تفسير نور الثقلين الجزء ٤

تفسير نور الثقلين9%

تفسير نور الثقلين مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 652

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 652 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 310796 / تحميل: 6547
الحجم الحجم الحجم
تفسير نور الثقلين

تفسير نور الثقلين الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

الأموال الطائلة لبني أُمية لتقوية مركزهم السياسي والاجتماعي، وكان الإمام الحسينعليه‌السلام يشجب هذه السياسة، ويرى ضرورة إنقاذ الأموال من معاوية الذي يفتقد حكمه لأيّ أساس شرعي، ولا يقوم إلاّ على القمع والتزييف والإغراء. وقد اجتازت على يثرب أموال من اليمن مرسولةً إلى خزينة دمشق، فعمد الإمامعليه‌السلام إلى الاستيلاء عليها ووزّعها على المحتاجين، وكتب إلى معاوية: (من الحسين بن عليّ إلى معاوية بن أبي سفيان، أمّا بعد فإنّ عيراً مرّت بنا من اليمن تحمل مالاً وحُللاً وعنبراً وطيباً إليك لتودعها خزائن دمشق وتعلّ بها بعد النّهْل بني أبيك، وإنّي احتجتها اليها فأخذتها، والسلام)(1).

فأجاب معاوية: من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى الحسين بن عليّ، سلام عليك، أمّا بعد فإنّ كتابك ورد عليّ تذكر أنّ عيراً مرّت بك من اليمن تحمل مالاً وحُللاً وعنبراً وطيباً إليّ لأودعها خزائن دمشق واعُلّ بها بعد النهل بني أبي، وإنّك احتجت اليها فأخذتها، ولم تكن جديراً بأخذها إذ نسبتها إليّ لأنّ الوالي أحقّ بالمال ثم عليه المخرج منه، وأيم الله لو تركت ذلك حتى صار إليّ لم أبخسك حظك منه، ولكنّي قد ظننت يا ابن أخي أنّ في رأسك نزوةً وبودّي أن يكون ذلك في زماني، فأعرف لك قدرك وأتجاوز عن ذلك، ولكنّي والله أتخوّف أن تبتلى بمن لا ينظرك فواق ناقة(2) .

إنّ الإمام الحسينعليه‌السلام دلّل بعمله على أن ليس من حقّ الخليفة غير الشرعي أن يتصرّف في أموال المسلمين، وأنّ ذلك من حقوق الحاكم الشرعي، والحاكم الشرعي هو الإمام الحسينعليه‌السلام نفسه الذي ينفق أموال بيت المال

____________________

(1) نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4 / 327، الطبعة الأولى، وناسخ التواريخ: 1 / 195.

(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4 / 327، وناسخ التواريخ: 1 / 195.

١٢١

وفق المعايير الإسلامية. وقد أكّدعليه‌السلام في رسالته على أنّه لا يعترف رسمياً بخلافة معاوية; إذ لم يصفه بأمير المؤمنين كما كان يصفه الآخرون. ومن هنا حاول معاوية الالتفاف على موقف الإمامعليه‌السلام فوصف نفسه في رسالته الجوابية بأمير المؤمنين ووالي المسلمين ولكنّه فشل في محاولته تلك، فقد بات موقف الإمام الحسينعليه‌السلام معياراً إسلامياً وملاكاً فارقاً وفاصلاً بين الصواب والخطأ للمسلمين جميعاً على مدى التأريخ، في حين لم يعر المسلمون لموقف معاوية أيّ اهتمام ولم يعتبروه سوى أنّه تشويه للحقيقة وتضليل للرأي العام.

لقد كان موقف الإمامعليه‌السلام هذا إشارة واضحة للاعتراض على تصرّفات وحكم معاوية والمطالبة بسيادة الحقّ والعدل الإلهي.

تذكير الأمة بمسؤوليّتها:

عقد الإمامعليه‌السلام في مكة مؤتمراً سياسيّاً عامّاً دعا فيه جمهوراً غفيراً ممّن شهد موسم الحجّ من المهاجرين والأنصار والتابعين وغيرهم من سائر المسلمين، فانبرىعليه‌السلام خطيباً فيهم، وتحدّث عمّا ألمّ بعترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وشيعتهم من المحن والإحن التي صبّها عليهم معاوية، وما اتّخذه من الإجراءات المشدّدة في إخفاء فضائلهم، وستر ما اُثر عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّهم، وألزم الحاضرين بإذاعة ذلك بين المسلمين، وفيما يلي ما رواه سليم بن قيس عن هذا المؤتمر ونصّ خطاب الإمامعليه‌السلام حيث قال: ولمّا كان قبل موت معاوية بسنة حجّ الحسين بن عليّ وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر، فجمع الحسين بني هاشم ونساءهم ومواليهم ومن حجّ من الأنصار ممّن

١٢٢

يعرفهم الحسين وأهل بيته، ثم أرسل رسلاً وقال لهم: لا تدعوا أحداً حجّ العام من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المعروفين بالصلاح والنسك إلاّ اجمعوهم لي، فاجتمع إليه بمنى أكثر من سبعمائة رجل وهم في سرادق، عامّتهم من التابعين، ونحو من مائتي رجل من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقام فيهم خطيباً فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (أمّا بعد، فإنّ هذا الطاغية - يعني معاوية - قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم، وإنّي اُريد أن أسألكم عن شيء فإن صدقت فصدّقوني، وإن كذبتُ فكذّبوني، اسمعوا مقالتي واكتموا قولي، ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم فمن أمنتم من الناس، ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون، فإنّي أخاف أن يندرس هذا الحقّ ويذهب،( وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) ).

قال الراوي: فما ترك الحسين شيئاً ممّا أنزل الله فيهم إلاّ تلاه وفسّره، ولا شيئاً ممّا قاله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أبيه وأخيه وأمه وفي نفسه وأهل بيته إلاّ رواه، وفي كلّ ذلك يقول أصحابه: اللّهمّ نعم قد سمعنا وشهدنا، وممّا اشدهمعليه‌السلام أن قال:

(اُنشدكم الله، أتعلمون أنّ عليّ بن أبي طالب كان أخا رسول الله حين آخى بين أصحابه فآخى بينه وبين نفسه، وقال: أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال: اُنشدكم هل تعلمون أنّ رسول الله اشترى موضع مسجده ومنازله فابتناه ثم ابتنى فيه عشرة منازل تسعة له، وجعل عاشرها في وسطها لأبي، ثم سدّ كلّ باب شارع إلى المسجد غير بابه؟ فتكلّم في ذلك من تكلّم، فقال: ما أنا سددتُ أبوابكم وفتحت بابه، ولكنّ الله أمرني بسدّ أبوابكم وفتح بابه، ثم نهى الناس أن يناموا في المسجد غيره، وكان بجنب في المسجد ومنزله في منزل رسول الله، فولد لرسول الله وله فيه أولاد، قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: أفتعلمون أنّ عمر بن الخطاب حرص على كوة قدر عينه يدعها في منزله إلى المسجد فأبى

١٢٣

عليه، ثم خطب فقال: إنّ الله أمرني أن أبني مسجداً طاهراً لا يسكنه غيري وغير أخي وبنيه؟ قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: اُنشدكم الله أتعلمون أنّ رسول الله قال في غزوة تبوك: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، وأنت وليّ كلّ مؤمن بعدي؟ قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: اُنشدكم الله أتعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين دعا النصارى من أهل نجران إلى المباهلة لم يأت إلاّ به وبصاحبته وابنيه؟ قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: اُنشدكم الله أتعلمون أنّ رسول الله دفع إليه اللواء يوم خيبر، ثم قال: لأدفعه إلى رجل يحبّه الله ورسوله ويحبّ الله ورسوله كرّار غير فرّار، يفتحها الله على يديه؟ قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: أتعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعثه ببراءة وقال: لا يبلّغ عنّي إلاّ أنا أو رجل منّي؟ قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: أتعلمون أنّ رسول الله لم تنزلْ به شدّة قطّ إلاّ قدّمه لها ثقةً به وأنّه لم يدعه باسمه قطّ، إلاّ يقول يا أخي؟ قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: أتعلمون أنّ رسول الله قضى بينه وبين جعفر وزيد فقال: يا عليّ أنت منّي وأنا منك وأنت وليّ كلّ مؤمن بعدي؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أتعلمون أنّه كانت له من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلّ يوم خلوة، وكلّ ليلة دخلة، إذا سأله أعطاه، وإذا سكت أبداه؟ قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: أتعلمون أنّ رسول الله فضّله على جعفر وحمزة حين قال لفاطمةعليها‌السلام : زوّجتك خير أهل بيتي أقدمهم سلماً وأعظمهم حلماً وأكثرهم علماً؟ قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: أتعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أنا سيّد ولد آدم، وأخي عليّ سيّد العرب، وفاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة؟ والحسن والحسين ابناي سيّدا شباب أهل الجنة، قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: أتعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمره بغسله، وأخبره أنّ جبرئيل يعينه عليه؟ قالوا: اللّهمّ نعم.

قال:

١٢٤

أتعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في آخر خطبة خطبها:أ يّها النّاس! إنّي تركتُ فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي فتمسّكوا بهما لن تضلّوا؟ قالوا: اللّهمّ نعم.

فلم يدعصلى‌الله‌عليه‌وآله شيئاً أنزله الله في عليّ بن أبي طالب خاصة وفي أهل بيته من القرآن ولا على لسان نبيّه إلاّ ناشدهم فيه فيقول الصحابة: اللّهمّ نعم قد سمعناه، ويقول التابعي: اللّهم قد حدّثنيه من أثق به فلان وفلان.

ثم ناشدهم أنّهم قد سمعوه يقول: من زعم أنّه يحبّني ويبغض عليّاً فقد كذب، ليس يحبّني وهو يبغض عليّاً، فقال له قائل: يا رسول الله وكيف ذلك؟ قال: لأنّه منّي وأنا منه، من أحبّه فقد أحبّني ومَن أحبّني فقد أحبّ الله، ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله؟ فقالوا: اللّهمّ نعم، قد سمعناه، وتفرّقوا على ذلك(1) .

موت معاوية:

لقد كان موت معاوية بن أبي سفيان في سنة ستّين من الهجرة(2) .

واستقبل معاوية الموت غير مطمئن، فكان يتوجّع ويظهر الجزع على ما اقترفه من الإسراف في سفك دماء المسلمين ونهب أموالهم، وقد وافاه الأجل في دمشق محروماً عن رؤية ولده الذي اغتصب له الخلافة وحمله على رقاب المسلمين، وكان يزيد فيما يقول المؤرّخون مشغولاً عن أبيه - في أثناء وفاته - برحلات الصيد وغارقاً في عربدات السكر ونغمة العيدان(3) .

