تفسير نور الثقلين الجزء ٥

تفسير نور الثقلين7%

تفسير نور الثقلين مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 749

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 749 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 363082 / تحميل: 5055
الحجم الحجم الحجم
تفسير نور الثقلين

تفسير نور الثقلين الجزء ٥

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

على أنفسكم، ولا تبخلوا بها عنها، فقد قال الله سبحانه:( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ) واستقرضكم وله خزائن السموات والأرض وهو الغنى الحميد وإنّما أراد أنْ يبلوكم أيكم أحسن عملا وفي كلامه عليه الصلوة والسلام غير هذا حذفناه لعدم الحاجة إليه هنا.

٥٦ ـ في مجمع البيان وقال أهل التحقيق: القرض الحسن يجمع عشرة أوصاف: أنْ يكون من الحلال، لانّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إنّ الله تعالى طيب لا يقبل إلّا الطيب ؛ وأنْ يتصدق وهو يحب المال ويرجو الحيوة لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ لـمّا سئل عن أفضل الصدقة ـ: أنْ تعطيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت النفس التراقي قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، وذكرنا في العشرة.

٥٧ ـ في الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن بكر بن صالح عن القاسم بن بريد عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام : ثم وصف اتباع نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله من المؤمنين فقالعزوجل :( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ ) وقال:( يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ ) يعنى أولئك المؤمنين.

٥٨ ـ في كتاب الخصال عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: كنت ذات يوم عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ أقبل بوجهه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وقال: ألآ أبشرك يا أبا الحسن؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: هذا جبرئيل يخبرني عن الله تعالى انه قال: قد اعطى شيعتك ومحبيك سبع خصال: الرفق عند الموت، والانس عند الوحشة، والنور عند الظلمة، والأمن عند الفزع، والقسط عند الميزان، والجواز على الصراط ودخول الجنة قبل ساير الناس، نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم.

٥٩ ـ وباسناده إلى أبي خالد الكابلي قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام في قوله:( يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ ) أئمة المؤمنين يوم القيامة تسعى بين يدي

٢٤١

المؤمنين وبايمانهم حتى ينزلوهم منازل أهل الجنة، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٦٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ ) قال: يقسم النور بين الناس يوم القيامة على قدر ايمانهم، يقسم للمنافق فيكون نوره بين إبهام رجله اليسرى فينظر نوره ثم يقول للمؤمنين: مكانكم حتى أقتبس من نوركم فيقول المؤمنون لهم:( ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً ) فيرجعون ويضرب( بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ ) فينادوا من وراء السور للمؤمنين:( أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ ) قال: بالمعاصي وارتبتم قال: أي شككتم وتربصتم وقوله:( فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ ) قال: والله ما عنى بذلك اليهود ولا النصارى، وما عنى به إلّا أهل القبلة ثم قال:( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) قال: هي أولى بكم.

٦١ ـ في مصباح شيخ الطائفة (ره) خطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام خطب بها يوم الغدير وفيها يقولعليه‌السلام :( سابِقُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) قبل أنْ يضرب بالسور باطنه الرحمة وظاهر العذاب فتنادون فلا يسمع نداءكم وتضجون فلا يحفل بضجيجكم.(١)

٦٢ ـ في كتاب الخصال في مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام وتعدادها قالعليه‌السلام : والثلاثون فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: تحشر أمّتى يوم القيامة على خمس رايات، فأول راية ترد عليَّ مع فرعون هذه الامة وهو معاوية، والثانية مع سامرى هذه الامة وهو عمرو بن عاص، والثالثة مع جاثليق هذه الامة وهو أبو موسى الأشعري، والرابعة مع أبي الأعور السلمي، وأمّا الخامسة فمعك يا عليُّ ، تحتها المؤمنون وأنت امامهم، ثمّ يقول الله تبارك وتعالى للاربعة:( ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ ) وهم شيعتي ومن والاني وقاتل معى الفئة الباغية والناكبة عن الصراط، وباب الرحمة هم شيعتي فينادى هؤلاء:( أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ

__________________

(١) أي لا يهتم به.

٢٤٢

في الدنيا( حَتَّى جاءَ أمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) ثم ترد أمتي وشيعتي فيروون من حوض محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وبيدي عصى عوسج اطرد بها أعدائى طرد غريبة الإبل.(١)

٦٣ ـ في الكافي باسناده إلى أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: تجنبوا المنى فانها تذهب بهجة ما خولتم، وتستصغرون بها مواهب الله جل وعز عندكم وتعقبكم الحسرات فيما وهمتم به أنفسكم.

٦٤ ـ وباسناده إلى أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: لم يزل بنو إسماعيل ولاة البيت ويقيمون للناس حجتهم وأمر دينهم يتوارثونه كابر(٢) عن كابر حتى كان زمن عدنان بن أدد،( فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ) وفسدوا وأحدثوا في دينهم وأخرج بعضهم بعضا، الحديث.

٦٥ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى سماعة وغيره عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: نزلت هذه الآية في القائمعليه‌السلام ( وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ ) .

٦٦ ـ في مجمع البيان ومن كلام عيسىعليه‌السلام لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسوا قلوبكم فان القلب القاسي بعيد من الله.

٦٧ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى سلام بن المستنير عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ) قال: يحيى الله تعالى بالقائم بعد موتها، يعنى بموتها كفر أهلها والكافر ميت.

٦٨ ـ وباسناده إلى سليط قال: قال الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم

__________________

(١) أي الإبل الغريبة وذلك أنّ الإبل إذا وردت الماء فدخل عليها غريبة من غيرها ضربت وطردت حتى تخرج عنها.

(٢) أي عظيما وكبيرا عن كبير.

٢٤٣

السلام: منا اثنى عشر مهديا أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي هو القائم بالحق به يحيى الله الأرض بعد موتها، ويظهر به الدين الحق على الدين كله ولو كره المشركون، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٦٩ ـ في روضة الكافي باسناده إلى محمد الحلبي انه سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ) قال العدل بعد الجور.

أقول: قد سبق في الروم عند قوله تعالى:( يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ) بعض الأحاديث فلتراجع.

٧٠ ـ في كتاب الخصال فيما علم أمير المؤمنينعليه‌السلام أصحابه من الاربعمأة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه ما من الشيعة عبد يقارف(١) أمرا نهيناه عنه فيموت حتى يبتلى ببلية تمحص بها ذنوبه، إمّا في مال واما في ولد وإمّا في نفس حتى يلقى الله وما له ذنب، انه ليبقى عليه الشيء من ذنوبه فيشدد عليه عند موته، الميت من شيعتنا صديق شهيد، صدق بأمرنا وأحب فينا وأبغض فينا، يريد ذلك اللهعزوجل يؤمن بالله وبرسوله، قال اللهعزوجل : «يؤمن بالله وبرسوله» قال اللهعزوجل ( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) .

٧١ ـ في روضة الكافي خطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام وهي خطبة الوسيلة يقول فيهاعليه‌السلام : وانى النبأ العظيم والصديق الأكبر.

٧٢ ـ وباسناده إلى أبي حمزة قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول لرجل من الشيعة: أنتم الطيبون ونساؤكم الطيبات، كل مؤمنة حوراء عيناء، وكل مؤمن صديق والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٧٣ ـ في مجمع البيان:( لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ) أي لهم ثواب طاعتهم ونور ايمانهم

__________________

(١) قارف الذنب: داناه.

٢٤٤

الذي يهتدون به إلى طريق الجنة، وهذا قول عبد الله بن مسعود ورواية البراء بن عازب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٧٤ ـ وروى العياشي بالإسناد عن منهال القصاب قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : ادع الله أنْ يرزقني الشهادة، فقال: إنّ المؤمن شهيد وقرأ هذه الاية.

٧٥ ـ وعن الحارث بن المغيرة قال: كنا عند أبي جعفرعليه‌السلام فقال: العارف منكم هذا الأمر المنتظر له المحتسب فيه الخير كمن جاهد والله مع قائم آل محمّد بسيفه، ثم قال: بل والله كمن جاهد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بسيفه، ثم قال الثالثة: بل والله كمن استشهد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في فسطاطه ؛ وفيكم آية من كتاب الله قلت: وأية آية جعلت فداك؟ قال: قول الله:( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) قال: صرتم والله شهداء عند ربكم.

٧٦ ـ في تهذيب الأحكام باسناده إلى أبي حصير عمن سمع علي بن الحسينعليهما‌السلام يقول وذكر الشهداء قال: فقال بعضنا في المبطون، وقال بعضنا في الذي يأكله السبع، وقال بعضنا غير ذلك مما يذكر في الشهادة، فقال إنسان: ما كنت أرى أنّ الشهيد إلّا من قتل في سبيل الله؟ فقال عليّ بن الحسينعليهما‌السلام إنّ الشهداء إذا لقليل ثم ّقرء هذه الآية( الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) ثمّ قال: هذه لنا ولشيعتنا.

٧٧ ـ في محاسن البرقي عنه عن أبيه عن حمزة بن عبد الله الجعفري عن جميل بن دراج عن عمرو بن مروان عن الحارث بن حصيرة عن زيد بن أرقم عن عليّ بن الحسينعليهما‌السلام قال: ما من شيعتنا إلّا صديق أو شهيد، قال: قلت جعلت فداك أنى يكون ذلك وعامتهم يموتون على فرشهم؟ فقال: اما تتلو كتاب الله في الحديد:( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) قال: فكأني لم اقرأ هذه الآية من كتاب اللهعزوجل ، وقال: لو كان الشهداء ليس إلّا كما تقول(١)

__________________

(١) وفي بعض النسخ «لو كان الشهداء ما يقولون كان الشهداء اه».

٢٤٥

لكان الشهداء قليلا :

٧٨ ـ عنه عن أبيه عن النضر بن سويد عن يحيى بن عمران الحلبي عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال لي: يا أبا محمّد إنّ الميت منكم على هذا الأمر شهيد، قلت: وان مات على فراشه؟ قال: أي والله وان مات على فراشه حي عند ربه يرزق.

٧٩ ـ عنه عن إبراهيم بن إسحق عن عبد الله بن حماد عن أبان بن تغلب قال: كان أبو عبد اللهعليه‌السلام إذا ذكر هؤلاء الذين يقتلون في الثغور يقول: ويلهم ما يصنعون بهذا يتعجلون قتلة الدنيا وقتلة الاخرة، والله ما الشهداء إلّا شيعتنا وان ماتوا على فراشهم.

٨٠ ـ عنه عن ابن محبوب عن عمرو بن ثابت أبي المقدام عن مالك الجهني قال: قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : يا مالك إنّ الميت منكم على هذا الأمر شهيد بمنزلة الضارب في سبيل الله، وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ما يضر رجلا من شيعتنا أية ميتة مات أو اكلة سبع أو حرق بالنار أو خنق أو قتل، هو والله شهيد.

