تفسير نور الثقلين الجزء ٤

تفسير نور الثقلين9%

تفسير نور الثقلين مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 652

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 652 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 310364 / تحميل: 6538
الحجم الحجم الحجم
تفسير نور الثقلين

تفسير نور الثقلين الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

القضاء ، وبقضائه كان الإمضاء .

فالعلم متقدِّم المشيَّة والمشيَّة ثانية ، والإرادة ثالثة ، والتّقدير واقع على القضاء بالإمضاء ، فللّه تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء وفيما أراد لتقدير الأشياء ، فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء .

فالعلم بالمعلوم قبل كونه ، والمشيَّة في المنشأ قبل عينه ، والإرادة في المراد قبل قيامه ، والتّقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عياناً وقياماً ، والقضاء بالإمضاء هو المبرم من المفعولات ذوات الأجسام .

المدركات بالحواسِّ من ذي لون وريح ووزن وكيل وما دبَّ ودرج من إنس وجنٍّ وطير وسباع وغير ذلك ممّا يدرك بالحواسِّ ، فللّه تبارك وتعالى فيه البداء ممّا لا عين له ، فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء .

والله يفعل ما يشاء ، وبالعلم علم الأشياء قبل كونها ، وبالمشيَّة عرف صفاتها وحدودها وأنشأها قبل إظهارها وبالإرادة ميَّز أنفسها في ألوانها وصفاتها وحدودها ، وبالتَّقدير قدَّر أوقاتها وعرف أوَّلها وآخرها ، وبالقضاء أبان للنّاس أماكنها ودلَّهم عليها ، وبالإمضاء شرح عللها ، وأبان أمرها ، وذلك تقدير العزيز العليم (١) .

قالعليه‌السلام : إنَّ الله لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه ; وأنّى يُوصف الّذي تعجز الحواسُّ أن تدركه والأوهام أن تناله والخطرات أن تحدَّه والأبصار عن الإحاطة به .

نأى في قربه وقرب في نأيه ، كيَّف الكيف بغير أن يقال : كيف ، وأيَّن الأين بلا أن يقال : أين ، هو منقطع الكيفيَّة والأينيَّة ، الواحد الأحد ، جلَّ جلاله وتقدَّست أسماؤه (٢) .

ــــــــــــــ

(١) التوحيد : ٣٣٤ .

(٢) تحف العقول : ٣٥٧ .

٢٠١

٨ ـ رسالتهعليه‌السلام المعروفة في الردّ على أهل الجبر والتّفويض :( من عليّ بن محمّد ; سلام عليكم وعلى مَن اتّبع الهدى ورحمة الله وبركاته ; فإنّه ورد عليَّ كتابكم (١) وفهمت ما ذكرتم من اختلافكم في دينكم وخوضكم في القدر ومقالة مَن يقول منكم بالجبر ومَن يقول بالتفويض وتفرُّقكم في ذلك وتقاطعكم وما ظهر من العداوة بينكم ، ثمّ سألتموني عنه وبيانه لكم وفهمت ذلك كلَّه .

اعلموا رحمكم الله أنّا نظرنا في الآثار وكثرة ما جاءت به الأخبار فوجدناها عند جميع مَن ينتحل الإسلام ممّن يعقل عن الله جلَّ وعزَّ لا تخلو من معنيين : إمّا حقٌّ فيُتَّبع وإمّا باطل فيُجتنب .

وقد اجتمعت الأُمّة قاطبة لا اختلاف بينهم أنَّ القرآن حقٌّ لا ريب فيه عند جميع أهل الفرق ، وفي حال اجتماعهم مقرّون بتصديق الكتاب وتحقيقه ، مصيبون ، مهتدون وذلك بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا تجتمع أُمَّتي على ضلالة ) فأخبر أنَّ جميع ما اجتمعت عليه الأمة كلُّها حق ، هذا إذا لم يخالف بعضها بعضاً .

والقرآن حقٌّ لا اختلاف بينهم في تنزيله وتصديقه .

فإذا شهد القرآن بتصديق خبر وتحقيقه وأنكر الخبر طائفة من الأمة لزمهم الإقرار به ضرورة حين اجتمعت في الأصل على تصديق الكتاب ، فإن ( هي ) جحدت وأنكرت لزمها الخروج من الملَّة .

فأوَّل خبر يعرف تحقيقه من الكتاب وتصديقه والتماس شهادته عليه خبر ورد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووجد بموافقة الكتاب وتصديقه بحيث لا تخالفه أقاويلهم ; حيث قال : ( إنِّي مخلِّف فيكم الثَّقلين كتاب الله وعترتي ـ أهل بيتي ـ لن تضلّوا ما تمسَّكتم بهما وإنَّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض ) .

فلمّا وجدنا شواهد هذا الحديث في كتاب الله نصّاً مثل قوله جلَّ وعزَّ :( إنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ والّذينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ

ــــــــــــــ

(١) رواها الطبرسي بتلخيص في الاحتجاج تحت عنوان رسالتهعليه‌السلام إلى أهل الأهواز حين سألوه عن الجبر والتفويض ، راجع بحار الأنوار : ٥٠/٦٨ .

٢٠٢

الغالِبُونَ ) (١) .

وروت العامّة في ذلك أخباراً لأمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه تصدَّق بخاتمه وهو راكع فشكر الله ذلك له وأنزل الآية فيه .

فوجدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أتى بقوله :( مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه ) وبقوله :( أنت منِّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيَّ بعدي ) ووجدناه يقول :( عليّ يقضي ديني وينجز موعدي وهو خليفتي عليكم من بعدي ) .

فالخبر الأوَّل الَّذي استنبطت منه هذه الأخبار خبر صحيح مجمع عليه لا اختلاف فيه عندهم ، وهو أيضاً مُوافق للكتاب ; فلمّا شهد الكتاب بتصديق الخبر وهذه الشَّواهد الأُخر لزم على الأمة الإقرار بها ضرورةً ؛ إذ كانت هذه الأخبار شواهدها من القرآن ناطقة ووافقت القرآن والقرآن وافقها .

ثمَّ وردت حقائق الأخبار من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الصّادقينعليهما‌السلام ونقلها قوم ثقات معروفون فصار الاقتداء بهذه الأخبار فرضاً واجباً على كلِّ مؤمن ومؤمنة لا يتعدَّاه إلاّ أهل العناد .

وذلك أنَّ أقاويل آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متَّصلة بقول الله وذلك مثل قوله في محكم كتابه :( إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهيناً ) (٢) ووجدنا نظير هذه الآية قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن آذى عليّاً فقد آذاني ، ومَن آذاني فقد آذى الله ومَن آذى الله يوشك أن ينتقم منه ) وكذلك قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن أحبَّ عليّاً فقد أحبَّني ومَن أحبَّني فقد أحبَّ الله ) .

ومثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بني وليعة :( لأبعثنَّ إليهم رجلاً كنفسي يحبُّ الله ورسوله ويحبُّه الله ورسوله قم يا عليُّ فسر إليهم ) (٣) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم خيبر :( لأبعثنَّ إليهم غداً رجلاً يحبُّ الله ورسوله ويحبُّه الله ورسوله كرّاراً غير فرَّار لا يرجع حتّى يفتح الله عليه ) .

ــــــــــــــ

(١) المائدة (٥) : ٥٥ ـ ٥٦ .

(٢) الأحزاب (٣٣) : ٥٧ .

(٣) بنو وليعة ـ كسفينة ـ : حي من كِندة .

٢٠٣

فقضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالفتح قبل التَّوجيه فاستشرف لكلامه أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا كان من الغد دعا عليّاًعليه‌السلام فبعثه إليهم فاصطفاه بهذه المنقبة وسمّاه كرَّاراً غير فرَّار ، وسمّاه الله محبّاً لله ولرسوله ، فأخبر أنَّ الله ورسوله يحبّانه .

وإنّما قدَّمنا هذا الشَّرح والبيان دليلاً على ما أردنا وقوَّة لما نحن مبيِّنوه من أمر الجبر والتَّفويض والمنزلة بين المنزلتين وبالله العون والقوَّة وعليه نتوكَّل في جميع أُمورنا فإنّا نبدأ من ذلك بقول الصّادقعليه‌السلام :( لا جبر ولا تفويض ولكن منزلة بين المنزلتين وهي صحَّة الخلقة وتخلية السَّرب (١) والمهلة في الوقت والزَّاد مثل الرَّاحلة والسَّبب المهيِّج للفاعل على فعله ) ، فهذه خمسة أشياء جمع به الصّادقعليه‌السلام جوامع الفضل ، فإذا نقص العبد منها خلَّة كان العمل عنه مطروحاً بحسبه ، فأخبر الصّادقعليه‌السلام بأصل ما يجب على النّاس من طلب معرفته ونطق الكتاب بتصديقه فشهد بذلك محكمات آيات رسوله ؛ لأنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآلهعليهم‌السلام لا يعدون شيئاً من قوله وأقاويلهم حدود القرآن ، فإذا وردت حقائق الأخبار والتُمست شواهدها من التَّنزيل فوجد لها موافقاً وعليها دليلاً كان الاقتداءُ بها فرضاً لا يتعدّاه إلاّ أهل العناد كما ذكرنا في أوَّل الكتاب ، ولمّا التمسنا تحقيق ما قاله الصّادقعليه‌السلام من المنزلة بين المنزلتين وإنكاره الجبر والتفويض وجدنا الكتاب قد شهد له وصدَّق مقالته في هذا .

وخبرٌ عنه أيضاً موافق لهذا : أنَّ الصّادقعليه‌السلام سُئل هل أجبر الله العباد على المعاصي ؟ فقال الصّادقعليه‌السلام :هو أعدل من ذلك .

فقيل له : فهل فوَّض إليهم ؟ فقالعليه‌السلام :هو أعزُّ وأقهر لهم من ذلك .

وروي عنه أنَّه قال :النّاس في القدر على ثلاثة أوجه : رجل يزعم أنَّ الأمر مفوّض إليه فقد وهَّن الله في سلطانه فهو هالك .

ــــــــــــــ

(١) السرب ـ بالفتح ـ : الطريق والصدر ـ وبالكسر ـ أيضاً : الطريق والقلب ـ وبالتحريك ـ الماء السائل .

٢٠٤

ورجل يزعم أنَّ الله جلَّ وعزَّ أجبر العباد على المعاصي وكلَّفهم ما لا يطيقون فقد ظلم الله في حكمه فهو هالك .

ورجل يزعم أنَّ الله كلَّف العباد ما يطيقون ولم يكلّفهم ما لا يطيقون ، فإذا أحسن حمد الله وإذا أساء استغفر الله فهذا مسلم بالغ فأخبرعليه‌السلام أنَّ مَن تقلَّد الجبر والتفويض ودان بهما فهو على خلاف الحقِّ .

فقد شرحت الجبر الَّذي مَن دان به يلزمه الخطأ ، وأنَّ الّذي يتقلَّد التّفويض يلزمه الباطل ، فصارت المنزلة بين المنزلتين بينهما(١) .

ــــــــــــــ

(١) راجع تمام الرسالة في تحف العقول والاحتجاج ، وبحار الأنوار : ٥٠/٦٨ .

