تفسير نور الثقلين الجزء ٤

تفسير نور الثقلين9%

تفسير نور الثقلين مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 652

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 652 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 307144 / تحميل: 6414
الحجم الحجم الحجم
تفسير نور الثقلين

تفسير نور الثقلين الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

كتاب

تـفســير نـور الثـقـلين

ألجـزء الـرابع

لـمـؤلّـــفـه

المـحدّث الـجليل العلّامة الـخبير الشيخ عبد علي بن

جمعة العروسي الـحُويْزي قُدّس سرّه

المتوفّى سنة ١١١٢

صحّحه وعلّق عليه وأشرف على طبعه

الحاج السيّد هاشم الرسولي المحلّاتي

بنفقة

خادم الشريعة الحاج أبي القاسم المشتهر بسالك

رضوان الله تعالى عليه

١

ملاحظة

هذا الكتاب

طبع ونشر الكترونياً وأخرج فنِيّاً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً

قسم اللجنة العلميّة في الشبكة


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ في كتاب ثواب الأعمال باسناده عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: يا ابن عمّار لا تدع قراءة سورة( تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ ) فإنّ من قرأها في كل ليلة لم يعذّبه أبدا، ولم يحاسبه وكان منزله في الفردوس الأعلى.

٢ ـ في مجمع البيان أُبيّ بن كعب قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرء سورة الفرقان بعث يوم القيامة وهو مؤمن،( أنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) .

٣ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى عبد الله بن يزيد بن سلام أنّه سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له: لم سمّي الفرقان فرقانا؟ قال: لأنّه متفرق الآيات والسور أنزلت في غير الألواح وغير الصحف والتوراة والإنجيل والزبور أنزلت كلّها جملة في الألواح والورق، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

قال مؤلّف هذا الكتاب عفي عنه: نقلنا عنهمعليهم‌السلام في أوّل آل عمران ما فيه كفاية لمن أراد الوقوف على الفرق بين القرآن والفرقان فمن أراده فليطلبه هناك قال عزّ من قائل:( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً )

٤ ـ في عيون الأخبار باسناده إلى حمدان بن سليمان قال: كتبت إلى الرضاعليه‌السلام أساله عن أفعال العباد أمخلوقة أم غير مخلوقة؟ فكتبعليه‌السلام : أفعال العباد مقدرة في علم الله قبل خلق العباد بألفي عام.

٥ ـ وفيه في باب ما كتبه الرضاعليه‌السلام للمأمون من محض الإسلام وشرائع الدين وأنّ أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، خلق تقدير لا خلق تكوين، والله خالق كل شيء ولا نقول بالجبر والتفويض.

٢

٦ ـ وفيه عن الرضاعليه‌السلام باسناده قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ اللهعزوجل قدّر المقادير ودبّر التدبير قبل أنْ يخلق آدم بألفي عام.

٧ ـ في كتاب الخصال مرفوع إلى عليٍّعليه‌السلام قال: الأعمال على ثلاثة أحوال فرائض وفضائل ومعاصي، أمّا الفرائض فبأمر الله وبرضاء الله وبقضاء الله وتقديره ومشيته وعلمهعزوجل . وأمّا الفضائل فليس بأمر الله ولكن برضاء الله وبقضاء الله وبمشية الله وبعلم الله تعالى. وأمّا المعاصي فليست بأمر الله ولكن بقضاء الله وبقدر الله وبمشيته وبعلمه ثمّ يعاقب عليها.

قال مصنف هذا الكتابرحمه‌الله : المعاصي بقضاء الله معناه بنهي الله، لانّ حكمة الله تعالى فيها على عباده الانتهاء عنها ومعنى قوله: بقدر الله أي يعلم بمبلغها وتقديرها مقدارها، ومعنى قوله: وبمشيته فإنّهعزوجل شاء أنْ لا يمنع العاصي عن المعاصي إلّا بالزجر والقول والنهى، دون الجبر والمنع بالقوة والدفع بالقدر «انتهى».

٨ ـ الأعمش عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام قال: هذه شرائع الدين إلى أنْ قالعليه‌السلام : وأفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين، والله خالق كل شيء ولا نقول بالجبر والتفويض.

٩ ـ في أصول الكافي علي بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن محمد بن سليمان الديلمي عن علي بن إبراهيم الهاشمي قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام يقول: لا يكون شيء إلّا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى، قلت ما معنى شاء؟ قال: ابتدأ الفعل، قلت: ما معنى قدر؟ قال: تقدير الشيء من طوله وعرضه، قلت: ما معنى قضى؟ قال: إذا قضى أمضاه فذلك الذي لا مردّ له.

١٠ ـ علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن عن أبان عن أبي بصير قال: قلت: لأبي عبد اللهعليه‌السلام : شاء وأراد وقدّر وقضى؟ قال: نعم قلت: وأحبَّ؟ قال: لا، قلت: وكيف شاء وأراد وقدّر وقضى ولم يحبّ؟ قال: هكذا خرج إلينا.

٣

١١ ـ الحسين بن محمد عن معلّى بن محمد قال: سئل العالمعليه‌السلام كيف علم الله؟ قال: علم وشاء وأراد وقضى وقدّر وأمضى فأمضى ما قضى وقضى ما قدر وقدر ما أراد، فبعلمه كانت المشية وبمشيته كانت الارادة، وبإرادته كان التقدير وبتقديره كان القضاء، وبقضائه كان الإمضاء، والعلم متقدم المشية والمشية ثانية والارادة ثالثة، والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء، فلله تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء، وفيما أراد لتقدير الأشياء، فاذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء، فالعلم في المعلوم قبل كونه، والمشية في المنشأ؟ قبل عينه، والارادة في المراد قبل قيامه والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عيانا ووقتا بالإمضاء هو المبرم من المفعولات، ذوات الأجسام المدركات بالحواس، من ذوي لون وريح ووزن وكيل وما دب ودرج من انس وجن وطير وسباع، وغير ذلك مما يدرك بالحواس، فلله تبارك وتعالى فيه البداء مما لا عين له، فاذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء، والله يفعل ما يشاء، فبالعلم علم الأشياء قبل كونها وبالمشية عرف صفاتها وحدودها وانشئها قبل إظهارها، وبالإرادة ميز أنفسها في ألوانها وصفاتها، وبالتقدير قدر أقواتها وعرف أولها وآخرها، وبالقضاء أبان للناس أماكنها، ودلهم عليها وبالإمضاء شرح عللها وأبان أمرها وذلك تقدير العزيز العليم.

١٢ ـ في كتاب التوحيد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث طويل وفيه يقولعليه‌السلام لا حاجة به إلى شيء مما خلق، وخلقه جميعا يحتاجون إليه وانما خلق الأشياء من غير حاجة ولا سبب اختراعا وابتداعا.

١٣ ـ وباسناده إلى عبد الرحمن العزرمي باسناده رفعه إلى من قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: قدر الله المقادير قبل أنْ يخلق السموات والأرضين بخمسين ألف سنة.

١٤ ـ وباسناده إلى عليّ بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن عليٍّعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ اللهعزوجل قدر المقادير ودبر التدابير قبل أنْ يخلق آدم بألفي عام.

٤

١٥ ـ وباسناده إلى أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال: أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين، ومعنى ذلك أنّ الله تبارك وتعالى لم يزل عالما بمقاديرها قبل كونها.

١٦ ـ وباسناده إلى عبد الأعلى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث طويل في آخره قالعليه‌السلام : الله خالق الأشياء لا من شيء كان.

١٧ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى أبي إسحق الليثي عن الباقرعليه‌السلام حديث طويل وفيه يقولعليه‌السلام : إنّ الله تبارك وتعالى لم يزل عالما قديما خلق الأشياء لا من شيء ومن زعم أنّ اللهعزوجل خلق الأشياء من شيء فقد كفر، لأنّه لو كان ذلك الشيء الذي خلق منه الأشياء قديما معه في أزليّته وهويته كان ذلك الشيء أزليّا، بل خلقعزوجل الأشياء كلها لا من شيء.

١٨ ـ في أصول الكافي خطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام وفيها وكل صانع شيء فمن شيء صنع، والله لا من شيء صنع ما خلق.

١٩ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس قال: قال الرضاعليه‌السلام : تدري ما التقدير؟ قلت: لا قال: هو وضع الحدود من الآجال والأرزاق والبقاء والفناء، تدري ما القضاء؟ قلت: لا قال: هو اقامة العين والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

ثم حكىعزوجل أيضا( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا ) يعنى القرآن( إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ) قالوا: إنّ هذا الذي يقرأه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويخبرنا به اما يتعلمه من اليهود ويكتبه من علماء النصاري ويكتب عن رجل يقال له: قسطه ينقله عنه بالغداة والعشى، فحكى سبحانه وتعالى قولهم فرد عليهم، فقال جل ذكره:( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ ) إلى قوله( بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) فرد اللهعزوجل عليهم فقال: قل لهم يا محمد( أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً ) .

٢٠ ـ وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قولهعزوجل :( إِفْكٌ افْتَراهُ )

٥

قال: الافك الكذب( وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ) يعنون أبا فهيكة وحبرا وعداسا وعابسا مولى خويطب، وقولهعزوجل :( أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها ) فهو قول النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة.

