تفسير نور الثقلين الجزء ٤

تفسير نور الثقلين9%

تفسير نور الثقلين مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 652

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 652 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 310568 / تحميل: 6544
الحجم الحجم الحجم
تفسير نور الثقلين

تفسير نور الثقلين الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

المنقولة عن الجوادعليه‌السلام : السلام على أئمة الهدى إلى قوله: وورثة الأنبياء والمثل الأعلى.

٤٧ ـ عن عبد الله بن العباس قال: قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فينا خطيبا فقال في آخر خطبته: نحن كلمة التقوى وسبيل الهدى والمثل الأعلى والحجة العظمى والعروة الوثقى، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٤٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم فاما قولهعزوجل ( ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ ) فانه كان سبب نزولها ان قريشا والعرب كانوا إذا حجوا يلبون، وكانت تلبيتهم: لبيك أللّهمّ لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وهي تلبية إبراهيم والأنبياءعليهم‌السلام ، فجاءهم إبليس في صورة شيخ فقال لهم: ليست هذه بتلبية أسلافكم، قالوا: وما كنت تلبيتهم؟ قال: كانوا يقولون: أللّهمّ لبيك لا شريك لك إلّا شريك هو لك، فتفرق قريش من هذا القول فقال لهم إبليس: على رسلكم(١) حتى آتــي على آخر كلامي، فقالوا: وما هو؟ فقال: إلّا شريك هو لك تملكه وما يملك، ألآ ترون أنّه يملك الشريك وما ملكه؟ فرضوا بذلك وكانوا يلبون بهذا قريش خاصة، فلما بعث اللهعزوجل رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنكر ذلك عليهم وقال: هذا شرك فأنزل اللهعزوجل :( ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ ) أي لترضون أنتم فيما تملكون أن يكون لكم فيه شريك وإذا لم ترضوا أنتم أن يكون لكم فيما تملكوه شريك فكيف ترضون أن تجعلوا إلى شريكا فيما أملك.

٤٩ ـ وقولهعزوجل :( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ) أي طاهرا أخبرنا الحسين ابن محمد عن المعلى بن محمد عن محمد بن جمهور عن جعفر بن بشير عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام في قولهعزوجل :( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ) قال: هي الولاية.

__________________

(١) الرسل ـ بالكسر ـ: الرفق والتؤدة يقول اتئدوا ولا تعجلوا.

١٨١

٥٠ ـ أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد بن سنان عن حماد ابن عثمان الناب وخلف بن حماد عن الفضيل بن يسار وربعي بن عبد الله عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله:( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ) قال: يقيم في الصلوة ولا يلتفت يمينا ولا شمالا.

٥١ ـ في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن صالح بن السندي عن جعفر بن بشير عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله تعالى:( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ) قال: هي الولاية.

٥٢ ـ في تهذيب الأحكام علي بن الحسن الطاطري عن محمد بن أبي حمزة عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن قول اللهعزوجل :( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ) قال: قلت: أمره أن يقيم وجهه للقبلة ليس فيه شيء من عبادة الأوثان.

٥٣ ـ في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت:( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ) قال: التوحيد.

٥٤ ـ علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن قول اللهعزوجل :( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ) ما تلك الفطرة؟ قال: هي الإسلام فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد قال: ألست بربكم وفيه المؤمن والكافر.

٥٥ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن زرارة قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ) قال: فطرهم جميعا على التوحيد.

٥٦ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن زرارة عن أبي ـ جعفرعليه‌السلام قال: سألته عن قول اللهعزوجل :( حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ) قال: الحنيفية من الفطرة التي فطر الناس عليها( لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ) قال: فطرهم على المعرفة به، فقال زرارة وسألته عن قول اللهعزوجل :( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) قال: أخرج من ظهر آدم ذريته إلى يوم

١٨٢

القيامة فخرجوا كالذر فعرفهم وأراهم نفسه ولولا ذلك لم يعرف أحد ربه، وقال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كل مولود يولد على الفطرة يعنى على المعرفة بان اللهعزوجل خالقه وكذلك قوله:( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) .

٥٧ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن فضال عن أبي جميلة عن محمد الحلبي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ) قال: فطرهم على التوحيد.

٥٨ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن الحسين بن نعيم الصحاف قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : لم يكون الرجل عند الله مؤمنا قد ثبت له الايمان عنده ثم ينقله الله بعد من الايمان إلى الكفر؟ قال: فقال: إنّ اللهعزوجل هو العدل انما دعا العباد إلى الايمان به لا إلى الكفر، ولا يدعو أحدا إلى الكفر فمن آمن بالله ثم ثبت له الايمان عند الله لم ينقله اللهعزوجل من الايمان إلى الكفر، قلت له: فيكون الرجل كافرا قد ثبت له الكفر عند الله ثم ينقله الله بعد ذلك من الكفر إلى الايمان؟ قال: فقال: إنّ اللهعزوجل خلق الناس كلهم على الفطرة التي فطرهم عليها لا يعرفون ايمانا بشريعة ولا كفرا بجحود، ثم بعث اللهعزوجل الرسل يدعو العباد إلى الايمان به، فمنهم من هدى الله ومنهم من لم يهده.

٥٩ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثنا الحسين بن علي بن زكريا قال: حدّثنا الهيثم بن عبد الله الرماني قال: حدّثنا عليّ بن موسى الرضا عن أبيه عن جده عن أبيه محمد بن علي صلوات الله عليهم في قولهعزوجل :( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ) قال: هو لا إله إلّا الله محمّد رسول الله عليٌّ أمير المؤمنين ولي الله إلى هاهنا التوحيد.

٦٠ ـ في بصائر الدرجات أحمد بن موسى عن الحسين بن موسى الخشاب عن علي بن حسان عن عبد الرحمان بن كثير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله:( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ) قال: فقال: على التوحيد ومحمد رسول الله وعلى أمير المؤمنينعليهما‌السلام .

٦١ ـ في كتاب التوحيد أبيرحمه‌الله قال: حدّثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن

١٨٣

محمد بن عيسى عن محمد بن سنان عن العلا بن فضيل عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن قول اللهعزوجل ( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ) قال: على التوحيد.

٦٢ ـ حدّثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه قال: حدّثنا محمد بن الحسن الصفّار عن إبراهيم بن هاشم ويعقوب بن يزيد عن ابن فضال عن بكير وزرارة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله اللهعزوجل :( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ) قال: فطرهم على التوحيد.

٦٣ ـ حدّثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه قال: حدّثنا محمد ابن الحسن الصفّار عن علي بن حسان الواسطي عن الحسن بن يونس عن عبد الرحمن مولى أبي ـ جعفر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ) قال: على التوحيد ومحمد رسول الله وعلى أمير المؤمنين.

٦٤ ـ أبيرحمه‌الله قال: حدّثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن ابن مسكان عن زرارة قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : أصلحك الله قول اللهعزوجل في كتابه:( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ) قال: فطرهم على التوحيد عند الميثاق وعلى معرفة انه ربهم، قلت: وخاطبوه؟ قال: فطأطأ رأسه ثم قال: لولا ذلك لم يعلموا من ربهم ولا رازقهم.

٦٥ ـ حدّثنا أبو أحمد القاسم بن محمد بن أحمد السراج الهمداني قال: حدّثنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم السرنديبى قال: حدّثنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن هارون الرشيد بحلب قال: حدّثنا محمد بن آدم بن أبي إياس قال ابن أبي اديب عن ابن عمر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تضربوا أطفالكم على بكائهم فان بكاءهم أربعة أشهر شهادة أنْ لا إله إلّا الله، واربعة أشهر الصلوة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واربعة الدعاء لوالديه.

٦٦ ـ حدّثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضى الله عنه قال: حدّثنا محمد ابن أبي عبد الله الكوفي قال: حدّثنا محمد بن إسماعيل البرمكي قال: حدّثني علي بن العباس قال: حدّثني جعفر بن محمد الأشعري عن فتح بن يزيد الجرجاني قال :

١٨٤

كتبت إلى أبي الحسن الرضاعليه‌السلام أسأله عن شيء من التوحيد فكتب إلى بخطه قال جعفر: وان فتحا اخرج إلى الكتاب فقرأته بخط أبي الحسنعليه‌السلام : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الملهم عباده الحمد وافطرهم على معرفة ربوبيته والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٦٧ ـ في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبان بن عثمان عن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كانت شريعة نوح صلى الله عليه أن يعبد الله بالتوحيد والإخلاص وخلع الأنداد، وهو الفطرة التي فطر الناس عليها، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٦٨ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه وعدة من أصحابنا عن سهل بن زياد جميعا عن الحسن بن محبوب عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إنّ إبراهيم صلى الله عليه كان مولده بكوثى ربا(١) وكان أبوه من أهلها، وكانت أم إبراهيم وأم لوط سارة وورقة (وفي نسخة رقية) أختين، وهما ابنتين للاحج وكان الاحج نبيا منذرا ولم يكن رسولا، وكان إبراهيم صلى الله عليه في شبيبته(٢) على الفطرة التي فطر اللهعزوجل الخلق عليها حتى هداه الله تبارك وتعالى إلى دينه واجتباه، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٦٩ ـ في تفسير العياشي عن مسعدة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله الله:( كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ) الآية وذكر حديثا طويلا وفي آخره قلت: أفضلال كانوا قبل النبيين أم على هدى؟ قال: لم يكونوا على هدى كانوا على فطرة الله التي فطرهم عليها لا تبديل لخلق الله، ولم يكونوا ليهتدوا حتى يهديهم الله أما تسمع لقول إبراهيم:( لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ) أي ناسيا للميثاق.

