تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٧

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب7%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
المحقق: حسين درگاهى
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 532

  • البداية
  • السابق
  • 532 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 17229 / تحميل: 4965
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٧

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

ملاحظة

هذا الكتاب

نشر الكترونياً وأخرج فنِيّاً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً

قسم اللجنة العلميّة في الشبكة

٢

٣
٤

٥
٦

الفهرس

الفهرس ٧

تَـفْـــســــــِيـر سُورَةِ إبراهيم ١١

سورة إبراهيم ١٣

تفسير سورة الحجر ٨٥

سورة الحجر ٨٧

تفسير سُورَةِ النّحل ١٦١

سورة النّحل ١٦٣

تفسير سورة الإسراء ٢٨٣

سورة بني إسرائيل ٢٨٥

٧
٨

كلمة المحقّق

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمدلله ربّ العالمين والصّلواة والسّلام على نبيّنا وآله الطيّبين الطاهرين ولاسيّما بقيّة الله في الأرضين واللّعنة الدائمة على أعدائه وأعدائهم أجمعين.

النسخ الّتي استفندنا عنها في تحقيق الربع الثاني من تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب (من أوّل سورة الأنعام إلى آخر سورة الكهف):

١ ـ نسخة مكتوبة في حياة المؤلّف سنة ١١٠٥ هـ. ق في مكتبة آية الله العظمى النجفي المرعشي العامّة، قم، رقم ١٢٨٣ مذكورة في فهرسها ١/٣٥٠، (رمز ب).

٣ ـ نسخة في مكتبة، مدرسة الشهيد المطهّري، رقم ٢٠٥٤، مذكورة في فهرسها ١/١٦٢، مكتوبة في سنة ١٢٤٠ هـ. ق. (رمز س).

٤ ـ نسخة في مكتبة مجلس الشورى الاسلامي (١)، رقم ١٢٠٧٣، مكتوبة في حياة المؤلّف وعلى ظهرها تفريض العلّامة المجلسي ـ رحمة الله تعالى عليه ـ. (رمز ر).

والحمدلله أوّلاً وآخراً

٩
١٠

تَـفْـــســــــِيـر

سُورَةِ إبراهيم

١١
١٢

سورة إبراهيم

مكّيّة، إلّا آيتين نزلتا في قتلى بدر من المشركين:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً ـ إلى قوله ـفَبِئْسَ الْقَرارُ ) .

قاله ابن عبّاس وقتادة والحسن(١) .

وهي إحدى وخمسون آية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

في كتاب ثواب الأعمال(٢) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: من قرأ سورة إبراهيم والحـُجر في ركعتين جميعا، في كلّ جمعة، لم يصبه فقرٌ أبدا ولا جنون ولا بلوى.

وفي مجمع البيان(٣) : أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: من قرأ سورة إبراهيم، أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من يعبد(٤) الأصنام وبعدد من لم يعبدها.

( الر كِتابٌ ) ، أي: هو كتاب.

( أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ ) : بدعائك إيّاهم إلى ما تضمّنه(٥) .

( مِنَ الظُّلُماتِ ) : من أنواع الضّلال.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٤.

(٢) ثواب الأعمال / ١٣٣، ح ١.

(٣) المجمع ٣ / ٣٠١.

(٤) المصدر: عبد.

(٥) أي: إلى ما تضمّنه الكتاب.

١٣

( إِلَى النُّورِ ) : إلى الهدى والإيمان.

( بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ) : بتوفيقه وتسهيله. مستعار من الإذن، الّذي هو تسهيل الحُجّاب(١) .

وهو صلة «لتخرج». أو حال من فاعله، أو مفعوله(٢) .

( إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) (١): بدل من قوله: «إلى النّور» بتكرير العامل. أو استئناف(٣) ، على أنّه جواب لمن يسأل عنه.

وإضافة الصّراط إلى الله، إمّا لأنّه مقصده، أو المظهر له.

وتخصيص الوصفين(٤) ، للتّنبيه على أنّه لا يذلّ سالكه ولا يخيب سائله.

( اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) على قراءة نافع وابن عامر مبتدأ وخبر، أو «الله» خبر مبتدأ محذوف(٥) و «الّذي» صفته.

وعلى قراءة الباقين عطف بيان «للعزيز»، لأنّه كالعلَم لاختصاصه بالمعبود بالحقّ(٦) .

( وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ ) (٢): وعيد لمن كفر بالكتاب، ولم يخرج به من الظّلمات إلى النّور.

و «الويل» الهلاك، نقيض «الوأل» وهو النّجاة. وأصله النّصب، لأنّه مصدر إلّا أنّه لم يشتقّ منه لكنّه رفع لإفادة الثّبات.

__________________

(١) أي: تسهيل ما تعذّر. وفيه: أنّ اللّازم ممّا ذكر استعمال المقيد الّذي هو الإذن بمعنى تسهيل الحجاب في المطلق، فيكون مجازا مرسلا لا استعارة.

(٢) فعلى الأوّل يكون التقدير: ليخرج النّاس ملتبسا بإذن ربّهم وعلى الثاني: ملتبسين به.

(٣) كأنّ سائلا قال: إلى أيّ نور الإخراج؟ فقيل: إلى صراط العزيز الحميد.

(٤) إمّا عدم إذلال السّالك فلأنّ العزّة والغلبة تناسب إعزاز من قصد السّلوك في سبيله، وإمّا عدم التّخييب فلأنّ الحميد بمعنى: المحمود، والمحمود من أوصل النّعمة إلى الغير حتّى يستحقّ أن يحمد، إذ الحميد من كان كاملا في حدّ ذاته مستحقا للحمد وهو يناسب عدم تخييب السّائل.

(٥) فيكون التّقدير: هو الله الذي. ومرجع الضّمير( الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) .

(٦) هذا يدلّ على أنّ عطف البيان يجب أن يكون علما أو في حكمه في الإختصاص.

١٤

( الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ ) : يختارونها عليها، فإنّ المختار للشّيء يطلب من نفسه أن يكون أحبّ إليها من غيره(١) .

( وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) : بتعويق النّاس عن الإيمان.

وقرئ(٢) : «ويصدّون»، من أصدّه، وهو منقول صدّ صدودا، إذا تنكّب(٣) .

وليس فصيحا(٤) ، لأنّ في صدّه مندوحة عن تكلّف التّعدية [بالهمزة](٥) .

( وَيَبْغُونَها عِوَجاً ) : ويبغون لها زيغا ونكوبا عن الحقّ، ليقدحوا فيه. فحذف الجارّ، وأوصل الفعل إلى الضّمير.

والموصول بصلته يحتمل الجرّ صفة «للكافرين»، والنّصب على الذّم، والرّفع عليه(٦) . أو على أنّه مبتدأ خبره( أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ) (٣)، أي: ضلّوا عن الحقّ ووقعوا عنه بمراحل.

و «البعد» في الحقيقة للضّالّ، فوصف به فعله للمبالغة. أو للأمر الّذي به الضّلال، فوصف به لملابسته.

( وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ ) : الّذي هو منهم وبعث فيهم.

( لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ) : ما أمروا به، فيفقهوه عنه بيسر وسرعة.

وقرئ(٧) : «بلسن» وهو لغة فيه، كريش ورياش. و «لسن» بضمّتين، وضمة وسكون، على الجمع، كعمد وعمد.

وفي كتاب الخصال(٨) : عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في حديث: ومنّ عليّ ربّي، وقال: يا محمّد، قد أرسلت كلّ رسول إلى أمّته(٩) بلسانها، وأرسلتك إلى كلّ أحمر

__________________

(١) فيكون «يستحبّون» مجازا مرسلا من باب إطلاق اسم اللازم على ملزومه.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٤.

(٣) تنكّب، أي: مال عن الحقّ.

(٤) لأنّ الفعل المتعدّي إذا وجد لا حاجة إلى تعدية اللّازم، لأنّه تكلّف. وتبع في هذا صاحب الكشّاف، وفيه: أنّ القراءات تؤخذ من الرّواية لا من الدّراية، فلا وجه للقول بأنّ في صدّه مندوحة عن تكلّف التّعدية.

