تفسير نور الثقلين الجزء ١

مؤلف: الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي
المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 832
مؤلف: الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي
المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 832
تفســير نــور الثقــلين
لمؤلِّفه
المـحدّث الجليل العلّامة الخبير ألشيخ عبد العـليّ بن جمعة
الـعروسـيّ الحــويـزي قدّس ســرّه
المــتوفّى سنة ١١١٢
ألمـجلّد الأوّل
صحّحه وعلّق عليه ألفاضل الخبير
ألحاج السيّد هاشم الرسولي الـمــَحَلّاتي
بنفقة
خادم الشريعة ألحاج أبي القاسم الـمشتهر بالسالك
وفقّه الله تعالى لمـــرضاته
ملاحظة
هذا الكتاب
نشر الكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي
وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً
قسم اللجنة العلميّة في الشبكة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، وأشهد عليهم أمّة وسطا قد جعلهم هداة وقمرا منيرا، ومنارا لمن أراد أن يذّكر أو أراد شكورا، وصلّى الله على محمّد وعترته الحجج بما أذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا، المطعمين الطعام على حبّه مسكينا ويتيما وأسيرا إنّما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا، قرن طاعتهم بطاعته بأبلغ بيان وأحسن تفسيرا.
وبعد فيقول العبد المذنب الفقير المقرّ بالتقصير عبد على بن جمعة العروسى الحويزي: أنّى لـمّا رأيت خدمة كتاب الله والمقتبسين من أنوار وحي الله، سلكوا مسالك مختلفة، فمنهم من اقتصر على ذكر عربيّته ومعاني ألفاظه، ومنهم من اقتصر على بيان التراكيب النحويّة، ومنهم من اقتصر على استخراج المسائل الصرفية، ومنهم من استفرغ وسعه فيما يتعلق بالاعراب والتصريف، ومنهم من استكثر من علم اللغة واشتقاق الألفاظ ومنهم من صرف همته إلى ما يتعلّق بالمعاني الكلاميّة، ومنهم من قرن بين فنون عديدة أحببت أن أضيف إلى بعض آيات الكتاب المبين شيئا من آثار أهل الذكر المنتجبين ما يكون مبديا بشموس بعض التنزيل، وكاشفا عن أسرار بعض التأويل، وأمّا ما نقلت مما ظاهره يخالف لإجماع الطائفة المحقّة فلم أقصد به بيان اعتقاد ولا عمل، وإنّما أوردته ليعلم الناظر المطلع كيف نقل وعمّن نقل؛ ليطلب له من التوجيه ما يخرجه من ذلك مع أنّى لم أخل موضعا من تلك المواضع عن نقل ما يضادّه، ويكون عليه المعوّل في الكشف والإبداء وإذا رأى الناظر في هذا الكتاب نقلا عن تفسير علي بن إبراهيم أو مجمع البيان ولم يره في مثل موضع نقلته إليه منهما، فليعلم أنّى نقلته من غير ذلك الموضع لأنهما قدّس الله سرهما كثيرا ما ينقلان الحديث مشتملا على الاشارة إلى عدّة آيات عند
إحديها، ويخليان منه ومن بعضه ما عداها وربما رأيت بعض الأخبار في موضع رأيت ذكره في غيره أنسب بالمقام، وأطبق لظاهر الكلام.
ومن مذهبي حبّ الديار وأهلها |
وللناس فيما يعشقون مذاهب |
فاشتغلت بذلك برهة من الزمان، مع تفاقم المحن والأحزان. وتتابع المصايب والأشجان، فجمعت مع قلة البضاعة وعدم الوقوف على حاق الصناعة ما قسم لي من إفضاله وما استحقه من نواله، وسميّته نور الثقلين راجيا مطابقته للمعنى، وأن تحلَّ ركائبه في مواقف المغنى، وأسأله أن يجعله مقبولا لديه، ووسيلة يوم العرض بين يديه فأقول وبالله التوفيق والهداية إلى سواء الطريق، وعليه التوكل في القول والعمل والعصمة عن الخطاء والزلل :
١ ـ في مجمع البيان روى جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عن النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم لـمّا أراد اللهعزوجل أن ينزل فاتحة الكتاب وآية الكرسي وشهد الله و( قُلِ أللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ ) إلى قوله( بِغَيْرِ حِسابٍ ) تعلّقن بالعرش وليس بينهنّ وبين الله حجاب، وقلن: يا ربِّ تحبطنا دار الذنوب وإلى من يعصيك ونحن معلقات بالطهور والقدس فقال: وعزّتي وجلالي ما من عبد قرأكنّ في دبر كل صلوة إلّا أسكنته حظيرة القدس على ما كان فيه، ونظرت إليه(١) بعيني المكنونة في كل يوم سبعين نظرة، وإلّا قضيت له في كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة، وإلّا أعذته من كل عدو ونصرته عليه، ولا يمنعه من دخول الجنة إلّا الموت(٢) .
٢ ـ في كتاب ثواب الأعمال باسناده قال أبو عبد اللهعليهالسلام : إسم الله الأعظم مقطّع في أمّ الكتاب(٣) .
__________________
(١) في المصدر والا نظرت إليه «... اه» وكذا فيما يأتى وهو الأنسب بالسياق.
(٢) مجمع البيان ج ١: ٦٢٤ وفيه «الا ان يموت» بدل «الا الموت».
(٣) وذكروا في وجه تسميتها بأمّ الكتاب وجوها، منها: لانّ هذه السورة أوّل الكتاب وأصله ولانّ السورة تضاف إليها ولا تضاف هي إلى شيء، ومنها: لأنها جامعة لاصل مقاصده ومحتوية على رؤس مطالبه والعرب يسمّون ما يجمع أشياء متعددة «أمّا» كما يسمّون الجلدة الجامعة للدماغ وحواسه أمّ الرأس ولأنها كالفذلكة لما فصل في القرآن المجيد ـ
٣ ـ في كتاب الخصال عن أبي عبداللهعليهالسلام قال: رنَّ إبليس أربع رنات(١) أوّلهن يوم لعن، وحين أهبط إلى الأرض، وحين بعث محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم على حين فترة من الرسل، وحين أنزلت أمّ الكتاب.
٤ ـ عن الحسن بن علىعليهماالسلام في حديث طويل قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم فسأله أعلمهم عن أشياء، فكان فيما سأله أخبرنا عن سبع خصال أعطاك الله من بين النبيين، وأعطى أمّتك من بين الأمم، فقال النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم : أعطانى اللهعزوجل فاتحة الكتاب إلى قوله: صدقت يا محمّد، فما جزاء من قرأ فاتحة الكتاب؟ فقال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم من قرأ فاتحة الكتاب أعطاه الله تعالى بعدد كل آية نزلت من السماء ثواب تلاوتها
٥ ـ عن جابر عن النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم حديث طويل يقول فيهعليهالسلام حاكيا عن الله تعالى وأعطيت أمّتك كنزا من كنوز عرشي فاتحة الكتاب.
٦ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد ابن إسمعيل بن بزيع عن عبد الله بن الفضل النوفلي رفعه قال: ما قرأت الحمد على وجع سبعين مرة إلّا سكن.
٧ ـ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن سلمة بن محرز قال: سمعت أبا جعفرعليهالسلام يقول: من لم يبرأه الحمد لم يبرأه شيء.
٨ ـ عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: لو قرأت الحمد على ميت سبعين مرة ثم ردت فيه الروح ما كان ذلك عجبا.
٩ ـ في عيون الأخبار حدّثنا محمد بن القاسم المفسّر الأسترآبادي رضى الله عنه قال: حدّثنا يوسف بن محمد بن زياد، وعلي بن محمد بن سيار عن أبويهما، عن
__________________
ـ لاشتمالها على المعاني القرآنية من الثناء على الله بما هو أهله ومن التعبد بالأمر والنهى والوعد والوعيد فكأنه نشأ وتولد منها بالتفصيل بعد الإجمال كما سميت مكّة أمّ القرى لانّ الأرض دحيت منها.
(١) الرنة: الصيحة.
الحسن بن عليّ بن محمد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، عن أبيه على بن محمّد، عن أبيه محمّد بن على، عن أبيه على بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن آبائه عن أمير المؤمنينعليهمالسلام قال: قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم قال اللهعزوجل : قسمت فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، إذا قال العبد:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) قال الله جلّ جلاله: بدأ عبدي باسمي وحقٌّ عليَّ أن أتمم له أموره وأبارك له في أحواله فاذا قال:( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) قال جلّ جلاله: حمدنى عبدي وعلم ان النعم التي له من عندي، وان البلايا التي دفعت عنه فبتطولي(١) أشهدكم انى أضيف له إلى نعم الدنيا نعم الاخرة، وادفع عنه بلايا الاخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا وإذا قال:( الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) قال الله جلّ جلاله: شهد لي عبدي انى الرحمن الرحيم، أشهدكم لأوفرن من رحمتي حظه، ولأجزلن من عطائي نصيبه، فاذا قال:( مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) قال الله تعالى: أشهدكم كما اعترف انى انا الملك يوم الدين لأسهلن يوم الحساب حسابه، ولاتجاوزن عن سيئاته، فاذا قال العبد:( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) قال اللهعزوجل : صدق عبدي، إياي يعبد أشهدكم لأثيبنه على عبادته ثوابا يغبطه كل من خالفه في عبادته لي، فاذا قال:( وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) قال الله تعالى: بى استعان، وإلى التجأ، أشهدكم لأعيننه على أمره، ولأغيثنه في شدائده ولآخذن بيده يوم نوائبه، فاذا قال:( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) إلى آخر السورة قال الله جلّ جلاله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل، فقد استجبت لعبدي وأعطيته ما أمل، وآمنته مما وجل منه.
١٠ ـ حدّثنا محمد بن القاسم المفسّر المعروف بأبى الحسن الجرجاني رضى الله عنه قال: حدّثنا يوسف بن محمد بن زياد، وعلي بن محمد بن سيار عن أبويهما، عن الحسن ابن على عن أبيه على بن محمد عن أبيه محمد بن على، عن أبيه الرضا عن آبائه عن علىعليهمالسلام أنّه قال سمعت رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم يقول: إنّ الله تبارك وتعالى قال لي: يا محمّد( وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ
__________________
(١) التطول: الامتنان. وفي بعض النسخ «فبطولى» وهو بمعنى العطاء والفضل.
الْعَظِيمَ ) فأفرد الامتنان عليَّ بفاتحة الكتاب، وجعلها بإزاء القرآن العظيم، وانّ فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش، وانّ اللهعزوجل خصّ محمّدا وشرّفه بها، ولم يشرك معه فيها أحدا من أنبيائه ما خلا سليمانعليهالسلام ، فانّه أعطاه منها( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ألا تراه يحكى عن بلقيس حين قالت:( إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ألا فمن قرأها معتقدا لموالاة محمّد وآله الطيبين منقادا لامرهما، مؤمنا بظاهرهما وباطنهما، أعطاه الله تعالى بكل حرف منها حسنة: كل واحدة منها أفضل له من الدنيا وما فيها من أصناف أموالها وخيراتها، ومن استمع إلى قارئ يقرأها كان له قدر ما للقاري، فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض لكم، فانه غنيمة لا يذهبن أوانه، فيبقى في قلوبكم الحسرة.
١١ ـ في تفسير العيّاشي عن يونس بن عبد الرحمن عمن رفعه قال: سألت أبا عبد اللهعليهالسلام عن قول الله( وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) قال: هي سورة الحمد وهي سبع آيات منها:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) وإنّما سميت المثاني لأنها تثنى في الركعتين.
١٢ ـ عن أبي حمزة عن أبي جعفرعليهالسلام قال: سرقوا أكرم آية في كتاب الله:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) .
١٣ ـ عن صفوان الجمال قال: قال أبو عبد اللهعليهالسلام : ما أنزل الله من السماء كتابا إلّا وفاتحته( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) وإنّما كان يعرف انقضاء السورة بنزول( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ابتداء للأخرى.
١٤ ـ في الكافي محمد بن يحيى عن عليّ بن الحسين بن على عن عبادة بن يعقوب عن عمرو بن مصعب عن فرات بن أحنف عن أبي جعفرعليهالسلام قال: سمعته يقول: أوّل كل كتاب نزل من السماء( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) فاذا قرأت( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) فلا تبالي أن لا تستعيذ، وإذا قرأت( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) سترتك فيما بين السموات والأرض.
١٥ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن عمر بن عبد العزيز عن جميل بن دراج قال: قال أبو عبد اللهعليهالسلام لا تدع( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) وان كان بعده شعر
١٦ ـ عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن على، عن الحسن بن على، عن يوسف بن عبدالسلام عن سيف بن هارون مولى آل جعدة، قال :
قال أبو عبد اللهعليهالسلام : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم من أجود كتابك ولا تمد الباء حتى ترفع السين(١) .
١٧ ـ عنه عن علي بن الحكم عن الحسن بن السري عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: لا تكتب( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) لفلان، ولا بأس أن تكتب على ظهر الكتاب لفلان.
١٨ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن إدريس الحارثي عن محمد بن سنان عن مفضل بن عمر قال: قال أبو عبد اللهعليهالسلام : احتجبوا(٢) من الناس كلهم بــــ (( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) وبــــ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ، اقرأها عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك ومن فوقك ومن تحتك، وإذا دخلت على سلطان جائر فاقرأها حين تنظر إليه ثلاث مرات، واعقد بيدك اليسرى ثمّ لا تفارقها حتى تخرج من عنده.