٨١ ـ في أمالي شيخ الطائفةقدس‌سره باسناده إلى ابن عباس انه سئل عن قول اللهعزوجل :( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) قال: سئل قوم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا: فيمن نزلت هذه يا نبي الله؟ قال: إذا كان يوم القيامة عقد لواء من نور أبيض، ونادى مناد: ليقم سيد المؤمنين ومعه الذين آمنوا وقد بعث الله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فيقوم عليّ بن أبي طالب فيعطى الله اللواء من النور أبيض بيده تحته جميع السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ولا يخالطهم غيرهم حتى يجلس على منبر من نور رب العزة، ويعرض الجميع عليه رجلا رجلا فيعطى اجره ونوره، فاذا أتى على آخرهم قيل لهم: قد عرفتم موضعكم ومنازلكم من الجنة، إنّ ربكم يقول لكم عندي مغفرة وأجر عظيم يعنى الجنة، فيقوم إلى الجنة، عليّ بن أبي طالب والقوم تحت لوائه معهم حتى يدخل الجنة، ثم يرجع إلى منبره ولا يزال يعرض عليه جميع المؤمنين فيأخذ منهم إلى الجنة ويترك أقواما على النار، فذلك

٢٤٦

قول اللهعزوجل : «( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ ) أجرهم ونورهم» يعنى السابقين الأولين والمؤمنين وأهل الولاية له وقوله: و( الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ ) هم الذين قاسم عليهم النار فاستحقوا الجحيم.

٨٢ ـ في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن بكر بن صالح عن القاسم بن بريد قال: حدّثنا أبو عمرو الزبيري عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت: أخبرنى عما ندب اللهعزوجل المؤمنين إليه من الاستباق إلى الايمان، فقال: قول اللهعزوجل ( سابِقُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٨٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثنا أبي عن ابن أبي عمير عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إنّ أدنى أهل الجنة منزلا لو نزل به الثقلان الجن والانس لو لوسعهم طعاما وشرابا، ولا ينقص مما عنده شيئا، وان أيسر أهل الجنة منزلا من يدخل الجنة فيرفع له ثلاث حدائق، فاذا دخل أدناهن راى فيها من الأزواج ومن الخدم والأنهار والثمار ما شاء الله، مما يملأ عينه قرة وقلبه مسرة، فاذا شكر الله وحمده قيل له: ارفع رأسك إلى الحديقة الثانية ففيها ما ليس في الاخرى فيقول: يا رب أعطنى هذه فيقول الله تعالى: إنْ أعطيتكها سألتنى غيرها؟ فيقول: رب هذه هذه، فاذا هو دخلها وعظمت مسرته شكر الله وحمده قال: فيقال افتحوا له بابا إلى الجنة، ويقال له: ارفع رأسك فاذا قد فتح له باب من الخلد ويرى أضعاف ما كان فيما قبل، فيقول عند مضاعف مسراته: ربّ لك الحمد الذي لا يحصى إذ مننت عليَّ بالجنان وأنجيتنى من النيران، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٨٤ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: تعتلج النطفتان في الرحم فأيتهما كانت أكثر جاءت تشبهها، فان كانت نطفة المرأة أكثر جاءت تشبه أخواله، وان كانت نطفة الرجل أكثر جاءت تشبه أعمامه، وقال: تحول النطفة في الرحم أربعين يوما فمن أراد أنْ يدعو اللهعزوجل ففي تلك الأربعين

٢٤٧

قبل أنْ يخلق ؛ ثمّ يبعث اللهعزوجل ملك الأرحام فيأخذها فيصعد بها إلى اللهعزوجل ، فيقف ما شاء الله فيقول: يا الهى اذكر أم أنثى؟ فيوحى اللهعزوجل من ذلك شيئا ويكتب الملك، فيقول: أللّهم كم رزقه وما اجله؟ ثمّ يكتبه ويكتب كل ما يصيبه في الدنيا بين عينيه ثمّ يرجع فيرده في الرحم فذلك قول اللهعزوجل :( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها ) .

٨٥ ـ في أصول الكافي علي بن إبراهيم رفعه قال: لـمّا حمل عليّ بن الحسينعليهما‌السلام إلى يزيد بن معاوية فأوقف بين يديه، قال يزيد لعنه الله:( وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) فقال عليّ بن الحسينعليه‌السلام ليست هذه الآية فينا، إنّ فينا قول اللهعزوجل :( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ) .

٨٦ ـ في تفسير علي بن إبراهيم باسناده إلى عبد الرحمان بن كثير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله:( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها ) صدق الله وبلغت رسله كتابه في السماء، علمه بها وكتابه في الأرض علومنا في ليلة القدر وغيرها إنّ ذلك على الله يسير.

٨٧ ـ وقال الصادقعليه‌السلام : لـمّا أدخل برأس الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام على يزيد بن معاوية وأدخل عليه عليّ بن الحسينعليهما‌السلام مقيدا مغلولا قال يزيد: يا عليّ بن الحسين( ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) فقال عليّ بن الحسينعليهما‌السلام . كلّا، ما نزلت هذه فينا انما نزلت فينا( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها ) فنحن الذين لا نأسى على ما فاتنا ولا نفرح بما أوتينا منها.

٨٨ ـ في كتاب مقتل الحسين (عليه السلام)لأبي مخنف أنّ يزيد لعنه الله لـمّا نظر إلى عليّ بن الحسينعليهما‌السلام قال له: أبوك قطع رحمي وجهل حقّي ونازعنى في سلطاني فعل الله به ما رأيت؟ فقال عليّ بن الحسين:( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ) .

٢٤٨

٨٩ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقال أبو جعفرعليه‌السلام :( لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ ) قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: سأل رجل أبيعليه‌السلام عن ذلك فقال: نزلت في أبي بكر وأصحابه، واحدة مقدمه، وواحدة مؤخره، لا تأسوا على ما فاتكم مما خص به عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ولا تفرحوا بما آتاكم من الفتنة التي عرضت لكم بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال الرجل: اشهد انكم أصحاب الحكم الذي لا خلاف فيه، ثم قال الرجل فذهب فلم أره.

٩٠ ـ وباسناده إلى حفص بن غياث قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : جعلت فداك فما حد الزهد في الدنيا؟ فقال: قد حده الله في كتابه فقالعزوجل :( لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ ) .

٩١ ـ وباسناده إلى سليمان بن داود رفعه قال: جاء رجل إلى علي بن الحسينعليهما‌السلام فقال له: فما الزهد؟ قال: عشرة أجزاء فأعلى درجات الزهد أدنى درجات الرضا، ألآ وإنّ الزهد في آية من كتاب الله( لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ ) .

٩٢ ـ في أصول الكافي باسناده إلى أبي جعفر الباقرعليه‌السلام حديث طويل وفيه أنّ إلياسعليه‌السلام قال لهعليه‌السلام : أخبرنى عن تفسير( لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ ) مما خصّ به عليّعليه‌السلام ( وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ ) قال: في أبي فلان وأصحابه، واحدة مقدمة وواحدة مؤخرة،( لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ ) مما خصّ به عليّعليه‌السلام ( وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ ) من الفتنة التي عرضت لكم بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٩٣ ـ الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن أحمد بن محمد عن شعيب بن عبد الله عن بعض أصحابه رفعه قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إنّ الناس ثلاثة: زاهد وصابر وراغب، فأمّا الزاهد فقد خرجت الأحزان والأفراح من قبله، فلا يفرح بشيء من الدنيا ولا يأسي على شيء منها فاته فهو مستريح، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٩٤ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه وعلي بن محمد عن القاسم بن محمد عن سليمان

٢٤٩

بن داود المنقري عن علي بن هاشم بن البريد عن أبيه أنّ رجلا سأل عليّ بن الحسينعليهما‌السلام عن الزهد فقال: عشرة أجزاء فأعلى درجة الزهد الورع، وأعلى درجة الورع، أدنى درجة اليقين، وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرضا، ألآ وانّ الزهد في آية من كتاب الله( لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ ) .

٩٥ ـ في نهج البلاغة وقالعليه‌السلام : الزهد كله بين كلمتين من القرآن قال الله تعالى:( لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ ) ومن لم يأس على الماضي، ولم يفرح بالآتى فقد أخذ الزهد بطرفيه.

٩٦ ـ في مجمع البيان:( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ) وفي الحديث أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سأل عن سيد بنى عوف، فقالوا: جد بن قيس على انه يزن بالبخل فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأيُّ داء أدوى من البخل؟ سيدكم البراء بن معرور ـ معنى يزن يتهم ويعرف ـ.

٩٧ ـ في أصول الكافي باسناده إلى عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام : وجرت من بعده في الحواريين في المستحفظين وإنّما سماهمعزوجل المستحفظين لأنهم استحفظوا الاسم الأكبر وهو الكتاب الذي يعلم به علم كل شيء الذي كان مع الأنبياءعليهم‌السلام ، يقول اللهعزوجل : «( لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ * وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ ) الكتاب الاسم الأكبر، وإنّما عرف مما يدعى الكتاب التوراة والإنجيل والفرقان، فيها كتاب نوح وفيها كتاب صالح وشعيب وإبراهيم، فأخبر اللهعزوجل ( إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى ) فأين صحف إبراهيم، انما صحف إبراهيم الاسم الأكبر: فلم تزل الوصية في عالم بعد عالم حتى دفعوها إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٩٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ ) قال: الميزان الامام.

٩٩ ـ في جوامع الجامع وروى أنّ جبرئيلعليه‌السلام نزل بالميزان فدفعه إلى نوح

٢٥٠

وقال: مر قومك يزنوا به.

١٠٠ ـ في كتاب التوحيد حديث طويل عن عليٍّعليه‌السلام يقول فيه ـ وقد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات ـ وقد أعلمتك أنّ رُبَّ شيءٌ من كتاب الله تأويله غير تنزيله ولا يشبه كلام البشر، وسأنبئك بطرف منه فتكتفى إنْ شاء الله، من ذلك قول إبراهيم:( إِنِّي ذاهِبٌ إلى رَبِّي سَيَهْدِينِ ) فذهابه إلى ربه توجهه إليه عبادة واجتهادا، وقربة إلى الله جل وعز، ألآ ترى أنّ تأويله غير تنزيله، وقال:( أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ) يعنى السلاح وغير ذلك.

١٠١ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي (ره) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث وفيه وقال:( وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ) فانزاله ذلك خلفه إياه.

