تفسير نور الثقلين الجزء ٥

تفسير نور الثقلين7%

تفسير نور الثقلين مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 749

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 749 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 363196 / تحميل: 5058
الحجم الحجم الحجم
تفسير نور الثقلين

تفسير نور الثقلين الجزء ٥

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

٣١ ـ وقالعليه‌السلام : ان من أمتي من سيدخل الله الجنة بشفاعته أكثر من مضر.

٣٢ ـ في أصول الكافي علي بن محمد عن بعض أصحابنا عن ابن محبوب عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضيعليه‌السلام قال: قلت:( فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ) قال عن الولاية معرضين.

٣٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم ثم قال:( فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ) قال: عما يذكر لهم من موالاة أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٣٤ ـ في إرشاد المفيدرحمه‌الله من كلام لأمير المؤمنينعليه‌السلام ايها الناس انى استنفرتكم بجهاد هؤلاء القوم فلم تنفروا، وأسمعتكم فلم تجيبوا، ونصحت لكم فلم تقبلوا، شهود كالغيب اتلو عليكم الحكمة فتعرضون عنها، وأعظكم بالموعظة البالغة فتنفرون منها كأنكم( حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ) .

٣٥ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً ) وذلك انهم قالوا: يا محمد قد بلغنا ان الرجل من بني إسرائيل كان يذنب الذنب فيصبح وذنبه مكتوب عند رأسه وكفارته، فنزل جبرئيل على رسول الله وقال: يسألك قوم سنة بني إسرائيل في الذنوب، فان شاؤا فعلنا ذلك بهم، وأخذناهم بما كنا نأخذ به بنى إسرائيل، فزعموا ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كره ذلك لقومه.

٣٦ ـ أقول في رواية محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضيعليه‌السلام قلت:( كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ ) قال: الولاية.

٣٧ ـ في تفسير علي بن إبراهيم قوله:( هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ) قال: هو أهل ان يتقى وأهل ان يغفر.

٣٨ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل ( هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ) قال: قال الله تبارك وتعالى: أنا أهل ان اتقى ولا يشرك عبدي شيئا، وانا أهل ان لم يشرك بى عبدي شيئا أن أدخله الجنة.

٤٦١

٣٩ ـ وقالعليه‌السلام : ان الله تبارك وتعالى اقسم بعزته وجلاله ان لا يعذب أهل توحيده بالنار.

بسم الله الرحمن الرحيم

١ ـ في كتاب ثواب الأعمال باسناده عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: من أدمن قراءة لا اقسم وكان يعمل بها بعثه اللهعزوجل مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من قبره في أحسن صورة ويبشره ويضحك في وجهه حتى يجوز على الصراط والميزان.

٢ ـ في مجمع البيان أبيّ بن كعب قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قرأ سورة القيامة شهدت انا وجبرئيل يوم القيامة انه كان مؤمنا بيوم القيامة وجاء ووجهه مفسر على وجوه الخلائق يوم القيامة.

٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم:( لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ ) يعنى اقسم بيوم القيمة( وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) قال: نفس آدم التي عصت فلامها اللهعزوجل ، قوله:( بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ ) قال: يقدم الذنب ويؤخر التوبة ويقول: سوف أتوب( فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ ) قال: يبرق البصر فلا يقدر أن يطرق.

٤ ـ في كتاب الغيبة لشيخ الطائفةقدس‌سره باسناده إلى علي بن مهزيار حديث طويل يذكر فيه دخوله على القائمعليه‌السلام وسؤاله إياه. وفيه: فقلت يا سيدي متى يكون هذا الأمر؟ فقال: إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة واجتمع الشمس والقمر، واستدار بهما الكواكب والنجوم ـ فقلت: متى يا ابن رسول الله؟ فقال لي: في سنة كذا وكذا تخرج دابة الأرض من بين الصفا والمروة، معه عصى موسى وخاتم سليمان يسوق الناس إلى المحشر.

