تفسير نور الثقلين الجزء ٥

تفسير نور الثقلين7%

تفسير نور الثقلين مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 749

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 749 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 363381 / تحميل: 5062
الحجم الحجم الحجم
تفسير نور الثقلين

تفسير نور الثقلين الجزء ٥

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

عنده ست ركعات بتسليم في كل ركعتين، لان في قبره عظام آدم وجسد نوح وأمير المؤمنينعليهم‌السلام ومن زار قبره فقد زار آدم ونوح وأمير المؤمنينعليهم‌السلام فتصلي لكل زيارة ركعتين.

٦٧ ـ في روضة الواعظين للمفيدرحمه‌الله قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : لا تنشق الأرض عن أحد يوم القيامة إلّا وملكان اخذان بضبعه(١) يقولان: أجب رب العزة.

٦٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم في قوله:( فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ ) قال ذكريا محمد ما وعدناه من العذاب.

بسم الله الرحمن الرحيم

١ ـ في كتاب ثواب الأعمال باسناده عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من قرء سورة والذاريات في يومه أو في ليلته أصلح الله له معيشته، وأتاه برزق واسع ونور له في قبره، بسراج يزهر إلى يوم القيامة.

٢ ـ في مجمع البيان أبيّ بن كعب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من قرء سورة الذاريات أعطى من الأجر عشر حسنات، بعدد كل ريح هبت وجرت في الدنيا.

٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله: والذاريات ذروا فقال ابن الكوا سأل أمير المؤمنينعليه‌السلام عن «الذاريات ذروا»؟ قال الريح، وعن الحاملات وقرا فقال: هي السحاب وعن الجاريات يسرا فقال هي السفن وعن المقسمات امرا فقال الملائكة، وهو قسم كله وخبره( إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ ) يعنى المجازاة والمكافاة.

٤ ـ في مجمع البيان وقال أبو جعفر وأبو عبد اللهعليهما‌السلام لا يجوز لأحد أنْ يقسم إلّا بالله تعالى والله سبحانه يقسم بما شاء من خلقه.

٥ ـ فيمن لا يحضره الفقيه وقال الصادقعليه‌السلام : في قول اللهعزوجل : «فالمقسمات

__________________

(١) الضبع: العضد.

١٢١

أمرا» قال: الملائكة تقسم أرزاق بنى آدم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فمن ينام فيما بينهما نام عن رزقه.

٦ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثنا جعفر بن أحمد قال: حدّثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم عن محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول في قول الله:( إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ ) يعنى في عليٍّ و( إِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ ) يعنى عليا وعلى هو الدين، وقوله،( وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ ) قال: السماء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى ذات الحبك.

٧ ـ حدّثني أبي عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: قلت له: أخبرني عن قول الله:( وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ ) فقال: هي محبوكة إلى الأرض ـ وشبك بين أصابعه ـ فقلت: كيف تكون محبوكة إلى الأرض والله يقول: «رفع السماء( بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ) ؟ فقال: سبحان الله أليس يقول:( بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ) ؟ فقلت: بلى فقال: فثم عمد ولكن لا ترونها، قلت: كيف ذلك جعلني الله فداك؟ فبسط كيف اليسرى ثم وضع اليمنى عليها فقال: هذه أرض الدنيا والسماء الدنيا عليها فوقها قبة والأرض الثانية فوق السماء الدنيا والسماء الثانية فوقها قبة، والأرض الثالثة فوق السماء الثانية والسماء الثالثة فوقها قبة، والأرض الرابعة فوق السماء الثالثة والسماء الرابعة فوقها قبة، والأرض الخامسة فوق السماء الرابعة والسماء الخامسة فوقها قبة، والأرض السادسة فوق السماء الخامسة والسماء السادسة فوقها قبة، والأرض السابعة فوق السماء السادسة والسماء السابعة فوقها قبة، وعرش الرحمن تبارك وتعالى فوق السماء السابعة، وهو قول الله: «( الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ ) طباقا( وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ) فأما صاحب الأمر فهو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوصي بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قائم هو على وجه الأرض، فانما ينزل الأمر إليه من فوق السماء بين السماوات والأرضين، قلت فما تحتنا إلّا ارض واحدة؟ فقال: ما تحتنا إلّا ارض واحدة وان الست لهي فوقنا.

٨ ـ في مجمع البيان( ذاتِ الْحُبُكِ ) ذات الطرائق الحسنة إلى قوله: وقيل ذات

١٢٢

الحسن والزينة، عن عليٍّعليه‌السلام .

٩ ـ في جوامع الجامع وعن عليٍّعليه‌السلام حسنها وزينها.

١٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ ) يعنى مختلف في عليٍّ اختلفت هذه الأمّة في ولايته، فمن استقام على ولاية عليٍّعليه‌السلام دخل الجنة، ومن خالف ولاية عليٍّ دخل النار، وقوله:( يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ) فانه يعنى عليا، فمن أفك عن ولايته إفك عن الجنة.

١١ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن سيف عن أخيه عن أبيه عن أبي حمزة عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ ) في أمر الولاية( يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ) قال: من أفك عن الولاية إفك عن الجنة.

١٢ ـ في الكافي علي بن محمد، عن سهل عن أحمد بن عبد العزيز قال: حدّثنا بعض أصحابنا قال: كان أبو الحسن الاوّلعليه‌السلام إذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر قال: هذا مقام مَن حسناته نعمه منك، وشكره ضعيف، وذنبه عظيم، وليس له إلّا دفعك ورحمتك، فانك قلت في كتابك المنزل على نبيك المرسلصلى‌الله‌عليه‌وآله ( كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) طال هجوعي(١) وقل قيامي وهذا السحر وانا أستغفرك لذنبي استغفار من لا يجد لنفسه ضرا ولا نفعا، ولا موتا ولا حيوة ولا نشورا ثم يخر ساجدا صلوات الله عليه.

١٣ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب الخزاز عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: إنّ العبد يوقظ ثلاث مرات من الليل ؛ فان لم يقم أتاه الشيطان فبال في أذنيه قال: وسألته عن قول اللهعزوجل :( كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ ) قال: كانوا أقل الليالي تفوتهم لا يقومون فيها.

١٤ ـ في مجمع البيان( كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ ) وقيل: معناه قل ليلة

__________________

(١) الهجوع: النوم.

١٢٣

تمر بهم إلّا صلوا فيها وهو المروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .

١٥ ـ( وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : كانوا يستغفرون في الوتر سبعين مرة في السحر.

١٦ ـ في تهذيب الأحكام محمد بن علي بن محبوب عن الحسن بن علي عن العباس بن عامر عن جابر عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال:( كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ ) قال: كان القوم ينامون ولكن كلّما انقلب أحدهم قال: الحمد لله ولا اله إلّا الله والله أكبر.

١٧ ـ في تفسير علي بن إبراهيم:( وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) قال: السائل الذي يسأل، والمحروم الذي قد منع كده.

١٨ ـ في تهذيب الأحكام محمد بن يعقوب عن علي بن محمد عن ابن فضال عن صفوان الجمال عن أبي عبد اللهعليه‌السلام وقولهعزوجل : «للسائل والمحروم» قال: المحروم المحارف الذي قد حرم كديده في الشراء والبيع.

١٩ ـ وفي رواية اخرى عن أبي جعفر وأبى عبد اللهعليهما‌السلام ، قال: المحروم الرجل ليس بعقله بأس ولا يبسط له في الرزق وهو محارف.

٢٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ ) قال: في كل شيء خلقه اللهعزوجل آية، قال الشاعر :

وفي كل شيء له آية

تدل على انه واحد

وقوله: وفي أنفسكم أفلا تبصرون قال: خلقك سميعا بصيرا تغضب مرة وترضى مرة، وتجوع مرة وتشبع مرة، وذلك كله من آيات الله.

٢١ ـ في مجمع البيان( وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ) أي أفلا ترون أنها متصرفة من حال إلى حال إلى قوله: وقيل: يعنى انه خلقك سميعا بصيرا تغضب وترضى وتجوع وتشبع وذلك كله من آيات الله عن الصادقعليه‌السلام .

٢٢ ـ في أصول الكافي باسناده إلى أبي الحسن الرضاعليه‌السلام حديث طويل وفي آخره قال الرجل وكان زنديقا: فأخبرنى متى كان؟ قال أبو الحسنعليه‌السلام

١٢٤

انى لـمّا نظرت إلى جسدي ولم يمكنني فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول ودفع المكاره عنه وجر المنفعة اليه، علمت أنّ لهذا البنيان بانيا فأقررت به مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته وإنشاء السحاب وتصريف الرياح ومجرى الشمس والقمر والنجوم وغير ذلك من الآيات العجيبات البينات، علمت أنّ لهذا مقدرا ومنشئا.

٢٣ ـ في كتاب الخصال عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعت أبي يحدّث عن أبيهعليه‌السلام أنّ رجلا قام إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال: يا أمير المؤمنين بما عرفت ربك؟ قال: بفسخ العزم ونقض الهم، لـما أنْ هممت فحال بيني وبين همّي ؛ وعزمت فخالف القضاء عزمي علمت أنّ المدبر غيري.

٢٤ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى هشام بن سالم قال: سأل أبو عبد اللهعليه‌السلام فقيل له: بما عرفت ربك؟ قال: بفسخ العزم ونقض الهم، عزمت ففسخ عزمي ؛ وهممت فنقض همى.

٢٥ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ ) قال: المطر ينزل من السماء، فتخرج به أقوات العالم من الأرض، وما توعدون من أخبار الرجعة والقيامة، والاخبار التي في السماء.

وفيه عن الحسن بن عليعليهما‌السلام حديث طويل وفيه: ثم سئل ملك الروم من أرزاق الخلائق؟ فقال الحسنعليه‌السلام : أرزاق الخلايق في السماء الرابعة تنزل بقدر وتبسط بقدر.

٢٦ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: حدّثني أبي عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إذا فرغ أحدكم من الصلوة فليرفع يديه إلى السماء ولينصب في الدعاء، فقال ابن سبا: يا أمير المؤمنين أليس اللهعزوجل في كل مكان؟ قال: بلى، قال فلم يرفع يديه إلى السماء؟ فقال: أو ما تقرأ:( وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ ) فمن أين تطلب الرزق إلّا من موضع الرزق وما وعد اللهعزوجل السماء.