____________________

(1) كتاب سُليم بن قيس: 323، تحقيق محمد باقر الأنصاري.

(2) سيرة الأئمّة الاثني عشر: 2 / 54.

(3) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام : 2 / 239 - 240.

١٢٥

البحث الثاني: حكومة يزيد ونهضة الإمام الحسينعليه‌السلام .

بدايات النهضة:

ذكرنا أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام وبالرغم من معارضته الشديدة لحكم معاوية بن أبي سفيان - والتي نقلنا صوراً عديدةً منها - رفض التحرّك لخلع معاوية; التزاماً منه بالعهد الذي وقّعه أخوه الإمام الحسنعليه‌السلام مع معاوية.

وقد سجّل المؤرّخون هذا الموقف المبدئي للإمام الحسينعليه‌السلام فقالوا:

لمّا مات الحسنعليه‌السلام تحرّكت الشيعة بالعراق، وكتبوا إلى الحسينعليه‌السلام في خلع معاوية والبيعة له فامتنع عليهم، وذكر أنّ بينه وبين معاوية عهداً وعقداً لا يجوز له نقضه حتى تمضي المدّة، فإذا مات معاوية نظر في ذلك(1) .

من هنا كان معلوماً لشيعته وللجهاز الحاكم أيضاً أنّ موت معاوية يعني بالنسبة للإمام الحسينعليه‌السلام أنه في حلّ من أيّ التزام، ومن ثم فإنّه سيطلق ثورته على نظام الحكم الغاشم الذي استلمه يزيد الفاسق، لذلك كان الإمام الحسينعليه‌السلام يمثّل الهاجس الأكبر للطغمة الحاكمة.

رسالة يزيد إلى حاكم المدينة:

قال المؤرّخون: إنّ يزيد كتب فور موت أبيه إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان - وكان والياً على المدينة من قِبَل معاوية - أن يأخذ على الحسينعليه‌السلام بالبيعة له ولا يرخّص له في التأخّر عن ذلك(2) . وذكرت مصادر

____________________

(1) الإرشاد: 2 / 32.

(2) المصدر السابق.

١٢٦

تأريخية أخرى أنّه جاء في الرسالة: إذا أتاك كتابي هذا فأحضر الحسين بن عليّ وعبد الله بن الزبير فخذهما بالبيعة، فإن امتنعا فاضرب أعناقهما وابعث إليّ برأسيهما وخذ الناس بالبيعة، فمن امتنع فأنفذ فيه الحكم(1) .

الوليد يستشير مروان بن الحكم:

حار الوليد في أمره، إذ يعرف أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام لا يبايع ليزيد مهما كانت النتائج، فرأى أنّه في حاجة إلى مشورة مروان بن الحكم عميد الأسرة الأُموية فبعث إليه، فأشار مروان على الوليد قائلاً له: إبعث اليهم(2) في هذه الساعة فتدعوهم إلى البيعة والدخول في طاعة يزيد، فإن فعلوا قبلت ذلك منهم، وإن أبوا قدّمهم واضرب أعناقهم قبل أن يدروا بموت معاوية; فإنّهم إن علموا ذلك وثب كلّ رجل منهم فأظهر الخلاف ودعا إلى نفسه، فعند ذلك أخاف أن يأتيك من قبلهم ما لا قبل لك به، إلاّ عبد الله بن عمر فإنّه لا ينازعُ في هذا الأمر أحداً، مع أنّني أعلم أنّ الحسين بن علي لا يجيبك إلى بيعة يزيد، ولا يرى له عليه طاعةً. ووالله لو كنت في موضعك لم أراجع الحسين بكلمة واحدة حتى أضرب رقبته كائناً في ذلك ما كان(3) .

وعظم ذلك على الوليد وهو أكثر بني أُمية حنكةً، فقال لمروان: ياليت الوليد لم يولد ولم يك شيئاً مذكوراً(4) .

فسخر منه مروان وراح يندّد به قائلاً: لا تجزع ممّا قلتُ لك; فإنّ

____________________

(1) تأريخ اليعقوبي: 2 / 215.

(2) المقصود هنا الإمام الحسينعليه‌السلام وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر، باعتبار أنّ بعض المصادر التأريخية أفادت بأنّ رسالة يزيد تضمّنت أسماءهم جميعاً مثل تأريخ الطبري: 6 / 84.

(3) حياة إلامام الحسينعليه‌السلام : 2 / 25.

(4) المصدر السابق: 2 / 251.

١٢٧

آل أبي تراب هم الأعداء من قديم الدهر(1) ، ونهره الوليد فقال له: ويحك يا مروان إعزب عن كلامك هذا، وأحسن القول في ابن فاطمة فإنّه بقية النبوة(2) .

واتّفق رأيهما على استدعاء الإمامعليه‌السلام وعرض الأمر عليه لمعرفة موقفه من السلطة.

الإمامعليه‌السلام في مجلس الوليد:

أرسل الوليد إلى الحسينعليه‌السلام يدعوه إليه ليلاً، فجاءه الرسول وهو في المسجد، ولم يكن قد شاع موت معاوية بين الناس، وجال في خاطر الحسينعليه‌السلام أنّ الوليد قد استدعاه ليخبره بذلك ويأخذ منه البيعة إلى الحاكم الجديد بناءً على الأوامر التي جاءته من الشام، فاستدعى الحسين مواليه وإخوته وبني عمومته وأخبرهم بأنّ الوالي قد استدعاه إليه وأضاف: إنّي لا آمن أن يكلّفني بأمر لا اُجيبه عليه(3) .

وقال الإمامعليه‌السلام لمواليه بعد أن أمرهم بحمل السلاح: (كونوا معي فإذا دخلت إليه فاجلسوا على الباب فإن سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه)(4) .

ودخل الإمامعليه‌السلام على الوليد فرأى مروان عنده وكانت بينهما قطيعة، فقالعليه‌السلام : (الصلةُ خير من القطيعة، والصلح خير من الفساد، وقد آن لكما أن تجتمعا، أصلح الله ذات بينكما)(5) ثم نعى إليه الوليد معاوية، فاسترجع الإمام الحسينعليه‌السلام

____________________

(1) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام 2 / 251.

(2) المصدر السابق.

(3) إعلام الورى: 1 / 434، وروضة الواعظين: 171، ومقتل أبي مخنف: 27، وتذكرة الخواص: 213.

(4) الإرشاد: 2 / 33.

(5) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام : 2 / 254.

١٢٨

ثم قرأ عليه كتاب يزيد وما أمره فيه من أخذ البيعة منه له، فقال الحسينعليه‌السلام : (إنّي لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرّاً حتى اُبايعه جهراً).

فقال الوليد: أجل، فقال الحسينعليه‌السلام : (فتصبح وترى رأيك في ذلك)، فقال له الوليد: انصرف على اسم الله تعالى حتى تأتينا مع جماعة الناس، فقال له مروان: والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتى تكثر القتلى بينكم وبينه، إحبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه. فوثب الحسينعليه‌السلام عند ذلك وقال:(أنت ياابن الزرقاء تقتلني أم هو؟! كذبت والله وأثمت). وخرج يمشي ومعه مواليه حتى أتى منزله.

فقال مروان للوليد: عصيتني. لا و الله لا يمكّنك مثلها من نفسه أبداً. فقال له الوليد: ويح غيرك يا مروان! إنّك اخترت لي التي فيها هلاك ديني. والله ما اُحب أنّ لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وإنّي قتلت حسيناً. سبحان الله! أقتل حسيناً لمّا أن قال: لا أبايع؟ والله إنّي لأظنّ امرءاً يحاسبُ بدم الحسين خفيف الميزان عند الله يوم القيامة(1) .

وثمّة روايات أفادت بأنّ النقاش قد احتدم بين الإمامعليه‌السلام وبين مروان، حتى أعلنعليه‌السلام رأيه لمروان بصراحة قائلاً: (إنّا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ومحل الرحمة، بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة)(2) .

____________________

(1) الإرشاد: 2 / 33 - 34.

(2) مقتل الحسين للمقرّم: 144، وإعلام الورى: 1 / 435.

١٢٩

الإمامعليه‌السلام مع مروان:

والتقى الإمام الحسينعليه‌السلام في أثناء الطريق بمروان بن الحكم في صبيحة تلك الليلة التي أعلن فيها رفضه لبيعة يزيد، فبادره مروان قائلاً: إنّي ناصح فأطعني ترشد وتسدّد. فقال الإمامعليه‌السلام : (وما ذاك يا مروان؟).

قال مروان: إنّي آمرك ببيعة أمير المؤمنين يزيد فإنّه خير لك في دينك ودنياك. فردّ عليه الإمامعليه‌السلام ببليغ منطقه قائلاً: (على الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد... سمعت جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان وعلى الطلقاء وأبناء الطلقاء فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه، فوالله لقد رآه أهل المدينة على منبر جدّي فلم يفعلوا ما اُمروا به)(1) .

حركة الإمامعليه‌السلام في الليلة الثانية:

ذكر المؤرّخون أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام أقام في منزله تلك الليلة وهي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين من الهجرة، واشتغل الوليد بن عتبة بمراسلة ابن الزبير في البيعة ليزيد وامتناعه عليهم، وخرج ابن الزبير من ليلته عن المدينة متوجّهاً إلى مكة، فلمّا أصبح الوليد سرح في أثره الرجال فبعث راكباً من موالي بني أُمية في ثمانين راكباً، فطلبوه ولم يدركوه فرجعوا، فلمّا كان آخر نهار يوم السبت بعث الرجال إلى الحسينعليه‌السلام ليحضر فيبايع الوليد ليزيد بن معاوية، فقال لهم الحسينعليه‌السلام : اصبحوا ثم ترون ونرى. فكَفّوا تلك الليلة عنه ولم يلحّوا عليه.

____________________

(1) الفتوح لابن أعثم: 5 / 17، ومقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 184.

١٣٠

فخرجعليه‌السلام من تحت ليلته وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب متوجّهاً نحو مكة ومعه بنوه وبنو أخيه وإخوته وجَلَّ أهل بيته إلاّ محمد بن الحنفية - رحمة الله عليه - فإنّه لمّا علم عزمه على الخروج عن المدينة لم يدرِ أين يتوجّه، فقال له: يا أخي أنت أحبّ الناس إليَّ وأعزّهم عليّ ولست أدّخر النصيحة لأحد من الخلق إلاّ لك وأنت أحقّ بها، تنحّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثم ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك فإن بايعك الناس وبايعوا لك حمدت الله على ذلك، وإن اجتمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا تذهب به مروّتك ولا فضلك، إنّي أخاف عليك أن تدخل مصراً من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم، فمنهم طائفة معك وأخرى عليك، فيقتتلوا فتكون لأوّل الأسنّة غرضاً، فإذا خير هذه الأمة كلّها نفساً وأباً واُمّاً، أضيعها دماً وأذلّها أهلاً.

