تفسير نور الثقلين الجزء ٤

تفسير نور الثقلين9%

تفسير نور الثقلين مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 652

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 652 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 309677 / تحميل: 6511
الحجم الحجم الحجم
تفسير نور الثقلين

تفسير نور الثقلين الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

سعة، لا ترى مثله! فسقط المتوكل لوجهه، وسقط السيف من يده، وأنا أسمعه يقول: يا مولاي ويا ابن عمي، أقلني أقالك الله، وأنا أشهد أنك على كل شئ قدير! فأشار مولاي بيده إلى الثعبان فغاب، ونهض وقال: ويلك ذلك الله رب العالمين. فحمدنا الله وشكرناه ».

9. لقد فاخرتنا من قريش عصابةٌ:

« دخل (ع) يوماً على المتوكل فقال: يا أبا الحسن من أشعر الناس، وكان قد سأل قبله ابن الجهم فذكر شعراء الجاهلية وشعراء الإسلام، فلما سأل الإمام (ع) قال: فلان بن فلان العلوي. قال ابن الفحام: وأحسبه الحماني قال: حيث يقول:

لقد فَاخَرَتْنَا من قريشٍ عُصَابَةٌ

بِمَطِّ خُدُودٍ وامتدادِ أصابعِ

فلما تنازعنا القضاءَ قضى لنا

عليهم بما نهوى نداءُ الصوامع

قال: وما نداء الصوامع، يا أبا الحسن؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، جدي أم جدك؟فضحك المتوكل ثم قال: هوجدك لاندفعك عنه ».

« أمالي الطوسي / 287، ومناقب آل أبي طالب: 3 / 510، والمحاسن والمساوئ للبيهقي: 1 / 46، وفي طبعة / 78، والمحاسن والأضداد للجاحظ: 1 / 147، ومصادر أخرى ».

قال السيد الأمين في أعيان الشيعة « 1 / 185 »: « وَالحِمَّاني: علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين (ع) الذي كان يقول: أنا شاعر وأبي شاعر وجدي شاعر إلى أبي طالب. والذي شهد له الهادي (ع) أمام المتوكل بأنه أشعر الناس لقوله من أبيات فلما تنازعنا الحديث قضى لنا ...

٨١

وقال في أعيان الشيعة « 8 / 316 »: « علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين (ع) المعروف بالحِمَّاني، نسبة إلى حِمَّان بكسر الحاء وتشديد الميم قبيلة بالكوفة نزلها. توفي سنة 260، كما قال ابن الأثير، كان فاضلاً أديباً شاعراً وشهد له الإمام أبوالحسن (ع) الثالث في التفضيل في الشعر. وذكر تتمة البيتين:

وإنا سكوتٌ والشهيدُ بفضلنا

عليهم جهيرُ الصوت في كل جامع

فإنَّ رسولَ الله أحمدُ جدُّنا

ونحنُ بنوهُ كالنجوم الطوالع

وقال: قوله وأنشد له المرتضى في الفصول المختارة من كتاب المجالس، وكتاب العيون والمحاسن للمفيد:

يا آلَ حم الذين بحبهمْ

حَكَمَ الكتابُ مُنزلاً تنزيلا

كان المديحُ حُلَى الملوك وكنتمُ

حُلَلَ المدائح عِزَّةً وجُمولا

بيتٌ إذا عَدَّ المآثرَ أهلُها

عَدُّوا النبيَّ وثانياً جبريلا

قومٌ إذا اعتدلوا الحمايلَ أصبحوا

متقسمين خَلَيفةً ورسولا

نشأوا بآيات الكتاب فما انثنوا

حتى صدرنَ كُهولةً وكُهولا

ثقلانِ لن يتفرقا أو يُطْفِيَا

بالحوض من ظمإِ الصدورِ غليلا

وخليفتان على الأنام بقوله

بالحق أصدقُ من تكلم قيلا

فاقوا أكفَّ الآيسين فأصبحوا

لايعدلون سوى الكتاب عديلا ».

ورواها في مناقب آل أبي طالب « 2 / 339 » وأنشد له ابن عنبة في عمدة الطالب / 301:

« لنا من هاشمٍ هَضَبَاتُ عِزٍّ

مُطَنَّبَةٌ بأبراجِ السماءِ

تُطيفُ بنا الملائكُ كلَّ يَوْمٍ

ونُكفَلُ في حُجُورِ الأنبياء

ويَهتزُّ المقامُ لنا ارتياحاً

ويلقانا صَفَاهُ بالصَّفاء ».

٨٢

10 . هيأ له المعتز علوجاً ليقتلوه فهابوه وسجدوا له:

روى في الثاقب في المناقب / 556: « عن أبي العباس فضل بن أحمد بن إسرائيل الكاتب قال: كنا مع المعتز، وكان أبي كاتبه، فدخلنا الدار والمتوكل على سريره قاعد، فسلم المعتز ووقف ووقف خلفه، وكان عهدي به إذا دخل عليه رحب به وأمره بالقعود، ونظرت إلى وجهه يتغير ساعة بعد ساعة، ويقبل على الفتح بن خاقان ويقول: هذا الذي يقول فيه ما يقول، ويرد عليه القول، والفتح مقبل عليه يسكنه ويقول: مكذوب عليه يا أمير المؤمنين. وهو يتلظى ويقول: والله لأقتلن هذا المرائي الزنديق، وهوالذي يدعي الكذب، ويطعن في دولتي.

ثم قال: جئني بأربعة من الخزر وأجلاف لا يفقهون، فجئ بهم ودفع إليهم أربعة أسياف، وأمرهم أن يرطنوا بألسنتهم إذا دخل أبوالحسن، وأن يقبلوا عليه بأسيافهم فيخبطوه ويقتلوه، وهويقول: والله لأحرقنه بعد القتل، وأنا منتصب قائمٌ خلفه من وراء الستر، فما علمت إلا بأبي الحسن (ع) قد دخل، وقد بادر الناس قدامه فقالوا: جاء! والتفتُّ ورائي وهوغير مكترث ولا جازع، فلما بصر به المتوكل رمى بنفسه من السرير إليه وهو بسيفه فانكب عليه يقبل بين عينيه، واحتمل يده بيده وهويقول: يا سيدي، يا ابن رسول الله، ويا خير خلق الله يا ابن عمي يا مولاي، يا أبا الحسن، وأبوالحسن يقول: أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من هذا! فقال: ما جاء بك يا سيدي في هذا الوقت؟ قال: جاءني رسولك، فقال المتوكل: كذب ابن الفاعلة، إرجع يا سيدي من حيث جئت.

٨٣

يا فتح، يا عبد الله، يا معتز، شيعوا سيدي وسيدكم. فلما بصر به الخزر خروا سجداً مذعنين، فلما خرج دعاهم المتوكل، ثم أمر الترجمان أن يخبره بما يقولون، ثم قال لهم: لم لا تفعلوا ما أمرتكم به؟ قالوا: لشدة هيبته، ورأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن ننالهم، فمنعنا ذلك عما أمرنا به، وامتلأت قلوبنا رعباً من ذلك. فقال المتوكل: هذا صاحبكم، وضحك في وجه الفتح، وضحك الفتح في وجهه وقال: الحمد لله الذي بيض وجهه، وأنار حجته ».

رووا أن الإمام (ع) مدح العباس:

قال الذهبي في سيره « 12 / 38 »: « قال المبرد: قال المتوكل لعلي بن محمد بن الرضا: ما يقول ولد أبيك في العباس؟ قال: ما تقول يا أمير المؤمنين في رجل فرض الله طاعته على نبيه (ص) وذكر حكاية طويلة، وبكى المتوكل، وقال له: يا أبا الحسن لينت منا قلوباً قاسية، أعليك دين؟ قال: نعم، أربعة آلاف دينار، فأمر له بها ».

أقول: إذا صح ذلك فهو تقية جائزة للتخلص من قرار المتوكل بقتله (ع)، ويكون معنى: فرض طاعته على نبيه (ص)، أي طاعة الله تعالى لا طاعة العباس.

٨٤

الفصل الرابع:

إحضار المتوكل للإمام الهادي (ع) الى سامراء

أحضر المتوكل الإمام (ع) الى سامراء ثلاث مرات

1. حكم المتوكل أربع عشرة سنة « 232 ـ 247 » وحكم بعده ابنه المنتصر نحو سبعة أشهر، ثم حكم المستعين وهو أحمد بن محمد بن المعتصم، سنتين وتسعة أشهر، ثم حكم المعتز وهوالزبير بن المتوكل، ثماني سنين وستة أشهر، وهو الذي ارتكب جريمة قتل الإمام الهادي (ع).

وكان المتوكل على خط أسلافه خلفاء بني عباس في عدائهم للأئمة من عترة النبي (ص)، لأنهم يعرفون أنهم أئمة ربانيون ينجذب اليهم الناس، ويقيسون بهم الخليفة العباسي. فهم برأي الخلفاء خطرٌ على حكمهم.

وبسبب هذا العداء أرسل المتوكل القائد عَتَّاب بن أبي عتاب في أول خلافته لإحضار الإمام الهادي (ع)، ثم أرسل القائد يحيى بن هرثمة أكثر من مرة. وروت المصادر نص رسالة المتوكل الى الإمام (ع) مع ابن هرثمة سنة 243 . كما روت أنه حبسه في إحدى إحضاراته وحفر له قبراً في السجن! ويظهر أن ذلك كان في مطلع خلافته سنة 233، فبقي الإمام (ع) مدة في سامراء، ثم تخلص ورجع الى المدينة، أو رجع في موسم الحج وبقي في المدينة.

٨٥

ثم أحضره ثانية قبل سنة 235 ، فتخلص أيضاً وعاد الى المدينة، ثم أحضره سنة 243، وألزمه بالبقاء في سامراء.

وقلنا ثلاث مرات على الأقل، لأنهم رووا أن المتوكل مرض في أول خلافته، ونذر إن عوفي أن يتصدق بدنانير كثيرة، ولم يعرف الفقهاء مقدارها، وأرسل الى الإمام الهادي (ع) وكان في سامراء، فسأله.