__________________

(١) اسم موضع وعن الحموي أنّه قال هما قريبتان وبينهما تلول من رماد يقال انها رماد النار التي أو قدها نمرود لاحراقه.

(٢) أي في حداثته على الفطرة أو التوحيد أي كان موحدا بما آتاه الله من العقل والهمة حتى جعله الله نبيا وآتاه الله الملك.

١٨٥

٧٠ ـ في محاسن البرقي عنه عن أبيه عن علي بن النعمان عن عبد الله بن مسكان عن زرارة قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ) قال: فطرهم على معرفته انه ربهم، ولولا ذلك لم يعلموا إذا سئلوا من ربهم ومن رازقهم.

٧١ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن عثمان بن عيسى وحماد بن عثمان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: لـمّا بويع لأبي بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منها فجاءت فاطمة إلى أبي بكر فقالت: يا أبا بكر منعتني ميراثي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها إلى رسول الله بأمر اللهعزوجل ؟ فقال لها: هاتي على ذلك شهودا، فجاءت بأم أيمن فقالت: لا أشهد حتى أحتج يا أبا بكر عليك بما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالت: أنشدك يا أبا بكر ألست تعلم أنّ رسول الله قال: أم أيمن امرأة من أهل الجنة؟ قال: بلى، قالت: فاشهد بان الله أوحى إلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وآت ذا القربى حقه فجعل فدك لفاطمة بأمر الله وجاء على فشهد بمثل ذلك فكتب لها كتابا ودفعه إليها، فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال أبو بكر: إنّ فاطمة ادعت في فدك وشهدت لها أم أيمن وعليٌّ فكتبت لها بفدك، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة فمزقه وقال: هذا فيء المسلمين، وقال: أوس بن الحدثان وعائشة وحفصة يشهدون على رسول الله أنّه قال: انا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة، و إنّ عليا زوجها يجر إلى نفسه وأم أيمن فهي امرأة صالحة لو كان معها غيرها لنظرنا فيه، فخرجت فاطمةعليها‌السلام من عندها باكية حزينة، فلما كان بعد هذا جاء علىعليه‌السلام إلى أبي بكر وهو في المسجد وحوله المهاجرون والأنصار، فقال: يا أبا بكر لم منعت فاطمة من ميراثها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد ملكته في حيوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال أبو بكر: هذا فيء المسلمين فان أقامت شهودا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل لها والا فلا حق لها فيه، فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟ قال: لا قال: فان كان في يد المسلمين شيء يملكونه وادعيت انا فيه من تسأل البينة؟ قال: إياك كنت اسأل البنية على ما تدعيه

١٨٦

على المسلمين، قال: وإذا كان في يدي شيء فادعى فيه المسلمون فتسألنى البينة على ما في يدي وقد ملكته في حيوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده ولم تسأل المسلمين البينة على ما ادعوا عليَّ شهودا كما سألتنى على ما ادعيت عليهم؟ فسكت أبو بكر ثمّ قال عمر: يا عليُّ دعنا من كلامك فانا لا نقوى على حججك فان أتيت شهودا عدولا والا فهو فيء المسلمين لا حق لك ولا لفاطمة فيه، فقال أمير المؤمنين: يا أبا بكر تقرأ كتاب الله؟ قال: نعم قال: فأخبرنى عن قول الله تعالى:( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) فيمن نزلت، فينا أم في غيرنا؟ قال: بل فيكم، قال: فلو ان شاهدين شهدا على فاطمة بفاحشة ما كنت صانعا؟ قال: كنت أقيم عليها الحد كما أقيم على سائر المسلمين، قال: كنت إذا عند الله من الكافرين قال: ولم؟ قال: لأنك رددت شهادة الله لها بالطهارة، وقبلت شهادة الناس عليها كما رددت حكم الله وحكم رسوله ان جعل لها فدكا وقبضته في حيوته، ثم قبلت شهادة أعرابي بائل على عقبيه (مثل أوس بن الحارث خ) عليها وأخذت منها فدك، وزعمت انه فيء المسلمين وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : البينة على من ادعى واليمين على من ادعى عليه؟ قال: فدمدم الناس(١) وبكى بعضهم فقالوا: صدق والله على ورجع على صلوات الله عليه إلى منزله قال: فدخلت فاطمةعليها‌السلام المسجد وطافت بقبر أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي تبكي وتقول :

انا فقدناك فقد الأرض وابلها

واختل قومك فاشهدهم ولا تغب(٢)

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب(٣)

قد كان جبريل بالآيات يونسنا

فغاب عنا فكل الخير محتجب

وكنت بدرا منيرا يستضاء به

عليك تنزل من ذي العزة الكتب

تهضمتنا رجال واستخف بنا

إذ غبت عنا فنحن اليوم مغتصب(٤)

__________________

(١) دمدم فلان على فلان: كلمه مغضبا.

(٢) الوابل: المطر الشديد.

(٣) الهنبثة: الاختلاط في القول ويقال: الأمر الشديد.

(٤) تهضمه: ظلمه، أذله وكسره وفي. رواية الإربلي (ره) في كشف الغمة «تهجمتنا».

١٨٧

وكان أهل له قربى ومنزلة

عند الإله على الأذنين مقترب

أبدت رجال لنا نجوى صدورهم

لما مضيت وحالت دونك الترب

فقد رزينا بما لم يرزه أحد

من البرية لا عجم ولا عرب(١)

فقد رزئنا به محضا خليقته

صافي الضرائب والاعراق والنسب(٢)

فأنت خير عباد الله كلهم

واصدق الناس حين الصدق والكذب

فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت

منا العيون بتهمال لها سكب(٣)

سيعلم المتولي الظلم حامتنا

يوم القيامة انى كيف ينقلب

قال: فرجع أبو بكر إلى منزله وبعث إلى عمر فدعاه ثم قال: أما رأيت مجلس على بنا اليوم؟ والله لئن قعد مقعدا مثله ليفسدن علينا أمرنا فما الرأى؟ قال عمر: الرأى أن نأمر بقتله، قال: فمن يقتله؟ قال: خالد بن الوليد فبعثا إلى خالد فأتاهما فقال: نريد أن نحملك على أمر عظيم، قال: احملاني على ما شئتما ولو قتل عليُّ بن أبي طالب قال: فهو ذاك، قال خالد: متى اقتله؟ قال أبو بكر: إذا حضر المسجد فقم بجنبه في الصلوة فاذا أنا سلمت فقم إليه فاضرب عنقه، قال: نعم فسمعت أسماء بنت عميس ذلك وكانت تحت أبي بكر فقالت لجاريتها: اذهبي إلى منزل عليٍّ وفاطمة فاقرئيهما السلام وقولي لعليٍّ صلوات الله عليه:( الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ) فجاءت الجارية إليهما فقالت لعليّ صلوات الله عليه: إنّ أسماء بنت عميس تقرأ عليكما السلام وتقول لك:( إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ) فقال عليٌّ صلوات الله عليه: إنّ الله يحول بينهم وبين ما يريدون: ثم قام وتهيأ للصلوة وحضر المسجد ووقف خلف أبي بكر وصلّى لنفسه وخالد بن الوليد بجنبه ومعه السيف، فلما جلس أبو بكر في التشهد ندم على ما قال وخاف الفتنة وشدة عليٍّ صلوات الله عليه وبأسه، فلم يزل متفكّرا لا يجسر أن يسلم حتى ظنّ الناس أنّه قد سهى ،

__________________

(١) الرزء والرزيئة: المصيبة العظيمة.

(٢) الضرائب جمع الضريبة: السجية والطبيعة يقال فلان كريم الضريبة، ولئيم الضريبة.

(٣) التهمال من هملت عينه: فاضت وسالت. وسكب الماء صبه.

١٨٨

ثم التفت إلى خالد فقال: يا خالد لا تفعل ما أمرتك به والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: يا خالد ما الذي أمرك به؟ قال: أمرنى بضرب عنقك، قال: أو كنت فاعلا؟ قال: أي والله لولا أنّه قال لي: لا تفعل لقتلتك بعد التسليم قال: فأخذه عليٌّ فضرب به الأرض واجتمع الناس عليه فقال عمر: يقتله الساعة وربِّ الكعبة فقال الناس: يا أبا الحسن الله الله بحق صاحب هذا القبر فخلّى عنه، قال: فالتفت إلى عمر فأخذ بتلابيبه(١) وقال: يا ابن صهّاك لولا عهد من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكتاب من اللهعزوجل وسبق لعلمت أينا أضعف ناصرا أو أقل عددا.

٧٢ ـ في مجمع البيان( فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ) وروى أبو سعيد الخدري وغيره انه لـمّا نزلت هذه الآية على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اعطى فاطمةعليها‌السلام فدكا وسلمه إليها، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام .

٧٣ ـ في الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: الربا ربائان: ربا يؤكل وربا لا يؤكل، فاما الذي يؤكل فهديتك إلى الرجل تطلب منه الثواب أفضل منها فذلك الربا الذي يؤكل، وهو قول اللهعزوجل :( وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ ) فلا يربو عند الله واما الذي لا يؤكل فهو الذي نهى الله عنه وأوعد عليه النار.

٧٤ ـ في تهذيب الأحكام الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله:( وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ ) فقال: هو هديتك إلى الرجل تطلب منه الثواب أفضل منها، فذلك ربا يؤكل.

٧٥ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : الربا ربائان أحدهما حلال والاخر حرام، فاما الحلال فهو ان يقرض الرجل أخاه قرضا ان يزيده ويعوضه بأكثر مما يأخذه بلا شرط بينهما، فان أعطاه أكثر مما اخذه على غير شرط بينهما فهو

__________________

(١) التلابيب جمع التلبيب: ما في موضع المنحر من الثياب ويعرف بالطوف.

١٨٩

مباح له وليس له عند الله ثواب فيما أقرضه، وهو قوله:( فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ ) واما الحرام فالرجل يقرض قرضا ويشترط ان يرد أكثر مما اخذه فهذا هو الحرام.

٧٦ ـ في مجمع البيان قيل في الربا المذكور في الآية قولان: أحدهما انه ربا حلال وهو ان يعطى الرجل العطية أو يهدى الهدية ليثاب أكثر منها، فليس فيه أجر ولا وزر، وهو المروي عن أبي جعفرعليه‌السلام .

٧٧ ـ( فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ) أي فأهلها هم المضعفون إلى قوله وقيل: هم المضعفون للمال في العاجل وللثواب في الأجل لان الله سبحانه جعل الزكاة سببا لزيادة المال ومنه الحديث ما نقص مال من صدقة، وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام فرض الله تعالى الصلوة تنزيها عن الكبر، والزكاة تسبيبا للرزق، والصيام ابتلاء لإخلاص الخلق، وصلة الأرحام منماة للعدد. في كلام طويل.

٧٨ ـ في من لا يحضره الفقيه خطبة للزهراء صلوات الله عليها وفيها: ففرض الله تعالى الايمان تطهيرا من الشرك، والصلوة تنزيها عن الكبر، والزكاة زيادة، في الرزق.

٧٩ ـ في تفسير علي بن إبراهيم قولهعزوجل :( وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ) أي ما بررتم به إخوانكم واقرضتموهم لا طمعا في زيادة وقال الصادقعليه‌السلام : على باب الجنة مكتوب: القرض بثماني عشرة والصدقة بعشرة.

٨٠ ـ في مصباح الشريعة قال الصادقعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الحريص محروم ومع حرمانه مذموم في أي شيء كان، وكيف لا يكون محروما وقد فر من وثاق الله تعالى، وخالف قول اللهعزوجل حيث يقول:( اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ) .

٨١ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقولهعزوجل :( ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ) قال: في البر فساد الحيوان إذا لم تمطر، وكذلك هلاك دواب البحر بذلك، وقال الصادقعليه‌السلام : حيوة دواب البحر بالمطر، فاذا كف المطر( ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) ، وذلك إذا كثرت الذنوب والمعاصي.

١٩٠

ـ أخبرنا أحمد بن إدريس قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن علي بن النعمان عن ابن مسكان عن ميسر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قلت:( ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ) قال: ذلك والله يوم قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير.

٨٣ ـ في روضة الكافي محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن علي بن النعمان عن ابن مسكان عن محمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام في قولهعزوجل :( ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ) قال: ذاك والله حين قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير.

٨٤ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد والحسين ابن سعيد جميعا عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن عبد الله بن مسكان عن زيد بن الوليد الخثعمي عن أبي الربيع الشامي قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ ) فقال: عنى بذلك أي انظروا في القرآن، فاعلموا كيف كان عاقبة الذين من قبلكم وما أخبركم عنه.

٨٥ ـ في مجمع البيان( وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ) أي يوطنون لأنفسهم منازلهم إلى قوله: وروى منصور بن حازم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ العمل الصالح ليسبق صاحبه إلى الجنة فيمهد له كما يمهد لأحدكم خادمه فراشه.

٨٦ ـ وجاءت الرواية عن أم الدرداء انها قالت: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ما من امرء مسلم يرد عن عرض أخيه إلّا كان حقا على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة، ثم قرء( وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) .

٨٧ ـ في من لا يحضره الفقيه وروى ابن أبي عمير عن أبي زياد النهدي عن عبد الله بن وهب عن الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام قال: حسب المؤمن نصرة أن يرى عدوه يعمل بمعاصي اللهعزوجل .

٨٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم ويجعله كسفا قال: بعضه على بعض.

٨٩ ـ في مجمع البيان( فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ ) وروى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام من خلله.

٩٠ ـ في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام في وصف الامامة و

١٩١

الامام وذكر فضل الامام ورتبته حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام : ثم أكرمه اللهعزوجل بأن جعلها في ذريته وأهل الصفوة والطهارة، فقال:( وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ ) فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورثه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال الله جل جلاله:( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ) فكانت له خاصة فقلدهاصلى‌الله‌عليه‌وآله علياعليه‌السلام بأمر اللهعزوجل على رسم ما فرض الله تعالى، فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله تعالى العلم والايمان بقوله:( وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إلى يَوْمِ الْبَعْثِ ) فهي في ولد علىعليه‌السلام خاصة إلى يوم القيامة، إذ لا نبي بعد محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

في أصول الكافي عن الرضاعليه‌السلام مثله سواء.

٩١ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقولهعزوجل :( وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إلى يَوْمِ الْبَعْثِ ) فان هذه الآية مقدمة ومؤخرة وانما هو: «وقال الذين أوتوا العلم والايمان في كتاب الله لقد لبثتم إلى يوم البعث».

٩٢ ـ قوله جل ذكره:( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ ) ولا يستخلفنك الذين لا يوقنون إلى لا يغضبنك، قال: وكان عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يصلّي وابن الكوا خلفه وأمير المؤمنين صلوات الله عليه يقرأ فقال ابن الكوا:( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ ) فسكت أمير المؤمنين صلوات الله عليه حتى سكت ابن الكوا، ثمّ عاد في قراءته حتّى فعل ابن الكوا ثلاث مرات فلمّا كان في الثالثة قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه:( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ) .

٩٣ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن الحسين بن الجارود عن موسى بن بكر بن داب عمن حدثه عن أبي جعفرعليه‌السلام ان زيد بن عليّ بن الحسين دخل على أبي جعفر محمّد بن عليٍّ ومعه كتب من أهل الكوفة يدعونه فيها

١٩٢

الى أنفسهم ويخبرونه باجتماعهم ويأمرونه بالخروج، فقال له أبو جعفر: هذه الكتب ابتداء منهم أو جواب ما كتبت به إليهم ودعوتهم اليه؟ فقال: بل ابتداء من القوم لمعرفتهم بحقنا وبقرابتنا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولما يجدون في كتاب اللهعزوجل من وجوب مودتنا وفرض طاعتنا ولما نحن فيه من الضيق والضنك والبلاء، فقال له أبو جعفر: إنّ الطاعة مفروضة من اللهعزوجل وسنة أمضاها في الأولين، وكذلك يجريها في الآخرين، والطاعة لو أحد منا والمودة للجميع، وأمر الله يجرى لأوليائه بحكم موصول وقضاء مفصول، وحتم مقضي، وقدر مقدور، وأجل مسمى لوقت معلوم( وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ) ( إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً ) فلا تعجل فان الله لا يعجل لعجلة العباد، ولا تسبقن الله فتعجلك البلية فتصرفك. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

بسم الله الرحمن الرحيم

١ ـ في كتاب ثواب الأعمال باسناده عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: من قرأ سورة لقمان في ليلة وكل الله به في ليلته ملائكة يحفظونه من إبليس وجنوده حتى يصبح، فاذا قرأها بالنهار لم يزالوا يحفظونه من إبليس وجنوده حتى يمسى.

٢ ـ في مجمع البيان أبي بن كعب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ومن قرأ سورة لقمان كان له لقمان رفيقا يوم القيامة، واعطى من الحسنات عشرا بعدد من عمل بالمعروف وعمل بالمنكر.

٣ ـ في كتاب معاني الأخبار حدّثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قال: حدّثنا محمد بن الحسن الصفّار عن إبراهيم بن هاشم عن عبد الله بن المغيرة عن يحيى ابن عبادة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قلت: قولهعزوجل :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ) قال: منه الغنا.

٤ ـ في الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد

١٩٣

عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن كسب المغنيات؟ فقال: التي يدخل عليها الرجال حرام، والتي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس، وهو قول اللهعزوجل :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) .

٥ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن علي بن اسمعيل عن ابن مسكان عن محمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سمعته يقول: الغنا مما أوعد اللهعزوجل عليه النار وتلا هذه الآية:( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ) .

٦ ـ ابن أبي عمير عن مهران بن محمد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: الغنا مما قال الله:( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) .

٧ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن الوشا قال: سمعت أبا الحسن الرضاعليه‌السلام يقول: سئل أبو عبد اللهعليه‌السلام عن الغنا فقال: هو قول اللهعزوجل :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) .