(٥) من المصدر.

(٦) فعلى الأوّل: أذمّ الذين يستحبّون الحياة الدنيا. وعلى الثاني: بئس الّذين يستحبّون.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٤.

(٨) الخصال ١ / ٤٢٥، ح ١.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ: امّة.

١٥

وأسود من خلقي.

وقيل(١) : الضّمير في «قومه» لمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ و [أنّ الله تعالى](٢) أنزل(٣) الكتب كلّها بالعربيّة ثمّ [تر](٤) جمعها جبرئيل ـ عليه السّلام ـ. أو كل نبيّ بلغة المنزل عليهم.

ويؤيّده ما رواه في كتاب علل الشّرائع(٥) ، بإسناده إلى مسلم بن خالد المكّيّ: عن جعفر بن محمّد، عن أبيه ـ عليهما السّلام ـ قال: ما أنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ كتابا ولا وحيا إلّا بالعربيّة، [فكان يقع في مسامع الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ بألسنة قومهم، وكان يقع في مسامع نبيّنا ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالعربيّة، فإذا كلّم به قومه(٦) كلّمهم](٧) بالعربيّة فيقع في مسامعهم بلسانهم. وكان أحدٌ(٨) لا يخاطب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بأيّ لسان خاطبه إلّا وقع في مسامعه بالعربيّة، وكلّ ذلك يترجم جبرئيل ـ عليه السّلام ـ عنه تشريفا من الله ـ عزّ وجلّ ـ له ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

( فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ ) : فيخذله عن الإيمان.

( وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) : بالتّوفيق له.

( وَهُوَ الْعَزِيزُ ) : فلا يغلب على مشيئته.

( الْحَكِيمُ ) (٤): الّذي لا يفعل ما يفعل إلّا بحكمة.

( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا ) ، يعني: اليد والعصا وسائر معجزاته.

( أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ) ، بمعنى: أي: أخرج، لأنّ في الإرسال معنى القول. أو بأن أخرج، فإنّ صيغ الأفعال سواء في الدّلالة على المصدر، فيصحّ أن يوصل بها «أن» النّاصبة.

( وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ ) .

قيل(٩) : بوقائعه الّتي وقعت على الأمم الدّارجة. وأيّام العرب: حروبها.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٥.

(٢) من المصدر.

(٣) أ، ب: وإنزال.

(٤) من المصدر.

(٥) العلل ١ / ١٢٦، ح ٨.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: قومهم.

(٧) ليس في ب.

(٨) المصدر: أحدنا.

(٩) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٥.

١٦

وقيل(١) : بنعمائه وبلائه.

وفي تفسير العيّاشي(٢) : عن إبراهيم عن عمر(٣) ، عمّن ذكره عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله:( وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ ) قال: بآلاء الله، يعني: بنعمه.

وفي كتاب الخصال(٤) : عن مثنّى الخيّاط(٥) قال: سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول: أيام الله يوم يقوم القائم، ويوم الكرّة، ويوم القيامة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٦) : أيام الله ثلاثة: أيام(٧) يوم يقوم(٨) القائم، ويوم الموت، ويوم القيامة.

( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) (٥): يصبر على بلائه ويشكر لنعمائه، فإنّه إذا سمع بما نزل على من قبله من البلاء وأفيض عليهم من النّعماء، اعتبر وتنبّه لما يجب عليه من الصّبر والشّكر.

( وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ) ، أي: اذكروا نعمته وقت إنجائه إيّاكم.

ويجوز أن ينتصب «بعليكم» إن جعلت مستقرّة، غير صلة «للنّعمة»(٩) وذلك إذا أريدت بها العطيّة دون الإنعام. ويجوز أن يكون بدلا من «نعمة الله» بدل الاشتمال.

( يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ ) : أحوال من «آل فرعون»، أو من ضمير المخاطبين.

والمراد بالعذاب ـ هاهنا ـ غير المراد في سورة البقرة والأعراف، لأنّه مفسّر بالتّذبيح

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٢٢، ح ٢.

(٣) كذا في المصدر، وجامع الرواة ١ / ٢٩. وفي النسخ: عمرو.

(٤) الخصال ١ / ١٠٨، ح ٧٥.

(٥) كذا في المصدر، ورجال النجاشي / ١١٠٦. وفي النسخ: الخيّاط.

(٦) تفسير القمّي ١ / ٣٦٧.

(٧) ليس في المصدر.

(٨) يوجد في ب.

(٩) أي: يجوز نصب «إذ أنجاكم» بـــ «عليكم» إذا جعلت «عليكم» ظرفا مستقرّا، لأنّه حينئذ مقدّر بالفعل فيصلح أن يكون عاملا، أمّا إذا كان صلة «للنّعمة» فلا يصلح أن يكون عاملا إذ ليس مقدّرا بالفعل وحينئذ تكون «النّعمة» بمعنى: العطيّة، لا بمعنى الإنعام، إذ لو كان بمعنى الإنعام لكان «عليكم» صلة له.

١٧

والقتل ثمّة(١) ، ومعطوف عليه التّذبيح ـ هاهنا ـ. وهو إمّا جنس العذاب(٢) ، أو استعبادهم واستعمالهم بالأعمال الشّاقّة.

( وَفِي ذلِكُمْ ) : من حيث أنّه بإقدار الله إيّاهم وإمهالهم فيه.

( بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ) (٦): ابتلاء منه.

ويجوز أن تكون الإشارة إلى الإنجاء، والمراد بالبلاء: النّعمة.

( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ ) : أيضا من كلام موسى ـ عليه السّلام ـ.

و «تأذّن» بمعنى: آذن، كتوعّد وأوعد، غير أنّه أبلغ لما في التّفعّل من معنى التّكلّف والمبالغة، أي: أعلم ربّكم.

( لَئِنْ شَكَرْتُمْ ) : يا بني إسرائيل، ما أنعمت عليكم من الإنجاء وغيره بالإيمان والعمل الصّالح.

( لَأَزِيدَنَّكُمْ ) : نعمة إلى نعمة.

( وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ ) (٧): فلعلّي أعذبكم على الكفران عذابا شديدا. ومن عادة أكرم الأكرمين أن يصرّح بالوعد، ويعرّض بالوعيد(٣) .

والجملة مفعول قول مقدّر(٤) . أو مفعول «تأذن» على أنّه يجري مجرى «قال»، لأنّه ضرب منه.

في كتاب الخصال(٥) : عن معاوية بن وهب(٦) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: يا معاوية، من أعطي ثلاثة لم يحرم ثلاثة: من أعطي الدّعاء أعطي الإجابة ومن أعطي الشكر أعطي الزيادة، ومن أعطي التّوكل أعطي الكفاية. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول في كتابه:( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) . ويقول:( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) ويقول:( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) .

__________________

(١) ثمّة: هناك.

(٢) وعلى هذا فعطف «يذبّحون» عليه عطف الخاصّ على العام.

(٣) فإنّه ـ تعالى ـ صرح بالوعد فقال:( لَأَزِيدَنَّكُمْ ) ، وعرض بالوعيد فقال:( إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ ) من جهة أنّه لم يقل: وإن كفرتم عذّبتكم.

(٤) فيكون التقدير: وإذ تأذّن ربّكم قائلا:( لَئِنْ شَكَرْتُمْ ) الخ.

(٥) الخصال ١ / ١٠١، ح ٥٦.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: مسعود بن عمّار.

١٨

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ: أيّما عبد أنعم الله عليه بنعمة، فعرفها بقلبه وحمد الله عليها بلسانه، لم ينفد(٢) كلامه حتّى يأمر الله له بالزّيادة، وهو قوله:( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) .

وفي روضة الكافي(٣) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، [وعليّ بن محمد، عن القاسم بن محمّد](٤) ، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: إنّ من عرف نعمة الله بقلبه، استوجب المزيد من الله ـ عزّ وجلّ ـ قبل أن يظهر شكرها على لسانه.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

سهل(٥) عن عبيد الله، عن أحمد بن عمر قال: دخلت على أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ أنا وحسين بن(٦) ثوير بن أبي فاختة فقلت له: جعلت فداك، إنّا كنّا في سعة من الرّزق وغضارة من العيش، فتغيّرت الحال بعض التّغييّر، فادع لنا(٧) الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يردّ ذلك إلينا.