ورووا أن يحيى بن هرثمة مرَّ به في مجيئه على بغداد، وزاره القائد إسحاق بن إبراهيم الطاهري، وقد توفي الطاهري سنة 235 ، فلا بد أن يكون ذلك غير إحضاره مع القائد عَتَّاب بن أبي عتاب.

كما أن المتوكل حبس الإمام (ع) في هذا الإحضار، وأراد قتله. أما في الإحضار الأخير فلم يحبسه وأظهر احترامه وألزمه بالإقامة في سامراء، فاشترى الإمام داراً من نصراني وسكن فيها، ثم أضاف اليها داراً أو دوراً أخرى.

أما محاولة المتوكل إهانة الإمام (ع) وإنزاله في خان الصعاليك، وتأخير مقابلته له يوماً، فلا يبعد أن تكون في إحضاره الأخير.

2. وبهذا تعرف أن سبب تفاوت كلام المؤرخين في أن الإمام الهادي (ع) أقام في سامراء عشرين سنة، أوعشر سنين، هوالإحضارات المتعددة له، والتي ختمت بفرض الإقامة الجبرية عليه حتى هلاك المتوكل.

ثم جاء المستعين والمعتز فواصلا فرض الإقامة الجبرية عليه، حتى ارتكب المعتز وهو الزبير بن المتوكل، جريمة قتله (ع).

٨٦

الإحضار الأول للإمام (ع) الى سامراء

قال في مناقب آل أبي طالب « 3 / 515 »: « وَجَّهَ المتوكل عَتَّابَ بن أبي عتاب إلى المدينة ليحمل علي بن محمد (ع) إلى سر من رأى، وكان الشيعة يتحدثون أنه يعلم الغيب، فكان في نفس عتاب من هذا شئ، فلما فصل من المدينة رآه وقد لبس لَبَّادة والسماء صاحية، فما كان أسرع من أن تغيمت وأمطرت، فقال عتاب: هذا واحد. ثم لما وافى شط القاطون رآه مُقْلَقَ القلب فقال له: مالك يا أبا أحمد؟ فقال: قلبي مُقلق بحوايج التمستها من أمير المؤمنين. قال له: فإن حوائجك قد قضيت، فما كان بأسرع من أن جاءته البشارات بقضاء حوائجه. قال: الناس يقولون إنك تعلم الغيب. وقد تبينتُ من ذلك خَلَّتين ».

عتَّاب بن أبي عتاب قائد عباسي فارسي

قال في تاريخ دمشق « 38 / 226 »: « عتَّاب بن عتاب بن سالم بن سليمان النسائي، أحد قواد المتوكل، قدم معه دمشق سنة ثلاث وأربعين ومائتين، فيما قرأته بخط أبي محمد عبد الله بن محمد الخطابي، ثم ولاه حجابته مع الحسين بن إسماعيل ».

وذكره الطبري في مواضع وهو مطيعٌ لخلفاء بني عباس.

منها « 7 / 373 » لما وثب أهل حمص على واليهم فأرسل لهم المتوكل عتَّاباً: « وأمره أن يقول لهم إن أمير المؤمنين قد أبدلكم رجلاً مكان رجل فرضوا بمحمد بن عبدويه فولاه عليهم، فعمل فيهم الأعاجيب ».

٨٧

ومنها: أن المعتز ظفر جيشه بعلوي ثار عليه في الكوفة، « الطبري: 7 / 511 » : « فورد الكتاب بحمله مع عتاب بن عتاب، وحمل هؤلاء الطالبيين فحملوا جميعاً ».

ومنها: دور عَتَّاب بعد المتوكل حتى قتل مع المهتدي سنة 256 ، وذلك لما اختلف المهتدي مع القادة الأتراك، فخدعه القائد التركي بايكباك بأنه معه ضد موسى بن بغا، ودخل قصر المهتدي ومهد لدخول ابن بغا لقتله. ولما اكتشف المهتدي مؤامرة بايكباك، قَتَلَهُ وأمر عتاب بن عتاب أن يرميهم برأسه فرماههم به، فأطبقوا على المهتدي وجيشه: « شد رجل منهم على عتاب فقتله فحمل عليهم طغوتيا أخو بايكباك حملة ثائر حَرَّان موتور، فنقض تعبيتهم وهزمهم وأكثر فيهم القتل وولوا منهزمين، ومضى المهتدي يركض منهزماً والسيف في يده مشهور وهوينادي: يا معشر الناس أنصروا خليفتكم! حتى صار إلى دار ابن جميل فبادرهم ليصعد فرُمِي بسهم وبُعِج بالسيف، ثم حمله أحمد بن خاقان على دابة أوبغل وأردف خلفه سائساً حتى صار به إلى داره، فدخلوا عليه فجعلوا يصفعونه ويبزقون في وجهه، وسألوه عن ثمن ما باع من المتاع والخُرْثي « الأثاث » فأقر لهم بست مائة ألف قد أودعها فأخذوا رقعته بست مائة ألف دينار، ودفعوه إلى رجل فوطئ على خصييه حتى قتله ». « الطبري « 7 / 582 »

ثم وصف الطبري انتخاب الأتراك للخليفة الجديد فقال « 7 / 587 »: « كان يارجوخ بعد انهزام الناس صار إلى الدار، فأخرج من ولد المتوكل جماعة فصار بهم إلى داره، فبايعوا أحمد بن المتوكل المعروف بابن فتيان، يوم الثلاثاء لثلاث عشرة

٨٨

خلت من رجب وسميَ المعتمد على الله، وأشهد يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب على وفاة المهتدى محمد بن الواثق، وأنه سليم ما به إلا الجراحتان اللتان نالتاه يوم الأحد في الوقعة ».

وهذا يدل على أن عتاباً كان فارسياً وليس تركياً، وأنه قتل مع المهتدي. ومن المستبعد أن يكون استبصر لما رأى معجزات الإمام (ع) في مرافقته من المدينة، رغم أنه اقتنع بأنه ولي الله، وأن الله تعالى يظهره على بعض غيبه.

فقد بقي عتاب مخلصاً للمتوكل، والخلفاء من بعده، وكانوا يكلفونه بمهمات قذرة، من القمع والقتل، حتى قُتل في سبيلهم!

إحضار الإمام الى سامراء بعد هدم قبر الحسين (ع)

ارتكب المتوكل جريمة هدم قبر الحسين (ع) سنة 236، واتفق المؤرخون على أنه أثار على نفسه نقمةً عامة من كل الفئات، حتى كتب المسلمون شعار شتمه على جدران بغداد، ولم يرووا أن أحداً كان يمحوه!

وقد رافق ذلك تزايد تعاطف المسلمين مع الإمام الهادي (ع) خاصة في بغداد والحجاز، وقد وصل هذا التعاطف الى بعض وزراء الخليفة، وأفراد أسرته!

ويظهر أن بعض الأوساط لهجوا بالثورة على المتوكل.

وفي ذلك الظرف كتب اليه والي مكة والمدينة: إن كانت لك حاجة في الحجاز، فأخرج منه علي بن محمد. أي قبل أن يدعوهم للثورة عليك فيستجيبون له!

٨٩

قال المسعودي في إثبات الوصية « 1 / 232 »: « وكتب بُرَيْحَة العباسي صاحب الصلاة بالحرمين الى المتوكل: إن كان لك في الحرمين حاجة، فأخرج علي بن محمد منهما فإنه قد دعا الى نفسه واتبعه خلق كثير. وتابع بُريحة الكتب في هذا المعنى، فوجه المتوكل بيحيى بن هرثمة وكتب معه الى أبي الحسن (ع) كتاباً جميلاً يعرفه أنه قد اشتاقه، ويسأله القدوم عليه. وأمر يحيى بالمسير معه كما يحبُّ، وكتب الى بريحة يعرفه ذلك. فقدم يحيى بن هرثمة المدينة فأوصل الكتاب الى بريحة، وركبا جميعاً الى أبي الحسن (ع) فأوصلا إليه كتاب المتوكل، فاستأجلهما ثلاثاً.

فلما كان بعد ثلاث عاد الى داره فوجد الدواب مُسْرَجة، والأثقال مشدودة قد فُرغ منها. وخرج صلى الله عليه متوجهاً نحوالعراق، واتَّبعه بريحة مشيعاً، فلما صار في بعض الطريق قال له بريحة: قد علمت وقوفك على أني كنت السبب في حملك، وعليَّ حلفٌ بأيمان مغلظة لئن شكوتني الى أمير المؤمنين، أوالى أحد من خاصته وأبنائه، لَأُجَمِّرَنَّ نخلك، ولأقتلن مواليك، ولأُعُوِّرَنَّ عيون ضيعتك، ولأفعلن ولأصنعن. فالتفت إليه أبوالحسن (ع) فقال له: إن أقرب عَرْضِي إياك على الله البارحة. وما كنت لأعرضنك عليه، ثم أشكونك الى غيره من خلقه. قال: فانكب عليه بريحة وضرع إليه واستعفاه. فقال له: قد عفوت عنك ».

ملاحظة

بريحة هو تُرُنْجَة، وقد يكون تصحيفاً له، ففي شفاء الغرام للفاسي « 2 / 219 »: « ثم وليها « مكة » محمد بن داود عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن

٩٠

عباس العباسي، الملقب تُرُنْجَة، في سنة اثنين وعشرين ومائتين، ولعل ولايته دامت إلى أثناء خلافة المتوكل ».

وقال في صبح الأعشى « 4 / 271 »: « ثم وليها محمد بن عيسى، ثم عزله المتوكل سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، وولَّى مكانه ابنه المنتصر بن المتوكل. ثم وليها علي بن عيسى بن جعفر بن المنصور، ثم عزله المتوكل سنة سبع وثلاثين ومائتين وولَّى مكانه عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى بن موسى. ثم عزله المتوكل سنة ثنتين وأربعين ومائتين، وولَّى مكانه عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام. ثم توالت عليها العمال من قبل خلفاء بني العباس ».

وفي رسالة المتوكل الى الإمام الهادي (ع) أنه عزل بريحة لأنه أساء اليه، وذلك سنة 243. ومعناه أنه عزل ثم نصب على الصلاة في الحرمين.