٨ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن مهران بن محمد عن الحسن بن هارون قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: الغنا مجلس لا ينظر الله إلى أهله وهو مما قال اللهعزوجل :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) .

٩ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) فهو النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة من بنى عبد الدار بن قصي وكان النضر ذا رواية لاحاديث الناس وأشعارهم يقول اللهعزوجل :( وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ ) وقرا( فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) .

١٠ ـ في مجمع البيان وروى أبو أمامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لا يحل تعليم المغنيات ولا بيعهن وأثمانهن حرام، وقد نزل تصديق ذلك في كتاب الله:( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ) الآية.

١١ ـ وروى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال: هو الطعن في الحق والاستهزاء به

١٩٤

وما كان أبو جهل وأصحابه يحيون به إذ قال: يا معاشر قريش ألآ أطعمكم من الزقوم الذي يخوفكم به صاحبكم؟ ثم أرسل إلى زبد وتمر فقال: هذا هو الزقوم الذي يخوفكم به. قال: ومنه الغنا.

١٢ ـ وروى الواحدي بالإسناد عن نافع عن ابن عمر انه سمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في هذه الآية:( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ) قال: باللعب والباطل كثيرا لنفقة سمح فيه، ولا تطيب نفسه بدرهم يتصدق به.

١٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال قلت له: أخبرنى عن قوله تعالى:( وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ ) فقال: هي محبوكة إلى الأرض وشبك بين أصابعه، فقلت: كيف تكون محبوكة إلى الأرض والله يقول: رفع السماء بغير عمد ترونها فقال: سبحان الله أليس يقول بغير عمد ترونها؟ فقلت: بلى فقال: فثم عمد ولكن لا ترونها.

١٤ ـ في نهج البلاغة قالعليه‌السلام : فمن شواهد خلقه خلق السموات موطدات بلا عمد، قائمات بلا سند.

١٥ ـ وفيه كلام لهعليه‌السلام يذكر فيه خلق السموات: جعل سفلاهن موجا مكفوفا وعلياهن سقفا محفوظا وسمكا مرفوعا بغير عمد ترونها ولا دسار(١) ينتظمها.

١٦ ـ في كتاب الاهليلجة قال الصادقعليه‌السلام : فنظرت العين إلى خلق مختلف متصل بعضه ببعض ودلها القلب على ان لذلك خالقا، وذلك انه فكر حيث دلته العين على ما عاينت من عظم السماء وارتفاعها في الهواء بغير عمد ولا دعامة تمسكها، وانها لا تتأخر فتنكشط(٢) ولا يتقدم فتزول، ولا تهبط مرة فتدنوا ولا ترتفع فلا ترى.

١٧ ـ في أصول الكافي بعض أصحابنا رفعه عن هشام بن الحكم قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام : يا هشام إنّ الله قال:( وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ ) قال:الفهم والعقل.

__________________

(١) الدسارة المسمار.

(٢) كشطت السماء: قلعت وانكشط مطاوع كشط.

١٩٥

١٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم أخبرنا الحسين بن محمد عن المعلى بن محمد عن علي بن محمد عن بكر بن صالح عن جعفر بن يحيى عن علي بن النضر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت: جعلت فداك ما تقول في قوله:( وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ ) قال: اوتى معرفة امام زمانه.

١٩ ـ في مجمع البيان واختلف فيه فقيل: انه كان حكيما ولم يكن نبيا عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وأكثر المفسرين وقيل انه كان نبيا عن عكرمة والسدي والشعبي إلى قوله:وروى عن نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: حقا أقول لم يكن لقمان نبيا ولكن كان عبدا كثير التفكر حسن اليقين أحب الله فأحبه، ومن عليه بالحكمة كان نائما نصف النهار إذ جاءه نداء يا لقمان هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس بالحق؟ فأجاب الصوت: إن خيرنى ربي قبلت العافية ولم أقبل البلاء وان هو عزم على فسمعا وطاعة فانى أعلم انه ان فعل بي ذلك أعاننى وعصمنى فقالت الملائكة بصوت لإبراهيم: لم يا لقمان؟ قال لان الحكم أشد المنازل وآكدها يغشاه الظلم من كل مكان، ان وفي فبالحرى أن ينجو وان اخطأ اخطأ طريق الجنة، ومن يكن في الدنيا ذليلا وفي الاخرة شريفا خير من أن يكون في الدنيا شريفا وفي الاخرة ذليلا، ومن تخير الدنيا على الاخرة تفته الدنيا ولا يصيب الاخرة، فعجبت الملائكة من حسن منطقه فنام نومة فاعطى الحكمة فانتبه يتكلم بها ثم كان يوازر داود بحكمته فقال له داود: طوبى لك يا لقمان أعطيت الحكمة وصرفت عنك البلوى.

٢٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حماد قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن لقمان وحكمته التي ذكرها اللهعزوجل ، فقال: أما والله ما اوتى لقمان الحكمة بحسب ولا مال ولا أهل ولا بسط في جسم ولا جمال، ولكنه كان رجلا قويا في أمر الله، متورعا في الله ساكتا مستكينا عميق النظر طويل الفكر حديد النظر، مستغن بالعبر لم ينم نهارا قطّ، ولم يره أحد من الناس على بول ولا غائط ولا اغتسال، لشدّة تستره وعموق نظره وتحفظه في أمره ولم يضحك من شيء قطّ مخافة الإثم، ولم يغضب قطّ ولم يمازح إنسانا قطّ، ولم يفرح

١٩٦

بشيء أتاه من أمر الدنيا ولا حزن منها على شيء قطّ، وقد نكح من النساء وولد له من الأولاد الكثير وقدم أكثرهم افراطا فما بكى على موت أحد منهم ولم يمر برجلين يختصمان أو يقتتلان إلّا أصلح بينهما، ولم يمض عنهما حتى تحابا(١) ولم يسمع قولا قطّ من أحد استحسنه إلّا سأل عن تفسيره وعمّن أخذه، وكان يكثر مجالسة الفقهاء والحكماء، وكان يغشى القضاة والملوك والسلاطين فيرثي للقضاة مما ابتلوا به، ويرحم الملوك والسلاطين لغرتهم بالله وطمأنينتهم في ذلك، ويعتبر ويتعلم ما يغلب به نفسه، ويجاهد به هواه ويحترز به من الشيطان، وكان يداوي قلبه بالفكر ويداوي نفسه بالعبر، وكان لا يظعن إلّا فيما يعنيه فبذلك أوتى الحكمة ومنح العصمة، وإنّ الله تبارك وتعالى أمر طوائف من الملائكة حين انتصف النهار وهدأت العيون بالقائلة(٢) فنادوا لقمان حيث يسمع ولا يراهم، فقالوا: يا لقمان هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس؟ فقال لقمان: إنْ أمرني الله بذلك فالسمع والطاعة لأنه إنْ فعل ذلك أعانني عليه وعلّمني وعصمنى، وإنْ هو خيرنى قبلت العافية، فقالت الملائكة: يا لقمان لم؟ قال: لانّ الحكم بين الناس بأشد المنازل وأكثر فتنا وبلاء أيخذل ولا يعان(٣) ويغشاه الظلم من كل مكان وصاحبه فيه بين أمرين إنْ أصاب فيه الحق فبالحرى أنْ يسلم، وإنْ أخطأ أخطأ طريق الجنة، ومن يكن في الدنيا ذليلا ضعيفا كان أهون عليه في المعاد من أن يكون حكما سريا شريفا(٤) ومن اختار الدنيا على الاخرة يخسرهما كلتاهما، تزول هذه ولا يدرك تلك، قال: فتعجب الملائكة من حكمته واستحسن الرحمن منطقه، فلما أمسى وأخذ مضجعه من الليل أنزل الله عليه الحكمة

__________________

(١) كذا في النسخ لكن في المصدر وكذا المنقول عنه في البحار «تحاجزا» وفسره المجلسي (ره) أي تصالحا وتمانعا.

(٢) هدأت العيون أي سكنت، والقائلة: منتصف النهار.

(٣) كذا في نسخة الأصل وفي نسخة «بأشد ما يخذل» وفي المصدر والمنقول عنه في البحار «وأكثر فتنا وبلاء ما يخذل اه» وذكر المجلسي (ره) له احتمالات ثلثه فراجع ان شئت.

(٤) السري: السيد الشريف.

١٩٧

فغشاه بها من قرنه إلى قدمه وهو نائم، وغطاه بالحكمة غطاء، فاستيقظ وهو أحكم الناس في زمانه، وخرج على الناس ينطق بالحكمة ويبثها فيها(١) قال: فلما اوتى الحكم بالخلافة ولم يقبلها أمر اللهعزوجل الملائكة فنادت داودعليه‌السلام بالخلافة فقبلها ولم يشترط فيها بشرط لقمان، فأعطاه اللهعزوجل الخلافة في الأرض وابتلى بها غير مرة كل ذلك يهوى في الخطاء، يقيله الله تعالى ويغفر له، وكان لقمان يكثر زيارة داودعليه‌السلام ويعظه بمواعظه وحكمته وفضل علمه، وكان داودعليه‌السلام يقول له: طوبى لك يا لقمان أوتيت الحكمة وصرفت عنك البلية، وأعطى داودعليه‌السلام الخلافة وابتلى بالحكم والفتنة.