١٢٥

٢٧ ـ في كتاب الخصال فيما علم أمير المؤمنينعليه‌السلام أصحابه من الاربعمأة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه: إذا فرغ أحدكم وقالعليه‌السلام نحو ما نقلناه عن علل الشرائع بحذف وتغيير غير مغير للمعنى. عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: غسل الإناء وكسح الفناء(١) مجلبة للرزق.

٢٨ ـ في صحيفة السجادية في دعائه إذا اقتر عليه الرزق(٢) : «واجعل ما صرحت به من عدتك في وحيك، واتبعته من قسمك في كتابك، قاطعا لاهتمامنا بالرزق الذي تكفلت به، وحسما «(٣) » للاشتغال بما ضمنت الكفاية له، فقلت وقولك الحق الاصدق، وأقسمت وقسمك الأبر الأوفى( وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ ) ثم قلت:( فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ) .

٢٩ ـ في إرشاد المفيدرحمه‌الله حديث طويل عن عليٍّعليه‌السلام وفيه يقولعليه‌السلام : اطلبوا الرزق فانه مضمون لطالبه.

٣٠ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث طويل له مع بعض الزنادقة، وفيه قال السائل: فما الفرق بين أنْ ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أنْ تخفضوها نحو الأرض؟ قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : وذلك في علمه واحاطته وقدرته سواء.

ولكنهعزوجل أمر أوليائه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش لأنه جعله معدن الرزق.

٣١ ـ وباسناده إلى أبان الأحمر عن الصادق جعفر بن محمدعليه‌السلام قال: والذي بعث جديصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحق نبيا أنّ الله تبارك وتعالى ليرزق العبد على قدر المروة، وان المعونة لتنزل على قدر شدة البلاء.

٣١ ـ وباسناده إلى أبان الأحمر عن الصادق جعفر بن محمدعليه‌السلام والذي بحث جديصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحق نبيا أنّ الله تبارك وتعالى ليرزق العبد على قدر المروة وأنّ المعونة لتنزل على قدر شدة البلاء.

٣٢ ـ وباسناده إلى أبي البختري قال: حدّثني جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال: يا عليُّ إنّ اليقين أنْ لا ترضى

__________________

(١، ٣) كسح البيت: كنسه وأستعير لتنقية البئر والنهر وغيره.

(٢) اقتر الرجل: قل ماله وافتقر.

١٢٦

أحدا على سخط الله، ولا تحمدن أحدا على ما أتاك الله، ولا تذمن أحدا على ما لم يؤتك الله فان الرزق لا يجره حرص حريص ولا يصرفه كره كاره، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٣٣ ـ وباسناده إلى أبان الأحمر عن الصادق جعفر بن محمدعليه‌السلام أنه جاء إليه رجل فقال له: بأبي أنت وأمّي عظني موعظة، فقالعليه‌السلام : إنْ كان اللهعزوجل كفل بالرزق فاهتمامك لماذا؟ وان كان الرزق مقسوما فالحرص لماذا؟ والحديث طويل أيضا.

٣٤ ـ وباسناده إلى أبي حمزة عن علي بن الحسينعليه‌السلام قال: خرجت حتى انتهيت إلى هذا الحائط فانكببت عليه فاذا رجل عليه ثوبان أبيضان ينظر في وجهي، ثم قال لي: يا عليُّ بن الحسين ما لي أراك كئيبا حزينا؟ أعلى الدنيا حزنك فرزق الله حاضر للبر والفاجر؟ فقلت: ما على هذا أحزن وانه لكما تقول قال: يا عليّ بن الحسين هل رأيت أحدا سأل اللهعزوجل فلم يعطه؟ قلت: لا قال: نظرت فاذا ليس قدامي أحد، والحديث طويل أيضا.

٣٥ ـ وباسناده إلى إبراهيم بن أبي رجا أخي طربال قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول كف الأذى وقلة الصخب(١) يزيدان في الرزق.

٣٦ ـ وباسناده إلى علي بن الحسين قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: إنّ اللهعزوجل جعل أرزاق المؤمنين من حيث لا يحتسبون، وذلك أنّ العبد إذا لم يعرف وجه رزقه كثر دعائه.

٣٧ ـ وباسناده إلى داود بن سليمان الفراء عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن عليٍّعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله التوحيد نصف الدين، واستنزل الرزق بالصدقة.

٣٨ ـ في روضة الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن داود بن أبي يزيد وهو فرقد عن أبي يزيد الحمار عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنَّ

__________________

(١) الصخب: اختلاط الأصوات والصياح الشديد.

١٢٧

الله تبارك وتعالى بعث أربعة أملاك في إهلاك قوم لوط: جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وكروبيل صلوات الله عليهم، فمروا بإبراهيم وهم مغتمون، فسلموا عليه فلم يعرفهم، وراى هيئة حسنة، فقال: لا يخدم هؤلاء أحد إلّا أنا بنفسي وكان صاحب أضياف، فشوى لهم عجلا سمينا حتى أنضجه(١) ثم قربه إليهم فلما وضعه بين أيديهم رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة فلما راى ذلك جبرئيل حسر العمامة عن وجهه(٢) وعن رأسه فعرفه إبراهيمعليه‌السلام فقال: أنت هو؟ فقال: نعم، ومرت امرأته سارة فبشرها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، وقالت ما قال اللهعزوجل ، فأجابوها بما في الكتاب العزيز، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٣٩ ـ في مجمع البيان:( فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ ) وقيل في جماعة عن الصادقعليه‌السلام .

٤٠ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن اسمعيل عن حنان عن سالم الحناط قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله:( فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) فقال أبو جعفر (عليه السلام): آل محمد لم يبق فيها غيرهم.

٤١ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام حديث طويل وفيه قال أبو بصير: فقلت له: جعلت فداك فهل كان أهل قرية لوط كلهم هكذا يعملون؟ فقال: نعم إلّا أهل بيت منهم مسلمين اما تسمع لقوله تعالى:( فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) .

٤٢ ـ وباسناده إلى أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفرعليه‌السلام أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سئل جبرئيل كيف كان مهلك قوم لوط؟ فقال: إنّ قوم لوط كانوا أهل قرية لا يتنظفون من الغايط ولا يتطهرون من الجنابة، بخلاء أشحاء على الطعام، وان لوطا لبث فيهم ثلاثين سنة، وإنّما كان نازلا عليهم ولم يكن منهم ولا عشيرة له فيهم ولا قوم، وأنه دعاهم إلى اللهعزوجل والى الايمان به واتباعه، ونهاهم عن

__________________

(١) نضج اللحم بالطبخ: أدرك وطاب اكله.

(٢) حسر عن الشيء: كشفه.

١٢٨

الفواحش، وحثهم على طاعة الله فلم يجيبوه ولم يطيعوه، وان اللهعزوجل لـمّا أراد عذابهم بعث إليهم رسلا منذرين عذرا نذرا فلما عتوا عن امره، بعث إليهم ملائكة ليخرجوا من كان في قريتهم من المؤمنين، فما وجدوا فيها غير بيت من المسلمين فاخرجوهم منها إلى قولهعليه‌السلام : وانى نوديت من تلقاء العرش لـمّا طلع الفجر: يا جبرئيل حق القول من الله، تحتم عذاب قوم لوط فاهبط إلى قرية قوم لوط وما حوت فأقبلها من تحت سبع أرضين، ثم أعرج بها إلى السماء فأوقفها حتى يأتيك أمر الجبار في قلبها. ودع منها آية بينة من منزل لوط عبرة للسيارة، فهبطت على أهل القرية الظالمين فضربت بجناحي الأيمن على ما حوى عليه شرقها، وضربت بجناحي الأيسر على غربها فاقتلعتها يا محمد من تحت سبع أرضين إلّا منزل لوط آية للسيارة، ثم عرجت بها في خوافي جناحي(١) حتى وقفتها حيث يسمع أهل السماء زقاء ديوكها ونباح كلابها(٢) فلما طلعت الشمس نوديت من تلقاء العرش: يا جبرئيل أقلب القرية على القوم، فقلبتها عليهم حتى سار أسفلها أعلاها، الحديث.

قال عز من قائل:( وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ) .

٤٣ ـ فيمن لا يحضره الفقيه وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما خرجت ريح قط إلّا بمكيال إلّا زمن عاد، فانها عتت على خزانها فخرجت في مثل خرق الإبرة فأهلكت قوم عاد.

٤٤ ـ وروى علي بن رئاب عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إنّ للهعزوجل جنودا من الريح يعذب بها من عصاه، إلى قوله: وقال اللهعزوجل : «الريح العقيم» فأما الريح الأربع فانها أسماء الملائكة الشمال والجنوب والصبا والدبور، وعلى كل ريح منهن ملك موكل بها.

٤٥ ـ وقال علىعليه‌السلام الرياح خمسة منها الريح العقيم فتعوذوا بالله من شرها.

__________________

(١) الخوافي: ريشات من الجناح إذا ضم الطائر جناحيه خفيت.

(٢) الزقاء: الصياح. والنباح: صوت الكلب.

١٢٩

٤٦ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن عبد الله بن سنان عن معروف بن خربوذ عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: الريح العقيم تخرج من تحت الأرضين السبع، وما خرج منها شيء قط إلّا على قوم عاد حين غضب الله عليهم فأمر الخزان أنْ يخرجوا منها بقدر مثل سعة الخاتم، فغضب على الخزنة فخرج منها مثل مقدار منخر الثور تغيظا منها على قوم عاد، فضج الخزنة إلى الله من ذلك وقالوا يا ربنا انها عتت علينا ونحن نخاف أنْ تهلك من لم يعصك من خلقك وعمار بلادك، فبعث الله جبرئيل فردها بجناحه وقال لها: أخرجى على ما أمرت به، فأهلكت قوم عاد ومن كان بحضرتهم.

في روضة الكافي عنه عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن معروف بن خربوذ عن أبي جعفرعليه‌السلام حديث طويل فيه مثل ما نقلنا عن تفسير علي بن إبراهيم من غير تغيير مغير للمعنى المراد.

٤٧ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى علي بن سالم عن أبيه قال: قال الصادق جعفر بن محمّدعليه‌السلام لـمّا حضرت نوحاعليه‌السلام الوفاة دعا الشيعة فقال لهم: اعلموا أنه سيكون من بعدي غيبة تظهر فيها الطواغيت، وان اللهعزوجل يفرج عنكم بالقائم من ولدي اسمه هود، له سمت وسكينة ووقار. يشبهني في خلقي وخلقي، وسيهلك الله أعدائكم عند ظهوره بالريح، فلم يزالوا يرقبون هوداعليه‌السلام وينتظرون ظهوره حتى طال عليهم الأمد وقست قلوب أكثرهم ؛ فأظهر الله تعالى ذكره نبيه هوداعليه‌السلام عند اليأس منهم، وتناهي البلاء بهم، وأهلك الأعداء بالريح العقيم التي وصفها الله تعالى ذكره، فقال:( ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ) ثم وقعت الغيبة بعد ذلك إلى أنْ ظهر صالحعليه‌السلام .