١٠٢ ـ في كتاب الخصال عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حديث طويل يقولعليه‌السلام فيه: ثمّ إنّ الجبال فخرت على الأرض فشمخت واستطالت، وقالت: أي شيء يغلبني؟ فخلق الحديد فقطعها فقرت الجبال وذلت، ثمّ إنّ الحديد فخر الجبال وقال: أي شيء يغلبني؟ فخلق النار فأذابت الحديد.

١٠٣ ـ في مجمع البيان وروى ابن عمر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إنّ اللهعزوجل انزل أربع بركات من السماء إلى الأرض، انزل الحديد والنار والماء والملح.

١٠٤ ـ في عيون الأخبار في باب ذكر مجلس الرضاعليه‌السلام مع المأمون في الفرق بين العترة والامة حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام : اما علمتم انه وقعت الوراثة والطهارة على المصطفين المهتدين دون سايرهم؟ قالوا: ومن اين يا أبا الحسن؟ قال: قول اللهعزوجل :( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ ) فصارت وراثة النبوة والكتاب للمهتدين دون الفاسقين، اما علمتم أنّ نوحا حين سأل ربهعزوجل ( فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ ) وذلك أنّ اللهعزوجل وعده أنْ ينجيه واهله فقال له ربهعزوجل :( يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ ) .

٢٥١

١٠٥ ـ وباسناده إلى محمد بن علي بن أبي عبد الله عن أبي الحسنعليه‌السلام في قول اللهعزوجل ( وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ ) قال. صلوة الليل. في الكافي باسناده إلى محمد بن علي بن أبي عبد الله عن أبي الحسنعليه‌السلام مثله سواء.

١٠٦ ـ في مجمع البيان في خبر مرفوع عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فما رعاها الذين بعدهم حق رعايتها، وذلك لتكذيبهم بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ابن عباس، وقال الزجاج أنّ تقريره:( ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ ) وابتغاء رضوان الله اتباع ما أمره به، فهذا وجه قال: وفيها وجه آخر جاء في التفسير انهم كانوا يرون من ملوكهم ما لا يصبرون عليه، فاتخذوا أسرابا وصوامع(١) وابتدعوا ذلك، فلما الزموا أنفسهم ذلك التطوع ودخلوا عليه لزمهم تمامه، كما أنّ الإنسان إذا جعل على نفسه صوما لم يفرض عليه لزمه أنْ يتمه، قال: وقوله:( فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها ) على ضربين: (أحدهما) أنْ يكونوا قصروا فيما ألزموه أنفسهم (والاخر) وهو الأجود أنْ يكونوا حين بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يؤمنوا به ؛ كانوا تاركين لطاعة الله، فما رعوها تلك الرهبانية حق رعايتها، ودليل ذلك قوله:( فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا ) أجرهم يعنى الذي آمنوا بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وكثير منهم فاسقون أي كافرون انتهى كلام الزجاج.

١٠٧ ـ ويعضد هذا ما جاءت به الرواية عن ابن مسعود قال: كنت رديف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على الحمار فقال: يا ابن أم عبد هل تدري من أين أحدثت بنو إسرائيل الرهبانية؟ فقلت: الله ورسوله أعلم، فقال: ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسىعليه‌السلام يعملون بمعاصي الله، فغضب أهل الايمان فقاتلوهم، فهزم أهل الايمان ثلاث مرات فلم يبق منهم إلّا القليل، فقالوا: إنْ ظهرنا لهؤلاء أفنونا ولم يبق للدين أحد يدعو اليه، فتعالوا نتفرق في الأرض إلى أنْ يبعث الله النبي الذي وعدنا به عيسىعليه‌السلام يعنون محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتفرقوا في غيران الجبال(٢) وأحدثوا

__________________

(١) أسراب جمع السرب ـ محركة ـ: الحفير تحت الأرض. والصوامع جمع الصومعة: مغار الراهب.

(٢) جمع الغار.

٢٥٢

رهبانية، فمنهم من تمسك بدينه ؛ ومنهم من كفر ثم تلا هذه الاية:( وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ ) إلى آخرها ثم قال: يا ابن أم عبد أتدري ما رهبانية أمتى؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: الهجرة والجهاد والصلوة والصوم والحج والعمرة.

١٠٨ ـ وعن ابن مسعود قال: دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا ابن مسعود اختلف من كان قبلكم على اثنين وسبعين فرقة، نجا منها ثنتان وهلك سائرهن، فرقة قاتلوا الملوك على دين عيسى فقتلوهم، وفرقة لم يكن لهم طاقة لموازاة الملوك ولا أنْ يقيموا بين ظهرانيهم يدعونهم إلى دين الله تعالى ودين عيسى، فساحوا في البلاد وترهبوا، وهم الذين قال الله:( وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ ) ثم قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : من آمن بى وصدقنى واتبعنى فقد رعاها حق رعايتها، ومن لم يؤمن بها فأولئك هم الهالكون.

١٠٩ ـ في أصول الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن القاسم بن سليمان عن سماعة بن مهران عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ) قال: الحسن والحسين( وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً ) قال: امام تأتمون به.

١١٠ ـ أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار عن ابن فضال عن ثعلبة بن ميمون عن أبي الجارود قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : لقد آتى الله أهل الكتاب خيرا كثيرا قال: وما ذاك؟ قلت: قول اللهعزوجل :( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ ) إلى قوله:( أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا ) قال: فقال قد آتاكم الله كما آتاهم، ثم تلا:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ) يعنى إماما تأتمون به.

١١١ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ) قال: نصيبين من رحمته، أحدهما، أنْ لا يدخله النار، وثانيهما أنْ يدخله الجنة( وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ) يعنى الايمان.

٢٥٣

١١٢ ـ في كتاب المناقب لابن شهر آشوب الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى: «( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ) قال: الكفلين والحسن والحسين والنور على.

١١٣ ـ في مجمع البيان قال سعيد بن جبير: بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جعفرا ١ في سبعين راكبا إلى النجاشي يدعوه فقد عليه ودعاه فاستجاب له وآمن به، فلما كان عند انصرافه قال ناس ممن آمن به من أهل مملكته وهم أربعون رجلا: ائذن لنا فنأتي هذا النبي فنسلم به، فقدموا مع جعفر، فلما رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة استأذنوا وقالوا: يا نبي الله إنّ لنا أموالا ونحن نرى ما بالمسلمين من الخصاصة فان أذنت لنا انصرفنا فجئنا بأموالنا فواسينا المسلمين بها فاذن لهم فانصرفوا فأتوا بأموالهم فواسوا بها المسلمين، فأنزل الله تعالى فيهم:( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ ) إلى قوله:( وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ) فكانت النفقة التي واسوا بها المسلمين، فلما سمع أهل الكتاب ممن لم يؤمن به قوله:( أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا ) فخروا على المسلمين فقالوا: يا معشر المسلمين اما من آمن بكتابكم وكتابنا فله أجر كأجوركم فما فضلكم علينا فنزل:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ) الآية فجعل لهم أجرين وزادهم النور والمغفرة، ثم قال:( لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ ) وقال الكلبي كان هؤلاء أربعة وعشرين رجلا قدموا من اليمن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو بمكة، لم يكونوا يهودا ولا نصارى، وكانوا على دين الأنبياء ؛ فأسلموا فقال لهم أبو جهل: بئس القوم أنتم والوفد لقومكم فردوا عليه( وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ ) الآية فجعل الله لهم ولمؤمنى أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه أجرين اثنين، فجعلوا يفخرون على أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقولون: نحن أفضل منكم، لنا أجران ولكم أجر واحد، فنزل:( لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ ) إلى آخر السورة. وروى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال: من كانت له ابنة يعلمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها وأعتقها وتزوجها فله أجران، وأيمان رجل من أهل الكتاب آمن

٢٥٤

بنيه وآمن بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فله أجران، وأيما مملوك أدى حق الله وحق مواليه فله أجران أورده البخاري في الصحيح.

بسم الله الرحمن الرحيم

١ ـ في كتاب ثواب الأعمال باسناده عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من قرء سورة الحديد والمجادلة في صلوة فريضة أدمنها لم يعذبه الله حتى يموت أبدا، ولا يرى في نفسه ولا أهله سوءا أبدا ولا خصاصة في بدنه.

٢ ـ في مجمع البيان أبيّ بن كعب قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن قرأ سورة المجادلة كتب من حزب الله يوم القيامة.

٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم:( قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إلى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) قال: كان سبب نزول هذه السورة انه أوّل من ظاهر في الإسلام، كان رجلا يقال له أوس بن الصامت من الأنصار، وكان شيخا كبيرا فغضب على أهله يوما، فقال لها أنت عليَّ كظهر أمّي ثمّ ندم على ذلك، قال: وكان الرجل في الجاهلية إذا قال لأهله: أنت عليَّ كظهر أمّي حرمت عليه آخر الأبد، وقال أوس لأهله: يا خولة إنّا كنّا نحرم هذا في الجاهلية وقد أتانا الله بالإسلام فاذهبي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاسئليه عن ذلك فأتت خولة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله إنّ أوس بن الصامت هو زوجي وأبو ولدي وابن عمّي، فقال لي: أنت عليَّ كظهر أمّي وكنّا نحرم ذلك في الجاهليّة وقد أتانا الله [بالإسلام] بك.

حدّثنا علي بن الحسين قال: حدّثنا محمد بن أبي عبد الله عن الحسن بن محبوب عن أبي ولاد عن حمران عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إنّ امرأة من المسلمات أتت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت: يا رسول الله إنّ فلانا زوجي وقد نثرت له بطني(١) وأعنته على دنياه وآخرته لم ير مني مكروها أشكوه

__________________

(١) نثرت المرأة بطنها: كثرت ولدها.

٢٥٥

إليك، فقال: فبم تشكونيه؟ قالت: أنّه قال: أنت عليَّ حرام كظهر أمّي وقد أخرجنى من منزلي، فانظر في أمرى فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أنزل الله تبارك وتعالى كتابا أقضى فيه بينك وبين زوجك وأنا أكره أنْ أكون من المتكلّفين فجعلت تبكي وتشتكي ما بها إلى اللهعزوجل والى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وانصرفت، قال: فسمع الله تبارك وتعالى مجادلتها لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في زوجها وشكت اليه، وأنزل اللهعزوجل في ذلك قرآنا:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إلى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما ) إلى قوله:( وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) ، قال: فبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المرأة فأتته فقال لها: جيئي بزوجك فأتت به، فقال له: أقلت لامرأتك هذه: أنت حرام كظهر أمّي؟ فقال: قد قلت لها ذاك، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قد أنزل الله تبارك وتعالى فيك وفي امرأتك قرآنا وقرء( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إلى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) فضم إليك امرأتك فانك قد قلت منكرا من القول وزورا، وقد عفى الله عنك وغفر لك ولا تعد ؛ قال: فانصرف الرجل وهو نادم على ما قال لامرأته وكره اللهعزوجل ذلك للمؤمنين بعد، وانزل الله:( الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا ) يعنى لـمّا قال الرجل لامرأته: أنت عليَّ كظهر أمّي قال: فمن قالها بعد ما عفى الله وغفر للرجل الاوّل فانّ عليه تحرير( رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ) يعنى مجامعتهما( ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ ) يعنى( مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ) قال: فجعل الله عقوبة من ظاهر بعد النهى هذا ثمّ قال:( ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ ) قال: هذا حد الظهار قال حمران قال أبو جعفرعليه‌السلام ولا يكون ظهار في يمين ولا في إضرار ولا في غضب، ولا يكون

٢٥٦

ظهار إلّا على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين.