فقال: أي شيء تريدون، تكونون ملوكا، أيسرّك أن تكون مثل(٨) طاهر(٩) وهرثمة وأنّك على خلاف ما أنت عليه؟

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٦٨.

(٢) المصدر: لم تنفد.

(٣) الكافي: ٨ / ١٢٨، ح ٩٨.

(٤) من المصدر.

(٥) الكافي ٨ / ٣٤٦، ح ٥٤٦.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: بن.

(٧) ليس في المصدر.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ: مثله.

(٩) الطاهر هو أبو الطيّب، أو أبو طلحة، طاهر بن الحسين المعروف بـــ «ذو اليمينين» والي خراسان، كان من أكبر قوّاد المأمون والمجاهدين في تثبيت دولته، وهو الّذي سيّره المأمون من خراسان إلى محاربة أخيه الأمين، محمد بن زبيدة.

وكان طاهر من أصحاب الرضا ـ عليه السّلام ـ وكان متشيّعا، وينسب التشيع إلى آل طاهر ـ أيضا ـ وكان طاهر هو الّذي أسّس دولة آل طاهر في خراسان وما والاها سنة ٢٠٥ ـ ٢٥٩، وله عهد إلى ابنه وهو من أحسن الرسائل.

وأمّا هرثمة، فهو هرثمة بن أعين الذي يروي عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ كثيرا وهو ـ أيضا ـ من قوّاد المأمون وفي خدمته، وكان مشهورا بالتشيّع ومحبّا لأهل البيت ـ عليهم السلام ـ وهو من أصحاب الرّضا ـ عليه السّلام ـ بل من خواصّه وأصحاب سرّه، كما يظهر من كتاب العيون.

١٩

قلت: لا، والله، ما يسرّني أنّ لي الدّنيا بما فيها ذهبا وفضّة وأنّي على خلاف ما أنا عليه.

قال: فقال: فمن أيسر منكم فليشكر الله، إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) .

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير العيّاشي(١) : عن أبي عمرو(٢) المدائنيّ قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: أيّما عبد أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه ـ وفي رواية أخرى ـ فأقرّ بها بقلبه وحمد الله عليها بلسانه، لم ينفد كلامه حتّى يأمر الله له بالزّيادة.

وفي رواية أبي إسحاق المدائنيّ(٣) : حتّى يأذن الله له بالزّيادة، وهو قوله:( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) .

وعن أبي ولّاد(٤) ، قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ: أرأيت هذه النّعمة الظّاهرة علينا(٥) من الله، أليس إن شكرناه عليها وحمدناه(٦) زادنا، كما قال الله في كتابه:( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) ؟

فقال: نعم، من حمد الله على نعمته وشكره وعلم أنّ ذلك منه لا من غيره [زاد الله نعمه](٧) .

وفي أمالي شيخ الطّائفة(٨) ـ قدّس سرّه ـ بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: تلقّوا النّعم، يا سدير، بحسن مجاورتها، واشكروا من أنعم عليكم وأنعموا على من شكركم، فإنّكم إذا كنتم كذلك استوجبتم من الله الزّيادة ومن إخوانكم المناصحة. ثمّ تلا:( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) .

وفي أصول الكافي(٩) : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن إسحاق بن عمّار، عن رجلين [من أصحابنا](١٠) سمعاه، عن أبي عبد الله ـ عليه

__________________

(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٢٢، ح ٣.

(٢) كذا في جامع الرواة ٢ / ٤٠٧ وفي المصدر: أبي عمر.

(٣) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٢٢، ح ٤.

(٤) نفس المصدر والموضع، ح ٥.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ: إلينا.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: عليه وحمدته.

(٧) من المصدر مع المعقوفتين.

(٨) أمالي الطوسي ١ / ٣٠٩.

(٩) الكافي ٢ / ٩٥، ح ٩.

(١٠) من المصدر.

٢٠

السّلام ـ قال: ما أنعم الله على عبد من نعمة، فعرفها بقلبه وحمد الله ظاهرا بلسانه فتمّ كلامه، حتّى يؤمر له بالمزيد.

عدّة من أصحابنا(١) ، عن أحمد بن [محمد بن](٢) خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف عن عميرة، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ: هل للشّكر حدّ إذا فعله العبد كان شاكرا؟

قال: نعم.

قلت: وما هو؟

قال: يحمد الله على كلّ نعمة عليه في أهل ومال، وإن كان فيما أنعم [عليه](٣) في ماله حقّ أدّاه.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

محمّد بن يحيى(٤) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن معمّر بن خلّاد قال: سمعت أبا الحسن ـ عليه السّلام ـ يقول: من حمد الله على النّعمة فقد شكره، وكان الحمد أفضل من تلك النّعمة.

محمّد [بن يحيى(٥) ](٦) ، عن أحمد، عن عليّ بن الحكم، عن صفوان الجمّال، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قال لي: ما أنعم الله على عبد بنعمة صغرت أو كبرت، فقال: الحمد لله، إلّا أدّى شكرها.

أبو عليّ الاشعريّ(٧) ، عن عيسى بن أيّوب، عن عليّ بن مهزيار، عن القاسم بن محمّد، عن إسماعيل بن أبي الحسن(٨) ، عن رجل، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: [من أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه، فقد أدّى شكرها]

(٩)

[عدة من أصحابنا(١٠) ، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا، عن محمد بن هشام، عن ميسر، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال](١١) شكر النعمة اجتناب المحارم، وتمام الشّكر قول الرّجل: الحمد لله ربّ العالمين.

__________________

(١) الكافي ٢ / ٩٥ ـ ٩٦، ح ١٢.

(٢ و ٣) من المصدر.

(٤) الكافي ٢ / ٩٦، ح ١٣.

(٥) نفس المصدر والموضع، ح ١٤.

(٦) من المصدر.

(٧) الكافي ٢ / ٩٦، ح ١٥.

(٨) ب: إسماعيل بن محمد.

(٩) من المصدر.

(١٠) الكافي ٢ / ٩٥، ح ١٠.

(١١) من المصدر.

٢١

وفي كتاب الخصال(١) : عن سعيد(٢) بن علاقة قال: سمعت أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ يقول: شكر المنعم(٣) يزيد في الرّزق.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي أمالي شيخ الطّائفة ـ قدّس سرّه ـ(٤) بإسناده إلى مالك بن أعين الجهنيّ قال: أوصى عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ بعض ولده فقال: يا بنيّ اشكر من أنعم عليك وأنعم على من شكرك، فإنّه لا زوال للنّعمة إذا شكرت ولا بقاء لها إذا كفرت، والشاكر بشكره أسعد منه بالنّعمة الّتي وجب عليه الشّكر لها. وتلا، يعني: عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ [قول الله ـ تعالى ـ](٥) ( إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) .

وفي كتاب علل الشّرائع(٦) ، بإسناده إلى عليّ بن الحسين(٧) بن عليّ بن فضّال، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال: السّجدة بعد الفريضة شكر الله ـ تعالى ـ ذكره على ما وفّق العبد من أداء فرائضه(٨) ، وأدنى ما يجزي فيها من القول أن يقال: شكرا لله شكرا لله، ثلاث مرّات.

قلت: فما معنى قوله: شكرا لله؟

قال: يقول: هذه السّجدة منّي شكرا لله على ما وفّقني له من خدمته وأداء فرضه. والشّكر موجب للزّيادة، فإن كان في الصّلاة تقصير تمّ بهذه السّجدة.

وفي مجمع البيان(٩) : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ: إذا أقبلت عليكم أطراف النّعم، فلا تنفروا وأقصاها(١٠) بقلّة الشّكر.

وفي أصول الكافي(١١) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن يزيد، عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال في تفسير وجوه الكفر: الوجه الثّالث من الكفر كفر النّعم، قال:( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ ) .

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

__________________

(١) الخصال ٢ / ٥٠٥، ح ٢.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: سعد.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: النعم.