٤٨ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام فقلت: قول اللهعزوجل :( يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) فقال اليد في كلام العرب القوة والنعمة. قال الله:( وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ ) وقال:( وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ ) أي بقوة، وقال:( وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) أي بقوة ويقال :

١٣٠

لفلان عندي يد بيضاء أي نعمة.

٤٩ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى أبي الحسن الرضاعليه‌السلام خطبة طويلة وفيها: بتشعيره المشاعر عرف أنْ لا مشعر له، وبتجهيره الجواهر عرف أنْ لا جوهر له، وبمضادته بين الأشياء عرف أنْ لا ضد له وبمقارنته بين الأشياء عرف أنْ لا قرين له ؛ ضاد النور بالظلمة، واليبس بالبلل، والخشن باللين، والصرد بالحرور(١) مؤلفا بين متعادياتها مفرقا بين متدانياتها، دالة بتفريقها على مفرقها، وبتأليفها على مؤلفها، وذلك قوله:( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) ففرق بين قبل وبعد ليعلم أنْ لا قبل له ولا بعد له، شاهدة بغرائزها أنْ لا غريزة لمغرزها، مخبرة بتوقيتها أنْ لا وقت لموقتها، حجب بعضها عن بعض ليعلم أنْ لا حجاب بينه وبين خلقه.

٥٠ ـ فيمن لا يحضره الفقيه وروى عن زيد بن عليّ بن الحسينعليه‌السلام أنّه قال: سئلت أبي سيد العابدينعليه‌السلام فقلت له: يا أبت أليس الله جل ذكره لا يوصف بمكان؟ فقال: بلى تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، فقلت: ما معنى قول موسىعليه‌السلام لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ارجع إلى ربك؟ قال: معناه معنى قول إبراهيم:( إِنِّي ذاهِبٌ إلى رَبِّي سَيَهْدِينِ ) ومعنى قول موسىعليه‌السلام :( وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى ) ومعنى قولهعزوجل :( فَفِرُّوا إلى اللهِ ) يعنى حجّوا إلى بيت الله يا بني إنّ الكعبة بيت الله: فمن حجّ بيت الله فقد قصد إلى الله، والمساجد بيوت الله فمن سعى إليها فقد سعى إلى اللهعزوجل وقصد اليه، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٥١ ـ في كتاب معاني الأخبار باسناده إلى أبي الجارود زياد بن المنذر عن أبي جعفر محمد بن علي الباقرعليه‌السلام في قول الله تبارك وتعالى:( فَفِرُّوا إلى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) قال حجوا إلى الله.

٥٢ ـ في الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام قال:( فَفِرُّوا إلى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) قال: حجوا إلى اللهعزوجل .

__________________

(١) الصرد: البرد، فارسي معرب «سرد» بالسين.

١٣١

٥٣ ـ في مجمع البيان( فَفِرُّوا إلى اللهِ ) وقيل: معناه حجوا عن الصادقعليه‌السلام .

٥٤ ـ في عيون الأخبار في باب مجلس الرضاعليه‌السلام مع سليمان قال المأمون فيه بعد كلام لعمران الصابي: يا عمران إنّ هذا سليمان المروزي متكلم خراسان، قال عمران: يا أمير المؤمنين انه يزعم انه واحد خراسان في النظر وينكر البداء قال: فلم لا تناظره؟ قال عمران: ذلك إليك، وكان ذلك قبل دخول الرضاعليه‌السلام المجلس، فلما دخلعليه‌السلام قال: في أي شيء كنتم؟ قال عمران يا ابن رسول الله هذا سليمان المروزي، فقال له سليمان: أترضى بأبي الحسنعليه‌السلام وبقوله فيه؟ فقال عمران: قد رضيت بقول أبي الحسن في البداء على أنْ يأتيني فيه بحجة احتج بها على نظرائى من أهل النظر، فقال المأمون: يا أبا الحسن ما تقول فيما تشاجرا فيه؟ قال: وما أنكرت من البدايا سليمان، واللهعزوجل يقول: «أولم ير( الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً ) ويقولعزوجل :( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ) ويقول( بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) ويقولعزوجل ( يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ ) ويقول:( وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ) ويقولعزوجل :( وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ) ويقولعزوجل :( وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ ) قال سليمان: هل رويت فيه عن آبائك شيئا؟ قال: نعم رويت عن أبي عبد اللهعليه‌السلام انه قال: إنّ للهعزوجل علمين، علما مخزونا مكنونا لا يعلمه إلّا هو، من ذلك يكون البداء، وعلما علمه ملائكته ورسله، فالعلماء من أهل بيت نبيك يعلمونه، قال سليمان: أحب أنْ تنزعه لي من كتاب اللهعزوجل . فقال: قال اللهعزوجل لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ ) أراد هلاكهم ثم بد الله فقال:( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) .

٥٥ ـ في روضة الكافي الحسين بن محمد الأشعري عن معلى بن محمد عن الوشاء عن أبان عن أبي بصير عن أبي جعفر وابى عبد اللهعليهما‌السلام انهما قالا: إنّ الناس لـمّا كذبوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هم الله تبارك وتعالى بهلاك أهل الأرض إلّا عليّا فما سواه بقوله:( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ ) ثم بدا له فرحم المؤمنين ثم قال لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله( وَذَكِّرْ

١٣٢

فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ )

٥٦ ـ في مجمع البيان وروى باسناده عن مجاهد قال: خرج عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام معتما(١) مشتملا في قميصه، فقال: لـمّا نزل:( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ ) لم يبق أحد منا إلّا أيقن بالهلكة حين قيل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ) فلما نزل:( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) طابت أنفسنا.

٥٧ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى محمد بن أبي عمير قال: قلت لأبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام : ما معنى قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اعملوا فكلٌ ميسَّرٌ لـما خلق له؟ فقال: إنّ اللهعزوجل خلق الجن والانس ليعبدوه، ولم يخلقهم ليعصوه، وذلك قولهعزوجل ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) فيسر كلا لـما خلق له، فويل لمن استحب العمى على الهدى.

٥٨ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: خرج الحسين بن عليٍّ علي أصحابه فقال: أيها الناس إنّ اللهعزوجل ذكره ما خلق العباد إلّا ليعرفوه، فاذا عرفوه عبدوه، فاذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه، فقال له رجل: يا بن رسول الله بأبي أنت وأمّي فما معرفة الله؟ قال: معرفة أهل كل زمان امامهم الذي تجب عليهم طاعته.

٥٩ ـ وباسناده إلى أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) قال: خلقهم ليأمرهم بالعبادة.

٦٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) قال: خلقهم للأمر والنهى، والتكليف، وليست خلقته جبران يعبدوه، ولكن خلقة اختبار ليختبرهم بالأمر والنهى، ومن يطع الله ومن يعص، وفي حديث آخر قال: هي منسوخة بقوله: «ولا يزالون مختلفين».

٦١ ـ في تفسير العياشي عن يعقوب بن سعيد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن قول الله:( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) قال: خلقهم للعبادة، قال

__________________

(١) وفي المصدر «مغتما» بالغين المعجمة.

١٣٣

قلت: قوله:( وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) فقال: نزلت هذه بعد ذلك.

قال عزّ من قائل: إنّ الله هو الرزاق الاية.

٦٢ ـ في صحيفة السجادية «أللّهم إني أخلصت بانقطاعى إليك، وأقبلت بكلي عليك، وصرفت وجهي عمن يحتاج إلى رزقك(١) وقلبت مسئلتي عمن لم يستغن عن فضلك، ورأيت أنّ طلب المحتاج إلى المحتاج سفه من رأيه، وضلة من عقله فكم قد رأيت يا الهى من أناس طلبوا العز بغيرك فذلوا، وراموا الثروة من سواك فافتقروا وحاولوا الارتفاع فاتضعوا، فصح بمعانية أمثالهم حازم وفقه اعتباره، وأرشده إلى طريق صوابه اختياره، فأنت يا مولاي دون كل مسئول موضع مسئلتي ؛ ودون كل مطلوب إليه ولي حاجتي»

٦٣ ـ وفيها «اللهم لا طاقة لي بالجهد، ولا صبر لي على البلاء، ولا قوة لي على الفقر، فلا تحظر على رزقي ولا تكلني إلى خلقك، بل تفرد بحاجتي وتول كفايتي، وانظر إلى وانظر لي في جميع أمورى، فانك إنْ وكلتني إلى نفسي عجزت عنها، ولم أقم ما فيه مصلحتها، وان وكلتني إلى خلقك تجهموني(٢) وان الجأتنى إلى قرابتي حرموني وان أعطوا أعطوا قليلا نكدا، ومنوا على طويلا، وذموا كثيرا، فبفضلك أللّهم فأغنني، وبعظمتك فانعشنى(٣) وبسعتك فابسط يدي وبما عندك فاكفني»

٦٤ ـ وفيها: «فمن حاول سد خلته من عندك، ورام صرف الفقر عن نفسه بك.

فقد طلب حاجته في مظانها وانى طلبته من وجهها، ومن توجه بحاجته إلى أحد من خلقك أو جعله سبب نجحها دونك(٤) فقد تعرض للحرمان، واستحق من عندك فوت الإحسان، أللّهم ولي إليك حاجة قد قصر عنها جهدي، وتقطعت دونها حيلى

__________________

(١) وفي المصدر «رفدك» مكان «رزقك».

(٢) تجهمه: استقبله بوجوه عبوس كريه.

(٣) أنعش الله فلانا: رفعه وأقامه.

(٤) نجح فلان بحاجته: فاز وظفر بها.

١٣٤

و( سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ) رفعها إلى من يرفع حوائجه إليك، ولا يستغنى في طلباته عنك، وهي زلة من زلل الخاطئين، وعثرة من عثرات المذنبين، ثم انتبهت بتذكيرك لي من غفلتي، ونهضت بتوفيقك من زلتى، ونكصت بتسديدك(١) من عثرتي، وقلت: سبحان ربي كيف يسئل محتاج محتاجا؟ وانى يرغب معدم إلى معدم؟.