ثم قال أبو عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) قال: فوعظ لقمان ابنه بآثار حتى تفطر وانشق(٢) وكان فيما وعظه به يا حماد أن قال: يا بنيّ انك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الاخرة فدارٍ أنت إليها تسير أقرب إليك من دارٍ أنت عنها متباعد. يا بنيّ جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، ولا تجادلهم فيمنعوك، وخذ من الدنيا بلاغا ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس، ولا تدخل فيها دخولا يضر بآخرتك، وصم صوما يقطع شهوتك ولا تصم صياما يمنعك من الصلوة. فان الصلوة أحبّ إلى الله من الصيام، يا بني إنّ الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير، فاجعل سفينتك فيها الايمان، واجعل شراعها التوكل، واجعل زادك فيها تقوى الله، فانْ نجوت فبرحمة الله وإنْ هلكت فبذنوبك، يا بني إنّ تأدبت صغيرا انتفعت به كثيرا، ومن عنى بالأدب اهتم به ومن اهتم به تكلف علمه، ومن تكلف علمه اشتد له طلبه، ومن اشتد طلبه أدرك منفعته، فاتخذه عادة فانك تخلف في سلفك، وينتفع به من خلفك، ويرتجيك فيه راغب ويخشى صولتك راهب، وإياك والكسل عنه بالطلب لغيره، فان غلبت على الدنيا فلا تغلبين على الاخرة، وإذا فاتك طلب العلم في مظانه فقد غلبت على الاخرة، واجعل في

__________________

(١) وفي البحار «ويبنيها فيها» وفسرّه المجلسي (ره) بقوله أي في جماعة الناس أو في الدنيا.

(٢) كناية عن غاية تأثير الحكمة فيه.

١٩٨

أيّامك ولياليك وساعاتك نصيبا في طلب العلم فانك لن تجد له تضييعا أشد من تركه، ولا تمارين فيه لجوجا ولا تجادلن فقيها، ولا تعادين سلطانا، ولا تماشين ظلوما ولا تصادقنه، ولا تصاحبن فاسقا ناطقا، ولا تصاحبن متهما، واخزن علمك كما تخزن ورقك.

يا بنيّ خف اللهعزوجل خوفا لو أتيت القيامة ببر الثقلين خفت أنْ يعذبك، وارج الله رجاء لو وافيت القيامة بإثم الثقلين وجبت ان يغفر الله لك، فقال له ابنه: يا أبة وكيف أطيق هذا وانما لي قلب واحد؟ فقال له لقمان: يا بنى لو استخرج قلب المؤمن يوجد فيه نوران، نور للخوف ونور للرجاء، لو وزنا لما رجح أحدهما على الاخر بمثقال ذرة، فمن يؤمن بالله يصدق ما قال اللهعزوجل ، ومن يصدق ما قال الله يفعل ما أمر الله ومن لم يفعل ما أمر الله لم يصدق ما قال الله، فان هذه الأخلاق يشهد بعضها لبعض، فمن يؤمن بالله ايمانا صادقا يعمل الله خالصا ناصحا، فقد آمن بالله صادقا. ومن أطاع الله خافه، ومن خافه فقد أحبه، ومن أحبه فقد اتبع أمره، ومن اتبع امره استوجب جنته ومرضاته. ومن لم يتبع رضوان الله فقد هان عليه سخطه، نعوذ بالله من سخط الله، يا بنى لا تركن إلى الدنيا ولا تشغل قلبك بها، فما خلق الله خلقا هو أهون عليه منها ألآ ترى أنّه لم يجعل نعيما ثواب المطيعين، ولم يجعل بلاءها عقوبة للعاصين.

٢١ ـ في من لا يحضره الفقيه في الحقوق المروية عن سيد العابدينعليه‌السلام حق الله الأكبر عليك أن تعبده ولا تشرك به شيئا فاذا فعلت ذلك بإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والاخرة.

٢٢ ـ في أصول الكافي يونس عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: إنّ من الكبائر عقوق الوالدين واليأس من روح الله والأمن من مكر الله وقد روى أكبر الكبائر الشرك بالله.

٢٣ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن هارون بن الجهم عن المفضل بن صالح عن سعد بن طريف عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: الظلم ثلاثة ظلم يغفره

١٩٩

الله، وظلم لا يغفره وظلم لا يدعه الله، فاما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك واما الظلم الذي يغفره فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين الله، فاما الذي لا يدعه فالمداينة بين العباد.

قال عز من قائل:( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ ) إلى قوله:( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ ) .

٢٤ ـ في من لا يحضره الفقيه في الحقوق المروية عن زين العابدينعليه‌السلام وأما حق أمك ان تعلم انها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحدا وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطى أحد أحدا ووقتك بجميع جوارحها ولم تبال ان تجوع وتطعمك وتعطش وتسقيك وتعرى وتكسوك وتضحى وتظلم وتهجر النوم لأجلك ووقتك الحر والبرد ليكون لها فانك لا تطيق شكرها إلّا بعون الله وتوفيقه، واما حق أبيك فان تعلم انه أصلك فانك لولاه لم تكن، فمهما رأيت من نفسك ما يعجبك فاعلم ان أباك أصل النعمة عليك فيه، فاحمد الله واشكره على قدر ذلك، ولا قوة الله بالله.

٢٥ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن معمر بن خلاد قال: قلت لأبي الحسن الرضاعليه‌السلام : ادعو لوالدي ان كانا لا يعرفان الحق؟ قال: ادع لهما وتصدق عنهما، وان كانا حيين لا يعرفان الحق فدارهما، فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إنّ الله بعثني بالرحمة لا بالعقوق.

٢٦ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: جاء رجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رسول الله من أبر؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أباك.

٢٧ ـ وباسناده إلى محمد بن مروان قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه حيين وميتين يصلّي عنهما، ويتصدق عنهما ويحج عنهما ويصوم عنهما، فيكون الذي صنع لهما وله مثل ذلك، فيزيده اللهعزوجل ببره وصلته خيرا كثيرا.

٢٨ ـ ابن محبوب عن خالد بن نافع البجلي عن محمد بن مروان قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: إنّ رجلا أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رسول الله أوصنى، فقال: لا تشرك

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

من بقاياها عالم جديد بثوب آخر!(1) ثمّ إنّ قيام الساعة يكون على حين غرّة ، وبدون مقدمات تدريجية ، بل على شكل مفاجئ وانقلاب سريع.

ثمّ تقول الآية مرّة أخرى :( يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها ) (2) .

وتضيف الآية مخاطبة النّبي الكريم :( قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) .

وربّما يسأل ـ أو يتساءل ـ بعض الناس : لم كان علم الساعة خاصّا بالله وذاته المقدسة ، ولا يعلم بها حتى الأنبياء؟!

والجواب على ذلك : إن عدم معرفة الناس بوقوع يوم القيامة وزمانها «بضميمة كون القيامة لا تأتي إلّا بغتة» ومع الالتفات إلى هول يوم القيامة وعظمتها ، هذا الأمر يبعث على أن يتوقّع الناس وقوع يوم القيامة في أي وقت ويترقبوها باستمرار ، ويكونوا على أهبة الاستعداد والتهيؤ ، لكي ينجوا من أهوالها. فعدم المعرفة هذا له أثر مثبت جلي في تربية النفوس والالتفات إلى المسؤولية واتقاء الذنوب.

* * *

__________________

(1) قال بعض المفسّرين أنّ المراد من هذه الجملة هو أن معرفة القيامة أو علمها ثقيل على أهل الأرض والسماوات ، إلّا أنّ الحقّ هو التّفسير المذكور آنفا «في المتن» لأنّ القول بحذف كلمتي العلم والأهل خلاف ظاهر الآية.

(2) الحفي في الأصل هو من يسأل عن الشيء بتتابع وإصرار ، ولما كان الإصرار في السؤال باعثا على زيادة العلم ، فقد تستعمل هذه اللفظة على العالم كما هي هنا أيضا.

٣٢١

الآية

( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) )

سبب النّزول

روى بعض المفسّرين «كالعلّامة الطبرسي في مجمع البيان» أن أهل مكّة قالوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا كان لك ارتباط بالله ، أفلا يطلعك الله على غلاء السلع أو زهادتها في المستقبل ، لتهيئ عن هذا الطريق ما فيه النفع والخير وتدفع عنك ما فيه الضرر والسوء ، أو يطلعك الله على السّنة الممحلة «القحط» أو العام المخصب العشب ، فينتقل إلى الأرض الخصيبة؟ فنزلت عندئذ الآية ـ محل البحث ـ وكانت جواب سؤالهم.

التّفسير

لا يعلم الغيب إلّا الله :

بالرّغم من أنّ هذه الآية لها شأن خاص في نزولها ، إلّا أنّ ارتباطها بالآية

٣٢٢

السابقة واضح ، لأنّ الكلام كان في الآية السابقة على عدم علم أحد بقيام الساعة إلّا الله ، والكلام في هذه الآية على نفي علم الغيب عن العباد بصورة كلية.

ففي الجملة الأولى من هذه الآية خطاب للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ ) .