٢١ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله وعن أبي محمد الحسن العسكريعليه‌السلام قال: قلت لأبي علي بن محمدعليهما‌السلام هل كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يناظر اليهود والمشركين إذا عاتبوه ويحاجهم؟ قال: مرارا كثيرة وذلك أنّ رسول الله كان قاعدا ذات يوم بفناء الكعبة فابتدأ عبد الله بن أبي امية المخزومي فقال: يا محمد لقد ادعيت دعوي عظيمة وقلت مقالا هائلا: زعمت انك رسول رب العالمين وما ينبغي لرب العالمين وخالق الخلق أجمعين أنْ يكون مثلك رسوله بشرا مثلنا، تأكل كما نأكل وتمشي في الأسواق كما نمشي، فقال رسول الله: أللّهمّ أنت السامع لكل صوت والعالم بكل شيء، تعلم ما قاله عبادك فانزل الله عليه يا محمد و( قالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ ) إلى قوله مسحورا ثم قال الله تعالى:( انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ) ثم قال:( تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً ) فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عبد الله أمّا ما ذكرت من أنّى آكل الطعام كما تأكلون وزعمت انه لا يجوز لأجل هذا أنْ أكون لله رسولا، فانما الأمر لله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وهو محمود وليس لي ولا لأحد الاعتراض بلم وكيف، ألا تري أنّ الله كيف أفقر بعضا وأغنى بعضا وأعزّ بعضا وأذلّ بعضا وأصحّ بعضا وأسقم بعضا وشرف بعضا ووضع بعضا، وكلهم ممن يأكل الطعام، ثم ليس للفقراء أنْ يقولوا: لم أفقرتنا وأغنيتهم، ولا للوضعاء أنْ يقولوا: لم وضعتنا وشرفتهم ولا للزمناء والضعفاء أنْ يقولوا لم أزمنتنا وأضعفتنا وصححتهم ولا للأذلاء أنْ يقولوا لم أذللتنا وأعززتهم، ولا لقباح الصور أنْ يقولوا: لم أقبحتنا وجملتهم، بل إنْ قالوا ذلك كانوا على ربهم رادين وله في أحكامه منازعين وبه كافرين، ولكن جوابه لهم: أنا الملك الخافض الرافع المغنى المفقر المعز المذل المصحح المسقم، وأنتم العبيد ليس لكم إلّا التسليم لي والانقياد لحكمي، فان سلمتم

٦

كنتم عبادا مؤمنين وإنْ أبيتم كنتم بي كافرين وبعقوباتي من الهالكين، ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : واما قولك ما أنت إلّا رجل مسحور فكيف أكون كذلك وقد تعلمون انى في صحة التمييز والعقل فوقكم، فهل جربتم مذ نشأت إلى أنْ استكملت أربعين سنة خزية أو ذلة، أو كذبة أو خيانة أو خطأ من القول أو سفها من الرأي أتظنون أنّ رجلا يعتصم طول هذه المدة بحول نفسه وقوتها أو بحول الله وقوته؟ وذلك ما قال الله:( انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٢٢ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثنا محمد بن عبد الله عن أبيه عن محمد بن الحسين عن ابن سنان عن عمار بن مروان عن منخل بن جميل الرقى عن جابر بن يزيد الجعفي قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام «نزل جبرئيل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه الآية هكذا: وقال الظالمون لال محمد حقهم( إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ) إلى ولاية عليٍّعليه‌السلام » وعلى هو السبيل.

حدثني محمد بن همام عن جعفر بن محمد بن مالك قال: حدّثني محمد بن المثنى عن أبيه عن عثمان بن زيد عن جابر بن يزيد عن أبي جعفرعليه‌السلام بمثله.

٢٣ ـ في إرشاد المفيد باسناده إلى الأصبغ بن نباته عن عليٍّعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ لله تعالى قصرا من ياقوت أحمر لا يناله إلّا نحن وشيعتنا وساير الناس منه بريئون.

٢٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثنا أحمد بن علي قال: حدّثني الحسين بن أحمد عن أحمد بن هلال عن عمرو والكلبي عن أبي الصامت قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إنّ الليل والنهار اثنا عشر ساعة، و إنّ عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه أشرف ساعة من اثنى عشر ساعة وهو قول اللهعزوجل :( بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً ) .

٢٥ ـ في مجمع البيان:( إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ ) أي من مسيرة مأة عام عن السدي والكلبي وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : من مسيرة سنة.

٢٦ ـ في إرشاد المفيدرحمه‌الله عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حديث طويل وفيه: وتزفر النار

٧

بمثل الجبال شررا.

٢٧ ـ في مجمع البيان:( وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً ) وفي الحديث قالعليه‌السلام في هذه الآية. والذي نفسي بيده انهم يستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط.

٢٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إذا أراد الله أنْ يبعث الخلق أمطر السماء على الأرض أربعين صباحا، فاجتمعت الأوصال ونبتت اللحوم.

وقال: أتى جبرئيل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخذه فأخرجه إلى البقيع، فانتهى به إلى قبر فصوّت بصاحبه فقال: قم بإذن الله، فخرج منه رجل أبيض الرأس واللحية يمسح التراب عن وجهه وهو يقول: الحمد لله والله أكبر، فقال جبرئيلعليه‌السلام : عد بإذن الله ثمّ انتهى به إلى قبر آخر فقال: قم بإذن الله: فخرج منه رجل مسوّد الوجه يقول: يا حسرتاه يا ثبوراه ثمّ قال له جبرئيلعليه‌السلام : إلى ما كنت فيه بإذن الله، فقال: يا محمّد هكذا يحشرون يوم القيامة، فالمؤمنون يقولون هذا القول، وهؤلاء يقولون ما تري.

٢٩ ـ في أمالي شيخ الطائفةقدس‌سره باسناده إلى كثير بن طارق قال: سألت زيد بن عليّ بن الحسين عن قول الله تعالى:( لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً ) فقال: يا كثير إنّك رجل صالح ولست بمتهم وانى أخاف عليك أنْ تهلك، إنّ كل امام جائر فان اتباعهم إذا أمر بهم إلى النار نادوا باسمه فقالوا: يا فلان يا من أهلكنا هلم الآن فخلصنا مما نحن فيه، ثم يدعون بالويل والثبور فعندها يقال لهم:( لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً ) .

٣٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم( وَإِذا أُلْقُوا مِنْها ) «أي فيها»( مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ ) قال: مقيدين بعضهم مع بعض( دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً ) .

٣١ ـ في مجمع البيان وروي أبو جعفر وزيد عن يعقوب أنْ نتخذ بضم النون وفتح الخاء وهو قراءة زيد وأبي الدرداء وروي عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام وروي

٨

عن عليٍّعليه‌السلام ( وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ ) بضم الياء وفتح الشين مشددة.

٣٢ ـ في تفسير علي بن إبراهيم واما قولهعزوجل :( وَقَدِمْنا إلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً ) فانه حدّثني أبي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: يبعث اللهعزوجل يوم القيامة قوما بين أيديهم نور كالقباطي(١) ثم يقول له: كن( هَباءً مَنْثُوراً ) ثم قال: اما والله يا أبا حمزة انهم كانوا يصومون ويصلون، ولكن كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام أخذوه، وإذا ذكر لهم شيء من فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام أنكروه، قال: والهباء المنثور هو الذي تراه يدخل البيت في الكوة مثل شعاع الشمس.

٣٣ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى أبي إسحق الليثي عن الباقرعليه‌السلام حديث طويل يقول فيه أبو إسحق بعد أنْ قال: وأجد من أعدائكم ومن ناصبيكم من يكثر من الصلوة ومن الصيام ويخرج الزكاة ويتابع بين الحج والعمرة، ويحض على الجهاد ويأثر على البر وعلى صلة الأرحام، ويقضى حقوق إخوانه ويواسيهم من ماله، ويتجنب شرب الخمر والزنا واللواط وساير الفواحش، وأرى الناصب على ما هو عليه مما وصفته من أفعالهم لو أعطى أحد ما بين المشرق والمغرب ذهبا وفضة أنْ يزول عن محبة الطواغيت وموالاتهم إلى مولاتكم ما فعل، ولا زال ولو ضربت خياشيمه(٢) بالسيوف فيهم ولو قتل فيهم ما ارتدع ولا رجع، وإذا سمع أحدهم منقبة لكم وفضلا اشمأز من ذلك وتغير لونه ورئي كراهة ذلك في وجهه، وبغضا لكم ومحبة لهم؟ قال: فتبسم الباقرعليه‌السلام ثم قال: يا إبراهيم «هاهنا هلكت العاملة الناصبة تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية» ومن ذلك قالعزوجل :( وَقَدِمْنا إلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً ) .

٣٤ ـ في بصائر الدرجات أحمد بن محمد بن علي بن الحكم عن منصور عن

__________________

(١) القباطي جمع القبطية ـ بضم القاف وقد تكسر ـ ثياب من كتان تنسج بمصر منسوبة إلى القبط.

(٢) خياشيم جمع الخيشوم: أقصى الأنف.

٩

سليمان بن خالد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: إنّ أعمال العباد تعرض كل خميس على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاذا كان يوم عرفة هبط الرب تبارك وتعالى وهو قول الله تبارك وتعالى:( وَقَدِمْنا إلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً ) فقلت: جعلت فداك أعمال من هذه؟ فقال: أعمال مبغضينا ومبغضي شيعتنا.

٣٥ ـ في أصول الكافي ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( وَقَدِمْنا إلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً ) فقال: أما والله كانت أعمالهم أشد بياضا من القباطي(١) ولكن كانوا إذا عرض لهم حرام لم يدعوه.

٣٦ ـ في الكافي علي بن محمد عن صالح بن أبي حمّاد عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قولهعزوجل :( وَقَدِمْنا إلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً ) قال: إنْ كانت أعمالهم لأشدّ بياضا من القباطي فيقول اللهعزوجل لها: كوني هباء، وذلك انهم كانوا إذا شرع لهم الحرام أخذوه.

٣٧ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن عمرو بن عثمان وعدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر والحسن بن علي جميعا عن أبي جميلة مفضل بن صالح عن جابر عن عبد الأعلى وعلي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن إبراهيم ابن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إنّ ابن آدم إذا كان في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الاخرة مثل له ماله وولده وعمله فيلتفت إلى ماله فيقول: والله إنْ كنت عليك لحريصا شحيحا فما لي عندك؟ فيقول: خذ منى كفنك، قال: فيلتفت إلى ولده فيقول: والله انى كنت لكم محبا وانى كنت عليكم محاميا فما ذا عندكم؟ فيقولون: نؤديك إلى حفرتك نواريك فيها، قال: فيلتفت إلى عمله فيقول: والله إن ْكنت فيك لزاهدا وإنْ كنت عليِّ لثقيلا فما ذا عندك؟ فيقول: أنا قرينك في قبرك ويوم نشرك حتى أعرض أنا وأنت على ربك، قال: فان كان

__________________

(١) مر معناه في صفحة ٩.

١٠

لله وليا أتاه أطيب الناس ريحا وأحسنهم منظرا وأحسنهم رياشا فيقول: أبشر بروح وريحان وجنة نعيم، ومقدمك خير مقدم، فيقول له: من أنت؟ فيقول: انا عملك الصالح ارتحل من الدنيا إلى الجنة، وانه ليعرف غاسله ويناشد حامله أنْ يعجله، فاذا دخل قبره أتاه ملكا القبر يجران أشعارهما ويخدان الأرض بأقدامهما، أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف، فيقولان له: من ربك وما دينك ومن نبيك؟ فيقول: الله ربي وديني الإسلام ونبيي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيقولان: ثبتك الله فيما تحبّ وترضى وهو قول اللهعزوجل :( يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي ) الحيوة الدنيا وفي الاخرة» ثمّ يفسحان له في قبره مدّ بصره ثمّ يفتحان له بابا إلى الجنة، ثمّ يقولان له: نم قرير ـ العين نوم الشاب الناعم، فانّ اللهعزوجل يقول:( أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٣٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قولهعزوجل :( أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً ) فبلغنا والله أعلم انه إذا استوي أهل النار إلى النار لينطلق بهم قبل أنْ يدخلوا النار، فيقال لهم: ادخلوا إلى ظل ذي ثلاث شعب من دخان النار، فيحسبون انها الجنة، ثم يدخلون النار أفواجا وذلك نصف النهار، وأقيل أهل الجنة فيما اشتهوا من التحف حتى يعطوا منازلهم في الجنة نصف النهار، فذلك قول اللهعزوجل :( أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً ) .