(٤) أمالي الطوسي ٢ / ١١٥.

(٥) ليس في أ، ب.

(٦) العلل / ٣٦٠، ح ١.

(٧) كذا في المصدر، ورجال النجاشي / ٧٢. وفي النسخ: الحسن

(٨) المصدر: فرضه.

(٩) نور الثقلين ٢ / ٥٢٩، ح ٢٨.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ: اقتضاها. (١١) الكافي ٢ / ٣٩٠، ح ١.

٢٢

( وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) : من الثّقلين.

( فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌ ) : عن شكركم.

( حَمِيدٌ ) (٨): مستحقّ للحمد في ذاته، محمود تحمده الملائكة وينطق بنعمته ذرّات المخلوقات، فما ضررتم بالكفران إلّا أنفسكم حين حرمتموها مزيد الإنعام وعرّضتموها للعذاب الشّديد.

( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ ) : من كلام موسى ـ عليه السّلام ـ. أو كلام مبتدأ من الله ـ تعالى ـ( وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ ) : جملة وقعت اعتراضا(١) .( وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ) عطف على ما قبله، و( لا يَعْلَمُهُمْ ) اعتراض.

والمعنى: أنّهم لكثرتهم لا يعلم عددهم إلّا الله. ولذلك قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: كذب النّسّابون(٢) .

( جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ ) .

قيل(٣) : فعضّوها غيظا ممّا جاءت به الرّسل، كقوله:( عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ) . أو وضعوها عليها [تعجّبا منه، أو](٤) استهزاء عليه، كمن غلبه الضّحك(٥) . أو إسكاتا للأنبياء، وأمرا لهم بإطباق الأفواه. أو أشاروا بها إلى ألسنتهم وما نطقت به، من قولهم:( إِنَّا كَفَرْنا ) تنبيها على أنّ لا جواب لهم سواه. أو ردّوها في أفواه الأنبياء يمنعونهم من التّكلّم، وعلى هذا يحتمل أن يكون تمثيلا(٦) .

وقيل(٧) : الأيدي بمعنى: الأيادي، أي: ردّوا أيادي الأنبياء الّتي هي مواعظهم وما أوحي إليهم من الحكم والشّرائع في أفواههم، لأنّهم إذ كذّبوها ولم يقبلوها فكأنّهم

__________________

(١) لأنّ مجموع هذا الكلام لا يصحّ أن يجعل معطوفا على ما قبله.

(٢) المراد من النّسّابين: الّذين يدّعون العلم بالآباء الموجودين في تلك الأزمنة المتقدّمة، وإنّما كذّبهم لأنّ الله ـ تعالى ـ نفى علم الآباء المذكورة عنهم، أي: عن النّسّابين.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٦.

(٤) ليس في ب.

(٥) ب: زيادة «أو تعجبا منه».

(٦) أي: يحتمل أن يكون استعارة بأن يكون المراد من ردّ الأيدي في الأفواه منعهم عن التكلّم من غير اعتبار المعنى الحقيقي لليد.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٦.

٢٣

ردّوها إلى حيث جاءت منه.

( وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ ) : على زعمكم.

( وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ ) : من الإيمان.

وقرئ(١) : «تدعونا» بالإدغام.

( مُرِيبٍ ) (٩): موقع في الرّيبة. أو ذي ريبة، وهي قلق النّفس وأن لا تطمئنّ إلى شيء.

( قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌ ) أُدخلت همزة الإنكار على الظّرف، لأنّ الكلام في المشكوك فيه لا في الشّكّ(٢) ، أي: إنّما ندعوكم إلى الله، وهو لا يحتمل الشّكّ لكثرة الأدّلة وظهور دلالتها عليه. وأشار إلى ذلك بقوله:( فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) : وهو صفة. أو بدل، و «شكّ» مرتفع بالظّرف.

( يَدْعُوكُمْ ) : إلى الإيمان ببعثه إيّاناً(٣) ( لِيَغْفِرَ لَكُمْ ) . أو يدعوكم إلى المغفرة، كقولك: دعوته لينصرني. على إقامة المفعول له مقام [المفعول](٤) به(٥) .

( مِنْ ذُنُوبِكُمْ ) .

قيل(٦) : أي: بعض ذنوبكم، وهو ما بينكم وبينه ـ تعالى ـ. فإنّ الإسلام يجبّه دون المظالم.

وقيل(٧) : جيء «بمن» في خطاب الكفّار دون المؤمنين في جميع القرآن، تفرقة بين الخطابين. ولعلّ المعنى فيه: أنّ المغفرة حيث جاءت في خطاب الكفّار مرتّبة على الإيمان، وحيث جاءت في خطاب المؤمنين مشفوعة بالطّاعة والتّجنّب عن المعاصي ونحو ذلك، فتتناول الخروج عن المظالم(٨) .

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٦.

(٢) لأنّ القاعدة أن يلي الهمزة ما يتعلّق به الغرض وهو الله تعالى.

(٣) كذا في أنوار التنزيل ١ / ٥٢٦. وفي النسخ: «ببعثه إلى الإيمان» بدل «إلى الايمان ببعثه إيّانا».

(٤) من المصدر.

(٥) فتكون «اللّام» بمعنى «إلى» والفعل بمعنى المصدر.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٦.

(٧) نفس المصدر والموضع.

(٨) أي: تتناول خطاب المؤمنين الخروج عن

٢٤

( وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) : إلى وقت سمّاه الله وجعله آخر أعماركم.

( قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا ) : لا فضل لكم علينا، فلم تخصّون بالنّبوّة دوننا، ولو شاء الله أن يبعث إلى البشر رسلا لبعث من جنس أفضل.

( تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا ) : بهذه الدّعوة.

( فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ ) (١٠): يدلّ على فضلكم واستحقاقكم لهذه المزيّة. أو على صحّة ادّعائكم النّبوّة، كأنّهم لم يعتبروا ما جاؤوا به من البيّنات والحجج، واقترحوا عليهم آية أخرى تعنّتا ولجاجا.

( قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ) : سلّموا مشاركتهم في الجنس، وجعلوا الموجب لاختصاصهم بالنّبوّة فضل الله ومنّه عليهم بخصائص فيهم ليست في أبناء جنسهم.

( وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ) ، أي: ليس إلينا الإتيان بالآيات ولا تستبدّ به استطاعتنا حتّى نأتي بما اقترحتموه، وإنّما هو أمر يتعلّق بمشيئة الله فيخصّ كلّ نبيّ بنوع من الآيات.

( وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) (١١): فلنتوكّل عليه في الصّبر على معاندتكم [ومعاداتكم](١) .

عمّموا الأمر للإشعار بما يوجب التّوكّل عليه(٢) ، وهو الإيمان، وقصدوا به أنفسهم قصدا أوّليّا. ألا ترى قوله:( وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ ) ، أي: أيّ عذر لنا في أن لا نتوكّل عليه( وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا ) : الّتي بها نعرفه، ونعلم أنّ الأمور كلّها بيده.

( وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا ) : جواب قسم محذوف، أكّدوا به توكّلهم وعدم مبالاتهم بما يجري من الكفّار عليهم.

( وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ) (١٢): فليثبت المتوكّلون على ما استحدثوه

__________________

المظالم فلم يبق عليهم سوى ما يتعلّق بحقّ الله ـ تعالى ـ فإذا تابوا يغفر الله جميع ذنوبهم، وأمّا الإيمان فلا يحصل منه الخروج من المظالم، فيغفر ما سواها، ولذا دخل «من» على مغفرة ذنوبهم ليدلّ على التبعيض.

(١) من أنوار التنزيل ١ / ٥٢٧.

(٢) أي: عممّوا الحكم بأنّ على جميع المؤمنين التوكّل على الله لكنّ المقصود بالذّات الرسل، فكأنّما قالوا: إنّ عليهم التوكّل.

٢٥

من توكّلهم المسبّب عن إيمانهم.