وسماه في الإرشاد « 2 / 325 »: تُرنجة، وقال في هامشه: وهوعبد الله بن محمد بن داود الهاشمي بن أترجة من ندماء المتوكل، والمشهور بالنصب والبغض لعلي بن أبي طالب (ع)، وقد قتل بيد عيسى بن جعفر، وعلي بن زيد الحسنيين بالكوفة قبل موت المعتز بأيام. أنظر: الكامل لابن الأثير: 7 / 56، تاريخ الطبري: 9 / 388 .

وورد خبر قتله في الكافي « 1 / 506 »: « قال: كتب أبومحمد (ع) إلى أبي القاسم إسحاق بن جعفر الزبيري قبل موت المعتز بنحوعشرين يوماً: إلزم بيتك حتى يحدث الحادث، فلما قتل بُريحة كتب إليه قد حدث الحادث فما تأمرني؟ فكتب: ليس هذا الحادث، الحادث الآخر. فكان من أمر المعتز ما كان.

٩١

وعنه قال: كتبت (ع) إلى رجل آخر: يُقتل ابن محمد بن داود عبد الله قبل قتله « المعتز » بعشرة أيام، فلما كان في اليوم العاشر، قُتل ».

وكان قَتل المعتز سنة 255 « الثقات لابن حبان: 2 / 331 » بعد شهادة الإمام (ع) كما يأتي.

أمر المتوكل قائده أن يفتش بيت الإمام (ع)

وقد نص على ذلك المحدثون والمؤرخون، وقالوا إن بريحة العباسي كتب الى المتوكل أن الإمام الهادي (ع) يجمع السلاح، وأن شيعته من قم أمَدُّوهُ بالأموال.

قال المسعودي في مروج الذهب « 4 / 84 »: « حدثني يحيى بن هرثمة، قال: وَجَّهني المتوكل الى المدينة لإشخاص علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر لشئ بلغه عنه، فلما صرت إليها ضجَّ أهلها وعَجُّوا ضجيجاً وعجيجاً ما سمعتُ مثله، فجعلت أُسَكِّنُهم وأحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه، وفتشت بيته فلم أجد فيه إلا مصحفاً ودعاءً، وما أشبه ذلك، فأشخصته وتوليت خدمته وأحسنت عشرته. فبينا أنا نائم يوماً من الأيام والسماء صاحية والشمس طالعة، إذ ركب وعليه مِمْطَرٌ، وقد عقد ذَنَب دابته، فعجبت من فعله، فلم يكن بعد ذلك إلا هنيهة حتى جاءت سحابة فأرخت عزَاليَها، ونالنا من المطر أمرٌ عظيم جداً. فالتفت إليَّ، وقال: أنا أعلم أنك أنكرت ما رأيتَ، وتوهمتَ أني علمت من الأمر ما لا تعلمه، وليس ذلك كما ظننتَ، ولكن نشأتُ بالبادية، فأنا أعرف الرياح التي يكون في عقبها المطر، فلما اصبحت هبَّتْ ريح لا تخلف وشممت منها رائحة المطر، فتأهبتُ لذلك!

٩٢

فلما قدمت مدينة السلام بدأت بإسحاق ابن إبراهيم الطاهري، وكان على بغداد فقال لي: يا يحيى، إن هذا الرجل قد ولده رسول الله، والمتوكل من تعلم، وإن حَرَّضته على قتله كان رسول الله خصمك! فقلت: والله ما وقفت له إلا على كل أمر جميل. فصرت الى سامرا، فبدأتُ بوصيف التركي وكنت من أصحابه فقال: والله لئن سقطت من رأس هذا الرجل شعرة لا يكون المطالب بها غيري! فعجبت من قولهما، وعرَّفت المتوكل ما وقفت عليه، وما سمعته من الثناء عليه فأحسن جائزته، وأظهر بِرَّهُ وتكرمته ».

أقول: في هذا النص دلالات عديدة، منها شعبية الإمام الواسعة في المدينة، بحيث ضجَّ أهلها لما جاءت سرية المتوكل لأخذه!

أما إسحاق بن إبراهيم الطاهري فهومنسوبٌ إلى عمه طاهر بن الحسين، قائد جيش المأمون الذي دخل إلى بغداد وقتل الأمين. وكان إسحاق حاكم بغداد من قبل المتوكل، ويدل كلامه على أن عامة أهل بغداد كانوا ينظرون الى الإمام الهادي (ع) نظرة تقديس، فكان يخاف من غضب الناس إذا قتلته السلطة.

وكذلك وصيف التركي، وهومن كبار قادة الجيش التركي في سامراء، وكان كفيل المستعين، الذي صار خليفة. « تاريخ الطبري: 7 / 433 ».

أما قول الإمام الهادي (ع): نشأتُ بالبادية فأنا أعرف الرياح التي يكون في عقبها المطر، فهو صحيح، لكنه عن مصدر واحد لعلمه بالمطر (ع)، ومصادر علمه أوسع .

٩٣

نص كتاب المتوكل الى الإمام الهادي (ع)

قال المفيد في الإرشاد « 2 / 309 »: « وكان سبب شخوص أبي الحسن (ع) إلى سُرَّ من رأى أن عبد الله بن محمد كان يتولى الحرب والصلاة في مدينة الرسول، فسعى بأبي الحسن (ع) إلى المتوكل، وكان يقصده بالأذى، وبلغ أبا الحسن سعايته به، فكتب إلى المتوكل يذكر تحامل عبد الله بن محمد، ويكذبه فيما سعى به، فتقدم المتوكل بإجابته عن كتابه ودعائه فيه إلى حضور العسكر، على جميل من الفعل والقول، فخرجت نسخة الكتاب وهي:

بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فإن أمير المؤمنين عارفٌ بقدرك، راعٍ لقرابتك موجبٌ لحقك، مؤثرٌ من الأمور فيك وفي أهل بيتك، ما يصلح الله به حالك وحالهم، ويثبت به عزَّك وعزهم، ويدخل الأمن عليك وعليهم، يبتغي بذلك رضا ربه، وأداء ما افترض عليه فيك وفيهم.

وقد رأى أمير المؤمنين صرف عبد الله بن محمد عما كان يتولاه من الحرب والصلاة بمدينة الرسول، إذ كان على ما ذكرت من جهالته بحقك واستخفافه بقدرك، وعندما قرفك به ونسبك إليه من الأمر الذي علم أمير المؤمنين براءتك منه، وصدق نيتك في برك وقولك، وأنك لم تؤهل نفسك لما قرفت بطلبه.

وقد ولى أمير المؤمنين ما كان يلي من ذلك محمد بن الفضل، وأمره بإكرامك وتبجيلك، والإنتهاء إلى أمرك ورأيك والتقرب إلى الله وإلى أمير المؤمنين بذلك.

٩٤

وأمير المؤمنين مشتاقٌ إليك، يُحب إحداث العهد بك والنظر إليك، فإن نشطتَ لزيارته والمقام قبله ما أحببت، شخصتَ ومن اخترتَ من أهل بيتك ومواليك وحشمك، على مُهْلَةٍ وطُمأنينة، ترحل إذا شئت وتنزل إذا شئت، وتسير كيف شئت. وإن أحببت أن يكون يحيى بن هرثمة مولى أمير المؤمنين ومن معه من الجند، يرتحلون برحيلك ويسيرون بسيرك، فالأمر في ذلك إليك، وقد تقدمنا إليه بطاعتك، فاستخر الله حتى توافي أمير المؤمنين، فما أحد من إخوته وولده وأهل بيته وخاصته ألطف منه منزلة، ولا أحمد له أثرةً، ولا هولهم أنظر وعليهم أشفق وبهم أبرُّ، وإليهم أسكن منه إليك. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وكتب إبراهيم بن العباس، في شهر كذا من سنة ثلاث وأربعين ومائتين .

فلما وصل الكتاب إلى أبي الحسن (ع) تجهز للرحيل، وخرج معه يحيى بن هرثمة حتى وصل إلى سر من رأى. فلما وصل إليها تقدم المتوكل بأن يحُجب عنه في يومه! فنزل في خان يعرف بخان الصعاليك، وأقام فيه يومه، ثم تقدم المتوكل بإفراد دار له فانتقل إليها.

ثم روى المفيد (رحمه الله): عن صالح بن سعيد قال: دخلت على أبي الحسن (ع) يوم وروده فقلت له: جعلت فداك، في كل الأمور أرادوا إطفاء نورك والتقصير بك، حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع خان الصعاليك. فقال: هاهنا أنت يا ابن سعيد! ثم أوما بيده فإذا بروضات أنفات، وأنهار جاريات، وجنان فيها خيرات

٩٥

عطرات، وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون، فحار بصري وكثر تعجبي، فقال لي: حيث كنا فهذا لنا يا ابن سعيد، لسنا في خان الصعاليك!

وأقام أبوالحسن (ع) مدة مقامه بسر من رأى، مكرماً في ظاهر حاله، يجتهد المتوكل في إيقاع حيلة به، فلا يتمكن من ذلك.

وله معه أحاديث يطول بذكرها الكتاب، فيها آيات له وبينات، إن قصدنا لإيراد ذلك خرجنا عن الغرض فيما نَحَوْنَاه ». راجع الكافي: 1 / 498 .

وقال راوي الرسالة كما في الكافي « 1 / 501 »: « أخذت نسخة كتاب المتوكل إلى أبي الحسن الثالث (ع) من يحيى بن هرثمة في سنة ثلاث وأربعين ومائتين ».

وفي الإرشاد « 2 / 310 » وروضة الواعظين / 245، وغيرهما: « وكتب إبراهيم بن العباس في شهر كذا، من سنة ثلاث وأربعين ومئتين ».

وفي الفصول المهمة لابن الصباغ / 265، والبحار « 50 / 201 » وغيرهما: « وكان المتوكل قد أشخصه من المدينة النبوية إلى سر من رأى مع يحيى بن هرثمة بن أعيَن، في جمادى الأخرى سنة ثلاث وأربعين ومائتين ».

لكن قال الطبري « 7 / 348 »: « وفيها « سنة 233 » قدم يحيى بن هرثمة، وهووالي طريق مكة، بعلي بن محمد بن علي الرضا، بن موسى بن جعفر من المدينة ».