٣٩ ـ في مجمع البيان وروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: لا ينتصف ذلك اليوم حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار.

٤٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثنا محمد بن همام قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن مالك بن محمد بن حمدان عن محمد بن سنان عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن قول اللهعزوجل :( وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ ) قال: الغمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وقوله:( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ) قال أبو جعفرعليه‌السلام :( يَقُولُ: يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ) عليّا وليّا

١١

( يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً ) يعنى الثاني( لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ ) جائني يعنى الولاية وكان الشيطان وهو الثاني للإنسان خذولا.

٤١ ـ في روضة الكافي خطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام وهي خطبة الوسيلة يقول فيهاعليه‌السلام : في مناقب لو ذكرتها لعظم بها الارتفاع فطال لها الاستماع، ولئن تقمّصها دوني الأشقيان ونازعاني فيما ليس لهما بحق، وركباها ضلالة واعتقداها جهالة فلبئس ما عليه وردا ولبئس ما لا نفسهما مهدا يتلاعنان في دورهما ويتبرأ كل منهما من صاحبه، يقول لقرينه إذا التقيا:( يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ) فيجيبه الأشقى على رثوثة(١) ( يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً ) فانا الذكر الذي عنه ضل، والسبيل الذي عنه مال، والايمان الذي به كفر، والقرآن الذي إياه هجر، والدين الذي به كذب، والصراط الذي عنه نكب.

٤٢ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث طويل يقول فيه لبعض الزنادقة وقد قال: ثم وارى أسماء من اغتر وفتن خلقه وضل وأضل وكنى عن اسمائهم في قوله:( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي ) فمن هذا الظالم الذي لم يذكر من اسمه ما ذكر من أسماء الأنبياء ولم يكن عن أسماء الأنبياء تحيرا وتقررا بل تعريفا لأهل الاستبصار، إنّ الكناية عن أسماء ذوي الجرائر العظيمة من المنافقين في القرآن، ليست من فعله تعالى وانها من فعل المعيرين والمبدلين( الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) واعتاضوا الدنيا من الدين.

٤٣ ـ في تفسير العياشي عن داود بن فرقد عمن أخبره عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: لو قُرئ القرآن كما انزل لألفيتنا فيه مُسمّين.

٤٤ ـ عن إبراهيم بن عمر قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إنّ في القرآن ما مضى وما يحدث وما هو كائن، كانت فيه أسماء الرجال فألقيت، وانما الاسم الواحد منه في

__________________

(١) الرثاثة: البذاذة ومن اللباس: البالي، وفي الوافي «على وثوبه».

١٢

وجوه لا تحصى يعرف ذلك الوصاة ،

٤٥ ـ في مجمع البيان وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ليس رجل من قريش إلّا ونزلت فيه آية أو آيتان تقوده إلى الجنة أو تسوقه إلى النار، تجري فيه من بعده إنْ خيرا فخير وإنْ شرا فشر.

٤٦ ـ في عيون الأخبار في باب العلل التي ذكر الفضل بن شاذان في آخرها انه سمعها عن الرضاعليه‌السلام مرة بعد مرة وشيئا بعد شيء: فان قال: فلم أمروا بالقراءة في الصلوة قيل: لئلا يكون القرآن مهجورا مضيعا. وليكون محفوظا فلا يضمحل ولا يجهل.

٤٧ ـ في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وذكر حديثا طويلا يقول فيه: فاذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فانه شافع مشفع وماحل مصدق ومن جعله امامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو الدليل يدل على خير سبيل، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل، وهو الفصل ليس بالهزل وله ظهر وبطن، فظاهره حكم وباطنه علم ظاهره أنيق وباطنه عميق له تخوم وعلى تخومه تخوم(١) لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه، مصابيح الهدى ومنار الحكمة، ودليل على المغفرة لمن عرف الصفة.

٤٨ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن سنان عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : انا أول وافد على العزيز الجبار يوم القيامة وكتابه وأهل بيتي ثم أمتي، ثم أسألهم ما فعله بكتاب الله وبأهل بيتي.

٤٩ ـ أبو على الاشعري عن بعض أصحابه عن الخشاب رفعه قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : لا والله لا يرجع الأمر والخلافة إلى آل أبي بكر وعمر أبدا ولا إلى بنى امية أبدا ولا في ولد طلحة والزبير أبدا، وذلك انهم نبذوا القرآن وأبطلوا السنن وعطلوا الأحكام، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : القرآن هدى من الضلالة وتبيان من العمى، واستقالة من العثرة ،

__________________

(١) الانبق. الحسن المعجب. والتخوم جمع تخم ـ بالفتح ـ: منتهى الشيء.

١٣

ونور من الظلمة، وضياء من الاحداث، وعصمة من الهلكة، ورشد من الغواية، وبيان من الفتن، وبلاغ من الدنيا في الاخرة، وفيه كمال دينكم، وما عدل أحد من القرآن إلّا إلى النار.

٥٠ ـ ابن أبي عمير عن إبراهيم بن عبد الحميد عن يعقوب الأحمر قال: قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام : إنّ عليَّ دينا كثيرا وقد دخلني ما كان القرآن ينفلت(١) منى فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : القرآن القرآن إنّ الآية من القرآن والسورة لتجيء يوم القيامة حتى تصور ألف درجة يعنى في الجنة فتقول: لو حفظتني لبلغت بك هاهنا.

٥١ ـ أبو على الاشعري عن الحسن بن علي بن عبد الله عن العباس بن عامر عن الحجاج الخشاب عن أبي كهمس الهيثم بن عبيد قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل قرأ القرآن ثم نسيه فرددت عليه ثلاثا أعليه فيه حرج؟ قال: لا.

٥٢ ـ على عن أبيه عن حماد عن حريز عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: القرآن عهد الله إلى خلقه فقد ينبغي للمسلم أنْ ينظر في عهده وأنْ يقرأ منه في كل يوم خمسين آية.

قال مؤلف هذا الكتاب عفي عنه: قد سبق قريبا عن روضة الكافي من كلام أمير ـ المؤمنينعليه‌السلام تصريح بأن القرآن المهجور وهو صلوات الله عليه.

٥٣ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث طويل وفيه يقولعليه‌السلام مجيبا لبعض الزنادقة: واما ما ذكرته من الخطاب الدال على تهجين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والإزراء به والتأنيب له مع ما أظهره الله تبارك وتعالى في كتابه من تفضيله إياه على سائر أنبيائه، فان اللهعزوجل جعل لكل نبي عدوا من المشركين كما قال في كتابه بحسب جلالة منزلة نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله عند ربه، كذلك عظم محنته لعدوه الذي عاد منه في حال شقاقه ونفاقه كل أذى ومشقة لدفع نبوته وتكذيبه إياه، وسعيه في مكارهه وقصده لنقض كل ما أبرمه، واجتهاده ومن ما له على كفره وعناده ونفاقه في ابطال دعواه، وتغيير ملته ومخالفة سنته، ولم ير شيئا أبلغ في

__________________

(١) تفلت الطائر من الصائد: تخلص. وكأنه أراد انه نسي حا حفظه من القرآن من شدة ما دخله من همِّ الدين.

١٤

تمام كيده من تنفيرهم عن موالاة وصيه وإيحاشهم منه، وصدهم عنه وإغراءهم بعداوته والقصد لتغيير الكتاب الذي جاء به وإسقاط ما فيه من فضل ذوي الفضل، وكفر ذوي الكفر منه، ولقد علم الله ذلك منهم، فقال:( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا ) إلى قولهعليه‌السلام وتركوا منه قدروا انه لهم وهو عليهم، وزادوا فيه ما ظهر تناكره وتنافره، والذي بدأ في الكتاب من الإزراء على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من فرية الملحدين.

قال مؤلف هذا الكتاب عفي عنه: وهنا كلام يطلب في آل عمران عند قوله تعالى:( وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) الآية.

٥٤ ـ في مجمع البيان: ورتلناه ترتيلا وروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: يا ابن عباس إذا قرأت القرآن ترتله ترتيلا، قال: وما الترتيل؟ قال: بينه تبيانا ولا تنثره نثر الرمل، ولا تهذه هذا الشعر(١) فقفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب، ولا يكون هم أحدكم آخر السورة(٢) .

٥٥ ـ في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن علي بن سعيد عن واصل بن سليمان عن عبد الله بن سليمان قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ) قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : بينه تبيانا ولا تهذه هذا الشعر ولا تنثره نثر الرمل ولكن افرغوا قلوبكم، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة.

قال مؤلف هذا الكتاب عفي عنه: نقلناها في مجمع البيان تبعا له وما في أصول الكافي تأييدا لذلك وان كان في النقل هنا بعض الخفاء.

٥٦ ـ في مجمع البيان:( الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إلى جَهَنَّمَ ) وروى أنس قال: إنّ رجلا قال: يا نبي الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال: ان

__________________

(١) هذا الشعر: أسرع في قراءته.

(٢) قد بسط الكلامرحمه‌الله في بيان الترتيل عند قوله تعالى:( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ) ونقلنا أيضا طرفا شافيا من الاخبار في بيانه هناك (منه ـ ره)

١٥

الذي أمشاه على رجليه قادر أنْ يمشيه على وجهه يوم القيامة أورده البخاري في الصحيح

٥٧ ـ فدمرناهم تدميرا في الشواذ فدمرناهم تدميرا على التأكيد بالنون الثقيلة وروى ذلك عن أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وعنه(١) فدمّراهم وهذا كأنه أمر لموسى وهارونعليهما‌السلام أنْ يدمّرانهم.

٥٨ ـ في عيون الأخبار باسناده إلى صالح الهروي قال: حدّثنا عليّ بن موسى الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمّد عن أبيه محمّد بن عليّ عن أبيه عليّ بن الحسين عن أبيه الحسين بن عليّعليهم‌السلام قال: أتى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام قبل مقتله بثلاثة أيام رجل من أشراف تميم يقال له عمرو فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنى عن أصحاب الرس في أيّ عصر كانوا، وأين كانت منازلهم، ومن كان ملكهم، وهل بعث الله تعالى إليهم رسولا أم لا، وبما ذا أهلكوا؟ فانّى أجد في كتاب الله تعالى ذكرهم ولا أجد خبرهم فقال له عليٌّعليه‌السلام : لقد سألت عن حديث ما سألنى عنه أحد قبلك ولا يحدّثك به أحد بعدي إلّا عنّى، وما في كتاب الله تعالى آية إلّا وانا أعرفها وأعرف تفسيرها وفي أيّ مكان نزلت من سهل أو جبل، وفي أيّ وقت من ليل أو نهار، وانّ هنا لعلما جمّا وأشار إلى صدره ولكن طلّابه يسير، وعن قليل تندمون لو فقدتموني.

