تفسير نور الثقلين الجزء ٣

تفسير نور الثقلين9%

تفسير نور الثقلين مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 643

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 643 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 270897 / تحميل: 8914
الحجم الحجم الحجم
تفسير نور الثقلين

تفسير نور الثقلين الجزء ٣

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

تفسير نور الثقلين

لمؤلِّفه

المـحدّث الجليل العلّامة الخبير ألشيخ عبد عليّ بن جمعة

الـعروسـيّ الحــويـزي قدّس ســرّه

المــتوفّى سنة ١١١٢

صحّحه وعلّق عليه

ألحاج السيّد هاشم الرسولي الـمــَحَلّاتي

ألـمــجلّد الثـالـث

طبــع بنـفـقـة

خادم الشريعة ألحاج أبي القاسم الـمشتهر بسالك

وفقّه الله تعالى لمـــرضاته

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ في كتاب ثواب الأعمال باسناده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من قرأ سورة إبراهيم والحجر في ركعتين جميعا في كل جمعة لم يصبه فقر أبدا ولا جنون ولا بلوى.

٢ ـ في مجمع البيان أبي بن كعب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من قرأها أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد المهاجرين والأنصار والمستهزئين بمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٣ ـ في تفسير العيّاشي عن عبد الله بن عطاء المكّي قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله:( رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ ) قال: ينادى مناد يوم القيمة يسمع الخلايق أنّه لا يدخل الجنة إلّا مسلم، ثمّ يوّد سائر الخلق انهم كانوا مسلمين.

٤ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم حدّثني أبي عن محمد بن أبى عمير عن عمر بن أذينة عن رفاعة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إذا كان يوم القيمة نادى مناد من عند الله: لا يدخل الجنّة إلّا مسلم فيومئذ( يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ ) .

٥ ـ في مجمع البيان وروى مرفوعا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة، قال الكفّار للمسلمين: ألم تكونوا مسلمين؟ قالوا: بلى، قالوا: فما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النار؟ قالوا: كانت لنا ذنوب فأخذنا بها فيسمع اللهعزوجل ما قالوا فأمر من كان في النار من أهل الإسلام فأخرجوا منها، فحينئذ يقول الكفار: يا ليتنا كنّا مسلمين.

قال عزّ من قائل:( ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ )

٦ ـ في أصول الكافي الحسين بن محمد عن معلّى بن محمد عن الوشاء عن عاصم

٢

بن حميد عن أبي حمزة عن يحيى بن عقيل قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إنّما أخاف عليكم اثنتين: إتّباع الهوى وطول الأمل، أمّا اتباع الهوى فانّه يصدّ عن الحق، وأمّا طول الأمل فينسى الآخرة.

٧ ـ عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن عمر بن عثمان عن عليّ بن عيسى رفعه قال: فيما ناجى اللهعزوجل موسىعليه‌السلام : يا موسى لا يطول في الدنيا أملك فيقسو قلبك، والقاسى القلب منى بعيد.

٨ ـ في الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن عليّ بن النعمان عن ابن مسكان عن داود بن فرقد عن أبي شبيبة الزهري عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا استحقت ولاية الله والسعادة جاء الأجل بين العينين، وذهب الأمل وراء الظهر، وإذا استحقت ولاية الشيطان والشقاوة جاء الأمل بين العينين وذهب الأجل وراء الظهر، قال: وسئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أي المؤمنين أكيس؟ فقال أكثرهم ذكرا للموت وأشدهم له استعدادا.

٩ ـ محمد بن يحيى عن الحسين بن إسحق عن عليّ بن مهزيار عن فضالة عن إسمعيل بن أبي زياد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ما أنزل الموت حق منزلته من عدَّ غدا من أجله، قال: وقال: أمير المؤمنينعليه‌السلام : ما أطال عبد الأمل إلّا ساء العمل، وكان يقول: لو راى العبد أجله وسرعته إليه لابغض العمل من طلب الدنيا.

١٠ ـ في نهج البلاغة قالعليه‌السلام : واعلموا ان الأمل يسهى القلب وينسي الذكر، فأكذبوا الأمل فإنّه غرور وصاحبه مغرور.

١١ ـ في كتاب الخصال عن عبد الله بن حسن بن عليّ عن أمّه بنت الحسين عن أبيهاعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ صلاح أوّل هذه الامّة بالزهد واليقين، وهلاك

٣

آخرها بالشح(١) والأمل.

١٢ ـ في كتاب المناقب لابن شهر آشوب بعد أن ذكر قوله تعالى:( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ) ثم قوله تعالى( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) : تفسير يوسف القطان ووكيع بن الجراح واسمعيل السري وسفيان الثوري أنّه قال الحارث: سألت أمير المؤمنينعليه‌السلام عن هذه؟ قال: والله انا لنحن أهل الذكر، نحن أهل العلم، نحن معدن التأويل والتنزيل.

١٣ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم قوله:( وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً ) قال: منازل الشمس والقمر وزيناها للناظرين بالكواكب.

١٤ ـ في مجمع البيان وزيناها بالكواكب النيرة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام وهي في اثنى عشر برجا.

١٥ ـ في قرب الاسناد للحميري باسناده إلى موسى بن جعفرعليه‌السلام حديث طويل يذكر فيه آيات الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول فيه مخاطبا لنفر من اليهود: اما أول ذلك فانكم أنتم تقرؤن ان الجن كانوا يسترقون السمع قبل مبعثه فمنعت في أوان رسالته بالرجوم وانقضاض النجوم وبطلان الكهنة والسحرة.

١٦ ـ في تفسير العيّاشي عن بكر بن محمد الأزدي عن عمّه عبد السلام عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال يا عبد السّلام: إحذر الناس ونفسك، فقلت: بأبي أنت وأمّي أمّا الناس فقد أقدر على أن أحذرهم، فامّا نفسي فكيف؟ قال: إنّ الخبيث المسترق السمع يجيئك فيسترق ثم يخرج في صورة آدمي، فقال عبد السلام: فقلت: بأبي وأمّي هذا ما لا حيلة له قال: هو ذاك(٢) .

__________________

(١) الشح: البخل.

(٢) قال في البحار: الظاهران المراد به ما تلفظ به من معايب الناس وغيرها من الأمور التي يريد أخفاعها فيكون مبالغة في التقية، ويحتمل شموله لما يخطر بالبال، فيكون الغرض رفع الاستبعاد عما يخفيه الإنسان عن غيره ثم يسمعه من الناس وهذا كثير، والمراد بالخبيث الشيطان.

٤

١٧ ـ في أمالي الصدوق (ره) حدّثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي قال: حدثني أبي عن جده أحمد بن أبي عبد الله عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن أبان بن عثمان عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال: كان إبليس لعنه الله يخترق السموات السبع، فلما ولد عيسىعليه‌السلام حجب من ثلث سموات وكان يخترق أربع سموات، فلما ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حجب من السبع كلها ورميت الشياطين بالنجوم، وقالت قريش: هذا قيام الساعة التي كنا نسمع أهل الكتب يذكرونه، وقال عمرو بن امية وكان من أزجر أهل الجاهلية: أنظروا هذه النجوم التي يهتدى بها ويعرف بها أزمان الشتاء والصيف، فان كان رمى بها فهو هلاك كل شيء، وان كانت ثبتت ورمى بغيرها فهو أمر حدث، وأصبحت الأصنام كلها صبيحة ولد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس منها صنم إلّا وهو منكب على وجهه، وارتجس في تلك الليلة إيوان الكسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة(١) وغاضت بحيرة ساوة(٢) وخمدت نيران فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، ورأى المؤبدان(٣) في تلك الليلة في المنام إبلا صعابا تقود خيلا عرابا، قد قطعت دجلة وانسربت في بلادهم، وانقصم طاق الملك الكسرى من وسطه، وانخرقت عليه دجلة العوراء(٤) وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ثم استطار حتّى بلغ المشرق ولم يبق سرير ملك من ملوك الدنيا إلّا أصبح منكوسا والملك مخرسا لا يتكلم يومه ذلك، وانتزع علم الكهنة وبطل سحر السحرة، ولم تبق كاهنة في العرب إلّا حجبت عن صاحبها، وعظمت قريش في العرب وسموا آل اللهعزوجل ، قال أبو عبد الله الصادقعليه‌السلام : إنّما سموا آل الله لأنهم في بيت الله الحرام

__________________

(١) الشرفة من القصر: ما أشرف من بنائه والجمع شرف.

(٢) غاض الماء: نقص وغارفى الأرض.

(٣) المؤبدان: فقيه الفرس وحاكم المجوس وهو للمجوس كقاضي القضاة للمسلمين.

(٤) قال في البحار في بيان الحديث: إنّ كسرى كان سكر بعض الدجلة وبنى عليها بناء، فلعله لذلك وصفوا الدجلة بعد ذلك بالعوراء، لأنه عور وطم بعضها فانخرقت عليه، ورأيت في بعض المواضع بالغين المعجمة من اضافة الموصوف إلى الصفة أي العميقة.

٥

وقالت آمنة: إنّ ابني والله سقط فاتقى الأرض بيديه ثم رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها ثم خرج منى نور أضاء له كل شيء، وسمعت في الضوء قائلا يقول: انك قد ولدت سيد الناس فسميه محمدا، وأتى به عبد المطلب لينظر إليه وقد بلغه ما قالت امه فأخذه فوضعه في حجره ثم قال: الحمد لله الذي أعطانى* هذا الغلام الطيب الأردان* قد ساد في المهد على الغلمان ثم عوذة بأركان الكعبة وقال فيه أشعارا، قال: وصاح إبليس لعنه الله في أبالسته، فاجتمعوا إليه فقالوا: ما الذي أفزعك يا سيدنا؟ فقال لهم: ويلكم لقد أنكرت السموات والأرض منذ الليلة، لقد حدث في الأرض حدث عظيم ما حدث مثله منذ رفع عيسى بن مريم، فاخرجوا وانظروا ما هذا الحدث الذي قد حدث، فافترقوا ثم اجتمعوا إليه فقالوا: ما وجدنا شيئا، فقال إبليس لعنه الله: أنا لهذا الأمر ثم انغمس في الدنيا فجالها حتّى انتهى إلى الحرم، فوجد الحرم محفوظا بالملائكة فذهب ليدخل فصاحوا به فرجع، ثم صار مثل الصرد وهو العصفور فدخل من قبل حراء، فقال له جبرئيل: وراك لعنك الله فقال له: حرف أسألك عنه يا جبرئيل ما هذا الحدث منذ الليلة في الأرض؟ فقال له: ولد محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: هل لي فيه نصيب؟ قال: لا، قال: ففي أمته؟ قال: نعم، قال: رضيت.

١٨ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم : ( وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ ) فلم تزل الشياطين تصعد إلى السماء وتتجسس حتّى ولد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله:( وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ ) أي جبالا( وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ ) قال: لكل ضرب من الحيوان قدرنا شيئا مقدرا. وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ) فان الله تبارك وتعالى أنبت في الجبال الذهب والفضة والجوهر والصفر والنحاس والحديد والرصاص والكحل والزرنيخ وأشباه هذه لا يباع إلّا وزنا.

٦

وقال عليّ بن إبراهيم في قوله:( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) قال: الخزانة الماء الذي ينزل من السماء فينبت لكل حزب من الحيوان ما قدر الله لها من الفداء.

١٩ ـ في روضة الواعظين للمفيد (ره) وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جدهعليه‌السلام أنّه قال: في العرش تمثال جميع ما خلق الله من البر والبحر، قال: وهذا تأويل قوله:( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ ) .

٢٠ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم قوله و( أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ ) قال: التي تلقح الأشجار.

٢١ ـ في تفسير العيّاشي عن ابن وكيع عن رجل عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تسبوا الريح فانها بشر، وإنها نذر وإنها لواقح فاسئلوا الله من خيرها وتعوذوا من شرها.

٢٢ ـ عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام و( لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ) قال: هم المؤمنون من هذه الامة.

