تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٥

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب10%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 569

  • البداية
  • السابق
  • 569 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 14820 / تحميل: 5009
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٥

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

زيد ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليهم‌السلام قال : « يجعل الرجل ما أدرك مع الإمام أوّل صلاته » ( قال جعفر : ) (١) « وليس نقول كما يقول الحمقى ».

السند :‌

في الجميع واضح بما كرّرناه من القول في رجاله ، فالأوّل : صحيح. والثاني : كذلك بتقدير دفع الارتياب في عبد الرحمن ، ومحمّد بن الحسين هو ابن أبي الخطّاب. والثالث : ضعيف.

المتن :

في الأوّل : واضح الدلالة على القراءة بالحمد وسورة في كلّ ركعةٍ ممّا أدرك خلف الإمام في غير الأوّلتين إنْ أمكن قراءة السورتين ، وإلاّ اجتزأ بالحمد ، لكن حكم من لم يتمكن من الحمد تامّةً مسكوت عنه في الرواية ، أو أنّه لا يجزئه إلاّ الفاتحة ، فإذا لم يتمكن من إتمامها لا يسقط الفرض عنه ، لدلالة إجزاء الفاتحة من جوهر الكلام ، إلاّ أنّ في الدلالة نوع تأمّل.

ثمّ إنّ دلالته على رجحان التسبيح ظاهرة مع دعوى الاتفاق على التخيير كما سبق عن المختلف(٢) ، واحتمال اختصاص هذه المسألة بالحكم المذكور ، فيه : أنّ الظاهر من قولهعليه‌السلام : « لأنّ الصلاة إنّما يقرأ فيها » إلى آخره. العموم ، نعم حكم القراءة خلف الإمام في الصورة المذكورة ينقل فيه الخلاف عن المنتهى ، حيث قال العلاّمة : الأقرب عندي أنّ القراءة‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في النسخ ، أثبتناه من التهذيب ٣ : ٤٦ / ١٦١ ، والاستبصار ١ : ٤٣٧ / ١٦٨٥ ، والوسائل ٨ : ٣٨٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٦.

(٢) في ج ٥ ص ١٨٠.

٢٠١

مستحبة ، ونقل عن بعض علمائنا الوجوب ، لئلاّ تخلو الصلاة عن قراءة ، إذ هو مخيّر في التسبيح في الأخيرتين ، ثم قال : وليس بشي‌ء ، فإنْ احتجّ بحديث زرارة وعبد الرحمن حملنا الأمر فيهما على الندب ، لما ثبت من عدم وجوب القراءة على المأموم(١) ، انتهى.

واعترضه شيخناقدس‌سره بأنّ ما تضمّن سقوط القراءة بإطلاقه لا ينافي هذين الخبرين المفصّلين ، وإنْ كان ما ذكره من الحمل لا يخلو من قرب ؛ لأنّ النهي عن القراءة في الأخيرتين للكراهة قطعاً ، وكذا الأمر بالتجافي في الثانية محمول على الاستحباب ، ومع اشتمال الرواية على استعمال الأمر في الندب والنهي في الكراهة يضعف الاستدلال بما وقع من الأوامر والنواهي على الحقيقة ، مع أنّ مقتضى الرواية القراءة في النفس ، وهو لا يدلّ صريحاً على وجوب التلفّظ(٢) ، انتهى كلامهقدس‌سره ملخّصاً.

ولقائل أنْ يقول : إنّ ما دلّ على سقوط القراءة عن المأموم وعدمه في غاية الاختلاف ، ومعه كيف يقيَّد الإطلاق بهذين الخبرين؟ ثم ما قالهقدس‌سره من أنّ النهي عن القراءة في الأخيرتين للكراهة قطعاً يشكل بأنّه يرجّح القراءة للإمام ، وإذا حملت الرواية على الكراهة بالنسبة إلى السؤال عن المصلّي خلف الإمام إذا لحق الأخيرتين يلزم أنْ يكون قولهعليه‌السلام في الرواية : « لأنّ الصلاة إنّما يقرأ فيها في الأوّلتين » عائداً إلى الصلاة المسئول عنها ، والحال أنّ الحصر لا يتمّ ، لتحقّق القراءة بما ذكر في غيرها ، ولو حمل الحصر على الإضافي بالنسبة إلى الأخيرتين المذكورتين في السؤال لزم اختصاص التسبيح المذكور فيها بالمسؤول عنه ، وحينئذٍ يلزم احتمال‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٨٤.

(٢) المدارك ٤ : ٣٨٣. بتفاوتٍ يسير.

٢٠٢

كراهة القراءة بهذه الصورة ، والحال أنّه قائل بالكراهة للمنفرد مطلقاً ، وحينئذٍ لا بُدّ من حمل الخبر على الإطلاق فيفيد ترجيح التسبيح كذلك ، وقد قدّمنا القول مفصّلاً(١) .

وذكر بعض محققي المتأخّرينرحمه‌الله أنّ في الخبر الأوّل دلالة على وجوب السورة من جهات ، أحدها : من قوله : « قرأ في كلّ ركعة » وثانيها : من قوله : « إنّ الصلاة إنّما يقرأ فيها » إلى آخره. وثالثها : من قوله في آخرها : « فإذا سلّم قام فقرأ » إلى آخره(٢) .

ولا يخفى أنّه يتوجه عليه ما ذكره شيخنا من أنّ النهي للكراهة ، فإنّه يقتضي عدم تمامية الاستدلال.

فإنْ قلت : كون النهي للكراهة يقتضي عدم الوثوق بأنّ غيره من النهي للتحريم ، لا أنّ الأمر للاستحباب ، والحال أنّ أوامر الرواية لا مقتضي لحملها على الاستحباب ، فتبقى على حقيقتها ويتمّ المطلوب.

قلت : بل الأمر فيها كذلك ، من حيث إنّ من جملة الأوامر القراءة خلف الإمام في نفسه في الجهرية ، إذ(٣) من جملة ما ذكر العشاء ، ووجوب القراءة في الجهرية خلف الإمام على الإطلاق غير معلوم القائل ، والمستدل بما ذكر ينفيه ، والإخفاتية أمرها أظهر ، بل صرّح المستدل بالتحريم ، إلاّ أنْ يقال بتخصيص هذه المسألة ، وبتقديره فالتسليم لا يقول المستدل بوجوبه ، وقد تضمّنت الرواية اقتران التسليم بقراءة السورة.

وما عساه يقال : إنّ الفاتحة مقترنة أيضاً ، ولا ريب في وجوبها.

يمكن الجواب عنه : بأنّ ما خرج بالإجماع لا يضرّ بالحال ،

__________________

(١) في ج ٥ ص ١٨٥ ١٨٦.

(٢) مجمع الفائدة ٣ : ٣٢٥.

(٣) في « رض » و « م » : أو.

٢٠٣

والحاصل أنّ الاعتماد على ظاهر الأمر مشكل بعد ما سمعته ، نعم في قولهعليه‌السلام : « أجزأته أُمّ الكتاب » نوع دلالة على ( وجوب السورة )(١) فلو ذكره المستدل كان أولى ، ويمكن الجواب بأنّ استعمال الإجزاء في ترك الأكمل موجود بكثرة.

فإنْ قلت : ظاهر قولهعليه‌السلام : « وفي الأخيرتين لا يقرأ فيهما » بعد قوله : « إنّما يقرأ فيها في الأوّلتين » إلى آخره. أنّ المنفي قراءة الحمد وسورة ، وهذا لا ينافي قراءة الحمد وحدها في الأخيرتين ، فلا يدلّ الخبر على كراهة القراءة في الأخيرتين.

قلت : وجه الدلالة من حيث قوله : « إنّما هو تسبيح » إلى آخره. نعم ربما يقال : إنّ قول شيخناقدس‌سره بدلالة النهي على الكراهة يشكل باحتمال النهي عن قراءة الحمد وسورة فيكون للتحريم ، والحصر في التسبيح إنّما ذكر لبيان اختصاص الأخيرتين بما ذكر دون الأوّلتين ، فهو إضافي بالنسبة إلى الأوّلتين ، وقولهعليه‌السلام : « وليس فيهما قراءة » محتمل لقراءة الحمد وسورة ، وعلى هذا فلا دلالة في النهي على الكراهة ليساعد على عدم الوثوق في الاستدلال بالخبر لردّ احتجاج القائل به ، وهذا لا يضرّ بما قدّمناه من جهة ( عدم صلاحيته للاستدلال على )(٢) وجوب السورة ، لأنّ مناط توجيهنا من جهة الأمر فيه الحاصل من الجملة الخبرية.

وقد يقال في توجيه النهي بسبب إرادة الكراهة : إنّ توجيهنا خلاف الظاهر.

فإنْ قلت : يحتمل حمل النهي على الحقيقة بإرادة عدم القراءة على‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « رض » : الوجوب.

(٢) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

٢٠٤

وجه التعيّن ، وذكر التسبيح لبيان أنّه ينبغي كونه ملحوظاً على أنّه أحد الفردين للواجب ، وحينئذٍ لا يتمّ القول بأنّ النهي للكراهة.

قلت : ولما ذكرت وجه أيضاً ، إلاّ أنّه خلاف الظاهر ، هذا.

ولا يخفى صراحة الخبر في ضميمة الدعاء إلى التسبيح فيندفع به تخيل عدم مشروعيته ، بل احتمال وجوبه على تقدير التسبيح له وجه ، وقد مضى القول في ذلك(١) .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الصدوق في الفقيه روى الرواية الأُولى(٢) ، وظاهره العمل بها ، فما نقله العلاّمة(٣) لعلّ مراده به الصدوق ، ويحتمل الشيخ ، لاعتماد العلاّمة على قول الشيخ في الاستبصار.

ثم إنّ ما تضمّنه الخبر الثاني من التجافي ( قد سمعت قول شيخناقدس‌سره أنّه مستحب(٤) ، ولعلّ الوجه فيه عدم القول بالوجوب ؛ ثم إنّ التجافي )(٥) لا ينافي ما دلّ على التشهد للمسبوق في غير محلّه ، وربما يستفاد من قوله : « فليلبث قليلاً بقدر ما يتشهد » أنّ زيادة المستحبات في تشهده غير مشروعة ، بل ربما تنافي المتابعة ، إلاّ أنْ يقال : إنّ التشهّد يشمل مستحباته ، أو يقال : إنّ الأمر غير معلوم الوجوب ، لما مضى.

وما تضمّنه من قوله : « ولا تجعل أوّل صلاتك آخرها » محتمل لأُمور ، أظهرها ما يأتي(٦) من الشيخ.

