعمال الصالحة في حالهم ومستقبلهم وطلبا لكمالهم واندماجهم في زمرة عباد الله الصالحين بنزوعهم إلى حقيقة التوبة وشوقهم إلى رضاء الله عنهم ، وعفوه عما سلف منهم مما عرفوا قبحه وندموا على ارتكابه. فما كل مظهر للتوبة تائب ولا كل تارك للقبيح نادم. بل كما قيل: -

إذا انبجست دموع من عيون

تبين من بكى ممن تباكى

أو ليس من حقيقة التوبة ان يخرج التائب جهد مقدوره مما لزمه في معاصيه السابقة من حقوق الناس وحقوق الله ويستشعر قلبه التوبة والندم( فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ ) لأنهم تابوا على حقيقة التوبة( وَكانَ اللهُ ) منذ الأزل ، ولا يزال( عَلِيماً ) بمن تاب حق التوبة ومن تظاهر بصورتها المموّهة( حَكِيماً ) في دعوته إلى التوبة ووعده بأن يتوب على من أناب إليه وهو ارحم الراحمين ١٨( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ ) التي قد أعدتها الحكمة في الإصلاح والرحمة( لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ ) مصرين عليها بجرأتهم على الله ومتمادين في غيهم( حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ ) وانقطعت عنه دواعي الهوى والضلال( قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ ) بما عصوا( عَذاباً أَلِيماً ١٩ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) بالله ورسوله ودانوا باتباع شريعة الله( لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ ) وتعدوهن ارثا لكم كما ترثون الأموال وتتسلطون عليهن بدعوى انتقال حق الزوجية إليكم بالوراثة( كَرْهاً ) بفتح الكاف اكراها لهن بدون

٥٨

وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ

____________________________________

تزوج جديد برضاهن. «وكرها» نائب عن المفعول المطلق المستفاد من «ترثوا» بمعنى التسلط عليهم بزعم الإرث كرها. في تفسير القمّي من رواية أبي الجارود عن الباقر (ع) كان في قبائل العرب إذا مات حميم الرجل وله امرأة القى الرجل ثوبه عليها فورث نكاحها بصداق حميمه الذي كان أصدقها يرث نكاحها كما يرث ماله وأن الآية نزلت في هذا الشأن. وفي الدّر المنثور مما أخرجه البخاري وغيره من طريق عكرمة عن ابن عباس نحوه وزاد ان شاء بعضهم تزوجها وان شاؤوا زوجوها وان شاؤا لم يزوجوها فهم أحق بها من أهلها إنتهى وهذه الزيادة لا تنطبق على الآية فان هذا المعنى لم يكن للزوج ولا يورث منه وان كان ذلك للأهل في بدع الجاهلية ومما أخرجه أبو داود من طريق عكرمة أيضا عن ابن عباس كان الرجل يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتى تموت أو تؤدي إليه صداقها إنتهى وفي اقتصار الرواية على العضل مخالفة لجميع الروايات وخروج مغزى الآية. ومما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس أيضا كان الرجل إذا مات وترك جارية القى عليها حميمه ثوبه فمنعها من الناس فان كانت جميلة تزوجها وان كانت ذميمة حبسها حتى تموت فيرثها وهي قوله ولا تعضلوهن الآية وقال يعني الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيضربها لتفتدي إنتهى وفي هذه الرواية من التدافع ما لا يخفى. فالروايات عن ابن عباس مع كونها متعارضة بعيدة المجرى على سياق الآية الكريمة خصوصا إذا ضممناها إلى سائر ما رواه في الدّر المنثور هنا( وَلا تَعْضُلُوهُنَ ) أي لا تعضلوا نسائكم لا الموروثات كرها وذلك لعدم المناسبة فيما يأتي من احكام الآية للموروثات وكذا قوله تعالى( لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ ) من الصداق فإن وارث النكاح بتشريع الجاهلية لم يؤتها شيئا. والقرآن الكريم في مقام نهيه وكرامة حكمته لا يسمي إيتاء اقربائهم للصداق إيتاء منهم فيثير منهم غبار المغالطات في بدعتهم. ولو تنزلنا فما ذا يقال في قوله تعالى( وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) فهل يأمر الله بمعاشرة موروثة النكاح ببدعة الجاهلية. وعضل المرأة هنا حبس الزوج لها على نكاحه ، والتضييق عليها عند كراهته لها لتفتدي منه ببعض ما أتاها من الصداق ، ليطلقها. وقد بقي عند الأوباش بقية من هذه العادة الوخيمة فنهى الله تعالى عن هذا الظلم. نعم إذا كانت الكراهة منها لا من الزوج جاز

٥٩

إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (٢٠)وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً

____________________________________

ان يقبل الزوج منها الفداء من دون عضل كما مر في الخلع في الجزء الاول ص ٢٠٦ ، واما هنا فقد استثنى من حرمة العضل وأخذ شيء منهن بقوله تعالى( إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) بكسر الياء المثناة أي موضحة لفحشائها وفي تفسير البرهان عن الشيباني ان الفاحشة هي الزنا وهو المروي عن أبي جعفر (ع) وفي مختصر التبيان والاولى حملها على كل معصية وفي مجمع البيان وهو المروي عن أبي جعفر (ع) أقول ولم اعثر على شيء من الروايتين لكن صدق الفاحشة على الزنا هو المتيقن في المقام ومن المعاصي ما لا يسمى فاحشة والإطلاق إنّما يجري مع صدق اسمها وشمولها لمحض النشوز بعيد أو للمساحقة والتهتك في التبرج وقول الفحش قريب في المقام. والمرجع في موارد الشك هو عموم هذا النهي عن العضل وهذا الأخذ لان الشبهة في الخاص مفهومية( وَعاشِرُوهُنَ ) أي غير من استثني عضلها من الزوجات( بِالْمَعْرُوفِ ) وهو معروف( فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَ ) لبعض الأمور من خلقتهن وغير ذلك فحاسبوا أنفسكم في هذه الكراهة فربما تزول إذا جوزتم ان يكون في هذه المرأة خير يهون عنده ما كرهتموها لأجله بأن يجعل الله فيها الخير ويبارك في نسلها ويبارك لكم بسببها( فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) يرغب فيه ويرغب في ذلك الشيء لأجل رجائه فيه. فأمسكوا من جماح نفوسكم في الكراهة وروضوها على الأخلاق الفاضلة وحسن المعاشرة مع المؤمنات وتفكروا في عواقب الأمور فكم شوهد من مبغوضات النساء من صار منهن النسل الطيب النافع ومن كانت هي المواسية والنافعة عند الشدائد والمرض والشيخوخة نفعا لا يوازيه شيء من احسان الرجل في الرفاهية وكم وكم ينعكس الأمر في المحبوبات - وهناك أيضا مورد يدعو الإنسان لأن يحمل زوجته بأنواع الوسائل على ان ترد عليه شيئا مما أعطاها من المهر. وذلك إذا أراد ان يطلقها ليستبدل بها زوجة أخرى فقال جل شأنه في الزجر عن ذلك والتوبيخ عليه ٢٠( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً ) مبالغة في كثرة ما يعطى على خلاف العادة لأجل التأكيد في الزجر لئلا يقال بقي عندها الشيء

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152