٢٣ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ ) قال:

الماء المتصلصل بالطين( مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ قالَ ) حمأ متغير(١) .

٢٤ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن محمد بن الحسن عن النضر بن شعيب عن عبد الغفار الجازي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: طينة الناصب( مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٢٥ ـ في عيون الاخبار في باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام في هاروت وماروت حديث طويل وفيه بعد أن مدحعليه‌السلام الملائكة وقال: معاذ الله من ذلك ان الملائكة معصومون محفوظون من الكفر والقبايح بألطاف الله تعالى، قالا: قلنا له: فعلى هذا لم يكن إبليس أيضا ملكا؟ فقال: لا بل كان من الجن، أما تسمعان الله يقول:( وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ ) فأخبرعزوجل أنّه كان من الجن، وهو الذي قال الله تعالى

__________________

(١) الحمأ: الطين الأسود.

٧

( وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ )

٢٦ ـ في كتاب الخصال عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: الاباء ثلثة: آدم ولد مؤمنا والجان ولد كافرا، وإبليس ولد كافرا، وليس فيهم نتاج إنّما يبيض ويفرخ، وولده ذكور ليس فيهم إناث.

٢٧ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم : ( وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ ) قال: أبو إبليس وقال: الجان من ولد الجان منهم مؤمنون وكافرون ويهود ونصارى وتختلف أديانهم، والشياطين من ولد إبليس وليس فيهم مؤمن إلّا واحد اسمه هام بن هيم بن لا قيس بن إبليس، جاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فرآه جسيما عظيما وامرءا مهولا، فقال له: من أنت؟ قال: انا هام بن هيم بن لاقيس بن إبليس، كنت يوم قتل قابيل هابيل غلاما ابن أعوام أنهى عن الاعتصام وأمر بإفساد الطعام، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بئس لعمري الشاب المؤمل، والكهل المؤمر، فقال: دع عنك هذا يا محمّد فقد جرت توبتي على يد نوح، ولقد كنت معه في السفينة فعاتبته على دعائه على قومه، ولقد كنت مع إبراهيم حين ألقى في النار فجعلها الله عليه بردا وسلاما، ولقد كنت مع موسى حين غرق الله فرعون ونجى بنى إسرائيل، ولقد كنت مع هود حين دعا على قومه فعاتبته، ولقد كنت مع صالح فعاتبته على دعائه على قومه، ولقد قرأت الكتب تبشرني بك ويقرءونك السلام ويقولون: أنت أفضل الأنبياء وأكرمهم، فعلّمني مما أنزل الله عليك شيئا، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنين صلوات الله عليه: علّمه، فقال هام: يا محمّد إنّا لا نطيع إلّا نبيا أو وصيّ نبي، فمن هذا؟ قال: هذا أخى ووصيي ووزيري ووارثي عليّ بن أبي طالب، قال: نعم نجد اسمه في الكتب إليا، فعلّمه أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فلما كانت ليلة الهرير بصفين جاء إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام .

قوله:( وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ ) فقد كتبنا خبره.

٢٨ ـ في كتاب علل الشرائع عن أبي جعفرعليه‌السلام عن عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث طويل وفيه قال الله جل جلاله للملائكة:( إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ

٨

مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ* فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ ) وذلك من اللهعزوجل تقدمة منه إلى الملائكة في آدم من قبل أن يخلقه احتجاجا منه عليهم، قال: فاغترف تبارك وتعالى غرفة من الماء العذب الفرات وصلصلها(١) فجمدت، ثم قال لها: منك أخلق النبيين والمرسلين وعبادي الصالحين والائمة المهتدين الدعاة إلى الجنة وأتباعهم إلى يوم القيمة، ولا أبالى ولا اسئل عما أفعل وهم يسئلون، يعنى بذلك خلقه أنّه يسألهم، ثمّ اغترف من الماء المالح الأجاج فصلصلها فجمدت، ثم قال لها: منك أخلق الجبارين والفراعنة والعتاة واخوان الشياطين، والدعاة إلى النار إلى يوم القيامة وأتباعهم، ولا أبالي ولا اسئل عما أفعل وهم يسألون، قال: وشرط في ذلك البداء ولم يشرط في أصحاب اليمين البداء، ثم خلط المائين فصلصلهما ثم ألقاهما قدام عرشه، وهما ثلة من طين(٢) ثم أمر الملائكة الاربعة الشمال والدبور والصبا والجنوب أن جولوا على هذه الثلة الطين وأبروها(٣) وانسموها، ثم جزوها وفصلوها واجروا الطبائع الاربعة الريح والمرة(٤) والدم والبلغم، قال: فجاءت الملائكة عليها وهي الشمال والصبا والجنوب والدبور فأجروا فيها الطبائع الاربعة، قال: والريح في الطبائع الاربعة في البدن من ناحية الشمال، قال: والبلغم في الطبائع الاربعة في البدن من ناحية الصبا، قال: والمرة في الطبائع الاربعة في البدن من ناحية الدبور، قال: والدم في الطبائع الاربعة في البدن من ناحية الشمال، قال: والبلغم في الطبائع الاربعة في البدن من ناحية الصبا، قال: والمرة في الطبائع الاربعة في البدن من ناحية الدبور، قال: والدم في الطبائع الاربعة في البدن من ناحية الجنوب، قال: فاستقلت النسمة وكمل البدن، قال: فلزمه من ناحية الريح حب الحيوة وطول الأمل والحرص، ولزمه من ناحية البلغم حب الطعام

__________________

(١) الصلصال: الطين اليابس الذي لم يطبخ إذا نقربه صوت كما يصوت الفخار. وصلصل الشيء: صوت.

(٢) وفي تفسير القمى: «سلالة» بدل «ثلة». وكذا فيما يأتى.

(٣) قال المجلسي (ره) قوله: «فأبروها» يمكن أن يكون مهموزا من برأه الله أي خلقه وجاء غير المهموز أيضا بهذا المعنى، فيكون مجازا أي اجعلوها مستعدة للخلق، ويمكن أن يكون من البري بمعنى النحت. كناية عن التفريق أو من التأبير من قولهم أبر النخل أي أصلحه.

(٤) قال زميلنا الفاضل دامت إفاضاته في ذيل الحديث في العلل: قوله الريح والمرة الظاهران المراد بالريح هنا السوداء وبالمرة: الصفراء.

٩

والشراب واللين والرفق، ولزمه من ناحية المرة الغضب والسفه والشيطنة والتجبر والتمرد والعجلة، ولزمه من ناحية الدم حب النساء واللذات وركوب المحارم والشهوات. قال عمرو: أخبرنى جابر أن أبا جعفرعليه‌السلام قال: وجدناه في كتاب من كتب علىعليه‌السلام .

٢٩ ـ وباسناده إلى إسحق القمى(١) عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام : لما كان الله منفردا بالوحدانية ابتدأ الأشياء لا من شيء، فأجرى الماء العذب على أرض طيبة طاهرة سبعة أيام مع لياليها، ثم نضب(٢) الماء عنها فقبض قبضة من صفاء ذلك الطين وهي طينتنا أهل البيت، ثم قبض قبضة من أسفل ذلك الطينة وهي طينة شيعتنا ثم اصطفانا لنفسه، فلو ان طينة شيعتنا تركت كما تركت طينتنا لما زنى أحد منهم ولا سرق ولا لاط ولا شرب المسكر، ولا ارتكب شيئا مما ذكرت، ولكن اللهعزوجل أجرى الماء المالح على أرض ملعونة سبعة أيام ولياليها، ثم نضب الماء عنها، ثم قبض قبضة وهي طينة ملعونة( مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) وهي طينة خبال(٣) وهي طينة أعدائنا، فلو ان اللهعزوجل ترك طينتهم كما أخذناها لم تروهم في خلق الآدميين، ولم يقروا بالشهادتين ولم يصوموا ولم يصلوا ولم يزكوا ولم يحجوا البيت، ولم تروا أحدا منهم بحسن خلق، ولكن الله تبارك وتعالى جميع الطينتين طينتكم وطينتهم، فخلطهما وعركهما عرك الأديم(٤) ومزجهما بالمائين، فما رأيت من أخيك المؤمن من شر: لواط(٥) أو زنا أو شيء مما ذكرت من شرب مسكر أو غيره، فليس من جوهريته ولا من ايمانه، إنّما هو بمسحة الناصب اجترح هذه السيئات التي ذكرت، وما رأيت من الناصب من حسن وجهه وحسن خلق أو صوم أو صلوة أو حج بيت الله أو صدقة أو معروف فليس من جوهريته، إنّما تلك الأفاعيل من

__________________

(١) وقد مر نظير هذا الحديث في سورة يوسف تحت رقم ١٤١ عن كتاب العلل عن أبي ـ إسحق الليثي عن أبي جعفر (ع) وفيه زيادات وإضافات يفهم منها معنى هذا الحديث فراجع.

(٢) نضب الماء: غارفى الأرض وسفل.

(٣) الخبال: الفساد.

(٤) عرك الأديم: دلكه والأديم: الجلد المدبوغ.

(٥) وفي نسخة البحار «من شر لفظ».

١٠

مسحة الايمان اكتسبها، وهو اكتساب مسحة الايمان.

٣٠ ـ في أصول الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن ابى عمير عن ابن أذينة عن الأحول قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الروح التي في آدم قوله( فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) قال: هذه روح مخلوقة، والروح التي في عيسى مخلوقة.

٣١ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن عبد الله بن بحر عن أبي أيوب الخزاز عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عما يروون ان الله خلق آدم على صورته؟ فقال: هي صورة محدثة مخلوقة اصطفاها الله واختارها على ساير الصور المختلفة، فأضافها إلى نفسه كما أضاف الكعبة إلى نفسه، والروح إلى نفسه فقال: «بيتي»( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) .

٣٢ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) قال: روح اختاره الله واصطفاه وخلقه واضافه إلى نفسه، وفضله على جميع الأرواح فنفخ منه في آدم.

٣٣ ـ وباسناده إلى أبي جعفر الأصم قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن الروح التي في آدم والتي في عيسى ما هما؟ قال: روحان مخلوقان اختارهما الله واصطفاهما: روح آدم وروح عيسىعليهما‌السلام .

٣٤ ـ وباسناده إلى أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) قال: من قدرتي.

٣٥ ـ وباسناده إلى عبد الكريم بن عمرو عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ( فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) قال: إنّ اللهعزوجل خلق خلقا وخلق روحا، ثم أمر ملكا فنفخ فيه فليست بالتي نقصت من قدرة الله شيئا من قدرته.

٣٦ ـ وباسناده إلى عبد الحميد الطائي عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) كيف هذا النفخ؟ فقال: إنّ الروح

١١

متحرك كالريح وانما سمى روحا لأنه اشتق اسمه من الريح، وانما أخرجت على لفظة الروح لان الروح مجانس للريح، وانما اضافه إلى نفسه لأنه اصطفاه على ساير الأرواح، كما اصطفى بيتا من البيوت فقال: «بيتي» وقال لرسول من الرسل: «خليلي» وأشباه ذلك، وكل ذلك مخلوق مصنوع محدث مربوب مدبر. في الكافي مثل هذا الحديث الأخير سواء.

٣٧ ـ في قرب الاسناد للحميري باسناده إلى مسعدة بن زياد قال: حدثني جعفر بن محمد عن أبيه أن روح آدمعليه‌السلام لما أمرت أن تدخل فكرهته، فأمرها الله أن تدخل كرها وتخرج كرها.

٣٨ ـ في تفسير العيّاشي عن محمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سألته عن قول الله:( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ ) قال: روح خلقها الله فنفخ في آدم منها.

٣٩ ـ عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله:( فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) قال: خلق خلقا وخلق روحا، ثم أمر الملك فنفخ وليست بالتي نقصت من الله شيئا، هي من قدرته تبارك وتعالى عنه.