٥ ـ في تفسير علي بن إبراهيم قوله: كلا لا وزر أي لا ملجأ، قوله:( يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ ) بما قدم من خير وشر وما أخر، فما سن من سنة ليستن بها من بعده فان كان شرا كان عليه مثل وزرهم ولا ينقص من وزرهم شيئا، وان كان

٤٦٢

خيرا كان له مثل أجورهم ولا ينقص من أجورهم شيئا( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ ) قال ؛ يعلم ما صنع وان اعتذر.

٦ ـ في من لا يحضره الفقيه روى ابن بكير عن زرارة قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام ما حد المرض الذي يفطر فيه الرجل ويدع الصلوة من قيام؟ فقال:( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) هو أعلم بما يطيقه.

٧ ـ في أصول الكافي أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن فضل أبي العباس عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ما يصنع أحدكم ان يظهر حسنا ويستر سيئا؟ أليس يرجع إلى نفسه فيعلم أن ذلك ليس كذلك؟ واللهعزوجل يقول:( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) ان السريرة إذا صحت قويت العلانية.

٨ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن عمر بن يزيد قال: انى لأتعشى عند أبي عبد اللهعليه‌السلام إذ تلا هذه الاية: «( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ «وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ ) يا أبا حفص ما يصنع الإنسان ان يتقرب إلى الله جل وعز بخلاف ما يعلم الله جل وعز، ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول: من أسر سريرة رداه الله جل وعز ان خيرا فخير، وان شرا فشر.

٩ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن عمر بن يزيد قال: انى لا تعشى مع أبي عبد اللهعليه‌السلام وتلا هذه الاية:( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ ) يا أبا حفص ما يصنع الإنسان ان يعتذر إلى الناس بخلاف ما يعلم الله منه، ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول: من أسر سريرة ألبسه الله رداها ان خيرا فخيرا وان شرا فشر.

١٠ ـ في الكافي علي بن محمد عن عبد الله بن إسحاق عن الحسن بن علي ابن سليمان عن محمد بن عمران عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: أتى أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو جالس بالكوفة بقوم وجدوهم يأكلون بالنهار في شهر رمضان، فقال لهم أمير المؤمنينعليه‌السلام أكلتم وأنتم مفطرون؟ قالوا: نعم، قال: يهود أنتم؟ قالوا: لا، قال: فنصارى؟ قالوا: لا، قال: فعلى أي شيء من هذه الأديان مخالفين للإسلام؟ قالوا: بل

٤٦٣

مسلمون قال: فسفر أنتم؟ قالوا لا قال: فيكم علة استوجبتم الإفطار لا شعر بها فانكم ابصر بأنفسكم لان الله تعالى يقول:( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) قالوا: بل أصبحنا ما بنا علة، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١١ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال: قيل لأبي عبد اللهعليه‌السلام : انا ندخل على أخ لنا في بيت أيتام ومعهم خادم فنقعد على بساطهم ونشرب من مائهم ويخدمنا خادمهم وربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا وفيه من طعامهم فما ترى في ذلك؟ فقال: إنّ كان في دخولكم عليه منفعة لهم فلا بأس، وان كان فيه ضرر فلا. وقال( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) فأنتم لا يخفى عليكم، وقد قال اللهعزوجل :( وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ) .

١٢ ـ في مجمع البيان وروى العياشي باسناده عن محمد بن مسلم عن أبي ـ عبد اللهعليه‌السلام قال: ما يصنع أحدكم ان يظهر حسنا ويستر سيئا؟ أليس إذا رجع يعلم انه ليس كذلك، والله سبحانه يقول:( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) ان السريرة إذا صلحت قويت العلانية.

١٣ ـ وعن زرارة قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام ما حد المرض الذي يفطر صاحبه؟ قال:( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) هو اعلم بما يطيق.

وفي رواية اخرى هو أعلم بنفسه ذاك اليه.