٦٥ ـ في تهذيب الأحكام باسناده إلى سدير قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أي شيء على الرجل في طلب الرزق؟ فقال: إذا فتحت بابك وبسطت بساطك فقد قضيت ما عليك.

٦٦ ـ محمد بن يعقوب عن علي بن محمد عن ابن جمهور عن أبيه رفعه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كان أمير المؤمنينعليه‌السلام كثيرا ما يقول: اعلموا علما يقينا أنّ الله لم يجعل للعبد وإنْ اجتهد جهده وعظمت حيلته وكثرت مكابدته(٢) أنْ يسبق ما سمي له في الذكر الحكيم، ولم يحل بين العبد في ضعفه وقلة حيلته أنْ يبلغ ما سمي له في الذكر الحكيم، ايها الناس انه لن يزداد امرأ نقيرا بحذقه(٣) ولن ينقص امرء نقيرا بحمقه، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٦٧ ـ وباسناده إلى علي بن عبد العزيز قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما فعل عمر بن مسلم؟ قال: قلت جعلت فداك أقبل على العبادة وترك التجارة، فقال: ويحه أما علم أنّ تارك الطلب لا يستجاب له، والحديث طويل أيضا.

٦٨ ـ وباسناده إلى عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام ، رجل قال: لأقعدنّ في بيتي ولاصلينّ ولأصومنّ ولاعبدنّ ربيعزوجل فامّا رزقي فيأتينى؟ فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : هو أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم.

٦٩ ـ وباسناده إلى أيوب أخي أديم بياع الهروي قال كنا جلوسا عند ابى

__________________

(١) نكص عن الأمر: أحجم عنه. وسدده: أرشده إلى الصواب.

(٢) كابد الأمر مكابدة: قاساه وتحمل المشاق في فعله.

(٣) النقير: ما نقر من الحجر والخشب ونحوه.

١٣٥

عبد اللهعليه‌السلام إذ أقبل العلاء بن كامل فجلس قدام أبي عبد الله فقال ادع الله أنْ يرزقني في دعة(١) فقال: لا ادعو لك أطلب كما أمرك الله.

٧٠ ـ وباسناده إلى عبد الأعلى مولى آل سام قال: استقبلت أبا عبد اللهعليه‌السلام في بعض طرق المدينة في يوم صايف شديد الحر فقلت: جعلت فداك حالك عند اللهعزوجل وقرابتك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنت تجهد نفسك في مثل هذا اليوم؟ فقال: يا عبد الأعلى خرجت في طلب الرزق لاستغنى به عن مثلك.

٧١ ـ وباسناده إلى فضيل بن أبي قرة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: اوحى الله تعالى إلى داودعليه‌السلام انك نعم العبد لو لا أنك تأكل من بيت المال، ولا تعمل بيدك شيئا؟ قال: فبكى داودعليه‌السلام أربعين صباحا، فأوحى الله تعالى إلى الحديد أنْ لنْ لعبدي داودعليه‌السلام ، فألان الله تعالى له الحديد، وكان يعمل كل يوم درعا فيبيعها بألف درهم، فعمل ثلاثمائة وستين فتباعها بثلاثمأة وستين ألفا، واستغنى عن بيت المال.

٧٢ ـ في تفسير علي بن إبراهيم: وان للذين ظلموا آل محمد حقهم ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون العذاب ثم قال:( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ) .

بسم الله الرحمن الرحيم

١ ـ في كتاب ثواب الأعمال باسناده عن أبي عبد الله وأبى جعفرعليهما‌السلام قالا: من قرء سورة الطور جمع الله له خير الدنيا والآخرة.

٢ ـ في مجمع البيان أبيّ بن كعب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من قرء سورة الطور كان حقّا على الله أنْ يؤمنه من عذابه، وينعمه في جنته.

__________________

(١) الدعة: سوء الحال وخفض العيش.

١٣٦

٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم:( وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ ) قال: الطور جبل بطور سينا،( وَكِتابٍ مَسْطُورٍ ) أي مكتوب( فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ )

٤ ـ في مهج الدعوات لابن طاووسرحمه‌الله دعاء مروي عن الزهراء عن أبيها صلوات الله عليهما وفيه: الحمد لله الذي خلق النور وانزل النور على الطور في كتاب مسطور في رق منشور بقدر مقدور على نبي محبور.

٥ ـ في تفسير علي بن إبراهيم: والبيت المعمور قال: هو في السماء الرابعة، وهو الضراح يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ؛ ثم لا يعودون إليه أبدا.

٦ ـ في مجمع البيان وروى عن الباقرعليه‌السلام أنه قال: إنّ الله وضع تحت العرش أربع أساطين وسماهن الضراح وهو بيت المعمور، وقال للملائكة: طوفوا به ثم بعث ملائكته فقال: ابنوا في الأرض بيتا بمثاله وقدره، وأمر من في الأرض أنْ يطوفوا بالبيت.

٧ ـ وفيه أيضا: «والبيت المعمور» وهو بيت في السماء الرابعة بحيال الكعبة تعمره الملائكة بما يكون منها فيه من العبادة

عن ابن عباس ومجاهد وروى أيضا عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: ويدخله كل يوم سبعون الف ملك ثم لا يعودون إليه أبدا.

٨ ـ وعن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: البيت المعمور في السماء الرابعة وفي السماء الرابعة نهر يقال له الحيوان، يدخل فيه جبرئيل كل يوم طلعت فيه الشمس. وإذا أخرج انتقض انتقاضة جرت عنه سبعون الف قطرة يخلق الله من كل قطرة ملكا يؤمرون أنْ يأتوا البيت المعمور فيصلون فيه فيفعلون ثمّ لا يعودون إليه أبدا.

٩ ـ وعن ابن عباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : البيت المعمور الذي في السماء الدنيا يقال له الضراح، وهو بفناء البيت الحرام لو سقط لسقط عليه، يدخله كل يوم ألف ملك لا يعودون فيه أبدا.

١٣٧

١٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حديث طويل عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكرناه بتمامه في أول الإسراء وفيه يقولصلى‌الله‌عليه‌وآله : فقلت: يا جبرئيل من هذا الذي في السماء السابعة على باب البيت المعمور في جوار الله تعالى؟ فقال: هذا أبوك إبراهيمعليه‌السلام .

١١ ـ في تفسير العياشي عن عبد الصمد بن شيبة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث طويل في معراج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفي أواخره: فلما فرغ مناجاته رد إلى البيت المعمور وهو في السماء السابعة بحذاء الكعبة.

١٢ ـ في أصول الكافي بعض أصحابنا رفعه عن محمد بن سنان عن داود بن كثير الرقى قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : ما معنى السلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال: إنّ الله تبارك وتعالى لـمّا خلق نبيه ووصيه وابنته وابنيه وجميع الائمة وخلق شيعتهم أخذ عليهم الميثاق، وان يصبروا ويصابروا ويرابطوا وأن يتقوا الله ووعدهم أنْ يسلم لهم الأرض المباركة والحرم الأمن، وأن ينزل لهم البيت المعمور ويظهر لهم السقف المرفوع ويريحهم من عدوهم، والأرض التي يبدلها الله من السلام، ويسلم ما فيها لهم «لا شية فيها» قال: لا خصومة فيها لعدوهم، وأن يكون لهم فيها ما يحبون وأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على جميع الائمة وشيعتهم الميثاق بذلك، وإنّماعليه‌السلام تذكرة نفس الميثاق، وتجديد له على الله لعله أنْ يجعله جل وعز ويعجل السلام لكم بجميع ما فيه(١) .

__________________

(١) قال الفيض (ره) لعل المراد بالأرض المباركة أرض عالم الملكوت، فان البيت المعمور والسقف المرفوع هنالك، وأشير به إلى رجعتهم (عليه السلام) التي ثبت عنهم وقوعها، وأشير بقوله والأرض التي يبدلها الله إلى قوله تعالى:( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ) وهي إمّا عطف على الأرض المباركة وإمّا استيناف، ومن في من السلام إمّا ابتدائية وإمّا بيانية ويؤيد الثاني آخر الحديث، وأريد بالسلام مالا آفة فيه، وهو قولهعزوجل ( وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ) قال: لا خصومة فيها لعدوهم، وإنّماعليه‌السلام يعنى وإنّما السلام منكم عليه تذكرة وتجديد للميثاق وتعجيل للوفاء به.

١٣٨

١٣ ـ في كتاب الاهليلجة قال الصادقعليه‌السلام : في كلام طويل فخلق السماء سقفا مرفوعا ولو لا ذلك لا ظلم على خلقه، بقربها ولاحرقتهم الشمس بدؤبها وحرارتها.

١٤ ـ في مجمع البيان: والسقف المرفوع وهو السماء، عن عليٍّعليه‌السلام

١٥ ـ في تفسير علي بن إبراهيم «والسقف المرفوع» قال: السماء والبحر المسجور قال: يسجر يوم القيامة.

١٦ ـ في مجمع البيان «والبحر المسجور» أي المملو عن قتادة وقيل: هو الموقد المحمى بمنزلة النور عن مجاهد والضحاك والأخفش وابن زيد، ثم قيل: انه تحمى البحار يوم القيامة فتجعل نارا(١) تفجر بعضها في بعض، ثم تفجر إلى النار ورد به الحديث.

١٧ ـ في تفسير العياشي عن الثمالي عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إنّ يونس لـمّا آذاه قومه وذكر حديثا طويلا، وفيه: فالقى نفسه فالتقمه الحوت فطاف به البحار السبعة حتى صار إلى البحر المسجور، وبه يعذب قارون.

١٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم باسناده إلى ثوير بن أبي فاختة عن علي بن الحسينعليه‌السلام قال: سأل عن النفختين كم بينهما؟ قال: ما شاء الله، إلى قوله: ويخرج الصوت من الطرف الذي يلي السماوات فلا يبقى في السماوات ذو روح إلّا صعق ومات إلّا إسرافيل، قال: فيقول الله لاسرافيل، مت فيموت إسرافيل، فيمكثون في ذلك ما شاء الله، ثم يأمر الله السماوات فتمور، ويأمر الجبال فتسير، وهو قوله:( يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً ) يعنى تبسط والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٩ ـ قوله:( فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ ) قال: يخوضون في المعاصي وقوله:( يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا ) قال: يدفعون في النار وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لـمّا مر بعمرو بن العاص وعقبة بن أبي معيط وهما في حائط يشربان ويغنيان بهذا البيت في حمزة بن عبد المطلب حين قتل :

__________________

(١) وفي المصدر «فيجعل نيرانا».