ونحوه في النجوم الزاهرة « 2 / 271 »، وفيه: « وكان قد بلغ المتوكل عنه شئ ».

وفي فرق الشيعة للنوبختي « 1 / 91 »: « وكان المتوكل أشخصه من المدينة مع يحيى بن هرثمة بن أعين وكان قدومه إلى سر من رأى يوم الثلاثاء لسبع ليال بقين من

٩٦

شهر رمضان سنة ثلاث وثلاثين ومأتين. وكان مولده يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة مضت من رجب، سنة أربع عشرة ومأتين، وأقام بسر من رأى داره إلى أن توفي: عشرين سنة وتسعة أشهر وعشرة أيام. وكانت إمامته ثلاثاً وثلاثين سنة وسبعة أشهر ».

وفي تذكرة الخواص لابن الجوزي الحنبلي « 1 / 322 »: « وكنيته أبوالحسن العسكري وإنما نسب الى العسكري، لأن جعفر المتوكل أشخصه من المدينة الى بغداد الى سر من رأى، فأقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر. قال علماء السير: وإنما أشخصه المتوكل من مدينة رسول الله الى بغداد لأن المتوكل كان يبغض علياً وذريته، فبلغه مقام علي بالمدينة وميل الناس اليه فخاف منه، فدعا يحيى بن هرثمة وقال: إذهب الى المدينة وانظر في حاله وأشخصه الينا.

قال يحيى: فذهبت الى المدينة فلما دخلتها ضج أهلها ضجيجاً عظيماً، ما سَمِع الناس بمثله خوفاً على عليٍّ، وقامت الدنيا على ساق لأنه كان محسناً اليهم ملازماً للمسجد، لم يكن عنده ميل الى الدنيا.

قال يحيى: فجعلت أسكِّنُهم وأحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه، وأنه لا بأس عليه، ثم فتشت منزله فلم أجد فيه إلا مصاحف وأدعية وكتب العلم، فعظم في عيني وتوليت خدمته بنفسي وأحسنت عشرته. فلما قدمت به بغداد بدأت بإسحاق بن إبراهيم الطاهري وكان والياً على بغداد، فقال لي: يا يحيى إن هذا الرجل قد ولده رسول الله والمتوكل من تَعلم، فإن حرضته عليه قتله وكان

٩٧

رسول الله خصمك يوم القيامة! فقلت له: والله ما وقعت منه إلا على كل أمر جميل، ثم صرت به الى سر من رأى فبدأت بوصيف التركي فأخبرته بوصوله فقال: والله لئن سقط منه شعرة لا يطالب بها سواك. « وهو من جند وصيف ».

قال: فعجبت كيف وافق قوله قول إسحاق! فلما دخلت على المتوكل سألني عنه فأخبرته بحسن سيرته وسلامة طريقته وورعه وزهادته، وأني فتشت داره فلم أجد فيها غير المصاحف وكتب العلم، وأن أهل المدينة خافوا عليه. فأكرمه المتوكل وأحسن جايزته، وأجزل بره، وأنزله معه سر من رأى.

قال يحيى بن هرثمة: فاتفق مرض المتوكل بعد ذلك بمدة، فنذر إن عوفي ليتصدقن بدراهم كثيرة، فعوفي فسأل الفقهاء عن ذلك فلم يجد عندهم فرجاً فبعث الى علي فسأله فقال: يتصدق بثلاثة وثمانين ديناراً. فقال المتوكل: من أين لك هذا؟ فقال من قوله تعالى: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ويَوْمَ حُنَيْنٍ . والمواطن الكثيرة هي هذه الجملة، وذلك لأن النبي (ص) غزى سبعاً وعشرين غزاة، وبعث خمساً وستين سرية، وآخر غزواته يوم حنين.

فعجب المتوكل والفقهاء من هذا الجواب، وبعث اليه بمال كثير فقال: علي هذا الواجب، فتصدق أنت بما أحببت ».

ملاحظات

1. يتضح بما تقدم أن إحضار المتوكل للإمام (ع) كان بإرساله القائد عتاب بن أبي عتاب في أول خلافته سنة 233، وأن الإمام (ع) بقي فترة في سامراء، ثم عاد

٩٨

الى المدينة وبقي فيها. أما إرسال المتوكل ليحيى بن هرثمة فكان بعد بضع سنوات، فأحضره وألزمه بالبقاء حتى استشهد (ع) على يد المعتمد.

2. يظهر من نص رسالة المتوكل الى الإمام (ع) أنه يخاطب شخصية له نفوذه في المسلمين، وله قداسة عندهم، فالمتوكل النمرود يراعي الأدب معه، وفي نفس الوقت يحتم عليه الحضور الى سامراء، لأنه اشتاق اليه!

وكل هدفه أن يكون في قبضته في سامراء، ويأمن من ثورته عليه، لأنه إذا دعا المسلمين الى بيعته، استجاب له منهم قسم كبير.

3. يدل تعمد المتوكل تأخير استقباله يوماً، وإنزاله في خان ينزل فيه عادة الصعاليك وسواد الناس، أن المقصود إهانته ليذل في نفسه ويخضع للمتوكل كغيره من الشخصيات الذين يُحضرهم، لكن الإمام الهادي شخصيةٌ ربانيةٌ لايقاس بها الأرضيون، ومن بيت لا يقاس بهم أحد، صلوات الله عليهم!

خافت السلطة من ثورة البغداديين!

في تاريخ اليعقوبي « 2 / 484 »: « وكتب المتوكل إلى علي بن محمد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر بن محمد، في الشخوص من المدينة، وكان عبد الله بن محمد بن داود الهاشمي قد كتب يذكر أن قوماً يقولون إنه الإمام، فشخص عن المدينة، وشخص يحيى بن هرثمة معه حتى صار إلى بغداد، فلما كان بموضع يقال له الياسرية نزل هناك، وركب إسحاق بن إبراهيم لتلقيه، فرأى تشوق الناس إليه

٩٩

واجتماعهم لرؤيته، فأقام إلى الليل، ودخل به في الليل، فأقام ببغداد بعض تلك الليلة، ثم نفذ إلى سر من رأى ».

أقول: هذا النص يدل على الشعبية العميقة للإمام (ع) في بغداد والعراق، وأن السلطة خافت أن يدخل الى بغداد، فأنزلوه خارجها في الياسرية، وهي على بعد ميلين من بغداد، على ضفة نهر عيسى، وتقع اليوم قرب مطار بغداد القديم.

لكن شيعة الإمام (ع) ومحبيه كانوا يتتبعون حركته، وعرفوا بموعد وصوله الى بغداد، فخرجوا الى ضاحيتها لملاقاته، وازدحموا عليه حتى أن والي بغداد أراد أن يزوره فوجد ازدحام الناس، فانتظر الى الليل فزاره!

ويدلك على تعاظم شعبيته أنهم خافوا من بقائه في ضاحية بغداد ولو ليلة واحدة، فقرروا أن يمضوا به الى سامراء في الليل!

كما يدلك على شعبيته وصية والي بغداد ليحيى به، وتخوفه أن يقتله المتوكل فيفتح باب الثورة على السلطة!

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

بالله شيئا وان حرقت بالنار وعذبت إلّا وقلبك مطمئن بالايمان، ووالديك فأطعهما وبرهما حيين كانا أو ميتين، وإنْ أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل، فان ذلك من الايمان.

٢٩ ـ الحسين بن محمد عن معلى بن محمد وعلى بن محمد عن صالح بن أبي حماد جميعا عن الوشا عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة سالم بن مكرم عن معلى بن خنيس عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: جاء رجل وسأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن بر الوالدين فقال: ابرر أمك ابرر أمك ابرر أمك، ابرر أباك ابرر أباك ابرر أباك، وبدء بالأم قبل الأب.

٣٠ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن علي بن عقبة عن عمر بن يزيد قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: شكر كل نعمة وان عظمت ان يحمد اللهعزوجل .

٣١ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن اسمعيل بن مهران عن سيف بن عميرة عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : هل للشكر حد إذا فعله العبد كان شاكرا؟ قال: نعم قلت: ما هو؟ قال يحمد الله على كل نعمة عليه في أهل ومال، وان كان فيما أنعم عليه في ماله حق أداه، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٣٢ ـ أبو على الأشعري عن عيسى بن أيوب عن علي بن مهزيار عن القاسم بن محمد عن إسماعيل بن أبي الحسن عن رجل عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه فقد ادى شكرها.

٣٣ ـ على عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي عبد الله صاحب السابري فيما اعلم أو غيره عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: اوحى اللهعزوجل إلى موسىعليه‌السلام : يا موسى اشكرني حق شكري فقال: يا رب وكيف أشكرك حق شكرك وليس من شكر أشكرك به إلّا وأنت أنعمت به عليَّ؟ قال: يا موسى الآن شكرتني حين علمت أنّ ذلك منّي.

٣٤ ـ في عيون الأخبار باسناده إلى الرضاعليه‌السلام حديث طويل وفيه يقولعليه‌السلام : وامر بالشكر له وللوالدين، فمن لم يشكروا لديه لم يشكر الله تعالى.

٣٥ ـ وباسناده إلى محمود بن أبي البلاد قال: سمعت الرضاعليه‌السلام يقول: من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر اللهعزوجل .

٢٠١

٣٦ ـ في أصول الكافي الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن بسطام بن مرة عن إسحاق بن حسان عن الهيثم بن واقد عن علي بن الحسين العبدي عن سعد الإسكاف عن الأصبغ بن نباتة أنه سأل أمير المؤمنينعليه‌السلام عن قوله تعالى:( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) فقال الوالدان اللذان أوجب الله لهما الشكر، هما اللذان ولدا العلم وورثا الحكم، وأمر الناس بطاعتهما ثم قال الله: «الى المصير» فمصير العباد إلى الله، والدليل على ذلك الولدان، ثم عطف القول على ابن حنتمة(١) وصاحبه فقال في الخاص والعام:( وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ) تقول في الوصية وتعدل عمن أمرت بطاعته فلا تطعهما ولا تسمع قولهما ثم عطف القول على الوالدين فقال:( وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً ) يقول: عرفت الناس فضلهما وادع إلى سبيلهما، وذلك كقوله:( وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ) فقال: إلى الله ثم إلينا فاتقوا الله ولا تعصوا الوالدين فان رضاهما رضا الله وسخطهما سخط الله.