٤٠ ـ وفي رواية سماعة عنه: خلق آدم فنفخ فيه، وسألته عن الروح؟ قال: هي من قدرته من الملكوت.

٤١ ـ في نهج البلاغة قالعليه‌السلام : ثم جمع سبحانه من حزن الأرض وسهلها(١) تربة سنها بالماء حتّى خلصت ولاطها بالبلة حتّى لزبت(٢) فجبل منها صورة ذات أحناء ووصول وأعضاء وفصول(٣) أجمدها حتّى استمسكت وأصلدها حتى

__________________

(١) الحزن من الأرض: ما غلظ منها واشتد كالجبل، والسهل: ما لان وفي نهج البلاغة هكذا «ثم جمع سبحانه من حزن الأرض وسهلها وعذبها وسبخها اه».

(٢) سنها بالماء أي خلطها، ولاطها بالبلة أي خلطها بالرطوبة والبلة: النداوة، ولزبت أي لصقت. واللازب: اللاصق.

(٣) جبل بمعنى خلق. والاحناء جمع حنو، وهي الجوانب. والوصول جمع كثرة للوصل وهي المفاصل.

١٢

صلصلت(١) لوقت معدود وأجل معلوم، ثم نفخ فيها من روحه فمثلت إنسانا ذا أذهان يجيلها وفكر يتصرف بها، وجوارح يختدمها، وأدوات يقلبها، ومعرفة يفرق بها بين الأذواق والمشام والألوان والأجناس، معجونا بطينة الألوان المختلفة والأشباه المؤتلفة، والاضداد المتعادية، والأخلاط المتباينة، من الحر والبرد، والبلة والجمود، والمساءة والسرور، واستأدى الله سبحانه الملائكة وديعته لديهم، وعهد وصيته إليهم في الإذعان بالسجود له، والخنوع لتكرمته، فقال تعالى:( اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ ) وقبيله اعترتهم الحمية، وغلبت عليهم الشقوة، وتعززوا بخلقة النار، واستوهنوا خلق الصلصال، فأعطاه النظرة استحقاقا للسخطة، واستتماما للبلية، وإنجازا للعدة، فقال:( فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) .

٤٢ ـ في كتاب الخصال عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: رن(٢) إبليس أربع رنات: أوليهن يوم لعن وحين اهبط إلى الأرض والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٤٣ ـ في كتاب معاني الأخبار باسناده إلى عبد العظيم بن عبد الله الحسنى قال: سمعت أبا الحسن علي بن محمد العسكريعليهما‌السلام يقول: معنى الرجيم أنّه مرجوم باللعن، مطرود من الخير، لا يذكره مؤمن إلّا لعنه، وان في علم الله السابق إذا خرج القائمعليه‌السلام لا يبقى مؤمن في زمانه إلّا رجمه بالحجارة، كما كان قبل ذلك مرجوما باللعن.

٤٤ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى عبد الله بن يزيد بن سلام أنّه قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد سأله عن الأيام: فالخميس؟ قال: هو يوم خامس من الدنيا، وهو يوم أنيس لعن فيه إبليس ورفع فيه إدريس، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٤٥ ـ وباسناده إلى يحيى بن ابى العلا الرازي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام وقد سئل عن قول اللهعزوجل لإبليس:( فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إلى يَوْمِ

__________________

(١) أصلدها أي جعلها صلدا وهي الصلبة الملساء. وقد مر معنى الصلصل قريبا.

(٢) رن الرجل: صاح ورفع صوته بالبكاء.

١٣

الوقت المعلوم ) قالعليه‌السلام : ويوم الوقت المعلوم يوم ينفخ في الصور نفخة واحدة فيموت إبليس ما بين النفخة الاولى والثانية.

٤٦ ـ في تفسير العيّاشي عن وهب بن جميع مولى إسحق بن عمار قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول إبليس:( فَأَنْظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) قال له وهب: جعلت فداك أي يوم هو؟ قال: يا وهب أتحسب أنّه يوم يبعث الله فيه الناس، ان الله أنظره إلى يوم يبعث فيه قائمنا، فاذا بعث الله قائمنا كان في مسجد الكوفة وجاء إبليس حتّى يجثو بين يديه(١) على ركبتيه فيقول: يا ويله من هذا اليوم، فيأخذنا صيته فيضرب عنقه، فذلك اليوم الوقت المعلوم.

٤٧ ـ عن الحسن بن عطية قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: إنّ إبليس عبد الله في السماء الرابعة في ركعتين ستة آلاف سنة، وكان انظار الله إياه إلى يوم الوقت المعلوم بما سبق من تلك العبادة.

٤٨ ـ عن أبان قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إنّ علي بن الحسين إذا أتى الملتزم(٢) قال: أللهمّ ان عندي أفواجا من الذنوب وأفواجا من خطايا وعندك أفواج من رحمة وأفواج من مغفرة، يا من استجاب لا بغض خلقه إليه إذ قال:( فَأَنْظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) استجب لي وافعل بي كذا.

٤٩ ـ في نهج البلاغة قالعليه‌السلام : فلعمري لقد فوق لكم سهم الوعيد وأغرق لكم بالنزع الشديد(٣) ورماكم عن مكان قريب فقال:( رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ

__________________

(١) جثا: جلس على ركبتيه.

(٢) الملتزم ـ بفتح الزاء ـ: دبر الكعبة، سمى به لان الناس يعتنقونه أي يضمونه إلى صدورهم والالتزام: الاعتناق.

(٣) قوله (ع): فوق لكم سهم الوعيد قال الشارح المعتزلي أي جعل له فوقا وهو موضع الوتر وهذا كناية عن التهيؤ والاستعداد، قوله (ع): وأغرق لكم بالنزع الشديد أي استوفى مد القوس وبالغ في نزعها ليكون مر ماه أبعد ووقع سهامه أشد.

١٤

لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) قذفا بغيب بعيد، ورجما بظن مصيب(١) صدقه به أبناء الحمية، وإخوان العصبية، وفرسان الكبر والجاهلية.

قال عز من قائل:( إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) .

٥٠ ـ في كتاب معاني الأخبار حدّثنا أبىرحمه‌الله قال: حدّثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه قال: جاء جبرئيل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له النبي: يا جبرئيل ما تفسير الإخلاص؟ قال: المخلص الذي لا يسأل الناس شيئا حتّى يجد، وإذا وجد رضى، وإذا بقي عنده شيء أعطاه، فان من لم يسأل المخلوق أقر للهعزوجل بالعبودية، وإذا وجد فرضي فهو عن الله راض، والله تبارك وتعالى عنه راض، وإذا أعطى للهعزوجل فهو على حد الثقة بربهعزوجل ، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٥١ ـ في أصول الكافي أحمد عن عبد العظيم عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: هذا صراط على مستقيم.

٥٢ ـ في تفسير العيّاشي عن أبي جميلة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام عن أبي جعفر عن أبيه(٢) عن قوله:( هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ ) قال: هو أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٥٣ ـ في مجمع البيان قرأ يعقوب( هذا صِراطٌ عَلَيَّ ) بالرفع وروى ذلك عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .

٥٤ ـ في كتاب معاني الأخبار باسناده إلى علي بن النعمان عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله:( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ) قال: ليس على هذه العصابة خاصة سلطان، قال: قلت: وكيف جعلت فداك وفيهم ما فيهم؟ قال :

__________________

(١) وفي بعض النسخ وكذا في شرح ابن أبى الحديد «ورجما بظن غير مصيب وقال: هذه الرواية أشهر بوجوه فمن شاء الوقوف عليها فليراجع ج ٣: ٢٣٠ ط مصر.

(٢) وفي المصدر «عن عبد الله بن أبى جعفر عن أخيه» لكن الظاهر هو المختار ففي الصافي: «العياشي عن السجاد».

١٥

ليس حيث تذهب، إنّما قوله:( لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ) أن يحبب إليهم الكفر، ويبغض إليهم الايمان.

٥٥ ـ في روضة الكافي عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن سليمان عن أبيه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال لأبى بصير: يا أبا محمد لقد ذكر كم الله في كتابه فقال:( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ) والله ما أراد بهذا إلّا الائمةعليهم‌السلام وشيعتهم، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٥٦ ـ في تفسير العيّاشي عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قلت: أرأيت قول الله:( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ) ما تفسير هذه الآية؟ قال: قال الله: انك لا تملك أن تدخلهم جنة ولا نارا.

٥٧ ـ عن أبي بصير قال: سمعت جعفر بن محمدعليه‌السلام وهو يقول: نحن أهل الرحمة وبيت النعمة وبيت البركة، نحن في الأرض بنيان وشيعتنا عرى الإسلام(١) وما كانت دعوة إبراهيم إلّا لنا ولشيعتنا، ولقد استثنى الله إلى يوم القيمة على إبليس، فقال:( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ )

٥٨ ـ عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام إنّه إذا كان يوم القيمة يؤتى بإبليس في سبعين غلا، وسبعين كبلا(٢) فينظر الاول إلى زفر في عشرين ومأة كبل وعشرين ومأة غل، فينظر إبليس فيقول: من هذا الذي أضعف الله له العذاب وانا أغويت هذا الخلق جميعا؟ فيقال: هذا زفر فيقال: بما جدد له هذا العذاب؟ فيقال ببغيه على عليٍّعليه‌السلام فيقول له إبليس: ويل لك وثبوره لك، أما علمت ان الله أمرنى بالسجود لادم فعصيته، وسألته ان يجعل لي سلطانا على محمد وأهل بيته وشيعته فلم يجبني إلى ذلك، وقال:( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ )

__________________

(١) هذا هو الظاهر الموافق للمصدر وساير الموسوعات الكبيرة الناقلة عنه لكن في الأصل «غرس الإسلام» والعرى جمع العروة كلما يؤخذ باليد وما يوثق به ويعول عليه. وقولهم «عرى الايمانة ـ أو عرى الإسلام» على التشبيه بالعروة التي يستمسك بها ويستوثق.

(٢) الكبل: القيد.

١٦

٥٩ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم قوله: و( إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ) قال: يدخل في كل باب أهل ملة، وللجنة ثمانية أبواب.

٦٠ ـ وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله:( وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ ) وقوفهم على الصراط، واما( لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ) فبلغني والله أعلم ان الله جعلها سبع درجات أعلاها الجحيم، يقوم أهلها على الصفا منها، تغلى أدمغتهم فيها كغلى القدور بما فيها، والثانية( لَظى نَزَّاعَةً لِلشَّوى تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعى ) والثالثة( سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ ) والرابعة الحطمة ومنها تثور «شرر كالقصر كأنه جمالة صفر» تدق من صار إليها مثل الكحل، فلا تموت الروح، كلما صاروا مثل الكحل عادوا والخامسة الهاوية فيها مالك، يدعون يا مالك أغثنا فاذا أغاثهم جعل لهم آنية من صفر من نار فيها صديد ما يسيل من جلودهم كأنه مهل، فاذا رفعوه ليشربوا منه تساقطت لحم وجوههم من شدة حرها، وهو قول الله( وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً ) ومن هوى فيها هوى سبعين عاما في النار، كلما احترق جلده بدل جلدا غيره والسادسة هي السعير فيها ثلثمائة سرادق من نار، في كل سرادق ثلثمائة قصر من نار، في كل قصر ثلاثمائة بيت من نار، في كل بيت ثلثمائة لون من العذاب من غير عذاب النار، فيها حيّات من نار، وعقارب من نار، وجوامع من نار، وسلاسل من نار، وأغلال من نار، وهو الذي يقول الله:( إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً ) والسابعة جهنم وفيها الفلق، وهو جب في جهنم إذا فتح أسعر النار سعرا، وهو أشد النار عذابا، واما صعود فجبل من صفر من نار وسط جهنم، واما أثاما فهو واد من صفر مذاب يجرى حول الجبل، فهو أشد النار عذابا.