١٩ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى أبي عبد اللهعليهالسلام حديث طويل وفيه قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم : من حزنه أمر يتعاطاه فقال:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ، وهو يخلص لله(٣) ويقبل بقلبه إليه، لم ينفك من إحدى اثنتين إمّا بلوغ حاجته في الدنيا، وإمّا تعد له عند ربّه وتدخر لديه، وما عند الله خير وأبقى للمؤمنين.
٢٠ ـ وفيه عن الصادقعليهالسلام حديث طويل وفيه، ولربما ترك بعض شيعتنا في افتتاح أمره( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) فيمتحنه اللهعزوجل بمكروه لينبهه على شكر الله
__________________
(١) قال الفيض (ره) في الوافي: ولا تمد الباء يعنى إلى الميم كما وقع التصريح به في حديث أمير المؤمنين (ع)، ورفع السين تضريسه «انتهى»، وقيل استحباب رفع السين قبل مد الباء يحتمل اختصاصه بالخط الكوفي.
(٢) كذا في النسخ لكن الصحيح كما في المصدر «احتجز» وهو امر من الاحتجاز بمعنى الامتناع.
(٣) في نسخة «مخلص لله» وكذا في المصدر.
تبارك وتعالى والثناء عليه، ويمحق عنه وصمة تقصيره(١) عند تركه قول( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) .
٢١ ـ في تهذيب الأحكام محمد بن عليّ بن محبوب عن محمد بن الحسين عن محمد بن حماد ابن زيد عن عبد الله بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد الله عن أبيهعليهماالسلام قال:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) أقرب إلى إسم الله الأعظم من ناظر العين إلى بياضها.
٢٢ ـ في مهج الدعوات بإسنادنا إلى محمد بن الحسن الصفّار من كتاب فضل الدعاء باسناده إلى معاوية بن عمّار عن الصادقعليهالسلام أنّه قال:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) إسم الله الأكبر ـ أو قال: الأعظم.
٢٣ ـ وبرواية ابن عباس قالصلىاللهعليهوآلهوسلم ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) إسم من أسماء الله الأكبر وما بينه وبين إسم الله الأكبر، الا كما بين سواد العين وبياضها.
٢٤ ـ في تهذيب الأحكام محمد بن عليّ بن محبوب عن العباس عن محمد بن بن أبي عمير عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللهعليهالسلام عن السبع المثاني والقرآن العظيم هي الفاتحة؟ قال نعم قلت:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) من السبع المثاني؟ قال: نعم هي أفضلهن.
٢٥ ـ في عيون الأخبار باسناده إلى محمد بن سنان عن الرضاعليهالسلام قال: إنَّ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) أقرب إلى إسم الله الأعظم من سواد العين إلى بياضها.
٢٦ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى الصادقعليهالسلام حديث طويل يقول فيهعليهالسلام بعد ان حكى عن النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ما رأى إذ عرج به وعلة الأذان والافتتاح: فلمّا فرغ من التكبير والافتتاح قال اللهعزوجل الآن وصلت إلى [إسمى](٢) فسم باسمي، فقال:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) فمن أجل ذلك جعل( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) في أوّل السورة ثمّ قال له. أحمدني فقال:( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) وقال النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم في نفسه شكرا، فقال الله يا محمّد قطعت حمدي فسمّ باسمي، فمن أجل ذلك جعل في الحمد( الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ )
__________________
(١) محق الشيء: أبطله ومحاه. والوصمة: العار والعيب.
(٢) ما بين المعقفتين انما هو في المصدر.
مرتين فلمّا بلغ و( لَا الضَّالِّينَ ) قال النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم :( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) شكرا، فقال الله العزيز الجبّار قطعت ذكرى فسمّ باسمي فمن أجل ذلك جعل( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) بعد الحمد في استقبال السورة الاخرى.
٢٧ ـ في عيون الأخبار باسناده إلى أمير المؤمنينعليهالسلام حديث طويل وفيه قيل لأمير المؤمنينعليهالسلام يا أمير المؤمنين أخبرنا عن( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) أهى من فاتحة الكتاب؟ فقال نعم كان رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم يقرأها ويعدها آية منها: ويقول: فاتحة الكتاب هي السبع المثاني.
٢٨ ـ وباسناده عن الرضا عن آبائه عن علىعليهمالسلام أنّه قال: إنَّ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) آية من فاتحة الكتاب، وهي سبع آيات تمامها( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) .
٢٩ ـ في الكافي علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللهعليهماالسلام إذا قمت للصلوة أقرأ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) في فاتحة الكتاب؟ قال نعم قلت: فاذا قرأت فاتحة الكتاب أقرأ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) مع السورة؟ قال: نعم.
٣٠ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن مهزيار عن يحيى بن أبي عمران الهمداني قال: كتبت إلى أبي جعفرعليهالسلام (١) جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ بــــ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) في صلوته وحده في أمّ الكتاب فلمّا صار إلى غير أمّ الكتاب من السورة تركها فقال العبّاسي:(٢) ليس بذلك بأس؟ فكتب بخطه يعيدها مرتين على رغم أنفه يعنى العبّاسي
٣١ ـ محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسمعيل عن صالح بن عقبة عن أبي هارون المكفوف قال: قال أبو عبد اللهعليهالسلام : الحمد سبع آيات.
٣٢ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد عن صفوان الجمّال قال: صلّيت خلف أبي عبد اللهعليهالسلام أياما فكان إذا كانت صلوة لا يجهر فيها [جهر](٣)
__________________
(١) يعنى الجوادعليهالسلام .
(٢) يعنى الهشام بن إبراهيم العباسي وكان يعارض الرضا والجوادعليهماالسلام قاله المجلسي (ره)
(٣) ما بين المعقفتين انما هو في المصدر.
ب( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ، وكان يجهر في السورتين جميعا.
٣٣ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير ومحمد بن إسمعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى جميعا عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: فاذا جعلت رجلك في الركاب فقل:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) بسم الله والله أكبر.
٣٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وعن ابن أذينة قال: قال أبو عبد اللهعليهالسلام ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) أحق ما أجهر به، وهي الاية التي قال اللهعزوجل (١) ( وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً ) (٢) .
٣٥ ـ في مجمع البيان وقال رسول الله (ص) ان الله تعالى من على بفاتحة الكتاب [فيها](٣) من كنز الجنة فيها( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) الاية التي يقول الله تعالى فيها:( وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً ) .
٣٦ ـ في عيون الأخبار عن الرضاعليهالسلام قال: والإجهار ب( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) في جميع الصلوات سنة.
٣٧ ـ وعن الرضاعليهالسلام انه كان يجهرب( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) في جميع صلواته بالليل والنهار.
٣٨ ـ في كتاب الخصال عن الأعمش عن جعفر بن محمدعليهماالسلام أنّه قال: والإجهار ب( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) في الصلوة واجب؟
٣٩ ـ في عيون الأخبار حديث ذكرناه في ذكر( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) وفيه، قلت: الأحد الصمد، وقلت: لا يشبه شيئا، والله واحد والإنسان واحد أليس قد تشابهت الوحدانية، قال: يا فتح أحلت ثبتك الله، انما التثنية في المعاني، فامّا في الأسماء فهي واحدة وهي دلالة على المسمّى.
__________________
(١) أي في سورة الإسراء. الاية: ٤٦.
(٢) والمعنى انهم إذا سمعوا( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ولو أعلى أدبارهم وهذا أحد التفاسير في هذه الاية راجع مجمع البيان ج ٦: ٤١٨ ط صيدا. وتفسير القمى ص: ٣٨٢.
(٣) ما بين المعقفتين غير موجود في المصدر.
٤٠ ـ وباسناده إلى محمد بن سنان قال: سألت الرضاعليهالسلام عن الاسم ما هو؟ قال: صفة لموصوف.
٤١ ـ وباسناده إلى الحسن بن عليّ بن فضال عن أبيه قال: سألت الرضاعليهالسلام عن بسم الله قال: معنى قول القائل بسم الله أي أسمِّ على نفسي بسمةً من سمات اللهعزوجل ، وهي العبادة قال فقلت له: ما السمة؟ قال العلامة.
٤٢ ـ في كتاب التوحيد عن أبي عبد اللهعليهالسلام حديث طويل وقد سأله بعض الزنادقة عن اللهعزوجل ، وفيه قال السائل: فما هو؟ قال أبو عبد اللهعليهالسلام : هو الرب وهو المعبود وهو الله وليس قولي الله، إثبات هذه الحروف الف، لام، لام، ها، ولكن ارجع إلى معنى هو شيء خالق الأشياء وصانعها وقعت عليه هذه الحروف وهو المعنى الذي يسمى به الله والرحمن والرحيم والعزيز وأشباه ذلك من أسمائه وهو المعبود جلّ وعز.
٤٣ ـ وباسناده إلى أمير المؤمنينعليهالسلام أنّه قال وقد سئل ما الفائدة في حروف الهجاء فقال علىعليهالسلام ما من حرف إلّا وهو إسم من أسماء اللهعزوجل .
٤٤ ـ وباسناده إلى هشام بن الحكم أنّه سأل أبا عبد اللهعليهالسلام : عن أسماء اللهعزوجل واشتقاقها؟ فقال: الله هو مشتق من أله، وأله يقتضي مألوها، والاسم غير المسمّى، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد الاثنين، ومن عبد المعنى دون الاسم فذلك التوحيد، أفهمت يا هشام؟ قال قلت: زدني قال للهعزوجل تسعة وتسعون إسما فلو كان الاسم هو المسمّى لكان كل إسم منها هو إله، ولكن اللهعزوجل معنى يدل عليه بهذه الأسماء وكلها غيره، يا هشام الخبز إسم للمأكول، والماء إسم للمشروب، والثوب إسم للملبوس، والنار إسم للمحرق، أفهمت يا هشام فهما تدفع به وتنافر أعدائنا(١) والملحدين في الله والمشركين مع اللهعزوجل غيره؟ قلت: نعم، فقال: نفعك الله به وثبتك يا هشام، قال هشام فو الله ما قهرني أحد في التوحيد حينئذ حتى قمت مقامي هذا.
٤٥ ـ وباسناده إلى عبد الأعلى عن أبي عبد اللهعليهالسلام حديث طويل قالعليهالسلام في آخره: والله يسمى بأسمائه وهو غير أسمائه والأسماء غيره، وفيه: واسم الله غير الله وكل شيء وقع
__________________
(١) وفي نسخة «فهما تدفع وتنافر به أعدائنا».
عليه إسم شيء فهو مخلوق ما خلا الله.
٤٦ ـ وباسناده إلى عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد اللهعليهالسلام عن( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ؟ فقال: الباء بهاء الله والسين سناء الله والميم مجد الله. وروى بعضهم ملك الله والله إله كل شيء، الرحمن بجميع خلقه والرحيم بالمؤمنين خاصّة وفي أصول الكافي مثله سواء.
٤٧ ـ وفي كتاب التوحيد باسناده إلى صفوان بن يحيى عمّن حدّثه عن أبي عبد اللهعليهالسلام أنّه سئل عن( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ؟ فقال: الباء بهاء الله والسين سناء الله والميم ملك الله، قال: قلت الله؟ قال: الالف آلاء الله على خلقه من النعيم بولايتنا، واللام الزام الله خلقه ولايتنا قلت؛ فالهاء؟ قال: هوان لمن خالف محمّدا وآل محمّد صلوات الله عليهم، قلت: الرحمن؛ قال بجميع العالم قلت: الرحيم؟ قال: بالمؤمنين خاصة.
٤٨ ـ وباسناده إلى الحسن بن راشد عن أبي الحسن موسى بن جعفرعليهالسلام قال: سألته عن معنى الله؟ قال استولى على ما دق وجل.
٤٩ ـ في كتاب معاني الأخبار باسناده إلى أبي إسحاق الخزاعي عن أبيه قال: دخلت مع أبي عبد اللهعليهالسلام على بعض مواليه يعوده، فرأيت الرجل يكثر من قول آه، فقلت له: يا أخي اذكر ربك واستغث به، فقال أبو عبد اللهعليهالسلام ان آه إسم من أسماء اللهعزوجل ، فمن قال: آه فقد استغاث بالله تبارك وتعالى.