كان من قصصهم يا أخا تميم أنهم كانوا قوما يعبدون شجرة صنوبر يقال لها شاه درخت، كان يافث بن نوح غرسها على شفير عين يقال لها دوشاب. كانت أنبطت(٢) لنوحعليه‌السلام بعد الطوفان، وانما سموا أصحاب الرس لأنهم رسوا نبيهم في الأرض وذلك بعد سليمان بن وداودعليهما‌السلام وكانت لهم اثنى عشرة قرية على شاطئ نهر يقال له الرس من بلاد المشرق، وبهم يسمى ذلك النهر ولم يكن يومئذ في الأرض نهر أغزر منه ولا أعذب منه، ولا قرى أكثروا لا أعمر منها، تسمى إحداهن آبان و

__________________

(١) أي عن مسلم بن محارب المذكور في كتاب مجمع البيان.

(٢) نبط الماء ينبط: نبع، والبئر: استخرج ماؤها.

١٦

الثانية آذر والثالثة دِيْ والرابعة بهمن والخامسة إسفندار والسادسة فروردين والسابعة آذر بهشت والثامنة ارذار(١) والتاسعة مرداد والعاشرة تير والحادي عشرة مهر والثاني ـ عشرة شهريور وكانت أعظم مدائنهم اسفندار وهي التي ينزلها ملكهم وكان يسمى تركوذ بن عابور بن يارش بن سار بن نمرود بن كنعان فرعون إبراهيمعليه‌السلام وبها العين والصنوبرة وقد غرسوا في كل قرية منها حبة من طلع تلك الصنوبرة فنبتت الحبة وصارت شجرة عظيمة، وحرموا ماء العين والأنهار ولا يشربون منها ولا أنعامهم، ومن فعل ذلك قتلوه ويقولون هو حيوة آلهتنا، فلا ينبغي لأحد أنْ ينقص من حيوتها ويشربون هم وأنعامهم عن نهر الرس الذي عليه قراهم، وقد جعلوا في كل شهر من السنة في كل قرية عيدا يجتمع إليه أهلها فيضربون على الشجرة التي بها كلة(٢) من حرير فيها من أنواع الصور ثم يأتون بشياة وبقر فيذبحونها قربانا للشجرة، ويشتعلون فيها النيران بالحطب، فاذا سطع دخان الذبائح وقتارها(٣) في الهواء، وحال بينهم وبين النظر إلى السماء خروا سجدا للشجرة يبكون ويتضرعون إليها أنْ ترضى عنهم، وكان الشيطان يجيء، فيحرك أغصانها ويصيح من ساقها صياح الصبى: انى قد رضيت عنكم عبادي فطيبوا نفسا وقروا عينا فيرفعون رؤسهم عند ذلك ويشربون الخمر ويضربون بالمعازف(٤) ويأخذون الدست بند، فيكون على ذلك يومهم وليلتهم ثم ينصرفون، وانما سمت العجم شهورها بابان ماه وآذر ماه وغيرهما اشتقاقا من أسماء تلك القرى، لقول أهلها بعضهم لبعض هذا عيد شهر كذا، وعيد شهر كذا، حتى إذا كان عيد قريتهم العظمى اجتمع عليها صغيرهم وكبيرهم، فضربوا عند الصنوبرة والعين سرادقات من ديباج عليه أنواع الصورة اثنى عشر بابا، كل باب لأهل قرية منهم ويسجدون

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المصدر «اردى بهشت» بدل «آذربهشت» و «خرداد» مكان «ارذار».

(٢) الكلة ـ بالكسر ـ: الستر الرقيق. غشاء رقيق يخاط كالبيت يتوقى به من البعوض ويقال له بالفارسية «پشه بند».

(٣) القتار ـ بالضم ـ: الدخان من المطبوخ.

(٤) المعازف: آلات الطرب كالطنبور والعود.

١٧

للصنوبرة خارجا من السرادق، ويقربون لها الذبائح أضعاف ما قربوا للشجرة في قراهم، فيجيء إبليس عند ذلك فيحرك الصنوبرة تحريكا شديدا فيتكلم من جوفها كلاما جهوريا ويعدهم ويمنيهم بأكثر مما وعدتهم ومنتهم الشياطين كلها، فيرفعون رؤسهم من السجود وبهم من الفرح والنشاط ما لا يفيقون ولا يتكلمون من الشرب والعزف فيكونون على ذلك اثنى عشر يوما ولياليها بعد أعيادهم سائر السنة، ثم ينصرفون.

فلما طال كفرهم باللهعزوجل وعبادتهم غيره، بعث اللهعزوجل إليهم نبيا من بنى إسرائيل من ولد يهود ابن يعقوب، فلبث فيهم زمانا يدعوهم إلى عبادة اللهعزوجل ومعرفته وربوبيته فلا يتبعونه، فلما راى شدة تماديهم في الغى والضلال، وتركهم قبول ما دعاهم إليه من الرشد والنجاح، وحضر عيد قريتهم العظمى قال: يا رب إنّ عبادك أبوا إلّا تكذيبي والكفر، وغدوا يعبدون شجرة لا تنفع ولا تضر، فأيبس شجرهم اجمع وأرهم قدرتك وسلطانك فأصبح القوم وقد يبس شجرهم، فها لهم ذلك وفظع بهم وصاروا فرقتين، فرقة قال: سحر آلهتكم هذا الرجل الذي زعم انه رسول رب السماء والأرض إليكم ليصرف وجوهكم عن آلهتكم إلى إلهه، وفرقة قالت: لا، بل غضب آلهتكم حين رأت هذا الرجل يعيبها ويقع فيها ويدعوكم إلى عبادة غيرها، فحجبت حسنها وبهاءها لكي تغضبوا عليه فتنتصروا منه، فأجمع رأيهم على قتله فاتخذوا أنابيب(١) طوالا من رصاص واسعة الأفواه، ثم أرسلوها في قرار العين إلى أعلى الماء واحدة فوق الاخرى مثل البرابخ(٢) ونزحوا فيها من الماء، ثم حفروا في قرارها بئرا ضيقة المدخل عميقة وأرسلوا فيها نبيهم وألقموا فاها صخرة عظيمة، ثم أخرج الأنابيب من الماء وقالوا نرجو الآن أنْ ترضى عنها آلهتنا إذا رأت انا قد قتلنا من كان يقع فيها ويصد عن عبادتها ودفناه تحت كبيرها يتشفى منه، فيعود لنا نورها ونضرتها

__________________

(١) الأنابيب جمع الأنبوب: ما بين العقدتين من القعب أو الرمح ويستعار لكل أجوف مستدبر كالقصب، ومنه انبوب الماء لقناته.

(٢) البمرخ ـ بالبائين الموحدتين والخاء المحجمة ـ ما يعمل من لخزف للبئر ومجاري الماء.

١٨

كما كان، فبقوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهمعليه‌السلام وهو يقول: سيدي قد ترى ضيق مكاني وشدة كربي فارحم ضعف ركني وقلة حيلتي، وعجل بقبض روحي ولا تؤخر اجابة دعوتي حتى ماتعليه‌السلام فقال الله جل جلاله لجبرئيل: يا جبرئيل أيظن عبادي هؤلاء الذين غرهم حلمي وأمنوا مكري وعبدوا غيري وقتلوا رسولي أنْ يقوموا لغضبي ويخرجوا من سلطاني؟ كيف وانا المنتقم ممن عصاني ولم يخش عقابي، وانى حلفت بعزتي لا جعلناهم عبرة ونكالا للعالمين، فلم يرعهم وهم في عيدهم ذاك إلّا بريح عاصف شديدة الحمرة، فتحيروا فيها وذعروا منها وتضام بعضهم إلى بعض، ثم صارت الأرض من تحتهم حجر كبريت يتوقد، وأظلتهم سحابة سوداء فألقت عليهم كالقبة جمرا يلتهب فذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص في النار، فنعوذ بالله تعالى ذكره من غضبه ونزول نقمته ولا حول ولا قوة إلّا بالله العليّ العظيم.

٥٩ ـ في نهج البلاغة قالعليه‌السلام : اين أصحاب مدائن الرس الذين قتلوا النبيين وأطفئوا سنن المرسلين وأحيوا سنن الجبارين.

٦٠ ـ في الكافي علي بن إبراهيم عن ابن أبي عمير عن محمد بن أبي حمزة وهشام وحفص عن أبي عبد اللهعليه‌السلام انه دخل عليه نسوة فسألته امرأة منهن عن السحق؟ فقال: حدها حد الزاني، فقالت المرأة: ما ذكره اللهعزوجل في القرآن؟ فقال: بلى، فقالت: واين هو؟ قال: هن الرس.

٦١ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: دخلت امرأة مع مولاة لها على أبي عبد اللهعليه‌السلام فقالت: ما تقول في اللواتي مع اللواتي؟ قال: هن في النار، إذا كان يوم القيامة أتى بهن فالبسن جلبابا من نار وخفين من نار وقناعا من نار، وأدخل في أجوافهن وفروجهن أعمدة من نار وقذف بهن في النار، فقالت: ليس هذا في كتاب الله! قال: نعم، قالت: أين هو؟ قال: قوله:( وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِ ) فهن الراسيات.

٦٢ ـ في أصول الكافي الحسين بن محمد عن المعلى بن محمد عن محمد بن

١٩

على قال: أخبرنى سماعة بن مهران قال: أخبرنى الكلبي النسابة قال: صرت إلى منزل جعفر بن محمدعليهما‌السلام فقرعت الباب فخرج غلام له فقال: ادخل يا أخا كلب فو الله لقد أدهشنى. فدخلت وانا مضطرب ونظرت فاذا شيخ على مصلى بلا مرفقة ولا بردعة(١) فابتدأني بعد أنْ سلّمت عليه، فقال لي: من أنت؟ فقلت في نفسي: يا سبحان الله غلامه يقول لي بالباب: ادخل يا أخا كلب ويسألني المولى من أنت؟ فقلت له: انا الكلبي النسابة، فضرب بيده على جبهته وقال: كذب العادلون بالله وضلوا ضلالا بعيدا وخسروا خسرانا مبينا، يا أخا كلب إنّ اللهعزوجل يقول:( وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً ) فتنسبها أنت؟ فقلت: لا، جعلت فداك والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٦٣ ـ في كتاب معاني الأخبار أبيرحمه‌الله قال: حدّثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد البرقي عمن ذكره عن حفص بن غياث عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل : وكلا تبرنا تتبيرا يعنى كسرنا تكسيرا ٦٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن خالد عن حفص بن غياث عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله:( وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً ) يعنى كسرنا تكسيرا قال: هي لفظة بالنبطية.