__________________

(١) في ج ٥ ص ١٨٦ ١٨٨.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٦ / ١١٦٢.

(٣) في ص ٢٠١.

(٤) تقدّم في ص ٢٠١.

(٥) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٦) في ص ٢٠٦ ، ٢٠٧.

٢٠٥

والثالث من الأخبار مثل الثاني في جعل ما أدرك أوّل صلاته ، أمّا دلالته على القراءة فلا ، وكأنّ الشيخ نظر إلى أنّه يقيَّد بغيره.

اللغة‌ :

قال في القاموس : جَفَا جفاءً وتجافى لم يلزم مكانه(١) . وقال : حَمُقَ ككَرُمَ وغَنِمَ حُمقاً بالضمّ وبضمتين وكسَكْرَى وسَكارى ، إلى أنْ قال : قليل العقل(٢) .

قوله :

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن مروك ابن عبيد ، عن أحمد بن النضر ، عن رجلٍ ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : قال لي : « أيّ شي‌ء يقول هؤلاء في الرجل إذا فاتته مع الإمام ركعتان؟ » قال : يقولون يقرأ في الركعتين بالحمد وسورة ، فقال : « هذا يقلب صلاته فيجعل أوّلها آخرها » قلت : كيف يصنع؟ قال : « يقرأ بفاتحة الكتاب في كلّ ركعة ».

فليس ينافي هذا الخبر ما قدّمناه من الأخبار ؛ لأنّ قوله : يقرأ الحمد وحدها في الركعتين يعني في الركعتين الفائتتين لا في اللتين أدركهما ، لأنّ اللتين أدركهما ( يقرأ فيهما بالحمد وسورة ، ولأجل ذلك ردّ على من قال : يقرأ بالحمد وسورة ، بأن « هذا )(٣) يقلب صلاته » ‌

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ٣١٤.

(٢) القاموس المحيط ٣ : ٢٣١.

(٣) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

٢٠٦

لأنّ في العامّة من يقول : إنّه يقرأ الحمد وسورة فيما فاته ، لأنّ اللتين فاتتاه هما الأوّلتان فيحتاج أنْ يقضيهما ، ولذلك قال في رواية طلحة ابن زيد : « وليس نقول كما يقول الحمقى ».

فأمّا رواه الحسين بن سعيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن معاوية ابن وهب قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يدرك آخر صلاة الإمام وهي أوّل صلاة الرجل فلا يمهله حتى يقرأ فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال « نعم ».

قوله : يقضي القراءة في آخر صلاته ؛ تجوّز ، وإنّما أراد به ما يختصّ آخر الصلاة من قراءة الحمد دون أنْ يكون أراد به قضاء قراءة ما يختص الركعة الأُولى والثانية.

السند :‌

في الأوّل : فيه مروك بن عبيد ، ولم نرَ توثيقه إلاّ من الكشّي نقلاً عن محمّد بن مسعود ، عن علي بن الحسن(١) ، وقد قدّمنا أنّ في ابن مسعود نوع كلام(٢) ، ( لكن لم أسمع )(٣) من مشايخنا التوقف فيه. وعلي بن الحسن هو ابن فضّال ، وظاهر الخبر رواية محمّد بن مسعود ، عن علي بن الحسن ، وفي النجاشي : إنّه سمع أصحاب علي بن الحسن(٤) ، والظاهر منه أنّه لم يرو عنه بغير واسطة ، فيكون مرسلاً ( وقد تقدّم(٥) في أوّل الكتاب‌

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٨٣٥ / ١٠٦٣.

(٢) في ص ١٠٥.

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٤) رجال النجاشي : ٣٥٠ / ٩٤٤.

(٥) في ج ٥ ص ١٠٧.

٢٠٧

رواية محمّد بن مسعود ، عن علي بن الحسن بغير واسطة ، والقول واحد )(١) ، ثم في السند المبحوث عنه الإرسال أيضاً.

والثاني : صحيح على ما مضى مفصّلاً(٢) .

المتن :

في الأوّل : وإنْ كان ظاهره قراءة الحمد في كلّ ركعة المتناول لما أدركه مع الإمام وما أتى به بعد إلاّ أنّه يمكن حمله على كلّ ركعة من الباقي في المسألة المذكورة في الخبر ، والظاهر أنّ هذا غرض الشيخ ، إلاّ أنّ قوله(٣) : قوله. يقرأ الحمد وحدها في الركعتين ، لا يخلو من خلل ، وقول الشيخ : إنّ الذي أدركهما يقرأ فيهما بالحمد وسورة ، بناءً على الأخبار السابقة ، وقد يحتمل حمل الخبر على ظاهره من قراءة الحمد في كلّ ركعة من الأربع بناءً على استحباب السورة ، أو لأنّ(٤) المقصود بيان ما فيه الاشتراك بين الأربع ، ويبقى حكم السورة من جهةٍ أُخرى ، ولا يخفى ما في هذا من مخالفة الظاهر.

ثمّ إنّ قلب الصلاة قد قدّمنا احتماله لأُمور ، لكن الظاهر من نقل الشيخ عن بعض العامّة إرادة ما قالوه.

والثاني : ما ذكره الشيخ فيه لا يخلو من بعد ، واحتمال التقية كأنّه أقرب ، والله تعالى أعلم.

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٢) راجع ج ١ ص ٦٩ ، ج ٦ ص ١٩١ ، ٤٠٧.

(٣) ليست في « رض » و « م ».

(٤) في « رض » : ولأنّ.

٢٠٨

اللغة :

قال في القاموس : استمهله استنظره ، وأمهله أنظره(١) .

قوله :

باب من رفع رأسه من الركوع قبل الإمام.

سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سهل الأشعري ، عن أبيه ، عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال : سألته عمّن ركع مع إمامٍ يقتدى به ثم رفع رأسه قبل الإمام؟ قال : « يعيد ركوعه معه ».

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن غياث بن إبراهيم قال : سُئل أبو عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام ، أيعود فيركع(٢) إذا أبطأ الإمام ويرفع رأسه معه(٣) ؟ قال : « لا ».

فالوجه في هذا الخبر أحد شيئين ، أحدهما : أنْ يكون مصلّياً خلف من لا يقتدى به ، فإنّه لا يجوز أنْ يعود ( في الركوع(٤) ، لأنّه يصير زيادة في الصلاة. والثاني : أنْ يكون فعل ذلك عامداً ، فإنّه لا يجوز أنْ يعود ) (٥) أيضاً إلى الركوع ، وإنّما ينبغي أنْ يعود إذا رفع‌

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ٥٤.

(٢) في « رض » : فيرجع.

(٣) ليست في النسخ ، أثبتناها من التهذيب ٣ : ٤٧ / ١٦٤ ، والاستبصار ١ : ٤٣٨ / ١٦٨٩.

(٤) في « رض » : أن يعود أيضاً إلى الركوع.

(٥) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

٢٠٩

رأسه ساهياً ، ليكون رفع رأسه مع رفع رأس الإمام.

السند :‌

في الأوّل : فيه محمّد بن سهل ، وهو مهمل في الرجال(١) ، إمّا أبوه فهو ثقة.

والثاني : فيه غياث بن إبراهيم ، وقد مضى أنّه بتري عن الشيخ(٢) ، لكنه ثقة في النجاشي من دون ذكر أنه بتري(٣) ، وتكرّر القول منّا في أمثال هذا من أنّ النجاشي له ترجيح(٤) ، لا ما ذكره جماعة من إمكان الجمع بين الثقة وكونه بترياً.

ومحمّد بن عيسى الأشعري المعبّر عنه بأبيه قدّمنا أنّا لم نعلم توثيقه(٥) ، بل ورد فيه ما يقتضي المدح على تقدير ما ذكروه من ألفاظ المدح.

وما عساه يقال : إنّ عبد الله بن المغيرة قد نقل الإجماع على تصحيح ما يصحّ عنه في الكشّي(٦) . قد قدّمنا ما يقتضي الجواب عنه(٧) بتقدير توثيق محمّد بن عيسى.

فإنْ قلت : على تقدير ما فهمه البعض من الإجماع على تصحيح‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٦٧ / ٩٩٦.

(٢) في ص : ٩٢٥.

(٣) رجال النجاشي : ٣٠٥ / ٨٣٣.

(٤) راجع ج ١ ص ١٠٨ ، ح ٤ ص ٨٩.

(٥) راجع ج ١ ص ٣٣١ ، ٣٤٥ ، ج ٢ ص ٢٣١ ، ج ٣ ص ١٦.

(٦) رجال الكشي ٢ : ٨٣٠ / ١٠٥٠.

(٧) راجع ج ١ ص ٥٩.

٢١٠

ما يصحّ عن الرجل ، هل يكون الحديث موثّقاً بتقدير مدح محمّد بن عيسى؟

قلت : قد مضى عن بعض محقّقي المعاصرين سلّمه الله أنّ الخبر يوصف بالموثق(١) مع أنّه أخذ في تعريف الموثّق ما يقتضي خروجه ، لكنه علّل ما ذكره بأنّ الحديث يوصف بأحسن الوصفين. وفيه تأمّل ، إلاّ أنّ الأمر سهل إذا كان كلّ من عمل بالموثّق عمل بالحسن.

وما قدّمناه عن العلاّمة في المختلف من وصف بعض روايات من أجمع على تصحيح ما يصحّ عنهم بالصحّة مع كونه على خلاف المذهب ؛ أجبنا(٢) عنه فيما مضى من أنّه خلط للاصطلاح المتأخر بالمتقدم(٣) ، لكن اللازم منه أنْ يوصف هذا بالحسن على تقدير ما فهمه البعض من معنى الإجماع ، والإشكال فيه ظاهر بالنسبة إلى تعريف الحسن ، وبالجملة فالارتياب حاصل في وصف الخبر ، فليتأمّل.

أمّا ما نقله شيخنا في باب بول الخشّاف في غياث عن الكشّي ، ونقله عن حمدويه ، عن بعض أشياخه ، وأنّ البعض غير معلوم ، وأنّ الظاهر أخذ الشيخ وصف كونه بترياً من الكشّي(٤) ، ففيه : أنّه في نهاية البعد عن الشيخ ، على أنّا لم نقف في الكشّي الآن على ما ذكرهقدس‌سره وهو أعلم ، وفي الكافي روى الخبر عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن غياث بن إبراهيم ، إلى آخره(٥) .

__________________

(١) راجع ص ١٢٦ ، ١٢٧.

(٢) في « م » : أُجيب.

(٣) راجع ص ١٧٨ ، ١٧٩.

(٤) المدارك ٦ : ١٠٦ بتفاوت.