٢٠٥

٣ ـ من تراثه الفقهي

١ ـ عن خيران الخادم قال : كتبت إلى الرّجل ـ أيّ الإمام ـ صلوات الله عليه أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير أيصلّى فيه أم لا ؟ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : صلّ فيه فإنّ الله إنّما حرّم شربها وقال بعضهم : لا تصلّ فيه ، فكتبعليه‌السلام :لا تصلّ فيه فإنه رجسٌ (١) .

٢ ـ عن علي بن إبراهيم ، عن يحيى بن عبد الرَّحمن بن خاقان قال : رأيت أبا الحسن الثالثعليه‌السلام سجد سجدة الشكر فافترش ذراعيه فألصق جؤجؤه وبطنه بالأرض فسألته عن ذلك ؟ فقال :كذا نحبّ (٢) .

٣ ـ وعنه أيضاً ، عن عليّ بن راشد قال : قلت لأبي الحسنعليه‌السلام جُعلت فداك إنّك كتبت إلى محمد بن الفرج تعلمه أنّ أفضل ما تقرأه في الفرائض بإنّا أنزلناه وقل هو الله أحد ، وإنّ صدري ليضيق بقراءتهما في الفجر ، فقالعليه‌السلام :لا يضيقنَّ صدرك بهما فإنّ الفضل والله فيهما (٣) .

٤ ـ سأل داود بن أبي زيد أبا الحسن الثالثعليه‌السلام عن : القراطيس والكواغذ المكتوبة عليها هل يجوز عليها السجود ؟ فكتب : يجوز(٤) .

٥ ـ عن أيوب بن نوح قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالثعليه‌السلام أسأله عن المغمى عليه يوماً أو أكثر هل يقضي ما فاته أم لا ؟ فكتبعليه‌السلام :لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة (٥) .

ــــــــــــــ

(١) الكافي : ٣ / ٤٠٥ .

(٢) الكافي : ٣ / ٣٢٤ .

(٣) الكافي : ٣ / ٢٩٠ .

(٤) مَن لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٧٠ .

(٥) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٤٣ .

٢٠٦

٦ ـ عن أبي إسحاق بن عبد الله العلوي العريضي قال : وحك في صدري ما الأيام التي تُصام ؟ فقصدت مولانا أبا الحسن علي بن محمدعليهما‌السلام وهو بصربا .

ولم أبد ذلك لأحد من خلق الله فدخلت عليه فلما بصر بي قالعليه‌السلام :يا أبا إسحاق جئت تسألني عن الأيام التي يُصام فيهن وهي أربعة : أوّلهن يوم السابع والعشرين من رجب يوم بعث الله تعالى محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى خلقه رحمة للعالمين ، ويوم مولده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو السابع عشر من شهر ربيع الأول ، ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة فيه دُحيت الكعبة ، ويوم الغدير فيه أقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخاه عليه‌السلام علماً للناس وإماماً من بعده ، قلت : صدقت جُعلت فداك ، لذلك قصدت ، أشهد أنّك حجّة الله على خلقه(١) .

٧ ـ عن علي بن مهزيار قال : كتبت إليه : يا سيدي رجل دفع إليه مال يحجّ فيه ، هل عليه في ذلك المال حين يصير إليه الخمس أو على ما فضل في يده بعد الحج ؟ فكتبعليه‌السلام :ليس عليه الخمس (٢) .

٨ ـ عن أحمد بن حمزة قال : قلت لأبي الحسنعليه‌السلام : رجلٌ من مواليك له قرابة كلّهم يقول بك وله زكاة أيجوز له أن يعطيهم جميع زكاته ؟ قال : نعم (٣) .

٩ ـ عن أبي علي بن راشد قال : قلت لأبي الحسن الثالثعليه‌السلام : إنّا نؤتى بالشيء فيقال هذا كان لأبي جعفرعليه‌السلام عندنا ، فكيف نصنع ؟ فقال :ما كان لأبي عليه‌السلام بسبب الإمامة فهو لي وما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) .

ــــــــــــــ

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ٣٠٥ .

(٢) الكافي : ١ / ٥٤٧ .

(٣) الكافي : ٣ / ٥٥٢ .

(٤) مَن لا يحضره الفقيه : ٢ / ٤٢ .

٢٠٧

١٠ ـ عن إبراهيم بن محمد قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالثعليه‌السلام ، أسأله عمّا يجب في الضياع ، فكتب : الخمس بعد المؤونة ، قال : فناظرت أصحابنا فقالوا : المؤونة بعدما يأخذ السلطان ، وبعد مؤونة الرجل ، فكتبت إليه أنّك قلت : الخمس بعد المؤونة وإن أصحابنا اختلفوا في المؤونة ؟ فكتب :الخمس بعدما يأخذ السلطان وبعد مؤونة الرجل وعياله (١) .

١١ ـ كتب محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني إلى أبي الحسن علي بن محمد العسكريعليهما‌السلام في رجل دفع ابنه إلى رجل وسلّمه منه سنة بأجرة معلومة ليخيط له ، ثم جاء رجل آخر فقال له : سلّم ابنك منّي سنة بزيادة هل له الخيار في ذلك ؟ وهل يجوز له أن يفسخ ما وافق عليه الأوّل أم لا ؟ فكتبعليه‌السلام بخطّه :يجب عليه الوفاء للأوّل ما لم يعرض لابنه مرض أو ضعف (٢) .

١٢ ـ عن محمد بن عيسى ، عن إبراهيم الهمداني قال : كتبت إلى أبي الحسنعليه‌السلام وسألته عن امرأة آجرت ضيعتها عشر سنين على أن تعطى الأجرة في كل سنة عند انقضائها لا يقدم لها شيء من الأجرة ما لم يمض الوقت فماتت قبل ثلاث سنين أو بعدها هل يجب على ورثتها إنفاذ الإجارة إلى الوقت أم تكون الإجارة منتقضة بموت المرأة ؟ فكتبعليه‌السلام :إن كان لها وقت مسمّى لم يبلغ فماتت فلورثتها تلك الإجارة فإن لم تبلغ ذلك الوقت وبلغت ثلثه أو نصفه أو شيئاً منه فيعطى ورثتها بقدر ما بلغت من ذلك الوقت إن شاء الله (٣) .

١٣ ـ عن محمد بن رجاء الخياط قال : كتبت إلى الطيبعليه‌السلام إنّي كنت في المسجد الحرام فرأيت ديناراً فأهويت إليه لآخذه فإذا أنا بآخر ، ثمّ بحثت

ــــــــــــــ

(١) تفسير العياشي : ٢ / ٦٣ .

(٢) الكافي : ٤ / ٢٣٩ .

(٣) الكافي : ٥ / ٢٧٠ .

٢٠٨

الحصى فإذا أنا بثالث فأخذتها فعرَّفتها ولم يعرفها أحدٌ فما ترى في ذلك ؟ فكتبعليه‌السلام :إنّي قد فهمت ما ذكرت من أمر الدَّنانير فإن كنت محتاجاً فتصدّق بثلثها ، وإن كنت غنيّاً فتصدق بالكلِّ (١) .

١٤ ـ عن أحمد بن محمد قال : قال أبو الحسنعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلَّ :( وليطّوفوا بالبيت العتيق ) قال :طواف الفريضة طواف النساء (٢) .

١٥ ـ روى عليُّ بن مهزيار عن محمد بن إسماعيل قال : أمرت رجلاً أن يسأل أبا الحسنعليه‌السلام عن الرَّجل يأخذ من الرَّجل حجّة فلا تكفيه ، أله أن يأخذ من رجل آخر حجّة أُخرى فيتّسع بها فتجزي عنهما جميعاً أو يتركهما جميعاً أن لم تكفه إحداهما ؟ فذكر أنّه قال : أحبّ إليّ أن تكون خالصة لواحد فإن كانت لا تكفيه فلا يأخذها(٣) .

١٦ ـ عن القاسم بن محمد الزيات قال : قلت لأبي الحسنعليه‌السلام : إنّي ظاهرت من امرأتي فقال :كيف قلت ؟ قال : قلت : أنت عليَّ كظهر أُمّي إن فعلت كذا وكذا ، فقال :لا شيء عليك ولا تعد (٤) .

١٧ ـ عن الوشاء قال : كتبت إليه أسأله عن الفقّاع ، قال : فكتب :حرام وهو خمر ومَن شربه كان بمنزلة شارب الخمر ، قال : وقال أبو الحسن الأخيرعليه‌السلام :لو أنّ الدار داري لقتلت بايعه ولجلدت شاربه ، وقال أبو الحسن الأخيرعليه‌السلام :حدّه حدُّ شارب الخمر ، وقالعليه‌السلام :هي خميرة استصغرها الناس (٥) .

١٨ ـ كتب إبراهيم بن محمد الهمداني إليهعليه‌السلام : ميّت أوصى بأن يجري

ــــــــــــــ

(١) الكافي : ٤ / ٢٣٩ .

(٢) الكافي : ٤٠/٥١٢ .

(٣) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٤٤٤ .

(٤) الكافي : ٦ / ١٥٨ .

(٥) الكافي : ٦ / ٤٢٣ .

٢٠٩

على رجل ما بقي من ثلثه ولم يأمر بإنفاذ ثلثه ، هل للوصي أن يوقف ثلث الميّت بسبب الإجراء ؟ فكتبعليه‌السلام :ينفذ ثلثه ولا يوقف .

٢١ ـ عن أبي عليّ بن راشد قال : سألت أبا الحسنعليه‌السلام قلت : جُعلت فداك اشتريت أرضاً إلى جنب ضيعتي بألفي درهم فلمّا وفيت المال خبّرت أنّ الأرض وقف ؟ فقال :لا يجوز شراء الوقف ولا تدخل الغلّة في مالك ادفعها إلى مَن أوقفت عليه .

قلت لا أعرف لها ربّاً ؟ قال :تصدق بغلّتها (١) .

٤ ـ من أدعية الإمام الهاديعليه‌السلام

١ ـ دعاؤه عند الشدائد : وكان يدعو به إذا ألمّت به حادثة أو حلّ به خطب أو أراد قضاء حاجة مهمّة ، و كان قبل أن يدعو به يصوم يوم الأربعاء والخميس والجمعة ، ثم يغتسل في أوّل يوم الجمعة ويتصدق على مسكين ويصلّي أربع ركعات فيقرأ في الركعة الأولى سورة الفاتحة وسورة يس وفي الثانية سورة الحمد وحم الدخان ، وفي الثالثة سورة الحمد مع سورة الواقعة وفي الرابعة سورة الحمد وسورة تبارك ، وإذا فرغ منها بسط راحتيه إلى السماء ، ودعا بإخلاص قائلاً بعد البسملة(٢) :( اللّهمّ لك الحمد حمداً يكون أحقّ الحمد بك ، وأرضى الحمد لك ، وأوجب الحمد لك ، وأحب الحمد إليك ، ولك الحمد كما أنت أهله وكما رضيته لنفسك وكما حمدك مَن رضيت حمده من جميع خلقك ، ولك الحمد كما حمدك به جميع أنبيائك ورسلك وملائكتك ، وكما ينبغي لعِزّك وكبريائك وعظمتك ، ولك الحمد حمداً تكل الألسن عن

ــــــــــــــ

(١) الكافي : ٧ / ٣٧ .