٦٥ ـ وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: واما القرية التي أمطرت مطر السوء فهي سدوم قرية قوم لوط، أمطر الله عليهم حجارة من سجيل يعنى من طين.

٦٦ ـ وقال علي بن إبراهيم في قوله تعالى:( أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ) قال: نزلت في قريش وذلك انه ضاق عليهم المعاش، فخرجوا من مكة وتفرقوا، فكان الرجل إذا رأى شجرة حسنة أو حجرا حسنا هويه فعبده، وكانوا ينحرون لها النعم وو يلطخونها بالدم ويسمونها سعد صخرة، وكان إذا أصابهم داء في إبلهم وأغنامهم جاؤا

__________________

(١) المرفقة، المتكأ والمخدة، والبردعة: الحلس ويقال له بالفارسية «پلاس».

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

بني هاشم رهط النّبيّ فإنّني

بهم ولهم أرضى مرارا وأغضب

قهدمت داره ، وطرد وشرّد ، لأنّه أوقف لسانه وبيانه على نصرة الأئمّة الأطهار(١) .

ودعبل(٢) صاحب التّائية الذّائعة النّائحة الّتي يقول فيها(٣) :

أفاطم لو خلت الحسين مجدلا

وقد مات عطشانا بشطّ فرات

إذا للطمت الخدّ فاطم عنده

وأجريت دمع العين في الوجنات

هذا الشّاعر الثّائر لاقى في حبّ محمّد وعترته أبشع أنواع التّنكيل والتّعذيب. وقال المتوكّل للعالم الكبير ابن السّكّيت : أيّهما أحبّ إليك ، ولداي : المعتز ،

__________________

ـ أمالي السّيّد المرتضى : ١ / ٢٨ ، تأريخ دمشق : ٥ / ٢٣٣ ، سير أعلام النّبلاء : ٥ / ٣٨٨ ، شرح الشّريف الرّضي على الكافية : ٢ / ٢٤١.

(١) انظر ، الهاشميات والعلويات ، قصائد الكميت ، وابن أبي الحديد : ١٦١ ، أنساب الأشراف : ٣ / ٢٣٨.

(٢) أبو عليّ دعبل بن عليّ بن رزين الخزاعي من شعراء القرن الثّاني ، والثّالث الهجريّين ، ولد سنة (١٤٨ ه‍) في الكوفة ، تحدّى دعبل ظلم العبّاسيّين وطغيانهم حتّى أنّه قال : أنا أحمل خشبتي على كتفي منذ خمسين عاما ، لست أجد أحدا من يصلبني عليها. وقد عاصر هذا الشّاعر البارع الإمام الصّادق ، والكاظم ، والرّضا ، والجواد : ، قرأ قصيدته التّائية على الإمام الرّضاعليه‌السلام أثناء ولاية العهد فبكى الإمام لبعض أبياتها ، واستحسنها ودعا له وأكرمه ، توفّي ؛ سنة (٢٤٦ ه‍).

انظر ، ترجمته في سير أعلام النّبلاء : ١١ / ٥١٩ ، الكامل في التّأريخ : ٧ / ٩٤ ، مروج الذّهب : ١ / ١٧٩ ، و : ٢ / ٧٨ ، و : ٣ / ٢٣١ ، وفيّات الأعيان : ٢ / ٢٦٦ ، الأغاني : ١٨ / ٢٩ طبعة بولاق ، فرائد السّمطين للجويني : ٢ / ٣٣٧ ح ٥٩١ ، وهناك شعراء آخرون للإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه‌السلام .

(٣) انظر ، ديوان دعبل : ١٢٤ ، الفصول المهمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ٣١٠ وما بعدها ، بتحقّيقنا ، مقصد الرّاغب : ١٦٧ ، الفرج بعد الشّدّة : ٣٢٩ ، كشف الغمّة : ٢ / ٣١٨ ـ ٣٢٧ ، سير أعلام النّبلاء : ٩ / ٣٩١ ، فرائد السّمطين للجويني : ٢ / ٣٣٧ ح ٥٩١ ، ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي : ٤٥٤ ، مطالب السّؤول : ٨٥ ، معجم الادباء : ٤ / ١٩٦ ، تذكرة الخواصّ لسّبط ابن الجوزي : ٢٣٨ ، مقاتل الطّالبيّين لأبي فرج الإصفهاني : ٥٦٥.

١٤١

أم الحسن والحسين؟!.

فقال له : «والله! إنّ قنبرا خادم عليّ بن أبي طالب خير منك ومن ولديك.

فأمر المتوكل جلاوزته بسل لسانه من قفاه فسل ، ومات في ساعته(١) .

والحبر الشّهير بالشّهيد الأوّل محمّد بن مكّي قتل وصلب ورجم ، ثمّ أحرق لا لشيء إلّا لأنّه يتشيّع لآل محمّد ، وهكذا كان مصير العالم العظيم زين الدّين المعروف بالشّهيد الثّاني ، وغير هؤلاء كثر لا يبلغهم الإحصاء تقبلوا القتل والعذاب مغتبطين بمرضاة الله ، ونصرة أوليائه.

لاقى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله من المعاندين كلّ عنت في سبيل الإسلام ، فاستهزأوا به ، وقال له قائلهم : «أما رأى الله غيرك يبعثه رسولا ، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتّى اجتمع النّاس عليه فجعلوا يرمونه بالحجارة حتّى أدموا رجليه(٢) . وألقوا عليه الأوساخ ، وهو يصلّي لله ، وتآمروا على قتله ،

__________________

(١) انظر ، مقاتل الطّالبيّين : ٥٩٧ ـ ٥٩٩.

وقال ابن خلّكان : لمّا هدم المتوكّل قبر الحسين بن عليّ عليه‌السلام سنة (٢٢٦ ه‍) قال البسّامي :

تالله إن كانت أميّة قد أتت

قتلى ابن بنت نبيّها مظلوما

فلقد أتاه بنو أبيه مثلها

هذا لعمرك قبره مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شايعوا

في قتله فتتبعوه رميما

(٢) انظر ، فتح الباري : ١٢ / ٢٥٠ ، تأويل مختلف الحديث : ١٥٠ ، تفسير مجمع البيان : ٢ / ٣٨٦ ، تفسير ابن كثير : ٢ / ٥٧٥ ، الدّر المنثور : ٢ / ٢٩٨ ، تفسير الثّعالبي : ٢ / ١٠٤ ، فتح القدير : ٢ / ٦١ ، تأريخ دمشق : ٦٢ / ٢٤٧ ، تأريخ الطّبريّ : ١ / ١٨٢ ، عصمة الأنبياء للفخر الرّازي : ٧٨ ، عيون الأثر لابن سيّد النّاس : ٢ / ٤٢١ ، الشّفا بتعريف حقوق المصطفى : ١ / ١٠٥ ، المواهب اللّدنيّة بالمنح المحمديّة للقسطلاني : ١ / ٦٥.

١٤٢

وعذّبوا أتباعه ، كصهيب(١) ، وبلال(٢) ، وخبّاب(٣) ، وعمّار ، وأبيه ياسر ، وأمّه سميّة(٤) الّتي طعنها أبو جهل في قلبها فماتت(٥) ، وهي أوّل شهيدة في الإسلام(٦) .

__________________

(١) صهيب بن سنان الرّبعي الّنمري فقد كان أبوه عاملا لكسرى على الابلة. فغارت الرّوم عليهم ، وأسرت صهيبا فنشأ فيهم ، ثمّ باعته إلى كلب فجاءت به إلى مكّة ، فباعته من عبد الله بن جدعان فأعتقه ، وكان من السّابقين إلى الإسلام الّذين عذّبوا في مكّة وكنّاه الرّسول أبا يحيى ، وكان في لسانه لكنّة ، توفّي بالمدينة (٣٨ أو ٣٩ ه‍) ودفن بها. (انظر ، اسد الغابة : ٣ / ٣١ ـ ٣٣).

(٢) هو بلال بن رباح ، وأمّه : حمامة. وكان من مولّدي «مكّة» لرجل من بني جمح فاشتراه «أبو بكر» بخمس أواق وأعتقه ، وكان يعذب في الله ، وشهد بدرا والمشاهد كلّها. وهو أوّل من أذّن لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أتى «أبا بكر» فاستأذنه إلى الشّام ، فأذن له ، فلم يزل مقيما بها ، ولم يؤذّن بعد النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله . انظر ، ترجمته في المعارف لابن قتيبة : ١٧٦.

(٣) انظر ، المستدرك على الصّحيحين : ٣ / ٢٨٥ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ٣٠٥ ، المصنّف لعبد الرّزاق الصّنعاني : ١١ / ٢٤٢ ح ٢٠٤٣٢ ، المعجم الأوسط : ٣ / ٢٤١ ، المعجم الكبير : ٨ / ٢٩ و : ٢٤ / ٤٣٥ ، تأريخ المدينة : ٢ / ٤٧٩ ، تقريب التّهذيب : ٢ / ٥٨٧ ، الإصابة : ٣ / ٣٦٥ ، أسد الغابة : ٣ / ٣١ ، سير أعلام النّبلاء : ١ / ٣٤٩ و : ٨ / ٥٣٠ ، ميزان الإعتدال : ١ / ٣٣٦ ، الكامل في التّأريخ : ٢ / ٧٥ و : ٧ / ١٦٧ ، تأريخ دمشق : ١٠ / ٤٤٨ و : ٢٤ / ٢٢٠ ، كنز العمّال : ١١ / ٤٠٨ ح ٣١٩٠٩ و ٣٣١٣٣ و ٣٣٦٧٦ ، مسند الشّاميين : ٢ / ١١ ، الجامع الصّغير : ١ / ٤١٣ ح ٢٦٩٥ و : ٢ / ٦٦ ح ٤٧٩٣.

(٤) انظر ، الطّبقات الكبرى : ٣ / ٢٥٣ و ٢٥٩ ، عمدة القاري في شرح صحيح البخاريّ : ٢٤ / ١٩٢ ، مسند أحمد : ٢ / ١٦٤ و ٢٠٦ ، تأريخ الطّبريّ : ٤ / ٢ و ٣ و ٢٨ و ٢٩ ، كنز العمّال : ١٦ / ١٤٣ ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ١٤٨ و ١٥٧ و ١٥٨ ، المرقاة في شرح المشكاة : ٥ / ٤٤٧ ، الإمامة والسّياسة : ١ / ١٢٦ ، تأريخ الخميس : ٢ / ٢٧٧ ، المستدرك على الصّحيحين : ٣ / ٣٧٨ ، نسيم الرّياض في شرح الشّفا : ٣ / ١٦٦ ، العقد الفريد : ٢ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤ ، خصائص النّسائي : ١٣٣ ، الرّوض الأنف : ٤ / ٢٦٤ و ٢٦٥ ، تأريخ مدينة دمشق : ٤٣ / ٤٢٥ ، تفسير ابن العربي : ٢ / ٥١٩ ، تهذيب الكمال : ١٧ / ١١٤.