٣٧ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن عبد الله بن بحر عن عبد الله بن مسكان عمن رواه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال ـ وأنا عنده ـ لعبد الواحد الأنصاري في بر الوالدين في قول اللهعزوجل ، وبالوالدين إحسانا. فظننا انها الآية التي في بنى إسرائيل:( وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) فلما كان بعد سألته فقال: هي التي في بنى إسرائيل:( وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) فلما كان بعد سألته فقال: هي التي في لقمان( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ ) ( عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما ) فقال: إنّ ذلك أعظم من أن يأمر بصلتهما وحقهما على كل حال( وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) فقال: لا بل يأمر بصلتهما وان جاهداه على الشرك ما زاد حقهما إلّا عظما.

٣٨ ـ في مصباح الشريعة قال الصادقعليه‌السلام : بر الوالدين من حسن معرفة العبد بالله، إذ لا عبادة أسرع بلوغا بصاحبها إلى رضا الله تعالى من حرمة الوالدين المسلمين لوجه الله، لان حق الوالدين مشتق من حق الله تعالى إذا كانا على منهاج الدين والسنة، ولا يكونان يمنعان الولد من طاعة الله تعالى إلى معصيته، ومن اليقين

__________________

(١) حنتمة بنت ذي الحرمين أم عمر بن الخطاب.

٢٠٢

الى الشك، ومن الزهد إلى الدنيا، ولا يدعو انه إلى خلاف ذلك، فاذا كانا كذلك فمعصيتهما طاعة وطاعتهما معصية، قال الله تعالى:( وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما ) واما في باب العشرة فدارهما واحتمل أذا هما نحوما احتملا عليك في حال صغرك، ولا تضيق عليهما مما قد وسع الله عليك من المال والملبوس، ولا تحول بوجهك عنهما ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما، فان تعظيمهما من الله تعالى وقل لهما بأحسن القول، والطفه فان الله لا يضيع أجر المحسنين.

٣٩ ـ في كتاب المناقب لابن شهر آشوب مرّ الحسين بن عليّعليهما‌السلام على عبد الرحمان بن عمرو بن العاص فقال عبد الله: من أحبّ أن ينظر إلى أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء فلينظر إلى هذا المجتاز، وما كلمته منذ ليالي صفين، فأتى به أبو سعيد الخدري إلى الحسينعليه‌السلام : فقال له الحسين: أتعلم أنّي أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء وتقاتلني وأبي يوم صفين؟ والله إنّ أبي لخيرٌ منى فاستعذر وقال: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لي: أطع أباك، فقال له الحسينعليه‌السلام : أما سمعت قول الله تعالى:( وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما ) وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّما الطاعة بالمعروف، وقوله: لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق.

٤٠ ـ في عيون الأخبار في باب ما كتبه الرضاعليه‌السلام للمأمون من محض الإسلام وشرائع الدين: وبر الوالدين واجب وان كانا مشركين، ولا طاعة لهما في معصية الخالق ولا لغيرهما، فانه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

٤١ ـ في كتاب الخصال عن الأعمش عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام قال: هذه شرائع الدين إلى أنْ قالعليه‌السلام : وبر الوالدين واجب، فان كانا مشركين فلا تطعهما ولا غيرهما في المعصية، فانه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

٤٢ ـ عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول ـ وذكر كلاما طويلا ـ وفي أثنائه: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا ينبغي للمخلوق ان يكون جنة لمعصية الله، فلا طاعة في معصية ولا طاعة لمن عصى الله.

٤٣ ـ في من لا يحضره الفقيه في ألفاظهصلى‌الله‌عليه‌وآله الموجزة: لا طاعة لمخلوق في

٢٠٣

معصية الخالق.

٤٣ ـ في محاسن البرقي باسناده عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حديث طويل وفيه يقول أطيعوا آباءكم فيما أمروكم ولا تطيعوهم في معاصي الله.

٤٤ ـ وفيه حديث آخر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفيه يقول: إنّي لا آمرك بعقوق الوالدين ولكن صاحبهما في الدنيا معروفا.

٤٥ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله( وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ) يقول: اتبع سبيل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٤٦ ـ في أصول الكافي الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الوشا عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سمعته يقول: اتقوا المحقرات من الذنوب. فان لها طالبا يقول أحدكم: أذنب واستغفر، إنّ اللهعزوجل يقول( وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ ) وقالعزوجل ( إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) .

٤٧ ـ في مجمع البيان وروى العياشي بالإسناد عن ابن مسكان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: اتقوا المحقّرات من الذنوب فانّ لها طالبا، لا يقولن أحدكم: أذنب واستغفر الله إنّ الله تعالى يقول:( إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ ) الآية.

٤٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم قال علي بن إبراهيمرحمه‌الله : ثمّ عطف على خبر لقمان وقصّته فقال جلّ ذكره:( يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) قال من الرزق يأتك به الله( يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) .

٤٩ ـ في الكافي باسناده إلى معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى ربهم وأحب ذلك إلى اللهعزوجل ما هو؟ فقال: ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوة، ألآ ترى أنّ العبد الصالح عيسى بن مريمعليه‌السلام قال :

٢٠٤

( وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا ) .

٥٠ ـ علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن هارون بن خارجة عن زيد الشحام عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: أحب الأعمال إلى اللهعزوجل الصلوة وهي آخر وصايا الأنبياء.

٥١ ـ أبو داود عن الحسين بن سعيد عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام أنّه قال: الصلوة قربان كل تقى.

٥٢ ـ في من لا يحضره الفقيه في وصية أمير المؤمنينعليه‌السلام لابنه محمد بن الحنفية يا بنى اقبل من الحكماء مواعظهم، وتدبر أحكامهم وكن آخذ الناس بما تأمر به، وأكف الناس عما تنهى عنه، وامر بالمعروف تكن من أهله، فان استتمام الأمور عند الله تبارك وتعالى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

٥٣ ـ في الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن محمد بن عيسى عن محمد بن عرفة قال: سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول: لتأمرون بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليستعملن عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم.

٥٤ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن النعمان عن عبد الله بن مسكان عن داود بن فرقد عن أبي سعيد الزهري عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام قال: ويل لقوم لا يدينون الله بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

٥٥ ـ وباسناده قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : قال: بئس القوم يعيبون الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

٥٦ ـ في كتاب الخصال فيما علم أمير المؤمنينعليه‌السلام أصحابه من الاربعمأة باب: ائمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر واصبروا على ما أصابكم.

٥٧ ـ في أصول الكافي باسناده إلى حفص بن غياث قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام يا حفص ان من صبر صبر قليلا ومن جزع جزع قليلا، ثمّ قال: عليك بالصبر في جميع أمورك فانّ اللهعزوجل بعث محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله فأمره بالصبر والرفق، فقال:( وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ ) وقال تبارك

٢٠٥

وتعالى:( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) فصبرصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى نالوه بالعظائم ورموه بها، والحديث وفيما أخذناه منه كفاية ان شاء الله تعالى.

٥٨ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن عبد الله بن بكر عن حمزة بن حمران عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: الجنة محفوظة بالمكاره والصبر، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة، وجهنم محفوفة باللذات والشهوات فمن أعطى نفسه لذتها وشهوتها دخل النار.

٥٩ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن سنان عن أبي الجارود عن الأصبغ قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : الصبر صبران: صبر عند المصيبة حسن جميل وأحسن من ذلك الصبر عند ما حرم اللهعزوجل عليك.

٦٠ ـ أبو على الأشعري عن الحسن بن علي الكوفي عن العباس بن عامر العزرمي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : سيأتى على الناس زمان لا ينال الملك فيه إلّا بالقتل والتجبر، ولا الغنى إلّا بالغصب والبخل، ولا المحبة إلّا باستخراج الدين واتباع الهوى، فمن أدرك ذلك الزمان فصبر على الفقر وهو يقدر على الغنى وصبر على البغضة وهو يقدر على المحبة، وصبر على الذل وهو يقدر على العز آتاه الله ثواب خمسين صديقا ممن صدق بى.

٦١ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن سيف بن عميرة عن ابن حمزة الثمالي قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : من ابتلى من المؤمنين ببلاء فصبر عليه كان له مثل أجر ألف شهيد.

٦٢ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن سماعة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ اللهعزوجل أنعم على قوم فلم يشكروا فصارت عليهم وبالا وابتلى قوما بالمصائب فصبروا فصارت عليهم النعمة.

٦٣ ـ أبو على الأشعري عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن سنان عن العلاء بن الفضيل عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد ،

٢٠٦

فاذا ذهب الرأس ذهب الجسد. كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الايمان.

٦٤ ـ في مجمع البيان

( وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ ) من المشقة والأذى في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر عن عليٍّعليه‌السلام .

٦٥ ـ في جوامع الجامع ان ذلك مما عزمه الله من الأمور أي قطعه قطع إيجاب والزام، ومنه الحديث ان الله يحب ان يؤخذ برخصة كما يحب ان يؤخذ بعزائمه.

٦٦ ـ في مجمع البيان( وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ) أي ولا تمل وجهك من الناس بكل ولا تعرض عمن يكلمك استخفافا به، وهذا المعنى قول ابن عباس وأبي عبد اللهعليه‌السلام .

٦٧ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقولهعزوجل :( وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ) أي لا تذل للناس طمعا فيما عندهم( وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً ) أي فرحا وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قولهعزوجل :( وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً ) يقول: بالعظمة( إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ) .

٦٨ ـ في الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اوصى رجلا من بنى تميم فقال له: إياك وإسبال الإزار والقميص: فان ذلك من المخيلة والله لا يحب المخيلة(١) .

٦٩ ـ في كتاب ثواب الأعمال باسناده إلى ابن فضال عمن حدثه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من مشى على الأرض اختيالا لعنه الأرض ومن تحتها ومن فوقها.

٧٠ ـ أبيرحمه‌الله قال: حدّثني سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن أبيه رفعه قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ويل لمن يختال في الأرض معارض جبار السماوات والأرض.