(٢) الوسائل : ٥ / ٦٢ .

٢١٠

صفته ويقف القول عن منتهاه ، ولك الحمد حمداً لا يقصر عن رضاك ولا يفضله شيء من محامدك .

اللّهمّ ومن جودك وكرمك أنّك لا تخيب مَن طلب إليك وسألك ورغب فيما عندك ، وتبغض مَن لم يسألك ، وليس كذلك أحد غيرك ، وطمعي يا ربّ في رحمتك ومغفرتك ، وثقتي بإحسانك وفضلك حداني على دعائك والرغبة إليك ، وأنزل حاجتي بك ، وقد قدمت أمام مسألتي التوجّه بنبيّك الذي جاء بالحق والصدق فيما عندك ، ونورك وصراطك المستقيم الذي هديت به العباد ، وأحييت بنوره البلاد ، وخصصته بالكرامة ، وأكرمته بالشهادة وبعثته على حين فترة من الرسل .

اللّهمّ دللت عبادك على نفسك فقلت تباركت وتعاليت : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) (١) وقلت : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (٢) وقلت : ( وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ) (٣) أجل يا رب نعم المدعو أنت ونعم الرب أنت ونعم المجيب ، وقلت : ( قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ) (٤) ، وأنا أدعوك اللّهمّ بأسمائك التي إذا دُعيت بها أجبت ، وإذا سُئلت بها أعطيت ، وأدعوك متضرّعاً إليك مستكيناً ، دعاء مَن أسلمته الغفلة ، وأجهدته الحاجة ، أدعوك دعاء مَن استكان ، واعترف بذنبه ، ورجاك لعظيم مغفرتك ، وجزيل مثوبتك .

ــــــــــــــ

(١) البقرة (٢) : ١٨٦ .

(٢) الزمر (٣٩) : ٥٣ .

(٣) الصافات (٣٧) : ٧٥ .

(٤) الإسراء (١٧) : ١١٠ .

٢١١

٢ ـ دعاء الاعتصام ، وهذا نصّه : ( يا عدّتي عند العدد ، ويا رجائي والمعتمد ، ويا كهفي والسند ويا واحد يا أحد ، يا قل هو الله أحد ، أسألك بحق مَن خلقته من خلقك ، ولم تجعل في خلقك مثلهم أحد أن تصلّي عليهم ثمّ تذكر حاجتك ) (١) .

٣ ـ مناجاته : وكان الإمام الهاديعليه‌السلام يناجي الله تعالى في غلس الليل البهيم بقلب خاشع ، ونفس آمنة مطمئنّة .

وكان ممّا يقول في مناجاته :( إلهي مسيء قد ورد ، وفقير قد قصد ، فلا تخيّب مسعاه وارحمه واغفر له خطاه ) .

( إلهي صلِّ على محمّد وآل محمّد ، وارحمني إذا انقطع من الدنيا أثري ومُحي من المخلوقين ذكري ، وصرت من المنسيّين كمَن نسي ، إلهي كبُر سنّي ، ورقّ جلدي ، ودقّ عظمي ، ونال الدهر منّي واقترب أجلي ، ونفدت أيامي ، وذهبت شهواتي وبقيت تبعاتي ، إلهي ارحمني إذا تغيّرت صورتي ) (٢) .

٥ ـ من تراثه التربوي والأخلاقي

وأُثرت عن الإمام أبي الحسن الهاديعليه‌السلام مجموعة من الكلمات الذهبية التي عالج فيها مختلف القضايا التربوية والأخلاقية ، والنفسية ، وهذه بعضها :

١ ـ قالعليه‌السلام :( خير من الخير فاعله ، وأجمل من الجميل قائله ، وأرجح من العلم عامله ) .

ــــــــــــــ

(١) راجع حياة الإمام علي الهادي : ١٣١ ـ ١٣٦ .

(٢) حياة الإمام علي الهاديعليه‌السلام ، : ١٣٧ ، عن الدر النظيم .

٢١٢

٢ ـ قالعليه‌السلام :( مَن سأل فوق قدر حقّه فهو أولى بالحرمان ) .

٣ ـ قالعليه‌السلام :( صلاح من جهل الكرامة هوانه ) .

٤ ـ قالعليه‌السلام :( الحلم أن تملك نفسك ، وتكظم غيظك مع القدرة عليه ) .

٥ ـ قالعليه‌السلام :( الناس في الدنيا بالمال ، وفي الآخرة بالأعمال ) .

٦ ـ قالعليه‌السلام :( مَن رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه ) .

٧ ـ قالعليه‌السلام :( تريك المقادير ما لا يخطر ببالك ) .

٨ ـ قالعليه‌السلام :( شر الرزيّة سوء الخلق ) .

٩ ـ قالعليه‌السلام :( الغنى قلة تمنّيك ، والرضى بما يكفيك ، والفقر شره النفس وشدّة القنوط ، والمذلّة اتباع اليسير ، والنظر في الحقير ) .

١٠ ـ سُئل الإمامعليه‌السلام عن الحزم ؟ فقالعليه‌السلام :( هو أن تنظر فرصتك وتعاجل ما أمكنك ) .

١١ ـ قالعليه‌السلام :( راكب الحرون ـ وهو الفرس الذي لا ينقاد ـأسير نفسه ) .

١٢ ـ قالعليه‌السلام :( الجاهل أسير لسانه ) .

١٣ ـ قالعليه‌السلام :( المراء يفسد الصداقة القديمة ، ويحلل العقد الوثيقة وأقل ما فيه أن تكون المغالبة ، والمغالبة أسّ أسباب القطيعة ) .

١٤ ـ قالعليه‌السلام :( العتاب مفتاح التعالي ، والعتاب خير من الحقد ) .

١٥ ـ أثنى بعض أصحاب الإمام على الإمام ، وأكثر من تقريظه والثناء عليه ، فقالعليه‌السلام له :( إنّ كثرة الملق يهجم على الفطنة ، فإذا حللت من أخيك محل الثقة فاعدل عن الملق إلى حسن النيّة ) .

١٦ ـ قالعليه‌السلام :( المصيبة للصابر واحدة ، وللجازع اثنان ) .

١٧ ـ قالعليه‌السلام : ( الحسد ماحق الحسنات ، والزهو جالب المقت ) .

٢١٣

١٨ ـ قالعليه‌السلام :( العجب صارف عن طلب العلم ، وداع إلى الغمط (١) في الجهل ) .

١٩ ـ قالعليه‌السلام :( البخل أذمّ الأخلاق ، والطمع سجيّة سيّئة ) .

٢٠ ـ قالعليه‌السلام :( مخالطة الأشرار تدلّ على شرّ مَن يخالطهم ) .

٢١ ـ قالعليه‌السلام :( الكفر للنعم إمارة البطر ، وسبب للتغيير ) .

٢٢ ـ قالعليه‌السلام :( اللجاجة مسلبة للسلامة ، ومؤدّية للندامة ) .

٢٣ ـ قالعليه‌السلام :( الهزء فكاهة السفهاء وصناعة الجهّال ) .

٢٤ ـ قالعليه‌السلام :( العقوق يعقب القلّة ، ويؤدّي إلى الذلّة ) .

٢٥ ـ قالعليه‌السلام :( السهر ألذّ للمنام ، والجوع يزيد في طيب الطعام ) .

٢٦ ـ قالعليه‌السلام لبعض أصحابه :( اذكر مصرعك بين يدي أهلك حيث لا طبيب يمنعك ، ولا حبيب ينفعك ) .

٢٧ ـ قالعليه‌السلام :( اذكر حسرات التفريط بأخذ تقديم الحزم ) .

٢٨ ـ قالعليه‌السلام :( ما استراح ذو الحرص والحكمة ) .

٢٩ ـ قالعليه‌السلام :( لا نجع في الطبايع الفاسدة ) .

٣٠ ـ قالعليه‌السلام :( مَن لم يحسن أن يمنع لم يحسن أن يعطى ) .

٣١ ـ قالعليه‌السلام :( شرٌّ من الشرّ جالبه ، وأهول من الهول راكبه ) .

٣٢ ـ قالعليه‌السلام :( إيّاك والحسد فإنّه يبين فيك ، ولا يعمل في عدوك ) .

٣٣ ـ قالعليه‌السلام :( إذا كان زمان العدل فيه أغلب من الجور فحرام أن يظن بأحد سوءاً حتى يعلم ذلك منه ، وإذا كان زمان الجور أغلب فيه من العدل فليس لأحد أن يظن

ــــــــــــــ

(١) غمط الناس : احتقرهم وتكبّر عليهم .

٢١٤

بأحد خيراً ما لم يعلم ذلك منه ) .

٣٤ ـ قالعليه‌السلام للمتوكل :( لا تطلب الصفاء ممّن كدرت عليه ، ولا الوفاء ممّن غدرت به ، ولا النصح ممّن صرفت سوء ظنّك إليه ، فإنّما قلب غيرك لك كقلبك له ) .

٣٥ ـ قالعليه‌السلام :( ابقوا النعم بحسن مجاورتها ، والتمسوا الزيادة فيها بالشكر عليها ، واعلموا أنّ النفس أقبل شيء لما أُعطيت ، وأمنع شيء لما مُنعت فاحملوها على مطيّة لا تبطي ) .

٣٦ ـ قالعليه‌السلام :( الجهل والبخل أذمّ الأخلاق ) .

٣٧ ـ قالعليه‌السلام :( حسن الصورة جمال ظاهر ، وحسن العقل جمال باطن ) .

٣٨ ـ قالعليه‌السلام :( إنّ من الغرة بالله أن يصرّ العبد على المعصية ويتمنّى على الله المغفرة ) .

٣٩ ـ قالعليه‌السلام :( لو سلك الناس وادياً وسيعاً لسلكت وادي رجل عبد الله وحده خالص ) .

٤٠ ـ قالعليه‌السلام :( والغضب على مَن تملك لؤم ) (١) .

٤١ ـ قالعليه‌السلام :( إنّ لله بقاعاً يحبُّ أن يدعى فيها فيستجيب لمن دعاه والحير (٢) منه ) .

٤٢ ـ وقالعليه‌السلام يوماً :( إنَّ أكل البطّيخ يورث الجذام ) ، فقيل له : أليس قد أمن المؤمن إذا أتى عليه أربعون سنة من الجنون والجذام والبرص ؟ قالعليه‌السلام :( نعم ; ولكن إذا خالف المؤمن ما أُمر به ممّن آمنه لم يأمن أن تصيبه عقوبة الخلاف ) .

ــــــــــــــ

(١) راجع حياة الإمام علي الهادي عليه‌السلام : ١٥٦ ـ ١٦٥ .

(٢) الحير ـ بالفتح ـ : مخفّف حائر والمراد أنّ الحائر الحسينيعليه‌السلام من هذه البقاع .

٢١٥

٤٣ ـ وقالعليه‌السلام :( الشّاكر أسعد بالشُّكر منه بالنّعمة الّتي أوجبت الشُّكر ؛ لأنّ النِّعم متاع والشُّكر نعم وعقبى ) .