وفي مجمع البيان(١) : وروى الواقديّ، بإسناده، [عن أبي مريم](٢) عن أبي الدّرداء، قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: إذا آذاك البراغيث، فخذ قدحا من ماء، فاقرأ عليه سبع مرّات:( وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ ) (الآية) [وقل :](٣) فإن كنتم آمنتم بالله فكفّوا شرّكم وأذاكم عنّا. ثمّ ترشّ الماء حول فراشك، فإنّك تبيت تلك اللّيلة آمنا من شرّها.

وفي من لا يحضره الفقيه(٤) : وسئل ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ:( وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ) .

قال: الزّارعون.

وفي تفسير العيّاشي(٥) : عن الحسن بن ظريف، عن محمّد بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ مثله.

( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا ) : حلفوا على أن يكون أحد الأمرين، إمّا إخراجهم للرّسل، أو عودهم إلى ملّتهم. وهو بمعنى الصّيرورة، لأنّهم لم يكونوا على ملّتهم قطّ.

ويجوز أن يكون الخطاب لكلّ رسول ولمن آمن معه، فغلّبوا الجماعة على الواحد.

( فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ ) ، أي: إلى الرّسل.

( لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ) (١٣): على إضمار القول. أو إجراء الإيحاء مجراه، لأنّه نوع منه.

( وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ ) ، أي: أرضهم وديارهم( مِنْ بَعْدِهِمْ ) .

وقرئ(٦) : «ليهلكنّ»، و «ليسكننّكم» بالياء اعتبارا لأوحى، كقولك: أقسم زيد ليخرجنّ.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٧) : حدّثني أبي، رفعه، إلى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال: من آذى جاره طمعا في مسكنه ورثه الله داره، وهو قوله :

__________________

(١) المجمع ٣ / ٣٠٧.

(٢ و ٣) من المصدر.

(٤) الفقيه ٣ / ١٦٠، ح ٧٠٣.

(٥) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٢٢، ح ٦.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٧.

(٧) تفسير القمّي ١ / ٣٦٨.

٢٦

( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ـ إلى قوله ـفَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ، وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ) .

وفي مجمع البيان(١) : جاء في الحديث: من آذى جاره ورثه الله داره.

( ذلِكَ ) : إشارة إلى الموحى به، وهو إهلاك الظّالمين وإسكان المؤمنين.

( لِمَنْ خافَ مَقامِي ) : موقفي، وهو الموقف الّذي يقيم فيه العباد للحكومة يوم القيامة. أو قيامي عليه وحفظي لأعماله.

وقيل(٢) : المقام مقحم.

( وَخافَ وَعِيدِ ) (١٤): أي: وعيدي بالعذاب. أو عذابي الموعود للكفّار.

وفي كتاب جعفر بن محمّد الدّوريسي(٣) : عن ابن مسعود قال: لـمّـا نزلت هذه الآية( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ ) تلاها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ على أصحابه فخرّ فتى مغشيّا عليه، فوضع النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ يده على فؤاده فوجده يكاد يخرج من مكانه.

فقال: يا فتى، قل: لا إله إلّا الله. فتحرّك الفتى، فقالها، فبشّره النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالجنّة.

فقال القوم: يا رسول الله، من بيننا؟

فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ: أما سمعتم الله يقول:( ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ ) .

( وَاسْتَفْتَحُوا ) : سألوا من الله الفتح على أعدائهم. أو القضاء بينهم وبين أعدائهم، من الفتاحة بمعنى: الحكومة، كقوله:( رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ ) .

وهو معطوف على «فأوحى» والضّمير للأنبياء.

وقيل(٤) : للفريقين.

وقيل(٥) : للكفرة، فإنّ كلّهم سألوه أن ينصر المحقّ ويهلك المبطل.

وقرئ(٦) ، بلفظ الأمر، عطفا على «لنهلكنّ».

( وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) (١٥)، أي: ففتح لهم فأفلح المؤمنون، وخاب كلّ

__________________

(١) المجمع ٣ / ٣٠٨.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٧.

(٣) نور الثقلين ٢ / ٥٣٠، ح ٣٥.

(٤ و ٥ و ٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٧.

٢٧

عات متكبّر على الله معاند للحقّ فلم يفلح. ومعنى الخيبة إذا كان الاستفتاح من الكفرة أو من القبيلين كان أوقع(١) .

وفي روضة الكافي(٢) : عدّة من أصحابنا، سهل بن زياد، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير قال: بينا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ذات يوم جالسا إذ أقبل أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ.

فقال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: إنّ فيك شبها من عيسى بن مريم، ولولا أن يقول فيك طوائف من أمّتي، ما قالت النّصارى في عيسى بن مريم، لقلت فيك قولا لا تمرّ بملإ من النّاس إلّا أخذوا التّراب من تحت قدميك، يلتمسون بذلك البركة.

قال: فغضب الأعرابيّان والمغيرة بن شعبة وعدّة من قريش معهم، فقالوا: ما رضي أن يضرب لابن عمّه مثلا إلّا عيسى بن مريم.

فأنزل الله على نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ:( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ، وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ، إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ، وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ ) ، يعني: من بني هاشم( مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ ) .

قال: فغضب الحارث بن عمرو الفهريّ، فقال:( أللَّهُمَّ، إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ) أنّ بني هاشم يتوارثون هرقلا بعد هرقل(٣) ( فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) .

فأنزل الله عليه مقالة الحارث، ونزلت هذه الآية( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) . ثمّ قال له: يا [ابن](٤) عمرو، إمّا تبت وإمّا رحلت.

فقال: يا محمّد، تجعل لسائر قريش ممّا في يدك(٥) فقد ذهبت بنو هاشم بمكرمة العرب والعجم.

__________________

(١) لأنّ تحصيل نقيض ما ادّعوه أشدّ في الخيبة والخسران.

(٢) الكافي ٨ / ٥٧ ـ ٥٨، ح ١٨.

(٣) هرقل: اسم ملك الروم أراد أنّ بني هاشم يتوارثون ملكا بعد ملك.

(٤) من المصدر.

(٥) المصدر: يديك.

٢٨

فقال له النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ: ليس ذلك إليّ، ذلك إلى الله تبارك وتعالى.

فقال: يا محمّد، قلبي ما يتابعني على التّوبة، ولكن أرحل عنك. فدعا براحلته فركبها، فلمّا صار بظهر المدينة أتته جندلة فرضّت هامته(١) .

ثمّ أتى الوحي إلى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال: سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين بولاية علي ليس له دافع، من الله ذي المعارج.

قال: قلت: جعلت فداك، إنّا لا نقرأها هكذا.

فقال: هكذا، والله، نزل بها جبرئيل على محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ وهكذا هو، والله، مثبت في مصحف فاطمة ـ عليها السّلام ـ.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لمن حوله من المنافقين: انطلقوا إلى صاحبكم فقد أتاه ما استفتح به، قال الله ـ عزّ وجلّ ـ:( وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) .

وفي كتاب التّوحيد(٢) ، بإسناده إلى الحسن بن الصّباح قال: حدّثني أنس، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال:( كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) من أبى أن يقول: لا إله إلّا الله.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٣) . في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: العنيد المعرض عن الحقّ.

( مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ ) : أي: بين يدي هذا الجبّار نار جهنّم، فانّه مرصد بها واقف على شفيرها(٤) في الدّنيا، مبعوث إليها في الآخرة.

وقيل(٥) : من وراء حياته، وحقيقته ما توارى عنك.

( وَيُسْقى مِنْ ماءٍ ) : عطف على محذوف، تقديره: من ورائه جهنّم يلقي فيها [ما يلقى](٦) ويسقى من ماء.

( صَدِيدٍ ) (١٦): عطف بيان «لماء».

__________________

(١) الجندلة ـ واحدة الجندل ـ: الصّخر العظيم. ورضّ الشيء: دقّه وجرشه والهامة: الرّأس.

(٢) التوحيد / ٢٠ ـ ٢١، ح ٩.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٣٦٨.

(٤) أي: واقف على شفير جهنّم في الدّنيا باعتبار القرب واستعداده لحصوله فيها.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٧.

(٦) من المصدر.

٢٩

قيل(١) : هو ما يسيل من جلود أهل النّار.

في مجمع البيان(٢) :( وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ ) ، أي: ويسقى ممّا يسيل من الدّم والقيح من فروج الزّواني في النّار. عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ.