ولا شك أنّ كل إنسان يستطيع أن ينفع نفسه ، أو يدفع عنها الشر ، ولكن على الرغم من هذه الحال فإنّ الآية ـ محل البحث ، كما نلاحظ ـ تنفي هذه القدرة عن البشر نفيا مطلقا. وذلك لأنّ الإنسان في أعماله ليس له قوّة من نفسه ، بل القوّة والقدرة والاستطاعة كلّها من الله ، وهو سبحانه الذي أودع فيه كل تلك القوّة والقدرة وما شاكلهما.

وبتعبير آخر : إنّ مالك جميع القوى والقدرات وذو الإختيار المستقل ـ وبالذات ـ في عالم الوجود هو اللهعزوجل فحسب ، والآخرون حتى الأنبياء والملائكة يكتسبون منه القدرة ويستمدون منه القوّة ، وملكهم وقدرتهم هي بالغير لا بالذات وجملة «إلّا ما يشاء الله» شاهد على هذا الموضوع أيضا.

وفي كثير من آيات القرآن الأخرى نرى نفي المالكية والنفع والضرر عن غير الله ، ولذلك فقد نهت الآيات عن عبادة الأصنام وما سوى الله سبحانه ونقرأ في الآيتين (3) و (4) من سورة الفرقان( وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً ) فكيف يملكون لغيرهم؟!

وهذه هي عقيدة المسلم ، إذ لا يرى أحدا «بالذات» رازقا ومالكا وخالقا وذا نفع أو ضرر إلّا الله ، ولذا فحين يتوجه المسلم إلى أحد طالبا منه شيئا فهو يطلبه مع التفاته إلى هذه الحقيقة ، وهي أنّ ما عند ذلك الشخص فهو من الله (فتأمل بدقّة).

٣٢٣

ويتّضح من هذا إنّ الذين يتذرعون بمثل هذه الآيات لنفي كل توسل بالأنبياء والأئمّة ، ويعدون ذلك شركا ، في خطأ فاضح ، حيث تصوروا بأنّ التوسل بالنّبي أو الإمام مفهومه أن نعدّ النّبي أو الإمام مستقلا بنفسه في قبال الله ـ والعياذ بالله ـ وأنّه يملك النفع والضرر أيضا.

ولكن من يتوسل بالنّبي أو الإمام مع الإعتقاد بأنّه لا يملك شيئا من نفسه ، بل يطلبه من الله ، أو أنّه يستشفع به إلى الله ، فهذا الإعتقاد هو التوحيد عينه والإخلاص ذاته. وهو ما أشار إليه القرآن في الآية محل البحث بقوله :( إِلَّا ما شاءَ اللهُ ) أو بقوله :( إِلَّا بِإِذْنِهِ ) في الآية( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) .

فبناء على ذلك فإنّ فريقين من الناس على خطأ في مسألة التوسل بالنّبي والأئمّة الطاهرين الفريق الأوّل : من يزعم أنّ النّبي أو الإمام له قدرة وقوة مستقلة بالذات في قبال الله ، فهذا الإعتقاد شرك بالله.

والفريق الآخر : من ينفي القدرة ـ بالغير ـ عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام ، فهذا الإعتقاد انحراف عن مفاد آيات القرآن الصريحة.

إذن : الحق هو أنّ النّبي والأئمّة يشفعون للمتوسل بهم بإذن الله وأمره ، ويطلبون حل معضلته من الله.

وبعد بيان هذا الموضوع تشير الآية إلى مسألة مهمّة أخرى ردّا على سؤال جماعة منهم فتقول :( وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ ) (1) .

لأنّ الذي يعرف أسرار الغيب يستطيع أن يختار ما هو في صالحه ، وأن يجتنب عمّا يضرّه.

__________________

(1) في الحقيقة أن هناك حذفا في الآية تقديره «لا أعلم الغيب» والجملة التي بعدها شاهدة على ذلك.

٣٢٤

ثمّ تحكي الآية عن مقام النّبي الواقعي ورسالته ، في جملة موجزة صريحة ، فتقول على لسانه :( إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) .

* * *

ملاحظة

ألم يكن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلم الغيب؟!

يحكم بعض السطحيين لدى قراءتهم لهذه الآية ـ وبدون الأخذ بنظر الإعتبار الآيات القرآنية الأخرى ، بل حتى القرائن الموجودة في هذه الآية أيضا ـ أنّ الآية آنفة الذكر دليل على نفي علم الغيب عن الأنبياء نفيا مطلقا مع أنّ الآية ـ محل البحث ـ تنفي علم الغيب المستقل وبالذات عن النّبي ، كما أنّها تنفي القدرة على كل نفع وضرّ بصورة مستقلة. ونعرف أنّ كل إنسان يملك لنفسه وللآخرين النفع أو الضر.

فبناء على ذلك فإنّ هذه الجملة المتقدمة شاهد واضح على أنّ الهدف ليس هو نفي مالكية النفع والضر أو نفي علم الغيب بصورة مطلقة ، بل الهدف نفي الاستقلال ، وبتعبير آخر : إنّ النّبي لا يعرف شيئا من نفسه ، بل يعرف ما أطلعه الله عليه من أسرار غيبه ، كما تقول الآيتان (26) و (27) من سورة الجن( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ) .

وأساسا ، فإنّ كمال مقام القيادة لا سيما إذا كان الهدف قيادة العالم بأسره ، وفي جميع المجالات الماديّة والمعنوية ، هو الاحاطة الواسعة بالكثير من المسائل الخفية عن سائر الناس ، لا المعرفة بأحكام الله وقوانينه فحسب ، بل المعرفة بأسرار عالم الوجود ، والبناء البشري ، وقسم من حوادث المستقبل والماضي ، فهذا القسم من العلم يطلعه الله على رسله ، وإذا لم يطلعهم عليه لم

٣٢٥

تكمل قيادتهم!

وبتعبير آخر : إنّ أحاديث الأنبياء والرسل وسيرتهم ستكون محدودة بظروف عصرهم ومحيطهم ، لكن عند ما يكونون عارفين بهذا القسم من أسرار الغيب فسيقومون ببناء حضارة على مستوى الأجيال القادمة ، فتكون مناهجهم صالحة لمختلف الظروف والمتغيّرات

* * *

٣٢٦

الآيات

( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (193) )

التّفسير

جحد نعمة عظمى :

في هذه الآيات إشارة إلى جانب آخر من حالات المشركين وأسلوب تفكيرهم ، والردّ على تصوّراتهم الخاطئة. لما كانت الآية السابقة تجعل جميع ألوان النفع والضرّ وعلم الغيب منحصرا بالله ، وكانت في الحقيقة إشارة إلى توحيد

٣٢٧

أفعال الله. فالآيات محل البحث تعدّ مكملة لها لأنّ هذه الآيات تشير إلى توحيد أفعال الله أيضا.

تقول الآية الأولى من هذه الآيات( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها ) فجعل الحياة والسكن جنبا إلى جنب( فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ ) (1) .

وبمرور الأيّام والليالي ثقل الحمل( فَلَمَّا أَثْقَلَتْ ) كان كل من الزوجين ينتظر الطفل ، ويتمنّى أن يهبه الله ولدا صالحا ، فلذلك( دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) وعند ما استجاب الله دعاءهما ، ورزقهما الولد الصالح أشركا بالله( فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) .

الجواب على سؤال مهم!

هناك بين المفسّرين كلام في المراد من الزوجين الذين تكلمت عنهما الآيتان الأوليان من الآيات محل البحث هل أنّ المراد من «النفس الواحدة» وزوجها آدم وحواء؟ مع أنّ آدم من الأنبياء وحواء امرأة مؤمنة كريمة ، فكيف ينحرفان عن مسير التوحيد ويسلكان مسير الشرك؟!

وإذا كان المراد من النفس الواحدة غير آدم وتشمل الآية جميع أفراد البشر ، فكيف ينسجم التعبير إذا وقوله تعالى( خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ) ؟!

ثمّ بعد هذا ما المراد من الشرك ، وأي عمل أو تفكير قام به الزوجان فجعلا لله شركاء؟!

__________________

(1) تغشاها فعل يليه ضمير التأنيث وهو غشي ، ومعناه غطّى ، وهذه الجملة كناية لطيفة عن المقاربة الجنسية والمضاجعة.

٣٢٨

وفي الجواب على مثل هذه الأسئلة نقول : يوجد طريقان لتفسير الآيتين هاتين «وما بعدهما» ، ولعل جميع ما قاله المفسّرون على اختلاف آرائهم يرجع إلى هذين الطريقين الأوّل : إنّ المراد من نفس «واحدة». هو الواحد الشخصي كما ورد هذا المعنى في آيات أخرى من القرآن أيضا ، ومنها أوّل آية من سورة النساء.

والتعبير بالنفس الواحدة ـ أساسا ـ جاء في خمسة مواطن في القرآن المجيد ، واحدة منها في الآية ـ محل البحث ـ والأربعة الأخرى هي في سورة النساء (الآية الأولى) وسورة الأنعام ، الآية (98) ، وسورة لقمان ، الآية (28) ، وسورة الزمر ، الآية (6) ، وبعض هذه الآيات لا علاقة لها ببحثنا هذا ، وبعضها يشبه الآية محل البحث. فبناء على ذلك فالآيات ـ محل البحث ـ تشير إلى آدم وزوجه حوّاء فحسب!