٤ ـ في مجمع البيان فاما ما ذهب إليه أئمة الهدى من آل محمّدعليهم‌السلام فهو أنّ المراد بالعود إرادة الوطي ونقض القول الذي قاله، لانّ الوطي لا يجوز إلّا بعد الكفارة ولا يبطل حكم قوله الاوّل إلّا بعد الكفارة.

٥ ـ في الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن جميل بن صالح عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل مملوك ظاهر من امرأته فقال: لا يكون ظهار ولا إيلاء حتى يدخل بها.

٦ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن أبي نصر عن الرضاعليه‌السلام قال: الظهار لا يقع على الغضب.

٧ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن الظهار الواجب قال: الذي يريد به الرجل الظهار بعينه.

٨ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: إذا قالت المرأة: زوجي عليَّ كظهر أمّي فلا كفارة عليها.

٩ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: الظهار ضربان أحدهما فيه الكفارة قبل المواقعة، والاخر بعده، فالذي يكفر قبل المواقعة الذي يقول: أنت عليَّ كظهر أمّي، ولا يقول: إنّ فعلت بك كذا وكذا، والذي يكفر بعد المواقعة هو الذي يقول: أنت عليَّ كظهر أمّي إنْ قربتك.

١٠ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن القاسم بن محمد الزيات قال: قلت لأبي الحسنعليه‌السلام : إني ظاهرت من امرأتي؟ فقال: كيف قلت؟ قال: قلت: أنت عليَّ كظهر أمّي إنْ فعلت كذا وكذا، فقال: لا شيء عليك ولا تعد.

١١ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن ابن بكير عن

٢٥٧

رجل من أصحابنا عن رجل قال: قلت لأبي الحسنعليه‌السلام إني قلت لامرأتى: أنت عليَّ كظهر أمّي إنْ خرجت من باب الحجرة، فخرجت فقال: ليس عليك شيء فقلت: إني أقوي على أنْ أكفّر؟ فقال: ليس عليك شيء، فقلت: إني أقوى على أنْ أكفّر رقبة ورقبتين؟ قال ليس عليك شيء قويت أو لم تقو.

١٢ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه وعدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن عثمان بن عيسى عن سماعة عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : قال سمعته يقول: جاء رجل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا رسول الله ظاهرت من امرأتى قال: اذهب فأعتق رقبة، قال: ليس عندي قال: اذهب فصم شهرين متتابعين، قال: لا أقوى قال: اذهب فأطعم ستين مسكينا قال: ليس عندي قال: فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : انا أتصدق عنك فأعطاه تمرا لإطعام ستين مسكينا فقال: اذهب فتصدق بها فقال: والذي بعثك بالحق لا اعلم بين لابتيها(١) أحدا أحوج إليه منى ومن عيالي، قال: فاذهب وكل واطعم عيالك.

١٣ ـ عدة من أصحابنا عن سهل عن ابن محبوب عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سألته عن المملوك أعليه ظهار؟ فقال، نصف ما على الحر من الصوم وليس عليه كفارة صدقة ولا عتق.

١٤ ـ عليّ عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله وابى الحسنعليهما‌السلام في رجل كان له عشر جوار فظاهر منهن كلهن جميعا بكلام واحد فقال: عليه عشر كفارات.

١٥ ـ أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن سيف التمار قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : الرجل يقول لامرأته: أنت عليَّ كظهر أمّي أو عمّتي أو خالتي؟ قال: فقال: انما ذكر الله الأمّهات وانّ هذا لحرام.

١٦ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج قال: قلت لأبي عبد الله: الرجل يقول لامرأته: أنت عليَّ كظهر عمّته أو خالته؟ فقال: هو الظهار.

__________________

(١) الضمير في لابتيها يرجع إلى المدينة. ولابتاها: جانباها. والابة: الحرة وهي ارض ذات حجارة سود كأنها أحرقت بالنار. والمدينة المشرفة انما هي بين حرتين عظيمتين.

٢٥٨

١٧ ـ أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار والرزاز عن أيوب بن نوح عن صفوان عن إسحق بن عمار قال: سئلت أبا إبراهيمعليه‌السلام عن الرجل يظاهر من جاريته؟ فقالعليه‌السلام : الحرة والامة في ذا سواء.

١٨ ـ محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن صفوان بن يحيى عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ) قالعليه‌السلام : من مرض أو عطاش، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٩ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: صيام كفارة اليمين في الظهار شهرين متتابعين، والتتابع أنْ يصوم شهرا أو يصوم من الشهر الاخر أياما أو شيئا منه، فان عرض له شيء يفطر فيه أو ظهر ثم قضى ما بقي عليه، وان صام شهرا ثم عرض له شيء فأفطر قبل أنْ يصوم من الاخر شيئا فلم يتابع أعاد الصوم كله.

قال مؤلف هذا الكتاب عفى عنه للظهار احكام وتفاصيل كثيرة مذكورة في محالها فمن أرادها وقف عليها هناك.

٢٠ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث طويل وفيه وقوله:( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ) وقوله:( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ ) وقوله( ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ ) فانما أراد بذلك استيلاء امنائه بالقدرة التي ركبها فيهم على جميع خلقه ؛ وان فعلهم فعله.

٢١ ـ في كتاب الاهليلجة المنقول عن الصادق وإنّما سمى سميعا لأنه( ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ) يسمع دبيب النمل على الصفا وخفقان الطير في الهوا لا يخفى عليه خافية ولا شيء مما أدركه الأسماع والأبصار، وما لا تدركه الأسماع والأبصار، ما حل من ذلك وما دق وما صغر وما كبر.

٢٢ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى عمر بن أذينة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول

٢٥٩

اللهعزوجل ( ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ) فقال: هو واحد أحدى الذات باين من خلقه وبذلك وصف نفسه ؛ وهو بكل شيء محيط بالإشراف والاحاطة والقدرة،( لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ ) ، بالإحاطة والعلم لا بالذات لان الأماكن محدودة تحويها حدود أربعة فاذا كان بالذات لزمه الحواية. وفي أصول الكافي مثله سواء.

٢٣ ـ في أصول الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد البرقي رفعه قال: سئل الجاثليق أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال: أخبرني عن اللهعزوجل اين هو؟ فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : هو هاهنا وهاهنا وفوق وتحت ومحيط بنا ومعنا وهو قوله:( ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٢٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ ) قال فلان وفلان وأبى فلان حين اجتمعوا فدخلوا الكعبة فكتبوا بينهم كتابا إنْ مات محمّد أنْ لا يرجع الأمر فيهم أبدا.

٢٥ ـ في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن علي بن الحسين عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله في قول اللهعزوجل :( ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) قال: نزلت هذه الآية في فلان وفلان وأبى عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وسالم مولى أبي حذيفة والمغيرة بن شعبة، حيث كتبوا الكتاب بينهم وتعاهدوا وتوثقوا لئن مضى محمد لا يكون الخلافة في بنى هاشم ولا النبوة أبدا فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية إلى قوله: لعلك ترى انه كان يوم يشبه يوم كتب الكتاب إلّا يوم قتل الحسينعليه‌السلام وهكذا كان في سابق علم اللهعزوجل الذي أعلمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كتب الكتاب قتل الحسينعليه‌السلام وخرج الملك من بنى هاشم فقد كان ذلك كله.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

حيث إنه كان على حد تعبير الرواة: (في ضيق شديد، ومحنة عظيمة) و (لم يزل مغموماً مكروباً حتى قبض)، و (قبل البيعة، وهو باك حزين) وكان كما يقول المدائني: (إذا رجع يوم الجمعة من الجامع، وقد أصابه العرق والغبار، رفع يديه وقال:((اللهم إن كان فرجي مما أنا فيه بالموت، فعجل لي الساعة)) (١) .

إلى آخر ما هنالك، مما لا يمكن استقصاؤه في مثل هذه العجالة..

وواضح: أن كل ذلك سوف يؤدي إلى عكس النتيجة، التي كان يتوخاها المأمون من البيعة، وخصوصاً إذا ما أردنا الملائمة بين مواقفه هذه، وموقفه في نيشابور، وموقفه في صلاتي العيد في مرو.

الموقف السابع:

إنه كان لا يدع فرصة تمر إلا ويؤكد فيها على أن المأمون لم يجعل له إلا ما هو حق له، وأنه لم يزد بذلك على أن أرجع الحق إلى أهله، بعد أن كانوا قد اغتصبوه منهم، بل وإثبات أن خلافة المأمون ليست صحيحة ولا هي شرعية.

أما ما يتعلق بصحة خلافة المأمون:

فنلاحظ: أنهعليه‌السلام حتى في كيفية البيعة يشير ـ على ما صرح به كثير من المؤرخين ـ إلى أن المأمون، الذي يحتل عنوة مجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يجهل حتى كيفية ذلك العقد الذي خوله ـ بنظره ـ أن يكون في ذلك المجلس الخطير، حيث إنهعليه‌السلام : (.. رفع يده، فتلقى بظهرها وجه نفسه، وبطنها وجوههم، فقال له المأمون: إبسط

____________

(١) البحار ج ٤٩ ص ١٤٠، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٥.

٢٨١

يدك للبيعة، فقال له:((إن رسول الله هكذا كان يبايع، فبايعته الناس)) (١) .

ونظير ذلك أيضاً: ما روي من أن المأمون قد أمر الناس: أن يعودوا للبيعة من جديد، عندما أعلمه الإمامعليه‌السلام : بأن كل من كان قد بايعه، قد بايعه بفسخ البيعة إلا الشاب الأخير.. وهاج الناس بسبب ذلك. وعابوا المأمون على عدم معرفته بالعقد الصحيح والكيفية الصحيحة للبيعة وهذه القضية مذكورة في العديد من المصادر أيضاً(٢) .