(٥) انظر ، تفسير ابن كثير : ٢ / ١٣٤ ، القرآن وإعجازه العلمي لمحمّد إسماعيل إبراهيم : ٢١ ، الرّوض الأنف: ١ / ٢٠٣ ، الإصابة ، التّرجمة رقم «٥٨٢».

(٦) انظر ، الإستيعاب بهامش الإصابة : ٤ / ٣٣١ ، الإصابة لابن حجر : ٤ / ٣٣٥ (٥٨٢) ، المعارف لابن ـ

١٤٣

وهكذا لاقى أبناء الرّسول وشيعتهم في سبيل الدّين والإسلام ، بل لاقوا أكثر وأكثر حتّى قال قائلهم(١) :

نحن بني المصطفى ذوو محن

تجرعها في الحياة كاظمنا

عجيبة في الأنام محنتنا

أوّلنا مبتل وآخرنا

يفرح هذا الورى بعيدهم

ونحن أعيادنا مآتمنا

وإذا كانت حياة الأئمّة الأطهار كلّها أحزان ومآتم حتّى أيّام الأعياد ، فحقيق بنا ، نحن الموالين لهم ، أن نجعل هذه المآتم من شعائر الدّين ، فإذا اجتمعنا للعزاء فإنّما نجتمع ، كما نكون في الجامع للصّلاة ، وكما نكون في مكّة المكرّمة للحجّ لا نبغي إلّا مرضاة الله وثوابه ، نجتمع للعزاء أملا أن تنالنا دعوة الإمام الصّادقعليه‌السلام حين سأل ربّه سبحانه بقوله :

«أللهمّ ارحم تلك الأعين الّتي جرت دموعها رحمة لنا» ، «وارحم تلك القلوب الّتي حزنت واحترقت لنا ...» ، «وارحم تلك الصّرخة الّتي كانت لنا ...».

__________________

ـ قتيبة : ١١١ ، وقعة صفّين : ١٩٩ ، سير أعلام النّبلاء : ١ / ٤٠٩ ، تأريخ بغداد : ١ / ١٦١ ، تأريخ دمشق : ٤٣ / ٣٥٩ و ٣٦٠.

(١) الأبيات في يتيمة الدّهر : ١ / ٢٥٤ ، سير أعلام النّبلاء : ١٥ / ١٦٧ ، مع بعض الإختلاف.

١٤٤

الإستهانة بالموت

قال ابن أبي الحديد في شرح النّهج :

«قيل لرجل شهد يوم الطّفّ مع عمر بن سعد : «ويحكم أقتلتم ذرّيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! فقال : عضضّت بالجندل(١) أنّك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا ، ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها ، كالأسود الضّارية ، تحطّم الفرسان يمينا وشمالا ، وتلقي أنفسها على الموت ، لا تقبل الأمان ، ولا ترغب في المال ، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنيّة ، أو الإستيلاء على الملك ، فلو كففنا عنها رويدا لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها ، فما كنّا فاعلين لا أمّ لك؟!».

ومن أجل ذلك صاح عمر بن الحجّاج برفاقه المارقين :

«ويلكم يا حمقاء ، مهلا ، أتدرون من تقاتلون؟ إنّما تقاتلون فرسان المصر ، وأهل البصائر ، وقوما مستميتين لا برز إليهم منكم أحد(٢) . ومن أجل ذلك

__________________

(١) الجندل : الصّخر العظيم. (منهقدس‌سره ). انظر ، لسان العرب : ١١ / ١٢٨.

(٢) انظر ، تأريخ الطّبريّ : ٤ / ٣٣١ و : ٥ / ٤٣٥ ، الإرشاد للشّيخ المفيد : ٢ / ١٠٣ ، بحار الأنوار : ٤٥ / ١٩ ، جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ لابن الدّمشقي : ٢ / ٢٨٦.

١٤٥

أيضا نهى ابن سعد أصحابه أن يبرزوا لأصحاب الحسين رجلا رجلا»(١) .

وليس هذا بعجيب ولا بغريب على من لا يبتغي شيئا في هذه الحياة إلّا وجه الله والدّار الآخرة ، ليس هذا غريبا على الحقّ إذا نازل الباطل ، وعلى من سمع بعقله وقلبه صوت الله يناديه إقدم ، ولك أحسن الجزاء. لقد عبّر كل شهيد في الطّفّ بأفعاله قبل أقواله عمّا قاله سيّد الشّهداء : «أما والله لا اجيبهم إلى شيء ممّا يريدون ، حتّى ألقى الله تعالى ، وأنا مخضّب بدمي»(٢) .

لم يكن المال والأمان من أهداف أبطال الطّفّ ، لم يكن لهم إلّا هدف واحد ، يفتدونه بكلّ ما غلا وعز ، ويستعذبون في سبيله كلّ شيء حتّى الموت ، ليس لأصحاب الحسين إلّا هدف واحد لا غير هو التّقرب إلى الله بنصرة العترة الطّاهرة ، ولا وسيلة إلى نصرتهم في هذا الموقف إلّا بذل النّفوس ، والإلتجاء إلى السّيوف ، فرحوا يحطمون الفرسان بسيوفهم يمينا وشمالا ويلقون بأنفسهم على الموت ، لا يحول بينهم وبين المنيّة حائل ، وما زادهم الحصار ، والجوع ، والعطش إلّا بسالة ومضاء.

ولم تكن لأصحاب الحسين هذه الشّجاعة والإستهانة بالموت ، ولا هذه العاطفة السّامية والمعاني النّبيلة لو لا إيمانهم بالله وبالحسين. إنّ الإخلاص للحقّ يبعث في النّفوس البطولة والتّضحية ، والعزم والصّراحة. وهذا ما يجعلنا نشكّك

__________________

(١) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٣ / ٢٦٣ ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٣١ و : ٥ / ٤٣٥ ، الإرشاد : ٢ / ١٠٣.

(٢) انظر ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٥٧ و ١٠٠ ، مثير الأحزان : ٥٨ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٩ ، الحدائق الورديّة (مخلوط) ، ينابيع المودّة : ٣ / ٧٥ ، نسب قريش لمصعب الزّبيري : ٥٨ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢١٧.

١٤٦

بالّذين يظهرون الإيمان ، ولا يجرأون على التّفوه بكلمة الحقّ طمعا في حطام زائل ، أو خوفا على منصب لا يدوم ، ومن أجله يؤثرون أهواء أهل الدّنيا على إرادة الله والرّسول. قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : «أغلب النّاس من غلب هواه بعلمه»(١) . وقال : علامة الإيمان أن تؤثر الصّدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك. لا يؤنسنّك إلّا الحقّ. ولا يوحشنّك إلّا الباطل»(٢) .

وما نقله ابن أبي الحديد عن الرّجل الّذي يشهد يوم الطّفّ يدل دلالة صريحة واضحة على صدق ما روي عن شجاعة أبطال الطّفّ ، وأنّ الواحد منهم كان يقتل جمعا كثيرا من أصحاب ابن سعد قبل أن يقتل ، وأنّهم كانوا على قتلهم لا يحملون على جانب من جيش الكوفة إلّا كشفوه ، فلقد أرسل عروة بن قيس إلى ابن سعد ، وكان قائده على الخيّالة ، أرسل إليه يقول : ألا ترى ما تلقى خيلي منذ اليوم من هذه القلّة اليسيرة؟! فأمده بخمسمئة من الرّماة ، فأقبلوا حتّى دنوا من أصحاب الحسين ، ورشقوهم بالنّبل ، فلم يلبثوا حتّى عقروا خيولهم ، وصاروا رجّاله كلّهم ، وكان الباقون من أصحاب الحسين إثنين وثلاثين رجلا ، فأجمع عليهم عسكر ابن سعد ، وهم ألوف ، واشتبكوا معهم في أشد قتال ، حتّى انتصف النّهار ، وقد قتل أصحاب الحسين من أهل الكوفة المئات.

فقد رماهم أبو الشّعثاء الكندي ، وهو جاث بين يدي الحسين بمئة سهم لم يكد يخيب منها خمسة أسهم(٣) . وكان نافع البجلي يكتب اسمه على نبله ،

__________________

(١) انظر ، غرر الحكم : ٣١٨١ ، عيون الحكم والمواعظ : ١١٦.

(٢) انظر ، نهج البلاغة : الخطبة «١٢٠».

(٣) انظر ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٢٥ ، تأريخ الطّبري : ٣ / ٣٣ ، أعيان الشّيعة : ١ / ٦٠٣ ، وقعة الطّفّ : ٢٣٧.

١٤٧

ويرسلها ، فيقتل بها ، ويجرح ، وقلّما تخطيء ، فأحاطوا به من كلّ جانب ، وضربوه وأسمعهم ما يكرهون ، وقال لهم : قتلت منكم إثني عشر رجلا سوى من جرح ، ولو بقيت لي عضد لزدت(١) .

وقتل حبيب بن مظاهر اثنين وستين رجلا ، كان يصول ويجول على شيخوخه وكبر سنّه ، ويستقبل الرّماح بصدره ، والسّيوف بوجهه ، وقد عرضوا عليه الأمان والأموال ، فأبى وقال : «لا والله لا عذر لنا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن قتل الحسين ، وفينا عين تطرف». فاجتمعوا عليه ، وقتلوه(٢) . وكان حبيب صحابيّا أدرك النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشهد مع أمير المؤمنين حرب الجمل ، وصفّين ، والنّهروان ، وكان من خاصّته ، وحملة علومه ، وكان عابدا زاهدا يختم القرآن في ليلة واحدة.

وبعد ما انتهت المعركة رجع ابن سعد إلى الكوفة ، ومعه سبايا الحسين ، فخرج النّساء ، والأطفال ينظرون إلى السّبايا ، وكان مع من خرج القاسم بن حبيب بن مظاهر ، وهو يومئذ غلام قد راهق الحلم ، فرأى رأس أبيه معلقا في عنق فرس(٣) فأقبل الغلام من الفارس لا يفارقه ، فإذا دخل القصر دخل معه ، وإذا

__________________

(١) انظر ، مقاتل الطّالبيّين : ٧٨ ، إقبال الأعمال : ٣ / ٧٨ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ٩٨ و ١٣٤ ، الكامل في التّأريخ : ٤ / ٢٩ ، شرح الأخبار : ٣ / ٢٤٧ ، المزار للشّهيد الأوّل : ١٥١ ، المزار للمشهدي : ٤٩٣ ، معجم رجال الحديث : ٢٠ / ١٣٥ رقم «١٣٠٠٢» ، الإرشاد للشّيخ المفيد : ٢ / ١٠٣ ، الأخبار الطّوال : ٢٥٥ ، الأعلام : ٨ / ٦ ، مثير الأحزان : ٤٥ ، الكامل في التأريخ : ٤ / ٢٩.