٥٠ ـ في كتاب التوحيد حدّثنا محمد بن القاسم الجرجاني المفسّر (ره) قال: حدّثنا أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد وأبو الحسن على بن محمد بن سيار وكانا من الشيعة الإماميّة عن أبويهما عن الحسن بن عليّ بن محمدعليهمالسلام ، في قول اللهعزوجل ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) فقال: الله هو الذي يتأله إليه عند الحوائج والشدائد كل مخلوق عند انقطاع الرجاء من كل من دونه، وتقطع الأسباب عن جميع ما سواه يقول بسم الله أي أستعين على أموري كلها بالله الذي لا يحقّ العبادة إلّا له، المغيث: إذا استغيث. المجيب إذا دعا، وهو ما قال رجل للصادقعليهالسلام يا بن رسول الله دلّني على الله ما هو؟ فقد أكثر عليَّ المجادلون وحيروني فقال، له يا عبد الله هل ركبت سفينة قطُّ؟ قال نعم، فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال: نعم قال: فهل تعلّق قلبك هنا لك أنْ شيئا
من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟ قال. نعم، قال الصادقعليهالسلام : فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حيث لا منجى، وعلى الاغاثة حيث لا مغيث قال: وقام رجل إلى عليّ بن الحسينعليهالسلام ، فقال: أخبرنى ما معنى( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ؟ فقال عليّ بن الحسينعليهالسلام حدّثني أبي عن أخيه الحسن عن أبيه أمير المؤمنينعليهالسلام ، ان رجلا قام إليه فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ما معناه؟ فقال: إنَّ قولك الله أعظم إسم من أسماء اللهعزوجل ، وهو الاسم الذي لا ينبغي ان يسمى به غير الله ولم يتسم به مخلوق فقال الرجل: فما تفسير قوله: «الله فقال: هو الذي يتأله إليه عند الحوائج والشدائد كل مخلوق عند انقطاع الرجاء من جميع من دونه وتقطع الأسباب من كل من سواه وذلك ان كل مترائس(١) في هذه الدنيا ومتعظم فيها وان عظم غناؤه وطغيانه وكثرت حوائج من دونه إليه فإنهم سيحتاجون حوائج لا يقدر عليها هذا المتعاظم وكذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج لا يقدر عليها، فينقطع إلى الله عند ضرورته وفاقته حتى إذا كفى همه عاد إلى شركه، اما تسمع اللهعزوجل يقول:( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إليه إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ ) (٢) فقال الله جلّ جلاله لعباده ايها الفقراء إلى رحمتي انى قد ألزمتكم الحاجة إلى في كل حال، وذلة العبودية في كل وقت فالى فافزعوا في كل امر تأخذون فيه وترجون تمامه وبلوغ غايته فانى ان أردت ان أعطيكم لم يقدر غيري على منعكم وان أردت أن أمنعكم لم يقدر غيري على اعطائكم، فانا أحق من سئل واولى من تضرع إليه فقولوا عند افتتاح كل امر صغير أو عظيم( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) أي أستعين على هذا الأمر بالله الذي لا تحق العبادة لغيره المغيث إذا استغيث، المجيب إذا دعا الرحمن الذي يرحم يبسط الرزق علينا الرحيم بنا في أدياننا ودنيانا وآخرتنا، وخفف علينا الدين وجعله سهلا خفيفا وهو يرحمنا بتميز من أعدائه.
٥١ ـ في نهج البلاغة : رحيم لا يوصف بالرقة.
__________________
(١) ترائس: أي صار رئيسا.
(٢) الانعام: ٤٠ ـ ٤١.
٥٢ ـ في كتاب الاهليلجة قال الصادقعليهالسلام : ان الرحمة وما يحدث لنا منها شفقة ومنها جود، وان رحمة الله ثوابه لخلقه وللرحمة من العباد شيئان أحدهما يحدث في القلب الرأفة والرقة لما يرى بالمرحوم من الضر والحاجة وضروب البلاء والاخر ما يحدث منا بعد الرأفة واللطف على المرحوم والمعرفة منا بما نزل به، وقد يقول القائل! انظر إلى رحمة فلان وإنّما يريد الفعل الذي حدث عن الرقة التي في قلب فلان وإنّما يضاف إلى اللهعزوجل من فعل ما حدث عنا من هذه الأشياء واما المعنى الذي في القلب فهو منفي عن الله كما وصف عن نفسه، فهو رحيم لا رحمة رقة.(١)
٥٣ ـ في مجمع البيان وروى أبو سعيد الخدري عن النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ان عيسى بن مريم قال: الرحمن رحمن الدنيا، والرحيم رحيم الاخرة.
٥٤ ـ وروي عن الصادقعليهالسلام أنّه قال: الرحمن إسم خاص بصفة عامة والرحيم إسم عام بصفة خاصة.(٢)
٥٥ ـ في عيون الأخبار باسناده عن الرضاعليهالسلام أنّه قال في دعائه: رحمن الدنيا والاخرة ورحيمهما صل على محمد وآل محمد.
__________________
(١) أقول: حديث الاهليلجة: رسالة من الامام الصادقعليهالسلام كتبها في جواب ما كتبه إليه المفضل ابن عمر الجعفي يسأله فيه أن يكتب ردا على الملحدين المنكرين للربوبية واحتجاجا عليهم وقد أورده العلامة المجلسي (ره) بتمامه في البحار ج ٢: ٤٧ وفي آخره ما نقله المؤلف (ره) هنا من تلك الرسالة فراجع ج ٢: ٦٢ ط كمپانى وج ٣: ١٩٦ ط طهران الحديثة.
(٢) قال الطبرسي (ره): وعن بعض التابعين قال: الرحمن بجميع الخلق والرجيم بالمؤمنين خاصة ووجه عموم الرحمن بجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم وبرهم وفاجرهم هو إنشاءه إياهم وخلقهم أحياء قادرين ورزقه إياهم، ووجه خصوص الرحيم بالمؤمنين هو ما فعله بهم في الدنيا من التوفيق وفي الاخرة من الجنة والإكرام وغفران الذنوب والاثام، وإلى هذا المعنى يؤول ما روى عن الصادق عليهالسلام أنّه قال: الرحمن إسم خاس إلخ ثم ذكر هذا الحديث.
٥٦ ـ في كتاب الخصال عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم اربع من كن فيه كان في نور الله الأعظم إلى قوله: ومن إذا أصاب خيرا قال:( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ )
٥٧ ـ وباسناده إلى عليّ بن الحسينعليهماالسلام قال: ومن قال الحمد لله فقد ادى شكر كل نعمة الله تعالى.
٥٨ ـ في أصول الكافي محمد عن أحمد عن علي بن الحكم عن صفوان الجمال عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: قال لي: ما أنعم الله على عبد بنعمة صغرت أو كبرت فقال: الحمد لله، الا ادى شكرها.
٥٩ ـ وباسناده إلى حماد بن عثمان قال: خرج أبو عبد اللهعليهالسلام من المسجد وقد ضاعت دابته، فقال: لئن ردها الله على لأشكرن الله حق شكره قال: فما لبث أن أتى بها، فقال: الحمد لله فقال قائل له؛ جعلت فداك أليس قلت: لأشكرن الله حق شكره؟ فقال أبو عبد الله: الم تسمعني قلت: الحمد لله؟
٦٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم في الموثق عن أبي عبد اللهعليهالسلام في قوله:( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) قال: الشكر لله وفي قوله( رَبِّ الْعالَمِينَ ) : خلق المخلوقين(١)
٦١ ـ في من لا يحضره الفقيه وفيما ذكره الفضل من العلل عن الرضاعليهالسلام أنّه قال: «والحمد لله انما هو أداء لما أوجب اللهعزوجل على خلقه من الشكر، وشكر لما وفق عبده من الخير «رب العالمين» توحيد له وتحميد وإقرار بأنه هو الخالق المالك لا غيره.
٦٢ ـ في مجمع البيان وقال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم : ان الله تعالى من على بفاتحة الكتاب إلى قوله:( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) دعوى أهل الجنة حين شكروا الله حسن الثواب
٦٣ ـ في أصول الكافي باسناده إلى أبي عبد الله قال: من قال أربع مرات إذا أصبح:( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) فقد ادى شكر يومه، ومن قالها إذا أمسى فقد ادى شكر ليلته.
٦٤ ـ وباسناده إلى أبي عبد اللهعليهالسلام قال: كان رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم إذا أصبح قال :
( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) كثيرا على كل حال ثلاثمائة وستين مرة، وإذا أمسى قال مثل ذلك.
__________________
(١) وفي المصدر «خالق المخلوقين» وهو الظاهر.
٦٥ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه قال: عطس رجل عند أبي جعفرعليهالسلام فقال: الحمد لله فلم يسمته أبو جعفرعليهالسلام (١) وقال: نقصنا حقنا ثم قال إذا عطس أحدكم فليقل:( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) وصلى الله على محمد وأهل بيته، قال فقال الرجل فسمته أبو جعفرعليهالسلام .
٦٦ ـ وباسناده إلى مسمع بن عبد الملك قال: عطس أبو عبد اللهعليهالسلام فقال:( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) ثم جعل إصبعه على أنفه فقال: رغم أنفي لله رغما داخرا.
٦٧ ـ وباسناده إلى محمد بن مروان قال: قال: أمير المؤمنينعليهالسلام : من قال إذا عطس( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) على كل حال، لم يجد وجع الأذنين والأضراس.
٦٨ ـ وباسناده إلى أبي عبد اللهعليهالسلام قال: من عطس ثم وضع يده على قصبة أنفه ثم قال( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) كثيرا كما هو أهله وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم، خرج من منخره الأيسر طاير أصغر من الجراد وأكبر من الذباب، حتى يصير تحت العرش يستغفر الله له إلى يوم القيامة.
٦٩ ـ في كتاب التوحيد كلام الرضاعليهالسلام في التوحيد، وفيه: ورب إذ لا مربوب وفيه عن علىعليهالسلام مثله.
٧٠ ـ وعن أبي جعفرعليهالسلام حديث طويل وفيه: لعلك ترى ان الله انما خلق هذا العالم الواحد أو ترى ان الله لم يخلق غيركم؟ بلى والله لقد خلق ألف ألف عالم، وألف ألف آدم، أنت في آخر تلك العوالم وأولئك الآدميين.
٧١ ـ في كتاب الخصال باسناده إلى أبي عبد اللهعليهالسلام أنّه قال في حديث طويل ان عالم المدينة،(٢) ينتهى إلى حيث لا يقفو الأثر ويزجر الطير ويعلم ما في اللحظة الواحدة مسيرة الشمس يقطع اثنى عشر برجا واثنى عشر برا واثنى عشر بحرا واثنى عشر عالما
٧٢ ـ وبأسناده إلى العباد بن عبد الخالق عمن حدّثه عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: إنَّ للهعزوجل اثنى عشر الف عالم كل عالم منهم أكبر من سبع سموات وسبع أرضين، ما يرى
__________________
(١) تسميت العاطس: الدعاء له.
(٢) والمراد نفسهعليهالسلام والمدينة مدينة الرسولصلىاللهعليهوآله .
عالم منهم ان للهعزوجل عالما غيرهم وانا الحجة عليهم.
٧٣ ـ في عيون الأخبار حدّثنا محمد بن القاسم الأسترآبادي المفسّر رضى الله عنه قال: حدّثني يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار عن أبويهما، عن الحسن بن عليّ بن محمد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليهالسلام عن أبيه عن جدهعليهالسلام قال: جاء رجل إلى الرضاعليهالسلام فقال له: يا بن رسول الله أخبرني عن قول الله تعالى:( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) ما تفسيره؟ فقال: لقد حدّثني أبي عن جدي عن الباقر عن زين العابدين عن أبيهعليهمالسلام ، ان رجلا جاء إلى أمير المؤمنينعليهالسلام فقال: أخبرني عن قول الله تعالى( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) ما تفسيره؟ فقال: الحمد لله هو أن عرف عباده بعض نعمه عليهم جملا، إذ لا يقدرون على معرفة جميعها بالتفصيل لأنها أكثر من ان تحصى أو تعرف، فقال لهم: قولوا الحمد لله على ما أنعم به علينا رب العالمين وهم الجماعات من كل مخلوق من الجمادات والحيوانات فاما الحيوانات فهو يقلبها في قدرته ويغذوها من رزقه، ويحوطها بكنفه، ويدبر كلا منها بمصلحته، واما الجمادات فهو يمسكها بقدرته ويمسك المتصل منها أن يتهافت(١) ويمسك المتهافت منها أن يتلاصق ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ويمسك الأرض ان تنخسف الا بامره، انه بعباده رؤف رحيم قالعليهالسلام : «ورب العالمين» مالكهم وخالقهم وسائق أرزاقهم إليهم من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون، فالرزق مقسوم، وهو يأتى ابن آدم على أي سيرة سارها من الدنيا؛ ليس تقوى متق بزايده، ولا فجور فاجر بناقصه، وبينه وبينه ستر وهو طالبه فلو أن أحدكم يفر من رزقه لطلبه رزقه كما يطلبه الموت، فقال الله جلّ جلاله: قولوا الحمد لله على ما أنعم به علينا، وذكرنا به من خير في كتب الأولين قبل أن تكون، ففي هذا إيجاب على محمد وآل محمّد صلوات الله عليهم وعلى شيعتهم أن يشكروه بما فضلهم وذلك ان رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم قال: لما بعث اللهعزوجل موسى بن عمرانعليهالسلام واصطفاه نجيا وفلق له البحر ونجى بنى إسرائيل وأعطاه التوراة والألواح راى مكانه من ربهعزوجل : فقال: يا رب لقد أكرمتنى بكرامة لم تكرم بها أحدا قبلي فقال الله جل
__________________
(١) التهافت: التساقط.