١٣٩

كم من حواري تلوح عظامه

درأ الحروب عنه أنْ يجر فيقبرا(١)

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أللّهم العنهما واركسهما في الفتنة ركسا. ودعهما في النار دعا.

قال عز من قائل: و( زَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ) قال مؤلف هذا الكتاب عفى عنه: د نقلنا طرفا شافيا من الأخبار في الدخان عند قولهعزوجل :( وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ) فليطلب هناك.

٢٠ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن محمد بن أبي زاهر عن الخشاب عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال:( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ) ، قال: الذين آمنوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنينعليه‌السلام وذريته الائمة والأوصياءعليهم‌السلام ( أَلْحَقْنا بِهِمْ ) ولم تنقص ذريتهم الحجة التي جاء بهم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله في عليٍّعليه‌السلام ، وحجتهم واحدة وطاعتهم واحدة.

٢١ ـ في الكافي عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن غير واحد رفعوه أنه سئل عن الأطفال؟ فقال: إذا كان يوم القيامة جمعهم الله وأجج لهم نارا(٢) وأمرهم أنْ تطرحوا أنفسهم فيها، فمن كان في علم الله انه سعيد رمى بنفسه فيها وكانت عليه بردا وسلاما، ومن كان في علمه انه شقي امتنع فيأمر الله بهم إلى النار فيقولون: يا ربنا تأمرينا إلى النار ولم تجر علينا القلم؟ فيقول الجبار: قد أمرتكم مشافهة فلم تطيعون، فكيف ولو أرسلت رسول بالغيب؟.

وفي حديث آخر: اما أطفال المؤمنين فيلحقون بآبائهم وأولاد المشركين يلحقون بآبائهم، وهو قول اللهعزوجل .( بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) .

٢٢ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن علي بن الحكم عن يوسف بن عميرة عن أبي بكر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :

__________________

(١) درأه ودرأ عنه: دفعه.

(٢) أجج النار: ألهبها.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

مخلوقات ضعيفة كالأصنام ، لا هم حققوا لأنفسهم الراحة في هذا العالم ، ولا هم ضمنوا ذلك في الحياة الآخرة ، فتقول الآية :( وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ) ، أين هم ، لماذا لا يأتون اليوم لإنقاذهم؟ لماذا لا يظهر أي حول ولا يبدون أية قوّة؟

ألم تكونوا تتوقعون منهم أن يعينوكم على حل مشكلاتكم؟ فلما ذا ـ إذن ـ لا نرى لهم أثرا؟

فيستولي على هؤلاء الرعب والخوف ويبهتون ولا يحيرون جوابا ، سوى أن يقسموا بالله إنّهم لم يكونوا مشركين ، ظنا منهم أنّهم هناك أيضا قادرون على إخفاء الحقائق :( ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ) .

حول معنى «فتنة» ثمّة كلام بين المفسّرين ، منهم من قال : إنّها بمعنى الاعتذار ، وقال آخرون : إنّها بمعنى الجواب : وقالوا أيضا : إنّها الشرك(1) .

هنالك احتمال آخر في تفسير هذه الآية ، وهو القول بأنّ «الفتنة» من «الافتتان» أي الوله بالشيء ، فيكون المعنى أن افتتانهم بالشرك وعبادة الأصنام ، بشكل يغشى عقولهم وأفكارهم ، قد أدى إلى أن يدركوا يوم القيامة ـ يوم يزاح الستر ـ خطأهم الكبير ، ويستقبحوا أعمالهم وينكروها تماما.

يقول الراغب في «المفردات» : أن أصل «الفتن» إدخال الذهب النّار لتظهر جودته من رداءته ، فقد يكون هذا المعنى ممّا تفسر به الآية المذكورة ، أي أنّهم عند ما تحيط بهم شدّة يوم القيامة يستيقظون ويقفون على خطأهم ، فينكرون أعمالهم طلبا للنجاة.

الآية الثّالثة ، ومن أجل أن يعتبر الناس بمصير هؤلاء الأفراد تقول :( انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ) .

__________________

(1) إذا أخذناها على إنّها بمعنى الاعتذار والجواب ، فلا حاجة فيهما للتقدير ، أمّا إذا أخذت بمعنى الشرك ، فينبغي أن نقدر كلمة «نتيجة» أي أنّ نتيجة شركهم كانت أن يقسموا إنّهم لم يكونوا مشركين.

٢٤١

وتنهار المساند التي اختاروا الاستناد عليها وجعلوها شريكة لله ، وخابوا في مسعاهم( وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ ) .

* * *

لا بدّ هنا من ملاحظة النقاط التّالية :

1 ـ لا شك أنّ المقصود بعبارة «انظر» هو النظر بعين العقل ، لا بالعين الباصرة إذا لا يمكن أن ترى مشاهد يوم القيامة رأي العين في هذه الدنيا.

2 ـ وقوله سبحانه( كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ) إمّا أن يعني أنّهم خدعوا أنفسهم في الدنيا وخرجوا عن طريق الحقّ ، وإمّا أن يراد منه يوم القيامة حيث يقسمون على أنّهم لم يكونوا مشركين ، والحقيقة أنّهم بهذا يكذبون على أنفسهم ، فقد كانوا مشركين فعلا.

3 ـ يبقى سؤال آخر ، وهو أنّ الآية المذكورة تفيد أنّ المشركين ينكرون شركهم يوم القيامة مع أنّ ظروف يوم القيامة لا يمكن أن تسمح لأحد أن يجانب الصدق وهو يرى تلك الحقائق الحسية ، كما لو كان أحد يريد أن يغطي على الشمس في رابعة النهار ، ليقول كذبا : إنّ الدنيا ظلام ، ثمّ إن هناك آيات أخرى تفيد بأنّهم يوم القيامة يعترفون صراحة بشركهم ولا يخفون أمرا :( وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً ) (1) .

يمكن أن نذكر لهذا السؤال جوابين :

أوّلا : ليوم القيامة مراحل ، ففي المراحل الأولى يظن المشركون أنّهم بالكذب يستطيعون التملص من عذاب الله الأليم ، لذلك يرجعون إلى عادتهم القديمة في التوسل بالكذب ، ولكن في المراحل التّالية يدركون أن لا مهرب لهم أبدا ،

__________________

(1) النساء ، 42.

٢٤٢

فيعترفون بأعمالهم.

يبدو أنّ الأستار يوم القيامة ترفع ـ بالتدريج ـ عن عين الإنسان ، وفي البداية ـ عند ما لا يكون المشركون قد درسوا ملفات أعمالهم جيدا بعد ـ يركنون إلى الكذب ، ولكن في المراحل التّالية حيث ترتفع فيها الأستار أكثر ويرون كل شيء حاضرا ، لا يجدون مندوحة عن الاعتراف تماما ، مثل المجرمين الذين ينكرون كل شيء في بداية التحقيق ، حتى معرفتهم بأصدقائهم ولكنّهم عند ما يرون الأدلة المادية والمستندات الحيّة التي تفضح جريمتهم ، يدركون أنّ الأمر من الوضوح بحيث لا يحتمل الإنكار ، فيعترفون ويدلون بإفادة كاملة ، وقد ورد هذا الجواب في حديث عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام (1) .

وثانيا : إنّ الآية المذكورة تتحدث عمّن لا يرى نفسه مشركا مثل المسيحيين الذين قالوا بالآلهة الثلاثة واعتقدوا أنّهم موحدون ، أو مثل الذين يدّعون التوحيد ، لكن أعمالهم ملوثة بالشرك ، لأنّهم كانوا يعرضون عن تعاليم الأنبياء ، ويعتمدون على غير الله وينكرون ولاية أولياء الله هؤلاء يقسمون يوم القيامة على أنّهم كانوا موحدين ، ولكنّهم سرعان ما يدركون أنّهم في الباطن كانوا مشركين ، هذا الجواب أيضا قد ورد في عدد من الرّوايات نقلا عن الإمام عليعليه‌السلام والإمام الصادقعليه‌السلام (2) .

وكلا الجوابين مقبولان.

* * *

__________________

(1) تفسير نور الثقلين ، ج 1 ، ص 708.

(2) تفسير «نور الثقلين» ، ج 1 ، ص 708.

٢٤٣

الآيتان

( وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (26) )

التّفسير

حجب لا تقبل الاختراق :

في هذه الآية إشارة إلى الوضع النفسي لبعض المشركين ، فهم لا يبدون أية مرونة تجاه سماع الحقائق ، بل أكثر من ذلك ـ يناصبونها العداء ، ويقذفونها بالتهم ، فيبعدون أنفسهم وغيرهم عنها ، عن هؤلاء تقول الآية :( وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً ) (1) .

في الواقع كانت عقولهم وأفكارهم منغمسة في التعصب الجاهلي الأعمى ، وفي المصالح المادية والأهواء ، بحيث أصبحت وكأنّها واقعة تحت الأستار

__________________

(1) «أكنة» جمع «كنان» وهو كل ستار أو حاجز ، و «الوقر» بمعنى ثقل السمع.

٢٤٤

والحواجز ، فلا هم يسمعون حقيقة من الحقائق ، ولا هم يدركون الأمور إدراكا صحيحا.

سبق أن قلنا مرارا أنّ نسبة هذه الأمور إلى الله ، إنّما هو إشارة إلى قانون «العلة والمعلول» وخاصية «العمل» ، أي أنّ أثر الاستمرار في الانحراف والإصرار على المعاندة والتشاؤم يظهر في اتصاف نفس الإنسان بهذه المؤثرات ، وفي تحولها إلى مثل المرآة المعوجة التي تعكس صور الأشياء معوجة منحرفة ، لقد أثبتت التجربة أنّ المنحرفين والمذنبين يحسون أوّل الأمر بعدم الرضا عن حالهم ، ولكنّهم يعتادون ذلك بالتدريج ، وقد يصل بهم الأمر إلى اعتبار أعمالهم القبيحة لازمة وضرورية ، وبتعبير آخر : هذا واحد من أنواع العقاب الذي يناله المصّرون على العصيان ومعاداة الحقّ.