فقال له الحسينعليه‌السلام : فأين أذهب يا أخي؟ قال: انزل مكة فإن اطمأنت بك الدار بها فسبيل ذلك، وإن (نَبَتَ بك)(1) لحقت بالرمال وشعف الجبال وخرجت من بلد إلى بلد حتى تنظر إلى ما يصير أمر الناس إليه; فإنّك أصوب ما تكون رأياً حين تستقبل الأمر استقبالاً.

فقال الإمامعليه‌السلام : (يا أخي، قد نصحتَ وأشفقتَ وأرجو أن يكون رأيك سديداً موفّقاً)(2) . فسار الحسينعليه‌السلام إلى مكة وهو يقرأ( فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (3) .

____________________

(1) أي لم تجد بها قراراً ولم تطمئن عليها. انظر لسان العرب: 15/302 مادة نبأ.

(2) الإرشاد: 2 / 35.

(3)القصص (28): 21.

١٣١

وصايا الإمام الحسينعليه‌السلام :

لقد كتب الإمامعليه‌السلام قبل خروجه من المدينة عدّة وصايا:

منها: وصية لأخيه هذا نصّها: (هذا ما أوصى به الحسين بن عليّ إلي أخيه محمد بن الحنفية، أنّ الحسين يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله جاء بالحق من عنده، وأنّ الجنة حق والنار حق، والساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور، وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين)(1) .

ومنها: وصيّته لأم المؤمنين أم سلمة حيث أوصاها بما يرتبط بإمامة الإمام من بعده. روي أنّه لمّا عزم على الخروج من المدينة أتته أم سلمة (رضي الله عنها) فقالت: يا بني لا تحزنّي بخروجك إلى العراق، فإنّي سمعت جدّك يقول: يقتل ولدي الحسينعليه‌السلام بأرض العراق في أرض يقال لها: كربلا. فقال لها: (يا أماه وأنا والله أعلم ذلك، وأنّي مقتول لا محالة، وليس لي من هذا بدّ، وإنّي والله لأعرف اليوم الذي أقتل فيه، وأعرف من يقتلني، وأعرف البقعة التي أُدفن فيها، وإنّي أعرف من يقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي، وإن أردت يا أمه أُريك حفرتي ومضجعي).

ثم أشار إلى جهة كربلاء، فانخفضت الأرض حتى أراها مضجعه ومدفنه وموضع عسكره وموقفه ومشهده، فعند ذلك بكت أم سلمة بكاءً شديداً

____________________

(1) مقتل الحسين للمقرّم: 156.

١٣٢

وسلّمت أمره إلى الله.

فقال لها: (يا أمه، قد شاء الله عَزَّ وجَلَّ أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدواناً، وقد شاء أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشرّدين، وأطفالي مذبوحين مظلومين مأسورين مقيّدين، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصراً ولا معيناً).

وفي رواية أخرى: قالت أم سلمة: وعندي تربة دفعها إلي جدّك في قارورة، فقال: (والله إنّي مقتول كذلك، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضاً) ثم أخذ تربةً فجعلها في قارورة وأعطاها إيّاها، وقال: (اجعليها مع قارورة جدّي فإذا فاضتا دماً فاعلمي أنّي قد قتلت)(1) .

وروى الطوسي عن الحسين بن سعيد عن حمّاد بن عيسى عن ربعي بن عبد الله عن الفضيل بن يسار قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : (لمّا توجه الحسينعليه‌السلام إلى العراق ودفع إلى أم سلمة زوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الوصية والكتب وغير ذلك قال لها: (إذا أتاك أكبر ولدي فادفعي إليه ما قد دفعت إليك)، فلمّا قتل الحسينعليه‌السلام أتى عليّ بن الحسينعليه‌السلام أم سلمة فدفعت إليه كلّ شيء أعطاها الحسينعليه‌السلام )(2) .

وروى عليّ بن يونس العاملي في كتابالصراط المستقيم النصّ على عليّ بن الحسينعليه‌السلام في حديث ثم قال: وكتب الحسينعليه‌السلام وصيّته وأودعها أم سلمة وجعل طلبها منها علامة على إمامة الطالب لها من الأنام فطلبها الإمام زين العابدينعليه‌السلام (3) .

____________________

(1) بحار الأنوار: 44 / 331، والعوالم: 17 / 180، وينابيع المودة: 405... إلى قوله: بكت أم سلمة بكاءً شديداً.

(2) الغيبة للطوسي: 118 حديث 148، واثبات الهداة: 5 / 214.

(3) إثبات الهداة: 5 / 216 حديث 8.

١٣٣

توجّه الإمام إلى مكة:

قال المؤرّخون: إن الإمام الحسينعليه‌السلام عندما توجّه إلى مكة لزم الطريق الأعظم، فقال له أهل بيته: لو تنكبت الطريق الأعظم كما فعل ابن الزبير كي لا يلحقك الطلب، فقال: لا والله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض(1) . ولمّا دخل الإمام الحسينعليه‌السلام مكة كان دخوله إيّاها ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان دخلها وهو يقرأ: (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ)(2) .

ثم نزلها فأقبل أهلها يختلفون إليه ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق، وابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة وهو قائم يصلّي عندها ويطوف، ويأتي الحسينعليه‌السلام فيمن يأتيه، فيأتيه اليومين المتواليين ويأتيه بين كلّ يومين مرة، وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير، قد عرف أنّ أهل الحجاز لا يبايعونه ما دام الحسينعليه‌السلام في البلد وأنّ الحسينعليه‌السلام أطوع في الناس منه وأجلّ(3) .

____________________

(1) الفتوح: 5 / 24، وينابيع المودّة: 402 الإرشاد للمفيد: 2 / 35.

(2) القصص (28): 22.

(3) الإرشاد: 2 / 36، وبحار الأنوار: 44 / 332.

١٣٤

البحث الثالث: أسباب ودوافع الثورة

إنّه من الصعب أن نقف على جميع الأسباب لثورة امتدّت في عمق الزمن، ولا زالت تنبض بالدفق والحيويّة مثيرة في النفوس روح الإباء والتضحية، وتأخذ بيد الثائرين على مرّ الزمن بالاستمرار في طريق الحقّ وبذل النفس والنفيس لبلوغ الأهداف السامية، إنّها الثورة التي أحيت الرسالة الإسلامية بعد أن كادت تضيع وسط أهواء ورغبات الحكّام الفاسدين، وأثارت في الأمة الإسلامية الوعي حتّى صارت تطالب بإعادة الحقّ إلى أهله وموضعه.

إنّ أفضل ما نستخلص منه أسباب ودوافع الثورة الحسينية هي النصوص المأثورة عن الحسين الثائرعليه‌السلام وكذا آثار الثورة، إلى جانب معرفتنا بشخصيّتهعليه‌السلام فها هو الحسينعليه‌السلام يخاطب جيش الحرّ بن يزيد الرياحي الذي تعجّل لمحاصرته ولم يسمح له بتغيير مساره قائلا:

(أيّها الناس، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاًّ لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أنْ يدخله مدخله. ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله وأنا أحقّ من غَيّر، وقد أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم، وإنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن تمّمتم عليّ بيعتكم تصيبوا رشدكم، فأنا الحسين بن عليّ وابن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نفسي مع أنفسكم، وأهلي

١٣٥

مع أهليكم، فلكم فيّ أُسوة)(1) .

وفي خطاب آخر بعد أن توضّحت نوايا الغدر والخذلان والإصرار على محاربة الإمامعليه‌السلام وطاعة يزيد الفاسق قالعليه‌السلام : (فسحقاً لكم يا عبيد الأمة وشذّاذ الأحزاب ونَبَذَة الكتاب ونفثة الشيطان وعصبة الآثام ومحرّفي الكتاب ومطفئي السنن وقتلة أولاد الأنبياء ومبيدي عترة الأوصياء وملحقي العهار بالنسب ومؤذي المؤمنين وصُراخ أئمّة المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين، ولبئس ما قدّمت لهم أنفسهم وفي العذاب هم خالدون...).

ثم قالعليه‌السلام : (ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة! يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وجدود طابت وحجور طهرت وأنوف حميّة ونفوس أبيّة لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام...)(2) .

من هنا يمكن أن نخلص إلى أسباب ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام كما يلي:

1 - فساد الحاكم وانحراف جهاز الحكومة:

لم يعد في مقدور الإمام الحسينعليه‌السلام أن يتوقّف عن الحركة وهو يرى الانحراف الشامل في زعامة الأمة الإسلامية، فإذا كانت السقيفة قد زحزحت الخلافة عن صاحبها الشرعي وهو الإمام عليعليه‌السلام وتذرّع أتباعها بدعوى حرمة نقض البيعة ولزوم الجماعة وحرمة تفريق كلمة الأمة ووجوب إطاعة الإمام المنتخب بزعمهم، فقد كان الإمام عليعليه‌السلام يسعى بنحو أو بآخر لإصلاح ما فسد من جرّاء فعل الخليفة غير المعصوم، وقد شهد الإمام الحسينعليه‌السلام جانباً من ذلك بوضوح خلال فترة حكم عثمان.

ولقد كانت بنود الصلح تضع قيوداً على تصرّفات معاوية الذي اتّخذ

____________________

(1) تأريخ الطبري: 4 / 304، والكامل في التأريخ: 3 / 280.

(2) أعيان الشيعة: 1 / 603.

١٣٦

أسلوب الخداع والتستّر بالدين سبيلا لتمرير مخطّطاته، أمّا الآن فإنّ الأمر يختلف; إذ بعد موت معاوية لم يبق أيّ علاج إلاّ الصدام المباشر في نظر الإمام المعصوم وصاحب الحقّ الشرعي - الحسينعليه‌السلام - فلم يعد في الإمكان ولو نظرياً القبول بصلاحيّة يزيد وبني أُمية للحكم.

على أنّ نتائج انحراف السقيفة كانت تنذر بالخطر الماحق للدين، فقد قال الإمامعليه‌السلام : (أيّها الناس! إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاًّ لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بقول ولا بفعل كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله).

وقد كان يزيد يتصف بكل ما حذّر منه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان الحسينعليه‌السلام وهو الوريث للنبيّ وحامل مشعل الرسالة - أحقّ من غيره بالمواجهة والتغيير.

2 - مسؤولية الإمام تجاه الأمة:

كان الإمام الحسينعليه‌السلام يمثّل القائد الرسالي الشرعي الذي يجسّد كلّ القيم الخيّرة والأخلاق السامية.