(٥) الكافي ٣ : ٣٨٤ الصلاة ب ٦١ ح ١٤.

٢١١

المتن :

لا بُدّ قبل الكلام فيه من نقل ما وقفت عليه من الأخبار غير ما ذكره الشيخ هنا ، وكذلك نقل الأقوال المنقولة في المقام ، فاعلم أنّ الشيخ روى في التهذيب ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن أخيه الحسين بن علي بن يقطين في نسخة ، وفي اخرى بعد الحسين : عن علي بن يقطين ، ولعلّها الصواب لكثرة الوقوع قال : سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن الرجل يركع مع الإمام يقتدي به ثم يرفع رأسه قبل الإمام؟ قال : « يعيد ركوعه معه »(١) .

عنه ، عن البرقي ، عن ابن فضّال قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضاعليه‌السلام في رجلٍ كان خلف إمام يأتمّ به فركع قبل أنْ يركع الإمام وهو يظنّ أنّ الإمام قد ركع ، فلمّا ركع رآه لم يركع ، رفع رأسه ثم أعاد الركوع مع الإمام ، أيفسد ذلك عليه صلاته ، أم تجوز تلك الركعة؟ فكتب : « يتمّ صلاته ولا يفسد بما صنع صلاته ».

وهذه الرواية رواها الشيخ مع الاولى في زيادات الصلاة(٢) ، وروى الخبر الثاني من المبحوث عنهما في غير الزيادات ، لكن من غير لفظ « أبيه » بعد أحمد بن محمّد بن عيسى(٣) .

وروى أيضاً عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد ابن سنان ، عن حمّاد بن عثمان وخلف بن حمّاد ، عن ربعي بن عبد الله ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٧٧ / ٨١٠ ، الوسائل ٨ : ٣٩١ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ٣.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٧٧ / ٨١١ ، الوسائل ٨ : ٣٩١ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ٤.

(٣) التهذيب ٣ : ٤٧ / ١٦٤.

٢١٢

عن ابن أبي الجارود(١) والفضيل بن يسار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قالا : سألناه عن رجلٍ صلّى مع إمام يأتمّ به فرفع رأسه من السجود قبل أنْ يرفع الإمام رأسه من السجود؟ قال : « فليسجد »(٢) .

والسند كما ترى في النسخة التي وقفت عليها ، وهي معتبرة ، وغير خفي أنّ الصواب ابن الجارود بدل ( عن ) ولفظ « أبي » سهو ، كما يعرف من الرجال(٣) .

ثم إنّ الحديث غير واضح الصحّة ؛ لاحتمال عطف خلف بن حمّاد على حمّاد بن عثمان فيكون في السند محمّد بن سنان ، وحاله تكرّر القول فيها(٤) ، واحتمال العطف على محمّد بن سنان يتوقف على المرجّح ، ولا أعلمه ؛ لأنّ في الرجال يروي عن خلف بن حمّاد أحمد بن محمّد بن عيسى وأحمد بن أبي عبد الله ، عن محمّد بن خالد البرقي ، عنه(٥) .

وهذا كما ترى يحتمل أنْ يكون الراوي عن خلف أحمد بن محمّد ابن عيسى ، وأحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عنه ، ويحتمل اشتراك أحمد ابن محمّد بن عيسى وأحمد بن أبي عبد الله في أبيه ، لكن الفائدة منتفية مع عدم الجزم برواية أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن خلف ؛ ولو فرض جميع ما احتملناه لا مانع من رواية أحمد بن محمّد بن عيسى عن خلف بواسطة ابن سنان ، فوصف شيخناقدس‌سره الرواية بالصحّة في المدارك(٦) لا أعلم‌

__________________

(١) في المصدر : عن ربعي ، عن عبد الله بن الجارود.

(٢) التهذيب ٣ : ٤٨ / ١٦٥ ، الوسائل ٨ : ٣٩٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ١.

(٣) رجال النجاشي : ١٦٧ / ٤٤١ ، رجال الطوسي : ١٩٤ / ٣٩.

(٤) في ص ٨٥.

(٥) الفهرست : ٦٧ / ٢٦٢.

(٦) المدارك ٤ : ٣٢٨.

٢١٣

وجهه ، إلاّ ممّا سنذكره.

وقد رواه الصدوق في الفقيه عن الفضيل بن يسار(١) ، وفي الطريق كلام إلاّ أنّ مزيّة الرواية حينئذٍ ظاهرة ، ولو لا أنّ شيخناقدس‌سره قال : صحيحة ربعي والفضيل لأمكن أنْ يكون اعتمد على طريق الصدوق ؛ وحكى بعض محقّقي المتأخرينرحمه‌الله في شرح الإرشاد أنّ العلاّمة في المنتهى قال : ما رواه محمّد بن سنان والفضيل ، وعلى هذا تكون الرواية صحيحة(٢) ؛ إلاّ أنّ احتمال ظنّ العلاّمة أنّ الفضيل معطوف على محمّد بن سنان ممكن ، وغير خفي عدم تماميته ؛ لأنّ محمّد بن سنان روى عن حمّاد بن عثمان ، كما في التهذيب(٣) ، فكان ينبغي ما رواه حمّاد بن عثمان والفضيل ، لا محمّد بن سنان والفضيل ، ولو كان مأخذ العلاّمة غير التهذيب أمكن توجيه صحّة الحديث ، وبالجملة فالاشتباه حاصل ، وربما يظنّ قرب عطف خلف على محمّد.

وقد روى الشيخ في الزيادات ، عن سعد ، عن أبي جعفر ، عن الحسن بن علي بن فضّال قال : كتبت إلى الرضاعليه‌السلام (٤) ، وذكر المتن السابق عنه ، وهذا السند ربما كان أسلم من ذاك ، بسبب البرقي ، وإنْ اشتركا في الحسن بن علي بن فضّال.

وروى أيضاً في الزيادات بسند غير سليم يتضمن إعادة السجود(٥) ، هذا.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٨ / ١١٧٣.

(٢) مجمع الفائدة ٣ : ٣٠٩.

(٣) التهذيب ٣ : ٤٨ / ١٦٥.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٨٠ / ٨٢٣.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٨٠ / ٨٢٤.

٢١٤

وأمّا الأقوال في المسألة : فقيل : إنّ المشهور كون المأموم إذا رفع رأسه قبل الإمام يستمر مع العمد على سبيل الوجوب(١) ؛ بل قال شيخناقدس‌سره إنّه لا يعلم فيه مخالفاً صريحاً ، نعم قال المفيد في المقنعة : ومن صلّى مع إمامٍ يأتمّ به فرفع رأسه قبل الإمام فليعد إلى الركوع حتى يرفع رأسه معه ، وكذلك إذا رفع رأسه من السجود قبل الإمام فليعد إلى سجوده ، ليكون ارتفاعه عنه مع الإمام ؛ وإطلاق كلامه يقتضي عدم الفرق بين العامد والناسي(٢) . انتهى.

وأمّا مع النسيان فقد قيل : إنّ المشهور الإعادة على سبيل الوجوب أيضاً(٣) .

وينقل [ على(٤) ] الحكم الأوّل يعني الاستمرار مع العمد الاستدلال بالخبر الثاني من الخبرين المبحوث عنهما ، وبأنّه لو عاد إلى الركوع أو السجود يكون قد زاد ما ليس من الصلاة ، وهو مبطل ؛ إذ لا عذر.

واعترض عليه شيخناقدس‌سره بضعف الرواية ، وعدم دلالتها على العمد ، وبأنّ الفعل المتقدم وقع منهياً عنه ، لترتّب الإثم إجماعاً ، فلا [ يبرئ ] الذمّة ، وإعادته تستلزم زيادة الواجب ، وهو مبطل ، فيحتمل بطلان الصلاة لذلك ، ويحتمل وجوب الإعادة ، كما في الناسي إنْ لم يثبت البطلان ، لإطلاق الروايات المتضمنة للإعادة(٥) . انتهى.

وفي نظري القاصر : أنّ فيه تأمّلاً ،أمّا أوّلاً : فلأنّ الخبر الموثق إذا‌

__________________

(١) روض الجنان : ٣٧٤.

(٢) المدارك ٤ : ٣٢٧.

(٣) المدارك ٤ : ٣٢٨.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(٥) المدارك ٤ : ٣٢٨.

٢١٥

انضمّ إليه الشهرة بل عدم علم المخالف لا يقصر عن الصحيح ، كما يشهد به التأمّل في رجال الصحيح ممّا فيهم من التعارض في الجرح غالباً ، أو المعارض من الأخبار ، إذ قلّ ما يسلم من ذلك خبر.

وأمّا ثانياً : فلأنّ عدم دلالة الخبر على العمد إنْ أُريد به خصوصاً فمسلّم ولا يضرّ ؛ إذ الإطلاق كافٍ عند المعروفين من الأصحاب.

وأمّا ثالثاً : فلأنّ النهي عن الفعل إنما يتحقق إذا قلنا : إنّ الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضدّه ، وهو لا يقول به ؛ والوجه في ذلك أنّ الواجب المتابعة ، وإذا لم يتابع حصل النهي عن عدمها ، والفعل وهو الرفع في المثال من قبيل الضدّ الخاص.

وترتّب الإثم بالإجماع إنْ أُريد به على عدم المتابعة لا يفيد ، وإنْ أُريد على نفس الرفع فلا إجماع ؛ إذ القائل بعدم الاستلزام لا يقول به هنا ، ولو فرض أنّه وقع الإثم في عبارة بعض أمكن أنْ يتوجّه عليه ما قلناه.

وما قاله جدّيقدس‌سره في الروضة : من أنّ عدم البطلان مع العمد لكون النهي ليس عن جزء الصلاة ، بل عن المتابعة ، وهي خارجة(١) ؛ قد أوردنا عليه في حواشيها ما لا بُدّ منه مفصّلاً.

والحاصل أنّ المتابعة إنْ أراد بكونها خارجة عن مطلق الصلاة فلا نسلّم ذلك ، بل هي جزء من صلاة الجماعة ، واللازم من هذا أنْ تكون صلاة الجماعة منهيّاً عنها ، لتعلّق النهي بجزئها ، ويلزم بطلان الجماعة.

ويحتمل بطلان الصلاة ؛ لما أشرنا إليه سابقاً من أنّ جنس الصلاة لا يتقوّم إلاّ بفصل ، فإذا فات الفصل وهو الجماعة أمكن بطلان الجنس‌

__________________

(١) الروضة البهية ١ : ٣٨٥.