وهؤلاء وصلوا حدّا تصفه الآية فتقول :( وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها ) ، بل الأكثر من ذلك أنّهم عند ما يأتون إليك ، لا يفتحون نوافذ قلوبهم أمام ما تقول ، ولا يأتون ـ على الأقل ـ بهيئة الباحث عن الحقّ الذي يسعى للعثور على الحقيقة والتفكير فيها ، بل يأتون بروح وفكر سلبيين ، ولا هدف لهم سوى الجدل والاعتراض :( حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ ) أنّهم عند سماعهم كلامك الذي يستقي من ينابيع الوحي ويجري على لسانك الناطق بالحقّ ، يبادرون إلى اتهامك بأنّ ما تقوله إنّما هو خرافات اصطنعها أناس غابرون :( يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) .

الآية التّالية تذكر أنّ هؤلاء لا يكتفون بهذا ، فهم مع ضلالهم يسعون جاهدين للحيلولة دون سلوك الباحثين عن الحقيقة هذا الطريق بما يشيعونه ويروجونه من مختلف الأكاذيب ، ويمنعونهم أن يقتربوا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ ) ، ويبتعدون عنه بأنفسهم :( وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ) (1) ، دون أن يدركوا أنّ من يصارع الحقّ

__________________

(1) «ينأون» من «نأى» بمعنى ايتعد.

٢٤٥

يكن صريعه ، وأخيرا ، وبحسب قانون الخلق الثابت ، يظهر وجه الحقّ من وراء السحب ، وينتصر بماله من قوّة ، ويتلاشى الباطل كما يتلاشى الزبد الطافي على سطح الماء ، وعليه فإنّ مساعيهم سوف تتحطم على صخرة الإخفاق والخيبة وما يهلكون غير أنفسهم ، ولكنّهم لا يدركون الحقيقة :( وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ ) .

الصاق تهمة عظيمة بأبي طالب مؤمن قريش :

يتّضح ممّا قيل في تفسير هذه الآية أنّها تتابع الكلام على المشركين المعاندين وأعداء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الألداء ، والضمير «هم» يعود بموجب قواعد الأدب واللغة ـ إلى الذين تتناولهم الآية بالبحث ، أي الكفار المتعصبين الذين لم يدخروا وسعا في إيذاء النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووضع العثرات في طريق الدعوة إلى الإسلام.

ولكن ـ لشديد الأسف ـ نرى بعض المفسّرين من أهل السنة يخالفون جميع قواعد اللغة العربية ، فيقطعون الآية الثّانية من الآية الاولى ويقولون : إنّها نزلت في أبي طالب والد أمير المؤمنين عليعليه‌السلام .

أنّهم يفسرون الآية هكذا : هناك فريق يدافعون عن رسول الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكنّهم في الوقت نفسه يبتعدون عنه :( وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ) وهم يستشهدون في توكيد رأيهم ببعض الآيات الأخرى من القرآن ، ممّا سنتناوله في موضعه ، مثل الآية (114) من سورة التوبة والآية (56) من سورة القصص.

لكن جميع علماء الشيعة وجمع من علماء أهل السنة ، ومثل ابن أبي الحديد شارح نهج البلاغة والقسطلاني في «إرشاد الساري» وزيني دحلان في حاشية السيرة الحلبية ، ويعتبرون أبا طالب من مؤمني الإسلام ، وهناك في المصادر الإسلامية الأصيلة دلائل كثيرة على هذا.

ومن يطالع هذه الأدلة يندفع للتساؤل بدهشة : ما السبب الذي حدا ببعضهم

٢٤٦

إلى كره أبي طالب وتوجيه مثل هذا الاتهام الكبير إليه؟!

كيف يكون هدفا لمثل هذا الاتهام من كان يدافع بكل كيانه ووجوده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولطالما وقف هو وابنه في مواقع الخطر يدر آن عن حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل خطر؟!

هنا يرى المحققون المدققون أنّ التيار المناوئ لأبي طالب تيار سياسي ينطلق من عداء «شجرة بني أمية الخبيثة» لمكانة عليعليه‌السلام .

ذلك لأنّ أبا طالب ليس الوحيد الذي تعرض لمثل هذه الهجمات بسبب قرابته من أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، بل إنّنا نلاحظ على امتداد تاريخ الإسلام أنّ كل من كان له بأي شكل من الأشكال نوع من القرابة من أمير المؤمنين عليعليه‌السلام لم ينج من هذه الحملات اللئيمة ، وفي الحقيقة كان ذنب أبي طالب الوحيد أنّه والد الشخصية الإسلامية الكبرى عليعليه‌السلام .

ونذكر هنا بإيجاز مختلف الأدلة التي تثبت إيمان أبي طالب ، تاركين التفاصيل للكتب المختصة في الموضوع.

1 ـ كان أبو طالب يعلم ، قبل بعثة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّ ابن أخيه سوف يصل إلى مقام النبوة ، فقد كتب المؤرخون أنّه في رحلته مع قافلة قريش إلى الشام اصطحب معه ابن أخيه محمّدا البالغ يومئذ الثّانية عشرة من العمر ، وفي غضون الرحلة رأى منه مختلف الكرامات ، ثمّ عند ما مرّت القافلة بالراهب (بحيرا) الذي أمضى سنوات طوالا في صومعته على طريق القوافل التجارية ، استلف محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نظر الراهب الذي راح يدقق في وجهه وملامحه ، ثمّ التفت إلى الجمع سائلا : من منكم صاحب هذا الصبي؟ فأشار الجمع إلى أبي طالب الذي قال له : هذا ابن أخي ، فقال بحيرا : إنّ لهذا الصبي شأنا ، إنّه النّبي الذي أخبرت به وبرسالته الكتب السماوية ، وقد قرأت فيها تفاصيل ذلك كله(1) .

__________________

(1) ملخص ما ورد في سيرة ابن هشام ، ج 1 ، ص 191 ، وسيرة الحلبي ، ج 1 ، ص 131 ، وكتب أخرى.

٢٤٧

ولقد كان أبو طالب قبل ذلك قد أدرك من الوقائع والقرائن التي رآها من ابن أخيه أنّه سيكون نبي هذه الأمّة.

وبموجب ما يذكره الشهرستاني صاحب «الملل والنحل» وغيره من علماء السنة أنّ سماء مكّة قد جست بركتها عن أهلها سنة من السنين ، فواجه الناس سنة ـ جفاف شديد ، فأمر أبو طالب أنّ يأتوه بابن أخيه محمّد ، فأتوه به وهو رضيع في قماطه ، فوقف تجاه الكعبة ، وفي حالة من التضرع والخشوع أخذ يرمي بالطفل ثلاث مرات إلى أعلى ثمّ يتلقفه وهو يقول : يا ربّ بحق هذا الغلام اسقنا غيثا مغيثا دائما هطلا ، فلم يمض إلّا بعض الوقت حتى ظهرت غمامة من جانب الأفق وغطت سماء مكّة كلّها وهطل مطر غزير كادت معه مكّة أن تغرق.

ثمّ يقول الشهرستاني : هذه الواقعة ، التي تدل على علم أبي طالب بنبوة ابن أخيه ورسالته منذ طفولته تؤكّد إيمانه به ، وهذا أبيات أنشدها أبو طالب بعد ذلك بتلك المناسبة :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاك من آل هاشم

فهم عنده في نعمة وفواضل

وميزان عدل لا يخيس شعيرة

ووزان صدق وزنه غير عائل

إنّ حكاية إقبال قريش على أبي طالبرحمه‌الله عند الجفاف ، واستشفاع أبي طالب إلى الله بالطفل قد ذكرها غير الشهرستاني عدد آخر من كبار المؤرخين ، وقد أورد العلّامة الاميني قدس سرّه صاحب كتاب «الغدير» هذه الحكاية وذكر أنّه نقلها من «شرح البخاري» و «المواهب اللدنية» و «الخصائص الكبرى» و «شرح بهجة المحافل» و «السيرة الحلبية» و «السيرة النبوية» و «طلبة الطالب»(1) .

2 ـ إضافة إلى كتب التّأريخ المعروفة ، فإنّ بين أيدينا شعرا لأبي طالب جمع في «ديوان أبي طالب» ، ومنه الأبيات التّالية :

__________________

(1) «الغدير» ، ج 7 ، ص 346.

٢٤٨

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتى أوسد في التراب دفينا

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة

وابشر بذاك وقر منك عيونا

ودعوتني وعلمت أنك ناصحي

ولقد دعوت وكنت ثمّ أمينا

ولقد علمت بأنّ دين محمّد

من خير أديان البرية دينا

كما قال أيضا :

ألم تعلموا أنا وجدنا محمّدا

رسولا كموسى خط في أوّل الكتب

وإنّ عليه في العباد محبّة

ولا حيف في من خصّه الله بالحبّ(1)

يذكر ابن أبي الحديد طائفة كبيرة من أشعار أبي طالب (التي يقول عنها ابن شهر آشوب في «متشابهات القرآن» أنّها تبلغ ثلاثة آلاف بيت) ثمّ يقول : إن هذه الأشعار لا تدع مجالا للشك أنّ أبا طالب كان يؤمن برسالة ابن أخيه.

3 ـ ثمّة أحاديث منقولة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تؤكّد شهادته بإيمان عمه الوفي أبي طالب ، من ذلك ما ينقله لنا صاحب كتاب «أبو طالب مؤمن قريش» فيقول : عند ما توفي أبو طالب رثاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو على قبره ، قائلا : «وا أبتاه! وا أبا طالباه وا حزناه عليك! كيف أسلو عليك يا من ربيتني صغيرا ، واجبتني كبيرا ، وكنت عندك بمنزلة العين من الحدقة والروح من الجسد»(2) .

وكثيرا ماكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «ما نالت منّي قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب»(3) .

4 ـ من المتفق عليه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أمر بقطع كل رابطة صحبة له بالمشركين ، وكان ذلك قبل وفاة أبي طالب بسنوات ، وعليه فإنّ ما أظهره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحبّ والتعلق بأبي طالب يدل على أنّه كان يرى في أبي طالب

__________________

(1) هاتان القطعتان وردتا في «خزانة الأدب» و «وتاريخ ابن كثير» و «شرح ابن أبي الحديد» و «فتح الباري» و «بلوغ الارب» و «تاريخ أبي الفداء» و «السيرة النبوية» وغيرها نقلا عن «الغدير» ، ج 8.

(2) «شيخ الأباطح» نقلا عن «أبو طالب مؤمن قريش».

(3) الطبري ، نقلا عن «أبو طالب مؤمن قريش».