وبحكم مركزه الاجتماعي - حيث إنّه هو سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ووريثه - فإنّه مسؤول عن هذه الأمة، وقد وقفعليه‌السلام في عهد معاوية محاولاً إصلاح الأمور بطريقة سلمية، فحاجج معاوية وفضح مخطّطاته(1) ونبّه الأمة إلى مسؤولياتها ودورها(2) ، بل خطا خطوةً كبيرة لتحفيز الأمة على رفض الظلم(3) ،

____________________

(1) الإمامة والسياسة: 1 / 284.

(2) كتاب سُليم بن قيس: 166.

(3) شرح نهج البلاغة: 4 / 327.

١٣٧

وحاول جمع كلمة الأمة في وجه الظالمين(1) .

ولمّا استنفد كلّ الإجراءات الممكنة لتغيير الأوضاع الاجتماعية في الأمة تحرّك بثقله وأهل بيته للقيام بعمل قويّ في مضمونه ودلالته وأثره وعطائه لينهض بالأمة لتغيير واقعها الفاسد.

3 - الاستجابة لرأي الجماهير الثائرة:

لم يكن بوسع الإمام الحسينعليه‌السلام أن يقف دون أن يقوم بحركة قوية، وقد تكاثرت عليه كتب الرافضين لبيعة يزيد بن معاوية تطلب منه قيادة زمام أمورها والنهوض بها، وقد حمّلته المسؤولية أمام الله إذا لم يستجب لدعواتهم، وكانت دعوة أهل الكوفة للإمام الحسينعليه‌السلام بمثابة الغطاء السياسي الذي يعطي الصفة الشرعية لحركته، فلم تكن حركته بوازع ذاتي ولا مطمع شخصي، لا سيّما بعد إتمام الحجّة عليه من قبل هؤلاء المسلمين.

4 - محاولة إرغامهعليه‌السلام على الذلّ والمساومة:

لقد كان الإمام الحسينعليه‌السلام يحمل روحاً صاغها الله بالمُثل العليا والقيم الرفيعة، ففاضت إباء وعزّةً وكرامةً، وفي المقابل تدنّت نفسيّة يزيد الشريرة ونفسيات أزلامه، فأرادوا من الإمام الحسينعليه‌السلام أن يعيش ذليلا في ظلّ حكم فاسد: وقد صرّحعليه‌السلام قائلاً: (ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة! يأبى الله لنا ذلك ورسوله ونفوس أبيّة وأنوف حميّة من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام).

وفي موقف آخر قالعليه‌السلام :(لا أرى الموت إلاّ سعادةً والحياة مع الظالمين إلاّ برماً).

____________________

(1) أنساب الأشراف: ق 1 / ج 1، وتأريخ ابن كثير: 8 / 162.

١٣٨

بهذه الصورة الرائعة سنّ الإمام الحسينعليه‌السلام سنّة الإباء لكلّ من يدين بقيم السماء وينتمي إليها ويدافع عنها، وانطلق من هذه القاعدة ليغيّر الواقع الفاسد.

5 - نوايا الغدر الأموي والتخطيط لقتل الحسينعليه‌السلام :

استشفّ الإمام الحسينعليه‌السلام - وهو الخبير الضليع بكلّ ما كان يمرّ في معترك الساحة السياسية والمتغيّرات الاجتماعية التي كانت تتفاعل في الأمة - نوايا الغدر والحقد الأموي على الإسلام وأهل البيتعليهم‌السلام وتجارب السنين الأولى من الدعوة الإسلامية، ثم ما كان لمعاوية من مواقف مع الإمام عليعليه‌السلام ومن بعده مع الإمام الحسنعليه‌السلام .

وأيقن الحسينعليه‌السلام أنّهم لا يكفّون عنه وعن الفتك به حتى لو سالمهم، فقد كان يمثّل بقية النبوّة والشخصية الرسالية التي تدفع الحركة الإسلامية في نهجها الحقيقي وطريقها الصحيح.

ولم يستطع يزيد أن يخفي نزعة الشرّ في نفسه، فقد روي أنّه صرّح قائلاً في وقاحة:

لستُ من خندف إن لم انتقم

من بني أحمد ما كان فعلْ

وقد أعلن الإمام الحسينعليه‌السلام أنّ بني أُمية لا يتركونه بحال من الأحوال فقد صرّح لأخيه محمد بن الحنفية قائلاً: (لو دخلت في جُحْر هامّة من هذه الهوامّ لاستخرجوني حتى يقتلوني).

وقالعليه‌السلام لجعفر بن سليمان الضبعي: (والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة - يعني قلبه الشريف - من جوفي).

١٣٩

فتحرّك الإمامعليه‌السلام من مكة مبكّراً ليقوم بالثورة قبل أن تتمكّن يد الغدر من قتله وتصفيته، وهو بعد لم يتمكّن من أداء دوره المفروض له في الأمة آنذاك، وسعى لتفويت أيّة فرصة يمكن أن يستغلّها الأمويون للغدر به، والظهور بمظهر المدافع عن أهل بيت النبوّة.

6 - انتشار الظلم وفقدان الأمن:

قام الحكم الأموي على أساس الظلم والقهر والعدوان، فمنذ أن برز معاوية وزمرته كقوّة في العالم الإسلامي برز وهو باغ على خليفة المسلمين وإمام الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأسرف في ممارساته الظالمة التي جلبت الويل للأمة، فقد سفك الدماء الكثيرة، واستعمل شرار الخلق لإدارة الأمور يوم تفرّد بالحكم، بل وقبل أن يتسلّط على الأمة كانت كلّ العناصر الموالية له تشيع الخوف والقتل حتى قال الناس فيولاية زياد بن أبيه: (انج سعد، فقد هلك سعيد) للتدليل على ضياع الأمن في جميع أنحاء البلاد(1) .

ومن جانب آخر أمعنت السلطة الأُموية في احتقار فئات و قطاعات كبيرة من الأمة بنظرة استعلائية قبلية(2) ، كما مارس معاوية في سياسته التي ورثها يزيد أنواع الفتك والتعذيب والتهجير للمسلمين وبالأخص من عرف منه ولاء أهل البيتعليهم‌السلام (3) .

وبكلّ جرأة على الحقّ واستهتار بالقيم يقول معاوية للإمام الحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الله، علمت أنّا قتلنا شيعة أبيك فحنّطناهم وكفّناهم

____________________

(1) تأريخ الطبري: 6 / 77، وتأريخ ابن عساكر: 3 / 222، والاستيعاب: 1 / 60، وتأريخ ابن كثير: 7 / 319.

(2) العقد الفريد: 2 / 258، وطبقات ابن سعد: 6 / 175، ونهاية الإرب: 6 / 86.

(3) شرح النهج: 11 / 44، وتأريخ الطبري: 4 / 198.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

بك ولا يفون لك، انطلق يا أبا خالد فخذ بإذن الجارية اليسرى ثمّ قل: يا خبيث يقول لك عليّ بن الحسين اخرج من هذه الجارية ولا تعد، ففعل أبو خالد ما أمره وخرج منها فأفاقت الجارية وطلب أبو خالد الذي شرطوا له فلم يعطوه، فرجع مغتما كئيبا فقال له عليّ بن الحسين: ما لي أراك كئيبا يا أبا خالد ألم أقل لك انهم يغدرون بك؟ دعهم، فإنهم سيعودون إليك، فاذا القوك فقل لست أعالجها حتى تضعوا المال على يدي عليّ بن الحسين فانه لي ولكم ثقة، فرضوا ووضعوا المال على يدي عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ورجع أبو خالد إلى الجارية فأخذ بأذنها اليسرى ثمّ قال: يا خبيث يقول لك عليّ بن الحسين: اخرج من هذه الجارية ولا تعرض لها إلّا بسبيل خير، فانك إنْ عدت أحرقتك بنار الله الموقدة التي تطلع على الافئدة، فخرج منها ودفع المال إلى أبي خالد فخرج إلى بلاده.

٢٤ ـ في كتاب الاحتجاج ـ للطبرسيرحمه‌الله روى عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن عليّعليهم‌السلام أنّ يهوديا من يهود الشام وأحبارهم قال لأمير المؤمنينعليه‌السلام : فانّ هذا سليمان سخرت له الشياطين( يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ ) قال له عليٌّعليه‌السلام : لقد كان كذلك ولقد اعطى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل من هذا أنّ الشياطين سخّرت لسليمان وهي مقيمة على كفرها، وقد سخرت لنبوّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله الشياطين بالايمان، فأقبل إليه الجن التسعة من أشرافهم من جن نصيبين واليمن من بنى عمرو بن عامر من الاحجة منهم شضاة ومضاة والهملكان والمرزبان والمازمان ونفات وهاضب وهاصب وعمرو(١) وهم الذين يقول الله تبارك وتعالى اسمه فيهم:( وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ ) وهم التسعة يستمعون القرآن، فأقبل إليه الجن والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ببطن النخلة، فاعتذروا بأنهم ظنوا كما ظننتم أنْ لن يبعث الله أحدا، ولقد أقبل إليه أحد وسبعون ألفا منهم يبايعوه على الصوم والصلوة والزكاة والحج والجهاد ونصح المسلمين، واعتذروا بأنهم قالوا على الله شططا وهذا أفضل مما

__________________

(١) في ضبط تلك الأسماء خلاف ذكره في هامش البحار (الطبعة الحديثة ج ١٠ ص ٤٤)

٣٢١

أعطى سليمان، سبحان من سخرها لنبوة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أنْ كانت تتمرد وتزعم أنّ لله ولدا فلقد شمل مبعثه من الجن والانس ما لا يحصى.

٢٥ ـ وفيه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث طويل وفيه قال السائل: كيف صعدت الشياطين إلى السماء وهم أمثال الناس في الخلقة والكثافة وقد كانوا يبنون لسليمان، ابن داودعليهما‌السلام من البناء ما يعجز عنه ولد آدم؟ قال: غلظوا لسليمان لما سخروا، وهم خلق دقيق، غذاءهم التنسم، والدليل على ذلك صعودهم إلى السماء لاستراق السمع، ولا يقدر الجسم الكثيف على الارتقاء إلّا بسلم أو سبب.

٢٦ ـ في الكافي عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن داود بن الحصين عن الفضل أبي العباس قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام ( يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ ) قال: ما هي تماثيل الرجال والنساء، ولكنها تماثيل الشجر وشبهه.

٢٧ ـ علي بن إبراهيم عن صالح بن السندي عن جعفر بن بشير عمن ذكره عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كانت لعليّ بن الحسين صلوات الله عليهما وسائد وأنماط(١) فيها تماثيل يجلس عليها.

٢٨ ـ محمد بن يحيى عن أحمد وعبد الله إبني محمد عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان عن أبي العباس عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ ) فقال: والله ما هي تماثيل الرجال والنساء ولكنها الشجر وشبهه.