وأما أن الخلافة حق للإمامعليه‌السلام دون غيره:

فلعله لا يكاد يخفى على من له أدنى اطلاع على حياة الإمامعليه‌السلام ومواقفه وقد تحدثنا آنفاً عن موقفه في نيشابور، وهو في طريقه إلى مرو، وكيف أنهعليه‌السلام جعل نفسه الشريفة والاعتراف بإمامته شرطا لكلمة التوحيد، والدخول في حصن الله الحصين..

وأشرنا أيضاً: إلى أنه قد عدد الأئمة الشرعيين، وهو أحدهم في عديد من المناسبات والمواقف حتى فيما كتبه للمأمون. بل لقد المح إلى ذلك أيضاً بل لقد ذكره صراحة فيما كتبه على حاشية وثيقة العهد بخط يده.

كما أن من الأمور الجديرة بالملاحظة هنا خطاب الإمامعليه‌السلام حينما بويع له بولاية العهد، وهو ما يلي:

____________

(١) راجع: المناقب ج ٤ ص ٣٦٩، ٣٦٤ والبحار ج ٤٩ ص ١٤ ٤. وعلل الشرايع، ومقاتل الطالبيين، ونور الأبصار، ونزهة الجليس، وعيون أخبار الرضا.

(٢) راجع: على سبيل المثال: شرح ميمية أبي فراس ص ٢٠٤.

٢٨٢

((.. إن لنا عليكم حقاً برسول الله، ولكم علينا حق به، فإذا أنتم أديتم لنا ذلك وجب علينا الحق لكم..)).

ولم يؤثر عنه في ذلك المجلس غير ذلك.. وهو معروف ومشهور بين أرباب السير والتاريخ..

ومن الواضح: أن اقتصاره على هذه الكلمة في ذلك المجلس الذي يقتضي إيراد خطبة طويلة، يتعرض فيها لمختلف المواضيع، وعلى الأقل لشكر المأمون على ما خصه به من ولاية العهد بعده ـ إن اقتصاره على هذا ـ يعتبر أسلوباً رائعاً لتركيز المفهوم الذي يريده الإمامعليه‌السلام في أذهان الناس، وإعطائهم الانطباع الحقيقي عن البيعة، وعن موقفه منها، ومن جهاز الحكم، في نفس مجلس البيعة، حتى لا يبقى هناك مجال للتكهن بأن: الإمام كان يرغب في هذا الأمر، ثم حدث ما أوجب غضبه وسخطه. وقد يكون له الحق في ذلك وقد لا يكون.

يضاف إلى كل ذلك: أنهعليه‌السلام قال لحميد بن مهران، حاجب المأمون:((.. وأما ذكرك صاحبك ـ يعني المأمون، والمأمون جالس ـ،الذي أجلني، فما أحلَّني إلا المحل الذي أحلَّه ملك مصر ليوسف الصديق عليه‌السلام ، وكانت حالهما ما قد علمت.)) .

كما أنهعليه‌السلام قد قال أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة:((إن من أخذ برسول الله، لحقيق بأن يعطي به)) ، وذلك عندما عرض له المأمون بالمن عليه بأن جعله ولي عهده، وفي غير هذه المناسبة أيضاً.

المأمون يعترف بأحقية آل علي بالأمر:

ولعل من أعظم المواقف الجديرة بالتسجيل هنا موقفةعليه‌السلام مع المأمون، عندما حاول هذا أن يحصل منهعليه‌السلام على اعتراف بأن العباسيين والعلويين سواء بالنسبة لقرباهم من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك من أجل أن يثبت ـ بزعمه ـ أن له ولبني أبيه حقاً في الخلافة.

فكانت النتيجة: أن نجح الإمامعليه‌السلام في انتزاع اعتراف من المأمون بأن العلويين هم الأقرب.. وتكون النتيجة ـ على حسب منطق المأمون، ومنطق أسلافه كما قدمنا ـ هي: أن العلويين هم الأحق بالخلافة والرياسة، وأنه هو، وآباءه غاصبون، ومعتدون..

٢٨٣

فبينما المأمون والرضاعليه‌السلام يسيران، إذ قال المأمون:

(.. يا أبا الحسن، إني فكرت في شيء، فنتج لي الفكر الصواب فيه: فكرت في أمرنا وأمركم، ونسبنا ونسبكم، فوجدت الفضيلة فيه واحدة، ورأيت اختلاف شيعتنا في ذلك محمولا على الهوى والعصبية.

فقال له أبو الحسن الرضاعليه‌السلام :((إن لهذا الكلام جوابا، إن شئت ذكرته لك، وإن شئت أمسكت..

فقال له المأمون: إني لم أقله إلا لأعلم ما عندك فيه..

قال له الرضاعليه‌السلام :أنشدك الله يا أمير المؤمنين، لو أن الله تعالى بعث نبيه محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فخرج علينا من وراء أكمة من هذه الآكام، يخطب إليك ابنتك، كنت مزوجه إياها؟.

فقال: يا سبحان الله، وهل أحد يرغب عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!.

فقال له الرضاعليه‌السلام ،أفتراه كان يحل له أن يخطب إلي)) ؟.

قال: فسكت المأمون هنيئة، ثم قال: (أنتم والله، أمس برسول الله رحماً)(١) .

وكانت هذه ضربة قاضية وقاصمة للمأمون. لم يكن قد حسب لها أي حساب. ولم يكن ليتمكن في مقابل ذلك من أي عمل ضد الإمامعليه‌السلام ، بعد أن كان هو الجاني على نفسه، فـ‍ (على نفسها جنت براقش).

____________

(١) كنز الفوائد للكراجكي ص ١٦٦، والفصول المختارة من العيون والمحاسن ص ١٥، ١٦، والبحار ج ٤٩ ص ١٨٨، ومسند الإمام الرضاعليه‌السلام ج ١ ص ١٠٠.

٢٨٤

وبعد كل ذلك فقد قدمنا قول ابن المعتز:

وأعطاكم المأمون حق خلافة

لـنا حقها، لكنه جاد بالدنيا

وخلاصة الأمر:

إنهعليه‌السلام لم يكن يدخر وسعا في إحباط مسعى المأمون، وتضييع الفرصة عليه، وإفهام الناس أنه مكره على هذا الأمر، مجبر عليه. والتأكيد على أن المأمون لم يجعل له إلا ما هو حق له، ولذا فلا يمكن أن يعتبر قبوله بولاية العهد اعترافا بشرعية الخلافة العباسية، أو بشرعية أي تصرف من تصرفاتها. كما أنه إذا كان ذلك حقاً للإمام اغتصبه الغاصبون، واعتدى عليه فيه المعتدون، فليس المأمون حق في أن يعرض لهعليه‌السلام بالمن عليه، بما جعل له من ولاية العهد.

وكذلك ليس للمأمون بعد: أن يدعي العدل والإنصاف، فضلاً عن الإيثار والتضحية في سبيل الآخرين، بعد أن فضح الإمام أهدافه من لعبته تلك، وعرف كل أحد أنها لم تكن شريفة ولا سليمة.

الأكذوبة المفضوحة:

وبعد.. فقد ذكر بعض أهل الأهواء، كابن قتيبة، وابن عبد ربه، واقعة خيالية، غير تلك التي ذكرناها آنفاً وهي:

أن المأمون قال لعلي بن موسى: علام تدعون هذا الأمر؟!.

قال:((بقرابة علي وفاطمة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ..)) .

٢٨٥

فقال المأمون: (إن لم تكن إلا القرابة، فقد خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هو أقرب إليه من علي، أو من هو في قعدده. وإن ذهبت إلى قرابة فاطمة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن الأمر بعدها للحسن، والحسين، فقد ابتزهما علي حقهما، وهما حيان، صحيحان، فاستولى على ما لا حق له فيه). فلم يحر علي بن موسى له جواباً(١) .. انتهى.

وهي واقعة مزيفة ومجعولة من أجل التغطية على الواقعة الحقيقية، التي جرت بينهما، والتي تنسجم مع كل الأحداث والوقائع، وجميع الدلائل والشواهد متظافرة على صحتها، ألا وهي تلك التي قدمناها آنفاً..

والدليل على زيف هذه الرواية: أنها لا توافق نظرة أئمة أهل البيت ورأيهم في الخلافة ومستحقها، لأنهم يرون ـ كما تدل عليه تصريحاتهم المتكررة، وأقوالهم المتضافرة ـ: أن منصب الإمامة لا يكون إلا بالنص.

وأما الاستدلال بالقرابة، فقد قلنا في الفصل الأول من هذا الكتاب: أن أول من التجأ إليه أبو بكر، ثم عمر. ثم الأمويون، فالعباسيون، ثم أكثر، إن لم يكن كل مطالب بالخلافة.. وأنه إذا كان في كلام الأئمة وشيعتهم ما يفهم منه ذلك، فإنما اقتضاه الحجاج مع خصومهم.

وبعد.. فهل يخفى على الإمامعليه‌السلام ضعف ووهن هذه الحجة، مع أننا نراه يصرح في أكثر من مناسبة بأن القرابة لا تجدي ولا تفيد ـ كما سنشير إليه ـ وأنه لا بد في الإمام من جدارة وأهلية في مختلف الجهات، وعلى جميع المستويات.

ولقد كان على المأمون ـ لو صحت هذه الرواية ـ أن يغتنمها فرصة، ويعلنها على الملأ، ويشهر بالإمامعليه‌السلام ، ليسقطه ـ ومن ثم.. يسقط العلويين كلهم من أعين الناس.. ويسلبهم وإلى الأبد السلاح الذي كانوا يحاربونه ويحاربون آباءه به.. مع أن ذلك هو ما كان يبحث عنه المأمون ليل نهار، ويدبر المكايد، ويعمل الحيل، من أجله، وفي سبيله..

____________

(١) راجع: عيون الأخبار ج ٢ ص ١٤٠، ١٤١، طبع مصر سنة ١٣٤٦، والعقد الفريد ج ٥ ص ١٠٢، و ج ٢ ص ٣٨٦، طبع دار الكتاب العربي..

٢٨٦

وعدا عن ذلك كله. كيف يمكن أن تنسجم هذه الرواية مع مواقف الإمام، وتصريحاته المتكررة حول مسألة الإمامة، وبأي شيء تثبت، وحول أوصاف الإمام ووظائفه، والتي لو أردنا استقصاءها لاحتجنا إلى عشرات الصفحات؟!.

وكذلك.. مع احتجاج الإمامعليه‌السلام على العلماء والمأمون في أكثر من مناسبة بالنص، وأيضاً مع موقفهعليه‌السلام في نيشابور؟!

اللهم إلا أن يكون أعلم أهل الأرض ـ باعتراف المأمون قد نسي حجته، وحجة آبائه، وكل من ينتسب إليهم، ويذهب مذهبهم..