٤٤ ـ وقالعليه‌السلام :( إنَّ الله جعل الدُّنيا دار بلوى والآخرة دار عقبى وجعل بلوى الدُّنيا لثواب الآخرة سبباً وثواب الآخرة من بلوى الدُّنيا عوضاً ) .

٤٥ ـ وقالعليه‌السلام :( إنّ الظّالم الحالم يكاد أن يعفي على ظلمه بحلمه ، وإنّ المحقَّ السّفيه يكاد أن يطفئ نور حقِّه بسفهه ) .

٤٦ ـ وقالعليه‌السلام :( مَن جمع لك ودَّه ورأيه فاجمع له طاعتك ) .

٤٧ ـ وقالعليه‌السلام :( مَن هانت عليه نفسه فلا تأمن شرَّه ) .

٤٨ ـ وقالعليه‌السلام :( الدُّنيا سوق ، ربح فيها قوم وخسر آخرون ) (١) .

إلى هنا نختم الكلام عن التراث القيّم للإمام علي بن محمد الهاديعليه‌السلام تاركين التفصيل إلى مسنده ومصادر ترجمته .

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .

ــــــــــــــ

(١) راجع تحف العقول : ٣٦٢ طبعة النجف الأشرف .

٢١٦

الفهرست

الباب الأوّل : وفيه فصول : ١١

الفصل الأوّل : الإمام علي بن محمد الهادي عليه‌السلام في سطور ١١

الفصل الثاني : انطباعات عن شخصيّة الإمام علي بن محمد الهادي عليه‌السلام.... ١٣

الفصل الثالث : مظاهر من شخصيّة الإمام علي بن محمد الهادي عليه‌السلام.... ١٩

١ ـ الكرم : ١٩

٢ ـ الزهد : ٢١

٣ ـ العمل في المزرعة : ٢١

٤ ـ إرشاد الضالين : ٢٢

٥ ـ التحذير عن مجالسة الصوفيّين : ٢٢

٦ ـ تكريمه للعلماء : ٢٤

٧ ـ العبادة : ٢٥

٨ ـ استجابة دعائه : ٢٦

الباب الثاني : فيه فصول : ٢٩

الفصل الأوّل : نشأة الإمام علي بن محمد الهادي عليه‌السلام.... ٢٩

١ ـ نسبه الشريف.. ٢٩

٢ ـ ولادته ونشأته ٢٩

٣ ـ بشارة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بولادته ٣٠

٤ ـ كنيته وألقابه ٣٠

الفصل الثاني : مراحل حياة الإمام الهادي عليه‌السلام.... ٣١

الفصل الثالث : الإمام علي بن محمد الهادي في ظلّ أبيه الجواد عليهما‌السلام..... ٣٢

الشيعة وإمامة الجواد عليه‌السلام.... ٣٣

عصر الإمام الجواد ٣٤

الحالة السياسية ٣٧

الإمام الجواد عليه‌السلام والمأمون العباسي. ٤٠

٢١٧

زواج الإمام الجواد عليه‌السلام.... ٤٢

الإمام الجواد عليه‌السلام والمعتصم. ٤٤

نصوص الإمام الجواد عليه‌السلام على إمامة ولده الهادي عليه‌السلام.... ٤٥

استشهاد الإمام الجواد عليه‌السلام.... ٤٩

الباب الثالث : وفيه فصول : ٥٢

الفصل الأوّل : المسيرة الرسالية لأهل البيت عليهم‌السلام منذ عصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ٥٢

عقبات وأخطار أمام عملية التغيير الشاملة ٥٣

مضاعفات الانحراف بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم..... ٥٥

انهيار الدولة الإسلامية ومضاعفاته ٥٥

دور الأئمّة الراشدين. ٥٧

المهامّ الرساليّة للأئمّة الطاهرين. ٥٩

موقف أهل البيت عليهم‌السلام من انحراف الحكّام ٦٠

أهل البيت عليهم‌السلام وتربية الأُمّة ٦١

سلامة النظرية الإسلامية ٦١

مراحل الحركة الرسالية للائمّة الراشدين عليهم‌السلام.... ٦٢

موقع الإمام الهادي عليه‌السلام في عملية التغيير الشاملة ٦٤

الفصل الثاني : عصر الإمام علي بن محمّد الهادي عليه‌السلام.... ٦٥

المعتصم (٢١٨ ـ ٢٢٧ هـ) ٦٥

الإمام الهادي عليه‌السلام والمعتصم العباسي. ٦٦

الواثق (٢٢٧ ـ ٢٣٢ هـ) ٦٨

الإمام الهادي عليه‌السلام وبغا الكبير. ٦٩

الواثق ومحنة خلق القرآن. ٧١

موقف الإمام الهادي عليه‌السلام من مسألة خلق القرآن. ٧٣

إخبار الإمام الهادي عليه‌السلام بموت الواثق. ٧٣

المتوكّل (٢٣٢ ـ ٢٤٧ هـ) ٧٤

٢١٨

الإمام الهادي عليه‌السلام والمتوكّل العبّاسي. ٧٦

الإمام في طريقه إلى سامراء ٨٢

الإمام عليه‌السلام في سامراء ٨٥

تفتيش دار الإمام عليه‌السلام.... ٨٩

اعتقال الإمام الهادي عليه‌السلام.... ٩٣

محاولة اغتيال الإمام الهادي عليه‌السلام.... ٩٤

دعاء الإمام عليه‌السلام على المتوكّل. ٩٦

هلاك المتوكّل. ٩٧

المنتصر بالله (٢٤٧ ـ ٢٤٨ هـ) ٩٨

المنتصر والعلويين. ٩٨

المستعين (٢٤٨ ـ ٢٥٢ هـ) ٩٩

الثورات في عصره ٩٩

المعتز (٢٥٢ ـ ٢٥٥ هـ) ١٠٠

اضطهاد الشيعة : ١٠١

الفصل الثالث : ملامح عصر الإمام الهادي عليه‌السلام.... ١٠٣

١ ـ الحالة السياسية العامّة ١٠٣

٢ ـ الحالة الثقافية ١٠٧

٣ ـ الحالة الاقتصادية ١٠٧

٧ ـ انتفاضات العلويين. ١١١

إنّ عواطف المسلمين وقلوبهم قد اتّجهت نحو أبناء الرسول عليهم‌السلام.... ١١١

الباب الرابع : وفيه فصول : ١١٤

الفصل الأوّل : متطلّبات عصر الإمام الهادي عليه‌السلام.... ١١٤

الدلالة الأُولى : ١١٤

الدلالة الثانية : ١١٨

متطلّبات الساحة الإسلامية في عصر الإمام الهادي عليه‌السلام.... ١٢٣

٢١٩

١ ـ تجنّب إثارة الحكّام وعمّالهم. ١٢٣

٢ ـ الردّ على الإثارات الفكرية والشبهات الدينية ١٢٥

٣ ـ التحدّي العلمي للسلطة وعلمائها ١٢٦

٤ ـ توسيع دائرة النفوذ في جهاز السلطة ١٣٣

الفصل الثاني : الإمام الهادي عليه‌السلام وتكامل بناء الجماعة الصالحة وتحصينها ١٣٥

٢ ـ تحصين الجماعة الصالحة وإعدادها لمرحلة الغيبة ١٤٢

التحصين العقائدي. ١٤٣

الموقف من الغلاة والفرق المنحرفة ١٤٧

ظاهرة الزيارة ودورها في التحصين العقائدي. ١٤٨

أوّلاً : الزيارة الجامعة الكبيرة ١٤٨

٣ ـ الأُسس الفكريّة للتشيّع. ١٥٠

ثانياً ـ زيارة الغدير ١٥٦

التحصين العلمي. ١٥٩

التحصين التربوي. ١٦٠

التحصين الأمني. ١٦٣

نظام الوكلاء ١٦٦

وكلاء الإمام الهادي عليه‌السلام.... ١٦٨

التحصين الاقتصادي. ١٦٩

الفصل الثالث : الإمام الهادي عليه‌السلام في ذمّة الخلود ١٧١

تجهيزه وحضور الخاصّة والعامّة لتشييعه ١٧٣

انتشار خبر استشهاد الإمام الهادي عليه‌السلام في البلاد ١٧٦

تاريخ استشهاده عليه‌السلام.... ١٧٧

الفصل الرابع : مدرسة الإمام الهادي عليه‌السلام وتراثه ١٧٩

البحث الأوّل : أصحاب الإمام عليه‌السلام ورواة حديثه ١٨٠

١ ـ إبراهيم بن عبده النيسابوري : ١٨١

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

القول من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وانهم أمنوا على أنفسهم وعيالاتهم.

٢٤ ـ في روضة الكافي باسناده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث طويل وفي آخره يقول كان على أفضل الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واولى الناس بالناس حتى قالها ثلاثا.

٢٥ ـ في نهج البلاغة قالعليه‌السلام : فو الله انى لاولى الناس بالناس.

٢٦ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله عن عبد الله بن جعفر بن أبي ـ طالب حديث طويل وفيه قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: انا اولى بالمؤمنين من أنفسهم، من كنت اولى به من نفسه فأنت اولى به من نفسه، وعلى بين يديهعليهما‌السلام في البيت.

٢٧ ـ في الكافي محمد بن يحيى وغيره عن أحمد بن محمد عن الحسن بن الجهم عن حنان قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أي شيء للموالي؟ فقال: ليس لهم من الميراث إلّا ما قال اللهعزوجل ( إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً )

٢٨ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن ابن أبي الحمراء قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أي شيء للموالي من الميراث؟ فقال: ليس لهم شيء إلّا الترباء يعنى التراب.

قال عز من قائل:( وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً ) .

٢٩ ـ في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبان بن عثمان عن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كانت شريعة نوح صلى الله عليه أنْ يعبد الله بالتوحيد والإخلاص وخلع الأنداد، وهي الفطرة التي فطر الناس عليها، وأخذ الله ميثاقه على نوح وعلى النبيين صلى الله عليهم أجمعين أنْ يعبدوا الله تعالى ولا يشركوا به شيئا، وأمر بالصلوة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والحلال والحرام ولم يفرض عليه احكام حدود ولا فرائض مواريث، فهذه شريعته والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٣٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقولهعزوجل :( وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ

٢٤١

مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) قال: هذه الواو زيادة في قوله: «ومنك» وانما هو منك ومن نوح فأخذ اللهعزوجل الميثاق لنفسه على الأنبياء ثم أخذ لنبيه على الأنبياء والائمة صلوات الله عليهم ثم أخذ للأنبياء على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٣١ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله روى عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن عليعليهم‌السلام قال: إنّ يهوديا من يهود الشام وأحبارهم قال لأمير المؤمنينعليه‌السلام : فان هذا هود قد انتصر الله له من أعدائه بالريح فهل فعل لمحمد شيئا من هذا؟ قال له عليٌّعليه‌السلام : لقد كان ذلك كذلك ومحمدعليه‌السلام اعطى ما هو أفضل من هذا، إنّ الله عز ذكره انتصر له من أعدائه بالريح يوم الخندق إذا أرسل عليهم ريحا تذرو الحصا، وجنودا لم يروها فزاد الله تبارك وتعالى محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله على هود بثمانية آلاف ملك، وفضله على هود بأن ريح عاد سخط وريح محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله رحمة، قال الله تبارك وتعالى:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها ) .