وروى أبو أمامة(٣) ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال: يقرّب إليه فيكرهه.

فإذا ادني منه شوى وجهه(٤) ووقعت(٥) فروة رأسه، فإذا شرب قطّع أمعاءه حتّى يخرج من دبره، يقول الله ـ عزّ وجلّ ـ:( وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ ) ويقول:( وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ) .

وقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: من شرب الخمر لم تقبل صلاته أربعين يوما، فإن مات وفي بطنه شيء من ذلك كان حقّا على الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يسقيه من طينة خبال، وهو صديد أهل النّار وما يخرج من فروج الزّناة، فيجتمع ذلك في قدور جهنّم، فيشربه أهل النّار فيصهر به ما في بطونهم والجلود. رواه شعيب(٦) بن واقد، عن الحسين بن يزيد، عن الصّادق، عن آبائه ـ عليهم السّلام ـ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٧) : قال يقرّب إليه فيكرهه، وإذا ادني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه، فإذا شرب تقطّعت أمعاؤه وفرقت(٨) تحت قدميه، وأنّه يخرج من أحدهم مثل الوادي صديدا وقيحا.

ثمّ قال: وإنّهم ليبكون حتّى تسيل من دموعهم [فوق](٩) وجوههم جداول، ثمّ تنقطع الدّموع فتسيل الدّماء، حتّى لو أنّ السّفن لو أجريت فيها لجرت، وهو قوله:( وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ ) .

( يَتَجَرَّعُهُ ) : يتكلّف جرعه(١٠) .

وهو صفة «الماء»، أو حال من الضّمير في «يسقى».

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) المجمع ٣ / ٣٠٨.

(٣) المجمع ٣ / ٣٠٨.

(٤) ليس في أ، ب، ر.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ: وقع.

(٦) كذا في المصدر وتنقيح المقال ٢ / ٨٨. وفي النسخ: شبيب.

(٧) تفسير القمّي ١ / ٣٦٨.

(٨) المصدر: «مزّقت إلى». والأظهر: مرقت، أي: خرجت، أو: ذهبت.

(٩) من المصدر.

(١٠) كذا في أ، ب. وفي سائر النسخ: جرعته.

٣٠

( وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ ) : ولا يقارب أن يسيغه، فكيف يسيغه بل يغصّ به فيطول عذاب.

و «السّوغ» جواز الشّراب على الحلق بسهولة.

( وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ ) ، أي: أسبابه من الشّدائد، فتحيط به من جميع الجهات.

وقيل(١) : من كل مكان [من جسده، حتّى](٢) من أصول شعره وإبهام رجله.

( وَما هُوَ بِمَيِّتٍ ) : فيستريح.

( وَمِنْ وَرائِهِ ) : ومن بين يديه.

( عَذابٌ غَلِيظٌ ) (١٧): أي: يستقبل في كلّ وقت [عذابا أشدّ ممّا هو](٣) عليه.

وقيل(٤) : هو الخلود في النّار.

وقيل(٥) : حبس الأنفاس.

وقيل(٦) : الآية منقطعة عن قصّة الرّسل، نازلة في أهل مكّة، طلبوا الفتح الّذي هو المطّر في سنيهم الّتي أرسل الله ـ تعالى ـ عليهم بدعوة رسله، فخيّب رجاءهم فلم يسقهم، ووعد لهم أن يسقيهم في جهنّم بدل سقياهم صديد أهل النّار.

وفي تفسير العيّاشي(٧) : عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه ـ عليهم السّلام ـ قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ: إنّ أهل النّار لـمّـا غلى الزّقوم والضّريع في بطونهم، كغلي الحميم، سألوا الشّراب، فاتوا بشراب غسّاق( صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ ) وحميم تغلي به جهنّم منذ خلقت( كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً ) .

( مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ) : مبتدأ خبره محذوف، أي: فيما يتلى عليكم صفتهم الّتي هي مثل في الغرابة. أو قوله:( أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ ) . وهو على الأوّل جملة مستأنفة لبيان مثلهم.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٧.

(٢) ليس في أ، ب، ر.

(٣) ليس في أ، ب، ر.

(٤ و ٥ و ٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٨.

(٧) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٢٣، ح ٧.

٣١

وقيل(١) : «أعمالهم» بدل من «المثل» والخبر «كرماد».

( اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ ) : حملته وأسرعت الذّهاب به.

وقرأ(٢) نافع: «الريّاح».

( فِي يَوْمٍ عاصِفٍ ) .

«العصوف» اشتداد الرّيح، وصف به زمانه للمبالغة، كقولهم: نهاره صائم وليله قائم.

شبّه صنائعهم، من الصّدقة، وصلة الرّحم، وإغاثة الملهوف، وعتق الرّقاب، ونحو ذلك من مكارمهم في حبوطها وذهابها لبنائها على غير أساس من معرفة الله ـ تعالى ـ والتّوجّه بها إليه، أو أعمالهم للأصنام، كرماد طيّرته الرّيح العاصفة.

وفي أصول الكافي(٣) : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن علا بن رزين، عن محمّد بن مسلم قال: قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ: اعلم، يا محمّد، أنّ أئمّة الجور وأتباعهم لمعزولون(٤) عن دين الله، قد ضلّوا وأضلّوا، فأعمالهم الّتي يعملونها( كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ ) .

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) : قال: من لم يقرّ بولاية أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ بطل عمله، مثله مثل الرّماد الّذي تجيء الرّيح فتحمله.

( لا يَقْدِرُونَ ) : يوم القيامة.

( مِمَّا كَسَبُوا ) : من أعمالهم.

( عَلى شَيْءٍ ) : لحبوطه، فلا يرون له أثرا من الثّواب. وهو فذلكة(٦) التّمثيل.

( ذلِكَ ) : إشارة إلى ضلالهم مع حسبانهم أنّهم محسنون.

( هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ ) (١٨): فإنّه الغاية في البعد عن طريق الحقّ.

( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ ) : خطاب للنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ والمراد به: أمّته.

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٨.

(٣) الكافي ١ / ٣٧٥، ح ٢.

(٤) كذا في ب، ر، المصدر. وفي سائر النسخ: لمعزلون.

(٥) تفسير القمّي ١ / ٣٦٨.

(٦) الفذلكة: مجمل ما فصّل وخلاصته.

٣٢

وقيل(١) : لكلّ واحد من الكفرة على التّلوين(٢) .

( خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ ) : بالحكمة والوجه الّذي يحقّ أن تخلق عليه، ولم يخلقها عبثا باطلا.

وقرأ(٣) حمزة والكسائي: «خالق السماوات».

( إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ) (١٩): يعدمكم ويخلق خلقا آخر مكانكم.

رتّب ذلك على كونه خالقا للسّماوات والأرض استدلالا به عليه، فإنّ من خلق أصولهم وما يتوقف عليه تخليقهم، ثمّ كوّنهم بتبديل الصّور وتغيير الطّبائع، قدر أن يبدلهم بخلق آخر ولم يمتنع عليه ذلك، كما قال:( وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ ) (٢٠): بمتعذّر أو متعسّر، فإنّه قادر لذاته لا اختصاص له بمقدور دون مقدور، ومن هذا شأنه كان حقيقا بأن يعبد ويؤمن به رجاء لثوابه وخوفا من عقابه يوم الجزاء.

( وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً ) ، أي: يبرزون من قبورهم يوم القيامة لأمر الله ومحاسبته.

أو لله على ظنّهم(٤) ، فإنّهم يخفون ارتكاب الفواحش ويظنّون أنّها تخفى على الله، فإذا كان يوم القيامة انكشفوا لله عند أنفسهم(٥) .

وإنّما ذكر بلفظ الماضي لتحقّق وقوعه.

( فَقالَ الضُّعَفاءُ ) : الأتباع. جمع ضعيف، يريد به: ضعفاء الرّأي.

وإنّما كتبت بالواو، على لفظ من يفخّم الألف قبل الهمزة فيميلها إلى الواو.

( لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ) : لرؤسائهم الّذين استتبعوهم واستغووهم.