جلاله يا موسى أما علمت ان محمدا أفضل عندي من جميع ملائكتي وجميع خلقي؟ قال موسى: يا رب فان كان محمد أكرم عندك من جميع خلقك فهل في آل الأنبياء أكرم من آلى؟ قال الله جلّ جلاله يا موسى أما علمت ان فضل آل محمد على جميع آل النبيين كفضل محمد على جميع المرسلين؟ وقال موسى: يا رب فان كان آل محمد كذلك فهل في أمم الأنبياء فضل عندك من أمتي؟ ظللت عليهم الغمامة وأنزلت عليهم المن والسلوى وفلقت لهم البحر؟ فقال الله جلّ جلاله: يا موسى أما علمت ان فضل امة محمد على جميع الأمم كفضله على جميع خلقي فقال موسى: يا رب ليتني كنت أراهم! فأوحى اللهعزوجل إليه يا موسى: انك لن تراهم وليس هذا أوان ظهورهم، ولكن سوف تراهم في الجنات: جنات عدن والفردوس بحضرة محمد في نعيمها يتقلبون وفي خيراتها يتبحبحون(١) أفتحب أن أسمعك كلامهم؟ قال نعم الهى، قال الله جلّ جلاله: قم بين يدي واشدد مأزرك(٢) قيام العبد الذليل بين يدي الجليل ففعل ذلك موسىعليهالسلام فنادى ربناعزوجل : يا امة محمد! فأجابوه كلهم وهم في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم، لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك قال: فجعل اللهعزوجل تلك الاجابة شعار الحاج ثم نادى ربناعزوجل : يا امة محمد ان قضائي عليكم ان رحمتي سبقت غضبى وعفوي قبل عقابي فقد استجبت لكم من قبل ان تدعوني وأعطيتكم من قبل ان تسألوني من لقيني منكم بشهادة ان لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله صادق في أقواله محق في أفعاله وأن عليّ بن أبي طالبعليهالسلام أخوه ووصيه من بعده ووليه ويلتزم طاعته كما يلتزم طاعة محمد وان أولياءه المصطفين الطاهرين المطهرين المبانين(٣) بعجايب آيات الله ودلائل حجج الله من بعدهما
__________________
(١) تبحبح الرجل: تمكن في المكان والحول، ويمكن ان يكون من قولهم تبحبح الدار أي توسطها وقيل أي يتوسطون في أوساط الجنان لا في أطرافه لان الوسط خير من الطرف.
(٢) المئزر: الإزار.
(٣) أي المظهرين وفي المصدر: «المنبئين» وفي نسخة البحار في باب ما ناجى به موسى بن عمران (ع) «الميامين» وهو مصحف.
أولياءه أدخلته جنتي وان كانت ذنوبه مثل زبد البحر قال: فلما بعث اللهعزوجل نبينا محمداصلىاللهعليهوآلهوسلم قال: يا محمد وما كنت بجانب الطور إذ نادينا أمّتك بهذه الكرامة، ثم قالعزوجل لمحمدصلىاللهعليهوآلهوسلم قل:( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) على ما اختصني به من هذه الفضيلة وقال لامته قولوا( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) على ما اختصنا به من هذه الفضايل.
٧٤ ـ في من لا يحضره الفقيه وفيما ذكره الفضل من العلل عن الرضا أنّه قال (ع) بعد ان شرح رب العالمين الرحمن الرحيم استعطاف وذكر لآلائه ونعمائه على جميع خلقه :
٧٥ ـ في تفسير علي بن إبراهيم في الموثق عن أبي عبد اللهعليهالسلام أنّه قال: بعد ان شرح( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) «الرحمن» بجميع خلقه «الرحيم» بالمؤمنين خاصة( مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) قال يوم الحساب.(١)
٧٦ ـ في مجمع البيان وقال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ان الله تعالى من على بفاتحة الكتاب إلى قوله و( مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) قال جبرئيل: ما قالها مسلم الا صدقه الله وأهل سمائه.
٧٧ ـ وفيه وقيل: «الدين» الحساب وهو المروي عن أبي جعفرعليهالسلام .
٧٨ ـ في أصول الكافي باسناده إلى الزهري قال: كان عليّ بن الحسينعليهالسلام إذا قرأ( مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) (٢) يكررها حتى يكاد أن يموت.
٧٩ ـ في تفسير العيّاشي عن محمد بن على الحلبي عن أبي عبد اللهعليهالسلام انه كان يقرأ( مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) .
٨٠ ـ عن داود بن فرقد قال: سمعت أبا عبد اللهعليهالسلام يقرأ ما لا أحصى ملك يوم الدين
٨١ ـ فيمن لا يحضره الفقيه وفيما ذكره الفضل من العلل عن الرضاعليهالسلام أنّه قال:( مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) إقرار له بالبعث والحساب والمجازاة وإيجاب ملك الاخرة له كإيجاب ملك الدنيا إياك نعبد رغبة وتقرب إلى الله تعالى ذكره، وإخلاص له بالعمل
__________________
(١) وقال القمى (ره) بعده: والدليل على ذلك قوله:( وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ ) يعنى يوم الحساب، وفي المجمع عن الجبائي أراد به يوم الجزاء على الدين، وقال محمد بن كعب، أراد يوم لا ينفع الا الدين.
(٢) وفي نسخة الوسائل «ملك» بدل «مالك».
دون غيره،( وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) استزادة من توفيقه وعبادته واستدامة لما أنعم الله عليه ونصره
٨٢ ـ في مجمع البيان قال رسول اللهصلىاللهعليهوآله : ان الله تعالى من على بفاتحة الكتاب إلى قوله( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) إخلاص للعبادة( وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) أفضل ما طلب به العباد حوائجهم.
٨٣ ـ في تفسير العيّاشي عن الحسن بن محمد الجمال عن بعض أصحابنا قال: اجتمع أبو عبد اللهعليهالسلام مع رجل من القدرية(١) عند عبد الملك بن مروان، فقال القدري لأبي عبد اللهعليهالسلام سل عما شئت، فقال له. اقرأ سورة الحمد، قال: فقرأها فقال الأموي ـ وانا معه ـ ما في سورة الحمد علينا،( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إليه راجِعُونَ ) ، قال: فجعل القدري يقرأ سورة الحمد حتى بلغ قول الله تبارك وتعالى:( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) فقال له جعفر: قف من تستعين؟ وما حاجتك إلى المعونة؟ ان الأمر إليك،( فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) .
٨٤ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي (ره) حديث طويل عن النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم وفيه يقول لأصحابه قولوا( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) أي واحدا لا نقول كما قالت الدهرية: ان الأشياء لا بد ولها وهي دائمة، ولا كما قال الثنوية الذين قالوا ان النور والظلمة هما المدبران، ولا كما قال مشركو العرب ان أوثاننا آلهة، فلا نشرك بك شيئا ولا ندعو من دونك إلها كما يقول هؤلاء الكفار، ولا نقول كما تقول اليهود والنصارى ان لك ولدا تعاليت عن ذلك علوا كبيرا.
٨٥ ـ فيمن لا يحضره الفقيه وفيما ذكره الفضل من العلل عن الرضاعليهالسلام أنّه قال:( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) استرشاد لدينه، واعتصام بحبله واستزادة في المعرفة لربهعزوجل ولعظمته وكبريائه.
٨٦ ـ في مجمع البيان وقال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ان الله تعالى من على بفاتحة الكتاب إلى قوله( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) صراط الأنبياء وهم( الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ ) .
٨٧ ـ وفيه قيل في معنى «الصراط» وجوه: أحدها انه كتاب الله وهو المروي عن النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم وعن علىعليهالسلام .
__________________
(١) القدري في الأخبار يطلق على الجبري والتفويضي والمراد به في هذا الخبر هو الثاني.
يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر؟ فقتلتهم ظلماً وعدواناً من بعد ما أعطيتهم المواثيق الغليظة، والعهود المؤكّدة(١) جرأةً على الله واستخفافاً بعهده.
أوَ لستَ بقاتل عمرو بن الحمق الذي أخلقت وأبلت وجهه العبادة؟ فقتلته من بعد ما أعطيته من العهود ما لو فهمته العُصمُ نزلت من سقف الجبال.
أوَ لستَ المدّعي زياداً في الإسلام، فزعمت انّه ابن ابي سفيان، وقد قضى رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم انّ الولد للفراش وللعاهر الحَجَر، ثمَّ سلّطته على أهل الإسلام يقتلهم و يقطّع أيديهم وارجلهم من خلاف، ويصلبهم على جُذوع النخل؟.
سبحان الله يا معاوية! لكأنّك لستَ من هذه الاُمّة، وليسوا منك، أوَ لستَ قاتل الحضرمي(٢) الذي كتب إليك فيه زياد انّه على دين عليّ كرم الله وجهه، ودين عليّ هو دين ابن عمّهصلىاللهعليهوآلهوسلم الذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه، ولولا ذلك كان أفضل شرفك وشرف آبائك تجشّم الرحلتين: رحلة الشتاء والصيف، فوضعها الله عنكم بنا منّة عليكم، وقلتَ فيما قلتَ: لا تردنَّ هذه الاُمّة في فتنة. وإنّي لا أعلم لها فتنةً أعظم من أإمارتك عليها، وقلتَ فيما قلت: انظر لنفسك ولدينك ولاُمّة محمّد.
وإنّي والله ما أعرف فضل من جهادك، فإن أفعل فإنّه قربةٌ إلى ربِّي، وإن لم أفعله فاستغفر الله لديني، وأسأله التوفيق لما يحبُّ ويرضى، وقلت فيما قلت: متى تكدني أكدك(٣) فكدني يا معاوية ما بدا لك، فلعمري لقديماً يُكاد الصالحون، وإنِّي لأرجو أن لا تضرّ إلّا نفسك ولا تمحق إلّا عملك، فكدني ما بدا لك، واتّق الله يا معاوية! واعلم أنَّ لِلّه كتاباً لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها، واعلم أنَّ الله ليس بناسٍ لك قتلك بالظنّة، وأخذك بالتُهمة، وإمارتك صبيّاً يشرب الشراب، ويلعب بالكلاب، ما أراك إلّا قد أوبقت نفسك، وأهلكت دينك، وأضعت الرعيّة. والسَّلام.
الإمامة والسياسة ١: ١٣١ وفي ط ١٤٨، جمهرة الرسائل ٢: ٦٧.
٥٣ - خطب الإمام السبط الحسين الشهيد سلام الله عليه لمـَّا قدم معاوية المدينة
____________________
١ - سيأتي بيان العهود المعزوة اليها فى هذا الجزء انشاء الله.
٢ - سيوافيك تفصيل قتل الحضرمى فى هذا الجزء.
٣ - هذه الجملة لا توجد فى كلام معاوية.
حاجّاً وأخذ البيعة ليزيد وخطب ومدح يزيد الطاغية ووصفه بالعلم بالسنّة وقراءة القرآن والحلم الذي يرجح بالصمِّ الصِّلاب. فقام الحسين فحمد الله وصلى على الرَّسولصلىاللهعليهوآلهوسلم ثمّ قال:
أمّا بعد: يا معاوية! فلن يؤدِّي القائل - وإن أطنب - في صفة الرَّسولصلىاللهعليهوآلهوسلم من جميع جزءاً، قد فهمت ما ألبست به الخلف بعد رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم من ايجاز الصَّفة، والتنكّب عن استبلاغ البيعة، وهيهات هيهات يا معاوية! فضح الصبح فحمة الدجى، وبهرت الشمس أنوار السرج، ولقد فضَّلت حتى أفرطت، واستأثرت حتى أجحفت، ومنعتَ حتّى بخلت، وجرتَ حتى جاوزت، ما بذلت لذي حقّ من أتمَّ حقّه بنصيب حتى أخذ الشيطان حظّه الأوفر، ونصيبه الأكمل، وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لاُمّة محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم ، تريد أن توهم الناس في يزيد، كأنّك تصف محجوباً أو تنعَتُ غائباً، أو تخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاصّ، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه الكلاب المتهارشة عند التحارش، والحمام السبّق لأترابهنَّ، والقينات ذوات المعازف، وضروب الملاهي، تجده ناصراً ودع عنك ما تحاول، فما أغناك أن تلقى الله بوزر هذا الخلق أكثر ممّا أنت لاقيه، فوالله ما برحتَ تقدّم باطلاً في جور، وحَنَقاً في ظلم، حتى ملأت الأسقية، وما بينك و بين الموت إلّا غمضة، فتقدَّم على عمل محفوظ في يوم مشهود، ولات حين مناص، ورأيتك عرّضت بنا بعد هذا الأمر، ومنعتنا عن آبائنا تُراثاً، ولقد - لعمر الله - أورثنا الرَّسول عليه الصَّلاة والسّلام ولادة، وجئت لنا بما حججتم به القائم عند موت الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام، فأذعن للحجّة بذلك، وردّه الإيمان إلى النصف، فركبتم الأعاليل، وفعلتم الأفاعيل، وقلتم: كان ويكون، حتى أتاك الأمر يا معاوية! من طريق كان قصدها لغيرك، فهناك فاعتبروا يا اولي الأبصار. الخطبة.
الامامة والسياسة ١: ١٥٣، جمهرة الخطب ٢: ٢٤٢.
٥٤ - من كلام لابن عباس ألقاه في البصرة: أيُّها النّاس! استعدّوا للمسير إلى أمامكم، وانفروا في سبيل الله خفافاً وثقالاً، وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فإنّكم تقاتلون المحلّين القاسطين الذين لا يقرءون القرآن ولا يعرفون حكم الكتاب، ولا يدينون
دين الحقّ، مع أمير المؤمنين. فقام إليه عمرو بن مرجوم العبدي فقال: وفَّق الله أمير المؤمنين وجمع له أمر المسلمين، ولعن المحلّين القاسطين الذين لا يقرءون القرآن، نحن والله عليهم حنقون، ولهم في الله مفارقون.