٣٢ ـ في مجمع البيان وقال أبو سعيد الخدري: قلنا يوم الخندق يا رسول الله هل من شيء نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر؟ فقال: قولوا أللّهمّ استر عوراتنا وآمن روعاتنا؟ قال: فقلناها فضرب وجوه أعداء الله بالريح فهزموا.

٣٣ ـ في كتاب التوحيد حديث طويل عن عليٍّعليه‌السلام يقول فيه وقد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات: واما قوله:( إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ ) وقوله:( يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ) وقوله للمنافقين:( وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا ) فان قوله:( إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ ) يقول: إنّي ظننت انى ابعث فأحاسب وقوله للمنافقين( وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا ) فهذا الظن ظن شك وليس الظن ظن يقين، والظن ظنان، ظن شك وظن يقين، فما كان من أمر معاد من الظن فهو ظن يقين، وما كان من أمر الدنيا فهو ظن شك. فافهم ما فسرت لك.

٣٤ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله عن أمير المؤمنين حديث

٢٤٢

طويل يقول فيهعليه‌السلام : اما انه سيأتى على الناس زمان يكون الحق فيه مستورا والباطل ظاهرا مشهورا، وذلك إذا كان اولى الناس به أعدائهم له،( وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُ ) وعظم الإلحاد، وظهر الفساد( هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً ) ونحلهم الأخيار أسماء الأشرار، فيكون جهد المؤمن أن يحفظ مهجته من أقرب الناس اليه، ثم يفتح الله الفرج لأوليائه ويظهر صاحب الأمر على أعدائه.

٣٥ ـ في مجمع البيان:( يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ ) بل ـ رفيعة السمك حصينة عن الصادقعليه‌السلام .

٣٦ ـ في تفسير العياشي عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ ) فقال: النساء، انهم قالوا:( إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ ) وكان بيوتهم في أطراف البيوت حيث ينفرد الناس فأكذبهم قال:( وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً ) وهي رفيعة السمك حصينة.

٣٧ ـ في نهج البلاغة من كتاب لهعليه‌السلام إلى معاوية جوابا ثم ذكرت ما كان من أمري وامر عثمان ولك أنْ تجاب عن هذه لرحمك منه، فأينا كان أعدى له وأهدى إلى مقاتله، امن بذل له نصرته فاستنقذه واستكفه أم من استنصره فتراخى عنه وبث المنون إليه حتى أتى قدره عليه؟ كلا والله لقد علم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلّا قليلا.

٣٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم قولهعزوجل :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً* إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ) الآية فانها نزلت في قصة الأحزاب من قريش والعرب الذين تحزبوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: وذلك أنّ قريشا تجمعت في سنة خمس من الهجرة وساروا في العرب وجلبوا واستنفروهم لحرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فوافوا في عشرة آلاف ومعهم كنانة وسليم وفزارة، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين اجلى بنى النضير وهم بطن من اليهود من المدينة وكان رئيسهم حبى ابن أخطب وهم يهود من بنى هارون على نبينا وعليه‌السلام فلما اجلاهم من المدينة صاروا الى

٢٤٣

خيبر وخرج حيي بن أخطب إلى قريش بمكة وقال لهم: إنّ محمدا قد وتركم وترنا وأجلانا من المدينة من ديارنا وأموالنا وأجلا بنى عمنا بنى قينقاع فسيروا في الأرض واجمعوا حلفاءكم وغيرهم وسيروا إليهم فانه قد بقي من قومي بيثرب سبعمائة مقاتل وهم بنو قريظة، وبينهم وبين محمد عهد وميثاق وانا أحملهم على نقض العهد بينهم وبين محمد، ويكونوا معنا عليهم فتأتون أنتم من فوق وهم من أسفل، وكان موضع بنى قريظة من المدينة على قدر ميلين، وهو الموضع الذي يسمى بئر بنى المطلب، فلم يزل يسير معهم حيي بن أخطب في قبائل العرب حتى اجتمعوا قدر عشرة آلاف من قريش وكنانة والأقرع بن حابس في قومه، والعباس بن مرداس في بنى سليم فبلغ ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاستشار أصحابه وكانوا سبعمائة رجل فقال سلمان رضى الله عنه: يا رسول الله إنّ القليل لا يقاوم الكثير في المطاولة(١) ولا يمكنهم أنْ يأتونا من كل وجه، فانا كنا معاشر العجم في بلاد فارس إذا دهمنا دهم(٢) من عدونا نحفر الخنادق فيكون الحرب من مواضع معروفة، فنزل جبرئيلعليه‌السلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: أشار بصواب، فأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحفرة من ناحية أحد إلى راتج(٣) وجعل على كل عشرين خطوة وثلثين خطوة قوما من المهاجرين والأنصار يحفرونه فأمر فحملت المساحي والمعاول، وبدأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأخذ معولا فحفر في موضع المهاجرين بنفسه، وأمير المؤمنين صلوات الله عليه ينقل التراب من الحفرة حتى عرق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعيي وقال: لا عيش إلّا عيش الاخرة، أللّهمّ ارحم للأنصار والمهاجرين فلما نظر الناس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحفر اجتهدوا في الحفر ونقل التراب، فلما كان في اليوم الثاني بكروا إلى الحفر وقعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجد الفتح، فبينا المهاجرين والأنصار يحفرون إذ عرض لهم جبل لم تعمل المعاول فيه، فبعثوا جابر بن عبد الله الأنصار رضى الله عنه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعلمه بذلك، قال جابر: فجئت إلى المسجد

__________________

(١) المطاولة هنا بمعنى المقاتلة.

(٢) دهمه: غشيه، والدهم: الداهية.

(٣) اسم موضع.

٢٤٤

ورسول الله مستلقى على قفاه ورداءه تحت رأسه وقد شد على بطنه حجرا، فقلت: يا رسول الله انه قد عرض لنا جبل لم تعمل المعاول فيه، فقام مسرعا حتى جاءه ثم دعا بماء في إناء فغسل وجهه وذراعيه ومسح على رأسه ورجليه ثم شرب ومج في ذلك الماء ثم صبه على ذلك الحجر، ثم أخذ معولا فضرب ضربة فبرقت برقة فنظرنا فيها إلى قصور الشام، ثم ضرب اخرى فبرقت برقة نظرنا فيها إلى قصور المدائن، ثم ضرب اخرى فبرقت برقة اخرى فنظرنا فيها إلى قصور اليمن، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اما انه سيفتح الله عليكم هذه المواطن التي برقت فيها البرق ثم انهال علينا الجبل(١) كما ينهال علينا الرمل، فقال جابر: فعلمت أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مقو، أي جائع لما رأيت على بطنه الحجر، فقلت: يا رسول الله هل لك في الغذاء؟ قال: ما عندك يا جابر؟ فقلت عناق(٢) وصاع من شعير. فقال: تقدم وأصلح ما عندك، قال جابر: فجئت إلى أهلي فأمرتها فطحنت الشعير وذبحت العنز وسلختها وأمرتها أنْ تخبز وتطبخ وتشوى.

فلما فرغت من ذلك جئت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت: بأبى أنت وأمي يا رسول الله قد فرغنا فاحضر مع من أحببت. فقامصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى شفير الخندق ثم قال: يا معاشر المهاجرين والأنصار أجيبوا جابرا قال جابر: فكان في الخندق سبعمائة رجل، فخرجوا كلهم ثم لم يمر بأحد من المهاجرين والأنصار إلّا قال: أجيبوا جابرا قال جابر: فتقدمت وقلت لأهلي: قد والله أتاك محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما لا قبل به(٣) فقالت: أعلمته أنت بما عندنا؟ قال: نعم قالت: فهو أعلم بما أتى، قال جابر: فدخل رسول الله فنظر في القدر ثم قال: أغر في وأبقى، ثم نظر في التنور ثم قال: اخرجى

__________________

(١) يقال هال عليه التراب فانهال أي صبه فانصب.

(٢) لعناق كسحاب: الأنثى من أولاد المعز قبل استكمالها الحول.

(٣) لا قبل به أي لا طاقة به.

٢٤٥

وأبقى، ثم دعا بصحفة(١) فثرد فيها وغرف، فقال: يا جابر ادخل عشرة عشرة، فأدخلت عشرة فأكلوا حتى نهلوا(٢) وما يرى في القصعة إلّا آثار أصابعهم ثم قال: يا جابر على.

بالذراع فأتيته بالذراع فأكلوا وخرجوا ثم قال: ادخل على عشرة فأدخلتهم فأكلوا حتى نهلوا ولم ير في القصعة إلّا آثار أصابعهم، ثم قال: يا جابر على بالذراع فأكلوا وخرجوا ثم قال: ادخل على عشرة فأدخلتهم فأكلوا حتى نهلوا ولم ير في القصعة الا آثار أصابعهم، ثم قال: يا جابر على بالذراع فأتيته بالذراع فقلت: يا رسول الله كم للشاة من ذراع؟ قال: ذراعان قلت: والذي بعثك بالحق نبيا لقد أتيتك بثلاثة، فقال: لو سكت يا جابر لأكل الناس كلهم من الذراع، قال جابر: فأقبلت ادخل عشرة عشرة فيأكلون حتى أكلوا كلهم وبقي والله لنا من ذلك الطعام ما عشنا به أياما قال: وحفر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الخندق وجعل له ثمانية أبواب وجعل على كل باب رجلا من المهاجرين ورجلا من الأنصار مع جماعة يحفظونه، وقدمت قريش وكنانة وسليم وهلال فنزلوا الزغابة(٣) ففرغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من حفر الخندق قبل قدوم قريش بثلاثة أيام، وأقبلت قريش ومعهم حيي بن أخطب، فلما نزلوا العقيق(٤) جاء حيي بن أخطب إلى بنى قريظة في جوف الليل وكانوا في حصنهم قد تمسكوا بعهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فدق باب الحصن فسمع كعب بن أسد قرع الباب، فقال لأهله: هذا أخوك قد شأم قومه(٥) وجاء الآن يشأمنا ويهلكنا ويأمرنا بنقض العهد بيننا و

__________________

(١) الصحفة: قصعة كبيرة منبسطة تشبع الخمسة قال الكسائي: أعظم القصاع: الجفنة ثم القصعة تشبع العشرة ثم الصحفة تشبع الخمسة ثم المئكلة تشبع الرجلين والثلاثة ثم الصحيفة تشبع الرجل.

(٢) النهل: ما أكل من الطعام. والناهل بمعنى الريان والمراد هنا الشبع.

(٣) الزغابة ـ بالضم ـ: موضع بقرب المدينة.

(٤) العقيق: اسم عدة مواضع بلاد العرب منها عقيق المدينة وهو على ثلثة أميال أو ميلين منها.

(٥) شأمهم وعليهم أي صادر شوما عليه.