١٤ ـ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) قال ابن عباس كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا نزل عليه القرآن عجل بتحريك لسانه لحبه إياه وحرصه على أخذه وضبطه مخافة ان ينساه فنهاه الله عن ذلك.

١٥ ـ وفي رواية سعيد بن جبير عنه انهعليه‌السلام كان يعالج من التنزيل شدة، وكان يشتد عليه حفظه فكان يحرك لسانه وشفتيه قبل فراغ جبرئيل من قراءة الوحي ؛ فقال سبحانه:( لا تُحَرِّكْ بِهِ ) أي بالوحي أو بالقرآن( لِسانَكَ ) يعنى القرائة.

١٦ ـ في تفسير علي بن إبراهيم قوله: «فلا صدق ولا صلى» فانه كان سبب نزولها

٤٦٤

أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا إلى بيعة عليٍّعليه‌السلام يوم غدير خم فلما بلغ الناس وأخبرهم في عليٍّ ما أراد الله أن يخبرهم به رجعوا الناس، فاتكأ معاوية على المغيرة بن شعبة وأبى موسى الأشعري ثم أقبل يتمطى نحو أهله ويقول: ما نقر لعليٍّ بالولاية أبدا، ولا نصدق محمدا مقالته فيه، فأنزل الله جل ذكره( فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّىوَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ثُمَّ ذَهَبَ إلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ) وعيد الفاسق فصعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المنبر وهو يريد البرائة منه، فأنزل الله:( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) فسكت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يسمه قوله:( إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) قال: على آل محمد جمع القرآن وقراءته.

١٧ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن عمرو بن أبي المقدام عن جابر قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: ما ادعى أحد من الناس انه جمع القرآن كله كما انزل إلّا كذاب، وما جمعه وحفظه كما نزله الله إلّا عليّ بن أبي طالب والائمةعليهم‌السلام .

١٨ ـ في مجمع البيان: فاذا قرأناه أي قرأه جبرئيل عليك بأمرنا فاتبع قرآنه عن ابن عباس والمعنى اقرأه إذا فرغ جبرئيل من قراءته، قال: فكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد هذا إذا نزل عليه جبرئيلعليه‌السلام أطرق فاذا ذهب قرأ.

١٩ ـ في تفسير علي بن إبراهيم:( كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ ) قال: الدنيا الحاضرة وتذرون الاخرة قال: تدعون( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ ) أي مشرقة( إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) قال: ينظرون إلى وجه الله أي رحمة الله ونعمته.

٢٠ ـ في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام من الأخبار في التوحيد باسناده إلى إبراهيم بن أبي محمود قال: قال علي بن موسى الرضاعليه‌السلام في قوله تعالى:( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) يعنى مشرقة تنتظر ثواب ربها.

٢١ ـ في كتاب التوحيد حديث طويل عن عليٍّعليه‌السلام يقول فيه: وقد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات. فأما قولهعزوجل ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبِّها ناظِرَةٌ )

٤٦٥

فان ذلك في موضع ينتهى فيه أولياء اللهعزوجل بعد ما يفرغ من الحساب إلى نهر يسمى الحيوان، فيغتسلون ويشربون منه ويدخلون الجنة، فذلك قولهعزوجل في تسليم الملائكة عليهم:( سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ ) فعند ذلك أيقنوا بدخول الجنة والنظر إلى ما وعدهم فذلك قوله:( إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) وإنّما يعنى بالنظر إليه النظر إلى ثوابه تبارك وتعالى.

٢٢ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله مثله سواء إلى قوله( إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) دون انما يعنى ـ إلخ ـ وفيه بعد قوله: «ناظرة» والناظرة في بعض اللغة هي المنتظرة، ألم تسمع إلى قوله تعالى:( فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ) أي منتظرة( بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ) .

٢٣ ـ في مجمع البيان: وأمّا من حمل النظر في الآية على الانتظار فإنهم اختلفوا في معناه على أقوال، أحدها أن المعنى منتظرة لثواب ربها، وروى ذلك عن مجاهد والحسن وسعيد بن جبير والضحاك وهو المروي عن عليٍّعليه‌السلام .