وعلى هذا فالمراد بالشرك ليس هو عبادة غير الله أو الإعتقاد بألوهية غيره ، بل لعل المراد شي آخر من قبيل ميل الإنسان لطفله ، الميل الذي ربّما يجعله غافلا عن الله أحيانا.

والتّفسير الثاني : هو أنّ المراد من النفس الواحدة هو الواحد النوعي ، أي أن الله خلقكم جميعا من نوع واحد كما خلق أزواجكم من جنسكم أيضا.

وبذلك فإنّ الآيتين وما بعدهما من الآيات ـ محل البحث ـ تشير إلى نوع الناس ، فهم يدعون الله وينتظرون الوالد الصالح في كمال الإخلاص لله والانقطاع إليه ، كمن يحدق بهم الخطر فيلتجئوا إلى الله ، ويعاهدون الله على شكره بعد حلّ معضلاتهم. ولكن عند ما يرزقهم الله الولد الصالح ، أو يحلّ مشاكلهم ينسون جميع عهودهم فإنّ كان الولد جميلا قالوا : إنّه اكتسب جماله من أبيه أو أمّه ، وهذا هو قانون الوارثة. وتارة يقولون : إنّ غذاؤه والظروف الصحية تسببت في نموّه وسلامته. وتارة يعتقدون بتأثير الأصنام ويقولون : إنّ ولدنا كان من بركة الأصنام

٣٢٩

وعطائها! وأمثال هذا الكلام وهكذا يهملون التأثير الرّباني بشكل عام ، ويرون العلّة الأصلية هي العوامل الطبيعية أو المعبودات الخرافية(1) .

والقرائن في الآيات ـ محل البحث ـ تدل على أن التّفسير الثّاني أكثر انسجاما وأكثر تفهما لغرض الآية ، لأنّه : أوّلا : إن تعبيرات الآي تحكي عن حال زوجين كانا يعيشان في مجتمع ما من قبل ، ورأيا الأبناء الصالحين وغير الصالحين فيه ، ولهذا طلبا من الله وسألاه أن يرزقهما الولد الصالح. ولو كانت الآيات تتكلم على آدم وحواء فهو خلاف الواقع ، لأنّه لم يكن يؤمئذ ولد صالح وغير صالح حتى يسألا الله الولد الصالح.

ثانيا : الضمائر الواردة في آخر الآية الثّانية والآيات التي تليها ، كلها ضمائر «جمع» ويستفاد من هذا أنّ المراد من ضمير التثنية هو إشارة إلى الفريقين لا إلى الشخصين.

ثالثا : أنّ الآيات التي تلت الآيتين الأوّليين تكشف عن أنّ المقصود بالشرك هو عبادة الأصنام ، لا محبّة الأولاد والغفلة عن الله ، وهذا الأمر لا ينسجم والنّبي آدم وزوجه!

فبملاحظة هذه القرائن يتّضح أنّ الآيات ـ محل البحث ـ تتكلم عن نوع الإنسان وزوجه ليس إلّا.

وكما ذكرنا في الجزء الثّاني من التّفسير الأمثل أن خلق زوج الإنسان من الإنسان ليس معناه أن جزءا من بدنه انفصل عنه وتبدل إلى زوج له يسكن إليه «كما ورد في رواية إسرائيلية أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر!».

بل المراد أن زوج الإنسان من نوعه وجنسه ، كما نقرأ في الآية (21) من

__________________

(1) يرى بعض المفسّرين أن بداية الآية يتعلق بآدم وحواء ، وذيل الآية تتعلق بأبناء آدم وحواء ، وهذا تكلّف ، لأنّه يحتاج إلى حذف وتقدير ، وهو لا ينسجم وظاهر الآية.

٣٣٠

سورة مريم! قوله تعالى :( أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها ) .

رواية مجعولة :

جاء في بعض المصادر الحديثية لأهل السنّة ، وبعض كتب الحديث الشيعية غير المعتبرة ، في تفسير الآيات محل البحث ، حديث لا ينسجم مع العقائد الإسلامية ، ولا يليق بشأن الأنبياء أبدا. وهذا الحديث كما جاء في مسند أحمد هو : أنّ سمرة بن جندب روى عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : لمّا ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال : سميّه : عبد الحارث ، فعاش وكان ذلك من وحي الشّيطان وأمره(1) «الحارث اسم من أسماء الشيطان».

وجاء في بعض الرّوايات الوارد فيها هذا المضمون ذاته أن آدم رضي بهذا الأمر!!

وسواء أكان راوي هذه الرواية سمرة بن جندب ـ الكذاب المشهور ـ أم غيره أمثال كعب الأحبار أو وهب بن منبه اللذين كانا من علماء اليهود ثمّ أسلما ، ويعتقد بعضهم أنّهما أدخلا في الثقافة الإسلامية خرافات التوراة وبني إسرائيل.

ومهما يكن الأمر فالرواية بنفسها خير دليل على فسادها وبطلائها ، لأنّ آدم الذي هو خليفة الله «في أرضه» ونبيّه الكبير ، وكان يعلم الأسماء ، بالرغم من كونه بترك الأولى هبط إلى الأرض ، إلّا أنّه لم يكن إنسانا يختار سبيل الشرك ويسمّي ولده عبد الشيطان ، فهذا الأمر يصدق في مشرك جاهل فحسب لا في آدم والأعجب من ذلك أنّ الحدى أنف الذكر يتضمن معجزة للشيطان أو كرامة له ، إذ بتسميته الولد باسمه عاش الولد خلافا للأبناء الآخرين. وإنّه لمدعاة

__________________

(1) مسند بن حنبل ، وفقا لما وراه تفسير المنار ، ج 9 ، ص 522.

٣٣١

للأسف الشديد أن ينساق كثير من المفسّرين تحت وطأة هذا الحديث المختلق وأضرابه ، فيجعلون مثل هذه الأباطيل تفسيرا للآي. وعلى كل حال ، فإنّ مثل هذا الكلام لما كان مخالفا للقرآن ، ومخالفا للعقل أيضا ، فينبغي أن ينبذ في سلة المهملات.

وتعقيبا على هذا الأمر يردّ القرآن ـ بأسلوب بيّن متين ـ عقيدة المشركين وأفكارهم مرة أخرى ، فيقول :( أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ ) .

وليس هذا فحسب ، فهم ضعاف( وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ ) .

والأوثان والأصنام في حالة لو ناديتموها لما استجابت لكم( وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ ) .

فمن كان بهذه المنزلة وبهذا المستوى أنّى له بهداية الآخرين!

ويحتمل بعض المفسّرين احتمالا آخر في تفسير الآية ، وهو أنّ الضمير «هم» يرجع إلى المشركين لا إلى الأصنام ، أي أنّهم إلى درجة من الإصرار والعناد بحيث لا يسمعونكم ولا يذعنون لكم ولا يسلمون.

كما ويحتمل أنّ المراد هو أنّكم لو طلبتم منهم الهداية ، فلن يتحقق دعاؤكم وطلبكم على كل حال( سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ ) .

وطبقا للاحتمال الثّاني يكون معنى الجملة على النحو التالي : سواء عليكم أطلبتم من الأصنام شيئا ، أو لم تطلبوا ففي الحالين لا أثر لها ، لأنّ لا تقدر على أداء أي شيء أو التأثير في شيء.

يقول الفخر الرازي في تفسيره : إذا المشركين إذا ابتلوا بمشكلة تضرعوا إلى الأصنام ودعوها ، وإذا لم يصبهم أذى أو سوء كانوا يسكتون عنها ، فالقرآن يخاطبهم بالقول( سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ ) .

* * *

٣٣٢

الآيتان

( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (195) )

التّفسير

هاتان الآيتان ـ محل البحث ـ تواصلان الكلام على التوحيد ومكافحة الشرك ، وتكملان ما عالجته الآيات السابقة ، فتعدّان كل شرك في العبادة عملا سفيها وبعيدا عن المنطق والعقل!

والتدفيق في مضمون هاتين الآيتين يكشف أنّهما تبطلان منطق المشركين بأربعة أدلة ، والسرّ في كون القرآن يعالج إبطال الشرك باستدلالات مختلفة ، وكل حين يأتي ببرهان مبين ، لأن الشرك ألدّ أعداء الإيمان ، وأكبر عدوّ لسعادة الفرد والمجتمع.

ولما كانت للشرك جذور مختلفة وأفانين متعددة في أفكار البشر ، فإنّ

٣٣٣

القرآن يستغل كل فرصة لقطع جذوره الخبيثة وأفانينه التي تهدد المجتمع الإنساني.

فتقول الآية الأولى من هاتين الآيتين :( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ ) .

فبناء على ذلك لا معنى لأن يسجد الإنسان لشيء مثله ، وأن يمدّ يد الضراعة والحاجة إليه ، وأن يجعل مقدّراته ومصيره تحت يده!

وبتعبير آخر : إنّ مفهوم هذه الآية هو أنّكم ـ أيّها المشركون ـ لو أمعنتم النظر لرأيتم معبوداتكم ذات أجسام وأسيرة المكان والزمان ، وتحكمها قوانين الطبيعة ، وهي محدودة من حيث الحياة والعمر والإمكانات الأخرى. وخلاصة الأمر : ليس لها امتياز عليكم ، وإنّما جعلتم لها امتيازا عليكم بتصوراتكم وتخيلاتكم!