٢٤٦

بين محمد، وقد وفي لنا محمد وأحسن جوارنا، فنزل إليه من غرفته فقال له: من أنت؟ قال: حيي بن أخطب، قد جئتك بعز الدهر، فقال كعب: بل جئتني بذل الدهر، فقال: يا كعب هذه قريش في قادتها وسادتها قد نزلت بالعقيق مع حلفائهم من كنانة، وهذه فزارة مع قادتها وسادتها قد نزلت الزغابة، وهذه سليم وغيرهم قد نزلوا حصن بنى ذبيان، ولا يفلت محمد من هذا الجمع أبدا فافتح الباب وانقض العهد الذي بينك وبين محمد، فقال كعب: لست بفاتح لك الباب ارجع من حيث جئت، فقال حيي: ما يمنعك من فتح الباب إلّا جشيشتك(١) التي في التنور تخاف أنْ أشركك فيها فافتح فانك آمن من ذلك فقال له كعب: لعنك الله قد دخلت عليَّ من باب دقيق ثمّ قال: افتحوا له الباب، ففتح له فقال: ويلك يا كعب انقض العهد الذي بينك وبين محمّد ولا ترد رأيى فانّ محمّدا لا يفلت من هذه الجموع أبدا، فانْ فاتك هذا الوقت لا تدرك مثله أبدا.

قال: واجتمع كل من كان في الحصن من رؤساء اليهود مثل غزال بن شمول وياسر بن قيس ورفاعة بن زيد والزبير بن باطا فقال لهم كعب: ما ترون؟ قالوا: أنت سيدنا والمطاع فينا وصاحب عهدنا، فان نقضت نقضنا وان أقمت أقمنا معك، وان خرجت خرجنا معك، فقال الزبير بن باطا ـ وكان شيخا كبيرا مجريا وقد ذهب بصره ـ: قد قرأت التوراة التي أنزلها الله في سفرنا بأنه يبعث نبيا في آخر الزمان يكون مخرجه بمكة ومهاجرته إلى المدينة في هذه البحيرة(٢) يركب الحمار العرى ويلبس الشملة ويجتزى بالكسيرات والتميرات وهو الضحوك القتال، في عينيه الحمرة وبين كتفيه خاتم النبوة، يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى، يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر، فان كان هذا هو فلا يهولنه هؤلاء جمعهم ولو ناوته(٣)

__________________

(١) هذا هو الظاهر الموافق للمصدر والبحار ومن كتب العامة كالسيرة لابن هشام وفي الأصل «حسيسك» بالسين والجشيشة: طعام يصنع من الجشيش وهو البر يطحن غليظا.

(٢) قال الجزري: البحيرة: مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٣) المناواة: المعاداة.

٢٤٧

هذه الجبال الرواسي لغلبها، فقال حيي: ليس هذا وذاك ذاك النبي من بنى إسرائيل وهذا من العرب من ولد إسماعيل، ولا يكون بنو إسرائيل اتباعا لولد إسماعيل أبدا لان الله قد فضلهم على الناس جميعا، وجعل فيهم النبوة والملك، وقد عهد إلينا موسى( أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ ) ، وليس مع محمّد آية وانما جمعهم جمعا وسخرهم ويريد أنْ يغلبهم بذلك فلم يزل يقلبهم عن رأيهم حتى أجابوه فقال لهم: اخرجوا الكتاب الذي بينكم وبين محمد فأخرجوه فأخذه حيي بن أخطب ومزقه وقال: قد وقع الأمر فتجهزوا وتهيأوا للقتال وبلغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك فغمه غما شديدا، وفزع أصحابه فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لسعد بن معاذ وأسيد بن حصين وكانا من الأوس وكانت بنو قريظة حلفاء الأوس فانظرا ما صنعوا فان كانوا نقضوا العهد فلا تعلما أحدا إذا رجعتما إلى وقولا عضل والقارة(١) فجاء سعد بن معاذ وأسيد بن حصين إلى باب الحصن فأشرف عليهما كعب من الحصن فشتم سعدا وشتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فقال له سعد: انما أنت ثعلب في جحر لتولين قريش وليحاصرنك رسول الله ثم لينرلنك على الصغر والقماء(٢) وليضربن عنقك، ثم رجعا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: عضل والقارة(٣) فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لعنا نحن أمرناهم بذلك وذلك انه كان على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عيون لقريش يتجسسون أخباره(٤) وكانت

__________________

(١) عضل والقارة: قبيلتان من كنانة غدروا بأصحاب الرجيع خبيب وأصحابه، حيث طلبت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نفرا من المسلمين ليعلموهم فقالوا: يا رسول الله فينا إسلاما فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا في الدين فبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عشرة من أصحابه فيهم خبيب بن عدى سنة من المهاجرين وأربعة من الأنصار فخرجوا حتى إذا كانوا على الرجيع وهو ماء غدروا بهم وقتلوا منهم ستة أو ثمانية وأسروا خبيب إلى آخر ما ذكره المؤرخون وسيأتى من المصنف بيان في ذلك.

(٢) القماء: الذل والصفار.

(٣) أي غدروا كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع.

(٤) قوله «لعنا» قال المجلسي (ره) أي لعن العضل والقارة والمراد كل من غدر ثم قال:صلى‌الله‌عليه‌وآله على سبيل التورية. نحن امرناهم بذلك أي نحن أمرنا بنى قريظة أنْ يظهر والغدر للمصلحة ـ

٢٤٨

عضل والقارة قبيلتان من العرب دخلا في الإسلام ثم غدرا فكان إذا عدل أحد ضرب بهما المثل فيقال: عضل والقارة.

ورجع حيي بن أخطب إلى أبي سفيان وقريش فأخبرهم بنقض بنى قريظة العهد بينهم وبين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ففرحت قريش بذلك، فلما كان في جوف الليل جاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد كان أسلم قبل قدوم قريش بثلاثة أيام فقال: يا رسول الله قد آمنت بالله وصدقتك وكتمت إيماني عن الكفرة، فان أمرتنى أن آتيك بنفسي وأنصرك بنفسي فعلت، وان أمرتنى أنْ أخذل بين اليهود وبين قريش فانه أوقع عندي، قال: فتأذن لي أنْ أقول فيك ما أريد؟ قال: قل ما بدا لك، فجاء إلى أبي سفيان فقال له: أتعرف مودّتى لكم ونصحى ومحبّتي أنْ ينصركم الله على عدوكم، وقد بلغني أنّ محمّدا قد وافق اليهود أنْ يدخلوا بين عسكركم ويميلوا عليكم ووعدهم إذا فعلوا ذلك أن يرد عليهم جناحهم الذي قطعه بنى النضير وقينقاع، فلا أرى أنْ تدعوهم أن يدخلوا عسكركم حتى تأخذوا منهم رهنا تبعثوا به إلى مكّة فتأمنوا مكرهم وغدرهم، فقال أبو سفيان: وفقك الله وأحسن جزاك منك من أهدى النصائح، ولم يعلم أبو سفيان بإسلام نعيم ولا أحد من اليهود، ثم جاء من فوره ذلك إلى بنى قريظة فقال له: يا كعب تعلم مودتى لكم وقد بلغني أنّ أبا سفيان قال: نخرج بهؤلاء اليهود فنضعهم في نحر محمّد فان ظفروا كان الذكر لنادونهم، وان كانت علينا كانوا هؤلاء مقاديم الحرب فما ارى لكم أن تدعوهم يدخلوا عسكركم حتى تأخذوا منهم عشرة من أشرافهم يكونون في حصنكم، انهم إنْ لم يظفروا بمحمّد لم يبرحوا حتى يردوا عليكم عهدكم وعقدكم بين محمّد وبينكم، لأنه إنْ ولت قريش ولم تظفروا بمحمّد غزاكم محمّد فيقتلكم، فقالوا: أحسنت وأبلغت في النصيحة لا نخرج من حصننا حتى نأخذ منهم رهنا يكونون في حصننا.

__________________

وهم موافقون لنا في الباطن وانما قال ذلك لئلا يكون هنا لك عين من عيون قريش فيعلموا بالغدر فيصير سببا لجرأتهم.

٢٤٩

وأقبلت قريش فلما نظروا إلى الخندق قالوا: هذه مكيدة ما كانت العرب تعرفها قبل ذلك، فقيل لهم: هذا من تدبير الفارسي الذي معه، فوافى عمرو بن عبد ود وهبيرة بن وهب وضرار بن الخطاب إلى الخندق، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد صف أصحابه بين يديه فصاحوا بخيلهم حتى ظفروا الخندق(١) إلى جانب رسول الله فصاروا أصحاب رسول الله كلهم خلف رسول الله وقدموا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين أيديهم، وقال رجل من المهاجرين وهو فلان لرجل بجنبه من إخوانه: اما ترى هذا الشيطان عمروا لا والله ما يفلت من يديه أحد، فهلموا ندفع إليه محمدا ليقتله ونلحق نحن بقومنا، فأنزل اللهعزوجل : على نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك الوقت:( قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ) إلى قوله تعالى:( أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً ) وركز عمرو بن عبد ود رمحه في الأرض وأقبل يجول جولة ويرتجز ويقول :

ولقد بححت من النداء لجمعكم هل من مبارز

ووقفت إذ جبن الشجاع مواقف القرن المناجز(٢)

انى كذلك لم أزل متسرعا نحو الهزاهز

ان الشجاعة في الفتى والجود من خير الغرايز(٣)

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من لهذا الكلب؟ فلم يجبه أحد فوثب إليه أمير المؤمنين صلوات الله عليه فقال: أنا له يا رسول الله، فقال: يا عليُّ هذا عمرو بن عبد ود فارس يليل(٤)

__________________

(١) الطفرة ـ: الوثبة في ارتفاع.

(٢) بح بححا: اخذه بحة وخشونة وغلظ في صوته والمناجزة في الحرب: المبارزة والمقاتلة.

(٣) الهزاهز: البلايا والحروب والشدائد التي تهز أي تحرك الناس والغريزة الطبيعة.

(٤) يليل: واد قرب من بدر وقيل له فارس يليل لأنه أقبل في ركب من قريش حتى إذ هو ـ

٢٥٠

فقال: أنا عليُّ بن أبي طالب، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ادن منى فدنا منه فعممه بيده ودفع إليه سيفه ذا الفقار وقال له: اذهب وقاتل بهذا وقال: أللّهمّ احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته، فمر أمير المؤمنين صلوات الله عليه يهرول في مشيه وهو يقول :

لا تعجلن فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز

ذو نية وبصيرة والصدق منجى كل فائز

انى لأرجو أنْ أقيم عليك نائحة الجنائز

من ضربة نجلاء يبقى صيتها بعد الهزاهز(١)

فقال له عمرو: من أنت؟ قال: انا عليّ بن أبي طالب ابن عم رسول الله وختنه فقال: والله إنّ أباك كان لي صديقا ونديما وانى أكره أنْ أقتلك. ما آمن ابن عمّك حين بعثك إليَّ أنْ اختطفك برمحي هذا فاتركك شائلا(٢) بين السماء والأرض لا حي ولا ميت، فقال له أمير المؤمنين صلوات الله عليه: قد علم ابن عمّى انك إنْ قتلتني دخلت الجنة وأنت في النار، وان قتلتك فأنت في النار وأنا في الجنة. فقال عمروا: كلتاهما لك يا عليُّ، تلك إذا قسمة ضيزى فقال عليٌّ صلوات الله عليه: دع هذا يا عمرو انى سمعت منك وأنت متعلّق بأستار الكعبة تقول: لا يعرضنّ عليَّ أحد في الحرب ثلاث خصال إلّا أجبته إلى واحدة منها، وانا أعرض إليك ثلاث خصال فأجبنى إلى واحدة قال: هات يا عليُّ، قال: أحدها تشهد أنْ لا إله إلّا الله وانّ محمّدا رسول الله، قال: نح عنى هذا فاسأل الثانية، فقال: أنْ ترجع وترد هذا الجيش عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فانْ يك صادقا فأنتم أعلى به عينا وانْ يك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمره(٣) قال: إذا

__________________

ـ بيليل عرضت لهم بنو بكر في عدد فقال لأصحابه: امضوا فمضوا فقام في وجوه بنى بكر حتى منعهم من أنْ يصلوا إليه فعرف بذلك.