٦١ ـ في تفسير العيّاشي عن أبي بصير قال: يؤتى بجهنم( لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ ) ،

١٧

بابها الاول للظالم(١) وهو زريق، وبابها الثاني لحبتر، والباب الثالث للثالث، والرابع لمعاوية، والخامس لعبد الملك، والسادس لعكر بن هوسر(٢) والسابع لأبي سلامة فهم أبواب لمن اتبعهم(٣) .

٦٢ ـ في كتاب الخصال في سؤال بعض اليهود عليّاعليه‌السلام عن الواحد إلى المائة قال له اليهودي: فما السبعة؟ قال: سبعة أبواب النار متطابقات.

٦٣ ـ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام عن أبيه عن جدهعليهم‌السلام قال: إنّ للنار سبعة أبواب يدخل منه فرعون وهامان، وقارون وباب يدخل منه المشركون والكفار من لم يؤمن بالله طرفة عين، وباب يدخل منه بنو امية هو لهم خاصة لا يزاحمهم فيه أحد، وهو باب لظى وهو باب سقر وهو باب الهاوية يهوى بهم سبعين خريفا، فكلما هوى بهم سبعين خريفا فار بهم فورة قذف بهم في أعلاها سبعين خريفا، ثم هوى بهم هكذا سبعين خريفا، فلا يزالون هكذا أبدا خالدين مخلدين، وباب يدخل منه مبغضونا ومحاربونا وخاذلونا، وانه لأعظم الأبواب وأشدها حرا، قال محمد بن الفضيل الزرقي: فقلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : الباب الذي ذكرت عن أبيك عن جدّكعليهما‌السلام إنّه يدخل منه بنو امية يدخله من

__________________

(١) هذا هو الظاهر الموافق للمصدر والبحار وغيره لكن في الأصل «الظالمين» على صيغة الجمع.

(٢) وفي المصدر والبحار «عسكر» بالسين، وسيأتى من المجلسي (ره) بيان فيه.

(٣) قال المجلسي (ره): زريق كناية عن الاول لان العرب يتشأم بزرقة العين، والحبتر هو الثعلب ولعله إنّما كنى عنه لحيلته ومكره، وفي غيره من الاخبار وقع بالعكس وهو أظهر إذا الحبتر بالأول أنسب، ويمكن أن يكون هنا أيضا المراد ذلك، وانما قدم الثاني لأنه أشقى وأفظ وأغلظ. وعسكر بن هو سر كناية عن بعض خلفاء بني أميّة أو بنى العباس. وكذا أبى سلامة كناية عن أبي جعفر الدوانيقي، ويحتمل أن يكون عسكر كناية عن عائشة وساير أهل الجمل، إذ كان اسم جمل عائشة عسكرا وروى أنّه كان شيطانا «انتهى». وقال في غير هذا الموضع: ويحتمل أن يكون كناية عن بعض ولاة بني أميّة كأبى سلامة، ويحتمل أن يكون أبو سلامة كناية عن ابن مسلم اشارة إلى من سلطهم من بنى العباس.

١٨

مات منهم على الشرك أو ممن أدرك الإسلام منهم؟ فقال: لا أمَّ لك ألم تسمعه يقول: وباب يدخل منه المشركون والكفار، فهذا باب يدخل منه كل مشرك وكل كافر لا يؤمن بيوم الحساب، وهذا الباب الآخر يدخل منه بنو امية لأنه هو لأبي سفيان ومعاوية وآل مروان خاصة، يدخلون من ذلك الباب فتحطمهم النار فيه حطما لا يسمع لهم واعية ولا يحيون فيها ولا يموتون.

٦٤ ـ في مجمع البيان ( لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ ) فيه قولان: أحدهما ما روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ان جهنم( لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ ) أطباق بعضها فوق بعض، ووضع احدى يديه على الاخرى فقال: هكذا، وان الله وضع الجنان على العرض ووضع النيران بعضها فوق بعض فأسفلها جهنم، وفوقها لظى، وفوقها الحطمة وفوقها سقر، وفوقها الجحيم، وفوقها السعير، وفوقها الهاوية، وفي رواية الكلبي: أسفلها الهاوية وأعلاها جهنم.

٦٥ ـ في تهذيب الأحكام محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمد عن ابن أبى نصر قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن رجل اوصى بجزء من ماله؟ فقال: واحد من سبعة ان الله تعالى يقول:( لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ )

٦٦ ـ أحمد بن محمد بن عيسى عن إسمعيل بن همام الكندي عن الرضاعليه‌السلام في رجل أوصى بجزء من ماله؟ قال: الجزء من سبعة، ان الله تعالى يقول:( لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ) .» عنه عن أبي همام عن الرضاعليه‌السلام مثله.

٦٧ ـ في روضة الكافي خطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام وفيها: ألآ وإنّ التقوى مطايا ذلل حمل عليها، وأعطوا أزمتها فأوردتهم الجنة، وفتحت لهم أبوابها ووجدوا ريحها وطيبها، وقيل لهم:( ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ ) .

٦٨ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي (ره) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام وقد ذكر عليّا وأولادهعليهم‌السلام : ألآ ان أولياءهم الذين يدخلون الجنة آمنين، وتتلقيهم الملائكة بالتسليم أن طبتم فادخلوها خالدين.!

١٩

٦٩ ـ في أصول الكافي عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمد الأشعري عن ابن القداح عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كان عليٌّعليه‌السلام يقول: لا تغضبوا ولا تغضبوا، أفشوا السّلام وأطيبوا الكلام وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنّة بسلام ثمّ تلا عليهم قول اللهعزوجل :( السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ ) . والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٧٠ ـ في روضة الكافي عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن الحسن بن شمون عن عبد الله بن عبد الرحمن عن عبد الله بن القاسم عن عمرو بن ابى المقدام عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال: أنتم والله الذين قال اللهعزوجل :( وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ ) .

٧١ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن زياد عن محمد بن سليمان عن أبيه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال لأبي بصير: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال:( إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ ) والله ما أراد بهذا غيركم، والحديثان طويلان أخذنا منهما موضع الحاجة.

٧٢ ـ في تفسير العيّاشي عن محمد بن مروان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ليس منكم رجل ولا امرأة إلّا وملائكة الله يأتونه بالسلام، وأنتم الذين قال الله:( وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ ) .

٧٣ ـ عن محمد بن القاسم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ سارة قالت لإبراهيمعليه‌السلام : قد كبرت فلو دعوت الله ان يرزقك ولدا فتقر أعيننا؟ فان الله قد اتخذك خليلا وهو مجيب دعوتك ان شاء الله، فسأل إبراهيم ربه أن يرزقه غلاما عليما، فأوحى الله اليه: إنّي واهب لك غلاما عليما، ثم أبلوك فيه بالطاعة لي، قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : فمكث إبراهيم بعد البشارة ثلث سنين، ثم جائته البشارة من الله بإسماعيل مرة اخرى بعد ثلث سنين.

٧٤ ـ عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إنّ لوطا لبث في قومه ثلثين سنة يدعوهم إلى الله ويحذرهم عقابه، قال: وكانوا قوما لا يتنظفون من الغائط ولا يتطهرون من

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

المروية عن عليّ (عليه السلام) وأبنائه الأئمّة الهُداة، حقيقة التوحيد في كلماتهم كما أوردها الكتّاب والمؤلّفون في الفِرَق عن المعتزلة بدون تفاوت إلاّ في بعض النقاط التي سنُنبه عليها في المباحث الآتية:

فقد روى محمّد بن بابويه المعروف بالصدوق، في كتابه التوحيد، عن الهيثم بن عبد الله الرماني، عن عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن الحسين بن عليّ (عليه السلام)، أنّ عليّاً (عليه السلام) خطَب الناس في مسجد الكوفة، فقال: (الحمد لله الذي لا مِن شيءٍ كان، ولا مِن شيءٍ كوّن ما قد كان، مستشهد بحدوث الأشياء على أزليّته، وبما وسَمَها من العجز على قدرته، وبما اضطرّها إليه من الفناء على دوامه، لم يخلُ منه مكان فيُدرك بأنّيته، ولا له شبيه مثالٍ فيوصف بكيفيّته، ولم يغِب عن علمه شيءٌ فيعلم بحيثيّته، مباينٌ لجميع ما أحدث في الصفات، وممتنعٌ عن الإدراك بما ابتدع من تصريف الذوات، لا تحويه الأماكن لعظمته، واحدٌ لا بعدد، ودائمٌ لا بأمَد، وقائم لا بعمَد، ليس بجنسٍ فتعادله الأجناس، ولا بشبحٍ فتضارعه الأشباح، ولا كالأشياء فتقَع عليه الصفات) (1).

وجاء في توحيد الصدوق أنّ رجلاً سأله في البصرة عن حقيقة التوحيد فقال: (إنّ القول بالوحدانية يصحّ على أربعة أوجه: اثنان منها لا تجوز عليه سبحانه، واثنان ثابتان له. فأمّا ما لا يجوز منها عليه، فقول القائل: واحد يلاحظ العدَد؛ لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد، ولذا كفَر من قال: إنّ الله ثالث ثلاثة، وكذا إطلاق الواحد عليه يلاحظ أنّه واحد من الناس، ويُراد بذلك النوع من الجنس، وهذا لا يجوز عليه سبحانه؛ لأنّه تشبيه، وجلّ ربنا عن ذلك وتعالى علوّاً كبيراً، وأمّا اللذان يجوَّزان عليه سبحانه فهما الواحد بمعنى نفي الشبيه له، وبمعنى أنّه لا ينقسم في وجودٍ ولا عقلٍ ولا وهمٍ، كذلك ربّنا عزّ وجل) (2).

وبهذا التحديد القصير لحقيقة التوحيد جمَع كل ما ذكره المعتزلة في

____________________

(1) انظر توحيد الصدوق ص 52 تجد الخطبة بكاملها حول صفات الله سبحانه وبيان حقيقة التوحيد كما يليق بذاته تعالى.

(2) انظر المصدر السابق ص 67.

١٤١

معنى الوحدانية؛ لأنّ ما لا شبيه له في الأشياء، لا يكون جسماً، ولا يوصَف بصفات الأجسام، ولا يُحدّ بشيء من الأشياء، وليس له أبعاض وأجزاء، ولا يجري عليه زمان ولا تحيط به الحواس، إلى غير ذلك من الأوصاف التي أوردها المعتزلة لبيان حقيقة التوحيد، كما وأنّ ما لا ينقسم في وجودٍ أو عقلٍ أو وهم، لا يشبه شيئاً من مخلوقاته، ولا يكون محلاًّ للأعراض والحوادث، لأنّ انقسام الشيء ولو في عالم الذهن لا يُمكن أنْ يكون إلاّ باعتبار أجزائه، وعوارضه، وإذا لم يصحّ فيه الانقسام، لابدّ وأنْ يكون مجرّداً عن جميع الحالات والكيفيّات.

وجاء عنه أنّه قال: (إنّ الله ليس بشبح فيرى، ولا بجسمٍ فيجرى، ولا بذي غايةٍ فيتناهى، ولا بمحدِث فيبصر، ولا بمستتر فيكشف، كلمّ موسى تكليماً بلا جوارح وأدوات، ومَن زعَم أنّ إله الخلق محدود فقد جهل الخالق المعبود) (1) .

وجاء عن الفتح بن يزيد الجرجاني أنّه سأل الإمام الرضا (عليه السلام): هل يعلم الله الشيء الذي لم يكن أنْ لو كان كيف يكون؟ فقال: (أمّا سمعت إليه يقول: ( لو كان فيهما آلهةً إلاّ الله لفسدتا ) ، وقوله: ( وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) ، وقال، عن أهل النار: ( أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا ) ، وقال: ( وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ) ، فقد أثبت سبحانه لنفسه أنّه يعلم الشيء الذي لم يكن لو كان كيف يكون) (2).

وقد أورد الإمام (عليه السلام) هذه الآيات التي أثبتت له العِلم بما لم يكن، إلزاماً للقائلين بأنّ العلم لا يتعلّق بالمعدوم حيث شاع القول بذلك في عصره على أحد زعماء المعتزلة (3).