وفي كتاب مصباح المتهجّد(٦) لشيخ الطّائفة ـ قدّس سرّه ـ خطبة لأمير المؤمنين ـ عليه

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٨.

(٢) أي: تغيير الكلام من طور إلى طور آخر، وهو هاهنا الالتفات من الغيبة إلى الخطاب.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٨.

(٤) فيه: أنّه لزم أن يكون المعنى: برزوا يوم القيامة لله على ظنهم، يكون البروز لله مظنونا لهم يوم القيامة، لكنّ البروز المذكور معلوم لهم لا مظنون إلّا أن يقال الظّنّ بمعنى: العلم.

والاولى أن يقال: برزوا لله على علمهم، أو برزوا على خلاف ظنّهم في الدنيا.

(٥) أي: يتيقنوا في تلك الحالة أنّهم مكشوفون لله ـ تعالى ـ.

(٦) مصباح المتهجّد / ٧٠١.

٣٣

السّلام ـ خطب بها يوم الغدير، وفيها يقوم ـ عليه السّلام ـ: وتقرّبوا إلى الله بتوحيده وطاعته من أمركم أن تطيعوه، ولا تمسكوا بعصم الكوافر، ولا يخلج بكم البغي فتضلّوا عن سبيل الرّشاد باتّباع أولئك الّذين ضلّوا وأضلّوا، قال الله ـ عزّ من قائل ـ في طائفة ذكرهم بالذّمّ في كتابه:( إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا ) .

... إلى قوله ـ عليه السّلام ـ: وقال ـ تعالى ـ:( وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا ) (١) ( مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ ) (٢) أفتدرون الاستكبار ما هو؟ هو ترك الطّاعة لمن أمروا بطاعته، والتّرفع على من ندبوا إلى متابعته، والقرآن ينطق من هذا عن كثير، إن تدبّره متدبّر زجره ووعظه.

( إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً ) : في تكذيب الرّسل والإعراض عن نصائحهم.

وهو جمع تابع، كغائب وغيب. أو مصدر نعت به للمبالغة، أو على إضمار المضاف.

( فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا ) : دافعون عنّا.

( مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ ) .

«من» الأولى للبيان، واقعة موقع الحال. والثّانية للتّبعيض، واقعة موقع المفعول، أي: بعض الشّيء الّذي هو عذاب الله ـ تعالى ـ.

ويجوز أن يكونا للتّبعيض، أي: بعض شيء هو بعض عذاب الله ـ تعالى ـ.

والإعراب ما سبق(٣) .

ويحتمل أن تكون الأولى مفعولا. والثّانية مصدرا، أي: فهل أنتم مغنون بعض العذاب بعض الإغناء.

( قالُوا ) ، أي: الّذين استكبروا، جوابا عن معاتبة الأتباع والاعتذار عمّا فعلوا بهم.

( لَوْ هَدانَا اللهُ ) : للإيمان ووفّقنا له( لَهَدَيْناكُمْ ) ، ولكن ضللنا فأضللناكم، أي: اخترنا لكم ما اخترناه لأنفسنا. أو لو هدانا الله طريق النّجاة من العذاب لهديناكم

__________________

(١) المؤمن / ٤٧.

(٢) إبراهيم / ٢١.

(٣) بأن يكون «من عذاب» حالا، و «من شيء» مفعولا.

٣٤

وأغنيناه عنكم، كما عرّضناكم له، لكن سدّدوننا طريق الخلاص.

( سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ) : مستويان علينا الجزع والصّبر.

( ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ ) (٢١): منجى ومهرب من العذاب. من الحيص، وهو العدول على جهة الفرار.

وهو يحتمل أن يكون مكانا، كالمبيت. أو مصدرا، كالمغيب.

( وَقالَ الشَّيْطانُ لـمّـا قُضِيَ الْأَمْرُ ) قيل(١) : احكم وفرغ منه، وادخل أهل الجنّة الجنّة وأهل النّار النّار، خطيبا في الأشقياء من الثّقلين.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٢) : أي: لـمّـا فرغ من أمر الدّنيا من أوليائه.

وفيه، وفي تفسير العيّاشي(٣) : عن حريز، عمّن ذكره، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ: كلّما في القرآن( وَقالَ الشَّيْطانُ ) يريد به: الثّاني.

( إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِ ) : وعدا من حقّه أن ينجز. أو وعدا أنجزه، وهو وعد البعث والجزاء، فوفى لكم بما وعدكم(٤) .

( وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ) : جعل تبيين خلف وعده، كالإخلاف منه.

( وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ ) : تسلّط، فالجئكم إلى الكفر والمعاصي.

( إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ ) : إلّا دعائي إياكم إليهما(٥) بتسويلي ووسوستي. وهو ليس من جنس السّلطان، ولكنّه على طريقة قولهم :

تحيّة بينهم ضرب وجيع(٦)

ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعا.

( فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ) : أسرعتم إجابتي.

( فَلا تَلُومُونِي ) : بوسوستي، فإنّ من صرّح العداوة(٧) لا يلام بأمثال ذلك.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٩.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٣٦٨.

(٣) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٢٣، ح ٨. ولم نعثر عليه في تفسير القمّي.

(٤) فالأوّل باعتبار استحقاقه للإنجاز والثاني باتّصافه بالإنجاز بالفعل.

(٥) أي: الكفر والمعاصي.

(٦) فتكون الدعوة سلطنة تقديرا، كما يقدّر الضرب تحيّة.

(٧) أ، ب: بالعداوة.

٣٥

( وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ) : حيث اغتررتم بي وأطعتموني إذ دعوتكم، ولم تطيعوا ربّكم لـمّـا دعاكم.

وفي نهج البلاغة(١) : قال ـ عليه السّلام ـ: دعاهم ربّهم فنفروا(٢) وولّوا، ودعاهم الشّيطان فاستجابوا وأقبلوا.

( ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ ) : بمغيثكم من العذاب.

( وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَ ) : بمغيثيّ.

وقرأ(٣) حمزة، بكسر الياء.

قيل(٤) : إمّا على الأصل في التقاء السّاكنين، وهو أصل مرفوض في مثله، لما فيه.

من اجتماع ياءين وثلاث كسرات مع أنّ حركة ياء الإضافة الفتح، فإذا لم تكسر وقبلها ألف فبالحريّ أن لا تكسر وقبلها ياء(٥) . أو على لغة من يزيد ياء على ياء الإضافة، إجراء لها مجرى الهاء والكاف(٦) في «ضربته، وأعطيتكه» وحذف الياء اكتفاء بالكسرة.

( إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ) .

قيل(٧) : «ما» إمّا مصدريّة و «من» متعلّقة «بأشركتموني»، أي: أنّي كفرت اليوم بإشراككم إيّاي(٨) من قبل هذا اليوم، أي: في الدّنيا، بمعنى: تبرّأت منه واستنكرته، كقوله:( وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ) .

أو موصولة، بمعنى: من نحو ما في قولهم: سبحانه ما سخركنّ لنا، و «من» متعلّقة «بكفرت»، أي: كفرت بالّذي أشركتمونيه، وهو الله ـ تعالى ـ بطاعتكم إيّاي فيما دعوتكم إليه من عبادة الأصنام وغيرها «من قبل» إشراككم حين رددت أمره بالسّجود لآدم.

__________________

(١) نهج البلاغة / ٢٠٢ الخطبة ١٤٤.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: فتفرّقوا.

(٣ و ٤) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٩.

(٥) أي: إذا لم تكسر ياء الإضافة وقبلها ألف في مثل: غلاماي، فبطريق الأولى أن لا تكسر وقبلها ياء لزيادة الثقل.

(٦) فكما أنّه يزاد الواو والياء بعد الهاء والكاف تمّ حذف الياء واكتفي بالكسر، كذلك حذف الهاء هاهنا واكتفي بالكسر.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٩.

(٨) إشراكهم الشّيطان باعتبار أنّ عبادة الأصنام في الحقيقة عبادة الشيطان لأنّه أوقعهم في عبادتها.

٣٦

و «أشرك» منقول من: شركت زيدا، للتّعدية إلى مفعول ثان.