٢١٦

الذي مع الفصل. ويحتمل الصحّة ؛ لقيام فصل آخر عوضه وهو الانفراد ، لكن لمّا لم يكن الانفراد مقصوداً احتمل البطلان ، لعدم تقوّم الجنس بدون فصل ، إلاّ أنْ يقال : إنّ جنس الصلاة لا بُدّ له من فصل ، إمّا الانفراد أو الجماعة ، فإذا انتفت الجماعة خلفها الانفراد ، وفيه : أنّ الانفراد يتوقّف على القصد ؛ نعم لو كان صيرورة الصلاة فرادى من غير قصد ممكناً توجّه الاحتمال ، ولا أعلم القائل بهذا ، ومن هنا يتّجه أنْ يقال بالبطلان لهذا الوجه ، ولم أرَ من ذكره من الأصحاب.

أمّا ما تخيّله بعض الأفاضلرحمه‌الله من أنّ المفارقة في الأثناء إذا جازت على قولٍ لما سبق من بعض أدلّته في هذا الكتاب عن قريب(١) فلا وجه للإثم مع العمد إذا رفع قبل الإمام ؛ فيدفعه : أنّ كلام القوم في الإثم مع بقاء القدوة قصداً ، ولهذا قال في المعتبر : تجب متابعة الإمام في أفعال الصلاة ، وعليه اتفاق العلماء(٢) ؛ مع أنّه هو(٣) وغيره(٤) نقل جواز الانفراد ، بل نُقل عن العلاّمة في النهاية دعوى الإجماع(٥) ، غاية الأمر أنّه يمكن أنْ يقال على القول بعدم وجوب استمرار الجماعة : لو(٦) تعمّد الإنسان المفارقة لا الانفراد مع قصد الجماعة لا وجه للإثم ، وقد ادُّعي الإجماع على الإثم فيدخل فيه القائل بجواز الانفراد.

وقد يجاب : بأنّ العبادة كيفية متلقاة من الشارع ، فإذا فعلها الإنسان‌

__________________

(١) راجع ص ١٨٥ ١٨٢.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٢١.

(٣) المعتبر ٢ : ٤٤٨.

(٤) روض الجنان : ٣٧٨.

(٥) حكاه عنه في روض الجنان : ٣٧٨ ، نهاية الإحكام ٢ : ١٢٨.

(٦) في « م » : ولو.

٢١٧

على غير وجهها مع قصد كونها من الشارع أثِمَ وإنْ كانت مستحبة ، كما في كثير من النظائر.

وفي النظر القاصر : أنّ هذا ربما يستلزم النهي عن نفس الفعل ، كما لو فرض أنّ الإنسان صلّى النافلة بغير وضوء مع اعتقاد المشروعية ، فإنّ النهي يتوجّه إلى الصلاة.

ومثل هذا يقال فيمن رفع قبل الإمام بقصد الجماعة التي جزؤها المتابعة أو جزؤها عدم الانفراد ، فإنّ الرفع مثلاً من الركوع كيفية متلقاة من الشارع ، إمّا بأنْ يؤتى بها بقصد الجماعة متابعاً ، أو بقصد الانفراد ، فإذا أتى بها مع قصد الجماعة من دون المتابعة لا تكون مجزية ، للنهي ، وحينئذٍ يتمّ كون الفعل منهياً عنه ، والتفات شيخناقدس‌سره إلى هذا لا أظنّه ؛ لعدم سماعه منه حال الاشتغال عليه في البحث المذكور.

ومنه يعلم ما في كلام جدّيقدس‌سره في الروضة من قوله : إنّ المتابعة خارجة عن الصلاة(١) ؛ وهذا غير ما ذكرناه سابقاً(٢) ، وربما يرجع بنوعٍ من الاعتبار إلى بعضه.

وما عساه يقال : إنّ فعل غير المشروع أيّ نهي ورد عنه؟ بل غاية الأمر أنّ الفعل باطل ؛ لعدم موافقة الأمر ، والإثم إنّما هو على اعتقاد مشروعية ما ليس بمشروع ، على أنّ الإثم على الاعتقاد يحتاج إلى دليل.

يمكن الجواب عنه : بأنّ الظاهر عدم الخلاف في تحقق النهي ، وعدم الإثم على الاعتقاد إنما هو إذا لم يفعل الشي‌ء المعتقد.

ويشكل : بأنّ ما دلّ على عدم المؤاخذة على الاعتقاد يتناوله ،

__________________

(١) راجع ص ٢١٥.

(٢) في ص ٢١٥ ٢١٦.

٢١٨

وما يدلّ عليه بعض الآيات من المؤاخذة مخصوص بالإيمان.

وفيه : أنّ التخصيص موقوف على الدليل ، وقد وجدت في الكافي حديثاً بطريق حسن عن بكير تضمّن أنّ من همّ بسيّئةٍ لم تكتب عليه ، فإنْ عملها كتبت عليه سيّئة(١) . وهذا يدلّ على أنّ العقوبة على الفعل دون العزم ، فتأمّل.

فإنْ قلت : ما وجه ما ذكرته بقولك : أو جزؤها عدم الانفراد؟

قلت : لأجل دخول الحالة التي لم يفعل فيها المتابعة ولم يقصد الانفراد مع صحّة الجماعة عند المعروفين.

وما عساه يقال : إنّ العدم لا يكون جزءاً.

يمكن الجواب عنه : بأنّ العدم في الأحكام الشرعية قد يذكر ويراد به ما يرجع إلى الوجود ، وهنا قد يعبّر عن العدم بالحالة التي لم يقصد فيها الانفراد ، ولهذا في الفقه نظائر يطول بذكرها لسان المقال ، فينبغي التأمّل التام فيما ذكر على حسب مقتضى الحال.

وإذا عرفت هذا فاعلم أنّه يمكن أنْ يؤيَّد خبر غياث بالأصل ؛ لأنّ الأصل الصحّة بعد تحققها قبل فعل ما فعل ، وما دلّ من الأخبار المعتبرة كصحيح علي بن يقطين المنقول من التهذيب(٢) ، وغيره كالخبر الأوّل من المبحوث عنهما يحمل على جواز الرجوع ( إنْ لم يثبت الإجماع على استمرار العامد وجوباً ، أمّا ما ذكره الشيخ من حمل ما دلّ على الرجوع )(٣) على الساهي فيحتاج إلى ترجيح بعد ما ذكرناه من الحمل.

__________________

(١) الكافي ٢ : ٤٤٠ الايمان والكفر ب ١٩٣ ح ١ ، وفيه : عن ابن بكير.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٧٧ / ٨١٠.

(٣) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

٢١٩

فإنْ قلت : الأصل الذي ذكرته غير تام ؛ لأنّ العبادة متلقّاة من الشارع ، والمعروف في الجماعة المتابعة ، فأصالة صحّة الصلاة جماعةً موقوفة على المتابعة ، فإذا زالت زال الأصل.

قلت : المتابعة المعروفة من الشارع شرطاً للصحّة مرجعها إلى الإجماع المدّعى من المحقّق في المعتبر على ما نقل عنه ، مع روايةٍ رواها عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : « إنّما جعل الإمام إماماً ليؤتمّ به ، فإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا »(١) (٢) .

وغير خفي أنّ الإجماع تحقّقه في ما نحن فيه على وجه الشرطية في الصحّة غير معلوم ، كيف وقد جزم الأكثرون بالاستمرار وصحّة الصلاة جماعةً ، والخبر المروي لا يدلّ على ما نحن فيه ، بل إنما يدلّ على المتابعة إذا ركع ، وإذا سجد الإمام ، أمّا بقية الأفعال فترجع إلى الإجماع ، وقد سمعت القول فيه ، وسيجي‌ء(٣) التنبيه على ما يصلح(٤) في الجملة للدلالة على وجوب المتابعة ، وكلامنا هنا على ما ذكره القوم.

فإنْ قلت : الإجماع أيضاً وقع على إثم من رفع عمداً ، واللازم منه البطلان فترتفع أصالة الصحّة.

قلت : لزوم البطلان أوّل المدّعى ، كيف وقد قال بالصحّة من قال بالإثم.

فإنْ قلت : القائل بالصحّة والإثم جعل متعلق الإثم خارجاً عن‌

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٣٩٢ / ١٢٣٨.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٢١.

(٣) في ص : ٢٢٢.

(٤) في « م » : يصحّ.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

فجلس.

فقال: أشيروا عليّ.

فقام عمر، فقال مثل مقالة أبي بكر.

فقال: اجلس.

ثمّ قام المقداد، فقال: يا رسول الله، إنّها قريش وخيلاؤها.

وإنّا قد آمنّا بك، وصدّقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به حقّ من عند الله. ولو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا(١) وشوك الهراس(٢) ، لخضنا معك. ولا نقول لك ما قالت بنو إسرائيل لموسى:( فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ ) (٣) . ولكنّا نقول: اذهب أنت وربّك فقاتلا، إنّا معكما مقاتلون.

فجزاه النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ خيرا. ثمّ جلس.

ثمّ قال: أشيروا عليّ.

فقام سعد بن معاذ، فقال: بأبي أنت وأمّي، يا رسول الله، كأنّك أردتنا؟

قال: نعم.

قال: فلعلّك خرجت على أمر قد أمرت بغيره؟ [قال: نعم](٤) .

قال: بأبي أنت وأمّي، يا رسول الله، إنّنا قد آمنا بك وصدّقناك و(٥) شهدنا أنّ ما جئت به حقّ من عند الله. فمرنا بما شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، واترك منه ما شئت. والّذي أخذت منه أحبّ إليّ من الّذي [تركت منه](٦) . والله، لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك. [فجزاه خيرا](٧) .

ثمّ قال [سعد](٨) : بأبي أنت وأمّي، يا رسول الله، [والله](٩) ما خضت هذا الطّريق قطّ وما لي به علم. وقد خلّفنا بالمدينة قوما، ليس نحن بأشدّ جهادا لك منهم.

__________________

(١) الغضاة: شجر عظيم وخشبة من أصلب الخشب. وهو حسن النار، وجمره يبقى زمانا طويلا لا ينطفئ.

(٢) الهراس: شجر كثير الشوك طويلة. وفي المصدر: الهراش.

(٣) المائدة / ٢٤.

(٤) من المصدر.

(٥) من هنا ليس في «أ» إلى موضع سيأتي.

(٦) كذا في المصدر، وفي النسخ: تركته.

(٧) من المصدر.

(٨) من المصدر.

(٩) من المصدر.

٢٨١

ولو علموا أنّه الحرب، لما تخلّفوا. ولكن نعدّ لك الرّواحل، ونلقى عدوّنا. فإنّا صبر(١) عند اللّقاء، أنجاد في الحرب. وإنّا لنرجو أن يقرّ الله عينيك بنا. فإنّ يك ما تحبّ، فهو ذاك.