وأورد الصدوق في كتابه التوحيد جملة أُخرى من الأحاديث عن الأئمّة (عليهم السلام)، في تحديد معنى التوحيد تتضمّن تنزيه الله سبحانه عمّا أثبته له المشبّهة والمحدّثون من أهل السنّة، كما أورد السيّد الرضي في نهج البلاغة مجموعة من خطَب أمير المؤمنين (عليه السلام) حول هذا المعنى، وهو

____________________

(1) نفس المصدر ص 61.

(2) نفس المصدر ص 48.

(3) وتنسب هذه المقالة إلى الجهم بن صفوان أوّل المتكلّمين في القدر، وإلى هشام بن محمّد الغوطي أحد زعماء المعتزلة في عصر الإمام الرضا (عليه السلام).

١٤٢

أوّل مَن تطرّق لهذه المواضيع من المسلمين وذلك قبل وجود المعتزلة بعشرات السنين.

أمّا التوحيد عند الأشاعرة الذين يمثّلون رأي المحدّثين والفقهاء، وعامّة أهل السنّة، فقد قال أبو الحسن الأشعري في كتابه (مقالات الإسلاميّين) في وصفه: (إنّ الله واحدٌ أحد لم يتّخذ صاحبةً ولا ولداً، وهو على عرشه كما تنصّ الآية: ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) ، وأنّ له يدَين بلا كيف لقوله: ( خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) ، ولقوله: ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) ، وله عينان، لقوله: ( تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ) ، وله وجه لقوله: ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ ) ، وأنّ أسماء الله لا يُقال أنّها غير الله كما يدّعي المعتزلة والخوارج، وله علم لقوله: ( أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ ) ، ولقوله: ( وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلاّ بِعِلْمِهِ ) ، وأثبتوا له القوّة لقوله تعالى: ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ) .

وأضافوا إلى ذلك أنّ سيّئات العباد يخلقها الله، وجميع الأعمال مخلوقةٌ له سبحانه، ولا يقدر العباد أنْ يخلقوا منها شيئاً، وأنّه يقدر أنْ يصلح الكافرين ويلطف بهم ليكونوا مؤمنين، ولكنّه أراد أنْ لا يصلحهم ولا يلطف بهم، وأرادهم كافرين، وأنّ الله يُرى بالأبصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة تمامه، يراه المؤمنون دون الكافرين؛ لأنّهم عنه محجوبون، وأنّه ينزل إلى السماء الدنيا فيقول: هل مِن مستقر (1).

وقد أورد الأسفراييني في كتابه التبصير عن معتقدات أهل السنّة (2) والجماعة ما هو قريب من ذلك، والأشاعرة كغيرهم من المذاهب الإسلامية، يثبتون له بعض الصفات وينفون عنه غيرها، ولكنّهم يختلفون اختلافاً واقعياً في كيفية اتصافه بتلك الصفات، ومع أنّهم ينفون عنه الجسمية والمكان والحلول يثبتون له ما لا ينفكّ عن هذه الأُمور، ويبدو ممّا ذكرناه من مجمل عقيدة الأشاعرة وأتباعهم المحدّثين أنْ بين رأيهم في حقيقة التوحيد من جهة، ورأي الإمامية والمعتزلة من جهة أُخرى تفاوتاً موجباً لتغايره بلحاظ كل من الرأيين.

____________________

(1) انظر مقالات الإسلاميّين لأبي الحسن الأشعري ص 330 وما بعدها إلى صفحة 333.

(2) انظر التبصير في الدين ص 149 وما بعدها.

١٤٣

وقد اتفقت الفِرَق الثلاث على أنّ صفاته منها ما هو ذاتي ثابت لذاته: كالعلم والقدرة والحياة، والإرادة والسميع، والبصير، ومنها ما هو إضافي يثبت لذاته بعد وجود المنشأ لانتزاعها: كالرازق، والخالق، والمالك، والمميت، وغير ذلك ممّا تتّصف به الذات بعد وجود منشأ لانتزاعها؛ لأنّ صدق الخالق والمالك والرازق والمُميت عليه سبحانه، إنّما صحّ باعتبار وجود المخلوق والمملوك، والإماتة، ولا شكّ بحدوث هذه الصفات تبَعاً لمنشأ انتزاعها أمّا الصفات الذاتية، فالأشاعرة وبعض المعتزلة يدّعون أنّها قديمة مغايرة لذاته، فهو عالمٌ بعلم، وقادرٌ بقدرة، وسميعٌ بسمع وهكذا الحال في بقية الصفات، وأمّا الإمامية فقد اتفقوا على أنّ صفاته ليست أُموراً زائدة على ذاته، وإلاّ لزِم تعدد القديم، أو حدوث الصفات ولا يُمكن الالتزام بكلٍّ منهما (1).

ولقد قسّم المتكلّمون الصفات إلى قسمين سلبية وثبوتية، فالسلبية هي نفي ما لا يليق بذاته عنه، ككونه جسماً آو جوهراً وعرضاً وغير ذلك، والثبوتية، فهي التي تليق بذاته كالعلم والقدرة والسمع والبصر والمُحيي والرازق وغيرها من الصفات التي أثبتها له المتكلّمون والفلاسفة الإسلاميّون.

وقد اتفق الإمامية والمعتزلة على عدم كونه جسماً؛ لأنّ كونه جسماً يلزمه أنْ يكون متحيّزاً، وأنْ يكون جوهراً لو كان متحيّزاً، وإذا كان جوهراً، فإمّا أنْ لا ينقسم أصلاً أو ينقسم، وكلاهما لا يجوز عليه سبحانه.

أمّا الأوّل: فلأنّ الجوهر الذي لا ينقسم هو الجزء الذي لا يتجزّأ، والجزء الذي لا يتجزّأ أصغر الأشياء، وتعالى الله عن ذلك.

وأمّا الثاني: فلو انقسم كان جسماً مركّباً، والتركيب الخارجي يتنافى مع الوجوب الذاتي، هذا بالإضافة إلى أنّه لو كان متحيّزاً، لكان مساوياً لسائر المتحيّزات في الماهية، واللازم من ذلك، إمّا القِدَم أو الحدوث؛ لأنّ المتماثلات لابدّ من توافقها في الأحكام (2).

____________________

(1) انظر المواقف للإيجي ص 45 وما بعدها من الجزء الثامن.

(2) انظر المواقف للإيجي الجزء الثامن من المجلّد الرابع ص 20 و21 وما بعدهما تجد عرضاً وافياً لبقية الأدلّة على نفي الجسمية ولوازمها من التحيّز وخلافه.

١٤٤

ولم يخالف بذلك سوى المشبّهة، وهم الحنابلة والكرامية، فقد ذهبوا إلى إنّه متحيّز بجهة العلو، ويظهر من الأشعري أنّ عقيدة أهل السنّة بأجمعهم على ذلك (1)، وعلى أيّ الأحوال فالمشبّهة من الحنابلة والمحدّثين، يدّعون أنّه متحيّز كبقية الأجسام بنحوٍ يصحّ الإشارة إليه، وهو مماس للصفحة العليا من العرش على حد تعبيرهم، ويجوز عليه التحوّل من مكانٍ إلى آخر، وأنّ العرش يئط من تحته أطيط الرحل الجديد تحت الركب الثقيل، ويزيد عن العرش من كلّ جهة أربعة أصابع وأضافوا إلى ذلك أنّ المؤمنين المخلصين يعانقونه في الآخرة.

وادعى بعض الحشوية من المحدّثين أنّه جسمٌ مركّب من لحمٍ ودم، وقال آخرون: إنّه نور يتلألأ كالسبيكة البيضاء، ويبلغ طوله سبعة أشبار بشبر نفسه، وقال آخرون: أنّه شيخٌ أشمط الرأس واللحية، إلى غير ذلك من الانحرافات والخرافات التي لا يقرّها العقل ولا المنطق، ولا مصدر لها من كتاب أو سنّة، وليس في القرآن سِوى بعض الآيات التي قد يتراءى لأوّل نظرة فيها أنّه جسم كبقية الأجسام، ولكنّها محاطة بآيات أُخرى، ونصوص من السنّة، وقرائن في تلك الآيات الموهمة لكونه جسماً، تؤكّد أنّ المعنى الموهوم من ظاهرها غير مراد منها.

وقال بعضهم، في تفسير قوله تعالى ( فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ) : إنه يقعد معه على سريره، وادعى معاذ العنبري - أحد الحشوية من السنّة - أنّ الله على صورة إنسان، وله كلّ ما للإنسان حتى الفرج، وأضاف بعضهم انّه رأى صورة آدم فخلق نفسه على مثالها، وأنّه يضحك حتى تبدو نواجذه، وفي رجليه نعلان من ذهب في روضةٍ خضراء تحمله الملائكة، وأنّ الملائكة مخلوقة من زغَب ذراعيه.

وجاء عن داود الظاهري أنّ الملائكة عادته حينما اشتكى من وجَع في عينيه، وينزل إلى السماء الدنيا في النصف من شعبان في كلّ عام، وفي الآخرة لا يعرفه الناس إلاّ بعد أنْ يظهر لهم العلامة التي امتاز بها في ساقه، فإذا كشف لهم عن ساقه سجدوا له، ورووا أنّ فاطمة بنت محمّد (صلّى الله عليه وآله) تأتي يوم القيامة وعليها قميص الحسين (عليه السلام) لتخاصم يزيد بن معاوية إلى الله؛ لأنّه قتل ولدها الحسين، وسبى عياله وأطفاله، فإذا رآها الله

____________________

(1) انظر ص 323 من مقالات الإسلاميّين في الفصل الذي عقده لبيان عقيدة أهل السنّة.

١٤٥

سبحانه دعا يزيد بن معاوية إليه وادخله تحت قوائم عرشه، كي لا تظفر به فاطمة (عليه السلام)، فيدخل يزيد ويختبئ منها، ثمّ تتظلّم فاطمة وتبكي، فيخرج الله سبحانه لها قدمه، وبها جرح من سهم نمرود، على حدّ زعمهم، فيقول لها: انظري إلى جرح قدمي، هذا من آثار سهم نمرود وقد عفوت عنه.

وفي شرح النهج لابن أبي الحديد إنّهم رووا في الصحاح أنّ آدم مخلوق على صورته تعالى، وأنّ النار عندما تتغيّظ وتزفر لا تسكن حتى يضع رجله فيها، ويُنسب إلى حمّاد بن أبي سلَمة الأُستاذ الأوّل لأبي حنيفة وأحد فقهاء الرأي، إنّ الله ينزل ليلة عرَفة من السماء إلى الأرض على جملٍ أحمر في هودجٍ من ذهب (1) .

والقول بالتجسيم لازم لكلّ من يلتزم بظواهر الآيات كالحنابلة وأتباعهم، أمّا الأشاعرة فمع أنّهم يلتزمون بظواهر الآيات بدون تصرّف فيها، فقد التزموا بأنّ لله وجهاً ويدين وعيناً، ولكنّهم اعتبروها أوصافاً قائمة بذاته تهرّباً من التجسيم الذي يدّعيه بعض الحنابة والحشوية تمشّياً مع العقل الذي يرى التجسيم منافياً للوحدانية (2).

وجاء عن عليّ (عليه السلام) حول المشبّهة والمُجسّمة: (كذب العادلون بك إذ شبّهوك بأصنامهم، ونحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم، وجزّأوك تجزئة المجسّمات بخواطرهم، وأشهد أنّ مَن ساواك بشيء مِن خلقك فقد عدل بك، والعادل بك كافرٌ بما نزلت به محكمات آياتك، ونطقت به شواهد حُجج بيّناتك) (3).