٢٩ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقولهعزوجل :( يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ ) قال: في الشجر وقولهعزوجل : وجفان كالجواب أي جفنة كالحفرة وقدور راسيات أي ثابتات ثم قال جل ذكره:( اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً ) قال: اعملوا ما تشكروا عليه ثم قال سبحانه:( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ ) .

٣٠ ـ في أصول الكافي بعض أصحابنا رفعه عن هشام بن الحكم قال: قال

__________________

(١) الوسائد جمع الوسادة: المخدة. والأنماط جمع النمط: ضرب من البساط.

٣٢٢

أبو الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام : يا هشام ثم مدح الله القلة فقال:( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ ) .

٣١ ـ في روضة الكافي سهل بن عبيد الله(١) عن أحمد بن عمر قال: دخلت على أبي الحسن الرضاعليه‌السلام انا وحسين بن ثوير بن أبي فاختة فقلت له: جعلت فداك انا كنا في سعة من الرزق وغضارة من العيش(٢) فتغيرت الحال بعض التغير، فادع اللهعزوجل أنْ يرد ذلك إلينا، فقال: أي شيء تريدون تكونون ملوكا؟ أيسرك أنْ تكون مثل طاهر وهرثمة(٣) وانك على خلاف ما أنت عليه؟ قلت: لا والله ما يسرني أنّ لي الدنيا بما فيها ذهبا وفضة وانى على خلاف ما أنا عليه، قال: فقال: فمن أيسر منكم فليشكر الله إنَّ اللهعزوجل يقول:( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) وقال سبحانه وتعالى:( اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٣٢ ـ في نهج البلاغة أوصيكم عباد الله بتقوى الله فانها حق الله عليكم، والموجبة على الله حقكم، وان تستعينوا عليها بالله وتستعينوا بها على الله فان التقوى في اليوم الحرز والجنة(٤) ، وفي غد الطريق إلى الجنة، مسلكها واضح وسالكها رابح ومستودعها حافظ لم تبرح عارضة نفسها على الأمم الماضين والغابرين لحاجتهم إليها غدا إذا أعاد الله ما أبدى وأخذ ما اعطى وسأل عما أسدى فما أقل من قبلها وحملها حق حملها(٥)

__________________

(١) وفي بعض النسخ «سهل عن عبيد الله اه» وهو الظاهر.

(٢) الغضارة: طيب العيش.

(٣) الطاهر هو أبو الطيب أو أبو طلحة طاهر بن الحسين المعروف بذو اليمينين والى خراسان وهرثمة هو هرثمة بن أعين وهو من أصحاب الرضاعليه‌السلام وكلاهما من قواد المأمون وخدمته، وقد مر الحديث في المجلد الثاني صفحة ٥٢٧ وقد ذكر ما ترجمة الرجلين مختصرا في الذيل فراجع.

(٤) الجنة ـ بضم الجيم ـ: ما يستتر به.

(٥) قولهعليه‌السلام : «مستودعها حافظه يعنى الله سبحانه لأنه مستودع الأعمال كما قال الله ـ

٣٢٣

أولئك الأقلون وهم أهل صفة الله سبحانه إذ يقول:( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ )

٣٣ ـ في مصباح الشريعة قال الصادقعليه‌السلام : ولو كان عند الله عبادة يتعبد بها عباده المخلصين أفضل من الشكر على كل حال لأطلق لفظه فيهم من جميع الخلق بها، فلما لم يكن أفضل منها خصها من بين العبادات، وخص أربابها، فقال:( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ ) .

٣٤ ـ في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام من الاخبار النادرة في فنون شتى باسناده إلى الحسين بن خالد عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن عليعليهم‌السلام قال: إنّ سليمان بن داودعليهما‌السلام قال ذات يوم لأصحابه: إنّ الله تعالى وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعد، سخر لي الريح والانس والجن والطير والوحوش، وعلمني منطق الطير، وآتاني من كل شيء ومع جميع ما أوتيت من الملك ما تم لي سرور يوم إلى الليل وقد أحببت أن أدخل قصرى في غد فأصعد أعلاه وأنظر إلى ممالكي، ولا تأذنوا لأحد على ما ينغص عليَّ يومى(١) قالوا: نعم فلما كان من الغد أخذ عصاه بيده وصعد إلى أعلى موضع من قصره، ووقف متكئا على عصاه ينظر إلى ممالكه سرورا بما

__________________

سبحانه( إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ) قاله المحقق الخوئى والشارح المعتزلي وعن الراوندي (قده) انه أراد بالمستودع قلب الإنسان ويجوز ان يراد بالمستودع الملائكة الحفظة التي هي وسائط بين الخلق وبين الله وقولهعليه‌السلام «لم تبرح عارضة نفسها اه» قال الشارح المعتزلي: كلام فصيح لطيف يقول: إنَّ التقوى لم تزل عارضة نفسها على من سلف من القرون فقبلها القابل منهم شبهها بالمرئة العارضة نفسها نكاحا على قوم فرغب فيها مر رغب وزهد من زهد.

وأسدى اليه: أحسن وقوله عليه‌السلام «وسأل عما أسدى» أي سئل أرباب الثروة عما أسدى وأحسن إليهم من النعم والآلاء فيم صرفوها وفيم أنفقوها؟ قوله عليه‌السلام «فما أقل من قبلها» يعنى ما أفل من قبل التقوى العارضة نفسه على الناس.

(١) نفص فلانا: كدر عينه.

٣٢٤

أعطى، إذا نظر إلى شاب حسن الوجه واللباس قد خرج عليه من بعض زوايا قصره، فلمّا بصر به سليمانعليه‌السلام قال له: من أدخلك إلى هذا القصر وقد أردت أنْ أخلو فيه اليوم فبإذن من دخلت؟ قال الشاب: أدخلني هذا القصر ربه وباذنه دخلت، قال: ربه أحق به منى فمن أنت؟ قال: أنا ملك الموت قال: وفيما جئت؟ قال: جئت لأقبض روحك قال: امض لما أمرت به فهذا يوم سروري وأبى اللهعزوجل أنْ يكون لي سرور دون لقائه فقبض ملك الموت روحه وهو متكئ على عصاه، فبقي سليمان متكئا على عصاه وهو ميت ما شاء الله، والناس ينظرون إليه وهم يقدرون انه حي فافتنوا فيه واختلفوا فمنهم من قال: إنّ سليمان قد بقي متكئا على عصاه هذه الأيام الكثيرة ولم يتعب ولم ينم ولم يأكل ولم يشرب، انه لربنا الذي يجب علينا أنْ نعبده، وقال قوم: إنَّ سليمان ساحر وانه يرينا انه وقف متكئ على عصاه يسحر أعيننا وليس كذلك، فقال المؤمنون: إنَّ سليمان هو عبد الله ونبيه يدبر الله أمره بما يشاء فلما اختلفوا بعث اللهعزوجل دابة الأرض فدبت في عصاه، فلما أكلت جوفها انكسرت العصا وخر سليمان من قصره على وجهه، فشكرت الجن للارضة صنيعها، فلأجل ذلك لا توجد الارضة في مكان إلّا وعندها ماء وطين، وذلك قول اللهعزوجل :( فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ ) ثم قال الصادقعليه‌السلام : والله ما نزلت هذه الآية هكذا وانما نزلت:( فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الإنْسُ أنَّ الْجِنُّ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ ) .

٣٥ ـ في كتاب علل الشرائع مثل ما نقلناه عن عيون الأخبار إلّا أنّ آخرها وانما نزلت:( فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ الإنس لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ ) .

٣٦ ـ حدّثنا أبي رضى الله عنه قال: حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه إبراهيم بن هاشم عن ابن أبي عمير عن أبان عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: أمر سليمان بن داود الجن فصنعوا له قبة من قوارير، فبينا هو متكئ على عصاه في القبة ينظر إلى الجن كيف ينظرون إليه إذ حانت منه التفاتة فاذا رجل معه في القبة، قال له: من أنت؟ قال :

٣٢٥

انا الذي لا أقبل الرشا ولا أهاب الملوك، انا ملك الموت فقبضه وهو قائم متكئ على عصاه في القبة والجن ينظرون اليه، قال: فمكثوا سنة يدأبون له(١) حتى بعث اللهعزوجل الارضة فأكلت منسأته وهي العصا،( فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ ) قال أبو جعفرعليه‌السلام إنَّ الجن يشكرون الارضة ما صنعت بعصا سليمان، فما تكاد تراها في مكان إلّا وعندها ماء وطين.

٣٧ ـ وباسناده إلى الحسن بن علي بن عقبة عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: لقد شكرت الشياطين الارضة حين أكلت عصا سليمانعليه‌السلام حتى سقط وقالوا عليك الخراب وعلينا الماء والطين، فلا تكاد تراها في موضع إلّا رأيت ماء أو طينا.

٣٨ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى محمد بن جعفر عن أبيه عن جده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: عاش سليمان بن داود سبعمائة سنة واثنى عشر سنة.

٣٩ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إنّ سليمان بن داودعليهما‌السلام أمر الجن فبنوا له بناء من قوارير، قال: فبينما هو متك على عصاه ينظر إلى الشياطين كيف يعملون وينظرون إليه إذ حانت منه التفاتة، فاذا هو برجل معه في القبة ففزع منه فقال: من أنت؟ فقال: أنا الذي لا أقبل الرشا ولا أهاب الملوك انا ملك الموت فقبضه وهو متكئ على عصاه، فمكثوا سنة يبنون وينظرون إليه ويدأبون له ويعملون حتى بعث الله تعالى الارضة، فأكلت منسأته وهي العصا،( فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ ) فالجن تشكر الارضة بما عملت بعصا سليمان قال: فلا تكاد تراها في مكان إلّا وعندها ماء وطين.

٤٠ ـ في روضة الكافي ابن محبوب عن جميل بن صالح عن الوليد بن صبيح عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ اللهعزوجل أوحى إلى سليمان بن داودعليه‌السلام أنّ آية موتك أنّ شجرة تخرج من بيت المقدس يقال لها الخرنوبة، قال: فنظر سليمان يوما فاذا الشجرة الخرنوبة قد طلعت من بيت المقدس فقال لها: ما اسمك؟ قالت: الخرنوبة

__________________

(١) دأب في عمله: جد وتعب واستمر عليه.

٣٢٦

قال: فولى سليمان مدبرا إلى محرابه، فقام فيه متكيا على عصاه فقبض روحه من ساعته، قال: فجعلت الجن والانس يخدمونه ويسعون في أمره كما كانوا، وهم يظنون انه حي لم يمت يغدون ويروحون وهو قائم ثابت حتى دبت الأرض من عصاه، فأكلت منسأته، فانكسرت وخر سليمان إلى الأرض، أفلا تسمع لقولهعزوجل :( فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ ) .