كتاب صفين ص ١٣٠، ١٣١.
٥٥ - من كلام لعمّار بن ياسر يوم صفين: يا أهل الاسلام؟ أتريدون أن تنظروا إلى مَن عادى الله ورسوله وجاهدهما، وبغى على المسلمين، وظاهر المشركين، فلمّا أراد الله أن يُظهر دينه وينصر رسوله أتى النبيَّ صلّى الله عليه فأسلم، وهو والله فيما يرى راهبٌ غير راغب، وقبض الله رسول صلّى الله عليه وإنّا والله لنعرفه بعداوة المسلم ومودّة المجرم؟ ألا و انّه معاوية، فالعنوه لعنه الله، وقاتلوه فانّه ممَّن يطفىء نور الله، ويظاهر أعداء الله.
راجع تاريخ الطبري ٦: ٧، كتاب صفين ص ٢٤٠، الكامل لابن الأثير ٣: ١٣٦.
٥٦ - من مقال لعبد الله بن بديل يوم صفين: انَّ معاوية ادّعى ما ليس له ونازع الأمر أهله ومن ليس مثله، وجادل بالباطل ليدحض به الحقَّ، وصال عليكم بالأعراب والأحزاب، وزيّن لهم الضلالة، وزرع في قلوبهم حبَّ الفتنة، ولبَّس عليهم الأمر، و زادهم رجساً إلى رجسهم، وأنتم والله على نور من ربِّكم وبرهان مبين، قاتلوا الطغام الجفاة ولا تخشوهم، وكيف تخشونهم وفي أيديكم كتابٌ من ربِّكم ظاهرٌ مبرورٌ؟ أتخشونهم فالله أحقُّ أن تخشوه إن كنتم مؤمنين، قاتلوهم يُعذِّبهم الله بأيديكم ويُخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين. قاتلوا الفئة الباغية الذين نازعوا الأمر أهله وقد قاتلتهم مع النبيّ صلّى الله عليه، والله ما هم في هذه بأزكى ولا أنقى ولا أبرّ، قوموا إلى عدوّ الله وعدوّكم رحمكم الله.
تاريخ الطبري ٦: ٩، كتاب صفين ص ٢٦٣، الاستيعاب في ترجمة عبد الله ١: ٣٤٠، شرح ابن ابي الحديد ١: ٤٨٣، جمهرة الخطب ١: ١٧٦.
٥٧ - من خطبة لسعيد بن قيس: فوالله الذي بالعباد بصيرٌ أن لو كان قائدنا حبشيّاً مجدَّعاً إلّا أنَّ معنا من البدريِّين سبعين رجلاً، وإنَّما رئيسنا ابن عمِّ نبيّنا، بدريُّ صِدق(١) ، صلّى صغيراً، وجاهد مع نبيّكم كبيراً، ومعاوية طليقٌ من وثاق الإسار و
____________________
١ - أشار الى ان كونه بدرياً ليس ككون عثمان بدرياً بالتمحّل والتصنّع كما مرّ حديثه فى هذا الجزء.
ابن طليق، ألا انّه أغوى جفاةً فأوردهم النار، وأورثهم العار، والله محلٌّ بهم الذلً و - الصغار، ألا إنّكم ستلقون عدوّكم غداً، فعليكم بتقوى الله والجدّ والحزم والصِّدق والصبر فإنَّ الله مع الصابرين، ألا إنَّكم تفوزون بقتلهم ويشقون بقتلكم، والله لا يقتل رجلٌ منكم رجلاً منهم إلّا أدخل الله القاتل جنّات عدن، وأدخل المقتول ناراً تلظّى لا يفتَّر عنهم وهم فيه مبلسون.
كتاب صفِّين ص ٢٦٦، شرح ابن ابي الحديد ١: ٤٨٣، جمهرة الخطب ١: ١٧٩.
٥٨ - من خطبة لمالك بن الحارث الأشتر يوم صفّين: واعلموا أنَّكم على الحقِّ وانَّ القوم على الباطل، يقاتلون مع معاوية، وأنتم مع البدريِّين قريبٌ من مائة بدريّ، ومن سوى ذلك من أصحاب محمّد صلّى الله عليه، أكثر ما معكم راياتٌ قد كانت مع رسول الله صلّى الله عليه ومع معاوية راياتٌ قد كانت مع المشركين على رسول الله صلّى الله عليه، فما يشكُّ في قتال هؤلاء إلّا ميِّت القلب، فإنَّما أنتم على إحدى الحسنيين: إمّا الفتح، وإمّا الشهادة.
كتاب صفّين ص ٢٦٨، شرح ابن ابي الحديد ١: ٤٨٤، جمهرة الخطب ١: ١٨٣
٥٩ - من مقال لهاشم بن عتبة المرقال: سر بنا يا أمير المؤمنين؟ إلى هؤلاء القوم القاسية قلوبهم، الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، وعملوا في عباد الله بغير رضا الله، فأحلّوا حرامه، وحرَّموا حلاله، واستهوى بهم الشيطان، ووعدهم الأباطيل، ومنّاهم الأمانيّ حتى أزاعهم عن الهدى، وقصد بهم قصد الرَّدى، وحبَّب إليهم الدنيا، ومنه: وهم يا أمير - المؤمنين؟ يعلمون منك مثل الذي نعلم، ولكن كُتب عليهم الشقاء، ومالت بهم الأهواء، وكانوا ظالمين. جمهرة الخطب ١: ١٥١.
٦٠ - من خطبة لابن عبّاس بصفين: إنَّ ابن آكلة الأكباد قد وجد من طغام أهل الشام أعواناً على عليِّ بن أبي طالب ابن عمِّ رسول الله وصهره، وأوَّل ذَكر صلّى معه، بدريٌّ قد شهد مع رسول الله صلّى الله عليه كلّ مشاهده التي فيها الفضل، ومعاوية وأبو سفيان مشركان يعبدان الأصنام، واعلموا: والله الَّذي ملك الملك وحده فبان به وكان أهله، لقد قاتل عليُّ بن أبي طالب مع رسول الله صلّى الله عليه، وعليٌّ يقول: صدق الله ورسوله، ومعاوية وأبو سفيان يقولان: كذب الله ورسوله. فما معاوية في هذه بأبرّ ولا أتقى ولا أرشد ولا أصوب منه في تلكم، فعليكم بتقوى الله والجدّ والحزم والصبر، وإنَّكم لعلى الحقِّ وإنَّ القوم
لعلى الباطل.
كتاب صفّين ص ٣٦٠، شرح ابن ابي الحديد ١: ٥٠٤.
وسيوافيك حديث لعن ابن عبّاس معاوية يوم عرفة في المجتمع العامِّ.
٦١ - من أبيات لعلقمة بن عمرو يوم صفّين:
ما لابن صخر حرمةٌ تُرتجى |
لها ثواب الله بل مندمهْ |
|
لاقيت ما لاقى غداة الوغى |
من أدرك الأبطال يا بن الأمهْ |
|
ضيّعت حقَّ الله في نصرةٍ |
للظالم المعروف بالمظلمهْ |
|
إنّ أبا سفيان من قبله |
( إلى آخر الأبيات ) |
٦٢ - من شعر مجزأة بن ثور السدوسي الصحابي العظيم ارتجز به يوم صفَّين:
أضربهم ولا أرى معاويه |
الأبرج العين(١) العظيم الحاويه |
|
هوت به في النار امٌّ هاويه |
جاوره فيها كلابٌ عاويه |
أغوى طغاماً لاهدته هاديه
يروى هذا الرجز لعليّعليهالسلام في مروج الذهب ٢: ٢٥ وفيه: وقيل: انَّ هذا الشعر لبديل بن ورقاء، وكذلك عزاه إليه سلام الله عليه في لسان العرب ١٨: ٢٢٩، وذكر - الطبري البيت الأوّل في تاريخه ٦: ٢٣ ونسبه إلى أمير المؤمنين، وذكر ابن مزاحم ثلاثة أشطر في كتاب صفّين ص ٤٦٠ وعزاها إلى أمير المؤمنينعليهالسلام ، وذكر الأشطر برمَّتها في ص ٤٥٤ ونسبها إلى مالك الأشتر، ورواها لمجزأة بن ثور في ص ٣٤٤ وذكرها ابن أبي الحديد في شرحه ١: ٥٠٠ لمحرز بن ثور نقلاً عن نصر بن مزاحم، وتعزى إلى الأخنس كما في الإشتقاق ص ١٤٨.
٦٣ - قال أبو عمر في الاستيعاب ١: ٢٥١: لمـّا قُتل عثمان وبايع الناس عليّاً دخل عليه المغيرة بن شعبة فقال له: يا أمير المؤمنين؟ إنَّ لك عندي نصيحةٌ، قال: وما هي؟ قال: إن أردت أن يستقيم لك الأمر فاستعمل طلحة بن عبيد الله على الكوفة، والزبير بن العوام على البصرة، وابعث معاوية بعهده على الشام حتى يلزمه طاعتك فاذا استقرَّت لك الخلافة فادرها كيف شئت برأيك. قال عليٌّ: أمّا طلحة والزبير فأرى رأيي فيهما، وأمّا معاوية فلا والله لا أراني مستعملاً له ولا مستعيناً به ما دام على حاله، ولكنّي أدعوه إلى الدخول
فيما دخل فيه المسلمون، فإن أبى حاكمته إلى الله، وانصرف عنه المغيرة مغضباً له لما لم يقبل عنه نصيحته، فلمّا كان الغداة أتاه فقال: يا أمير المؤمنين! نظرت فيما قلتُ لك بالأمس وما جاوبتني به فرأيت انّك وفّقت للخير وطلب الحقّ، ثمّ خرج عنه فلقيه الحسن رضي الله عنه وهو خارجٌ فقال لأبيه: ما قال لك هذا الأعور؟ قال: أتاني أمس هكذا وأتاني اليوم هكذا، قال: نصح لك والله أمس، وخدعك اليوم، فقال له عليٌّ: إن أقررتُ معاوية على ما في يده كنت متّخذ المضلّين عضدا.
راجع ما أسلفناه في الجزء السادس ص ١٤٢ ط ٢.
٦٤ - قال أبو عمر في الاستيعاب(١) عند ترجمة حبيب بن مسلمة ١: ١٢٣: وروينا انّ الحسن ابن علي قال لحبيب بن مسلمة في بعض خرجاته بعد صفّين: يا حبيب! ربّ مسير لك في غير طاعة الله. فقال له حبيب: أمّا إلى أبيك فلا. فقال له الحسن: بل والله لقد طاوعت معاوية على دنياه وسارعت في هواه، فلئن كان قام بك في دنياك لقد قعد بك في دينك، فليتك إذ أسأت الفعل أحسنت القول فتكون كما قال الله تعالى: وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيِّئاً، ولكنّك كما قال الله تعالى: كلّا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون.
٦٥ - عن أبي سهيل التميمي قال: حجّ معاوية فسأل عن امرأة من بني كنانة كانت تنزل بالحجون يقال لها: دارميّة الحجونيّة. وكانت سوداء كثيرة اللحم فاُخبر بسلامتها فبعث إليها فجيء بها فقال: ما جاء بك يا ابنة حام؟ فقالت: لست لحام إن عبتني، أنا امرأةٌ من بني كنانة، قال: صدقت أتدري لما بعثت إليك؟ قالت: لا يعلم الغيب إلّا الله، قال: بعث إليك لأسألك علام أحببت عليّاً وأبغضتني؟ وواليته وعاديتني؟ قالت: أوَ تعفيني؟ قال: لا أعفيك. قالت: أما إذا أبيت فانِّي أحببت عليّاً على عدله في الرعيّة، و قسمه بالسويَّة، وأبغضتك على قتال مَن هو أولى منك بالأمر، وطلبتك ما ليس لك بحقّ، وواليت عليّاً على ما عقد له رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم من الولاء، وحبّه المساكين، وإعظامه لأهل الدين، وعاديتك على سفك الدماء، وجورك في القضاء، وحكمك بالهوى. قال: فلذلك انتفخ بطنك وعظم ثدياك، وربت عجزتك؟ قالت: يا هذا بهند والله كان يضرب
____________________
١ - البرج: سعة العين.
المثل في ذلك لأ بي. قال معاوية: يا هذه اربعي فإنّا لم نقل إلّا خيرا، انّه اذا انتفخ بطن المرأة تمَّ خلق ولدها، وإذا عظم ثدياها تروي رضيعها، وإذا عظمت عجزتها رزن مجلسها فرجعت وسكنت، قال لها: يا هذه هل رأيت عليّاً؟ قالت: اي والله، قال: فكيف رأيته؟ قالت: رأيته والله لم يفتنه الملك الذي فتنك، ولم تشغله النعمة التي شغلتك، قال: فهل سمعت كلامه؟ قالت: نعم والله، فكان يجلو القلوب من العمى كما يجلو الزيت صدأ الطست قال: صدقت، فهل لك من حاجة؟ قالت: أوَ تفعل إذا سألتك؟ قال: نعم. قالت: تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها وراعيها، قال: تصنعين بها ماذا؟ قالت: أغذوا بألبانها الصغار، واستحيي بها الكبار، واكتسب بها المكارم، واصلح بها بين العشائر، قال: فإن أعطيتك ذلك فهل أحلّ عندك محلَّ عليَّ بن أبي طالب؟ قالت: سبحان الله أو دونه فأنشأ معاوية يقول:
إذا لم أعد بالحلم منّي عليكمُ |
فمن ذا الذي بعدي يؤمّل للحلم؟ |
|
خذيها هنيئاً واذكري فعل ماجد |
جزاك على حرب العداوة بالسِّلمِ |
ثمَّ قال: أما والله لو كان عليُّ حيّاً ما أعطاك منها شيئاً، قالت: لا والله ولا وبرة واحدة من مال المسلمين. العقد الفريد ١: ١٦٢، بلاغات النساء لابن أبي طاهر ص ٧٢.