وإن يكن غير ذلك، قعدت على رواحلك فلحقت بقومنا.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أو يحدث الله غير ذلك؟ كأنّي بمصرع فلان ها هنا، وبمصرع فلان ها هنا، وبمصرع أبي جهل، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، ومنبّه ونبيه، ابني الحجّاج. فإنّ الله قد وعدني إحدى الطّائفتين، ولن يخلف الله الميعاد.

فنزل جبرئيل ـ عليه السّلام ـ على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بهذه الآية( كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ ) ـ إلى قوله ـ:( وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ) . فأمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالرّحيل حتّى نزل عشاء على ماء بدر، وهي العدوة الشّامية.

وأقبلت قريش، ونزلت بالعدوة اليمانيّة. وبعثت عبيدها تستعذب من الماء، فأخذهم أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وحبسوهم.

فقالوا لهم: من أنتم؟

قالوا: نحن عبيد قريش.

قالوا: فأين العير؟

قالوا: لا علم لنا بالعير.

فأقبلوا يضربونهم. وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يصلي.

فانفتل من صلاته فقال: إن صدقوكم، ضربتموهم. وإن كذبوكم، تركتموهم. عليّ بهم.

فأتوا بهم.

فقال لهم: من أنتم؟

قالوا: يا محمّد، نحن عبيد قريش.

قال: كم القوم؟

قالوا له: لا علم لنا بعددهم.

قال: كم ينحرون في كلّ يوم جزورا.

قالوا: تسعة إلى(٢) عشرة.

__________________

(١) المصدر: نصبر.

(٢) المصدر: أو.

٢٨٢

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: القوم(١) تسعمائة إلى(٢) ألف. [ثمّ](٣) .

قال: فمن فيهم من بني هاشم؟

فقالوا(٤) : العباس بن عبد المطّلب، ونوفل بن الحارث، وعقيل بن أبي طالب.

فأمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بهم فحبسوا(٥) . وبلغ قريشا ذلك، فخافوا خوفا شديدا.

ولقي عتبة بن ربيعة أبا البختريّ بن هشام، فقال له: أما ترى هذا البغي، والله، ما أبصر موضع قدمي. خرجنا لنمنع عيرنا وقد أفلتت، فجئنا بغيا وعدوانا. والله، ما أفلح قوم قطّ بغوا. ولوددت أنّ ما في العير من أموال بني عبد مناف ذهب كلّه، ولم نسر هذا المسير.

فقال له أبو البختريّ: إنّك سيّد من سادات قريش. [فسر في الناس و](٦) نحمل العير الّتي أصابها محمّد وأصحابه بنخلة، ودم ابن الحضرميّ فإنّه حليفك.

فقال عتبة: أنت تشير(٧) عليّ بذلك(٨) . وما على أحد منّا خلاف إلّا ابن الحنظليّة(٩) ، يعني: أبا جهل. فسر(١٠) إليه، وأعلمه أنّي قد تحمّلت العير الّتي [قد](١١) أصابها محمّد بنخلة(١٢) ودم ابن الحضرميّ.

فقال أبو البختري: فقصدت خباءه فإذا هو قد أخرج درعا له.

فقلت له: إنّ أبا الوليد بعثني إليك برسالة.

فغضب، ثمّ قال: أما وجد عتبة رسولا غيرك؟

فقلت: أما، والله، لو غيره أرسلني ما جئت. ولكن أبا الوليد سيّد العشيرة.

فغضب [أشدّ من الأولى](١٣) غضبة أخرى، فقال: تقول: سيّد العشيرة!

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر: أو.

(٣) من المصدر.

(٤) المصدر: قال.

(٥) المصدر: فحبسوهم.

(٦) ليس في المصدر، ر، ب.

(٧) ليس في المصدر.

(٨) أي: قد فعلت، وأنت الشاهد على ذلك.

(٩) المصدر: حنظلة بدل الحنظليّة.

(١٠) كذا في المصدر، وفي النسخ: فصر.

(١١) من المصدر.

(١٢) ليس في المصدر.

(١٣) كذا في المصدر، وفي النسخ: غضبة أخرى.

٢٨٣

فقلت: أنا أقوله، وقريش كلّها تقوله. إنّه قد تحمّل العير ودم ابن الحضرميّ.

فقال: إنّ عتبة أطول النّاس لسانا، وأبلغهم في الكلام، ويتعصّب لمحمّد. فإنّه من بني عبد مناف، وابنه معه، ويريد أن يخذله(١) بين النّاس. لا، واللّات والعزّى، حتّى نقتحم عليهم بيثرب، ونأخذهم أسارى. فندخلهم مكّة، وتتسامع العرب بذلك، ولا يكون بيننا وبين متجرنا أحد نكرهه.

وبلغ أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ كثرة قريش، ففزعوا فزعا شديدا وشكوا وبكوا واستغاثوا. فأنزل الله على رسوله:( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ* وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ، وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ، إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) .

فلمّا أمسى(٢) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وجنّه اللّيل، ألقى الله على أصحابه النّعاس حتّى ناموا. وأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ عليهم السّماء(٣) ، وكان نزول(٤) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في موضع لا يثبت فيه القدم، فأنزل الله عليهم السّماء [ولبّد الأرض](٥) حتى تثبت الأقدام. وهو قول الله ـ تبارك وتعالى ـ:( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ ) . وذلك أنّ بعض أصحاب النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ احتلم.( وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ ) .

وكان المطر على قريش، مثل العزالي(٦) . وكان على أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ رذاذا(٧) بقدر ما يلبّد الأرض. وخافت قريش خوفا شديدا، فأقبلوا يتحارسون يخافون البيات.

فبعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عمّار بن ياسر وعبد الله بن مسعود، فقال: ادخلا في القوم واتياني(٨) بأخبارهم.

__________________

(١) المصدر: يحذر (يخذل ـ خ)

(٢) المصدر: مشى.

(٣) المصدر: الماء، والسماء هنا بمعنى المطر.

(٤) المصدر: نزل.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) العزالي: جمع العزلاء: مصب الماء من الراوية. ومنه قولهم: أرخت السّماء عزاليها.

(٧) الرذاذ: المطر الضعيف.

(٨) كذا في المصدر، وفي النسخ: ائتونا.

٢٨٤

فكانا يجولان في عسكرهم. لا يرون إلّا خائفا ذعرا، إذا سمعوا(١) سهل الفرس وثبوا(٢) على جحفلته. فسمعوا منبّه بن الحجّاج يقول: لا يترك الجوع لنا مبيتا لا بدّ أن نموت أو نميتا.

قال: قد والله، كانوا شباعا، ولكنّهم من الخوف قالوا هذا.

وألقى الله في(٣) قلوبهم الرّعب، كما قال الله ـ تعالى ـ:( سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ ) (٤) .

فلمّا أصبح رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. عبّأ أصحابه. وكان في عسكر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فرسان: فرس للزّبير بن العوّام، وفرس للمقداد بن أسود.

وكان في عسكره سبعون جملا يتعاقبون عليها. وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعليّ بن أبي طالب ومرثد بن أبي مرثد الغنويّ على جمل يتعاقبون عليه، والجمل لمرثد. وكان في عسكر قريش أربعمائة فرس. فعبّأ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أصحابه بين يديه، وقال: غضّوا أبصاركم، ولا تبدأوهم بالقتال، ولا يتكلّمنّ أحد.

فلمّا نظرت قريش إلى قلة أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ، قال أبو جهل: ما هم إلّا أكلة رأس. ولو بعثنا إليهم عبيدنا، لأخذوهم أخذا باليد.

فقال عتبة بن ربيعة: أترى لهم كمينا ومددا؟

فبعثوا عمرو بن وهب الجمحيّ. وكان فارسا شجاعا. فجال بفرسه حتى طاف على(٥) عسكر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. ثمّ صعد في(٦) الوادي، وصوّت. ثمّ رجع إلى قريش، فقال: ما لهم كمين ولا مدد، ولكن نواضح يثرب قد حملت الموت النّاقع. أما ترونهم خرسا لا يتكلّمون؟ يتلمّظون تلمّظ الأفاعي. ما لهم ملجأ إلّا سيوفهم. وما أراهم يولّون حتّى يقتلوا(٧) ، ولا يقتلون حتّى يقتلوا بعددهم. فارتئوا رأيكم.

فقال له أبو جهل: كذبت وجبنت، وانتفخ سحرك(٨) حين نظرت إلى سيوف

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر: وثب.

(٣) المصدر: على.

(٤) الأنفال / ١٢.

(٥) المصدر: إلى.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) المصدر: يقتلون.

(٨) السحر: الرئة. وانتفاخ السحر كناية عن الجبن. وفي المصدر: منخرك.

٢٨٥

أهل(١) يثرب.

وفزع أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حين نظروا إلى كثرة قريش وقوّتهم. فأنزل الله على رسوله( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ) (٢) . وقد علم الله أنّهم لا يجنحون ولا يجيبون إلى السّلم، وإنّما أراد بذلك ليطيّب قلوب أصحاب النّبيّ.

فبعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى قريش، فقال: يا معشر قريش، ما أحد من العرب أبغض إليّ من أن أبدأ(٣) بكم. فخلّوني والعرب. فإن أك صادقا، فأنتم أعلى بي عينا. وإن أك كاذبا، كفتكم ذؤبان العرب أمري. فارجعوا.

فقال عتبة: والله، ما أفلح قوم قطّ ردّوا هذا.

ثمّ ركب جملا له أحمر.

فنظر إليه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يجول في العسكر وينهى عن القتال، فقال: إن يكن عند أحد خير، فعند صاحب الجمل الأحمر. إن يطيعوه، يرشدوا.

فأقبل عتبة يقول: يا معشر قريش، اجتمعوا واسمعوا(٤) . ثمّ خطبهم، فقال: يمن مع رحب، ورحب مع يمن. يا معشر قريش، أطيعوني اليوم وأعصوني الدّهر. وارجعوا إلى مكّة، واشربوا الخمور وعانقوا الحور. فإنّ محمّدا له إلّ وذمّة. وهو ابن عمّكم. فارجعوا، ولا تردّوا(٥) رأيي. وإنّما تطالبون بالعير الّتي أخذها محمّد بنخلة(٦) ، ودم ابن الحضرميّ، وهو حليفي وعليّ عقله.

فلمّا سمع أبو جهل ذلك، غاظه(٧) وقال: إنّ عتبة أطول النّاس لسانا، وأبلغهم في الكلام. ولئن رجعت قريش بقوله، ليكوننّ سيّد قريش آخر الدّهر.