٤١ ـ في مجمع البيان وفي الشواذ تبينت الانس وهي قراءة علي بن الحسين وأبى عبد اللهعليهما‌السلام .

٤٢ ـ وفيه وفي حديث آخر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كان آصف بن برحيا يدبر أمره حتى دبت الارضة.

٤٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ ) قال فان بحرا كان من اليمن وكان سليمانعليه‌السلام أمر جنوده أنْ يجروا لهم خليجا من البحر العذب إلى بلاد الهند ففعلوا ذلك وعقدوا له عقدة من الصخر والكلس(١) حتى يفيض على بلادهم وجعلوا للخليج مجاريا، فكانوا إذا أرادوا أنْ يرسلوا منه الماء أرسلوا بقدر ما يحتاجون اليه، وكانت لهم عن يمين وشمال عن مسيرة عشرة أيام فيها يمر(٢) لا يقع عليه الشمس من التفافها، فلما عملوا بالمعاصي وعتوا عن أمر ربهم ونهاهم الصالحون فلم ينتهوا بعث اللهعزوجل على ذلك السد الجرذ وهي الفارة الكبيرة، وكانت تقلع الصخرة التي لا يستقلها الرجال وترمى بها، فلما راى ذلك قوم منهم هربوا وتركوا البلاد، فما زال الجرذ تقلع الحجر حتى خرب ذلك السد، فلم يشعروا حتى غشيهم السيل وخرب بلادهم وقلع أشجارهم.

٤٤ ـ في مجمع البيان وفي الحديث عن فروة بن مسيك قال: سألت رسول الله

__________________

(١) الكلس: الصاروج يبنى به.

(٢) كذا في النسخ وفي المصدر «فيما يمر» وفي البحار «فيمن يمر» وفي تفسير البرهان «فيها ثمر لا يقع عليها الشمس».

٣٢٧

صلى‌الله‌عليه‌وآله عن سبأ أرجل هو أم امرأة؟ فقال: هو رجل من الغرب ولد عشرة، تيامن منهم ستة، وتشأم منهم أربعة، فاما الذين تيامنوا فالأزد وكندة ومذحج والأشعرون وأنمار وحمير، فقال رجل من القوم: ما أنمار؟ قال: الذين منهم خثعم وبجلية واما الذين تشأموا فعاملة وجذام ولخم وغسان.

٤٥ ـ في روضة الكافي محمد عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن جميل ابن صالح عن سدير قال: سأل رجل أبا جعفرعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ) فقال: هؤلاء قوم، كانت لهم قرى متصلة ينظر بعضهم إلى بعض، وأنهار جارية وأموال ظاهرة فكفروا بأنعم الله وغيروا ما بأنفسهم فأرسل اللهعزوجل عليهم سيل العرم ففرق قراهم وأخرب ديارهم وأبدلهم مكان جناتهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ثم قال اللهعزوجل ( ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ ) .

٤٦ ـ وباسناده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام خطبة لأمير المؤمنين وفيها يقولعليه‌السلام : وا أسفا من فعلات شيعتي من بعد قرب مودتها اليوم كيف يستذل بعدي بعضها بعضا، وكيف يقتل بعضها بعضا المتشتتة غدا عن الأصل، النازلة بالفرع، المؤملة الفتح من غير جهته، كل حزب منهم آخذ بغصن، أينما مال الغصن مال معه، مع أنّ الله - وله الحمد- سيجمع هؤلاء لشر يوم لبني امية كما يجمع قزع الخريف يؤلف بينهم ثم يجعلهم ركاما(١) كركام السحاب، ثم يفتح لهم أبوابا يسيلون من مستشارهم(٢) كسيل الجنتين سيل العرم، حيث بعث إليه فارة فلم يثبت عليه أكمة ولم يرد سننه رض طود يذعذعهم في

__________________

(١) القزع: قطع السحاب المتفرقة وانما خص الخريف لأنه أول الشتاء والسحاب يكونه فيه متفرقة غير متراكم قاله في النهاية. والركام: المتراكب بعضه فوق بعض.

(٢) أي محل انبعاثهم وتهييجهم، قال الفيض (ره) في الوافي: وكأنه أشارعليه‌السلام بذلك إلى فتن أبي مسلم المروزي واستئصالهم لبني امية، وانما شبههم بسيل العرم لتخريبهم البلاد وأهلها الذين كانوا في خفض ودعة.

٣٢٨

بطون أودية(١) ثم يسلكهم ينابيع في الأرض يأخذ بهم من قوم حقوق قوم، ويمكن من قوم لديار قوم تشريدا لبني امية(٢) .

٤٧ ـ في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن جميل بن صالح عن سدير قال: سأل رجل أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ) الآية فقال: هؤلاء قوم كانت لهم قرى متصلة ينظر بعضهم إلى بعض، وأنهار جارية وأموال ظاهرة، فكفروا نعم اللهعزوجل وغيروا ما بأنفسهم من عافية الله، فغير الله ما بهم من نعمة، و( إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ) فأرسل الله عليهم سيل العرم، ففرق قراهم وخرب ديارهم، وأذهب بأموالهم وأبدلهم مكان جناتهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل، ثم قال:( ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ ) .

٤٨ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله وعن أبي حمزة الثمالي قال: دخل قاض من قضاة أهل الكوفة على عليِّ بن الحسينعليهما‌السلام فقال له جعلني الله فداك أخبرنى عن قول اللهعزوجل :( وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ ) فقال له: ما يقول الناس فيها قبلكم بالعراق؟ قال: يقولون انها مكة، قال: وهل رأيت السرق في موضع أكثر منه بمكة قال: فما هو؟ قال: انما عنى الرجال، قال: وان ذلك في كتاب الله أو ما تسمع إلى قولهعزوجل :( وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أمر رَبِّها وَرُسُلِهِ ) وقال:( وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ ) وقال:( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها ) فليسأل القرية أو الرجال أو العير؟ قال: وتلا عليه آيات في هذا المعنى قال: جعلت فداك فمن هم؟ قال: نحن هم قال: أو لم تسمع إلى قوله:( سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ ) قال: آمنين من الزيغ.

__________________

(١) الأكمة: النل. والرض: الدق الجريش والطود: الجبل. والمجرور في «سننه» كما قاله في الوافي يرجع إلى السيل أو إلى الله تعالى والذعذعة بالذالين: التفريق.

(٢) التشريد: التنغير.

٣٢٩

٤٩ ـ وعن أبي حمزة الثمالي قال: أتى الحسن البصري(١) أبا جعفرعليه‌السلام فقال: لا سألك عن أشياء من كتاب الله فقال له أبو جعفر: الست فقيه أهل البصرة؟ قال قد يقال ذلك فقال له أبو جعفرعليه‌السلام : هل بالصبرة أحد تأخذ عنه؟ قال: لا قال فجميع أهل البصرية يأخذون عنك؟ قال: نعم فقال أبو جعفرعليه‌السلام : سبحان الله لقد تقلدت عظيما من الأمر بلغني عنك أمر فما أدرى أكذاك أنت أم يكذب عليك؟ قال: ما هو؟ قال: زعموا انك تقول أنّ الله خلق العباد ففوض إليهم أمورهم؟ قال: فسكت فقال: أرأيت من قال له الله في كتابه: انك آمن، هل عليك خوف بعد هذا القول منه؟ فقال أبو جعفرعليه‌السلام : انى اعرض إليك آية وانهى إليك خطبا ولا أحسبك إلّا وقد فسرته على غير وجهه، فان كنت فعلت ذلك فقد هلكت وأهلكت فقال له: وما هو؟ فقال: أرأيت حيث يقول( وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ ) يا حسن بلغني انك أفتيت الناس فقلت: هي مكة! فقال أبو جعفرعليه‌السلام : فهل يقطع على من حج مكة وهل يخاف أهل مكة وهل تذهب أموالهم فمتى يكونوا آمنين؟ بل فينا ضرب الله الأمثال في القرآن فنحن القرى التي بارك الله فيها، وذلك قول اللهعزوجل فيمن أقر بفضلنا حيث أمرهم أنْ يأتونا فقال:( وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً ) والقرى الظاهرة الرسل والنقلة عنا إلى شيعتنا وفقهاء شيعتنا إلى شيعتنا وقوله:( وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ ) والسير مثل للعلم( سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً ) مثل لما يسير من العلم في الليالي والأيام عنا إليهم في الحلال والحرام و

__________________

(١) هو رئيس القدرية أبو سعيد بن أبي الحسن يسار مولى زيد بن ثابت الأنصاري أخو سعيد وعمارة وأمهم خيرة مولاة أم سلمة زوج النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وكان أحد الزهاد الثمانية عند الناس وكان يلقى الناس بما يهوون ويتصنع للرياسة قال ابن أبي الحديد: وممن قيل انه يبغض عليا ويذمه الحسن بن أبي الحسن البصري وروى انه كان من المخذلين عن نصرته عليه‌السلام وكان ممن دعا عليه أمير المؤمنين عليه‌السلام بقوله: أطال الله حزنك، قال أيوب السجستاني: فما رأينا الحسن قطّ إلّا حزينا كأنه رجع عن دفن حميم أو خربندج ـ أي مكارى ـ ضل حماره فقلت له في ذلك؟ فقال: عمل في دعوة الرجل الصالح.

٣٣٠

الفرائض والأحكام «آمنين» فيها إذا أخذوا عن معدنها الذي أمروا أنْ يأخذوا منه آمنين من الشك والضلال، والنقلة من الحرام إلى الحلال، لأنهم أخذوا العلم ممن وجب لهم يأخذهم إياه عنهم المغفرة، لأنهم أهل ميراث العلم من آدم إلى حيث انتهوا ذرية مصفاة بعضها من بعض فلم ينته الاصطفاء إليكم بل إلينا انتهى، ونحن تلك الذرية المصطفاة لا أنت وأشباهك يا حسن، فلو قلت لك حين ادعيت ما ليس لك وليس إليك يا جاهل أهل البصرة لم أقل فيك إلّا ما علمته منك، وظهر لي عنك، وإياك أنْ تقول بالتفويض، فانّ الله جلّ وعزّ لم يفوّض الأمر إلى خلقه وهنا منه وضعفا، ولا أجبرهم على معاصيه ظلما والخبر طويل أخذنا منه موضع الحاجة «انتهى».