(١) طعنة نجلاء أي واسعة.

(٢) شائلا أي مرتفعا.

(٣) قولهعليه‌السلام أعلى به عينا أي أبصر به وأعلم بحاله. وذؤبان العرب، صعاليكها ولصوصها.

٢٥١

تتحدث نساء قريش وتنشد الشعراء في أشعارها انى جبنت ورجعت على عقبى من الحرب وخذلت قوما رأسونى عليهم؟ فقال له أمير المؤمنين: فالثالثة أنْ تنزل إلى قتالي فانك فارس وانا راجل حتى أنابذك(١) فوثب عن فرسه وعرقبه(٢) وقال: هذه خصلة ما ظننت أنّ أحدا من العرب يسومني عليها(٣) ثمّ بدأ فضرب أمير المؤمنين صلوات الله عليه بالسيف على رأسه فاتقاه أمير المؤمنين بالدَّرْقة(٤) فقطعها وثبت السيف على رأسه فقال له عليٌّ صلوات الله عليه: يا عمرو ما كفاك انى بارزتك وأنت فارس العرب حتى استعنت عليَّ بظهير؟ فالتفت عمرو إلى خلفه فضربه أمير المؤمنين صلوات الله عليه مسرعا إلى ساقيه فقطعهما جميعا وارتفعت بينهما عجاجة(٥) فقال المنافقون: قتل عليُّ بن أبي طالب، ثمّ انكشفت العجاجة ونظروا فاذا أمير المؤمنين صلوات الله عليه على صدره قد أخذ بلحيته يريد أن يذبحه ثمّ أخذ رأسه وأقبل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والدماء تسيل على رأسه من ضربة عمرو، وسيفه يقطر منه الدم وهو يقول والرأس بيده :

انا ابن عبد المطّلب(٦)

الموت خير للفتى من الهرب

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يا عليُّ ما كرته؟ قال: نعم يا رسول الله الحرب خديعة وبعث رسول الله الزبير إلى هبيرة بن وهب فضربه على رأسه ضربة فلق هامته وأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عمر بن الخطاب أن يبارز ضرار بن الخطاب، فلما برز إليه ضرار انتزع له عمر سهما فقال له ضرار: ويلك يا ابن صهاك أترميني في مبارزة والله لئن رميتني لا تركت عدويّا بمكة إلّا قتلته، فانهزم عند ذلك عمر، ومر نحو ضرار وضربه ضرار على رأسه

__________________

(١) المنابذة: المكاشفة والمقاتلة.

(٢) عرقبه أي قطع عرقوبه والعرقوب: عصب غليظ فوق العقب.

(٣) سام فلانا الأمر: كلفه إياه.

(٤) الدَّرقة ـ محركة ـ: التـّـرس من جلود ليس فيها خشب ولا عَقَب.

(٥) العجاج ـ كسحاب ـ: الغبار.

(٦) في المصدر «انا على وابن عبد المطلب».

٢٥٢

بالقناة ثم قال: احفظها يا عمر فانى آليت ألّا أقتل قرشيا ما قدرت عليه فكان عمر يحفظ له ذلك بعد ما ولّى وولّاه.

فبقي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحاربهم في الخندق خمسة عشر يوما، فقال أبو سفيان لحيي بن أخطب: ويلك يا يهودي أين قومك؟ فصار حيي بن أخطب إليهم فقال: ويلكم اخرجوا فقد نابذكم الحرب فلا أنتم مع محمّد ولا أنتم مع قريش؟ فقال كعب: لسنا خارجين حتى تعطينا قريش عشرة من أشرافهم رهنا يكونون في حصننا انهم ان لم يظفروا بمحمّد لم يبرحوا حتى يرد محمّد علينا خلاف عهدنا وعقدنا فانا لا نأمن أنْ تمر قريش ونبقى نحن في عقر دارنا ويغزونا محمّد فيقتل رجالنا ويسبى نسائنا وذرارينا، وان لم نخرج لعلّه يرد علينا عهدنا، فقال له حيي بن أخطب: تطمع في غير مطمع، قد نابذت العرب محمّدا الحرب فلا أنتم مع محمّد ولا أنتم مع قريش، فقال كعب: هذا من شؤمك انما أنت طائر تطير مع قريش غدا وتتركنا في عقر دارنا ويغزونا محمّد، فقال له: لك عهد الله عليّ وعهد موسى انه لم يظفر قريش بمحمّد انى أرجع معك إلى حصنك يصيبني ما يصيبك فقال كعب: هو الذي قد قلته لك إنْ أعطتنا قريش رهنا يكونون عندنا والا لم نخرج، فرجع حيي بن اخطب إلى قريش فأخبرهم فلما قال: يسألون الرهن قال أبو سفيان: هذا والله أول الغدر قد صدق نعيم بن مسعود لا حاجة في اخوان القردة والخنازير، فلما طال على أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الأمر واشتد عليهم الحصار وكانوا في وقت برد شديد وأصابتهم مجاعة وخافوا من اليهود خوفا شديدا، وتلكم المنافقون بما حكى اللهعزوجل عنهم ولم يبق أحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا نافق إلّا القليل، وقد كان رسول الله أخبر أصحابه أنّ العرب تتحزب عليَّ ويجيئونا من فوق وتغدر اليهود ونخافهم من أسفل وانه يصيبهم جهد شديد ولكن يكون العاقبة لي عليهم، فلما جاءت قريش وغدرت اليهود قال المنافقون:( ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ) وكان قوم لهم دور في أطراف المدينة فقالوا: يا رسول الله تأذن لنا أنْ نرجع إلى دورنا فانها في أطراف المدينة وهي عورة، ونخاف اليهود أنْ يغيروا عليها؟ وقال قوم: هلموا فنهرب ونصبر في البادية ونستجير بالاعراب، فانّ الذي

٢٥٣

يعدنا محمّد كان باطلا كلّه، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أصحابه أنْ يحرسوا المدينة بالليل وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه على العسكر كله بالليل يحرسهم، فان تحرك أحد من قريش نابذهم، وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يجوز الخندق ويصير إلى قرب قريش حيث يراهم فلا يزال الليل كله قائما وحده يصلّي فاذا أصبح رجع إلى مركزه، ومسجد أمير المؤمنين صلوات الله عليه هناك معروف يأتيه من يعرفه فيصلى فيه وهو من مسجد الفتح إلى العقيق أكثر من غلوة نشاب، فلما رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أصحابه الجزع لطول الحصار صعد إلى مسجد الفتح وهو الجبل الذي عليه مسجد الفتح اليوم.

فدعا اللهعزوجل وناجاه فيما وعده وكان مما دعاه أن قال: يا صريخ المكروبين ويا مجيب دعوة المضطرين ويا كاشف الكرب العظيم أنت مولاي ووليي وولى آبائي الأولين، اكشف عنا غمنا وهمنا وكربنا، واكشف عنا شر هؤلاء القوم بقوتك وحولك وقدرتك، فنزل عليه جبرئيلعليه‌السلام فقال: يا محمّد إنَّ اللهعزوجل قد سمع مقالتك وأجاب دعوتك وأمر الدبور وهي الريح مع الملائكة ان تهزم قريشا والأحزاب وبعث اللهعزوجل على قريش الدبور فانهزموا وقلعت أخبيتهم، ونزل جبرئيل فأخبره بذلك فنادى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حذيفة بن اليمان رضى الله عنه وكان قريبا منه فلم يجبه، ثم ناداه ثانيا فلم يجبه، ثم ناداه الثالثة فقال: لبيك يا رسول الله، قال: أدعوك فلا تجيبني؟! قال: يا رسول الله بأبى أنت وأمي من الخفوف والبرد والجوع فقال: ادخل في القوم وائتنا بأخبارهم ولا تحدثن حدثا حتى ترجع إليَّ فان الله قد أخبرنى انه قد أرسل الرياح على قريش وهزمهم، قال حذيفة: فمضيت وانا انتفض من البرد، فو الله ما كان إلّا بقدر ما جزت الخندق حتى كأنى في حمام فقصدت خباء عظيما فاذا نار تخبو وتوقد، وإذا خيمة فيها أبو سفيان قد دلا خصيتيه على النار وهو ينتفض من شدة البرد ويقول: يا معشر قريش ان كنا نقاتل أهل السماء بزعم محمّد فلا طاقة لنا بأهل السماء وان كنا نقاتل أهل الأرض فنقدر عليهم، ثم قال: لينظر كل رجل منكم إلى جليسه لا يكون لمحمد عين فيما بيننا قال حذيفة: فبادرت أنا فقلت للذي عن يميني: من أنت؟ فقال: أنا عمرو بن العاص، ثم قلت للذي عن يساري: من أنت؟ قال: انا معاوية، و

٢٥٤

انما بادرت إلى ذلك لئلا يسألني أحد من أنت، ثم ركب أبو سفيان راحلته وهي معقولة ولولا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لا تحدث حدثا حتى ترجع إليَّ لقدرت ان أقتله ثم قال أبو سفيان لخالد بن الوليد: يا أبا سليمان لا بد من ان أقيم أنا وأنت على ضعفاء الناس، ثم قال: ارتحلوا انا مرتحلون ففروا منهزمين، فلما أصبح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأصحابه: لا تبرحوا فلما طلعت الشمس دخلوا المدينة وبقي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في نفر يسير وكان أبو عرقد الكناني رمى سعد بن معاذ بسهم في الخندق فقطع أكحله فنزفه الدم(١) فقبض سعد على أكحله بيده ثم قال: أللّهمّ ان كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فابقنى لها فلا أحد أحب إلى محاربتهم من قوم حاربوا الله ورسوله، وان كانت الحرب قد وضعت أوزارها بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين قريش فاجعلها لي شهادة ولا تمتنى حتى تقر عيني من بنى قريظة، فأمسكت الدم وتورمت يده وضرب له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المسجد خيمة وكان يتعاهده بنفسه. فأنزل اللهعزوجل ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ) يعنى بنى قريظة حين غدروا وخافوهم أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ ) إلى قوله:( إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً ) وهم الذين قالوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تأذن لنا نرجع إلى منازلنا فانها في أطراف المدينة، ونخاف اليهود عليها. فانزل اللهعزوجل فيهم:( إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً ) إلى قوله تعالى( وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً ) ونزلت هذه الآية في الثاني لـمّا قال لعبد الرحمن بن عوف: هلم ندفع محمدا إلى قريش ونلحق نحن بقومنا.