(٢) انظر ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٣٥٢ ، مقتل الحسين : ٢ / ٤ ، و : ٤ / ٣٢٠ ، مقتل الحسين لابي مخنف : ١١٣ ، إعلام الورى : ١ / ٤٥٧ ، الإرشاد للشّيخ المفيد : ٢ / ٩٥ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٥٠ ، البداية والنّهاية : ٨ / ١٩٣ ، الأخبار الطّوال : ٢٥٦.

(٣) كان أمير المؤمنين قد أخبر حبيبا بما يحدث له ، وأخبر ميثم التّمار بأنّه يصلب ، وتبقر بطنه ، وبعد ـ

١٤٨

خرج منه خرج معه ، فارتاب به الرّجل ، وقال له : مالك يا بني تتّبعني؟ فقال الغلام : إنّ هذا الرّأس رأس أبي ، اعطني إيّاه حتّى أدفنه. قال : إنّ الأمير لا يرضى أن يدفن ، وأريد أن يثيبني على قتله. فقال له الغلام : ولكن الله لا يثيبك ، وبكى. ثمّ ذهب الغلام ، ولم يكن له من هم إلّا أن يقتل قاتل أبيه ، ولم تمض الأيّام حتّى خرج مصعب بن الزّبير(١) ، وكان القاتل مع جيش مصعب ، فراقبه الغلام يلتمس الفرصة السّانحة ، وفي ذات يوم دخل عسكر مصعب ، فوجد القاتل نائما في فسطاطه ، فضربه بسيفه حتّى برد(٢) .

__________________

ـ وفاة الإمام عليّعليه‌السلام التقى ميثم بحبيب ، وكان كلّ منهما يركب فرسا ، فقال حبيب يطايب ميثما : كأنّي بشيخ أصلع قد صلب في حبّ أهل البيت ، وتبقر بطنه فقال ميثم : أنّي لأعرف رجلا ثمّ افترقا ، فقال قوم كانوا جالسين يسمعون كلامهما ، ما رأينا أحدا أكذب من هذين. وقبل أن يفترق أهل المجلس أقبل رشيد الهجري ، فسأل أهل المجلس عنهما ، فقالوا : مرّا من هنا ، وقالا كذا وكذا. فقال رشيد ، نسي ميثم أن يقول : أنّه يزاد في عطاء من يأتي برأس حبيب مئة درهم. ثمّ أدبر ، فقال أهل المجلس : هذا ، والله أكذبهم. ولكن لم تمض الأيّام حتّى شاهد هؤلاء ميثما مصلوبا ، ورأس حبيب يطاف به ، وتحقّق كل ما سمعوه. (منه قدس‌سره). انظر ، أبصار العين في أنصار الحسين : ١٠١ ، رجال الكشي : ٧٨ رقم «١٣٣» ، منتهى المقال في أحوال الرّجال : ٢ / ٣٢٨.

(١) انظر ، الأخبار الطّوال : ٣١٨ ، تأريخ الطّبري : ٧ / ١٨١.

(٢) انظر ، تأريخ الطّبري : ٣ / ٣٢٧ و : ٦ / ٦٥٢ ، البداية والنّهاية : ٨ / ١٨٢ ، الكامل في التّأريخ : ٤ / ٧١.

١٤٩
١٥٠

أنتم مؤمنون

أين المؤمنون؟ أين المسلمون حقّا؟ أين الأسوة والعزاء بالأنبياء والأولياء؟ وبالتالي أين الموالون للنّبي وأهل بيته الّذين أحبّوا ما أحبّ الله ، ومحمّد ، وعليّ ، والحسن ، والحسين؟! قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : «ولو لم يكن فينا إلّا حبّنا ما أبغض الله ، ورسوله ، وتعظيمنا ما صغر الله ورسوله لكفى به شقاقا لله ومحادّة عن أمر الله»(١) .

نحن ننكر على عثمان بن عفّان ، لأنّه آثر الأقارب والأرحام ، وآوى عمّه الحكم طريد رسول الله ولعينه(٢) . وننكر على معاوية مبايعته لولده يزيد الّذي أهلك الحرث والنّسل ، وننكر على ابن العاصّ ، لأنّه باع دينه إلى معاوية بولاية مصر ، وننكر على ابن سعد ، لأنّه قتل الحسين أملا بملك الرّي ، أجل ، أنّنا ننكر

__________________

(١) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٩ / ٢٣٢ ، شرح نهج البلاغة لمحمّد عبده : ٢ / ٥٩.

(٢) الحكم هذا هو أخو عفّان أبي عثمان ، وكان يؤدي رسول الله ، وينبيء المشركين بأخباره. ذات يوم بينما يمشي رسول الله مشى الحكم خلفه يتفكك ، ويتمايل يختلج بفمه وأنفه مستهزءا بالرّسول فالتفت إليه ، وقال له كن كذلك. فما زال بقيّة عمره كذلك. ثمّ أسلم خوفا من القتل ، فطرده الرّسول من المدينة ، ولم يزل خارجها بقيّة حياة الرّسول وخلافة أبي بكر وعمر حتّى تولى عثمان فردّه إليها وقرّبه ، وقالت عائشة لابنه مروان «أشهد أنّ الله لعن أباك وأنت في صلبه». (منهقدس‌سره ). انظر ، تفسير القرطبي : ١٠ / ٢٨٦ ، ترجمة الإمام الحسن من طبقات ابن سعد : ٣٦.

١٥١

على هؤلاء وأمثالهم لا لشيء إلّا لأنّهم آثروا العاجلة على الآجلة ، واستجابوا لأهواء الأولاد والأرقاب ، واستبدّت بهم الشّهوات والمنافع ، ولم يرعوا أمر الله وحرمة الدّين.

ونحن نكرّم أهل البيت ، ونقيم لهم الحفلات ، ونحي الذّكريات لأنّهم جاهدوا وضحّوا في سبيل الله ، وجابهوا الباطل ، وقاوموا العدوّان ولم يثنهم الخوف على منصب أو ولد ، ولكنّا في نفس الوقت نستجيب لأهواء الأولاد والأرقاب ، وتستبد بنا الشّهوات ، ولم نراع لله أمرا ولا نهيا ، تماما كما فعل أعداء أهل البيت ، نحن في أقوالنا ومظاهرنا مع الرّسول وعترته ، وفي أفعالنا وواقعنا مع الّذين حاربوا الله ورسوله ، وعاندوا الحقّ وأهله.

نحن لا نطلب من المسلم أن يكون حسينا ، ولا كأصحاب الحسين ، ولكن نطلب منه أن لا يكون كابن سعد ، وأصحاب ابن سعد نطلب أن لا يسمّي الظّلم عدلا ، والباطل حقّا تملقا لأبناء الدّنيا ورغبة في ما بأيديهم ، نريده أن يقول للظّالم يا ظالم ، ولا يسكت عن الحقّ. أنّ السّكوت عن الحقّ ومدراة الطّغاة وأصحاب المال ، والجاه لا تجتمع مع موالاة أهل البيت الّذين كانوا حربّا على كلّ طاغ وباغ ؛ قال الإمام الباقرعليه‌السلام لجابر الجعفي :

«اعلم بأنّك لا تكون لنا وليّا إلّا إذا اجتمع عليك أهل مصرك وقالوا : إنّك رجل سوء لم يحزنك ذلك ، ولو قالوا : إنّك رجل صالح لم يسرّك ذلك ولكن اعرض نفسك على كتاب الله ، فإن كنت سالكا سبيله ، زاهدا في تزهيده ، راغبا في ترغيبه ، خائفا من تخويفه فأثبت وأبشر ، فإنّه لا يضرّك ما قيل فيك. وإن كنت مباينا للقرآن فماذا الّذي يغرّك من نفسك؟!. إنّ المؤمن معني بمجاهدة

١٥٢

نفسه ليغلبها على هواها»(١) .

فالمقياس هو القرآن. وما اهتمّ القرآن في شيء أكثر من اهتمامه بالمعروف والنّهي عن المنكر ، قال الله تعالى :( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ ) (٢) .

وقال الفقهاء : المعروف قسمان واجب وندب ، والأمر بالواجب واجب ، والأمر بالنّدب ندب ، أمّا المنكر فكلّه حرام ، فالنّهي عنه واجب(٣) .

وقال الإمام الباقرعليه‌السلام : «يكون في آخر الزّمان قوم سفهاء ، لا يوجبون أمرا بمعروف ولا نهيا عن منكر إلّا إذا أمنوا الضّرر ، يطلبون لأنفسهم الرّخص والمعاذير ، يتّبعون زلّات العلماء وفساد علمهم ، يقبلون على الصّلاة والصّيام ، وما لا يكلّفهم في نفس ولا مال ، ولو أضرّت الصّلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا أتم الفرائض وأشرفها»(٤) .

أراد الإمام من أتم الفرائض وأشرفها الأمر المعروف والنّهي عن المنكر ، أمّا قوم آخر الزّمان فهم نحن ، حيث نفعل المنكر غير مكترثين ، أو نرضى به ، أو نغض الطّرف عن فاعله متذرعين بخوف الضّرر ، كما قال الإمام ، متجاهلين الصّبر على المكروه في جنب الله ، وخدمة الدّين؟ وأيّة فضيلة للمرشد إذا لم يعان

__________________

(١) انظر ، تحف العقول : ٢٨٤.

(٢) المائدة : ٧٩.

(٣) انظر ، تذكرة الفقهاء : ١ / ٤٥٨.

(٤) انظر ، مختلف الشّيعة : ٤ / ٤٦١ ، تذكرة الفقهاء : ١ / ٤٥٨ و : ٩ / ٤٤٠ ، الوافي : ٩ / ٢٩ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ١٨٠.

١٥٣

المشقّة والصّعاب في سبيل الحقّ ، وإعلاء كلمته.

فإيّاك أن تغتر بقول من قال : لا يجب التّذكر إلّا مع أمن الضّرر واحتمال النّفع(١) ولو صحّ قولهم هذا لما وجب التّذكير في وقت من الأوقات ، لأنّه لا يخلو زمان من معاندين ، ولا يسلم محق من جاحدين ، أنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر واجب ، وإلقاء الحجّة لا بدّ منه. وإليكم المثل والدّليل :

قبل أن يعلم الحسين بخبر ابن عمّه مسلم كتب إلى جماعة من أهل الكوفة :

«بسم الله الرّحمن الرّحيم ، من الحسين بن عليّ إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين ، سلام عليكم ، فإنّي أحمد إليكم الله الّذي لا إله إلّا هو ، أمّا بعد ، فإنّ كتاب مسلم بن عقيل جائني يخبرني فيه بحسن رأيكم ، وإجتماع ملئكم على نصرنا ، والطّلب بحقنا ، فسألت الله أن يحسن لنا الصّنع ، وأن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر ، وقد شخصت إليكم من مكّة يوم الثّلاثاء لثمان مضين من ذي الحجّة يوم التّروية ، فإذا قدم عليكم رسولي فامكثوا في أمركم وجدّوا ، فإنّي قادم عليكم في أيّامي هذه ، إن شاء الله ، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته»(٢) .