٢٤٩

تابعا لمدرسة التوحيد ، وإلّا فكيف ينهى الآخرين عن مصاحبة المشركين ، ويبقى هو على حبّه العميق لأبي طالب؟

5 ـ في الأحاديث التي وصلتنا عن أهل البيتعليهم‌السلام أدلة وافرة على إيمان أبي طالب وإخلاصه ، ولا يسع المجال هنا لذكرها ، وهي أحاديث تستند إلى الاستدلال المنطقي والعقلي ، كالحديث المنقول عن الإمام زين العابدينعليه‌السلام الذي قال ـ بعد أن سئل عن إيمان أبي طالب وأجاب الإيجاب ـ : «إنّ هنا قوما يزعمون أنّه كافر وا عجبا كل العجب! أيطعنون على أبي طالب أو على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد نهاه الله أن تقرّ مؤمنة مع كافر في غير آية من القرآن (أي في أكثر من آية) ولا يشك أحد أن فاطمة بنت أسد رضي الله تعالى عنها من المؤمنات السابقات ، فإنّها لم تزل تحت أبي طالب حتى مات أبو طالبرضي‌الله‌عنه »(1) .

6 ـ وإذا تركنا كل هذا جانبا ، فاننا قد نشك في كل شيء إلّا في حقيقة كون أبي طالب كان على رأس حماة الإسلام ورسول الإسلام ، وكانت حمايته تتعدى الحدود المألوفة بين أبناء العشيرة والعصبيات القبلية ولا يمكن تفسيرها بها.

ومن الأمثلة الحيّة على ذلك حكاية (شعب أبي طالب) يجمع المؤرخون على أنّه عند ما حاصرت قريش النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين محاصرة اقتصادية واجتماعية وسياسية شديدة وقطعت علائقها بهم ، ظل أبو طالب الحامي والمدافع الوحيد عنهم مدّة ثلاث سنوات ترك فيها كل أعماله ، وسار ببني هاشم إلى واد بين جبال مكّة يعرف بشعب أبي طالب فعاشوا فيه ، وقد بلغت تضحياته حدا أنّه ، فضلا عن بنائه الأبراج الخاصّة للوقوف بوجه أي هجوم قد تشنه قريش عليهم ، كان في كل ليلة يوقظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من نومه ويأخذه إلى مضجع آخر يعده له ويجعل ابنه الحبيب إليه علياعليه‌السلام في مكانه ، فإذا ما قال له ابنه عليعليه‌السلام : يا أبة ، إنّ هذا سيوردني موارد الهلكة ، أجابه أبو طالبعليه‌السلام : ولدي عليك بالصبر ، كل حي إلى ممات ، لقد

__________________

(1) كتاب «الحجة» و «الدرجات الرفيعة» نقلا عن «الغدير» ج 8 ، ص 380.

٢٥٠

جعلت فداء ابن عبد الله الحبيب ، فيرد عليعليه‌السلام : يا أبه ، ما قلت لك ذلك خوفا من الموت في سبيل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل كنت أريدك أن تعلم مدى طاعتي لك واستعدادي للوقوف إلى جانب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (1) .

إنّنا نرى أن من يترك التعصب ، ويقرأ ـ بغير تحيز ـ ما كتبه التّأريخ بحروف من ذهب عن أبي طالب ، سيرفع صوته مع صوت ابن أبي الحديد منشدا :

ولو لا أبو طالب وابنه

لما مثل الدين شخصا وقاما

فذاك بمكّة آوى وحامى

وهذا بيثرب جس الحماما(2)

* * *

__________________

(1) الغدير ، ج 7 ، ص 357 ـ 358 بتصرف.

(2) الغدير ، ص 86.

٢٥١

الآيتان

( وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (28) )

التّفسير

يقظة عابرة عقيمة :

في هاتين الآيتين إشارة إلى بعض مواقف عناد المشركين ، وفيهما يتجسد مشهد من مشاهد نتائج أعمالهم لكي يدركوا المصير المشؤوم الذي ينتظرهم فيستيقظون ، أو تكون حالهم ـ على الأقل ـ عبرة لغيرهم ، فتقول الآية :( وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ ) (1) لتبيّن لك مصيرهم السيئ المؤلم.

إنّهم في تلك الحال على درجة من الهلع بحيث أنّهم يصرخون : ليتنا نرجع إلى الدنيا لنعوض عن أعمالنا القبيحة ، ونعمل للنجاة من هذا المصير المشؤوم. ونصدق آيات ربّنا ، ونقف إلى جاب المؤمنين :( فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ

__________________

(1) «لو» شرطية ، وقد حذف الجواب لوضوحه.

٢٥٢

بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (1) .

الآية التّالية تؤكّد أن ذلك ليس أكثر من تمن كاذب ، وإنّما تمنوه لأنّهم رأوا في ذلك العالم كل ما كانوا يخفونه ـ من عقائد ونيات وأعمال سيئة ـ مكشوفا أمامهم ، فاستيقظوا يقظة مؤقتة عابرة :( بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ ) .

غير أن هذه اليقظة ليست قائمة ثابتة ، بل إنّها قد حصلت لظروف طارئة ، ولذلك فحتى لو افترضنا المستحيل وعادوا إلى هذه الدنيا مرّة أخرى لفعلوا ما كانوا يفعلونه من قبل وما نهوا عنه :( وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ ) لذلك فهم ليسوا صادقين في تمنياتهم ومزاعمهم( وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ) .

ملاحظات :

1 ـ يتبيّن من ظاهر( بَدا لَهُمْ ) أنّهم لم يكونوا يخفون كثيرا من الحقائق عن الناس فحسب ، بل كانوا يخفونها حتى عن أنفسهم ، فتبدوا لهم جلية يوم القيامة ، وليس في هذا ما يدعو إلى العجب ، فالإنسان كثيرا ما يخفي عنه نفسه الحقائق ويغطي على ضميره وفطرته لكي ينال شيئا من الراحة الكاذبة.

إنّ قضية مخادعة النفس وإخفاء الحقائق عنها من القضايا التي تعالجها البحوث الخاصّة بنشاط الضمير ، فقد نجد الكثيرين من الذين يتبعون أهواءهم يتنبهون إلى أضرار ذلك عليهم ، ولكنّهم لكي يواصلوا أعمالهم تلك بغير أن تنغصها عليهم ضمائرهم ـ يحاولون إخفاء هذا الوعي فيهم بشكل من الأشكال.

غير أنّ بعض المفسّرين ـ دون الالتفات إلى هذه النكتة ـ فهموا من (لهم) ما

__________________

(1) ينبغي الانتباه إلى نقطة مهمّة في الآية : في القراءة المشهورة التي بين أيدينا «نردّ» مرفوعة و «ولا نكذب» و «نكون» منصوبتان ، مع أنّ الظاهر يدل على أنّهما معطوفتان على «نردّ» وخير تعليل لذلك هو القول بأنّ «نردّ» جزء من التمني ، و «ولا نكذب» جواب التمني ، و «الواو» هنا بمنزلة «الفاء» ومعلوم أن جواب التمني إذا وقع بعد الفاء كان منصوبا ، إن مفسرين كالفخر الرازي والمرحوم الطبرسي وأبي الفتوح الرازي أوردوا تعليلات أخرى ، ولكن الذي قلناه أوضح الوجوه ، وعليه فهذه الآية تكون شبيهة بالآية (58) من سورة الزمر :( لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) .

٢٥٣

ينطبق على الأعمال التي أخفاها المشركون عن الناس (تأمل بدقّة).

2 ـ قد يقال أنّ التمني ليس من الأمور يصح فيها أن تكون صادقة أو كاذبة ، فهي مثل «الإنشاء» الذي لا يحتمل الصدق والكذب ، إلّا أنّ هذا القول بعيد عن الصواب ، وذلك لأنّ «الإنشاء» كثيرا ما يصاحبه «الإخبار» ممّا يحتمل الصدق والكذب ، فقد يقول قائل أتمنى أن يعطيني الله مالا وفيرا فأعينك ، هذا من باب التمني بالطبع ، ولكن مفهومه هو أنّه إذا أعطاني الله مالا وفيرا فاني سوف أساعدك ، وهذا مفهوم خبري يحتمل أن يكون صادقا أو كاذبا ، فإذا كنت تعرف بخل المتمني وضيق نظرته فأنت تعرف أنّه كاذب حتى إن أعطاه الله ما يشاء من المال (هذا الموضوع مشهور كثيرا في الجمل الإنشائية).

3 ـ إنّ سبب ذكر الآية أنّهم لو عادوا إلى الدنيا لعادوا إلى تكرار أعمالهم السابقة هو أن كثيرا من الناس عند ما يشاهدون نتائج أعمالهم بأعينهم ، أي حينما يصلون إلى مرحلة الشهود ، يستنكرون ما فعلوا ويندمون آنيا ويتمنون لو يتاح لهم أن يجبروا ما كسروا ، إلّا أنّ هذه تمنيات عارضة تنشأ من مشاهدة نتائج الأعمال عيانا ، وتعرض لكل إنسان يشهد بأم عينه ما ينتظره من عذاب وعقاب ، ولكن ما أن تغيب تلك المشاهد عن نظره حتى يزول تأثيرها عنه ، ويعود إلى سابق عهده.

شأنهم في ذلك شأن عبدة الأصنام الذين دهمهم طوفان عظيم في البحر ورأوا أنفسهم على عتبة الهلاك ، فنسوا كل شيء سوى الله ، ولكن ما أن هدأت العاصفة ووصلوا إلى ساحل الأمان حتى عاد كل شيء إلى ما كان عليه(1) .

4 ـ ينبغي الالتفات إلى أنّ هذه الحالات تخص جمعا من عبدة الأصنام الذين مرّت الإشارة إليهم في الآيات السابقة لا كلهم ، لذلك كان لا بدّ لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يواصل نصح الآخرين لإيقاظهم وهدايتهم.

* * *

__________________

(1) يونس ، 22.

٢٥٤

الآيات

( وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (31) وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (32) )

التّفسير

في تفسير الآية الأولى احتمالان :

الأوّل : أنّها استئناف لأقوال المشركين المعاندين المتصلبين الذين يتمنون ـ عند ما يشاهدون أهوال يوم القيامة ـ أن يعودوا إلى دار الدنيا ليتلافوا ما فاتهم ، ولكن القرآن يقول إنّهم إذا رجعوا لا يتجهون إلى جبران ما فاتهم ، بل يستمرون على ما كانوا عليه ، وأكثر من ذلك فإنّهم يعودون إلى إنكار يوم القيامة( وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ) (1) .