في تفسير علي بن إبراهيم قوله:( كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ ) قال: يعنى النفس إذا بلغت الترقوة( وَقِيلَ مَنْ راقٍ ) قال: يقال له: من يرقيك قوله:( وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ ) علم انه الفراق.

٢٥ ـ في مجمع البيان( وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ ) وجاء في الحديث ان العبد ليعالج كرب الموت وسكراته، ومفاصله يسلم بعضها على بعض، يقول: عليك السلام تفارقني وأفارقك إلى يوم القيامة.

٢٦ ـ في الكافي باسناده إلى جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سألته عن قول اللهعزوجل :( وَقِيلَ مَنْ راقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ ) قال: فان ذلك ابن آدم إذا حل به الموت قال: هل من طبيب انه الفراق وأيقن بمفارقة الأحبة، قال:( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ) قال: التفت الدنيا بالآخرة ثم( إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ ) قال: المصير إلى رب العالمين.

٢٧ ـ في تفسير علي بن إبراهيم( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ) قال: التفت الدنيا

٤٦٦

بالآخرة( إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ ) قال: يساقون إلى الله وقوله: فلا صدق ولا صلى فانه كان سبب نزولها ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دعا إلى بيعة على يوم غدير خم، فلما بلغ الناس وأخبرهم في عليٍّ ما أراد ان يخبر رجعوا الناس، فاتكى معاوية على المغيرة ابن شعبة وأبى موسى الأشعري ثم أقبل يتمطى نحو أهله ويقول: ما نقر لعليٍّ بالولاية أبدا ولا نصدق محمّدا مقالته فيه، فأنزل الله جل ذكره:( فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ثُمَّ ذَهَبَ إلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ) وعيد الفاسق فصعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المنبر ويريد البرائة منه، فأنزل الله( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) فسكت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يسمه.

٢٨ ـ في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام من الأخبار المجموعة وبهذا الاسناد عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنى قال: سألت محمد بن علي الرضاعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ) قال: يقول اللهعزوجل بعدا لك من خير الدنيا، وبعدا لك من خير الاخرة.

٢٩ ـ في مجمع البيان وجاءت الرواية أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ بيد أبي جهل ثم قال له:( أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ) فقال أبو جهل: بأى شيء تهددنى لا تستطيع أنت ولا ربك ان تفعلا بى شيئا، وانى لأعز أهل هذا الوادي فأنزل الله سبحانه كما قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٣٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً ) قال لا يحاسب ولا يعذب ولا يسئل عن شيء.

٣١ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه قال: سألت الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام فقلت: لم خلق الله الخلق؟ فقال: إنّ الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقه عبثا ولم يتركهم سدى بل خلقهم لإظهار قدرته وليكلفهم طاعته، فيستوجبوا بذلك رضوانه، وما خلقهم ليجلب منهم منفعة، ولا ليدفع بهم مضرة بل خلقهم لينفعهم ويوصلهم إلى نعيم.

٣٢ ـ وباسناده إلى مسعدة بن زياد قال: قال رجل لجعفر بن محمدعليه‌السلام : يا أبا عبد الله

٤٦٧

انا خلقنا للعجب قال: وما ذلك لله أنت؟ قال: خلقنا للفناء؟ فقال: يا ابن أخ خلقنا للبقاء وكيف تفنى جنة لا تبيد ونار لا تخمد ولكن قال انما نتحول من دار إلى دار.

٣٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم ثم قال:( أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى ) قال: إذا نكح أمناه.

٣٤ ـ في مجمع البيان وجاء في الحديث عن البراء بن عازب قال: لـمّا نزلت هذه الاية:( أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى ) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سبحانك أللّهم وبلى. وهو المروي عن أبي جعفر وأبى عبد اللهعليهما‌السلام .