وأرسل الكتاب مع قيس بن مسهر الصّيداوي(٣) ، ولمّا قارب قيس الكوفة

__________________

(١) أمّا قوله تعالى :( فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى ) الأعلى : ٩ ؛ فليس النّفع شرطا حقيقيّا للتّذكير ، وإنّما هو أشبه بقول القائل : سله إن نفع السّؤال ؛ لأنّ الأنبياء بعثوا للأعذار والإنذار ، فعليهم التّذكير على كلّ حال نفع أو لم ينفع. (منهقدس‌سره ).

(٢) انظر ، البداية والنّهاية : ٨ / ١٨١ ، الإرشاد : ٢ / ٧٠ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ٧٢ ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٢٩٧ ، الأخبار الطّوال : ٢٤٥ ، مثير الأحزان : ٣٠ ، ينابيع المودّة : ٣ / ٦١.

(٣) انظر ، الفتوح لابن أعثم : ٣ / ٩٢ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ١ / ٢٢٩ و ٢٣٥ ، و ٢٤٨ طبعة آخر ، بحار الأنوار : ٤٤ / ٣٧٤ ، عوالم العلوم : ١٧ / ٢٢٤ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٣٢ ، الملهوف : ٦٤ ، كشف الغمّة : ٢ / ٢٠٢ ، أعيان الشّيعة : ١ / ٥٩٥ ، وقعة الطّفّ : ١٦٦ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ٧٨.

١٥٤

اعترضه الحصين بن نمير(١) فأخرج قيس الكتاب وخرّقه ، فحمله الحصين إلى ابن زياد ، فلمّا مثل بين يديه ، قال له : من أنت؟ قال : أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وابنهعليهما‌السلام ، قال : لماذا خرّقت الكتاب؟. قال : لئلّا تعلم ما فيه ، قال : وممّن وإلى من؟ قال : من الحسين بن عليّ إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم ، فغضب ابن زياد ، وقال : والله لا تفارقني حتّى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم أو تصعد المنبر وتلعن الحسين بن عليّعليهما‌السلام وأباه وأخاه ، وإلّا قطّعتك إربا إربا.

فاغتنم قيس هذا الفرصة لصعود المنبر ، وقال : أمّا القوم فلا أخبرك بأسمائهم ، وأمّا اللّعن فأفعل ، قال له : اصعد والعن ، فصعد قيس ، وحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النّبيّ ، وأكثر من التّرحم على عليّ ، والحسين ، والحسن ، ولعن عبيد الله بن زياد وأباه ، ولعن عتاة بني أميّة عن آخرهم ، ثمّ قال : أيّها النّاس أنا رسول الحسين إليكم ، قد تركته في مكان كذا ، فأجيبوه ، فأمر ابن زياد بالقائه من أعلى القصر ، فتكسّرت عظامه ، وبقي به رمق ، فأتاه رجل يقال له عبد الملك ابن عمير اللّخمي فذبحه ، فقيل له في ذلك وعيب عليه ، فقال : أردت أن اريحه(٢) .

__________________

(١) كان الحصين على شرطة ابن زياد ، وهو الّذي رمى الكعبة بالمنجنيق لمّا تحصّن فيها ابن الزّبير ، وقتل الحصين في ثورة التّوابين ، قال ابن أبي الحديد : أنّ أبا الحصين هو الّذي سأل أمير المؤمنين عن عدد شعر رأسه حين قال: سلوني قبل أن تفقدوني ، فقال له : وما علاقه الصّدق لو أخبرتك؟ كيف تعد الشّعر ، ولكن اخبرك أنّ تحت كلّ شعرة في رأسك شيطانا يلعنك ، وعلامة ذلك أنّ ولدك سيحمل الرّاية ويخرج لقتال ولدي الحسين ، ولم تمض الأيّام حتّى تحقّق ما قال الإمام. (منهقدس‌سره ).

(٢) انظر ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٣٩٥ ، إقبال الأعمال : ٣ / ٣٤٥ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١٦ و ٧١ ، ـ

١٥٥

هؤلاء أصحاب يزيد ، وابن زياد كلّهم عبد الملك ينبشون الأموات ، ويمثلون بالأبرار ؛ أمّا أصحاب الحسين فكلّهم قيس بن مسهر. أقدم قيس رضوان الله عليه وهو على يقين من قتله والتّمثيل به ، ولكن استخف بالموت ما دام الغرض الأسمى الّذي قصد إليه قد تحقّق ، وهو تبليغ رسالة سيّده الحسين ، وإلقاء الحجّة على أعداء الله.

والسّر الأعظم في أصحاب الحسين أنّهم يطلبون الموت بلهفة المشتاق ، ويودون لو تكرّر قتلهم مرّات ومرّات في سبيل الحسين. وهكذا المؤمنون المنزّهون عن الأغراض ، والمطامع لا يخافون على أنفسهم من القتل ، ولا على أولادهم من اليتم والضّياع ، وإنّما يخشون الله وحده على دينهم وإيمانهم.

__________________

ـ تأريخ الطّبري : ٤ / ٢٦٢ و ٣٠٦ و : ٥ / ٣٩٤ ـ ٣٩٥ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٤١ و ٢٤٥ ، بحار الأنوار : ٤٥ / ٣٣٣ ، و : ٩٨ / ٢٧٣ و ٣٤٠ ، العوالم : ١٨٣ ، شرح الأخبار : ٣ / ٢٤٥ ، المزار للشّهيد الأوّل : ١٥٢ ، المزار للمشهدي : ٤٩٣ ، معجم رجال الحديث : ١٥ / ١٠٣ رقم «٩٦٩٨» ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٤٦ ، الإرشاد للشّيخ المفيد : ٢ / ٣٧ ، البداية والنّهاية : ٨ / ١٨١ ، الأخبار الطّوال : ٢٢٩.

١٥٦

أولوا العزم

قال الله جلّ وعلا :

( وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً ) (١) .

نصّت هذه الآية على أنّ أولي العزم من الأنبياء خمسة : وهم نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمّد(٢) ، ومعنى أنّهم من أولي العزم أنّ لكلّ منهم شريعة خاصّة ، دعا إليها ، وحثّ على العمل بها ، ولاقى في سبيل ذلك الكثير من المصاعب ، والمتاعب ، ولكنّه صبر وثابر ، بخاصّة محمّد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الّذي قال : «ما أوذي نبّي بمثل ما أوذيت»(٣) ، وأوصاه الله سبحانه بالصّبر كما صبر من كان قبله من أولي العزم ، حيث قال عزّ من قائل :( فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ

__________________

(١) الأحزاب : ٧.

(٢) انظر ، شرح اصول الكافي : ٧ / ٣٧٥ ، مناقب آل أبي طالب : ١ / ٢٦٠ ، تفسير الميزان : ١٨ / ٢٢١.

(٣) انظر ، صحيح ابن حبّان : ٤ / ٥١٥ ح ٦٥٦٠ ، الأحاديث المختارة : ٥ / ٣٠ ح ١٦٣٣ ، موارد الظّمآن : ١ / ٦٢٦ ح ٢٥٢٨ ، سنن التّرمذي : ٤ / ٦٤٥ ح ٢٤٧٢ ، سنن ابن ماجه : ١ / ٥٤ ح ١٥١ ، المصنّف لابن أبي شيبة : ٦ / ٣١٣ ح ٣١٧٠٤ ، مسند البزّار : ٨ / ١٧٦ ح ٣٢٠٥ ، مسند أحمد : ٣ / ١٢٠ ح ١٢٣٣ ، مسند أبي يعلى : ٦ / ١٤٥ ح ٣٤٢٣ ، صفوة الصّفوة : ١ / ٤٣٨ ، سير أعلام النّبلاء : ٢١ / ١٨٩.

١٥٧

مِنَ الرُّسُلِ ) (١) .

أجل ، ما أوذي نبي بمثل ما أوذي به محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن ولده الحسينعليه‌السلام قد أصابه في سبيل الإسلام يوم كربلاء أشدّ وأعظم ممّا أصاب جدّه الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصبر صبر الأنبياء والرّسل ، أمر أهله وأصحابه بالصّبر ، فمن أقواله يوم الطّفّ :

«صبرا بني الكرام ، فما الموت إلّا قنطرة تعبر بكم عن البؤس ، والضّرّاء إلى الجنان الواسعة ، والنّعيم الدّائم ، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر ، وما هو لأعدائكم إلّا كما ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب ، أنّ أبي حدّثني عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الدّنيا سجن المؤمن ، وجنّة الكافر»(٢) ، والموت جسر هؤلاء إلى جنّاتهم ، وجسر هؤلاء إلى جهنّمهم ، ما كذبت ولا كذّبت»(٣) .

وقال وهو يودّع عياله :

«استعدوا للبلاء ، واعلموا أنّ الله حاميكم وحافظكم ، وسينجيكم من شرّ الأعداء ، ويجعل عاقبة أمركم إلى خير ، ويعذّب عدوّكم بأنواع العذاب ، ويعوضكم عن هذه البلية بأنواع النّعم والكرامه ، فلا تشكوا ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص من قدركم»(٤) .

لقد تحمّل من ارزائها محنا

لم يحتملها نبيّ أو وصيّ نبيّ

__________________

(١) الأحقاف : ٣٥.

(٢) انظر ، صحيح مسلم : ٨ / ٢١٠ ، مسند أحمد : ٢ / ٣٢٣ ، سنن التّرمذي : ٣ / ٣٨٥ ح ٢٤٢٦ ، صحيح ابن حبّان : ٢ / ٤٦٢ ح ٦٨٧.

(٣) انظر ، تحف العقول : ٥٣ ، معاني الأخبار : ٢٨٩ ح ٣.

(٤) انظر ، جلاء العيون ، للمجلسي : ١٥٦.

١٥٨

وأنّ أعظم ما لاقاه محتسبا

عند الإله فسامى كلّ محتسب

حمل الفواطم أسرى للشّام على

عجف النّياق تقاسي نهشة القتب

وما رأت أنبياء الله من محن

وأوصياؤهم في سالف للحقب

كمحنة السّيّد السّجّاد حين أتت

يزيد نسوته أسرى على النّجب

أمامها رفعت فوق الأسنّة من

حماتها أرؤس فاقت سنى الشّهب

١٥٩
١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652