٦٦ - دخلت أروى بنت الحرث بن عبد المطلب على معاوية وهي عجوزٌ كبيرة فلمّا رآها معاوية قال: مرحباً بكِ وأهلاً يا خالة! فكيف كنت بعدنا؟ فقالت: يا ابن أخي لقد كفرت يد النعمة، وأسأت لابن عمِّك الصحبة، وتسمّيت بغير اسمك، وأخذت غير حقّك، من غير دين كان منك ولا من آبائك، ولا سابقة في الإسلام بعد أن كفرتم برسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأنفس الله منكم الجدود، وأضرع منكم الخدود، وردّ الحقّ إلى أهله ولو كره المشركون، وكانت كلمتنا هي العليا، ونبيّناصلىاللهعليهوآلهوسلم هو المنصور، فوليتم علينا من بعده، وتحتجّون بقرابتكم من رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، ونحن أقرب إليه منكم و أولى بهذا الأمر، فكنّا فيكم بمنزلة هارون من موسى، فغايتنا الجنّة وغايتكم النار. الحديث. العقد الفريد ١: ١٦٤، بلاغات النساء ص ٢٧.
٦٧ - من حديث طويل أسلفنا شطراً منه في ترجمة عمرو بن العاص ج ٢ ص ١٣٣ - ١٣٦ فتكلم الحسن بن عليعليهالسلام فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على رسولهصلىاللهعليهوآلهوسلم ثمَّ قال: أمّا بعد: يا معاوية! فما هؤلاء شتموني ولكنّك شتمتني فحشاً ألفته، وسوء رأي
عُرفت به، وخلقاً سيِّئاً ثبتَّ عليه، وبغياً علينا عداوةً منك لمحمّد وأهله، ولكن اسمع يا معاوية! واسمعوا فلأقولنَّ فيك وفيهم ما هو دون ما فيكم.
انشدكم الله أيّها الرّهط أتعلمون أنّ الذي شتمتموه منذ اليوم صلّى القبلتين كليهما وأنت بهما كافر، تراها ضلالة، وتعبد اللات والعزّى غواية؟ وأنشدكم الله هل تعلمون أنّه بايع البيعتين كليهما: بيعة الفتح وبيعة الرضوان؟ وأنت يا معاوية! باحداهما كافر، و بالاُخرى ناكث. وأنشدكم الله هل تعملون أنّه أوّل الناس ايماناً؟ وانّك يا معاوية! وأباك من المؤلّفة قلوبهم تسرُّون الكفر وتظهرون الإسلام، وتستمالون بالأموال. وأنشدكم الله ألستم تعلمون أنَّه كان صاحب راية رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم يوم بدر؟ وأنّ راية المشركين كانت مع معاوية ومع أبيه، ثمَّ لقيكم يوم اُحد ويوم الأحزاب ومعه راية رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ومعك ومع أبيك راية الشرك، وفي كلِّ ذلك يفتح الله له، ويفلج حجّته، وينصر دعوته، ويصدّق حديثه، ورسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم في تلك المواطن كلّها عنه راض، وعليك وعلى أبيك ساخط، وأنشدك الله يا معاوية! أتذكر يوماً جاء أبوك على جمل أحمر وأنت تسوقه وأخوك عتبة هذا يقوده فرآكم رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم فقال: أللهمّ العن الراكب و القائد والسائق، أتنسى يا معاوية! الشعر الذي كتبته إلى أبيك لمـّا همَّ أن يسلم تنهاه عن ذلك.
يا صخر لا تسلمنْ يوماً فتفضحنا |
بعد الذين ببدر أصبحوا مزقا |
|
خالي وعمِّي وعمّ الاُمّ ثالثهم |
وحنظل الخير قد أهدى لنا الارقا |
|
لا تركننّ إلى أمر يكلّفنا |
والرّاقصات به في مكّة الخرقا |
|
فالموت أهون من قول العداة لقد |
عاد ابن حرب عن العزّى إذا فرقا |
والله لما أخفيت من أمرك أكبر ممّا أبديت. وأنشدكم الله أيُّها الرهط! أتعلمون أنَّ عليّاً حرّم الشهوات على نفسه بين أصحاب رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم فأنزل فيه: يا أيّها الذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلَّ الله لكم. وإنَّ رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم بعث أكابر أصحابه إلى بني قريظة فنزلوا من حصنهم فهزموا فبعث عليّاً بالراية فاستنزلهم على حكم الله وحكم رسوله، وفعل في خيبر مثلها ثمَّ قال: يا معاوية! أظنّك لا تعلم أنّي أعلم ما دعا به عليك رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم لمـّا أراد أن يكتب كتاباً إلى بني جذيمة فبعث إليك ونهمك إلى أن تموت، وأنتم أيّها الرَّهط نشدتكم الله ألا تعملون أنَّ رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم لعن
أبا سفيان في سبعة مواطن لا تستطيعون ردّها، أوَّلها [فعدَّ المواطن التي ذكرناها ص ٨١، ٨٢ من هذا الجزء]
راجع تذكرة السبط ص ١١٥، شرح ابن أبي الحديد ٢: ١٠٢، جمهرة الخطب ١: ٤٢٨.
وفي لفظ سبط ابن الجوزي: وأنت يا معاوية! نظر النبيُّصلىاللهعليهوآلهوسلم إليك يوم الأحزاب فرأى أباك على جمل يحرّض الناس على قتاله وأخوك يقود الجمل وأنت تسوقه فقال: لعن الله الراكب والقائد والسائق، وما قابله أبوك في موطن إلّا ولعنه وكنت معه، ولّاك عمر الشام فخنته، ثمَّ وّلاك عثمان فتربّصت عليه، وأنت الذي كنت تنهى أباك عن الإسلام حتّى قلت مخاطباً له:
يا صخر لا تسلمنْ طوعاً فتفضحنا |
بعد الذين ببدر أصبحوا مزقا |
|
لا تركننَّ إلى أمر تقلّدنا |
والراقصات بنعمان به الحرقا |
وكنت يوم بدر واُحد والخندق والمشاهد كلّها تقاتل رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم وقد علمت الفراش الذي وُلدت عليه. الحديث.
قال السبط في التذكرة ص ١١٦، قال الأصمعي والكلبي في المثالب: معنى قول الحسن لمعاوية: قد علمت الفراش الذي وُلدت فيه. انَّ معاوية كان يقال انّه من أربعة من قريش: عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي. مسافر بن أبي عمرو. أبي سفيان. العبّاس بن عبد المطلب. وهؤلاء كانوا ندماء أبي سفيان وكان منهم من يتّهم بهند.
فأمّا عمارة بن الوليد كان من أجمل رجالات قريش.
وأمّا مسافر بن أبي عمرو فقال الكلبي: عامّة الناس على أنَّ معاوية منه لأنّه كان أشدّ الناس حبّاً لهند، فلمّا حملت هند بمعاوية خاف مسافر أن يظهر أنّه منه، فهرب إلى ملك الحيرة فأقام عنده، ثمَّ إنَّ أبا سفيان قدم الحيرة فلقيه مسافر وهو مريضٌ من عشقه لهند وقد سقى بطنه فسأله عن أهل مكة فأخبره، وقيل: إنَّ أبا سفيان تزوَّج هنداً بعد انفصال مسافر عن مكّة، فقال له أبو سفيان: إنّي تزوَّجت هنداً بعدك فازداد مرضه وجعل يذوب فوصف الكيّ فاحضروا المكّاوي والحجّام، فبينا الحجّام يكويه إذ حبق الحجّام فقال مسافر: قد يحبق العير والمكواة في النار. فسارت مثلاً، ثمَّ مات مسافر من عشقه لهند.
وقال الكلبي: كانت هند من المغيلمات وكانت تميل إلى السودان من الرّجال فكانت إذا ولدت ولداً أسود قتلته قال: وجرى بين يزيد بن معاوية وبين اسحاق بن طابة بين يدي معاوية وهو خليفة فقال يزيد لإسحاق: إنَّ خيراً لك أن يدخل بنو حرب كلّهم الجنّة. أشار يزيد إلى أنَّ اُم إسحاق كانت تتَّهم ببعض بني حرب، فقال له إسحاق إنَّ خيراً لك أن يدخل بنو العبّاس كلّهم الجنّة. فلم يفهم يزيد قوله وفهم معاوية، فلمّا قام إسحاق قال معاوية ليزيد: كيف تُشاتم الرّجال قبل أن تعلم ما يقال فيك؟ قال: قصدتُ شين إسحاق. قال: وهو كذلك أيضاً. قال: وكيف؟ قال: أما علمت أنَّ بعض قريش في الجاهليّة يزعمون انّي للعبّاس. فسقط في يدي يزيد. وقال الشعبي: وقد أشار رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم إلى هند يوم فتح مكّة بشيىء من هذا فإنّها لمـّا جاءت تبايعه وكان قد أهدر دمها فقالت: على ما اُبايعك؟ فقال: على أن لا تزنين. فقالت: وهل تزني الحرَّة؟ فعرفها رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم فنظر إلى عمر فتبسّم.
وقال الزمخشري في ربيع الأبرار(١) ج ٣ باب القرابات والأنساب وذكر حقوق الآباء والاُمّهات وصلة الرحم والعقوق:
وكان معاوية يعزى إلى أربعة إلى أبي عمرو بن مسافر. وإلى عمارة بن الوليد. وإلى العبّاس بن عبد المطلب. وإلى الصباح مغنّى اسود كان لعمارة. قالوا: وكان أبو سفيان ذميماً، قصيراً، وكان الصباح عسيفاً لأبي سفيان شابّاً وسيماً فدعته هند إلى نفسها - وقالوا: إنَّ عتبة بن أبي عتبة بن أبي سفيان من الصباح أيضاً - وإنّما كرهت أن تضعه في منزلها فخرجت إلى أجياد فوضعته هناك، وفي ذلك قال حسّان:
لمن الصبيُّ بجانب البطحاء |
في الترب ملقى غير ذي مهد |
|
نجلت به بيضاء آنسة |
من عبد شمسٍ صلبة الخدِّ؟ |
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ١: ١١١: كانت هند تذكر في مكّة بفجور وعهر وقال الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار: كان معاوية. وذكر إلى آخر الكلمة المذكورة فقال: والذين نزَّهوا هنداً عن هذا القذف، فذكر حديث الفاكهة الذي ذكره أبو عبيد معمِّر بن المثنّى.
____________________
١ - وقفت منه على عدة نسخ منها نسخة فى مكتبة الاوقاف العامة ببغداد رقم ٣٨٨.
وفي كتاب لزياد بن أبيه مجيباً معاوية عن تعييره إيّاه بامّه سُميَّة: وأمّا تعييرك لي بسميَّة فإن كنتُ ابن سُميَّة فأنت ابن جماعة. شرح ابن أبي الحديد ٤: ٦٨.
٦٨ - أخرج الحافظ ابن عساكر في تاريخه من طريق عبد الملك بن عمير قال: قدم جارية بن قدامة السعدي على معاوية فقال: من أنت؟ قال: جارية بن قدامة. قال: وما عسيت أن تكون هل أنت إلَّا نحلة؟ قال: لا تقل فقد شبّهتني بها حامية اللسعة حلوة البصاق، والله ما معاوية إلّا كلبة تعاوي الكلاب، وما اُميّة إلّا تصغير أمة.
وأخرج عن الفضل بن سويد قال: وفد جارية بن قدامة على معاوية، فقال له معاوية: أنت الساعي مع عليِّ بن أبي طالب، والموقد النار في شعلك تجوس قرى عربيَّة تسفك دماءهم. قال جارية: يا معاوية! دع عنك عليّاً فما أبغضنا عليّاً منذ أحببناه، ولا غششناه منذ صحبناه.
قال ويحك يا جارية! ما كان أهونك على أهلك إذ سمّوك جارية؟ قال: أنت يا معاوية! كنت أهون على أهلك إذ سمّوك معاوية. إلخ وذكره بطوله وما قبله السيوطي في تاريخ الخلفاء ص ١٣٣.
وفي لفظ ابن عبد ربّه: قال معاوية لجارية: ما كان أهونك على أهلك إذ سمّوك جارية؟ قال: ما كان أهونك على أهلك إذ سمّوك معاوية وهي الاُنثى من الكلاب؟ قال: لا اُمّ لك. قال: اُمِّي ولدتني للسيوف التي لقيناك بها في أيدينا، قال: انّك لتهدّدني؟ - قال: أما والله إنَّ القلوب التي أبغضناك بها لبين جوانحنا، والسيوف التي قاتلناك بها لفي أيدينا إنّك لم تفتتحنا قسراً، ولم تملكنا عنوة، ولكنك أعطيتنا عهداً وميثاقاً، وأعطيناك سمعاً وطاعة، فإن وفيت لنا وفينا لك، وإن فزعت إلى غير ذلك فانّا تركنا وراءنا رجالاً شداداً وألسنة حداداً. قال له معاوية: لا كثّر الله في الناس أمثالك. قال جارية: قل معروفاً وراعنا فإنَّ شرّ الدعاء المحتطب.