وقد بالغ الكتّاب والمؤلّفون في الفِرَق والمذاهب في نسبة التجسيم إلى هشام بن الحكم، ونسبوا إليه بعض المقالات المنافية لأُصول الاسلام، والتي لا يقرّها العقل، ولا تنسجم مع سيرة هشام وعلمه وصلته بالأئمّة من أهل البيت (عليه السلام)، فقد جاء في التبصير للأسفراييني، أنّه كان يقيس

____________________

(1) انظر ما ذكرنا من أقوال المجسّمة وأدلّتهم الجزء الثامن من المواقف ص 26، وشرح النهج لابن أبي الحديد طبع مصر ج 1 ص 294 و295 وما بعدها.

(2) انظر شرح النهج 296.

(3) شرح النهج لابن أبي الحديد ج 2 ص 144.

١٤٦

معبوده على الناس، وأنّه سبعة أشبار بشبره وأنّه يتلألأ نوراً، وحكى عنه أبو الهذيل العلاّف أحد زعماء المعتزلة وقد سأله: أيّهما أكبر معبوده أم جبل أبي قبيس؟ فقال: إنّ الجبل لا يرقى عليه تعالى، وحكى عنه أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميّين، أنّه قال: إنّ الله جسمٌ محدودٌ عريضٌ عميق طويل، طوله مثل عرضه وعمقه مثل طوله، وأنّه ذو لونٍ وطعمٍ ورائحة ومجسة إلى غير ذلك من المقالات التي ينسبها إليه كتّاب الفِرَق وغيرهم، وقد وصفه المعتزلة بالخروج عن الاسلام، وهاجمه الجبائي وغيره منهم، وقال فيه بعضهم:

ما بال مَن ينتحل الاسلام

متّخذاً إمامه هشاما (1)

ويبدو من ذلك أنّ الحملات العنيفة التي واجهها هشام، من أخصامه المعتزلة والمحدّثين والفقهاء من السنّة كانت بدافع التشنيع عليه؛ لأنّه كان يُخاصم الفريقين ويناظرهم ولا يثبتون له في جميع مواقفهم معه، كما تؤكّد ذلك المرويّات في ترجمته، وليس في كلماته ما يشير إلى التجسيم المنسوب إليه، وكلّ ما ورد عنه أنّه قال: إنّ الله جسم لا كالأجسام، قال ذلك على سبيل المعارضة والجدَل لأخصامه المعتزلة القائلين بأنّه شيء لا كالأشياء، وهذا النوع من الجدَل لا يدلّ على أنّه اتخذه رأياً له، ولا مذهباً يدين به كما يدّعي كتّاب الفِرَق والمذاهب.

ولو افترضنا أنّه كان يدين بذلك، فليس في هذا الرأي ما يوجب الكفر والإلحاد كما وصفه بذلك النظّام والجبائي وغيرهما من المعتزلة والمحدّثين، وليس في كلماته ما يشير إلى حديث الأشبار السبعة من قريب أو بعيد التي نسبها إليه الجاحظ والنظّام، هذا بالإضافة إلى أنّ هشام بن الحكم كان من تلامذة الأئمّة من أهل البيت (عليه السلام) الذين أعلنوا حرباً لا هوادة فيها على المجسّمة وأصحاب المقالات التي لا تتّفق مع قداسة الخالق وتنزيهه عن صفات مخلوقاته، وكان على صلةٍ أكيدة بهم، ومفضّلاً على الأجلّة من شيوخ أصحابهم.

وقال فيه الإمام الصادق (عليه السلام): (لا تزال مؤيّداً بروح القدس يا

____________________

(1) انظر التبصير في الدين ص 106 ومقالات الإسلاميّين ج 1 ص 257 والشافي للسيّد المرتضى ص 11.

١٤٧

هشام، ما نصرتنا بلسانك)، وجاء عنه أيضاً أنّه دخل على الإمام الصادق وكان شابّاً قبل أنْ يختطّ عارضاه بالشعر، وفي مجلسه أجلاّء الشيوخ من شيعته وتلاميذه، فوسّع له في مجلسه، وأدناه منه ثمّ قال: (هذا ناصرنا بقلبه ويده ولسانه)، وقال فيه مّرة أُخرى: (هشام بن الحكم رائد حقّنا، والمؤيّد لصِدقنا، والدافع لباطل أعدائنا، مَن تبعه وتبِع أمره تبعنا، ومَن خالفه وألحَد فيه فقد خالفنا وألحد فينا)، إلى غير ذلك من المرويّات الكثيرة في فضله وسلامة عقيدته، والتي تؤكّد بصراحة أنّه كان يُطبّق مبدأ الأئمّة من أهل البيت وتعاليمهم في أقواله وأفعاله وآرائه.

وكيف تصحّ في حقّه تلك التهم والمقالات الفاسدة المنافية لأُصول الإسلام ونصوص القرآن، مع تعظيم الأئمّة له، وتقديرهم لجهوده وجهاده؟ إنّ نسبة هذه المقالات إلى هشام بن الحكَم وجوازها عليه لا ينفكّ عن جوازها على الأئمّة أنفسهم الذين رفعوا شأنه، وفضّلوه على الأجلّة من أصحابهم.

وممّا يؤكّد عدم صحّة تلك المرويّات عنه أنّها لم ترِد عن غير أعداء الشيعة وأعدائه بصورة خاصة؛ لأنّه وقف لهم ولغيرهم من الملحدين وأهل البِدَع والمنحرفين بالمرصاد، وله مواقف حاسمة مع عمرو بن عبيد أحد زعماء المعتزلة، وإبراهيم بن سيار النظّام وغيرهما في الإمامة وغيرها من الأصول الإسلاميّة، وجاء فيما رواه أبو عمر الكشّي في رجاله، أنّ إبراهيم النظام كان ينكر بقاء أهل الجنّة إلى الأبد، مدّعياً أنّ البقاء الأبدي لا يكون لغير الله، وقد جرى حوار بينه وبين هشام بن الحكَم حول هذا الموضوع، قال فيه هشام: إنّ بقاء الله لا يحتاج إلى سبب وعلّة، وبقاؤهم لا يكون إلاّ بسبب، هو إرادة الله ومشيئته، فلا يلزم من بقائهم مشاركتهم لله سبحانه.

ولمّا أصرّ النظّام على أنّهم بعد استيفاء نصيبهم من النعيم يجمدون على الحالة التي كانوا عليها، قال هشام: أوَلَيس في الجنّة كلّ ما تشتهي الأنفس؟ ومِن الجائز أنْ يشتهوا البقاء فيها إلى الأبد، قال النظّام: نعم ولكنّهم لا يلهمون إلى ذلك، وإنْ سألوه أعطاهم ما يريدون.

قال هشام: فلو أنّ رجلاً من أهل الجنّة نظر إلى ثمرة من ثمارها، فتدلّت إليه الشجرة ليقطف منها تلك الثمرة، ثمّ حانت منه لفتة أُخرى، فنظر إلى ثمرةٍ أُخرى منها فمدّ يده ليأخذها فأدركه الجمود الذي تدّعيه،

١٤٨

ويداه معلقتان بشجرتين فارتفعت الأشجار يصبح والحالة هذه مصلوباً، أَفبلغك أنّ في الجنّة مصلوباً؟ قال النظّام: إنّ ذلك محال، فقال هشام: إنّ ما أتيت به أمحل منه يا جاهل.

ومهما كان الحال، فالخصومة الشديدة التي كانت بينه وبين أصحاب المقالات والآراء المخالفة لأُصول الاسلام، ولا سيّما خصومته لأقطاب المعتزلة كعمرو بن عبيد، والنظّام والجاحظ وأمثالهم، هذه الخصومة هي التي دفَعت أعداءه إلى الكذِب والتشويش عليه، ولو افترضنا أنّه كان من القائلين بالتجسيم، وأنّه كان دَيصانياً في بداية أمره، ثمّ أصبح جهمياً، وأخيراً أصبح إمامياً متحمّساً لفكرة الإمامية، ولو افترضنا أنّه كان ديصانياً وجهمياً قبل تشيّعه لأهل البيت (عليه السلام)، فلابدّ وأنْ يكون قد رجَع عن القول بالتجسيم بعد المرحلة الأخيرة التي استقرّ عليها، كما يبدو ذلك من سيرته، ومعاملة الأئمّة الهداة (عليه السلام) له.

وجاء في بعض المرويّات أنّ الإمام جعفر بن محمّد (عليه السلام) قد منعه من الدخول عليه؛ لأنّه يقول بالتجسيم، واعتذر عن ذلك بأنّه لم يعلم بأنّه يتخطى رأي إمامه بذلك، أمّا بعد أنْ علم بذلك، فهو تائب إلى الله (1)، على أنّ ذلك كلّه مجرّد افتراض، والرواية المذكورة لا تؤيّدها الدراسة لتاريخ هشام بن الحكم وتتبّع آثاره، والذي تؤيّده الشواهد المتعدّدة أنّ هشاماً منذ نشأته لم ينحرف عن التشيّع، وقضى مدّة حياته صلباً في تشيعه، وخصماً عنيداً لكلّ مَن يُحاول التشويش عليه من أيّ فرقةٍ كان.

والرواية الحاكية لخصومته مع عمرو بن عبيد في البصرة حول الإمامة، تنصّ على أنّه كان يوم ذاك في مطلع شبابه، لم يختط عارضاه بالشعر كما جاء فيها، وقد جاء في الشافي للسيّد المرتضى، أنّ الإمام الصادق كان يرفعه على شيوخ أصحابه مع حداثة سنّه، وأنّه وهو في ريعان شبابه كان يُدافع ويناضل عن التشيّع وأُصوله (2).

ومن ذلك نستفيد أنّه لم يعتنق غير التشيّع مذهباً، ولم يتبنّ غير أُصوله وفروعه، وكيف يجوز في حقّه أنْ يكون ديصانياً تارة، وجهمياً أُخرى، مع كونه خصماً عنيداً لأعداء التشيّع قبل أنْ يختطّ عارضاه

____________________

(1) انظر هشام بن الحكم للشيخ عبد الله نعمة.

(2) انظر الشافي للسيّد المرتضى ص 12 و13.

١٤٩

بالشعر أي في مطلع شبابه وهذا السنّ لا يُساعد عادة على استعراض المذاهب ودراستها والتنقّل من مذهب إلى مذهب، على أنّ هذه النسبة جاءته مِن قِبل أخصامه المعتزلة الذين كانوا يرونه من أنكد أخصامهم الأقوياء، ونسَج المتأخّرون منهم على منوالهم، وما زال الكتّاب يلصقون به وبغيره من أعلام الشيعة، كلّ ما يُسيء إلى سمعتهم ويُوهن من أُمورهم، ويجترون أقوال المتقدّمين بدون تحقيق أو تمحيص.

وجاء في تاريخ الفِرَق الإسلامية أنّ أصل التشبيه يرجع إلى طائفتين: طائفة الروافض من الشيعة، وطائفة الحشوية من المحدّثين، ويمثّل الطائفة الأُولى هشام بن الحكم (1)، وقد ذكرنا أنّ مصدر إلصاق هذه التهمة به هو الكلمة المنسوبة إليه وهي، (إنّه جسمٌ لا كالأجسام)، وهي على تقدير صدورها منه صورة ثانية عن مقالة المعتزلة، (إنّه شيءٌ لا كالأشياء)، والمقصود منها أنّه لا يشبه شيئاً من مخلوقاته، ولا تدلّ على أكثر من ذلك، ومع ذلك فقد استباحوا إلصاق هذه المقالات الباطلة به، ولم ينسبوا إلى الأشعري والمحدّثين القول بالتشبيه والتجسيم، مع أنّ كلماتهم أدلّ على التجسيم المطلق من هذه الكلمة.

قال أبو الحسن الأشعري، في شرح معتقدات أهل السنّة: (إنّ الله يُرى بالأبصار يوم القيامة، كما يُرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون، وأنّه ينزل إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من مستغفر؟ وله يدان وعينان ووجه وغير ذلك من الأعضاء، وعقّب ذلك بقوله: وبكلّ ما ذكرنا من قولِهم نقول وإليه نذهب (2)، وذكر في التبصير نحواً من ذلك، واستدلّ على رؤية الله سُبحانه بأنّ ما لا تصحّ رؤيته لم يتقرّر وجوده، هذا بالإضافة إلى ما ذكرناه سابقاً عن الحنابلة الذين أنزلوه إلى مستوى البشر، ومع ذلك فالشيعة عند عليّ الغرابي، هُم المشبّهة والمجسّمة بزعامة هشام بن الحكَم.