٣٥ ـ في عيون الأخبار في باب ذكر أخلاق الرضاعليه‌السلام ووصف عبادته: وكان إذا قرء( لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ ) قال عند الفراغ: سبحانك أللّهم بلى.

بسم الله الرحمن الرحيم

١ ـ في كتاب ثواب الأعمال باسناده عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: من قرء هل أتى على الإنسان في كل غداة خميس زوجه الله من الحور العين ثمانمأة عذراء وأربعة آلاف ثيب وحوراء من الحور العين، وكان مع محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢ ـ في مجمع البيان وقال أبو جعفرعليه‌السلام : من قرء سورة هل أتى في كل غداة خميس زوجه الله من الحور العين مأة عذراء وأربعة آلاف ثيب وكان مع محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٣ ـ أبيّ بن كعب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ومن قرء سورة هل أتى كان جزائه على الله جنة وحريرا.

٤ ـ في أمالي شيخ الطائفةقدس‌سره باسناده إلى علي بن عمر العطار قال: دخلت على أبي الحسن العسكريعليه‌السلام يوم الثلثاء فقال لم أرك أمس؟ قال: كرهت الحركة في يوم الاثنين قال: يا عليُّ من أحب ان يقيه الله شر يوم الاثنين فليقرأ في أول ركعة من صلاة الغداة:( هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ ) ثم قرء أبو الحسنعليه‌السلام ( فَوَقاهُمُ اللهُ

٤٦٨

شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً ) .

٥ ـ في كتاب سعد السعود لابن طاوس (ره) في سورة الإنسان مكية في قول ابن عباس وضحاك وقال قوم: هي مدنية وهي احدى وثلاثون آية بلا خلاف يقول علي بن موسى بن طاوس: ومن العجب العجيب أنهم رووا من طريق الفريقين ان المراد بنزول سورة( هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ ) مولانا عليا وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم، وقد ذكرنا في كتابنا هذا بعض روايتهم لذلك، ومن المعلوم ان الحسن والحسينعليهما‌السلام كانت ولادتهما بالمدينة ومع هذا فكأنهم نسوا ما رووه على اليقين، وأقدموا على القول بأن هذه السورة مكية وهو غلط عند العارفين.

٦ ـ في مجمع البيان حدّثنا السيد أبو الحمد مهدي بن نزار الحسنى إلى قوله: وباسناده عن سعيد بن المسيب عن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام انه قال: سألت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ثواب القرآن فأخبرنى بثواب سورة على نحو ما نزلت من السماء فأول ما نزل عليه بمكة فاتحة الكتاب ثم اقرأ باسم، إلى أن قال: وأول ما نزل بالمدينة سورة الأنفال ثم البقرة، ثم آل عمران ثم الممتحنة ثم النساء ثم إذا زلزلت ثم الحديد ثم سورة محمد ثم الرعد ثم سورة الرحمن ثم هل أتى إلى قوله: فهذا ما انزل بالمدينة.

٧ ـ في أصول الكافي أحمد بن مهران عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنى عن علي بن أسباط عن خلف بن حماد عن ابن مسكان عن مالك الجهني قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قوله:( هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ) فقال: كان مقدرا غير مذكور.

٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم( هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ) قال: لم يكن في العلم ولا في الذكر، وفي حديث آخر كان في العلم ولم يكن في الذكر.

٩ ـ في مجمع البيان وروى العياشي باسناده عن عبد الله بن بكير عن زرارة قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قوله:( لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ) قال: كان شيئا ولم

٤٦٩

يكن مذكورا.

١٠ ـ وباسناده عن سعيد الحذاء عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كان مذكورا في العلم ولم يكن مذكورا في الخلق.

١١ ـ وعن عبد الأعلى مولى آل سام عن أبي عبد اللهعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ) فقال: كان شيئا ولم يكن مذكورا.