٧١ ـ في أمالي الصدوقرحمه‌الله في مناهي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ونهى أن يختال الرجل في مشيته وقال: من لبس ثوبا فاغتال فيه خسف الله به من شفير جهنم، وكان

__________________

(١) المخيلة: الكبر.

٢٠٧

قرين قارون لأنه أول من اختال، فخسف الله به وبداره الأرض، ومن اختال فقد نازع الله في جبروته. وفي من لا يحضره الفقيه مثله سواء.

٧٢ ـ في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن بكر بن صالح عن القاسم بن بريد قال: حدّثنا أبو عمرو الزبيري عن أبي عبد اللهعليه‌السلام وذكر حديثا طويلا يقول فيهعليه‌السلام بعد أن قال: إنّ الله تبارك وتعالى فرض الايمان على جوارح ابن آدم وقسمه عليها وفرقه فيها وفرض على الرجلين ان لا يمشى بهما إلى شيء من معاصي الله، وفرض عليهما المشي إلى ما يرضى اللهعزوجل ، فقال:( وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً ) وقال:( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) .

٧٣ ـ في كتاب الخصال عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: سرعة المشي تذهب ببهاء المؤمن.

٧٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقال علي بن إبراهيم في قوله:( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ) أي لا تعجل( وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ) إلى لا ترفعه( إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) وروى فيه غير هذا أيضا.

٧٥ ـ في أصول الكافي أحمد بن محمد الكوفي عن علي بن الحسن عن علي بن أسباط عن عمه يعقوب بن سالم عن أبي بكر الحضرمي قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) قال: العطسة القبيحة.

٧٦ ـ في مجمع البيان( إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) وروى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: هي العطسة المرتفعة القبيحة، والرجل يرفع صوته بالحديث رفعا قبيحا إلّا أنْ يكون داعيا أو يقرأ القرآن.

٧٧ ـ في من لا يحضره الفقيه ومن ألفاظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الموجزة التي لم يسبق إليها: اليد العليا خير من اليد السفلى* ما قل وكفي خير مما كثر وألهى* خير الزاد التقوى* رأس الحكمة مخافة اللهعزوجل * خير ما ألقى في القلب اليقين* الارتياب من الكفر* النياحة من عمل الجاهلية* السكر جمر النار* الشعر من إبليس* الخمر جماع الاثام* النساء حبالة الشيطان* الشباب شعبة من الجنون*

٢٠٨

شر المكاسب كسب الربا* شر المآكل أكل مال اليتيم ظلما* السعيد من وعظ بغيره* الشقي من شقي في بطن أمّه* مصيركم إلى أربعة أذرع* أربى الربا الكذب* سباب المؤمن فسوق* قتال المؤمن كفر* أكل لحمه من معصية اللهعزوجل * حرمة ماله كحرمة دمه* من كظم الغيظ يأجره اللهعزوجل * من يصبر على الرزية يعوضه الله* الآن حمى الوطيس(١) * لا يلسع المؤمن من جحر مرتين(٢) * لا يجنى على المرء إلّا يده* الشديد من غلب نفسه* ليس الخبر كالمعاينة* أللّهمّ بارك لأمّتى في بكورها يوم سبتها وخميسها* المجالس بالأمانة* سيد القوم خادمهم* لو بغى جبل على جبل لجعله الله دكا* ابدأ بمن تعول(٣) الحرب خدعة* المسلم مرآة لأخيه* مات حتف أنفه(٤) * البلاء موكل

__________________

(١) الوطيس: التنور. المعركة يضرب مثلا للحرب إذا اشتد قال ابن منظور: وهي كلمة لم تسمع إلا منه. وهو من فصيح الكلام عبر به عن اشتباك الحرب وقيامها على ساق، «انتهى» وهذا من كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة حنين حين ما رجع الناس بنداء عباس بن عبد المطلب بعد الهزيمة وشرعوا في القتال فأشرف النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في ركائبه فنظر إلى المعركة وهم يقتتلون فقال: الآن حمى الوطيس.

(٢) قال الجزري: في الحديث: لا يسلع المؤمن من حجر مرتين وفي رواية لا يلدغ اللسع واللدغ سواء والجحر: ثقب الحية وهو استعارة هاهنا أي لا يدهى المؤمن من جهة واحدة مرتين فانه بالأولى يعتبر، قال الخطابي يروى بضم العين وكسرها، فالضم على وجه الخبر ومعناه ان المؤمن هو الكيس الحازم الذي لا يؤتى من جهة الغفلة فيخدع مرة بعد مرة وهو لا يفطن لذلك ولا يشعر به والمراد به الخداع في أمر الدين لا أمر الدنيا واما الكسر فعلى وجه النهى أي لا يخد عن المؤمن ولا يؤتين من ناحية الغفلة فيقع في مكروه أو شر وهو لا يشعر به وليكن فطنا حذرا وهذا التأويل يصلح ان يكون لأمر الدين والدنيا معا.

(٣) أي ابدأ بمن تمؤن وتلزمك نفقته من عيالك، فان فضل شيء فليكن للأجانب.

(٤) الحتف: الموت، ومات حتف أنفه أي بلا ضرب ولا قتل، وقيل إذا مات فجأة، وهذا الكلام ورد في ما روى عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله من قوله: من مات حتف أنفه في سبيل الله فقد

٢٠٩

بالمنطق* الناس كأسنان المشط سواء* أي داء أدوى من البخل* الحياء خير كله* اليمين الفاجرة تدع الديار من أهلها بلاقع(١) * أعجل الشر عقوبة، البغي* أسرع الخير ثوابا بالبر* المسلمون عند شروطهم* إنّ من الشعر الحكمة وإنّ من البيان لسحرا* إرحم مَن في الأرض يرحمك من في السماء* مَنْ قتل دون ماله فهو شهيد* العائد في هبته كالعائد في قيئه(٢) * لا يحل للمؤمن أن يهجر أخاه المؤمن فوق ثلاث* من لا يَرحم لا يُرحم* الندم توبة* الولد للفراش وللعاهر الحجر* الدّال على الخير كفاعله* حبك الشيء يُعمي ويُصم* لا يشكر الله من لا يشكر الناس* لا يؤوى الضّالة إلّا الضّال* اتقوا النار ولو بشقّ تمرة* الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف* مَطلُ الغنيّ ظلم(٣) * السفر قطعة من العذاب* الناس معادن كمعادن الذهب والفضة* صاحب المجلس أحقُّ بصدر مجلسه* احثوا في وجوه المدّاحين التراب* استنزلوا الرزق بالصدقة* ادفعوا البلاء بالدعاء* جبلت القلوب على حبّ من أحسن إليها وبغض من أساء إليها* ما نقص مالٌ من صدقة* لا صدقة وذو رحم محتاج* الصحة والفراغ نعمتان مكفورتان(٤) * عفو الملك عقال الملك* هبة الرجل لزوجته تزيد في عفتها* لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

__________________

( وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ ) قال أبو عبيد على ما حكي عنه هو أن يموت موتا على فراشه من غير قتل ولا غرق ولا سبع ولا غيره، وقال ابن الأثير: هو أن يموت على فراشه كأنه سقط لأنفه فمات. والحتف الهلاك، كانوا يتخيلون ان روح لمريض تخرج من انفه فان جرح خرجت من جراحته.

(١) البلقع: الأرض القفر التي لا شيء بها.

قال الطريحي (ره): في الحديث: اليمين الكاذبة تذر الديار بلاقع أي خالية وهو كناية عن خراجها وابادة أهلها يريد ان الحالف بها يفتقر ويذهب ما في بتيه من الرزق والمال سوى ما ذخر له من الإثم، وقيل: هو أن يفرق الله شمله ويغير عليه ما أولاه من نعمه.

(٢) كذا في الأصل ويوافقه المصدر وفي نسخة «في فيه».

(٣) المطل: التسويف والمدافعة بالعدة والدين وتطويل المدة التي يضربها للغريم.

(٤) أي غير مشكورتين.

٢١٠

٧٨ ـ وفيه وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام في وصية لابنه محمد بن الحنفية: يا بنى إياك والاتكال على الأماني فانها بضائع النوكي وتثبط عن الاخرة(١) يا بنى لا شرف أعلى من الإسلام، ولا كرم أعز من التقوى، ولا معقل أحرز من الورع، ولا شفيع أنجح من التوبة، ولا لباس أجمل من العافية، ولا وقاية أمنع من السلامة، ولا كنز أغنى من القنوع، ولا مال أذهب للفاقة من الرضا بالقوت، ومن اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة، وتبوأ خفض الدعة(٢) يا بنى الرزق رزقان: رزق تطلبه ورزق يطلبك، فان لم تأته أتاك، فلا تحمل هم سنتك عليهم يومك كفاك كل يوم ما هو فيه، فان تكن السنة من عمرك فان اللهعزوجل سيأتيك في كل غد بجديد ما قسم لك، وان لم تكن السنة من عمرك فما تصنع بغم وهم ما ليس لك، واعلم انه لن يسبقك إلى رزقك طالب، ولن يغلبك عليه غالب، ولن يحتجب عنك ما قدر لك، فكم رأيت من طالب متعب نفسه مقتر عليه رزقه(٣) ومقتصد في الطلب قد ساعدته المقادير، وكل مقرون به الفناء اليوم لك وأنت من بلوغ غد على غير يقين، ولرب مستقبل يوما ليس بمستدبره ومغبوط في أول ليلة قام في آخرها بواكيه. فلا يغرنكم من الله طول حلول النعم وإبطاء موارد النقم، فانه لو خشي الفوت عاجل بالعقوبة قبل الموت، يا بنى اقبل من الحكماء مواعظهم وتدبر أحكامهم، واعلم ان رأس العقل بعد الايمان باللهعزوجل مداراة الناس، ولا خير فيمن لا يعاشر بالمعروف من لا بد من معاشرته حتى يجعل الله إلى الخلاص منه سبيلا، فانى وجدت جميع ما يتعايش به الناس وبه يتعاشرون(٤) ملء مكيال، ثلثاه استحسان وثلثه تغافل، اعلم يا بنى انه لا بد لك من حسن الارتياد وبلاغك من الزاد مع خفة الظهر، فلا تحمل على ظهرك فوق طاقتك فيكون

__________________

(١) الأنكال: الاعتماد والأماني جمع الامنية: التمني، والنوكي بالفتح جمع الأنوك وهو الأحمق، والتثبيط: التعويق عن الاخرة قال الفيض (ره) في الوافي أي عن عملها وفي بعض النسخ تقنط عن الاخرة والاول أظهر.