تلك الحجة ـ التي عرفوا وكل المتشيعين لهم بها على مدى الزمان ـ نسيها ـ في تلك اللحظة فقط، لأن المأمون هو الذي يسأل، والرضا هو الذي يجيب!!.

وبعد، فهل يستطيع أن يشك في ذلك أحد.. وهو يرى رسالة الرضا، التي كتبها للمأمون تلبية لطلبه، وجمع له بها أصول الإسلام، والتي صرح فيها بالنص على عليعليه‌السلام . بل وذكر فيها الأئمة الاثني عشر، الذين نص عليهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلهم بأسمائهم، حتى من لم يكن قد ولد بعد منهم؟!. وهذه الرسالة مشهورة وقد أوردها واستشهد بها غير واحد من المؤرخين والباحثين(١) .

وفيها يصف الإمامعليه‌السلام أئمة الهدى أدق وصف، وأروعه، وأوفاه.

____________

(١) وكان آخرهم الدكتور أحمد محمود صبحي في كتابه: نظرية الإمامة ص ٣٨٨، وقال: إنها من المخطوطات الموجودة في دار الكتب المصرية تحت رقم ١٢٥٨.

٢٨٧

بل إن المأمون نفسه كان يرى وجوب نصب الإمام من قبل الله كالنبي، كما يتضح من مناظرته الشهيرة لعلماء وقته، التي أوردها غير واحد من كتب التاريخ، والأدب، والرواية، وذكرها في العقد الفريد أيضاً قبل ذكره لهذه الرواية المفتعلة. وإن كان قد تصرف فيها (أي في المناظرة)، فحرف فيها، وحذف منها الكثير.. وأشار إليها أيضاً أحمد أمين في ضحى الإسلام ج ٢ ص ٥٧، وغيره..

فلماذا لا يلزمه الإمام بمقالته التي كان يلزم نفسه بها؟!. أم يمكن أن لا يكون مطلعاً على مقالة المأمون هذه، التي سار ذكرها في الآفاق؟!.

ويحسن بنا هنا أن ننبه إلى أن الاختلاف في نقل مثل هذه القضايا، حسب أهواء الناقلين لم يكن بالأمر الذي يخفى على أحد.

فقد رأينا: أن جواب أحمد بن حنبل في المحنة بخلق القرآن، يرويه كل من الشيعة، والمعتزلة، وأهل السنة بصور ثلاثة مختلفة، ومناظرة هشام لأبي الهذيل العلاف يروي المعتزلة أن الغلبة فيها كانت لأبي الهذيل، بينما يروي الشيعة، ويؤيدهم المسعودي(١) أن الغلبة فيها كانت لهشام. إلى غير ذلك من عشرات القضايا بل المئات..

ولكن الأمر هنا مختلف تماماً، إذ إن مختلق الرواية هنا قد غفل عن أن روايته المفتعلة تتنافى كلياً مع نظرة الأئمةعليهم‌السلام ورأيهم في الخلافة ومستحقها.. ويبدو أنه لم يكن مطلعا على الآراء المختلفة الشائعة آنذاك في مسألة الإمامة، ولذا نراه ينسب إلى الإمامعليه‌السلام رأياً لا يقول به، ولا يقره. وإنما هو يناسب رأي الشيعة الزيدية القائلين بإمامة ولد عليعليه‌السلام من فاطمة، بشرط أن يكون بليغاً، شجاعاً، عادلاً مجتهداً،

____________

(١) مروج الذهب ج ٤ ص ٢١.

٢٨٨

يخرج بالسيف ضد كل ظلم وانحراف إلخ.. وبأن إمامة عليعليه‌السلام قد ثبتت بالوصف والإشارة إليه، لا بالتصريح والنص عليه(١) .

كما أنه غفل عن أن الذين كانوا يحتجون بالقرابة والإرث هم العباسيون، الذين كانوا إلى عصر المهدي ـ كما قدمنا ـ يدعون انتقال الخلافة إليهم عن طريق عليعليه‌السلام ، ومحمد بن الحنفية، وفي عصر المهدي عدلوا عن ذلك، لما يتضمنه من اعتراف للعلويين، ورأوا أن يجعلوا إمامتهم عن طريق العباس وأبنائه.. وحاولوا تقوية هذه النحلة بكل وسيلة، وبذلوا من أجلها الأموال الطائلة للعلماء والفقهاء، والشعراء.

ولم يكن لتخفى على أحد أبيات مروان بن أبي حفصة المتقدمة:

هل تطمسون من السماء نجومها

أو تــسـتـرون إلـــخ..

ولا قوله:

أنى يكون وليس ذلك بكائن

لبني البنات وراثة الأعمام

وقد أجابه جعفر بن عفان المعاصر له. على هذا البيت بقوله:

مـا لـلطليق ولـلتراث وإنـما

صلى الطليق مخافة الصمصام(٢)

وكيف يخفى كل ذلك على الإمامعليه‌السلام ، خصوصاً بعد أن كان الجدل في هذا الموضوع قائماً على قدم وساق في زمن هارون، بل وفي زمن المأمون كما يظهر من قول ابن شكلة المتقدم:

فضجت أن نشد على رؤوس

تـطالبها بـميراث الـنبي

____________

(١) مقدمة ابن خلدون ص ١٩٧ ر ١٩٨.

(٢) مقتل الحسين للمقرم ص ١١٩، والأغاني ج ٩ ص ٤٥، طبع ساسي، والأدب في ظل التشيع ص ٢٠١، وضحى الإسلام ج ٣ ص ٣١٣، وقاموس الرجال ج ٢ ص ٣٩٣، وغير ذلك.

٢٨٩

ومن قول القاسم بن يوسف وهي قصيدة طويلة فلتراجع(١) .

إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه.. وبعد كل تلك الوقائع الشهيرة التي حدثت قبل خلافة المأمون، وأثناءها بالنسبة لدعوى العباسيين هذه، فلا يمكن أبداً أن تجري المحاورة بين أعلم أهل الأرض (باعتراف المأمون) وبين المأمون أعلم خلفاء بني العباس على هذا النحو من السذاجة والبساطة. اللهم إلا إذا كان أعلم أهل الأرض، لا يرى ولا يسمع، أو أنه كان يعيش في غير هذا العالم، أو في سرداب تحت هذا الأرض. واللهم إلا إذا كان القائل: ما للطليق وللتراث إلخ.. أعلم بالحجة للدعوى التي يدعيها أعلم أهل الأرض من مدعي الدعوى نفسه.. وهل لم يكن يحسن أن يقول للمأمون ـ لو سلم أنه احتج بالقرابة ـ: إن قرابة العباس لا تفيده، بعد أن تخلى عنها يوم الإنذار. وبعد أن كان من الظالمين، الذين حرمهم الله من عهده. حيث قال تعالى:( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) . وبعد أن ترك الهجرة معه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وبعد أن حارب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر. وبعد جهله بالدين وأحكامه، ولقد قال سبحانه: ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقّ أَحَقّ أَن يُتّبَعَ أَمْ مَن لاَ يَهِدّي إِلّا أَن يُهْدَى‏ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ.. ) (٢) . إلى آخر ما هنالك.

وأخيراً.. وبعد أن لم يبق مجال للشك في زيف هذه الرواية وافتعالها. فإننا نرى أن لنا كل الحق في أن نسجل هنا: أنه لم يخف علينا، ونأمل أن لا يخفى على أحد سر ذكر ابن عبد ربه هذه الرواية المزيفة المفتعلة، بعد ذكره لرواية احتجاج المأمون على علماء وقته في أفضلية عليعليه‌السلام على جميع الخلق، والتي تصرف فيها ما شاء له حقده ونصبه، الحذف والتحريف، فإنه ـ على ما يبدو ـ ليس إلا من أجل التشويش على تلك، وإبطال كل أثر لها، ظلماً للحقيقة، وتجنيا على التاريخ.

____________

(١) الأوراق للصولي ص ١٨٠، وقد تقدم شطر منها في بعض فصول هذا الكتاب.

(٢) يونس آية ٣٥.

٢٩٠

الموقف الثامن:

وأعتقد أنه أعظمها أثراً، وأعمها نفعاً، وهو ما كتبهعليه‌السلام على وثيقة العهد، التي كتبها المأمون بخط يده..

فإننا إذا ما رجعنا إليه نجد: أن كل سطر فيه، بل كل كلمة لها مغزى عميق، ودلالة هامة، تلقي لنا ضوءاً كاشفاً على خطتهعليه‌السلام في مواجهة مؤامرات المأمون، وخططه، وأهدافه.

فلقد كان يعلم: أن هذه الوثيقة ستقرأ في مختلف الأقطار الإسلامية، ولذلك نراهعليه‌السلام قد اتخذها وسيلة لإبلاغ الأمة الحقيقة كل الحقيقة، وتعريفها بواقع نوايا وأهداف المأمون. وأيضاً تأكيد حق العلويين، وكشف المؤامرة التي تحاك ضدهم..

فبينما نراهعليه‌السلام يبدأ كلامه ـ فيما كتبه في الوثيقة المشار إليها ـ بداية غير طبيعية، ولا مألوفة في مناسبات كهذه حيث قال:((الحمد لله الفعال لما يشاء، ولا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه.. . لا يأتي بعدها بما يناسب المقام، ويتلائم مع سياق الكلام، من تمجيد الله، والثناء عليه على أن ألهم أمير المؤمنين! هذا الأمر.. بل نراه يأتي بعبارة غريبة، وغير متوقعة، ألا وهي قوله:يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور..)) الخ.

أفلا توافقني ـ قارئي العزيز ـ على أنهعليه‌السلام يريد أن يوجه أنظار الناس إلى أن الأمر ينطوي على خيانة مبيتة، وأن هناك صدوراً تخفي غير ما تظهر؟!..

ثم.. ألا توافقني على أن هذه العبارة تعريض بالمأمون نفسه، من أجل تعريف الناس بحقيقة نواياه وأهدافه؟!. هذا مع علمهعليه‌السلام بأن هذه الوثيقة سوف ترسل إلى مختلف أقطار العالم الإسلامي، لتقرأ على الملأ العام، كما حدث ذلك بالفعل.

وإذا ما وصلنا إلى فقرة أخرى، مما كتبهعليه‌السلام على وثيقة العهد، فإننا نراه يقول:((.. وصلاته على نبيه محمد خاتم النبيين، وآله الطيبين الطاهرين..)) فإننا إذا لاحظنا: أنه لم تجر العادة في الوثائق الرسمية في ذلك العهد بعطف (الآل) على (محمد)، ثم توصيفهم ب‍ـ (الطيبين الطاهرين) ـ نعرف أن هذا ليس إلا ضربة أخرى للخليفة المأمون، وهجوم آخر عليه، حيث إنه يتضمن التأكيد على طهارة أصل الإمامعليه‌السلام ، وسنخه، ومحتده، وعلى أن الآل قد اختصوا بهذه المزية، وليس لكل من سواهم. حتى الخليفة المأمون، مثل هذا الشرف، ولا مثل تلك المزية..