١٢ ـ في أمالي شيخ الطائفةقدس‌سره باسناده إلى أبي جعفر الباقرعليه‌السلام حديث طويل وفيه أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليٍّعليه‌السلام : قل: ما أول نعمة أبلاك اللهعزوجل وأنعم عليك بها؟ قال: إنّ خلقني جل ثناؤه ولم أك شيئا مذكورا، قال: صدقت.

١٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله: أمشاج نبتليه قال: ماء الرجل والمرأة اختلطا جميعا.

١٤ ـ في نهج البلاغة عالم الغيب من ضمائر المضمرين إلى أن قالعليه‌السلام : ومحط الأمشاج من مشارب الأصلاب.

١٥ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى حمزة بن الطيار عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) قال: عرفناه إمّا آخذا وإمّا تاركا.

١٦ ـ في أصول الكافي باسناده إلى حمران بن أعين قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قولهعزوجل :( إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) قال: إمّا آخذ فهو شاكر وإمّا تارك فهو كافر.

١٧ ـ في تفسير علي بن إبراهيم أخبرنا أحمد بن إدريس قال: حدّثنا أحمد بن محمد عن ابن أبي عمير قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله:( إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) قال: إمّا آخذ فشاكر وإمّا تارك فكافر.

١٨ ـ في مجمع البيان قد روى الخاص والعام أن الآيات من هذه السورة وهي قوله:( إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ ) إلى قوله: و( كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) نزلت في عليٍّ وفاطمة

٤٧٠

والحسن والحسينعليهم‌السلام وجارية لهم تسمى فضة، وهو المروي عن ابن عباس ومجاهد وابى صالح والقصة طويلة جملتها أنهم قالوا: مرض الحسن والحسين فعادهما جدهما ووجوه العرب وقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك نذرا؟ فنذر صوم ثلاثة أيام ان شفاهما الله سبحانه، ونذرت فاطمةعليها‌السلام وكذلك الفضة فبرءا وليس عندهم شيء، فاستقرض علىعليه‌السلام ثلاثة أصوع من شعير من يهودي وروى انه أخذها ليغزل له صوفا، وجاء به إلى فاطمة فطحنت صاعا منها فاختبزته وصلى علىعليه‌السلام المغرب وقربته إليهم فأتاهم مسكين يدعوهم وسألهم فأعطوه ولم يذوقوا إلّا الماء، فلما كان اليوم الثاني أخذت صاعا وطحنته واختبزته وقدمته إلى عليٍّعليه‌السلام فاذا يتيم بالباب يستطعم فأعطوه ولم يذوقوا إلّا الماء، فلما كان اليوم الثالث عمدت الباقي فطحنته واختبزته وقدمته إلى عليٍّعليه‌السلام فاذا أسير بالباب يستطعم فأعطوه ولم يذوقوا إلّا الماء، فلما كان اليوم الرابع وقد قضوا نذورهم أتى على ومعه الحسن والحسينعليهم‌السلام إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وبهما ضعف فبكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونزل جبرئيل بسورة هل أتى.

١٩ ـ وفي رواية عطاء عن ابن عباس ان عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام آجر نفسه ليسقى نخلا بشيء من شعير ليلة حتى أصبح فلما أصبح وقبض الشعير طحن ثلثه فجعلوا منه شيئا ليأكلوه يقال له الحريرة(١) فلما تم إنضاجه أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام ثم عمل الثلث الثاني فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه، ثم عمل الثلث الثالث فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فسأل فأطعموه وطووا(٢) يومهم ذلك ذكره الواحدي في تفسيره.

٢٠ ـ وذكر علي بن إبراهيم ان أباه حدثه عن عبد الله بن ميمون عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كان عند فاطمةعليه‌السلام شعير فجعلوه عصيدة(٣) فلما أنضجوها ووضعوها بين أيديهم جاء مسكين فقال المسكين: رحمكم الله فقام علىعليه‌السلام ، فأعطاه ثلثا فلم

__________________

(١) الحريرة: دقيق يطبخ بلبن أو دسم.