العقد الفريد ٢: ١٤٣ في مجاوبة الاُمراء والردّ عليهم، وذكره الأبشيهي قريباً من هذا اللفظ في المستطرف ١: ٧٣ وما ذكرناه بين الخطّين من لفظه.
٦٩ - دخل شريك بن الأعور على معاوية وكان دميماً فقال له معاوية: إنّك لدميم والجميل خيرٌ من الدميم، وانّك لشريك وما لِلَّه من شريك، وإنَّ أباك لأعور والصحيح خيرٌ من الأعور، فكيف سدت قومك؟ فقال له: إنّك معاوية وما معاوية إلّا كلبةٌ عوت فاستعوت الكلاب، وانّك لابن صخر والسهل خيرٌ من الصخر، وإنّك
لابن حرب والسّلم خيرٌ من الحرب، وانّك لابن اُميّة وما اُميّة إلّا أمة صغرت، فكيف صرت أمير المؤمنين؟ ثمَّ خرج وهو يقول:
أيشتمني معاوية بن حرب |
وسيفي صارمٌ ومعي لساني |
|
وحولي من ذوي يزن ليوثٌ |
ضراغمة تهشُّ إلى الطعانِ |
|
يعيِّر بالدمامة من سفاه |
وربّات الجمال من الغواني |
المستطرف ١: ٧٢
قال الأميني: إنّ معاوية لمـّا كان تتوجّه إليه تلكم القوارص من ناحية اسمه، ولعلّه كان لا ينسى معناه عند توجيه الخطاب إليه بذلك، ولم يك له بدٌّ منه إذ سمّته به هند وما كان يسعه أن يخطّأها، فبذل ألف ألف درهم لعبد الله بن جعفر الطيّار أن يسمّي أحد أولاده ( معاوية )(١) زعماً منه بتخفيف الوطئة إن كان له سميٌّ في البيت الهاشمي. لكن خفي على المغفَّل انَّ فناء آل هاشم لا يقصر عن فناء أصحاب الكهف فإنَّ كلبهم ما دنّس ساحتهم، فانّي تدنِّس الأسماء تلك الأفنية المقدَّسة التي منها بيوتٌ أذن الله أن ترفع ويُذكر فيها اسمه.
٧٠ - ومن خطبة لمولانا أمير المؤمنينعليهالسلام : والله ما معاوية بأدهى منّي، ولكّنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كلّ غدرةِ فجرة، ولكلّ فجرة كفرة، ولكلّ غادر لواء يُعرف به يوم القيامة.
ولابن أبي الحديد في شرحه ٢: ٥٧٢ - ٥٨٩ كلمةٌ ضافيةٌ في شرح هذه الخطبة فيها فوائد جمّة من جهات شتّى، ومنها كلمة الجاحظ أبي عثمان حول معاوية، وقول أبي جعفر النقيب: إنَّ معاوية من أهل النار لا لمخافته عليّاً ولا بمحاربته إيّاه، ولكن عقيدته لم تكن صحيحة ولا ايمانه حقّاً، وكان من رؤوس المنافقين هو وأبوه، ولم يسلم قلبه قطّ، وإنَّما أسلم لسانه، وكان يذكر من حديث معاوية ومن فلتات قوله وما حفظ عنه من كلام يقتضي فساد العقيدة شيئاً كثيراً... إلخ.
٧١ – لمـّا قتل العبّاس بن ربيعة يوم صفّين عرار بن أدهم من أصحاب معاوية تأسَّف معاوية على عرار وقال: متى ينطف فحلٌ بمثله؟ أيُطلّ دمه؟ لاها الله ذا. ألا
____________________
١ - تاج العروس ١٠: ٢٦٠.
لِلَّه رجل يشري نفسه يطلب بدم عرار؟ فانتدب له رجلان من لخم. فقال: إذهبا فأيّكما قتل العبّاس برازاً فله كذا. فأتياه ودعواه إلى البراز فقال: إنّ لي سيّداً اُريد أن اُؤامره فأتى عليّاً فأخبره الخبر فقال عليٌّ: والله لودَّ معاوية انّه ما بقي من هاشم نافخ ضرمة إلّا طعن في نيطه(١) إطفاءً لنور الله ويأبى الله إلاً أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون. الحديث عيون الأخبار لابن قتيبة ١: ١٨٠.
٧٢ – لمـّا سلّم الحسن الأمر إلى معاوية قال الخوارج: قد جاء الآن ما لا شكَّ فيه فسيروا إلى معاوية فجاهدوه. فأقبلوا وعليهم فروة بن نوفل حتّى حلّوا بالنخيلة عند الكوفة وكان الحسن بن علي قد سار يريد المدينة، فكتب إليه معاوية يدعوه إلى قتال فروة فلحقه رسوله بالقادسيّة أو قريباً منها فلم يرجع وكتب إلى معاوية: لو آثرت أن اُقاتل أحداً من أهل القبلة لبدأت بقتالك فانّي تركتك لصلاح الاُمّة وحقن دمائها.
ألكامل لابن الأثير ٣: ١٧٧.
٧٣ - قال الأسود بن يزيد: قلت لعائشة: ألا تعجبين لرجل من الطلقاء ينازع أصحاب رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم في الخلافة؟ فقالت: وما تعجب من ذلك؟ هو سلطان الله يؤتيه البرّ والفاجر، وقد ملك فرعون أهل مصر أربعمائة سنة، وكذلك غيره من الكفّار.
تاريخ ابن كثير ٨ ص ١٣١ قال: أخرجه أبو داود الطيالسي وابن عساكر(٢) .
تشبيه امّ المؤمنين معاوية بفرعون وغيره من الكّفار في ملكه يُعرب عن جلّية حال ذلك الملك العضوض ومالك أزمَّته، وما أمر فرعون برشيد يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود واتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة، بئس الرفد المرفود.
٧٤ - أخرج الحافظ ابن عساكر في تاريخه ٦: ٤٢٥ من طريق الشعبي قال: خطب الناس معاوية فقال: لو انّ أبا سفيان ولد الناس كلّهم كانوا أكياساً. فقام إليه صعصعة بن صوحان فقال له: قد ولد الناس كلّهم من هو خيرٌ من أبي سفيان: آدمعليهالسلام فمنهم الأحمق والكيِّس، فقال معاوية: إنّ أرضنا قريبةٌ من المحشر. فقال له: إنّ المحشر لا يبعد على
____________________
١ - النيط: الوسط بين الأمرين.
٢ - ترى ابن كثير حكى هذا الحديث عن أبى داود الطياسى وابن عساكر، وقد حرفته يد الطبع عن مسند الأول وتاريخ الثانى لما فيه من طعن ام المؤمنين على معاوية.
مؤمن ولا يقرب من كافر. فقال معاوية: إنّ أرضنا ارض مقدّسة. فقال له صعصعة: إنّ الأرض لا يقدّسها شيء ولا ينجّسها، إنّما تقدّسها الأعمال. فقال معاوية: عباد الله اتّخذوا الله وليّاً واتّخذوا خلفاءه جنّة تحترزوا بها. فقال صعصعة: كيف وكيف؟ وقد عطَّلت السنّة، وأخفرت الذمّة، فصارت عشواء مطلخمّة، في دهياء مدلهمّة، قد استوعبتها الأحداث، وتمكّنت منها الأنكاث. فقال له معاوية: يا صعصعة! لإن تقعى على ظلعك خير لك من استبراء رأيك، وإبداء ضعفك، تعرض بالحسن بن علي عليَّ، ولقد هممت أن أبعث إليه. فقال له صعصعة: اي والله وجدتهم أكرمهم جدودا، وأحياكم حدوداً، و أوفاكم عهوداً، ولو بعثت إليه فلوجدته في الرأي أريبا، وفي الأمر صليبا، وفي الكرم نجيبا، يلذعك بحرارة لسانه، ويقرعك بما لا تستطيع إنكاره. فقال له معاوية: والله لأجفينك عن الوساد، ولأشردنَّ بك في البلاد، فقال له صعصعة: والله إنّ في الأرض لسعة، وإنّ في فراقك لدعة، فقال معاوية: والله لأحبسنك عطاءك. قال: إن كان ذلك بيدك فافعل، إنّ العطاء وفضائل النعماء في ملكوت من لا تنفد خزائنه، ولا يبيد عطاءه، ولا يحيف في قضيّته. فقال له معاوية: لقد استقتلت. فقال له صعصعة: مهلاً، لم أقل جهلاً، ولم أستحلّ قتلاً، لا تقتل النفس التي حرّم الله إلّا بالحقّ، ومن قتل مظلوماً كان الله لقاتله مقيما، يرهقه اليما، ويجرعه حميما، ويصليه جحيما.
٧٥ - لَمّا ولي معاوية بن يزيد بن معاوية صعد المنبر فقال: إنّ هذه الخلافة حبل الله وانَّ جدِّي معاوية نازعٌ الأمر أهله، ومن هو أحقّ به منه، عليّ بن ابي طالب، وركب بكم ما تعلمون حتّى أتته منيّته فصار في قبره رهيناً بذنوبه، ثمَّ قلّد أبي الأمر، وكان غير أهل له، ونازع ابن بنت رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم فقصف عمره، وانبتر عقبه، وصار في قبره رهيناً بذنوبه ثمَّ بكى.
الصواعق لابن حجر ص ١٣٤.
٧٦ - قال الحارث بن مسمار البهراني: حبس معاوية صعصعة بن صوحان العبدي وعبد الله بن الكواء اليشكري ورجالاً من أصحاب علي مع رجال من قريش فدخل عليهم معاوية يوماً فقال: نشدتكم بالله إلّا ما قلتم حقّاً وصدقاً أيّ الخلفاء رأيتموني؟ فقال ابن الكواء: لولا انّك عزمت علينا ما قلنا لانّك جبّارٌ عنيدٌ لا تراقب الله في قتل الأخيار و لكنّا نقول: إنّك ما علمنا واسع الدنيا، ضيّق الآخرة، قريب الثرى، بعيد المرعى،
تجعل الظلمات نوراً، والنور ظلمات. فقال معاوية: إنّ الله أكرم هذا الأمر بأهل الشام الذابِّين عن بيضته، التاركين لمحارمه، ولم يكونوا كأمثال أهل العراق المنتهكين لمحارم الله والمحلّين ما حرّم الله والمحرِّمين ما أحلَّ الله. فقال عبد الله بن الكواء، يا ابن أبي سفيان انّ لكلّ كلام جواباً ونحن نخاف جبروتك، فإن كنت تطلق ألسنتنا ذبّينا عن أهل العراق بألسنة حداد لا يأخذها في الله لومة لائم، وإلّا فإنّا صابرون حتى يحكم الله ويضعنا على فرجه. قال: والله لا يطلق لك لسان.
ثم تكلّم صعصعة فقال: تكلّمت يا ابن أبي سفيان فأبلغت ولم تقصّر عمّا أردت و ليس الأمر على ما ذكرت، أنّى يكون الخليفة مَن ملك الناس قهراً، ودانهم كبراً، و استولى بأسباب الباطل كذباً ومكراً؟ أما والله مالك في يوم البدر مضربٌ ولا مرمى، و ما كنت فيه إلّا كما قال القائل ( لا حلى ولا سيرى ) ولقد كنت أنت وأبوك في العير والنفير ممّن أجلب على رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم وإنّما أنت طليقٌ ابن طليق، أطلقكما رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم فأنّى تصلح الخلافة لطليق؟ فقال معاوية لولا انّي أرجع إلى قول أبي طالب حيث يقول:
قابلت جهلهمُ حلماً ومغفرةً |
والعفو عن قدرة ضربٌ من الكرم |
لقتلتكم. « مروج الذهب ٢: ٧٨ »
٧٧ - عن أبي مزروع الكلبي قال: دخل صعصعة بن صوحان على معاوية فقال له يا ابن صوحان أنت ذو معرفة بالعرب وبحالها - إلى أن قال -: فاخبرني عن أهل الحجاز.
قال: أسرع الناس إلى فتنة، وأضعفهم عنها، وأقلّهم عناء فيها، غير انّ لهم ثباتاً في الدين وتمسّكاً بعروة اليقين، يتَّبعون الأئمّة الأبرار، ويخلعون الفسقة الفجّار. فقال معاوية: مَن البررة والفسقة؟ فقال: يا ابن أبي سفيان! ترك الخداع مَن كشف القناع، عليٌّ وأصحابه من الائمَّة الأبرار، وأنت وأصحابك من اولئك.
إلى أن قال معاوية: أخبرني عن أهل الشام. قال: أطوع الناس لمخلوق، وأعصاهم للخالق، عصاة الجبّار، وحلفة الأشرار، فعليهم الدمار، ولهم سوء الدار. فقال معاوية: والله يا ابن صوحان! انّك لحاملٌ مديتك منذ أزمان إلّا انّ حلم ابن أبي سفيان يردُّ عنك فقال صعصعة: بل أمر الله وقدرته، انَّ امر الله كان قدراً مقدوراً(١) .
____________________
١ - مروج الذهب ٢: ٧٨، ٧٩.