ثمّ قال: يا عتبة، نظرت إلى سيوف بني عبد المطّلب وجبنت وانتفخ سحرك وتأمر النّاس بالرّجوع، وقد رأينا [ثأرنا](٨) بأعيننا.

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) الأنفال / ٦١.

(٣) المصدر: «إليّ ممّن بدأ» بدل: «إليّ من أن أبدأ».

(٤) المصدر: استمعوا.

(٥) لا تنبذوا.

(٦) المصدر: بنخيلة.

(٧) هامش المصدر: أي أداره في فيه.

(٨) من المصدر.

٢٨٦

فنزل عتبة عن جمله وحمل على أبي جهل، وكان على فرس، فأخذ بشعره.

فقال النّاس: يقتله.

فعرقب فرسه وقال: أمثلي يجبن؟ وستعلم قريش اليوم أيّنا الأم وأجبن(١) ، وأيّنا المفسد لقومه. لا يمشي إلّا أنا وأنت إلى الموت عيانا. ثمّ قال: هذا جناي وخياره فيه وكلّ جان يده إلى فيه.

ثمّ أخذ بشعره يجرّه.

فاجتمع إليه النّاس، فقالوا: يا أبا الوليد، الله الله، لا تفتّ في أعضاد النّاس.

تنهى عن شيء وتكون أوّله.

فخلّصوا أبا جهل من يده.

فنظر عتبة إلى أخيه شيبه ونظر إلى ابنه الوليد، فقال: قم، يا بنيّ.

فقام. ثمّ لبس درعه. وطلبوا له بيضة يتسع(٢) رأسه، فلم يجدوها لعظم هامته.

فاعتمّ بعمامتين. ثمّ أخذ سيفه، وتقدّم هو وأخوه وابنه ونادى: يا محمّد، أخرج إلينا أكفاءنا من قريش.

فبرز إليه ثلاثة نفر من الأنصار، عوذ ومعوّذ(٣) وعوف من بني عفراء.

فقال عتبة: من أنتم؟ انتسبوا لنعرفكم.

فقالوا: نحن بنو عفراء، أنصار الله وأنصار رسوله.

فقالوا: ارجعوا، فإنّا لسنا إيّاكم نريد. إنّما نريد الأكفاء من قريش.

فبعث إليهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن ارجعوا، فرجعوا. وكره أن يكون أوّل الكرّة بالأنصار، فرجعوا ووقفوا موقفهم.

ثمّ نظر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب، وكان له سبعون سنة، فقال له: قم يا عبيدة.

فقام بين يديه بالسّيف.

ثمّ نظر إلى حمزة بن عبد المطّلب، فقال له: قم، يا عمّ.

__________________

(١) كذا في المصدر، وفي النسخ: الأليم والأجبن.

(٢) المصدر ور وب: تسع.

(٣) المصدر: عود ومعود.

٢٨٧

ثم نظر إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ فقال له: قم، يا عليّ ـ وكان أصغر القوم(١) ـ فاطلبوا بحقّكم الّذي جعله الله لكم. فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها، تريد أن تطفى نور الله ويأبى الله إلّا أن يتمّ نوره.

ثمّ قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: يا عبيدة، عليك بعتبة. وقال لحمزة: عليك بشيبة. وقال لعليّ: عليك بالوليد بن عتبة.

فمرّوا حتى انتهوا إلى القوم.

فقال عتبة: من أنتم؟ انتسبوا لنعرفكم.

فقال [عبيدة](٢) : أنا عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب.

فقال: كفو كريم. فمن هذان؟

فقال: حمزة بن عبد المطّلب، وعليّ بن أبي طالب.

فقال: كفوان كريمان. لعن الله من أوقفنا وإيّاكم هذا الموقف.

فقال شيبة لحمزة: من أنت؟

فقال: أنا حمزة بن عبد المطّلب، أسد الله وأسد رسوله.

فقال له شيبة: لقد لقيت أسد الحلفاء. فانظر كيف تكون صولتك، يا أسد الله.

فحمل عبيدة على عتبة، فضربه على رأسه ضربة فلق هامته.

وضرب عتبة عبيدة على ساقه، فقطعها وسقطا جميعا. وحمل حمزة على شيبة، فتضاربا بالسّيفين حتى انثلما. وكلّ واحد منهما يتّقي بدرقته. وحمل أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ على الوليد بن عتبة، فضربه على حبل عاتقه، فأخرج السّيف من إبطه. فقال عليّ ـ عليه السّلام ـ: فأخذ يمينه المقطوعة بيساره، فضرب بها هامتي، فظننت أنّ السّماء وقعت على الأرض.

ثمّ اعتنق حمزة وشيبة، فقال المسلمون: يا عليّ، أما ترى الكلب قد بهر(٣) عمّك.

فحمل إليه عليّ ـ عليه السّلام ـ. ثمّ قال: يا عمّ، طأطئ رأسك. وكان حمزة أطول من شيبة. فأدخل حمزة رأسه في صدره، فضربه أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ على رأسه فطير(٤) نصفه. ثمّ جاء إلى عتبة وبه رمق، فأجهز عليه. وحمل عبيدة بين حمزة وعليّ حتّى

__________________

(١) المصدر: وكان أصغرهم فقال .

(٢) من المصدر.

(٣) بهر: غلب. وفي المصدر: أبهر.

(٤) إلى هنا ليس في نسخة «أ».

٢٨٨

أتيا به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فنظر إليه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فاستعبر.

فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي، ألست شهيدا؟

قال: بلى، أنت أوّل شهيد من أهل بيتي.

فقال: أمّا لو كان عمك حيّا، لعلم أني أولى بما قال منه.

قال: وأيّ أعمامي تعني؟

قال: أبو طالب، حيث يقول :

كذبتم وبيت الله نبرى محمدا

ولما نطاعن دونه ونناضل

ونسلمه حتى نصرّع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله: أما ترى ابنه: كاللّيث العادي بين يدي الله ورسوله، وابنه الآخر في جهاد الله بأرض الحبشة؟

فقال: يا رسول الله، أسخطت عليّ في هذه الحالة؟

فقال: ما سخطت عليك، ولكن ذكرت عمي فانقبضت لذلك.

وقال أبو جهل لقريش: لا تعجلوا ولا تبطروا، كما عجل وبطر أبناء ربيعة.

عليكم بأهل يثرب، فاجزروهم جزرا. وعليكم بقريش، فخذوهم أخذا حتّى ندخلهم مكّة فنعرّفهم ضلالتهم التي كانوا عليها.

وكان فئة(١) من قريش أسلموا بمكّة فأجلسهم(٢) آباؤهم. فخرجوا مع قريش إلى بدر وهم على الشّكّ والارتياب والنّفاق، منهم قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكهة، والحارث بن ربيعة، وعليّ بن أمية بن خلف، والعاص بن المنبّه. فلمّا نظروا إلى قلة أصحاب محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ قالوا: مساكين هؤلاء، نحرهم(٣) دينهم فيقتلون الساعة. فأنزل الله على رسوله( إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ، وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (٤) .

وجاء إبليس ـ عليه اللّعنة ـ إلى قريش في صورة سراقة بن مالك، فقال لهم: «إني جار لكم»(٥) ادفعوا إليّ رايتكم. فدفعوها إليه. وجاء بشياطينه يهول بهم على

__________________

(١) المصدر: فتية.

(٢) المصدر: فاحتبسهم.

(٣) المصدر: غرّهم.

(٤) الأنفال / ٤٩.

(٥) المصدر: أنا جاركم.

٢٨٩

أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ويخيل إليهم ويفزعهم. وأقبلت قريش يقدمها إبليس معه الرّاية.

فنظر إليه رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ فقال: غضّوا أبصاركم، وعضّوا على النّواجذ، ولا تسلّوا سيفا حتّى آذن لكم. ثمّ رفع يده إلى السّماء، فقال: يا ربّ، إن تهلك هذه العصابة لم تعبد. وان شئت أن لا تعبد، لا تعبد.

ثمّ أصابه الغشي، فسرى عنه وهو يسكب العرق عن وجهه وهو يقول: هذا جبرئيل قد أتاكم في ألف من الملائكة مردفين.

قال: فنظرنا، فإذا سحابة سوداء فيها برق لائح وقد وقعت على عسكر رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ. وقائل يقول: أقدم حيزوم، أقدم حيزوم(١) . وسمعنا قعقعة السّلاح من الجوّ.

ونظر إبليس إلى جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فراجع(٢) ورمى باللّواء. فأخذ منبه بن الحجاج بمجامع ثوبه، ثمّ قال: ويلك، يا سراقة، تفتّ في أعضاد النّاس.

فركله إبليس ركلة في صدره، وقال: إني بريء منكم(٣) ، إني أرى ما لا ترون، إني أخاف الله. وهو قول الله:( وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ، فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ ) (٤) . ثمّ قال ـ عزّ وجلّ ـ:( وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ ) (٥) .

وحمل جبرئيل على إبليس، فطلبه حتّى غاص في البحر. وقال: ربّ، أنجز لي ما وعدتني من البقاء إلى يوم القيامة(٦) .

روي في خبر: أنّ إبليس التفت إلى جبرئيل وهو في الهزيمة، فقال: يا هذا، بدا(٧) لكم فيما أعطيتمونا؟

__________________

(١) حيزوم: اسم فرس جبرئيل. أي: أقدم يا حيزوم.

(٢) المصدر: فتراجع.

(٣) ليس في المصدر: «إنّي بريء منكم».

(٤) الأنفال / ٤٨.

(٥) الأنفال / ٥٠.

(٦) المصدر: يوم الدّين.

(٧) المصدر: أبدا.

٢٩٠

فقيل لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ: أترى كان يخاف أن يقتله؟

فقال: لا ولكنّه كان يضربه ضربة يشينه منها إلى يوم القيامة.

وأنزل الله على نبيّه( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إلى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ، فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ ) (١) . قال: أطراف الأصابع. فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها تريد أن تطفئ نور الله، ويأبى الله إلا أن يتمّ نوره.

وخرج أبو جهل من بين الصّفين، فقال: أللّهمّ(٢) ، إن محمّدا قطعنا الرّحم وأتانا بما لا نعرفه، فأهنه(٣) الغداة.

فأنزل الله على رسوله( إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ، وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ، وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ) (٤) .

ثم أخذ رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ كفا من حصاة، فرمى به في وجوه قريش وقال: شاهت الوجوه. فبعث الله رياحا تضرب في وجوه قريش، فكانت الهزيمة. ثمّ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ: أللّهمّ، لا يغلبنّك(٥) فرعون هذه الأمة، أبو جهل بن هشام.