(٢) طوى فلان: جاع ولم يأكل شيئا.

(٣) العصيدة: دقيق يلت بالسمن ويطبخ.

٤٧١

يلبث أن جاء يتيم فقال اليتيم: رحمكم الله فقام علىعليه‌السلام فأعطاه الثلث، ثم جاء أسير فقال الأسير: رحمكم الله فأعطاه علىعليه‌السلام الثلث وما ذاقوها، فأنزل الله سبحانه الآيات فيهم، وهي جارية في كل مؤمن فعل ذلك للهعزوجل .

٢١ ـ في كتاب المناقب لابن شهر آشوب وروى أبو صالح ومجاهد والضحاك والحسن وعطا وقتادة ومقاتل والليث وابن عباس وابن مسعود وابن جبير وعمرو ابن شعيب والحسن بن مهران والنقاش والقشيري والثعلبي والواحدي في تفسيرهم وصاحب أسباب النزول والخطيب المكي في الأربعين وابو بكر الشيرازي في نزول القرآن في أمير المؤمنينعليه‌السلام والأشنهي في اعتقاد أهل السنة وأبو بكر محمد بن أحمد بن الفضل النحوي في العروس في الزهد وروى أهل البيتعليهم‌السلام عن الأصبغ بن نباتة وغيرهم عن الباقرعليه‌السلام واللفظ له في قوله تعالى:( هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ) انه مرض الحسن والحسينعليهما‌السلام فعادهما رسول الله في جميع.

أصحابه وقال لعليٍّ: يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك نذرا عافاهما الله، فقال: أصوم ثلاثة أيام وكذلك قالت فاطمة والحسن والحسين وجاريتهم فضة فبرئا فأصبحوا صياما وليس عندهم طعام. فانطلق على إلى جار له من اليهود يقال له فنحاص بن الحارا وفي رواية شمعون بن حاريا يستقرضه وكان يعالج الصوف، غأعطاه جزة من صوف(١) وثلاثة أصوع من شعير، وقال: تغزلها ابنة محمد فجاء بذلك فغزلت فاطمة ثلث الصوف ثم طحنت صاعا من الشعير وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص، فلما جلسوا خمستهم فأول لقمة كسرها علىعليه‌السلام إذا مسكين على الباب يقول: السلام عليكم يا أهل بيت محمد انا مسكين من مساكين المسلمين أطعمونى مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة فوضع اللقمة من يده وقال :

فاطم ذات المجد واليقين

يا بنت خير الناس أجمعين

اما ترين البائس المسكين

قد قام بالباب له حنين

يشكو إلينا جائع حزين

كل امرئ بكسبه رهين

__________________

(١) الجزة: صوف شاة في السنة.

٤٧٢

فقالت فاطمة :

أمرك سمعا يا ابن عم وطاعة

ما في من لؤم ولا وضاعة

أطعمه ولا أبالى الساعة

أرجو إذا أشبعت ذا مجاعة

ان ألحق الأخيار والجماعة

وادخل الخلد ولي شفاعة

ودفعت ما كان على الخوان إليه وباتوا جياعا. وأصبحوا صياما ولم يذوقوا إلّا الماء القراح، فلما أصبحوا غزلت الثلث الثاني وطحنت صاعا من الشعير وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص، فلما جلسوا خمستهم وكسر على لقمة إذا يتيم على الباب يقول السلام عليكم أهل بيت محمد، انا يتيم من يتامى المسلمين أطعمونى مما تأكلون أطعمكم الله من موائد الجنة. فوضع اللقمة من يده وقال :

فاطم بنت السيد الكريم

بنت نبي ليس بالذميم

قد جاءنا الله بذا اليتيم

من يرحم اليوم فهو رحيم

موعده في جنة النعيم

حرمها الله على اللئيم

فقالت فاطمة :