(٢) خفض الدعة: سعة العيش.

(٣) قتر على عياله: ضيق عليهم في النفقة.

(٤) الارتياد بمعنى الطلب.

٢١١

عليك ثقلا في حشرك ونشرك في القيامة، فبئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد يا بنى البغي سائق إلى الحين(١) لن يهلك امرء عرف قدره من حصن شهوته صان قدره. قيمة كل امرء ما يحسن. الاعتبار يفيدك الرشاد. يا بنى إذا قويت فاقو على طاعة اللهعزوجل وان ضعفت فاضعف عن معصية اللهعزوجل .

قال مؤلف هذا الكتاب عفي عنه: وهذه الوصية الشريفة طويلة وفيها مناهل خير الدنيا والاخرة لروّاد العلم والعمل وأخذنا منها ما أخذنا تيمنا وتبركا.

قال عزّ من قائل:( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) .

٧٩ ـ في أمالي شيخ الطائفةقدس‌سره باسناده إلى أبي جعفر الباقرعليه‌السلام حديث طويل وفيه ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّعليه‌السلام قل ما أول نعمة أبلاك اللهعزوجل وأنعم عليك بها؟ قال: إنّ خلقني إلى أنْ قال: فما التاسعة؟ قال: إنّ سخر لي سماءه وأرضه وما فيهما وما بينهما من خلقه، قال: صدقت.

٨٠ ـ في أصول الكافي باسناده إلى أبي جعفر قال: كفي لاولى الألباب بخلق الرب المسخر وملك الرب القاهر إلى قوله: وما أنطق به السن العباد وما أرسل به الرسل وما انزل على العباد دليلا على الرب.

٨١ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى حماد بن أبي زياد الأزدي قال: سألت سيدي موسى بن جعفرعليهما‌السلام عن قول اللهعزوجل :( وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً ) فقالعليه‌السلام : النعمة الظاهرة الامام الظاهر والباطنة الامام الغائب.

٨٢ ـ في كتاب المناقب لابن شهر آشوب محمد بن مسلم عن الكاظمعليه‌السلام الظاهرة الامام الظاهر، والباطنة الامام الغائب.

٨٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن شريك عن جابر قال: قال رجل عند أبي جعفرعليه‌السلام :( وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً ) قال: اما النعمة الظاهرة فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وما جاء به من معرفة

__________________

(١) الحين بفتح الحاء ـ: الهلاك.

٢١٢

اللهعزوجل وتوحيده، واما النعمة الباطنة فولايتنا أهل البيت وعقد مودتنا فاعتقد والله قوم هذه النعمة الظاهرة والباطنة واعتقدها قوم ظاهرة ولم يعتقدوها باطنة، فأنزل الله:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ) ففرح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند نزولها انه لم يقبل الله تبارك وتعالى ايمانهم إلّا بعقد ولايتنا ومحبتنا.

٨٤ ـ في مجمع البيان( وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً ) وفي رواية الضحاك عن ابن عباس قال: سألت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا ابن عباس أما ما ظهر فالإسلام وما سوى الله من خلقك وما أفضل عليك من الرزق، واما ما بطن فستر مساوي عملك ولم يفضحك به، يا ابن عباس إنّ الله تعالى يقول: ثلاثة جعلتهن للمؤمن ولم يكن له: صلوة المؤمنين عليه بعد انقطاع عمله، وجعلت له ثلث ماله يكفر به عنه خطاياه، والثالثة سترت مساوي عمله ولم أفضحه بشيء منه ولو أبديتها عليه لنبذه أهله فمن سواهم.

٨٥ ـ في أمالي شيخ الطائفةقدس‌سره باسناده إلى أبي جعفرعليه‌السلام قال: حدّثني عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله الأنصاري قالوا: أتينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجده في رهط من أصحابه فيهم أبو بكر وأبو عبيدة وعمر وعثمان وعبد الرحمان ورجلان من قراء الصحابة إلى قوله حاكيا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وقد أوحى إلى ربي جل وتعالى أن أذكركم بالنعمة وأذكركم بما اقتص عليكم من كتابه واملى( وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ) الآية ثم قال لهم: قولوا الآن قولكم ما أول نعمة رغبكم الله وبلاكم بها؟ فخاض القوم جميعا فذكروا نعم الله التي أنعم عليهم وأحسن إليهم بها من المعاش والرياش والذرية والأزواج إلى ساير ما بلاهم اللهعزوجل من أنعمه الظاهرة، فلما أمسك القوم أقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على علىعليه‌السلام فقال: يا أبا الحسن قل فقد قال أصحابك، فقال: وكيف بالقول فداك أبي وأمي وانما هدانا الله بك؟ قال: ومع ذلك فهات قل ما أول نعمة أبلاك اللهعزوجل وأنعم عليك بها؟ قال: أنْ خلقني جل ثناؤه ولم أك شيئا مذكورا، قال: صدقت. فما الثانية؟ قال: أنْ أحسن بي إذ خلقني فجعلني حيا لا مواتا، قال: صدقت. فما الثالثة؟ قال: أنْ انشأنى فله الحمد في

٢١٣

أحسن صورة وأعدل تركيب، قال: صدقت. فما الرابعة؟ قال: أنْ جعلني متفكرا راعيا لابلها ساهيا، قال: صدقت فما الخامسة؟ قال أنْ جعل لي سرا عن ادراك(١) ما ابتغيت بها وجعل لي سراجا منيرا، قال: صدقت. فما السادسة؟ قال: أنْ هداني الله لدينه ولم يضلني عن سبيله، قال: صدقت. فما السابعة؟ قال: أنْ جعل لي مردا في حيوة لا انقطاع لها، قال: صدقت. فما الثامنة؟ قال: أنْ جعلني ملكا مالكا لا مملوكا، قال: صدقت. فما التاسعة؟ قال: أنْ سخر لي سماءه وأرضه وما فيهما وما بينهما من خلقه، قال: صدقت فما العاشرة؟ قال: أنْ جعلنا سبحانه ذكرانا قواما على حلائلنا لا إناثا قال: صدقت. فما بعدها؟ قال: كثرت نعم الله يا نبي الله فطابت( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها ) فتبسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال ليهنئك الحكمة ليهئنك العلم يا أبا الحسن فأنت وارث علمي والمبين لامتى ما اختلفت فيه من بعدي، من أحبك لدينك وأخذ بسبيلك فهو ممن هدى إلى صراط مستقيم، ومن رغب عن هواك وأبغضك وتخلاك(٢) لقى الله يوم القيامة لا خلاق له والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٨٦ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قولهعزوجل ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أنزل الله قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إلى عَذابِ السَّعِيرِ ) فهو النضر بن الحارث(٣) قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اتبع ما انزل إليك من

__________________

(١) كذا في النسخ ولا تخلو عن التصحيف وفي البحار (ج ١٥ ـ ج ٢ ـ ص ٢٩) «قال: أنْ جعل لي شواعر أدرك ما ابتغيت اه».

(٢) تخلاه ومنه وعنه: تركه.

(٣) النضر بن حارث بن علقمة بن كندة من شياطين قريش وأعداء رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وممن كان يؤذى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وينصب له العداوة وكان قد قدم الحيرة وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس وأحاديث رستم وإسفنديار، فكان إذا جلس رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) «جلسا فذكر فيه بالله وحذر قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة الله خلفه في مجلسه إذا قام، ثم قال: أنا والله ـ

٢١٤

ربك قال: بل اتبع ما وجدت عليه آبائي.

٨٧ ـ وقولهعزوجل :( وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إلى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى ) قال: بالولاية.

٨٨ ـ في كتاب التوحيد حدّثنا سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن هاشم ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ويعقوب بن يزيد جميعا عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن أبي جعفرعليه‌السلام حديث طويل يقول في آخره: وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كل مولود يولد على الفطرة يعنى على المعرفة بان اللهعزوجل خالقه، فذلك قولهعزوجل :( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) .

٨٩ ـ وباسناده إلى أبي هاشم الجعفري قال: سألت أبا جعفر الثانيعليه‌السلام ما معنى الواحد؟ قال: الذي اجتماع الألسن عليه بالتوحيد، كما قالعزوجل :( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) .

٩٠ ـ في أصول الكافي باسناده إلى أبي جعفرعليه‌السلام قال: انه لينزل في ليلة القدر إلى ولي الأمر تفسير الأمور سنة سنة يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا وكذا، وفي أمر الناس بكذا وكذا، وانه ليحدث لولى الأمر سوى ذلك كل يوم عليم اللهعزوجل الخاص والمكنون العجيب المخزون مثل ما ينزل في تلك الليلة من الأمر، ثم قرأ:( وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٩١ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) وذلك ان اليهود سألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الروح فقال:( الرُّوحُ مِنْ أمر رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ

__________________

يا معشر قريش أحسن حديثا منه فهلموا إلى، فانا أحدثكم أحسن من حديثه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم واسفنديار، وهو الذي قال( سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ ) كما ذكره المفسرون، وكان عاقبة أمره انه قتل ببدر وقد قتله أمير المؤمنين عليه‌السلام صبرا عند رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )كما ذكره ابن هشام في السيرة وغيره.

٢١٥

مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ) قالوا: نحن خاصة؟ قال: بل الناس عامة، قالوا: فكيف يجتمع هذا يا محمد؟ تزعم انك لم تؤت من العلم إلّا قليلا وقد أوتيت القرآن وأوتينا التوراة وقد قرأت:( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ ) وهي التوراة( فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ) فانزل الله تبارك وتعالى( وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ ) يقول: علم الله أكبر من ذلك وما أوتيتم كثير فيكم قليل عند الله.