الاحتمال الثّاني : أنّ الآية تشرع بكلام جديد يخصّ نفرا من المشركين ممّن

__________________

(1) بحسب هذا الاحتمال «وقالوا» معطوفة على «عادوا» وهذا ما يقول به صاحب تفسير «المنار».

٢٥٥

كفروا بالمعاد كليا ، فقد كان بين مشركي العرب فريق لا يؤمنون بالمعاد ، وفريق آخر يؤمنون بنوع من المعاد.

الآية التّالية تشير إلى مصيرهم يوم القيامة ، يوم يقفون بين يدي الله :( وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِ ) ، فيكون جوابهم أنّهم يقسمون بأنّه الحقّ :( قالُوا بَلى وَرَبِّنا ) .

عندئذ :( قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ) لا شك أنّ «الوقوف بين يدي الله» لا يعني إنّ لله مكانا ، بل يعني الوقوف في ميدان الحساب للجزاء ، كما يقول بعض المفسّرين ، أو أنّه من باب المجاز ، مثل قول الإنسان عند أداء الصّلاة أنّه يقف بين يدي الله وفي حضرته.

الآية التي بعدها فيها ، إشارة إلى خسران الذين ينكرون المعاد ، فتقول :( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ ) ، إنّ المقصود بلقاء الله هو ـ كما قلنا من قبل ـ اللقاء المعنوي والإيمان الشهودي (الشهود الباطني) ، أو هو لقاء مشاهد يوم القيامة والحساب والجزاء.

ثمّ تبيّن الآية أنّ هذا الإنكار لن يدوم ، بل سيستمر حتى قيام يوم القيامة ، حين يرون أنفسهم فجأة أمام مشاهده الرهيبة ، ويشهدون بأعينهم نتائج أعمالهم ، عندئذ ترتفع أصواتهم بالندم على ما قصروا في حق هذا اليوم :( حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها ) .

و «الساعة» هي يوم القيامة ، و «بغتة» تعني فجأة وعلى حين غرة ، إذ تقوم القيامة دون أن يعلم بموعدها أحد سوى الله تعالى ، وسبب إطلاق «الساعة» على يوم القيامة إمّا لأنّ حساب الناس يجري سريعا فيها ، أو للإشارة إلى فجائية حدوث ذلك ، حيث ينتقل الناس بسرعة خاطفة من عالم البرزخ إلى عالم القيامة.

و «التحسر» هو التأسف على شيء ، غير أنّ العرب عند تأثرهم الشديد يخاطبون «الحسرة» فيقولون : «يا حسرتنا» ، فكأنّهم يجسدونها أمامهم ويخاطبونها.

٢٥٦

ثمّ يقول القرآن الكريم( وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ ) .

«الأوزار» جمع «وزر» وهو الحمل الثقيل ، وتعني الأوزار هنا الذنوب ، ويمكن أن تتخذ هذه الآية دليلا على تجسد الأعمال ، لأنّها تقول إنّهم يحملون ذنوبهم على ظهورهم ، ويمكن أيضا أن يكون الاستعمال مجازيا كناية عن ثقل حمل المسؤولية ، إذ أنّ المسؤوليات تشبه دائما بالحمل الثقيل.

وفي آخر الآية يقول الله تعالى :( أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ ) .

في هذه الآية جرى الكلام على خسران الذين ينكرون المعاد ، والدليل على هذا الخسران واضح ، فالإيمان بالمعاد ، فضلا عن كونه يعد الإنسان لحياة سعيدة خالدة ، ويحثه على تحصيل الكمالات العلمية والعملية ، فان له تأثيرا عميقا على وقاية الإنسان من التلوث بالذنوب والآثام ، وهذا ما سوف نتناوله ـ إن شاء الله ـ عند بحث الإيمان بالمعاد وأثره البناء في الفرد والمجتمع.

* * *

ثمّ لبيان نسبة الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة ، يقول الله تعالى :( وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ) فهؤلاء الذين اكتفوا بهذه الحياة ، ولا يطلبون غيرها ، هم أشبه بالأطفال الذين يودون أن لو يقضوا العمر كلّه في اللعب واللهو غافلين عن كل شيء.

إن تشبيه الحياة الدنيا باللهو واللعب يستند إلى كون اللهو واللعب من الممارسات الفارغة السطحية التي لا ترتبط بأصل الحياة الحقيقية ، سواء فاز اللاعب أم خسر ، إذ كل شيء يعود إلى حالته الطبيعية بعد اللعب.

وكثيرا ما نلاحظ أنّ الأطفال يتحلقون ويشرعون باللعب ، فهذا يكون «أميرا» وذاك يكون «وزيرا» وآخر «لصا» ورابع يكون «قافلة» ، ثمّ لا تمضي ساعة حتى ينتهي اللعب ولا يكون هناك «أمير» ولا «وزير» ولا «لص» ولا

٢٥٧

«قافلة»! أو كما يحدث في المسرحيات أو التمثيليات ، فنشاهد مناظر للحرب أو الحبّ أو العداء تتجسد على المسرح ، ثمّ بعد ساعة يتبدد كل شيء.

والدنيا أشبه بالتمثيلية التي يقوم فيها الناس بتمثيل أدوار الممثلين ، وقد تجتذب هذه التمثيلية الصبيانية حتى عقلاءنا ومفكرينا ، ولكن سرعان ما تسدل الستارة وينتهي التمثيل.

«لعب» على وزن «لزج» من «اللعاب» على وزن «غبار» وهو الماء الذي يتجمع في الفم ويسيل منه ، فإطلاق لفظة «اللعب» على اللهو والتسلية جاء للتشابه بينه وبين اللعاب الذي يسيل دون هدف.

ثمّ تقارن الآية حياة العالم الآخر بهذه الدنيا ، فتقول :( وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) .

فتلك حياة خالدة لا تفنى في عالم أوسع وعلى أرفع ، عالم يتعامل مع الحقيقة لا المجاز ومع الواقع ، لا الخيال ، عالم لا يشوب نعمه الألم والعذاب ، عالم كلّه نعمة خالصة لا ألم فيه ولا عذاب.

ولكن إدراك هذه الحقائق وتمييزها عن مغريات الدنيا الخداعة غير ممكن لغير المفكرين الذين يعقلون ، لذلك اتجهت الآية إليهم بالخطاب في النهاية.

في حديث رواه هشام بن الحكم عن الامام موسى بن جعفرعليه‌السلام قال : «يا هشام إنّ الله وعظ أهل العقل ورغبهم في الآخرة فقال :( وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) (1) .

غني عن القول أنّ هدف هذه الآيات هو محاربة الانشداد بمظاهر عالم المادة ونسيان الغاية النهائية ، أمّا الذين جعلوا الدنيا وسيلة للسعادة فهم يبحثون ـ في الحقيقة ـ عن الآخرة ، لا الدنيا.

* * *

__________________

(1) تفسير «نور الثقلين» ، ج 1 ، ص 711.

٢٥٨

الآيتان

( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) )

التّفسير

المصلحون يواجهون الصعاب دائما :

لا شك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نقاشاته المنطقية ومحاوراته الفكرية مع المشركين المعاندين المتصلبين ، كان يواجه منهم المعاندة واللجاجة والتصلب والتعنت ، بل كانوا يرشقونه بتهمهم ، ولذلك كله كان النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشعر بالغم والحزن ، والله تعالى في مواضع كثيرة من القرآن يواسي النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويصبّره على ذلك ، لكي يواصل مسيرته بقلب أقوى وجأش أربط ، كما جاء في هذه الآية :( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ) ، فاعلم أنّهم لا ينكرونك أنت ، بل هم ينكرون آيات الله ، ولا يكذبونك بل يكذبون الله :( فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ ) .

ومثل هذا القول شائع بيننا ، فقد يرى «رئيس» أنّ «مبعوثه» إلى بعض الناس عاد غاضبا ، فيقول له : «هوّن عليك ، فان ما قالوه لك إنّما كان موجها إليّ ، وإذا

٢٥٩

حصلت مشكلة فأنّا المقصود بها ، لا أنت» وبهذا يسعى إلى مواساة صاحبه والتهوين عليه.

ثمّة مفسّرون يرون للآية تفسيرا آخر ، لكن ظاهر الآية هو هذا الذي قلناه ، ولكن لا بأس من معرفة هذا الاحتمال القائل بأن معنى الآية هو : إنّ الذين يعارضونك هم في الحقيقة مؤمنون بصدقك ولا يشكون في صحة دعوتك ، ولكن الخوف من تعرض مصالحهم للخطر هو الذي يمنعهم من الرضوخ للحق ، أو أنّ الذي يحول بينهم وبين التسليم هو التعصب والعناد.

يتبيّن من كتب السيرة أنّ الجاهليين ـ بما فيهم أشدّ المعارضين للدّعوة ـ كانوا يعتقدون في أعماقهم بصدق الدعوة ، ومن ذلك ما روي أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقي أبا جهل فصافحه أبو جهل ، فقيل له في ذلك ، فقال : والله إني لأعلم أنّه صادق ، ولكنا متى كنّا تبعا لعبد مناف! (أي أنّ قبول دعوته سيضطرنا إلى اتباع قبيلته).

وورد في كتب السيرة أنّ أبا جهل جاء في ليلة متخفيا يستمع قراءة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما جاء في الوقت نفسه أبو سفيان والأخنس بن شريق ، ولا يشعر أحد منهم بالآخر فاستمعوا إلى الصباح ، فلمّا فضحهم الصبح تفرقوا ، فجمعتهم الطريق ، فقال كل منهم للآخر ما جاء به ، ثمّ تعاهدوا أن لا يعودوا ، لما يخافون من علم شبان قريش بهم لئلا يفتتنوا بمجيئهم ، فلمّا كانت الليلة الثّانية جاء كل منهم ظانا أنّ صاحبيه لا يجيئان لما سبق من العهود ، فلمّا أصبحوا جمعتهم الطريق مرّة ثانية فتلاوموا ، ثمّ تعاهدوا أن لا يعودوا ، فلمّا كانت الليلة الثالثة جاؤوا أيضا ، فلما أصبحوا تعاهدوا أن لا يعودا لمثلها ، ثمّ تفرقوا فلمّا أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثمّ خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته ، فقال : اخبرني ـ يا أبا حنظلة ـ عن رأيك فيما سمعت من محمّد؟

قال : يا أبا ثعلبة ، والله لقد سمعت أشياء أعرفها ، وأعرف ما يراد بها ، وسمعت أشياء ، ما عرفت معناها ولا ما يراد بها.

قال الأخنس : وأنا والذي حلفت به.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749