وفي الخبر ما يؤيّد الأوّل، ففي أصول الكافي(١) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن يزيد، عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: والوجه الخامس من الكفر كفر البراءة.

قال: قال: يذكر إبليس وتبرّيه من أوليائه من الإنس يوم القيامة( إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ) .

والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

وفي كتاب التّوحيد(٢) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل، يقول فيه ـ عليه السّلام ـ وقد ذكر قوله ـ تعالى ـ:( يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ) : والكفر في هذه الآية البراءة، يقول: فيبرأ بعضهم من بعض. ونظيرها في سورة إبراهيم قول الشّيطان:( إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ) . وقول إبراهيم خليل الرّحمن:( كَفَرْنا بِكُمْ ) ، يعني: تبرّأنا منكم.

( إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (٢٢): تتمّة كلامه، أو ابتداء كلام من الله ـ تعالى ـ. وفي حكاية أمثال ذلك لطف للسّامعين، وإيقاظ لهم، حتّى يحاسبوا أنفسهم ويتدبّروا عواقبهم.

وفي تفسير العيّاشي(٣) : عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ: أنّه إذا كان يوم القيامة يؤتى بإبليس في سبعين غلّا وسبعين كبلا(٤) ، فينظر الأوّل إلى زفر في عشرين ومائة كبل وعشرين ومائة غلّ، فينظر إبليس فيقول: من هذا(٥) الّذي أضعف(٦) الله له العذاب، وأنا أغويت هذا الخلق جميعا؟

فيقال: هذا زفر.

فيقول: بما حدّد(٧) له هذا العذاب؟

فيقال(٨) : ببغيه على عليّ ـ عليه السّلام ـ.

فيقول له إبليس: ويل لك وثبور لك، أما علمت أنّ الله أمرني بالسّجود لآدم

__________________

(١) الكافي ٢ / ٣٩٠، ح ١.

(٢) التوحيد / ٢٦٠، ح ٥.

(٣) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٢٣، ح ٩.

(٤) الكبل: القيد.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ: هو.

(٦) المصدر: أضعفه.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ: جدّد.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ: فيقول.

٣٧

فعصيته، وسألته أن يجعل بالسّجود لآدم فعصيته، وسألته أن يجعل لي سلطانا على محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأهل بيته وشيعته فلم يجبني إلى ذلك وقال:( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ ) وما عرفتهم حين استثناهم(١) ( وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ ) ؟ فمنّتك به نفسك غرورا.

فيوقف بين يدي الخلائق، فيقال(٢) له: ما الّذي كان منك إلى عليّ، وإلى الخلق الّذي اتّبعوك على الخلاف؟

فيقول الشّيطان، وهو زفر، لإبليس: أنت أمرتني بذلك.

فيقول له إبليس: فلم عصيت ربّك وأطعتني؟

فيردّ زفر عليه ما قال الله:( إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ ) (الآية).

( وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ) : بإذن الله وأمره. والمدخلون الملائكة.

وقرئ(٣) . «ادخل» على التّكلّم، فيكون قوله: «بِإِذْنِ رَبِّهِمْ » متعلّقا بقوله:( تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ ) (٢٣)، أي: تحيّيهم الملائكة بالسّلام بإذن ربّهم.

( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً ) : كيف اعتمده ووضعه.

( كَلِمَةً طَيِّبَةً ) : قولا حقّا، ودعاء إلى صلاح.

( كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ) : يطيب ثمرها، كالنّخلة، أي: جعل كلمة طيّبة، كشجرة طيّبة. وهو تفسير لقوله:( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً ) .

ويجوز أن تكون «كلمة» بدلا من «مثلا» و «كشجرة» صفتها، أو خبر مبتدأ محذوف، أي: هي كشجرة. وأن تكون أوّل مفعولي «ضرب» إجراء لها مجرى «جعل».

وقد قرئت(٤) ، بالرّفع، على الابتداء.

وفي مجمع البيان(٥) :( كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ) روى أنس، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ: من استثناءهم.

(٢) المصدر: فقال.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٠.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٠.

(٥) المجمع ٣ / ٣١٢.

٣٨

وآله ـ: أنّ هذه الشّجرة الطّيّبة [هي](١) النّخلة.

( أَصْلُها ثابِتٌ ) : في الأرض، ضارب بعروقه فيها.

( وَفَرْعُها ) : وأعلاها( فِي السَّماءِ ) (٢٤).

قيل(٢) : يجوز أن يريد: وفروعها، أي: أفنانها، على الاكتفاء بلفظ الجنس لاكتسابه الاستغراق من الإضافة.

( تُؤْتِي أُكُلَها ) : تعطي ثمرها.

( كُلَّ حِينٍ ) : وقّته الله لأثمارها.

( بِإِذْنِ رَبِّها ) : بإرادة خالقها وتكوينه.

( وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) (٢٥): لأنّ في ضربها زيادة إفهام وتذكير، فإنّه تصوير للمعاني وإدناء لها من الحسّ.

وفي أصول الكافي(٣) . عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن سيف، عن أبيه، عن عمرو بن حريث قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله:( كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ ) .

قال: فقال: رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أصلها، وأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ فرعها، والأئمّة من ذرّيّتهما أغصانها، وعلم الأئمّة ثمرها، وشيعتهم المؤمنون ورقها، [هل فيها فضل؟

قال: قلت: لا، والله](٤) .

قال: والله، إنّ المؤمن ليولد فتورق ورقة، [فيها](٥) ، وأنّ المؤمن ليموت فتسقط ورقة منها.

وفي كتاب الخصال(٦) : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: خلق النّاس من شجر(٧) شتّى، وخلقت أنا وابن أبي طالب من شجرة واحدة، أصلي عليّ وفرعي جعفر.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٠.

(٣) الكافي ١ / ٤٢٨، ح ٨٠.

(٤ و ٥) من المصدر.

(٦) الخصال ١ / ٢١، ح ٧٢.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ: شجرة.

٣٩

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة(١) ، بإسناده إلى عبد الرّحمن بن حمّاد: عن عمر بن سالم صاحب السّابريّ(٢) قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن هذه الآية( أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ ) .

قال: أصلها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وفرعها أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ، والحسن والحسين ثمرها، وتسعة من ولد الحسين أغصانها، والشّيعة ورقها. والله، إنّ الرّجل منهم ليموت فتسقط ورقة من تلك الشّجرة.

قلت: قوله:( تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها ) .

قال: ما يخرج من علم الإمام إليكم في كلّ سنة من حجّ وعمرة(٣) .

وفي الخرائج والجرائح(٤) : وروي عن الحلبيّ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ وذكر حديثا طويلا، وفي آخره: يقول الباقر ـ عليه السّلام ـ: وأخبركم عمّا أردتم أن تسألوا عنه في قوله ـ تعالى ـ: شجرة( أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ ) نحن نعطي شيعتنا ما نشاء من العلم.

وفي كتاب علل الشّرائع(٥) ، بإسناده إلى السّكونيّ: عن جعفر بن محمّد، عن أبيه ـ عليهما السّلام ـ: أنّ عليّا ـ عليه السّلام ـ قال في رجل نذر أن يصوم زمانا، قال: الزّمان خمسة أشهر، والحين ستّة أشهر، لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها ) .

وفي الكافي(٦) ، مثله سواء.

وفي كتاب معاني الأخبار(٧) : حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق قال: حدّثنا [محمّد بن](٨) عبد العزيز بن يحيى قال: حدّثني عبد الله بن محمّد الضّبيّ(٩) قال: حدّثنا

__________________

(١) كمال الدين / ٣٤٥، ح ٣٠.

(٢) كذا في المصدر وتنقيح المقال ٢ / ٣٤٤. وفي النسخ: عمر بن صالح السابريّ.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: من كلّ فجّ عميق.

(٤) الخرائج ٢ / ٥٩٧، ح ٨.

(٥) العلل / ٣٨٧، ح ١.

(٦) الكافي ٤ / ١٤٢، ح ٥.

(٧) المعاني / ٤٠٠، ح ٦١.

(٨) ليس في المصدر.

(٩) ب: زيادة قال: حدثني عبد الله بن هلال.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532