٥٠ ـ في روضة الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن محمد بن سنان عن زيد الشحام قال: دخل قتادة بن دعامة البصري(١) على أبي جعفرعليه‌السلام فقال: يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال: هكذا يزعمون فقال أبو جعفرعليه‌السلام : بلغني انك تفسر القرآن؟ قال له قتادة: نعم. قال أبو جعفر: بعلم تفسره أم بجهل؟ قال: لا، بعلم فقال له أبو جعفرعليه‌السلام : فان تفسره بعلم فأنت أنت(٢) والا أنا أسألك، فقال لقتادة: سل، قال: أخبرنى عن قول اللهعزوجل في سبأ: «و( قَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ ) فقال قتادة: ذاك من خرج من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال يريد هذا البيت كان آمنا حتى يرجع إلى أهله، فقال أبو جعفرعليه‌السلام : نشدتك بالله يا قتادة هل تعلم انه قد يخرج الرجل من بيته بزاد حلال وكراء حلال يريد هذا البيت فيقطع عليه الطريق فتذهب نفقته ويضرب مع ذلك ضربة فيها اجتياحه(٣) قال قتادة: أللّهمّ نعم، فقال أبو جعفرعليه‌السلام : ويحك يا قتادة إنْ كنت انما فسّرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت، وإنْ كنت قد أخذته من

__________________

(١) هو من مشاهير محدثي العامّة ومفسّريهم.

(٢) قال المجلسي (ره): أي فأنت العالم المتوحد الذي لا يحتاج إلى المدح والوصف وينبغي أنْ يرجع إليك في العلوم.

(٣) الاجتياح: الإهلاك.

٣٣١

الرجال فقد هلكت وأهلكت ويحك يا قتادة ذلك من خرج من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال يروم(١) هذا البيت عارفا بحقنا يهوانا بقلبه، كما قال اللهعزوجل :( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) ولم يعن البيت فيقول: «اليه» فنحن والله دعوة إبراهيم صلى الله عليه من هوانا قلبه قبلت حجته والا فلا، يا قتادة فاذا كان كذلك كان آمنا من عذاب جهنم يوم القيامة، قال قتادة: لا جرم والله لا فسرتها إلّا هكذا فقال أبو جعفرعليه‌السلام ويحك يا قتادة انما يعرف القرآن من خوطب به.

٥١ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى محمد بن صالح الهمداني قال: كتبت إلى صاحب الزمانعليه‌السلام أنّ أهل بيتي يؤذوننى ويقرعوني بالحديث الذي روي عن آبائكعليهم‌السلام انهم قالوا: خدامنا وقوامنا شرار خلق الله فكتبعليه‌السلام : ويحكم ما تعرفون ما قال اللهعزوجل :( وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً ) نحن والله القرى التي بارك الله فيها وأنتم القرى الظاهرة. قال عبد الله بن جعفر: وحدثنا بهذا الحديث علي بن محمد الكليني عن محمد بن صالح عن صاحب الزمانعليه‌السلام .

٥٢ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى أبي زهر شيب بن أنس عن بعض أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال أبو عبد الله لأبي حنيفة: يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته وتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: نعم قال: يا أبا حنيفة لقد ادعيت علما ويلك ما جعل الله إلّا عند أهل الكتاب الذين انزل عليهم: ويلك ولا هو إلّا عند الخاص من ذرية نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله وما ورثك الله من كتابه حرفا، فان كنت كما تقول ولست كما تقول فأخبرنى عن قول اللهعزوجل :( سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ ) اين ذلك من الأرض؟ قال: احسبه ما بين مكة والمدينة، فالتفت أبو عبد اللهعليه‌السلام إلى أصحابه فقال: تعلمون ان الناس يقطع عليهم ما بين المدينة ومكة فتؤخذ أموالهم ولا يؤمنون على أنفسهم ويقتلون؟ قالوا: نعم، قال: فسكت أبو حنيفة، فقال: يا أبا حنيفة أخبرنى عن قول

__________________

(١) يروم أي يقصد.

٣٣٢

اللهعزوجل :( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) اين ذلك من الأرض؟ قال: الكعبة قال: أفتعلم ان الحجاج بن يوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزبير فقتله كان آمنا فيها؟ قال: فسكت، فقال أبو بكر الحضرمي: جعلت فداك الجواب في المسئلتين؟ فقال: يا أبا بكر( سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ ) فقال: مع قائمنا أهل البيت، واما قوله:( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) فمن بايعه ودخل معه ومسح على يده ودخل في عقدة أصحابه كان آمنا، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٥٣ ـ وباسناده إلى أبي سعيد الخدري عن النبي حديث طويل يقول فيهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا بلال اصعد أبا قبيس فناد عليه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حرم الجري(١) والضب والحمر الاهلية، ألآ فاتقوا الله ولا تأكلوا من السمك إلّا ما كان له قشر، ومع القشر فلوس، إنَّ الله تبارك وتعالى مسخ سبعمائة امة عصوا الأوصياء بعد الرسل، فأخذ أربعمائة امة منهم برا وثلاثمأة امة منهم بحرا، ثم تلا هذه الآية وجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق.

٥٤ ـ في مجمع البيان وفي الحديث عن فروة بن مسيك قال: سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن سبأ، أرجل هو أم امرأة(٢) الحديث وقد تقدم أوائل قصة سبأ.

٥٥ ـ في روضة الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن سليمان عن عبد الله بن محمد اليماني عن مسمع بن الحجاج عن صباح الحذاء عن صباح المزني عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: لما أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد عليٍّعليه‌السلام يوم الغدير صرخ إبليس في جنوده صرخة، فلم يبق منهم في بر ولا بحر إلّا أتاه، فقالوا: يا سيدهم ومولاهم(٣) ماذا دهاك فيما سمعنا لك صرخة أوحش من صرختك هذه؟ فقال لهم: فعل

__________________

(١) الجري: صنف من السمك في ظهره طول وفي فمه سعة وليس له عظم الأعظم اللحيين والسلسلة.

(٢) مرّ الحديث تحت رقم ٤٤ فراجع.

(٣) قال المجلسي (ره) في كتاب مرآة العقول: أي قالوا يا سيدنا ويا مولانا وانما غيره لئلا يوهم انصرافه إليه (عليه السلام) وهذا شايع في كلام البلغاء في نقل أمر لا يرضى القائل لنفسه كما في قوله تعالى( أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ ) . وقوله: ماذا دهاك يقال: دهاه إذا اصابته داهية.

٣٣٣

هذا النبي فعلا إنْ تمَّ لم يعص الله أبدا، فقالوا: يا سيدهم أنت كنت لآدم، فلمّا قال المنافقون: انه ينطق عن الهوى وقال أحدهما لصاحبه: اما ترى عينيه تدوران في رأسه كأنه مجنون ـ يعنون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ صرخ إبليس صرخة بطرب فجمع أوليائه فقال: أما علمتم انى كنت لادم من قبل؟ قالوا: نعم قال: آدم نقض العهد ولم يكفر بالرب، وهؤلاء نقضوا العهد وكفروا بالرسول: فلما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأقام الناس غير عليٍّ لبس إبليس تاج الملك ونصب منبرا وقعد في الزينة(١) وجمع خيله ورجله ثم قال لهم: اطربوا لا يطاع الله حتى يقوم امام وتلا أبو جعفر:عليه‌السلام ( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) قال أبو جعفرعليه‌السلام : كان تأويل هذه الآية لما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والظن من إبليس حين قالوا لرسول الله انه ينطق عن الهوى، فظن بهم إبليس ظنا فصدقوا ظنه.

٥٦ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن سنان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: لما أمر الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنْ ينصب أمير المؤمنين للناس في قوله:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) في عليٍّ» بغدير خم فقال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، فجاء الأبالسة إلى إبليس الأكبر وحثوا التراب على رؤسهم فقال لهم إبليس: ما لكم؟ قالوا إنَّ هذا الرجل قد عقد اليوم عقدة لا يحلها شيء إلى يوم القيامة فقال لهم إبليس: كلا إنّ الذين حوله قد وعدوني فيه عدة لن يخلفوني فأنزل اللهعزوجل على رسوله:صلى‌الله‌عليه‌وآله ( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ) الآية.

٥٧ ـ وقولهعزوجل :( وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ) قال: لا يشفع أحد من أنبياء الله ورسله يوم القيامة حتى يأذن الله له إلّا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فان اللهعزوجل قد اذن له في الشفاعة من قبل يوم القيامة، والشفاعة له وللائمة صلوات الله عليهم ثم بعد ذلك للأنبياءعليهم‌السلام .

قال: حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي العباس المكبر قال: دخل مولى لامرأة علي بن الحسين صلوات الله عليهما على أبي جعفر صلوات الله عليه يقال له أبو أيمن فقال له: يا أبا جعفر تغرون الناس وتقولون شفاعة محمد

__________________

(١) وفي المصدر «وقعد في الوثبة» والوثبة: الوسادة.

٣٣٤

شفاعة محمد؟! فغضب أبو جعفرعليه‌السلام حتى تربد وجهه(١) ثم قال: ويحك يا أبا أيمن أغرك إنْ عف بطنك وفرجك؟ أما لو قد رأيت افزاع القيامة لقد احتجت إلى شفاعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويلك وهل يشفع إلّا لمن وجبت له؟ ثم قال: ما من أحد من الأولين والآخرين إلّا وهو محتاج إلى شفاعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة، ثم قال أبو جعفرعليه‌السلام : إنَّ لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الشفاعة في أمته، ولنا الشفاعة في شيعتنا، ولشيعتنا شفاعة في أهاليهم، ثم قال: وإنَّ المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر، وإنَّ المؤمن ليشفع حتى لخادمه، يقول: يا ربّ حقّ خدمتي كان يقيني الحرّ والبرد.

٥٨ ـ وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) وذلك أنّ أهل السموات لم يسمعوا وحيا فيما بين أنْ بعث عيسى بن مريم إلى أنْ بعث محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما بعث الله جبرئيل إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله سمع أهل السموات صوت وحي القرآن كوقع الحديد على الصفا، فصعق أهل السموات فلما فرغ عن الوحي انحدر جبرئيلعليه‌السلام كلما مر بأهل سماء فزع عن قلوبهم، يقول كشف عن قلوبهم، فقال بعض لبعض: ماذا قال ربكم؟ قالوا الحق وهو العلى الكبير.

٥٩ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله عن أمير المؤمنينعليه‌السلام كلام طويل وفيه: واما قولكم انى شككت في نفسي حيث قلت للحكمين: انظرا فان كان معاوية أحق بها منى فأثبتاه، فان ذلك لم يكن شكا منى ولكني أنصفت في القول قال الله :( وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) ولم يكن ذلك شكا وقد علم الله أنّ نبيه على الحق.

٦٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثنا علي بن جعفر قال: حدّثني محمد بن عبد الله الطائي قال: حدّثنا محمد بن أبي عمير قال: حدّثنا حفص الكناني قال: سمعت عبد الله بن بكير الرجالي قال: قال لي الصادق جعفر بن محمد صلوات الله عليهما: أخبرنى عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كان عاما للناس أليس قد قال اللهعزوجل في محكم كتابه :

__________________

(١) تربد لونه: تغير.