٢٩١

ثم نراهعليه‌السلام يعقب ذلك بقوله:((.. إن أمير المؤمنين.. عرف من حقنا ما جهله غيره..)) .

فما هو ذلك الحق الذي جهله الذي كلهم، حتى بنو العباس، فيما عدا المأمون؟!.

فهل يمكن أن تكون الأمة الإسلامية قد أنكرت أنهمعليهم‌السلام أبناء بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!. أليس ذلك منهعليه‌السلام إعلان للأمة بأسرها بأن المأمون لم يجعل له إلا ما هو حق له، وأنه لم يزد بذلك على أن أرجع الحق إلى أهله، بعد أن كان قد اغتصبه منهم الغاصبون، واعتدى عليهم به المعتدون؟!. بل أليس ذلك ضربة للمأمون نفسه، وأن خلافته ليست شرعية، ولا صحيحة، لأنه كآبائه مغتصب لحق غيره؟!.

نعم.. إن الحق الذي جهله الناس هو حق الطاعة. ولم يكن الإمامعليه‌السلام يتقي المأمون، ولا غيره من رجال الدولة، في إظهار هذا الحق، وبيان أن خلافة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما كانت في عليعليه‌السلام ، وولده الطاهرين، وأنه يجب على الناس كلهم طاعتهم، والانقياد لهم. وقد أعلنعليه‌السلام ذلك في نيشابور كما قدمنا.. ورأيناه يصرح به، ويطلب من الناس أن يعلم شاهدهم غائبهم به، في محضر من رجال الدولة في خراسان.

ففي الكافي: بسنده عن محمد بن زيد الطبري قال: كنت قائماً على رأس الرضاعليه‌السلام بخراسان، وعنده عدة من بني هاشم، وفيهم إسحاق بن موسى بن عيسى العباسي، فقال:((يا إسحاق، بلغني أن الناس يقولون: إنا نزعم: أن الناس عبيد لنا!. لا وقرابتي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٢٩٢

ما قلته قط، ولا سمعته من آبائي قاله، ولا بلغني عن أحد من آبائي قاله، ولكنني أقول: الناس عبيد لنا في الطاعة، موال لنا في الدين، فليبلغ الشاهد الغائب)) (١) .

وستأتي الإشارة إلى هذه الرواية مرة أخرى في الفصل الآتي.. وليتأمل في عبارته الأخيرة، فليبلغ إلخ.. وليلاحظ أيضاً أنه اختار لتوجيه خطابه: إسحاق بن موسى بن عيسى العباسي!!.

وفي الكافي أيضاً بسنده عن معمر بن خلاد قال: سأل رجل فارسي أبا الحسنعليه‌السلام ، فقال: طاعتك مفترضة؟ فقال:((نعم . قال: مثل طاعة علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؟. قال:نعم)) (٢) .

والمراد بأبي الحسن هو الرضاعليه‌السلام ، لأنه هو الذي كان في خراسان، وهو الذي يروي عنه معمر بن خلاد كثيراً.. ومثل ذلك كثير لا مجال لتتبعه.

____________

(١) الكافي ص ١٨٧، وأمالي المفيد ص ١٤٨ ط النجف وأمالي الطوسي ج ١ ص ٢١، ومسند الإمام الرضاعليه‌السلام ج ١ ص ٩٦.

(٢) الكافي: ج ١ ص ١٨٧، والاختصاص ٢٧٨، ومسند الإمام الرضا ج ١ ص ١٠٣ عنه.

٢٩٣

ويقولعليه‌السلام في وثيقة العهد، بعد تلك العبارة مباشرة:((.. فوصل أرحاماً قطعت، وآمن أنفساً فزعت، بل أحياها وقد تلفت، وأغناها إذا افتقرت)) .

وهو كما ترى.. في حين يشكر المأمون، ويكتب تحت اسمه:((بل جعلت فداك)) ـ حسب رواية الإربلي فقط ـ، لا ينسى أن يشوب ذلك بالإزراء ضمناً على آبائه العباسيين. ويذكر بما اقترفوه في حق العلويين، حيث كانوا يلاحقونهم تحت كل حجر ومدر، ويطلبونهم في كل سهل وجبل، كما قدمنا..

هذا.. ولا بأس أن نقف قليلاً عند قوله:((وإنه جعل إلي عهده، والإمرة الكبرى ـ إن بقيت ـ بعده)) .

فإننا لا نكاد نتردد في أنهعليه‌السلام يشير بقوله:((إن بقيت بعده)) إلى ذلك الفارق الكبير بالسن بينه عليه‌السلام ، وبين المأمون، وأنه يتعمد توجيه الأنظار إلى عدم طبيعية هذا الأمر، وإلى عدم رغبته فيه.

وإنه كان يريد أن يعرف الناس بأنه يتوقع في أن لا يدخر المأمون وسعاً من أجل التخلص منه، ولو بالاعتداء على حياتهعليه‌السلام ، فيما لو سنحت له الفرصة لذلك، بعد أن يكون قد حقق كل ما كان يريد تحقيقه، ووصل إلى ما كان يطمح إلى الوصول إليه، حيث لا بد حينئذ أن (يحل العقدة التي أمر الله بشدها). ولا بد أيضاً أن تنكشف خيانته للملأ، ويظهر ما يخفيه في صدره، على حد تعبيرهعليه‌السلام .. وإلا فما هو الداعي لهعليه‌السلام لإقحام هذا الشرط ـ إن بقيت ـ في أثناء مثل هذا الكلام.

وإننا إذا نظرنا بعمق إلى قوله بعد ذلك:((فمن حل عقدة أمر الله بشدها، وفصم عروة أحب الله إيثاقها.. )) .. وتأملنا قوله السابق:

((يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور . وقوله اللاحق:لكنني امتثلت أمر أمير المؤمنين، وآثرت رضاه..)) فلسوف نعرف: أنهعليه‌السلام يعرض هنا بالمأمون نفسه، ويقول الناس جميعاً: إنه لا يشك في أن المأمون سوف ينقض العهد، ويحل العقدة.

ويلاحظ هنا أيضاً: أنه وصف هذه العقدة بأنها مما أمر الله بشده، وأحب إيثاقه.. وهذا لعله لا يختلف عما كانعليه‌السلام يردده، ويؤكد عليه كثيراً، ونص عليه آنفاً، وهو أن المأمون لم يجعل له إلا الحق الذي جهله غيره، واغتصبه هو وآباؤه، منهعليه‌السلام ومن آبائه..

٢٩٤

وإذا ما وصلنا إلى قولهعليه‌السلام :((.. بذلك جرى السالف، فصبر منه على الفلتات، ولم يعترض بعدها على العزمات، خوفاً من شتات الدين، واضطراب حبل المسلمين، ولقرب أمر الجاهلية ..)) الخ.

فإننا نراه كأنه يستشهد لإطاعته المأمون، وعدم إصراره على الرفض الموجب لتعريض نفسه، والعلويين، وشيعته لهلاك، والاضطهاد ـ يستشهد لذلك ـ بما جرى لسالفه: وهو أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، حيث صبر على الفلتات(١) التي كانت من خلفاء عصره، ولم يعترض عليه‌السلام على ما كانوا قد عقدوا العزم عليه، من المضي قدما في مخططاتهم، التي كانت تستهدف إبعاده عن مسرح السياسة، وتكريس الأمر الواقع، وتثبيته، لأنه يخدم مصالحهم، ويرضي مطامحهم.

ـ لم يعترض عليعليه‌السلام على ذلك ـ لأنه خاف من شتات الدين،

____________

(١) ومن المحتمل جداً أنهعليه‌السلام : يشير إلى تعبير عمر((كانت بيعة أبي بكر فلتة))إلخ ـ ولكنه عمم الكلام بحيث يشمل غير بيعة أبي بكر أيضاً، باعتبار أن بيعة عمر وعثمان، ومعاوية وغيرها، كانت أيضاً من الفلتات، أو باعتبار تفرعها على بيعة أبي بكر التي كانت فلتة..

٢٩٥

واضطراب حبل المسلمين، ولقرب أمر الجاهلية.. وهذا مما قد نص عليه عليعليه‌السلام نفسه في أكثر من مورد، وأكثر من مناسبة، قالعليه‌السلام :((.. وأيم الله، لولا مخافة الفرقة بين المسلمين، وأن يعود الكفر، ويبور الدين، لكنا على غير ما كنا لهم عليه.. ، ويقول:إن الله لما قبض نبيه، استأثرت علينا قريش بالأمر، ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة، فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين، وسفك دمائهم، والناس حديثوا عهد بالإسلام، والدين يمخض مخض الوطب، يفسده أدنى وهن، ويعكسه أدنى خلف..)) (١) .

وهكذا تمام كان الحال بالنسبة للإمام الرضاعليه‌السلام ، حفيد عليعليه‌السلام ، ووارثه، الذي كان زمانه لا يبعد حال الناس فيه على حال الجاهلية، فإنه آثر أن يصبر على هذه المحنة، خوفاً من شتات الدين، واضطراب حبل المسلمين، وذلك بتعريض نفسه، وشيعته، والعلويين للهلاك، أو على الأقل للاضطهاد، الأمر الذي سوف تكون له أسوأ النتائج على الدين والأمة، كما قلنا..

وإذا ما قرأنا بعد ذلك قولهعليه‌السلام :((.. وقد جعلت الله على نفسي، ـ إن استرعاني على المسلمين، وقلدني خلافته ـ العمل فيهم عامة، وفي بني العباس بن عبد المطلب خاصة، بطاعة الله، وسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .. .. فإن ما يسترعي انتباهنا هو تنصيصه على بني العباس خاصة وأنه سوف يعمل فيهم بطاعة الله، ورسوله..فلا يسفك دماً حراماً، ولا يبيح فرجاً ولا مالاً، إلا ما سفكته حدوده، وأباحته فرائضه.) إلخ.

فإن هذا التنصيص إنما هو في مقابل (الأرحام التي قطعت، وفزعت، وتلفت، وافتقرت..)، من العلويين، على يد بني العباس، الذين فعلوا بهم. أكثر من فعل بني أمية معهم، حسبما قدمنا.

وتعهده والتزامه بأن يعمل في المسلمين عامة. وفي بني العباس خاصة، بطاعة الله، وسنة رسوله.. هو التزام بنفس الخط الذي التزم به عليعليه‌السلام ، وتعهد بانتهاجه. الأمر الذي كان سبباً في إبعاده عن الخلافة في الشورى، واضطلاع عثمان بها. بل كان ذلك هو السبب في إبعاده عنها، بالنسبة لما قبل ذلك أيضاً، وما جرى بعده.