ثمّ إنّ كلمة «عباد» جمع «عبد» ويطلق هذا اللفظ على الموجود الحي ، مع أن الآية استعملته في الأصنام ، فكانت لذلك تفاسير متعددة التّفسير الأوّل : أنّه من المحتمل أن تشير الآية إلى المعبودين من جنس الإنسان أو المخلوقات الأخرى ، كالمسيح إذ عبده النصارى ، والملائكة إذ عبدتها جماعة من المشركين العرب.

والتّفسير الثاني : أنّ الآية تنزلت وحكت ما توهمه المشركين في الأصنام بأنّ لها القدرة ، فكانوا يكلمونها ويتضرعون إليها ، فالآية ـ محل البحث ـ تخاطبهم بأنّه على فرض أنّ للأصنام عقلا وشعورا ، فهي لا تعدو أن تكون عبادا أمثالكم.

التّفسير الثّالث : أنّ العبد في اللغة يطلق أحيانا على الموجود الذي يرزح تحت نيز الآخر ويخضع له ، حتى لو لم يكن له عقل وشعور ، ومن هذا القبيل أنّ العرب يطلقون على الطريق المطرّق بالذهاب والإياب أنّه «معبّد».

٣٣٤

ثمّ تضيف الآية : أنّكم لو تزعمون بأنّ لهم عقلا وشعورا( فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) .

وهذا هو الدليل الثّاني على إبطال منطق المشركين ، وهو كون الأصنام لا تستطيع أن تعمل شيئا ، وهي ساكتة عاجزة عن الإجابة والردّ وفي البيان الثّالث تبرهن الآية على أنّ الأصنام أضعف حتى من عبادها المشركين ، فتساءل مستنكرة :( أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ ) (1) ( بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها ) .

وهكذا فإنّ الأصنام من الضعة بمكان حتى أنّها بحاجة إلى من يدافع عنها ويحامي عنها ، فليس لها أعين تبصر بها ، ولا آذان تسمع بها ، ولا أرجل تمشي بها ، ولا أي إحساس آخر. وأخيرا فإنّ الآية تبيّن ضمن تعبير هو في حكم الدليل الرّابع مخاطبة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائلة :( قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ ) .

أي إذا كنت كاذبا ، وأنّ الأصنام مقربات عند الله ، وقد تجرأت عليها فلم لا تعضب عليّ؟ وليس لها ولا لكم ولمكائدكم أي تأثير علي. فبناء على ذلك فاعلموا أنّ هذه الأصنام موجودات غير مؤثرة ، وإنّما تصوراتكم هي التي أضفت عليها ذلك التوهّم!.

* * *

__________________

(1) يبطشون فعل مشتق من «البطش» على زنة «العرش» ومعناه الاستيلاء بالشدّة والصولة والقدرة!

٣٣٥

الآيات

( إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (198) )

التّفسير

المعبودات التي لا قيمة لها :

تعقيبا على الآية المتقدمة التي كانت تخاطب المشركين بالقول (على لسان النّبي) :( ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ ) منبهة إياهم أنّهم لا يستطيعون أن يصيبوا النّبي بأدنى ضرر ، فإنّ الآية الأولى ـ من الآيات ـ محل البحث ـ تذكر الدليل على ذلك فتقول :( إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ ) .

وليس وليي وحدي فحسب ، بل هو ولي جميع الصالحين( وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) .

ثمّ يؤكّد القرآن بالآية التّالية على بطلان عبادة الأوثان مرّة أخرى فيقول :( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ ) .

٣٣٦

بل أبعد من ذلك( وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا ) وبالغرم من العيون المصنوعة لهم التي يخيل إلى الرائي أنّها تنظر :( وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ) .

وكما أشرنا سابقا أيضا ، فالآية ـ محل البحث ـ يحتمل أن تشير إلى الأصنام كما يحتمل أن تشير إلى المشركين. ففي الصورة الأولى مفهومها ـ كما قدمنا بيانه ـ أمّا في الصورة الثّانية فيكون مفهومها : أنّه لو دعا المسلمون هؤلاء المشركين المعاندين إلى طريق التوحيد الصحيح ما قبلوا ذلك منهم ، وهم ينظرون إليك ويرون دلائل الصدق والحق فيك ، إلّا أنّهم لا يبصرون الحقائق!

ومضمون الآيتين الأخيرتين ورد في الآيات السابقة أيضا ، وهذا التكرار إنّما هو لمزيد التأكيد على مكافحة الشرك وقلع جذوره التي نفذت في أفكار المشركين وأرواحهم عن طريق التلقين والتقرير المتكرر.

* * *

٣٣٧

الآيات

( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (202) وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) )

التّفسير

وساوس الشّيطان :

في هذه الآيات يبيّن القرآن شروط التبليغ وقيادة الناس وإمامتهم بأسلوب أخّاذ رائق وجيز ، وهي في الوقت ذاته تتناسب والآيات المتقدمة التي كانت تشير إلى مسألة تبليغ المشركين أيضا.

ففي الآية الأولى ـ من الآيات محل البحث ـ إشارة إلى ثلاث من وظائف القادة والمبلغين ، فتوجه الخطاب للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتقول في البداية( خُذِ الْعَفْوَ ) .

٣٣٨

العفو : قد يأتي بمعنى الزيادة في الشيء أحيانا ، كما قد يأتي بمعنى الحدّ الوسط ، كما يأتي بمعنى قبول العذر والصفح عن المخطئين والمسيئين ، وتأتي أحيانا بمعنى استسهال الأمور.

والقرائن الموجودة في الآية تدلّ على أنّ الآية محل البحث لا علاقة لها بالمسائل المالية وأخذ المقدار الإضافي من أموال الناس ، كما ذهب إليه بعض المفسّرين ، بل مفهومها المناسب هو استسهال الأمور ، والصفح ، واختيار الحدّ الوسط(1) .

ومن البديهي أنّه لو كان القائد أو المبلغ شخصا فظا صعبا ، فإنّه سيفقد نفوذه في قلوب الناس ويتفرقون عنه ، كما قال القرآن الكريم :( وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) (2) .

ثمّ تعقيب الآية بذكر الوظيفة الثّانية للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتأمره بأن يرشد الناس إلى حميد الأفعال التي يرتضيها العقل ويدعو إليها اللهعزوجل قائلة :( وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ ) .

وهي تشير إلى أنّ ترك الشدّة لا يعني المجاملة ، بل هو أن يقول القائد أو المبلغ الحق ، ويدعو الناس إلى الحق ولا يخفي شيئا.

أمّا الوظيفة الثّالثة للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهي أن يتحمل الجاهلين ، فتقول :( وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ) .

فالقادة والمبلغون يواجهون في مسيرهم أفرادا متعصّبين جهلة يعانون من انحطاط فكري وثقافي وغير متخلقين بالأخلاق الكريمة ، فيرشقونهم بالتهم ، ويسيئون الظن بهم ويحاربونهم.

فطريق معالجة هذه المعضلة لا يكون بمواجهة المشركين بالمثل ، بل

__________________

(1) لمزيد من التوضيح يراجع الجزء الثّاني من التّفسير الأمثل في هذا الصدد.

(2) آل عمران ، 159.

٣٣٩

الطريق السليم هو التحمل والجلد وعدم الاكثرات بمثل هذه الأمور. والتجربة خير دليل على أنّ هذا الأسلوب هو الأسلوب الأمثل لمعالجة الجهلة ، وإطفاء النائرة ، والقضاء على الحسد والتعصب ، وما إلى ذلك.

وفي الآية التّالية دستور آخر ، وهو في الحقيقة يمثل الوظيفة الرّابعة التي ينبغي على القادة والمبلغين أن يتحملوها ، وهي أن لا يدعوا سبيلا للشيطان إليهم ، سواء كان متمثلا بالمال أم الجاه أم المقام وما إلى ذلك ، وأن يردعوا الشياطين أو المتشيطنين ووساوسهم ، لئلا ينحرفوا عن أهدافهم.

فالقرآن يقول :( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (1) .

أجمع آية أخلاقية :

روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «لا آية في القرآن أجمع في «المسائل» الأخلاقية من هذه الآية»(2) «أي الآية الأولى من الآيات محل البحث».

قال بعض الحكماء في تفسير هذا الحديث : إنّ أصول الفضائل الأخلاقية وفقا لأصول القوي الإنسانية «العقل» و «الغضب» و «الشّهوة» تتلخص في ثلاثة أقسام :

1 ـ الفضائل العقلية : وتدعى بالحكمة ، وتتلخص بقوله تعالى :( وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ) .

2 ـ والفضائل النّفسية في مواجهة الطغيان والشهوة ، وتدعى بالعفة ، وتتلخص بـ «خذ العفو».

3 ـ والتسلط على القوة الغضبية ، وتدعى بالشجاعة ، وتتلخص في قوله

__________________

(1) ينزغ مأخوذ من مادة «النزغ» على زنة «النزع» ومعناه الدخول في الأمر لإفساده أو الإثارة ضده!

(2) مجمع البيان ، ذيل الآية.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652