٣٣٥

( وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ ) لأهل الشرق والغرب وأهل السماء والأرض من الجن والانس هل بلغ رسالته إليهم كلهم؟ قلت: لا أدرى، قال: يا ابن بكير إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يخرج من المدينة فكيف أبلغ أهل الشرق والغرب؟ قلت: لا أدرى، قال: إنّ الله تعالى أمر جبرئيلعليه‌السلام فاقتلع الأرض بريشة من جناحه ونصبها لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكانت بين يديه مثل راحة في كفه ينظر إلى أهل الشرق والغرب، ويخاطب كل قوم بألسنتهم، ويدعوهم إلى اللهعزوجل والى نبوته بنفسه، فما بقيت قرية ولا مدينة إلّا ودعاهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه.

٦١ ـ في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن محمد عن أبي نصر وعدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن محمد بن مروان جميعا عن أبان عن عثمان عمن ذكره عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ الله تبارك وتعالى اعطى محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله شرايع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، إلى أنْ قال: وأرسله كافة إلى الأبيض والأسود والجن والانس.

٦٢ ـ في كتاب الخصال عن أبي أمامة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فضلت بأربع خصال: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، إلى قوله: وأرسلت إلى الناس كافة.

٦٣ ـ في مجمع البيان عن ابن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أعطيت خمسا ولا أقول فخرا بعثت إلى الأحمر والأصفر (الأسود خ) الحديث.

٦٤ ـ في روضة الواعظين للمفيدرحمه‌الله قال علي بن الحسينعليهما‌السلام كان أبو طالب يضرب عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بسيفه ويقيه بنفسه، إلى أنْ قال: فقالوا: يا أبا طالب سله: أرسله الله إلينا خاصة أم إلى الناس كافة؟ فقال أبو طالب: يا ابن أخ إلى الناس كافة أرسلت أم إلى قومك خاصة؟ قال: لا، بل إلى الناس أرسلت كافة الأبيض والأسود والعربي والعجمي، والذي نفسي بيده لا دعون إلى هذا الأمر الأبيض والأسود ومن على رؤس الجبال ومن في لجج البحار، ولا دعون السنة فارس والروم.

٦٥ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام حديث طويل وفيه: وان الأنبياء بعثوا خاصة وعامة، فاما نوح :

٣٣٦

فانه أرسل إلى من في الأرض بنبوة عامة ورسالة عامة. واما هود: فانه أرسل إلى عاد بنبوة خاصة، واما صالح: فانه أرسل إلى ثمود وهي قرية واحدة لا تكمل أربعين بيتا على ساحل البحر صغيرة، واما شعيب: فانه أرسل إلى مدين وهي لا تكمل أربعين بيتا، واما إبراهيم: نبوته بكوثا وهي قرية من قرى السواد فيها بدا أول امره، ثم هاجر منها وليست بهجرة، فقال في ذلك قولهعزوجل :( إِنِّي مُهاجِرٌ إلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) وكانت هجرة إبراهيم بغير قتال، واما إسحق: فكانت نبوته بعد إبراهيم، واما يعقوب: فكانت نبوته بأرض كنعان ثم هبط إلى الرض مصر فتوفي فيها، ثم حمل بعد ذلك جسده حتى دفن بأرض كنعان، والرؤيا التي راى يوسف الأحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين، وكانت نبوته بأرض مصر بدوها، ثم إنّ الله تبارك وتعالى أرسل الأسباط اثنى عشر بعد يوسف، ثم موسى وهارون إلى فرعون وملائه إلى أرض مصر وحدها، ثم إنّ الله تبارك وتعالى أرسل يوشع بن نون إلى بنى إسرائيل من بعد موسى فنبوته بدوها في البرية التي تاه فيها بنوا إسرائيل، ثم كانت أنبياء كثيرة منهم من قصه اللهعزوجل على محمد ومنهم من لم يقصصه على محمد، ثم إنّ اللهعزوجل أرسل عيسىعليه‌السلام إلى بنى إسرائيل خاصة وكانت نبوته ببيت المقدس، وكانت من بعده الحواريون اثنا عشر، فلم يزل الايمان يستتر في بقية أهله منذ رفع الله عيسىعليه‌السلام ، ثم أرسل الله محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الجن والانس عامة وكان خاتم الأنبياء.

٦٦ ـ وباسناده إلى محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر محمد بن عليعليهما‌السلام حديث طويل وفيه يقولعليه‌السلام : فمكث نوح ألف سنة إلّا خمسين عاما لم يشاركه في نبوته أحد.

٦٧ ـ في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفرعليه‌السلام مثل ما نقلنا عن كتاب كمال الدين وتمام النعمة أخيرا سواء.

٦٧ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله: وأسروا الندامة لما رأوا العذاب قال: يسرون الندامة في النار إذا رأوا اولى الله، فقيل: يا رسول الله وما يغنيهم اسرارهم

٣٣٧

الندامة وهم في العذاب؟ قال: يكرهون شماتة الأعداء.

٦٨ ـ في نهج البلاغة واما الأغنياء من مترفة الأمم فتعصبوا لآثار مواقع النعم فقالوا:( نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ) فان كان لا بد من العصبية فليكن تعصبكم لمكارم الخصال ومحامد الأفعال ومحاسن الأمور التي تفاضلت فيها المجداء والنجداء من بيوتات العرب ويعاسيب القبائل(١) بالأخلاق الرغيبة والأحلام العظيمة والاخطار(٢) الجليلة والآثار المحمودة.

٦٩ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى أبي بصير قال: ذكرنا عند أبي جعفرعليه‌السلام من الأغنياء من الشيعة فكأنه كره ما سمع منا فيهم، قال: يا أبا محمد إذا كان المؤمن غنيا رحيما وصولا له معروف إلى أصحابه، أعطاه الله أجر ما ينفق في البر أجره مرتين ضعفين، لان اللهعزوجل يقول في كتابه:( وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ ) .

٧٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وذكر رجل عند أبي عبد اللهعليه‌السلام الأغنياء ووقع فيهم فقال أبو عبد الله: اسكت فان الغنى إذا كان وصولا لرحمه، بارا بإخوانه، أضعف الله له الأجر ضعفين، لان الله يقول:( وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ ) .

٧١ ـ في أمالي شيخ الطائفةقدس‌سره باسناده إلى أمير المؤمنين حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام : حتى إذا كان يوم القيامة حسب لهم ثم أعطاهم بكل واحدة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال اللهعزوجل :( جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً ) وقال:( فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ ) .

__________________

(١) تفاضلت فيها أي تزايدت والمجداء جمع ماجد والمجد: الشرف في الاباء والنجداء: الشجعان والواحد: النجد. ويعاسيب القبائل رؤساؤها.

(٢) الرغيبة. الخصلة يرغب فيها، والأحلام: العقول. والاخطار: الأقدار.

٣٣٨

٧٢ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقولهعزوجل :( وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) قال :فانه حدّثني أبي عن حماد عن حريز عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ الرب تبارك وتعالى ينزل أمره كل ليلة جمعة إلى السماء الدنيا من أول الليل، وفي كل ليلة في الثلث الأخير وامامه ملك ينادى: هل من تائب يتاب عليه، هل من مستغفر يغفر له، هل من سائل فيعطى سؤله أللّهمّ أعط كل منفق خلفا وكل ممسك تلفا، إلى أنْ يطلع الفجر، فاذا طلع الفجر عاد أمر الرب تبارك وتعالى إلى عرشه فيقسم أرزاق العباد، ثم قال للفضيل بن يسار: يا فضيل يصيبك من ذلك وهو قول الله:( وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ) إلى قوله: «أكثرهم بهم يؤمنون».

٧٣ ـ في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن عثمان بن عيسى عمن حدثه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت آيتين في كتاب الله أطلبهما فلا أجدهما قال: وما هما؟ قلت: قول اللهعزوجل :( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) إلى أنْ قال: ثم قال: وما الآية الاخرى؟ قلت: قول اللهعزوجل :( وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) وانى أنفق ولا أرى خلفا قال: افترىعزوجل أخلف وعده؟ قلت: لا قال فمم ذلك؟ قلت: لا أدرى، قال: لو أنّ أحدكم اكتسب المال من حله وأنفقه في حله لم ينفق درهما إلّا اخلف عليه.

٧٤ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن يحيى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : من بسط يده بالمعروف إذا وجده يخلف الله له ما أنفق في دنياه، ويضاعف له في آخرته، والحديثان طويلان أخذنا منهما موضع الحاجة.

٧٥ ـ في من لا يحضره الفقيه باسناده إلى أبان الأحمر عن الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام انه جاء إليه رجل فقال له: بأبى أنت وأمي عظني موعظة. فقالعليه‌السلام : وان كان الحساب حقا فالجمع لماذا وإذا كان الخلف من اللهعزوجل حقا فالبخل لماذا؟ الحديث.

٧٦ ـ في الكافي عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من صدق بالخلف جاد بالعطية.

٣٣٩

٧٧ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن موسى بن راشد عن سماعة عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أيقن بالخلف سخت نفسه بالنفقة.

٧٨ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن عثمان بن عيسى عن بعض من حدثه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كلام له: ومن بسط يده بالمعروف إذا وجده يخلف الله له ما أنفق في دنياه ويضاعف له في آخرته.

٧٩ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن عمر بن أذينة رفعه إلى أبي عبد الله وأبي جعفرعليهما‌السلام قال: ينزل الله المعونة من السماء إلى العبد بقدر المؤنة، ومن أيقن بالخلف سخت نفسه بالنفقة.

٨٠ ـ أحمد بن محمد عن أبيه عن الحسين بن أيمن عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال: يا حسين أنفق وأيقن بالخلف من الله، فانه لم يبخل عبد ولا امة بنفقة فيما يرضى اللهعزوجل إلّا أنفق أضعافها فيما يسخط الله.

٨١ ـ محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: دخل عليه مولى فقال له: هل أنفقت اليوم شيئا؟ فقال: لا والله، فقال أبو الحسنعليه‌السلام : فمن أين يخلف الله علينا؟.

٨٢ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى وأحمد بن محمد بن خالد جميعا عن الحسن بن محبوب عن إبراهيم بن مهزم عن رجل عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إنّ الشمس ليطلع ومعها أربعة أملاك: ملك ينادى: يا صاحب الخير أتم وأبشر وملك ينادى: يا صاحب الشر أنزع وأقصر، وملك ينادى أعط منفقا خلفا، وآت ممسكا تلفا، وملك ينضحها بالماء ولولا ذلك اشعلت الأرض.

٨٣ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن معاوية بن وهب عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من يضمن أربعة بأربعة أبيات في الجنة: أنفق ولا تخف فقرا وأنصف الناس من نفسك، وأفش السلام في العالم واترك المراء وان كنت محقا.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652