____________

(١) راجع شرح النهج للمعتزلي ج ١ ص ٣٠٧، ٣٠٨ وغير ذلك.

٢٩٦

وعليعليه‌السلام هو نفس ذلك الذي استشهد به آنفاً، وبين أنه صبر على الفلتات، ولم يعترض على العزمات خوفاً من شتات الدين إلخ.. والالتزام بخط عليعليه‌السلام لن يرضي المأمون، والعباسيين، والهيئة الحاكمة، ولن يكون في مصلحتهم، حسبما المحنا إليه في فصل: جدية عرض الخلافة..

كما أننا لا نستبعد كثيراً: أنهعليه‌السلام يريد أن ينبه على مدى التفاوت بين المنطلقات لسياسات أهل البيت، ومنطلقات سياسات خصومهم، التي عرفت جانباً منها في القسم الأول من هذا الكتاب.

ومن هنا نعرف السر في قولهعليه‌السلام :((.. وأن أتخير الكفاة جهدي وطاقتي..)) فإنه إشارة إلى أنهعليه‌السلام سوف ينطلق في كل نصب وعزل ـ تماماً كالإمام عليعليه‌السلام ـ من مصلحة الأمة، وعلى وفق رضا الله، وتعاليم رسوله. لا من مصالح شخصية، أو اعتبارات سياسية، أو قبلية، أو غير ذلك من الاعتبارات، التي لا يعترف بها الإسلام، ولا يقيم لها وزناً.

وإذا ما قرأنا قولهعليه‌السلام :((.. وإن أحدثت، أو غيرت، أو بدلت، كنت للغير مستحقاً، وللنكال متعرضاً، وأعوذ بالله من سخطه)) إلخ..

فإننا ندرك للتو أنهعليه‌السلام يريد ضرب العقيدة، التي كان قد شجعها الحكام، وروج لها علماء السوء.. من أن الخليفة، بل مطلق الحاكم في منأى ومأمن من أي مؤاخذة، أو عقاب، مهما اقترف من جرائم، وأتاه من موبقات، فهو فوق القانون، ولا يجوز لأحد الخروج، أو الاعتراض عليه، في أي ظرف من الظروف والأحوال، حتى ولو رمى القرآن بالنبل، وقتل ابن بنت رسول الله، فضلاً عما عدا ذلك من الجرائم والموبقات..

والإمام.. الذي يعرف كيف كانت سيرة المأمون، وسائر خلفاء بني العباس، ومن لف لفهم، والتي عرفت فيما تقدم طرفاً منها، والذين كانوا يتمتعون بهذه الحصانة الزائفة.. قد أراد أن يوجه ضربة قاضية لهم جميعا، حتى للمأمون. وأشياعه، وكل من كان الطواغيت والظلمة على شاكلتهم، ويبين لهم. وللملأ أجمع: أن الحاكم حارس للنظام والقانون، ولا يمكن أن يكون فوق النظام والقانون، ولذا فلا يمكن أن يكون في منأى عن العقاب والقصاص، لو ارتكب أي جريمة، أو اقترف أية عظيمة.

٢٩٧

فالمأمون، وآباؤه، وأشياعهم، كانوا يضحون بكل شيء في سبيل أنفسهم، ومصالحهم الشخصية، ويقترفون كل عظيمة في سبيل تدعيم حكمهم، وتقوية سلطانهم.. أما الإمامعليه‌السلام فهو مستعد لأن يقدم نفسه ـ إن اقتضى الأمر ـ للعقاب والنكال، عند صدور أية مخالفة، وحصول أي تجاوز عما يرضي الله تعالى، وعن سنة رسوله.

وبعد كل ما تقدم.. نراه يعبر عن عدم رضاه بهذا الأمر، وعدم تهالكه عليه، لعلمه بعدم تماميته له، ويقول بصريح العبارة:((إنه أمر لا يتم، لأن (.. الجفر والجامعة يدلان على ضد ذلك))) . كما أن في هذا تنويه مهم منهعليه‌السلام بذكر الركن الثاني من أركان إمامة أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، وهو أن الله تعالى اختصهم بأمور غيبية، وعلوم لدنية، منعها عن سائر الناس، وهذان الكتابان: الجفر، والجامعة، هما من الكتب التي أملاها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على علي أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكتبها بخط يده، وقد أظهر الأئمةعليهم‌السلام بعض هذه الكتب التي بخط عليعليه‌السلام ، وبإملاء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعدة من كبار شيعتهم، واستشهدوا بها في موارد عديدة في الأحكام(١) .

وفي الحقيقة.. إن الإمامعليه‌السلام ، وإن قبل ولاية العهد مكرها من المأمون.. ولكنه يريد بكلامه هذا، واستشهاده بالجفر والجامعة أن يقول له، ولكل من كان على شاكلته بصريح العبارة:((.. قد أنبأنا الله بأخباركم، وسيرى الله عملكم. ورسوله، والمؤمنون، وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبؤكم بما كنتم تعملون، ويجزيكم على ظلمكم وبغيكم علينا، وانتهاككم الحرمات منا، ولعبكم بدمائنا وأعراضنا، وأموالنا)) .

ثم نراه يترقى في صراحته، حيث يقول:((.. لكنني امتثلت أمر أمير المؤمنين، وآثرت رضاه..)) أي أنه لو لم يقبل بهذا الأمر لتعرض لسخط المأمون.. والكل يعلم ماذا كان يعني سخط أولئك الحكام، الذين كانوا لا يحتاجون إلى أي مبرر لاقترافهم أي جريمة. وإقدامهم على أي عظيمة.

وأخيراً.. ورغم أن المأمون قد تقدم منهعليه‌السلام وطلب منه أن يشهد الله، والحاضرين على نفسه.. نراه يأبى أن يكون المأمون، ولا أي من الحاضرين شاهداً على نفسه، ولا جعل لهم على نفسه سبيلا، لأنه

____________

(١) راجع: كتاب مكاتيب الرسول ج ١ من ص ٥٩ حتى ص ٨٩، فقد أسهب القول حول هذه الكتب، واستشهادات الأئمة بها، وغير ذلك.

٢٩٨

كان يعلم بما كانت تكنه صدورهم. وتضطرم به قلوبهم عليه. بل جعل الله فقط شهيداً عليه، واستعان بالآية الكريمة، التي تقطع الطريق على كل أحد، وتكتفي بالله شهيداً، حيث قال:((وأشهدت الله على نفسي ( وكفى بالله شهيداً ) )) .

وإذا كان لا بد من كلمة:

وإذا كان لا بد في نهاية المطاف من كلمة، فإننا نقول: إن أولئك الذين عاشوا في تلك الفترة، ووقفوا على الظروف والملابسات التي اكتنفت هذا الحدث التاريخي الهام ـ إن هؤلاء ولا شك ـ كانوا أقدر منا على فهم جميع ما كان يرمي إليه الإمامعليه‌السلام من كل كلمة، كلمة، مما كتبه على وثيقة العهد..

وإذا كان هناك من يرى: أن بعض الفقرات تحتمل غير ما قلناه..

فإننا نرى: أن كون بعض الفقرات الأخرى لا يحتمل غير ما قلنا، وأيضاً بما أن ما ذكرناه هو الذي يساعد على الجو العام. الذي توحي به النصوص التاريخية الكثيرة جداً، والتي قدمنا وسيأتي شطر منها ـ إن ذلك ـ وهو ما يجعلنا نجزم بأن ما فهمناه هو بعض ما كان يرمي إليهعليه‌السلام مما كتبه على وثيقة العهد.

ملاحظات هامة:

إن من الأمور الغريبة حقاً أن نرى نفس الخليفة يكتب وثيقة العهد ـ الطويلة جداً! ـ بخط يده.. وأغرب منه أنه تقدم إلى الإمامعليه‌السلام ، وقال له: (اكتب خطك بقبول هذا العهد. وأشهد الله والحاضرين عليك، بما تعده في حق الله ورعاية المسلمين...)(١) .

وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على مدى أهمية هذا الأمر بالنسبة إلى المأمون، وأنه يريد تطويق هذا الموضوع من جميع جهاته، وإن استلزم ذلك كل تلك الأمور، وإلا.. فما هو الداعي لأن يكتب له العهد بخط يده!! ثم أن يتقدم إليه بنفسه!!. ثم ما الداعي لأن يطلب من الإمام ذلك!!.

هذا.. ولا بأس أيضاً بملاحظة تعبير المأمون بـ‍ (قبول)!!. ثم ملاحظة أنه طلب منه أن يكتب هذا القبول ب‍ـ (خط يده)!!. ثم طلب منه أن يشهد الله والحاضرين على نفسه!!.

____________

(١) مآثر الإنافة ج ٢ ص ٣٣٢.

٢٩٩

حقا.. إنها للعبقرية السياسية:

وعلى كل حال.. فلا شك أن المحاورات السياسية تعتبر من الصنايع المستظرفة،، وذلك لما تتضمنه من تعريضات، وكنايات، حسبما تفرضه الاتجاهات السياسية، التي يلتزم بها المتحاورون..

ولذا.. نلاحظ أنهعليه‌السلام .. وإن كان يضمن كلامه الشكر للمأمون، بل ويكتب تحت اسمه ـ حسب رواية الاربلي فقط ـ:((بل جعلت فداك)) . ولكنه يبطن كلامه، ويضمنه تعريضات عميقة، بلهجة معتدلة، لا عنف فيه.

وذلك يعني: أن الإمامعليه‌السلام لم يتنازل عن مبدئه، ولا حاد عن نهجه، الذي اختطه لنفسه، بوحي من رسالة الله، وتعاليم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخطى جده عليعليه‌السلام .. لم يحد عنه قيد شعرة، ولا هاون فيه، ولا حابى أحداً، حتى في هذا الموقف.

ولعمري.. لو كان ما كتبه الإمام الرضاعليه‌السلام على وثيقة العهد من شخص عادي آخر، لكان يقال عنه الشيء الكثير تعظيماً وتبجيلاً، حيث إنه لم يضل عن خطته التي اختطها لنفسه، ولا حاد عن نهجه قيد أنملة.. مع أن المأمون كان قد فاجأه بطلب الكتابة على الوثيقة، ولم يكن هو مستعداً، ولا متوقعا لذلك، لأن العادة لم تكن قد جرت على ذلك..

وهذا ولا شك مما يزيد من عظمة الإمام، ويعلي من شأنه، ويستدعي المزيد من التعظيم والتبجيل له.

ولكن الحقيقة هي: أنه ـ وهو الإمام المعصوم ـ غني عن كل تلكم التقريظات، وعن ذلكم التعظيم والتبجيل..

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749