أمّا القائلون بأنّ له يداً وعيناً ووجهاً وأنّه يُرى بالأبصار، وينزل إلى السماء الدنيا وغير ذلك ما هو ثابت عن أهل السنّة الأشاعرة وغيرهم،

____________________

(1) انظر تاريخ الفِرَق الإسلامية لعلي الغرابي.

(2) انظر صفحة320 وما بعدها إلى ص325 الجزء الأول من مقالات الإسلاميّين، وانظر التبصير في الدين ص138.

١٥٠

هؤلاء هم الموحّدون الحقيقيّون عند الغرابي وغيره من كتّاب السنّة.

ومن صفاته السلبية، أنّه ليس بجوهر ولا عرض؛ إذ لو كان جوهراً لكان متحيّزاً، والتحيز يلزمه التجسيم وكونه محتاجاً إلى غيره، هذا بالإضافة إلى أنّ الجوهر وجوده غير ماهيته، والواجب متّحد وجوداً وماهية، ولو كان عرضاً احتاج إلى محل يعرض عليه؛ لأنّ الأعراض إنّما تتقوّم بغيرها.

ومنها أنّه ليس زمانياً بمعنى أنّ وجوده لا يحتاج إلى الزمان، ولو كان زمانياً لزِم كون الزمان قديماً، وكونه مفتقراً إلى غيره كما هو الحال في كلّ زماني، مضافاً إلى أنّ الزمان يتجدّد، والحال في المتجدّد لابدّ وأنْ يكون متجدّداً، وتعالى الله عن ذلك، وليس معنى كونه قديماً هو التقدّم الزماني، كما وأنّ بقاءه لا يعني وجوده في زمانين أو أكثر، وإلاّ لزِم كونه زمانياً.

ومنها أنّه لا يتّحد بغيره لامتناع صيرورة الشيئين شيئاً واحداً، وينسب القول بذلك إلى الصوفية؛ لأنّهم يدّعون بأنّه متّحد بأبدان العارفين، وأنّه نفس الوجود، وكلّ موجود هو الله على حدّ زعمهم.

ومنها أنّه لا يحلّ بغيره؛ لأنّ الحال مفتقر إلى المحل، وكلّ مفتقر إلى غيره ممكن، مضافاً إلى أنّ الحلول يستدعي التبعية، والغني بذاته لا يكون تابعاً لغيره، ولو افترضنا ذلك لزِم كون المحل قديماً فيتعدّد القديم، والقول بالحلول منسوبٌ إلى المتصوّفة القائلين بأنّ الله يحل في أبدان العارفين، وأنّ الإنسان متى وصل إلى أعلى مراتب المعرفة فقد اتحد مع الإله، فتسقط عنه جميع التكاليف.

وفكرة الحلول والاتحاد لازمة لقول النصارى في المسيح، لأنّه تعالى إمّا حالٌّ في المسيح أو متّحدٌ معه، أو أنّ صفته قد حلّت فيه، وعلى جميع التقادير إمّا أنْ يكون الحلول ببدن المسيح أو بنفسه، وقد بيّنا أنّ الاتّحاد محال عقلاً مع فرض الاثنينية، والحلول يؤدّي إلى النتائج التي ذكرناها (1).

ومنها أنّه لا يتّصف بشيء من الأعراض المحسوسة بالحسّ الظاهر أو الباطن كالطعم واللون والرائحة والألم، والحقد، والحزن، والخوف وغير ذلك؛ لأنّ هذه كلّها من توابع المزاج والأجسام المركّبة من عناصر

____________________

(1) انظر المواقف جزء 8 ص 29 و30 وكشف الحق ونهج الصدق للعلاّمة الحلّي ص 17.

١٥١

مختلفة، وأجزاء متباينة لكلّ واحد منها آثار وخواص تخصّه، وقد أثبتنا أنّه تعالى ليس بجسمٍ لتكون له هذه الآثار والخصائص الثابتة للأجسام.

الصفات الوجودية

لقد ذكرنا سابقاً أنّ المتكلّمين قسّموا الصفات إلى قسمين ثبوتية وسلبية، وقد ذكرنا قسماً من الصفات السلبية، أمّا الصفات الوجودية فهي إمّا راجعة للذات ابتداءً وبلا توسّط شيءٍ آخر، وأمّا أنْ تكون صفة للذات باعتبار الأفعال الصادرة عنها، قال الشيخ المفيد: (صفات الله على ضربين، أحدهما منسوبٌ إلى الذات، فيقال عنها أنّها صفاتٌ للذات، وثانيهما منسوبٌ إلى الأفعال فتكون صفة لها، والمراد من صفات الذات هو كونها مستحقّة لها استحقاقاً لازماً، لا لشيء سِواها، ومعنى صفات الأفعال، هو أنّها تجب بوجود الفعل ولا تجب قبل وجوده.

فصفات الذات له تعالى، هي وصْفَه بأنّه حيٌّ عالمٌ قادر، ألا ترى أنّه لم يَزل مستحقّاً لهذه الصفات ولا يزال، ووصْفُنا له بصفات الأفعال معناه أنّه قبل صدور الفعل لا يصحّ وصفه سبحانه بتلك الصفة، فقبل خلقه الخلْق لا يُوصف بأنّه خالق، وقبل إماتته الخلق لا يقال عنه مميت، إلى غير ذلك مّن الصفات التي لا يصحّ حملها على الذات إلاّ بعد وقوع الفعل منه سبحانه.

وأضاف إلى ذلك أنّ صفات الذات لا يوصف صاحبها بأضدادها، ولا يخلو منها، أمّا صفات الأفعال فيوصف مستحقّها بضدّها كما يصحّ خلوّه عنها، فلا يوصف بالموت ولا بالعجز ولا بالجهل، كما لا يوصف بخلوّه عن الحياة والعلم والقدرة؛ لأنّ هذه الصفات ثابتة لذاته تعالى، ويصحّ أنْ يقال فيه أنّه غير خالق اليوم ولا رازق لزيد، ولا محيي للميّت الفلاني،  ولا مُبدِئ لشيء في هذه الحالة) (1).

____________________

(1) انظر تصحيح اعتقادات الصدوق للشيخ المفيد ص 11.

١٥٢

والمتحصّل من ذلك أنّ نسبة الصفات إليه تعالى ليست على نهجٍ واحد؛ لأنّ منها ما يُنسب إلى ذاته ابتداءً ولا توسّط لشيء، ومنها ما ينسب لذاته بلحاظ ما يصدر عنه من الأفعال، والظاهر أنّ القسم الثاني من الصفات ليس داخلاً في النزاع القائم بين الأشاعرة وغيرهم، في أنّ صفاته عين ذاته أم غيرها؟ لأنّ هذه الصفات إنّما تجري عليه سبحانه بلحاظ ما يصدر عنه، فهي تابعة لمنشأ انتزاعها، كما وأنّ القسم الأوّل من الصفات لا إشكال في أنّه الموضوع للنزاع القائم بين الطرفين الأشاعرة وغيرهم، وقبل الإشارة إلى وجهة نظر الفريقين في هذه المسألة، لابدّ من البحث في الصفات وبيان المراد منها مع الإشارة إلى رأي الفلاسفة والمتكلّمين منها على ضوء ما جاء في كلماتهم حول هذه المواضيع.

القُدرة

وقد عدّوا من جملة صفات الذات القدرة، ومعناها عند المتكلّمين، أنّه لا شيء من الفعل والترك ضروري بالنسبة إليه سبحانه؛ لأنّه قد أوجد هذا الكون بنظامه حسب مشيئته، ولو لم يشأ لم يكن، وقال الفلاسفة: إنّ القدرة بهذا المعنى نقصان لا يليق بذاته سبحانه، وإيجاده للكون هو من لوازم ذاته، فيمتنع خلوّه منه، فالقدرة لازمة له كلزوم العلم وسائر الصفات الكمالية، فكما يستحيل انفكاكها عنه، يستحيل انفكاك القدرة عنه، وفي جواب ذلك قال المتكلّمون: أنّه لو لم تكن القدرة بمعنى إنْ شاء فعل وإنْ شاء ترَك بحيث لم يكن الفعل والترك ضروريّين، يلزم أحد أُمور أربعة، إمّا نفي الحادث، أو عدَم استناده إلى المؤثّر، أو التسلسل، أو تخلّف الأثر عن المؤثّر.

بيان الملازمة، أنّه لو كان موجباً بذاته، إمّا أنْ لا يوجد حادث أو يوجد، فإنْ لم يوجد لزِم نفي الحادث، وهو مُخالف للضرورة والوجدان، وإنْ وجِد حادث، فإمّا أنْ لا يستند الحادث الموجود إلى مؤثّر موجد، أو

١٥٣

يستند، فإنْ لم يستند الى مؤثّر، لزِم عدم استناد الحادث إلى مؤثّر، وإنْ استند الحادث الموجود إلى مؤثّر، فإمّا أنْ يكون المؤثّر قديماً أو حادثاً، فإنْ لم يكن قديماً ولا منتهياً إلى القديم، لابدّ له من مؤثّر، وذلك المؤثّر إذا لم يكن قديماً أو منتهياً إلى القديم، لابدّ له من مؤثّر آخر، فيلزم التسلسل، وإنْ كان المؤثّر منتهياً إلى القديم لزِم تخلّف الأثر عن المؤثّر؛ لأنّا قد فرضناه حادثاً منتهياً إلى القديم الموجب بذاته، ولازم ذلك كون الأثر مقارناً للموجب، ولو كان مقارناً خرَج عن كونه حادثاً، ولزم تعدد القديم، وهو خلاف المفروض (1).

والقدرة الثابتة لذاته تعالى تشمل جميع الأشياء، حسنة كانت أم قبيحة، لأنّ المقتضى للقدرة على جميع الممكنات، هو ذاته، ونسبتها إلى جميع الممكنات متساوية، وإذا ثبتت على بعضها ثبتت على البعض الآخر، ولم يُخالف بذلك إلاّ الفلاسفة وبعض المعتزلة. أما الفلاسفة، فقالوا: إنّ الله واحد والواحد لا يصدر عنه أكثر من واحد، فلا يقدر على جميع الممكنات، ولذا التزموا بأنّ الله أوجد العقل الأوّل، وبقية المُمكنات تصدر عنه بالوسائط.

وذهب المجوس إلى أنّ الله لا يقدر إلاّ على الخير، أمّا الشرّ فليس من مقدوره، وإنّما هو من فعل الشيطان، كما ذهب النظام وأتباعه من المعتزلة إلى أنّ الله لا يقدر على القبيح، لأنّه مع العلم بقبحه يكون فعله سفَهاً، وإنْ كان جاهلاً بقبحه يكون ناقصاً، وتعالى الله عن ذلك.

وذهب أبو القاسم البلخي وجماعة منهم إلى أنْ الله لا يقدر على ما أقدر عليه عباده؛ لأنّه أمّا أنْ يكون طاعة مشتملة على المصلحة أو معصية فيه المفسدة، أو مجرّداً عنهما، والجميع لا يجوز عليه تعالى لأن أفعاله لا تكون لهذه الاعتبارات (2) .

وذهب الجبائيان إلى أنّ الله لا يقدر على عين فعل العبد؛ لأنّه لو أراد الله فعلاً من أفعال العبد، وأراد العبد عدمه فإنّ وقعا اجتمع النقيضان، وإنْ لم يقعا، ارتفع النقيضان، وإنْ وقع أحدهما لا يكون الثاني مقدوراً.

____________________

(1) انظر المواقف ج 8 ص 50 وشرح التجريد للعلامة الحلّي.