٣٨ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث طويل وفيه:ولان الصبر على ولاة الأمر مفروض لقول اللهعزوجل لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) وإيجابه مثل ذلك على أوليائه وأهل طاعته بقوله:( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) .

__________________

(١) نزفه الدم أي سال كثيرا حتى أضعفه.

٢٥٥

٣٩ ـ وفيه أيضا عن أمير المؤمنينعليه‌السلام كلام طويل وفيه واما قولكم انى جعلت الحكم إلى غيري وقد كنت عندكم أحكم الناس فهذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد جعل الحكم إلى سعد يوم بنى قريظة وكان احكم الناس. وقد قال الله:( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) فتأسيت برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٤٠ ـ في مجمع البيان قال ثعلبة بن حاطب وكان رجلا من الأنصار للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ادع الله أن يرزقني مالا، فقال: يا ثعلبة قليل تؤدى شكره خير من كثير لا تطيقه أما لك في رسول الله أسوة حسنة، والذي نفسي بيده لو أردت ان تسير الجبال معى ذهبا وفضة لسارت.

٤١ ـ في أصول الكافي أحمد بن مهرانرحمه‌الله رفعه وأحمد بن إدريس ومحمد بن عبد الجبار الشيباني قال: حدّثني القاسم بن محمد الرازي قال: حدّثني علي بن محمد الهرمزاني عن أبي عبد الله الحسين بن عليّعليهما‌السلام قال: لـمّا قبضت فاطمةعليها‌السلام دفنها أمير المؤمنينعليه‌السلام سرا وعفي على موضع قبرها(١) ثم قال: فحول وجهه إلى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: السلام عليك يا رسول الله عنى والسلام عليك عن ابنتك والبائنة في الثرى ببقعتك، والمختار الله لها سرعة اللحاق(٢) بك قل يا رسول الله عن صفيتك صبري وعفي عن سيدة نساء العالمين تجلدي(٣) إلّا أنّ في التأسى لي بسنتك في فرقتك موضع تعزو والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٤٢ ـ في الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن النعمان عن سعيد الأعرج قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: نام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الصبح واللهعزوجل أنامه حتى طلعت الشمس عليه، وكان ذلك رحمة من ربك للناس، ألآ ترى لو أنّ رجلا نام حتى تطلع الشمس لعيّره الناس وقالوا: لا تتورّع لصلوتك فصارت أسوة وسنة، فان قال رجل لرجل: نمت عن الصلوة، قال: قد نام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فصارت أسوة

__________________

(١) العفو: المحو: وعفى على الأرض: غطاها بالنبات.

(٢) في الوافي: والمختار الله اضافة إلى الفاعل ومفعول سرعة اللحاق.

(٣) عفى عن الشيء: أمسك عنه. والتجلد: تكلف الجلد ـ بالتحريك ـ وهو القوة والشدة.

٢٥٦

ورحمة، رحم الله سبحانه بها هذه الامة.

٤٣ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن النعمان عن سعيد الأعرج قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: صلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم سلم في ركعتين فسأله من خلفه يا رسول الله أحدث في الصلوة شيء؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: انما صليت ركعتين قال: أكذلك يا ذا اليدين وكان يدعى ذا الشمالين، فقال: نعم فبنى على صلوته فأتم الصلوة أربعا وقال: إنّ الله هو أنساه رحمة للامة، ألآ ترى لو أنّ رجلا صنع هذا لعير وقيل: ما تقبل صلوتك، فمن دخل عليه اليوم ذاك قال: قد من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وصارت أسوة وسجد سجدتين لمكان الكلام.

٤٤ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا صلى العشاء الاخرة أمر بوضوئه وسواكه يوضع عند رأسه مخمرا(١) فيرقد ما شاء الله ثم يقوم فيستاك ويتوضأ ويصلى أربع ركعات، ثم يرقد ثم يقوم فيستاك ويتوضأ ويصلى أربع ركعات ثم يرقد، حتى إذا كان في وجه الصبح قام فأوتر ثم صلى الركعتين ثم قال:( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ )

٤٥ ـ في كتاب الخصال عن عتبة بن عمر الليثي عن أبي ذررحمه‌الله قال: دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في المسجد جالس إلى أنْ قال: قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليك بتلاوة كتاب الله، وذكر الله كثيرا، فانه ذكر لك في السماء، ونور لك في الأرض.

٤٦ ـ في تفسير علي بن إبراهيم ثم وصف اللهعزوجل المؤمنين أي المصدقين بما أخبرهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما يصيبهم في الخندق من الجهد فقال جل ذكره:( وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً ) يعنى ذلك الجهد والخوف وتسليما.

٤٧ ـ في الكافي حميد عن ابن سماعة عن عبد الله بن جبلة عن محمد بن مسعود الطائي عن عنبسة بن مصعب عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

__________________

(١) خمر الشيء: ستره.

٢٥٧

من استقبل جنازة أو رءاها فقال: الله أكبر( هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ ) وصدق الله أللّهمّ زدنا ايمانا وتسليما، الحمد لله الذي تعزز بالقدرة وقهر العباد بالموت لم يبق في السماء ملك إلّا بكى رحمة لصوته.

٤٨ ـ في روضة الكافي عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن سليمان عن أبيه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال لأبي بصير: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال:( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) انكم وفيتم بما أخذ الله عليه ميثاقكم من ولايتنا. وانكم لم تبدلوا بنا غيرنا، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٤٩ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمد الأشعري عن عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليُّ من أحبّك ثم مات فقد قضى نحبه، ومن أحبّك ولم يمت فهو ينتظر، وما طلعت شمس ولا غربت إلّا طلعت عليه برزق وايمان وفي نسخة نور.

٥٠ ـ في كتاب الخصال عن جابر الجعفي عن أبي جعفرعليه‌السلام عن أمير المؤمنين حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام : ولقد كنت عاهدت الله تعالى ورسوله انا وعمى حمزة وأخى جعفر وابن عمى عبيدة على أمر وفينا به لله تعالى ولرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله فتقدمني أصحابى وتخلفت بعدهم لما أراد الله تعالى فأنزل الله فينا( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) حمزة وجعفر وعبيدة وانا والله المنتظر يا أخا اليهود وما بدلت تبديلا.

٥١ ـ عن الأعمش عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام قال: هذه شرائع الدين إلى أنْ قالعليه‌السلام : والولاية للمؤمنين الذين لم يغيروا ولم يبدلوا بعد نبيهمعليه‌السلام وأحبته مثل سلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري والمقداد بن الأسود الكندي وعمار بن ياسر وجابر بن عبد الله الأنصاري وحذيفة بن اليمان وأبي الهيثم بن التيهان وسهل بن حنيف وأبي أيوب الأنصاري وعبد الله بن الصامت وعبادة بن الصامت وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين وأبي سعيد الخدري ومن نحى نحوهم وفعل مثل فعلهم، والولاية

٢٥٨

لاتباعهم والمقتدمين بهم وبهداهم واجبة.

٥٢ ـ في عيون الأخبار في باب ما كتبه الرضاعليه‌السلام للمأمون من محض الإسلام وشرائع الدين والولاية لأمير المؤمنينعليه‌السلام والذين مضوا على منهاج نبيهم، ولم يغيروا ولم يبدلوا مثل سلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري، وذكر نحو ما نقلنا عن الخصال بتغيير يسير.

٥٣ ـ في مجمع البيان وروى أبو القاسم الحسكاني عن عمرو بن ثابت عن أبي إسحاق عن عليٍّعليه‌السلام قال: فينا نزلت:( رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ ) فانا والله المنتظر ما بدلت تبديلا.

٥٤ ـ في كتاب سعد السعود لابن طاوسرحمه‌الله فصل فيما نذكره من مجلد قالب الثمن عتيق عليه مكتوب الاول من تفسير أبي جعفر بن محمد بن علي بن الحسين صلوات الله عليهما رواية أبي الجارود عنه وقال بعد هذا: فصل فيما نذكره من الجزء الثالث من تفسير الباقرعليه‌السلام من وجهة ثانية من ثانى سطر بلفظه واما قوله:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) يقول: كونوا مع عليّ بن أبي طالب وآل محمّد، قال الله:( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ ) وهو حمزة بن عبد المطلب( وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ) وهو عليّ بن أبي طالب يقول الله( وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) وقال الله:( اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) وهم هاهنا آل محمد.

٥٥ ـ في إرشاد المفيدرحمه‌الله في مقتل الحسينعليه‌السلام : إنَّ الحسين مشى إلى مسلم بن عوسجة لـمّا صرع فاذا به رمق فقال: رحمك الله يا مسلم( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) .

٥٦ ـ في كتاب مقتل الحسين لأبي مخنف ان الحسينعليه‌السلام لـمّا أخبر بقتل رسوله عبد الله بن يقطر تغرغرت عينه بالدموع(١) وفاضت على خديه ثم قال :

__________________

(١) أي ترددت فيها الدموع.

٢٥٩

( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) .

٥٧ ـ في كتاب المناقب لابن شهر آشوب ان أصحاب الحسينعليه‌السلام بكربلا كانوا كل من أراد الخروج ودع الحسينعليه‌السلام وقال: السلام عليك يا ابن رسول الله فيجيبه: وعليك السلام ونحن خلفك ويقرأ( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ) .

٥٨ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن نصير أبي الحكم الخثعمي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: المؤمن مؤمنان فمؤمن صدق بعهد الله جل وعز ووفي بشرطه، وذلك قول اللهعزوجل :( رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ ) وذلك الذي لا يصيبه أهوال الدنيا ولا أهوال الاخرة، وذلك ممن يشفع ولا يشفع له، ومؤمن كخامة الزرع(١) يعوج أحيانا ويقوم أحيانا، فذلك ممن يصيبه أهوال الدنيا وأهوال الاخرة وذلك ممن يشفع له ولا يشفع.

٥٩ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن عبد الله عن خالد القمى عن خضر بن عمرو عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: المؤمن مؤمنان: مؤمن وفي للهعزوجل بشروطه التي اشترطها عليه، فذلك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، فذلك ممن يشفع ولا يشفع له وذلك ممن لا يصيبه أهوال الدنيا ولا أهوال الاخرة، ومؤمن زلت به قدم، وذلك كخامة الزرع كيف ما كفته الريح انكفأ، وذلك ممن يصيبه أهوال الدنيا وأهوال الاخرة ويشفع له وهو على خير.

٦٠ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله عن الحسن بن عليعليه‌السلام حديث طويل يقول فيه لمعاوية: لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا سفيان في سبعة مواطن إلى قوله: والرابع يوم حنين جاء أبو سفيان بجمع من قريش وهوازن وجاء عيينة بغطفان واليهود فردهم اللهعزوجل ( بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً ) ، هذا قول اللهعزوجل الذي أنزله في سورتين في كلتيهما يسمى أبا سفيان وأصحابه كفارا، وأنت يا معاوية يومئذ

__________________

(١) الخامة من الزرع: أول ما ينبت على ساق، وقيل: الطاقة الغضة وقيل: الشجرة الغضة.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652