٩٢ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي (ره) سأل يحيى بن أكثم أبا الحسن العالمعليه‌السلام عن قوله تعالى:( سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ ) ما هي؟ فقال: هي عين الكبريت وعين اليمن وعين البرهوت وعين الطبرية وجمة ما سيدان وحمة افريقية وعين بلعوران، ونحن الكلمات التي لا تدرك فضائلنا ولا تستقصى.

٩٣ ـ في مجمع البيان وقرأ جعفر بن محمدعليه‌السلام «والبحر مداده». ٩٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ ) بلغنا والله اعلم انهم قالوا: يا محمد خلقنا أطوارا نطفا ثم علقا ثم أنشأنا خلقا كما تزعم ونزعم انا نبعث في ساعة واحدة فقال الله:( ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ ) انما يقول له كن فيكون.

٩٥ ـ وقولهعزوجل :( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ ) يقول: ما ينقص من الليل يدخل في النهار، وما ينقص من النهار يدخل في الليل.

٩٦ ـ وقولهعزوجل :( الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) يقول: كل واحد منهما يجرى إلى منتهاه، لا يقصر عنه ولا يجاوزه.

٩٧ ـ وقولهعزوجل :( أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ ) بنعمة الله قال: السفن تجري في البحر بقدرة الله.

٩٨ ـ وقال علي بن إبراهيمرحمه‌الله في قولهعزوجل :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) قال: الذي يصبر على الفقر والفاقة، ويشكر اللهعزوجل على جميع أحواله.

٢١٦

٩٩ ـ في مجمع البيان( لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) وفي الحديث: الايمان نصفان نصف صبر ونصف شكر.

١٠٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقولهعزوجل : وإذا غشيهم موج كالظلل يعنى في البحر( دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) إلى قوله تعالى:( فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ) أي صالح( وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ) قال: الختار الخداع.

١٠١ ـ وقولهعزوجل :( يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ ) إلى قوله:( إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ ) قال: ذلك القيامة.

١٠٢ ـ في من لا يحضره الفقيه عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث طويل وفيه قال السائل: فأيّ الناس اثبت رأيا؟ قال: من لم يغره الناس من نفسه، ولم تغره الدنيا بتشويقها.

١٠٣ ـ في مجمع البيان وفي الحديث الكيس من حاسب نفسه وعمل لما بعد الموت، والفاجر من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله.

١٠٤ ـ في إرشاد المفيدرحمه‌الله من كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام لرجل سمعه يذم الدنيا من غير معرفة بما يجب أن يقول في معناها: الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها، مسجد أنبياء الله ومهبط وحيه، ومصلى ملائكته، ومتجر أوليائه اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة فمن ذا يذمها وقد آذنت ببينها، ونادت بفراقها، ونعت نفسها فشوقت بسرورها إلى السرور، وببلاءها إلى البلاء(١) تخويفا وتحذيرا وترغيبا، وترهيبا، فيا ايها الذام للدنيا والمغتر بتغريرها متى غرتك أبمصارع آبائك في البلى أم بمصارع(٢) أمهاتك تحت الثرى

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المصدر «وحذرت ببلائها البلاء» وفي النهج «فمثلت لهم ببلائها البلاء وشوقتهم بسرورها إلى السرور» قال الشارح المعتزلي فمثلت لهم ببلائها البلاء أي بلاء الاخرة وعذاب جهنم وشوقته بسرورها إلى السرور أي إلى سرور الاخرة ونعيم الجنة (ثم قال): وهذا الفصل كله لمدح الدنيا وهو ينبئ عن اقتداره عليه‌السلام على ما يريد من المعاني لان كلامه كله في ذم الدنيا وهو الآن يمدحها وهو صادق في ذاك وفي هذا.

(٢) كذا في النسخ لكن في المصدر والنهج «أم بمضاجع أمهاتك» وهو الظاهر المناسب لا سلوب الكلام من جهة الفصاحة، ولا يخلو النسخ عن التصحيف.

٢١٧

كم عللت بكفيك ومرضت بيديك تبتغي لهم الشفاء! وتستوصف لهم الأطباء، وتلتمس لهم الدواء، لم تنفعهم بطلبك ولم تشفعهم بشفاعتك، مثلت لهم الدنيا مصرعك(١) ومضجعك حيث لا ينفعك بكاءك، ولا يغني عنك أحباؤك.

١٠٥ ـ في أصول الكافي باسناده إلى محمد بن مسلم بن شهاب قال: سئل عليُّ بن الحسينعليهما‌السلام أي الأعمال أفضل عند اللهعزوجل ؟ فقال: ما من عمل بعد معرفة اللهعزوجل ومعرفة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل من بغض الدنيا، وان لذلك لشعبا كثيرة وللمعاصي شعبا، فأول ما عصى الله به الكبر وهي معصية إبليس حين( أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ ) ، والحرص وهي معصية آدم وحوا حين قال اللهعزوجل لهما:( فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ ) فأخذا ما لا حاجة بهما اليه، فدخل ذلك على ذريتهما إلى يوم القيامة، وذلك ان أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به اليه، ثم الحسد وهي معصية ابن آدم حين حسد أخاه فقتله فتشعب من ذلك حب النساء وحب الدنيا وحب الرياسة وحب الراحة وحب الكلام وحب العلو والثروة، فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهن في حب الدنيا، فقال الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك: حب الدنيا رأس كل خطيئة، والدنيا دنيائان: دنيا بلاغ ودنيا ملعونة.

١٠٦ ـ وباسناده إلى طلحة بن زيد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: مثل الدنيا كمثل ماء البحر، كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا.

١٠٧ ـ في بصائر الدرجات محمد بن عبد الحميد وأبو طالب جميعا عن حنان ابن سدير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إنّ لله علما عاما وعلما خاصا، فأما الخاص فالذي لم يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل، واما علمه العام فالذي اطلعت عليه الملائكة المقربون والأنبياء المرسلون، وقد وقع ذلك كله إلينا ثم قال: أو ما تقرأ:( عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ) .

١٠٨ ـ في كتاب الخصال عن أبي اسامة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال: الا

__________________

(١) وفي المصدر «قد مثلت لك الدنيا بهم مصرعك ...».

٢١٨

أخبركم بخمسة لم يطلع الله عليها أحدا من خلقه؟ قال: قلت: بلى، قال:( إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) .

١٠٩ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) قال الصادقعليه‌السلام : هذه الخمسة أشياء لم يطلع عليها ملك مقرب ولا نبي مرسل وهي من صفات اللهعزوجل .

١١٠ ـ في نهج البلاغة يومى به إلى وصف الأتراك: كأنى أراهم قوما كأن وجوههم المجان المطرقة(١) يلبسون السرق والديباج، ويعتقبون الخيل العتاق، ويكون هناك استحرار قتل حتى يمشى المجروح على المقتول، ويكون المفلت أقل من المأسور، فقال له بعض أصحابه: لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب فضحكعليه‌السلام وقال للرجل ـ وكان كلبيا ـ: يا أخا كلب ليس هو بعلم غيب، وانما هو تعلم من ذي علم، وانما علم الغيب علم الساعة وما عدده الله سبحانه بقوله:( إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ) الآية فيعلم سبحانه ما في الأرحام من ذكر أو أنثى وقبيح أو جميل وسخي أو بخيل، وشقي أو سعيد، ومن يكون للنار حطبا أو في الجنان للنبيين مرافقا، فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلّا الله، وما سوى ذلك فعلم علمه الله نبيه صلى الله عليه فعلمنيه، ودعا لي أن يعيه صدري ويضطم عليه جوارحي.

١١١ ـ فيمن لا يحضره الفقيه وقالعليه‌السلام في قولهعزوجل :( وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ) فقال: من قدم إلى قدم.

١١٢ ـ في أمالي الصدوقرحمه‌الله باسناده إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه لـمّا أراد المسير إلى النهروان أتاه منجم فقال له: يا أمير المؤمنين لا تسر في هذه الساعة وسر في ثلاث ساعات يمضين من النهار، فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : ولم ذاك؟ قال: لأنّك إنْ سرت في هذه الساعة أصابك وأصاب أصحابك أذى وضر شديد، وإنْ سرت في

__________________

(١) مر الحديث مع ما ذيلناه في صفحة ٩٥.

٢١٩

الساعة التي أمرتك ظفرت وظهرت وأصبت كلّما طلبت، فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : تدري ما في بطن هذه الدابّة أذكر أم أنثى؟ قال: إنْ حسبت علمت، قال له أمير المؤمنين: من صدّقك على هذا القول كذب بالقرآن( إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) ما كان محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله يدعى ما ادعيت، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١١٣ ـ في مجمع البيان جاء في الحديث أنّ مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهنّ إلّا الله، وقرء هذه الآية.

١١٤ ـ وروى عن أئمة الهدىعليهم‌السلام ان هذه الأشياء الخمسة لا يعلمها على التفصيل والتحقيق غيره تعالى.

١١٥ ـ في كتاب الخصال فيما علم أمير المؤمنينعليه‌السلام أصحابه من الاربعمأة باب: وبنا ينزل الغيث.

١١٦ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى إبراهيم بن أبي محمود عن الرضاعليه‌السلام حديث طويل وفيه: وبنا ينزل الغيث وينشر الرحمة.

١١٧ ـ وباسناده إلى سليمان بن مهران الأعمش عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه عليّ بن الحسينعليهم‌السلام قال: بنا ينزل الله الغيث وينشر الرحمة، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١١٨ ـ في الكافي عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن الحجال عن ابن بكير عن أبي منهال عن الحارث بن المغيرة قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: إنّ النطفة إذا وقعت في الرحم بعث اللهعزوجل ملكا فأخذ من التربة التي يدفن فيها، فماثها في النطفة(١) فلا يزال قلبه يحن إليها حتى يدفن فيها.

١١٩ ـ في أصول الكافي علي بن محمد عن سهل بن زياد عن محمد بن عبد الحميد عن الحسن بن الجهم قال: قلت للرضاعليه‌السلام : أمير المؤمنين قد عرف قاتله في الليلة التي يقتل فيها والموضع الذي يقتل فيه، وقوله لـمّا سمع صياح الإوز في الدار: صوائح

__________________

(١) مات الشيء في الماء: إذا به فيه.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652