(2) انظر مقالات الإسلاميّين ص 251، المواقف ص 63.

١٥٤

والجواب، إمّا عن شبهة المجوس، فإنّ القدرة على الشرّ، لا تستلزم فعله، لوجود الصارف عنه أحياناً.

وأمّا عن دعوى النظام وأتباعه، فعلى مبدأ الأشاعرة المنكرين للقبح والحُسن الذاتيّين، لا يلزم أيّ محذور من قدرته على القبيح؛ لأنّ تعلّق القدرة به يكشف عن عدم قبحه، وأمّا على مبدأ الإمامية، فالمراد من قدرته على الحسن والقبيح، أنّه يدعو إلى الحسن بدون أنْ يكون له صارف عنه، أمّا القبيح فمع أنّه داخل تحت قدرته كغيره من الممكنات لا داعي له إلى فعله، بالإضافة إلى وجود الصارف عنه، وعدم صدوره عنه لا يدلّ على نفي القدرة عنه، فهو مقدور باعتبار ذاته، وممتنع عليه عرَضاً لوجود الصارف عنه.

وأمّا عن دعوى البلخي، فالطاعة والعبث وغيرهما من الاعتبارات إنّما تَعرِض للأفعال الصادرة من العبد، ولا تؤثّر في ذاتيّة الفعل، فكونه طاعة أو معصية وصْفان يعرضان للفعل من حيث قصد الفاعل، والدواعي القائمة بنفسه وما يُرافق الفعل من آثار سيّئة أو طيّبة، وبالنسبة إليه تعالى لا تجري فيه جميع هذه الاعتبارات.

وأمّا عن دعوى الجبائيّين وأتباعهما، فلو تعلّقت إرادة الله سُبحانه بالفعل لا يمكن أنْ تؤثّر إرادة العبد المتعلّقة بالترك؛ لأنّها أقوى منها، وهذا لا يمنع من كون الترك مقدوراً للعبد في هذه الحالة ذاتاً، وإنْ امتنع في حقّه عرَضاً لوجود المزاحم الأقوى منها تأثيراً.

العلم

ومنها أنّه عالمٌ بالكون وما فيه، من غير فَرقٍ بين الكلّيات والجزئيّات، والأعدام الممكنة والممتنعة، والجواهر والأعراض، وكلّ ما كان وما يكون في الخارج أو الذهن، ويؤيّد هذه الدعوى على عمومها ما جاء في الآية من سورة الأنبياء: ( عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) والآية من سورة الإنعام:

١٥٥

( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) .

وممّا يدل على ذلك أنّه أوجد الموجودات على أكمل الوجوه، وأتقن صنعها، وغير العالم يستحيل أنْ يصدر منه الفعل المتقن مرّة بعد أُخرى، هذا بالإضافة إلى أنّ كلّ شيءٍ سِواه ممكن، والممكن لابدّ في وجوده من علّة تقتضي إيجاده، وذاته تعالى هي العلّة في إيجاد جميع الموجودات والممكنات، وهو عالم بذاته، والعلم بالعلّة يستتبع العلم بالمعلول الصادر عنها من غير فَرقٍ بين أقسام الممكنات وأنواعها، وقد ادعى بعض المتكلّمين، أنّ الله لا يعلم ذاته؛ لأنّ العلم إضافة بين العالم والمعلوم، ولابدّ من المغايرة بينهما، فلو قلنا بأنّه يعلم ذاته يلزم مغايرة علمه لذاته.

والجواب عن هذه الدعوى، إنّ المغايرة بين العلم والمعلوم يكفي فيها أنْ تكون اعتبارية، وهي موجودة في المقام، فذاته من حيث إنّها عالمة، مغايرة لها من حيث إنّها معلومة، ويكفي هذا النوع من المغايرة بالنسبة إليه سبحانه.

وادّعى آخرون بأنّ الله لا يعلم الجزئيات ولا الشيء قبل وجوده، أمّا أنّه لا يعلم الجزئيات فلأنّها تتغيّر وتتبدّل وإذا تغيّر المعلوم وتبدّل لابدّ من تغيّر العلم، وقد ثبت أنّ علمه عين ذاته فيلزم الذات تغيّرها، وأمّا عدم علمه بالأشياء قبل وجودها، فلأنّه لو تعلّق بها العلم، كان وجودها واجباً فيلزم انقلاب الممكن واجباً، إذ لو لم توجد لزم انقلاب علمه جهلاً.

والجواب عن الدعوى الأُولى، إنّ العلم بالجزئيات لا يتغيّر حتى ولو تغيّر الجزئي المعلوم؛ لأنّ المتغيّر هو الإضافة المتعلّقة بالمعلوم، فزيد إذا وجد ينسب وجوده إلى علم الله وإذا انعدم تنتفي نسبة وجوده إلى علمه، أمّا العلم فهو على حاله لم يتغيّر ولم يتبدّل، فالتغير في الإضافات، لا في الذات ولا في الصفات الحقيقية الثابتة للذات، وهذا نظير قولنا: زيد يقدر على عمرو فلو مات عمرو لا تنتفي قدرة زيد عليه، ولكنّ هذه الإضافة الخاصّة قد انتفت بموت عمرو؛ ولأنّها أمرٌ اعتباري لا وجود له خارجاً.

والجواب عن الدعوى الثانية، بأنّ تعلّق علمه بالمتجدّدات لا يُخرجها عن كونها ممكنة ذاتاً؛ لأنّ علمه تعلّق بها على هذه الصفة، فإذا وجب وجودها بعد ذلك لوجود سببه، لا تخرج عن إمكانها الذاتي؛ لأنّ وجوبها

١٥٦

لحصول سببه، وكلّ ممكن قد يُصبح واجباً بالعرض ولا مانع من اجتماعهما (1) .

____________________

(1) شرح التجريد للعلاّمة الحلّي ص176 والمواقف ص71 وما بعدها ومعالم الفلسفة للشيخ محمّد جواد مغنية ص139.

١٥٧

الحياة والإرادة

ومنها أنّه حيّ مُريد لأنّه عالمٌ قادر، وكلّ عالمٍ قادر لابدّ وأنْ يكون حيّاً، وليست الحياة بالنسبة إليه كالحياة بالنسبة لغيره، فحياة غيره هي عبارة عن اعتدال المزاج والحركة والحس، وغير ذلك من المقوّمات أمّا بالنسبة إليه سُبحانه، فعند الإمامية القائلين بوحدة الذات والصفات عبارة عن معنى سلبي، أي لا يستحيل عليه أنْ يعلم ويقدر؛ لأنّ ثبوت الصفة فرع عن عدم استحالتها، وعند الأشاعرة وبعض المعتزلة القائلين بتغاير الصفات مع الذات، أنّها صفة توجب صحّة العلم الكامل والقدرة الشاملة، إذ لولا اختصاصه بصفة توجب صحّة العلم والقدرة، لكان اختصاصه بصحّة العلم والقدرة ترجيحاً بدون مرجح (2).

وأمّا كونه مريداً فقد اتّفق الجميع على ذلك بدليل أنّه سبحانه أوجد بعض الممكنات دون بعض، مع أنّ قدرته تعمّ جميع الممكنات وعلمه محيطٌ بجميع الكائنات، ولا سبب لذلك إلاّ تعلّق إرادته ببعضها دون البعض الآخر، وقد اختلفوا في معنى إرادته سبحانه، فأبو الحسين الصالحي والنظّام والجاحظ والعلاّف، وأبو القاسم البلخي وغيرهم، ذهبوا إلى أنّها عبارة عن علمه بما في الفعل من المصالح والمنافع، وتسمّى عندهم (بالداعي إلى إيجاد الفعل).

وقال النجّار: إنّها معنىً سلبي، بمعنى أنّه غير مستكره ولا مغلوب.

____________________

(2) انظر شرح التجريد ص 177 والمواقف ص 81.

١٥٨

وقال الكعبي: إنّ إرادته بالنسبة لأفعال نفسه علمه بالمصلحة، ولأفعال غيره أمَره بها. وقال الحكماء: إنّها العلم بالنظام على الوجه الأكمل، ويسمّونها (العناية)، وقال ابن سينا: (العناية هي إحاطة علم الأوّل تعالى بالكل، وبما يجب أنْ يكون عليه الكل، حتى يكون على أحسن النظام).

وقال الأشاعرة والحنابلة والجبائيان من رؤساء المعتزلة، إنّها صفة زائدة على العِلم، وفي شرح التجريد أنّها عبارة عن الداعي إلى الفعل، وليست أمراً زائداً على الذات كما يدّعي الأشاعرة؛ للزوم تعدّد القدماء وليست أمراً حادثاً في ذاته، كما يدّعي الكراميّة، أو لا في محل كما يدّعي أبو علي وأبو هاشم من المعتزلة، إذ لو كانت حادثة في ذاته أو لا في محل لزِم التسلسل، لاحتياج الحادث إلى موجد بإرادة، والكلام بعينه يجري في الإرادة الثانية (1).

وقال الشيخ المفيد في أوائل المقالات: أنّ إرادته لأفعاله هي نفس أفعاله، وإرادته لأفعال خلقه أمره بالأفعال، وبذلك جاءت الآثار عن أئمة الهدى مَن آل محمّد (عليه السلام) وهو مذهب الإمامية إلا من شذّ منهم (2).

ومن صفاته تعالى، أنّه سميعٌ بصير، قال الإيجي في المواقف، والعلاّمة الحلّي في شرح التجريد ما حاصله أنّ ذلك ممّا علم بالضرورة من دين محمّد (صلّى الله عليه وآله)، واتّفق عليه جميع المسلمين، ودلّ عليه القرآن الكريم واستدل جماعة على ثبوت هذين الوصفين له، بأنّه قد ثبت اتصافه بالحياة وكل حيّ لابدّ وأن يتّصف بالسمع والبصر، إذ لو لم يتّصف بهما لاتّصف بضدّهما، واتّصافه بضدّهما نقصٌ لا يجوز عليه سبحانه، والمراد منهما علمه بالمسموعات، والمبصرات؛ لأنّ السمع والبصر الثابتان له، لو كانا بآلة تشبه الآلات الموجودة لدى سائر مخلوقاته، لزم كونه جسماً مركباً من أجزاء متباينة، لكلّ جزء منها وظيفة تختصّ به، وذلك ممتنع بالنسبة إليه تعالى كما ذكرنا سابقاً، فلابدّ وأنْ يكون المراد منهما غير السمع والبصر

____________________

(1) انظر شرح التجريد ص 177 والمواقف ص 81.

(2) انظر أوائل المقالات للشيخ المفيد ص 19.

١٥٩

الثابتين لغيره من المخلوقات (1).

قال الشيخ المفيد: إنّ استحقاق القديم سُبحانه لهذه الصفات كلّها من جهة السمع دون القياس ودلائل العقول، وأنّ المعنى في جميعها العلم، فالمراد من كونه سميعاً وبصيراً، علمه بالمسموعات والمبصرات وأضاف قائلاً: ولست أعلم من متكلّمي الإمامية خلافاً في هذا الباب وهو مذهب البغداديين من المعتزلة، وقد خالف فيه المشبهة من أصحاب الصفات، والبصريّون من أصحاب الاعتزال (2)، وهو مذهب الفلاسفة والكعبي، وأبي الحسين البصري.

وذهب الأشاعرة وجمهور المعتزلة إنّهما صفتان زائدتان على العلم (3) .

____________________

(1) انظر المواقف ص 88 الجزء الثامن، فإنّه بعد أنْ أورد هذا الاستدلال أبطله، وانتهى أخيراً إلى القول بأنّ العمدة في إثبات هذين الوصفين له تعالى ظواهر الآيات الدالّة على ذلك.

(2) انظر أوائل المقالات ص 21.

(3) انظر المواقف ص 89، والظاهر أنّهم يعتمدون على ظواهر النصوص في ذلك وعبارة المواقف تنصّ على أنّ الأكثرية الغالبة من المعتزلة متّفقون مع الأشاعرة في هذه المسألة.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643