٧٨ - عن ابراهيم بن عقيل البصري قال: قال معاوية يوماً وعنده صعصعة وكان قدم عليه بكتاب عليّ وعنده وجوه الناس: الارض لِلَّه، وأنا خليفة الله، فما آخذ من مال الله فهو لي وما تركت منه كان جائزاً لي فقال صعصعة:
تمنّيك نفسك ما لا يكو |
ن جهلاً مُعاويَ لا تأثمِ |
فقال معاوية: يا صعصعة! تعلّمت الكلام. قال، العلم بالتعلّم، ومن لا يعلم يجهل قال معاوية: ما أحوجك إلى أن اذيقك وبال أمرك. قال، ليس ذلك بيدك ذلك بيد الذي لا يؤخّر نفساً إذا جاء أجلها، قال، ومن يحول بيني وبينك؟ قال: الذي يحول بين المرء وقلبه. قال معاوية: اتّسع بطنك للكلام كما اتَّسع بطن البعير للشعير. قال: اتَّسع بطن من لا يشبع ودعا عليه من لا يجمع(١) .
٧٩ - سئل صعصعة بن صوحان عن معاوية قال: صانع الدنيا فاقتلدها، وضيّع الآخرة فنبذها، وكان صاحب من أطعمه وأخافه. تاريخ ابن عساكر ٦: ٤٢٤.
٨٠ - أخرج أبو الفرج الاصبهاني في الاغاني ٣: ١٨ قال: أخبرني احمد بن عبد العزيز الجوهري قال: حدّثنا عمر بن شبة قال: حدّثني أحمد بن معاوية عن الهيثم بن عدي قال: حجّ معاوية حجّتين في خلافته وكانت له ثلاثون بغلة يحجُّ عليها نساؤه وجواريه قال: فحجّ في إحداهما فرأى شخصاً يصلّي في المسجد الحرام عليه ثوبان أبيضان فقال: مَن هذا؟ قالوا: شعبة بن غريض(٢) وكان من اليهود فأرسل إليه يدعوه فأتاه رسوله فقال: أجب أمير المؤمنين. قال: أوَ ليس قد مات أمير المؤمنين قبلُ؟ قال: فأجب معاوية فأتاه فلم يسلّم عليه بالخلافة فقال له معاوية: ما فعلت ارضك التي بتيماء؟(٣) قال: يكسى منها العاري ويردّ فضلها على الجار قال: أفتبيعها؟ قال: نعم. قال: بكم؟ قال: بستين ألف دينار ولولا خلّة أصابت الحيّ لم أبعها. قال: لقد أغليت. قال: أما لو كانت لبعض أصحابك لأخذتها بستمائة ألف دينار ثمَّ لم تبل. قال: أجل: وإذ بخلت بأرضك فأنشدني شعر أبيك يرثي نفسه فقال: قال أبي:
____________________
١ - مروج الذهب ٢: ٧٩، جمهرة الخطب ١: ٢٥٧.
٢ - كذا فى الاغانى والصحيح كما ضبطه ابن حجر فى الاصابة: سعنه. بالمهلة والنون. و يقال بالمثناة التحتانية وعريض بالمهملة ايضاً.
٣ - تيما: محل بين الحجاز والشام.
يا ليت شعري حين أندب هالكاً |
ماذا تؤبّنني به أنواحي؟ |
|
أيقلن لا تعبد فربّ كريهة |
فرّجتها ببشارة وسماحِ |
|
ولقد ضربت بفضل مالي حقّه |
عند الشتاء وهبَّة الأرواحِ |
|
ولقد أخذت الحقَّ غير مخاصم |
ولقد رددت الحقَّ غير ملاحِ |
|
وإذا دُعيت لصعبة سهَّلتها |
اُدعى بأفلح مرّة ونجاحِ |
فقال: أنا كنت بِهذا الشعر أولى من أبيك قال: كذبت ولؤمت. قال أمّا كذبت فنعم، وأمّا لؤمت فِلمَ؟ قال: لأنَّك كنت ميت الحقِّ في الجاهليَّة وميته في الإسلام، أمّا في الجاهليَّة فقاتلت النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم والوحي جعل الله كيدك المردود، وأمّا في الإسلام فمنعت ولد رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم الخلافة، وما أنت وهي وأنت طليق ابن طليق؟ فقال معاوية: قد خرف الشيخ فأقيموه فاُخذ بيده فاُقيم.
وذكره ملخّصا ابن حجر في الإصابة ٢: ٤٣ من طريق آخر عن عبد الله بن الزبير وزاد: فقال: ما خرفت ولكن انشدك الله يا معاوية! أما تذكر لمـّا كنّا جلوساً عند رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم فجاء عليٌّ فاستقبله النبيُّصلىاللهعليهوآلهوسلم فقال: قاتل الله من يقاتلك، وعادى من يعاديك.
فقطع عليه معاوية حديثه وأخذ معه في حديث آخر.
معاوية فى ميزان القضاء
لعمر الحق إنّ واحدة من هذه الشَّهادات كافيةٌ في تحطيم قدر الرجل والاسفاف بمستواه إلى الحضيض الأسفل، فكيف بجميعها؟ فانّها صدرت من سادات الصّحابة وأعيانهم العدول جميعهم عند القوم فضلاً عن هؤلاء الذين لا يُشكّ في ورعهم وقداسة ساحتهم عن السقطة في القول والعمل، ولا سيّما وفيهم الإمام المعصوم الخليفة حقّاً المطهّر بلسان الذكر الحكيم عن أيّ رجاسة، الذي يدور الحقُّ معه حيثما دار، وهو مع القرآن والقرآن معه لن يفترقا حتى يردا الحوض(١) وقبل الجميع ما رويناه عن النبيِّ الأقدسصلىاللهعليهوآلهوسلم في حقِّ هذا الإنسان.
فالرجل أخذاً بمجامع تلكم الشّهادات الصادقة للسلف الصالح محكومٌ عليه نصّ أقوالهم من دون أيّ تحريف وتحوير منّا بأنّه امرئ ليس له بصرٌ يهديه ولا قائدٌ يرشده، دعاه الهوى فأجابه، وقاده الضلال فاتّبعه، وما أتى به من ضلاله ليس ببعيد الشبه ممّا أتى به أهله المشركون الكفرة، مصيره إلى اللّظى، مبوّأه النار، اللعين ابن اللعين، الفاجر ابن الفاجر، المنافق ابن المنافق، الطليق ابن الطليق، الوثن ابن الوثن، الجلف المنافق، الأغلف القلب، القليل العقل، الجبان الرذل، يخبط في عماية، ويتيه في ضلالة، شديد اللزوم للأهواء المبتدعة، والحيرة المتّبعة، لم يكن من أهل القرآن ولا مريداً حكمه يجري إلى غاية خُسر، ومحلّة كفر، قد أولجته نفسه شرّاً، وأقحمته غيّاً، وأوردته المهالك وأوعرت عليه المسالك، غمص الناس، وسَفه الحقّ، فاسقٌ مهتوك ستره، يشين الكريم بمجلسه، ويسفه الحليم بخلطته، ابن آكلة الأكباد، الكذّاب العسوف، إمام الرَّدى، وعدوّ النبيِّ، لم يزل عدوًّا لله والسنّة والقرآن والمسلمين، رجل البدع والأحداث كانت بوائقه تُتّقى، وكان على الإسلام مخوّفاً، الغادر الفاسق، مثله كمثل الشيطان يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، لم يجعل الله له سابقة في الدين، ولا سلف صدق في الإسلام، القاسط النابذ كتاب الله وراء ظهره، كان شرّ الاطفال
____________________
١ - راجع الجزء الثالث من كتابنا هذا.
وشرّ رجال، كهف المنافقين، دخل في الاسلام كرها، وخرج منه طوعاً، لم يقدم ايمانه ولم يحدث نفاقه، كان حرباً لِلَّه ولرسوله، حزباً من أحزاب المشركين، عدوَّا لِلَّه ولنبيِّه وللمؤمنين، أقوَل الناس للزور، وأضلّهم سبيلاً، وأبعدهم من رسول الله وسيلة، الغاوي اللّعين، ليس له فضلٌ في الدين معروف، ولا أثرٌ في الإسلام محمود، عادى الله ورسوله وجاهدهما، وبغى على المسلمين، وظاهر المشركين، فلمّا أراد الله أن يظهر دينه وينصر رسوله أتاه فأسلم وهو والله راهبٌ غير راغب، قُبض رسول الله والرجل يُعرف بعداوة المسلم ومودّة المجرم، يُطفي نور الله، ويُظاهر أعداء الله، أغوى جفاةً فأوردهم النار وأورثهم العار، لم يكن في إسلامه بأبرّ وأتقى ولا أرشد ولا أصوب منه في أيّام شركه وعبادته الأصنام.
هذا معاوية عند رجال الدّين الصحيح الأبرار الصادقين، وهذه صحيفة من تاريخه السوداء، وتؤكّد هذه الكلم القيّمة ما يؤثر عن الرَّجل من بوائق وموبقات هي بمفردها حججٌ دامغةٌ على سقوطه عن مبوّأ الصالحين، فإنّها لا تتأتّى إلّا عن تهاون بأمر الله ونهيه، وإغضاء عن نواميس الدين وشرايع الإسلام، وتزحزح عن سنّة الله، وتعدٍّ وشذوذٍ عن حدوده، ومَن يعتدّ حدود الله فاُولئك هُم الظالمون، وإليك نزرٌ منها:
- ١ -
معاوية والخمر
١ - أخرج إمام الحنابلة أحمد في مسنده ٥: ٣٤٧ من طريق عبد الله بن بريدة قال: دخلت أنا وأبي على معاوية فأجلسنا على الفرش ثمّ اُتينا بالطعام فأكلنا، ثمَّ اُتينا بالشراب فشرب معاوية ثمّ ناول أبي ثمّ قال: ما شربته منذ حرّمه رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ثمَّ قال معاوية: كنت أجمل شباب قريش، وأجودهم ثغراً، وما شيىء كنت أجد له لذّة كما كنت أجده وأنا شابٌ غير اللبن أو إنسان حسن الحديث يحدّثني.
٢ - أخرج ابن عساكر في تاريخه ٧: ٢١١ من طريق عمير بن رفاعة قال: مرّ على عبادة(١) بن الصامت وهو في الشام قطارة تحمل الخمر فقال: ما هذه؟ أزيت؟ قيل
____________________
١ - كان بدريا عقبياً أحد نقباء الانصار بايع رسول الله على أن لا يخاف فى الله لومة لائم. سنن البيهقى ٥: ٢٧٧.
لا، بل: خمرٌ تُباع لفلان، فأخذ شفرة من السوق فقام إليها فلم يذر فيها راوية إلّا بقرها وأبو هريرة إذ ذاك بالشام، فأرسل فلانٌ إلى أبي هريرة يقول له: أما تمسك عنّا أخاك عبادة؟ أمّا بالغدوات فيغدوا إلى السوق فيفسد على أهل الذمّة متاجرهم، وأمّا بالعشيِّ فيقعد في المسجد ليس له عملٌ إلّا شتم أعراضنا أو عيبنا، فأمسك عنّا أخاك، فأقبل أبو هريرة يمشي حتى دخل على عبادة فقال له: يا عبادة! مالك ولمعاوية؟ ذره وما حمل، فإنّ الله يقول: تلك اُمَّة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم. قال: يا أبا هريرة؟ لم تكن معنا إذ بايعنا رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم بايعناه على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول في الله لا تأخذنا في الله لومة لائم، وعلى أن ننصره إذا قدم علينا يثرب، فنمنعه ممّا نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأهلنا ولنا الجنّة، فهذه بيعة رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم التي بايعناه عليها فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه، ومن أوفى بما بايع عليه رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم وفي الله له بما بايع عليه نبيّه. فلم يكلّمه أبو هريرة بشيىء.
٣ - وأخرج في التاريخ ٧ ص ٢١٣ من طريق عمرو بن قيس قال: إنّ عبادة أتى حجرة معاوية وهو بأنطرطوس(١) فألزم ظهره الحجرة وأقبل على الناس بوجهه وهو يقول: بايعت رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم أن لا اُبالي في الله لومة لائم، ألا إنَّ المقداد بن الأسود قد غلَّ بالأمس حماراً، وأقبلت أوسقٌ من مال، فأشارت الناس إليها فقال: أيّها الناس إنّها تحمل الخمر، والله ما يحلُّ لصاحب هذه الحجرة أن يعطيكم منها شيئاً، ولا يحلُّ لكم أن تسألوه، وإن كانت مقبلةً - يعني سهماً - في جنب أحدكم، فأتى رجلٌ المقداد وفي يده قرصافة، فجعل يتلّ الحمار بها وهو يقول: معاوية! هذا حمارك شأنك به، حتى أورده الحجرة.
٤ - وفد عبد الله(٢) بن الحارث بن اميّة بن عبد شمس على معاوية فقرَّ به حتّى مسَّت ركبتاه رأسه ثمَّ قال له معاوية: ما بقي منك؟ قال: ذهب والله خيري وشرّي،
____________________
١ - بلدة من سواحل بحر الشام، هى آخر أعمال دمشق من البلاد الساحلية وأول أعمال حمص. معجم.
٢ - أدرك الاسلام وهو شيخ كبير ثم عاش بعد ذلك إلى خلافة معاوية. الاصابة ٢: ٢٩١.