فقتل منهم سبعين وأسر منهم سبعين.

والتقى عمرو بن الجموح مع أبي جهل، فضرب عمرو أبا جهل على فخذه، وضرب أبو جهل عمروا على يده فأبانها من العضد فتعلّقت بجلدة. فاتكأ عمرو على يده برجله، ثمّ تراخى(٦) في السّماء حتّى انقطعت الجلدة ورمى بيده.

وقال عبد الله بن مسعود: انتهيت إلى أبي جهل وهو يتشحّط بدمه، فقلت: الحمد لله الّذي أخزاك.

فرفع رأسه، فقال: إنّما أخزى الله عبد بن أمّ عبد. لمن الدين(٧) ، ويلك؟

قلت: لله وللرّسول، وإنّي قاتلك، ووضعت رجلي على عنقه.

__________________

(١) الأنفال / ١٢.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر: فأحنه، أي: أهلكه.

(٤) الأنفال / ١٩.

(٥) المصدر: لا يفلتن.

(٦) المصدر: نزا.

(٧) الدين هنا: القهر والغلبة والاستعلاء.

٢٩١

فقال: لقد(١) ارتقيت مرتقى صعبا، يا رويعي الغنم. أما إنّه ليس شيء أشدّ من قتلك إيّاي في هذا اليوم. ألّا تولّي قتلي رجلا من المطلبيين، أو رجلا من الأحلاف؟

فانقلعت(٢) بيضة كانت على رأسه، فقتلته. وأخذت رأسه وجئت به إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ. فقلت: يا رسول الله، البشرى. هذا رأس أبي جهل بن هشام.

فسجد لله شكرا.

وأسر أبو بشير الأنصاريّ العبّاس بن عبد المطّلب وعقيل بن أبي طالب، وجاء بهما إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فقال له: هل أعانك عليهما أحد؟

قال: نعم، رجل عليه ثياب بيض.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ذاك من الملائكة.

ثمّ قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ للعبّاس: أفد نفسك وابن أخيك.

فقال: يا رسول الله، قد كنت أسلمت ولكن القوم استكرهوني.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: أعلم بإسلامك إن يكن ما تذكر حقّا، فإنّ الله يجزيك(٣) عليه. فأمّا ظاهر أمرك، فقد كنت علينا.

ثمّ قال: يا عبّاس، إنكم خاصمتم الله، فخصمكم.

ثمّ قال: أفد نفسك وابن أخيك.

وقد كان العبّاس أخذ معه أربعين أوقيّة من ذهب.

فغنمها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فلمّا قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ للعبّاس: «أفد نفسك» قال: يا رسول الله، أحسبها من فدائي.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: لا، ذاك شيء أعطانا الله منك. فأفد نفسك وابن أخيك.

فقال العبّاس: ليس لي مال غير الّذي ذهب منّي.

قال: بلى، المال الّذي خلّفته عند أمّ الفضل بمكّة. وقلت لها: إن حدث عليّ حدث، فاقسموه بينكم.

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر: فاقتلعت.

(٣) المصدر: يجزك.

٢٩٢

فقال له: تتركني وأنا أسأل النّاس بكفي.

فأنزل الله على رسوله في ذلك( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) . ثمّ قال الله:( وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ ) [في علي](١) ( فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (٢) .

ثمّ قال رسول الله لعقيل: قد قتل الله، يا أبا يزيد، أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومنبّه ونبيه، ابني الحجّاج ونوفل بن خويلد. وأسر سهيل بن عمرو والنضر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط وفلان وفلان.

فقال عقيل: إذا لا تنازعوا في تهامة. فإن كنت قد أثخنت القوم، وإلّا فاركب أكتافهم.

فتبسم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من قوله.

وكان القتلى ببدر سبعين، والأسرى سبعين. قتل منهم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ سبعة وعشرين، ولم يؤسر أحدا. فجمعوا الأسارى، وقرنوهم في الحبال، وساقوهم على أقدامهم، وجمعوا الغنائم. وقتل من أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ تسعة رجال، فيهم(٣) سعد بن خيثمة، وكان من النّقباء. فرحل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ونزل الأثيل عند غروب الشّمس، وهو من بدر على ستّة أميال. فنظر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى عقبة بن أبي معيط وإلى النضر بن الحارث بن كلدة، وهما في قرآن(٤) واحد.

فقال النّضر لعقبة: يا عقبة أنا وأنت مقتولان.

قال عقبة: من بني(٥) قريش؟

قال: نعم. لأنّ محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ قد نظر إلينا نظرة، رأيت فيها القتل.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: يا عليّ، عليّ بالنّضر وعقبة.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الأنفال / ٧٠ و ٧١.

(٣) المصدر: فمنهم.

(٤) المصدر: قرن. والقرن ـ محرّكة ـ الحبل يجمع به البعيران.

(٥) المصدر: بين.

٢٩٣

وكان النّضر رجلا جميلا، عليه شعر. فجاء عليّ ـ عليه السّلام ـ فأخذ بشعره فجرّه إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فقال النضر: يا محمد، أسألك بالرّحم الّذي بيني وبينك إلا أجريتني، كرجل من قريش. إن قتلتهم، قتلتني. وإن فاديتهم، فاديتني. وإن أطلقتهم، أطلقتني. فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: لا رحم بيني وبينك، قطع الله الرحم بالإسلام. قدّمه، يا عليّ، فاضرب عنقه.

فقال عقبة: يا محمّد، ألم تقل: لا تصبر قريش، أي: لا يقتلون صبرا؟

قال: وأنت(١) من قريش؟ إنّما أنت علج من أهل صفوريّة. لا أنت في الميلاد أكبر من أبيك الّذي تدعى له، ليس منها. قدّمه، يا عليّ، فاضرب عنقه.

فقدّمه، فضرب عنقه. فلمّا قتل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ النضر وعقبة، خافت الأنصار أن يقتل الأسارى كلّهم. فقاموا إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقالوا: يا رسول الله، قد قتلنا سبعين وأسرنا سبعين. وهم قومك وأساراك. هبهم لنا، يا رسول الله، وخذ منهم الفداء وأطلقهم. فأنزل الله عليه( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ، تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ، وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ* فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً ) (٢) . فأطلق لهم أن يأخذوا الفداء ويطلقوهم، وشرط أنّه يقتل منهم في عام قابل بعدد من يأخذون منهم الفداء. فرضوا منه بذلك. وتمام الحديث مضى في سورة آل عمران.

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً ) : كثيرا. بحيث يرى لكثرتهم كأنّهم يزحفون، أي: يدبّون.

وهو مصدر زحف الصبيّ: إذا دبّ على مقعده قليلا. سمّي به. وجمع على زحوف. وانتصابه على الحال.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٣) ، أي: يدنوا بعضهم(٤) من بعض.

( فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ) (١٥): بالانهزام، فضلا أن يكونوا مثلكم أو أقلّ

__________________

(١) المصدر.

(٢) الأنفال / ٦٧ ـ ٦٩.

(٣) تفسير القمي ١ / ٢٧٠.

(٤) المصدر: بعضكم.

٢٩٤

منكم.

والأظهر أنّها محكمة، مخصوصة بقوله:( حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ) (الآية).

ويجوز أن ينتصب «زحفا» على الحال من الفاعل والمفعول، أي: إذا لقيتموهم متزاحفين يدبّون إليكم وتدبون إليهم، فلا تنهزموا. أو من الفاعل وحده، ويكون أشعارا بما سيكون منهم يوم حنين حين تولّوا، وهم اثنا عشر ألفا.

( وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ ) : يريد الكر بعد الفرّ وتغرير العدوّ، فانّه من مكائد الحرب.

( أَوْ مُتَحَيِّزاً إلى فِئَةٍ ) ، أي: منحازا إلى طائفة أخرى من المسلمين على القرب، ليستعين بهم.

ومنهم من لم يعتبر القرب، لما نقل(١) ابن عمر أنّه كان في سريّة بعثهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. ففرّوا إلى المدينة.

فقلت: يا رسول الله، نحن الفرّارون؟

فقال: بل أنتم العكارون، وأنا فئتكم.

وانتصاب «متحرّفا» و «متحيزا» على الحال، وإلّا لغو لا عمل لها. أو الاستثناء من المولين، أي: إلّا رجلا متحرفا أو متحيزا.

ووزن «متحيّز» «متفيعل» لا «متفعّل»، وإلا لكان متحوزا، من حاز يحوز.

( فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) (١٦).

قيل: هذا إذا لم يزد العدوّ على الضعف، لقوله:( الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ ) (الآية).

وقيل(٢) : الآية مخصوصة بأهل بيته(٣) ، والحاضرين معه في الحرب.

وفي تفسير العيّاشيّ(٤) : عن أبي أسامة، زيد الشّحام قال: قلت لأبي الحسن ـ عليه السّلام ـ: جعلت فداك، إنّهم يقولون: ما منع عليا، ان كان له حقّ، أن يقوم بحقّه؟

فقال: إنّ الله لم يكلّف هذا أحدا إلّا نبيّه ـ عليه وآله السّلام ـ قال له :

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٨

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٨.

(٣) ح: بدر.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ٥١، ح ٣١.

٢٩٥

( فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ) (١) . وقال لغيره:( إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إلى فِئَةٍ ) (٢) . فعليّ لم يجد فئة. ولو وجد فئة، لقاتل.

ثمّ قال: لو كان جعفر وحمزة حيّين، إنّما هما رجلان(٣) . قال:( مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إلى فِئَةٍ ) . قال: متطرّفا(٤) يريد الكرة عليهم. «أو متحيزا»، يعني: متأخرا إلى أصحابه من غير هزيمة. فمن انهزم حتى يخوض(٥) صفّ أصحابه،( فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ) .

عن زرارة(٦) ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال: قلت: الزّبير شهد بدرا؟

قال: نعم، ولكنّه فرّ يوم الجمل. فإن كان قاتل المؤمنين، فقد هلك بقتاله إياهم. وان كان قاتل كفّارا،( فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ) ، حين ولّاهم دبره.

[سئل](٧) عن أبي جعفر(٨) ـ عليه السّلام ـ ما شأن أمير المؤمنين حين ركب منه ما ركب، [لم يقاتل](٩) .

فقال: للّذي(١٠) سبق في علمه أن يكون. ما كان لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أن يقاتل وليس معه إلّا ثلاثة رهط(١١) ، فكيف يقاتل؟ ألم تسمع قول الله ـ عزّ وجلّ ـ:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً ـ إلى ـوَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) . فكيف يقاتل أمير المؤمنين بعدها، وإنّما هو يومئذ ليس معه [مؤمن](١٢) غير ثلاثة رهط.

وفي كتاب الخصال(١٣) ، في مناقب أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وتعدادها: وقال ـ عليه السّلام ـ: وأمّا الثّالثة والسّتّون، فاني لم أفرّ من الزّحف قطّ، ولم يبارزني أحد إلّا سقيت الأرض من دمه.

وفي عيون الأخبار(١٤) ، في باب ما كتب به الرضا ـ عليه السّلام ـ إلى محمد بن سنان

__________________

(١) النساء / ٨٤.

(٢) الانفال / ١٦.

(٣) للعلامة المجلسي ـ رحمه الله ـ بيان فيه. راجع البحار (ط. الكمباني) ٨ / ١٥٢.

(٤) المصدر: «متطرّدا»، أي: متباعدا.

(٥) المصدر: يجوز.

(٦) تفسير العيّاشي ٢ / ٥١، ح ٢٩.

(٧) ما بين المعقوفتين منّا.

(٨) تفسير العيّاشي ٢ / ٥١، ح ٣٠.

(٩) من المصدر.

(١٠) هكذا في المصدر. وفي النسخ: الله من، بدل: للّذي.

(١١) هكذا في المصدر. وفي النسخ: برهط. (١٢) من المصدر. (١٣) الخصال / ٥٨٠.

(١٤) العيون ٢ / ٩٢.

٢٩٦

في جواب مسائله في العلل: وحرّم الله ـ تعالى ـ الفرار من الزّحف لما فيه من الوهن في الدّين، والاستخفاف بالرّسل والائمّة العادلة ـ عليهم السّلام ـ وترك نصرتهم على الأعداء، والعقوبة لهم على انكار ما دعوا إليه من الإقرار بالرّبوبيّة وإظهار العدل، وترك الجور، وإماتته والفساد(١) ، لما في ذلك من جرأة العدو على المسلمين، وما يكون من السّبي والقتل وإبطال من دين الله ـ عزّ وجلّ ـ وغيره من الفساد.

وفي الكافي(٢) : علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبي حمزة، عن عقيل الخزاعيّ، أنّ أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ كان إذا حضر الحرب، يوصي المسلمين بكلمات يقول: تعاهدوا الصّلاة ـ إلى أن قال عليه السّلام ـ: ثمّ أنّ الرعب والخوف من جهاد المستحق للجهاد والمؤازرين على الضّلال ضلال في الدين، وسلب للدّنيا مع الذّلّ والصّغار، وفيه استيجاب النّار بالفرار من الزحف عند حضرة القتال. يقول الله ـ تعالى ـ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ )

أحمد بن محمّد الكوفيّ(٣) ، عن ابن جمهور، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن مفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ وعن عبد الله بن عبد الرحمن الأصمّ، عن حريز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ لأصحابه: إذا لقيتم عدوكم في الحرب، فأقلّوا الكلام واذكروا الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ) فتسخطوا الله ـ تبارك وتعالى ـ وتستوجبوا غضبه.

محمّد بن يحيى(٤) ، عن احمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن الحسن بن صالح، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: كان يقول: من فرّ من رجلين في القتال من الزحف، فقد فرّ. ومن فرّ من ثلاثة في القتال من الزّحف، فلم يفرّ.

( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ ) : بقوّتكم.

( وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ ) : بنصركم وتسليطكم عليهم، وإلقاء الرّعب في قلوبهم.

نقل(٥) : انّه لـمـّـا طلعت قريش من العقنقل، قال ـ عليه السّلام ـ: هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها يكذبون رسولك. أللّهمّ، إنّي أسألك ما وعدتني.

__________________

(١) المصدر: وإماتة الفساد.

(٢) الكافي ٥ / ٣٦ و ٣٨.

(٣) الكافي ٥ / ٤٢، ح ٥.

(٤) الكافي ٥ / ٣٤، ح ١.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٨.

٢٩٧

فأتاه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ وقال له: خذ قبضة من تراب، فارمهم بها.

فلمّا التقى الجمعان، تناول كفّا من الحصباء فرمى بها في وجوههم وقال: شاهت الوجوه. فلم يبق مشرك الّا شغل بعينيه. فانهزموا، وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم. ثمّ لـمـّـا انصرفوا، أقبلوا على التّفاخر. فيقول الرجل: قتلت وأسرت. فنزلت.

و «الفاء» جواب شرط محذوف، تقديره: إن فخرتم(١) بقتلهم فلم تقتلوهم، ولكن الله قتلهم.

( وَما رَمَيْتَ ) : يا محمّد، رميا توصله إلى أعينهم ولم تقدر عليه.

( إِذْ رَمَيْتَ ) : أي: أتيت بصورة الرّمي.

( وَلكِنَّ اللهَ رَمى ) ، أي: أتى بما هو غاية الرّمي، فأوصلها إلى أعينهم حتى انهزموا وتمكنتم من قطع دابرهم.

وقد عرفت أنّ اللّفظ يطلق على المسمّى، وعلى ما هو كماله، والمقصود منه.

وقيل(٢) : معناه: ما رميت بالرّعب إذ رميت بالحصباء، ولكنّ الله رمى بالرّعب في قلوبهم.

وقيل(٣) : انّه نزل في طعنة طعن بها أبي بن خلف يوم أحد، ولم يخرج منه دم، فجعل يخور حتّى مات. أو رمية سهم رماه يوم حنين نحو الحصن، فأصاب لبابة بن الحقيق(٤) على فراشه.

وفي تفسير(٥) علي بن ابراهيم، يعني: الحصى الّذي حمله رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ورمى به في وجوه قريش، وقال: شاهت الوجوه.

وفي كتاب الاحتجاج(٦) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل. وفيه قال في هذه الآية: سمّي فعل النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فعلا له. ألا ترى تأويله على غير تنزيله.

__________________

(١) المصدر: افتخرتم.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٩.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٩.

(٤) المصدر: كنانة بن أبي الحقيق.

(٥) تفسير القمي ١ / ٢٧٠ ـ ٢٧١.

(٦) الاحتجاج ١ / ٣٧٢.

٢٩٨

وفي تفسير العياشيّ(١) : عن محمّد بن كليب الأسديّ، عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله:( وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى ) .

قال: عليّ ناول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ القبضة التي رمى بها.

وفي خبر آخر(٢) عنه: أنّ عليّا ـ عليه السّلام ـ ناوله قبضة من تراب، رمى بها.

عن عمرو بن أبي المقدام(٣) ، عن عليّ بن الحسين ـ عليه السّلام ـ قال: ناول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عليّ بن أبي طالب قبضة من تراب [القبضة](٤) التي رمى بها في وجوه المشركين. فقال [الله](٥) :( وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى ) .

وفي كتاب الخصال(٦) ، في مناقب أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وتعدادها. قال ـ عليه السّلام ـ: وأمّا الخامسة والثّلاثون، فإن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وجهني يوم بدر فقال: ائتني بكف حصيات مجموعة في مكان واحد. فأخذتها ثمّ شممتها، فإذا هي طيّبة تفوح منها رائحة المسك. فأتيته بها، فرمى بها وجوه المشركين. وتلك الحصيات أربع منها كن(٧) من الفردوس وحصاة من المشرق، وحصاة من المغرب، وحصاة من تحت العرش. مع كلّ حصاة مائة ألف ملك مداد لنا. لم يكرم الله ـ عزّ وجلّ ـ بهذه الفضيلة أحدا قبلنا ولا بعدنا.

( وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً ) : ولينعم عليهم نعمة عظيمة بالنصر والغنيمة، ومشاهدة الآيات.

( إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ ) : لاستغاثتهم ودعائهم.

( عَلِيمٌ ) (١٧): بنيّاتهم وأحوالهم.

( ذلِكُمْ ) : إشارة إلى البلاء الحسن أو القتل، أو الرّمي.

ومحلّه الرّفع، أي: المقصود، أو الأمر «ذلكم».

( وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ ) (١٨): معطوف عليه، أي: المقصود إيلاء المؤمنين، وتوهين كيد الكافرين وإبطال حيلهم.

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ٥٢، ح ٣٢.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ٥٢، ح ٣٣.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ٥٢، ح ٣٤.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) من المصدر.

(٦) الخصال / ٥٧٦.

(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ: كان.

٢٩٩

وقرأ(١) ابن كثير ونافع وابو عمرو: «موهن» بالتّشديد. وحفص: «موهن كيد الكافرين» بالإضافة والتّخفيف.

( إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ ) قيل(٢) : خطاب لأهل مكّة على سبيل التّهكم. وذلك أنّهم حين أرادوا الخروج، تعلّقوا بأستار الكعبة وقالوا: أللّهمّ، انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين.

وفي مجمع البيان(٣) ، في حديث أبي حمزة: قال أبو جهل: أللّهمّ ربّنا، ديننا القديم ودين محمّد الحديث. فأي الدّينين كان أحبّ إليك وأرضى عندك، فانصر أهله اليوم.

وروي أنّه قال: أيّنا أهجر وأقطع للرّحم، فأهنه اليوم فأهلكه.

وقيل(٤) : خطاب للمؤمنين، وكذا القولان فيما بعده.

( وَإِنْ تَنْتَهُوا ) : عن الكفر، ومعاداة الرسول.

( فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) : لتضمنه سلامة الدّارين وخير المنزلين.

( وَإِنْ تَعُودُوا ) : لمحاربته.

( نَعُدْ ) : لنصره.

( وَلَنْ تُغْنِيَ ) : ولن تدفع.

( عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ ) : جماعتكم.

( شَيْئاً ) : من الإغناء، أو المضارّ.

( وَلَوْ كَثُرَتْ ) : فئتكم.

( وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ) (١٩): بالنّصر والمعونة.

وقرأ نافع(٥) وابن عامر وحفص: «وأنّ» بالفتح. على تقدير: ولأنّ الله مع المؤمنين كان ذلك.

وقيل(٦) : الآية خطاب للمؤمنين. والمعنى: إن تستنصروا، فقد جاءكم النصر.

وإن تنتهوا عن التّكاسل في القتال والرغبة عمّا يستأثره الرّسول،( فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) . «وإن تعودوا إليه، نعد» عليكم بالإنكار أو تهييج العدوّ. «ولن تغني» حينئذ كثرتكم، إذا لم

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٩.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) مجمع البيان ٢ / ٥٣١.

(٤) تفسير الصافي ٢ / ٢٨٨.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٩.

(٦) نفس المصدر، والموضع.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569