انى أعطيه ولا أبالي

وأوثر الله على عيالي

امسوا جياعا وهم أشبالى ثم دفعت ما كان على الخوان إليه وباتوا جياعا، لا يذوقون إلّا الماء القراح، فلما أصبحوا غزلت الثلث الباقي وطحنت الصاع الباقي وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص، فلما جلسوا خمستهم فأول لقمة كسرها علىعليه‌السلام إذا أسير من أسراء المشركين على الباب يقول: السلام عليكم أهل بيت محمد تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا فوضع علىعليه‌السلام اللقمة من يده وقال :

فاطم يا بنت النبي أحمد

بنت نبي سيد مسدد

هذا أسير للنبي المهتدى

مكبل في غلة مقيد(١)

يشكو إلينا الجوع قد تقدد

من يطعم اليوم يجده في غد

عند العليِّ الواحد الممجد

__________________

(١) الكبل: القيد أو أعظم ما يكون من القيود.

٤٧٣

فقالت فاطمة :

لم يبق مما كان غير صاع

قد رميت كفى مع الذراع

وما على رأسى من قناع

الا عباء نسجه بصاع

ابناي والله من الجياع

يا رب لا تتركهما ضياع

أبوهما للخير ذو اصطناع

عبل الذراعين شديد الباع(١)

وأعطته ما كان على الخوان وباتوا جياعا، وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شيء، فرآهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جياعا فنزل جبرئيلعليه‌السلام ومعه صحفة(٢) من الذهب مرصعة بالدر والياقوت مملوة من الثريد وعراقا(٣) تفوح منها رائحة المسك والكافور، فجلسوا وأكلوا حتى شبعوا ولم تنقص منها لقمة، وخرج الحسين ومعه قطعة عراق فنادته امرأة يهودية يا أهل بيت الجوع من اين لكم هذا أطعمنيها؟ فمد يده الحسين ليطعمها فهبط جبرئيل وأخذها من يده ورفع الصفحة إلى السماء. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو لا ما أراد الحسين من إطعام الجارية تلك القطعة لتركت تلك الصحفة في أهل بيتي يأكلون منها إلى يوم القيامة، ونزل: يوفون بالنذر وكان الصدقة في ليلة خمس وعشرين من ذي الحجة، ونزلت «هل أتى» في اليوم الخامس والعشرين منه.

٢٢ ـ وباسناده عن الهذيل عن مقاتل عن محمد بن الحنفية عن الحسن بن عليّ بن أبي طالبعليهما‌السلام قال: كل ما في كتاب اللهعزوجل من قوله:( إِنَّ الْأَبْرارَ ) فو الله ما أراد به إلّا عليّ بن أبي طالب وفاطمة وانا والحسين، لأنا نحن أبرار بآبائنا

__________________

(١) يقال: رجل عبل الذراعين أي ضخمهما. والباع: قد رمد اليدين وربما عبر بالباع عن الشرف والفضل والقدرة.

(٢) الصحفة: قصعة كبيرة منبسطة تشبع الخمسة، قال الكسائي: أعظم القصاع الجفنة ثم القصعة تشبع العشرة، ثم الصحفة تشبع الخمسة ثم المئكلة تشبع الرجل أو الثلاثة، ثم الصحفة تشبع الرجل.

(٣) العراق ـ بالضم ـ جمع العرق: العظم الذي أخذ عنه اللحم.

٤٧٤

وأمهاتنا، وقلوبنا عملت بالطاعات والبر، ومبراة من الدنيا وحبها وأطعنا الله في جميع فرائضه، وآمنا بوحدانيته وصدقنا برسوله.

٢٣ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي (ره) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث طويل يقول فيه للقوم بعد موت عمر بن الخطاب: نشدتكم بالله هل فيكم أحد نزل فيه وفي ولده( إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً ) إلى آخر السورة غيري؟ قالوا: لا.

٢٤ ـ في أمالي الصدوق (ره) باسناده إلى الصادق جعفر بن محمد عن أبيهعليهما‌السلام في قولهعزوجل :( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) قالا: مرض الحسن والحسينعليهما‌السلام وهما صبيان صغيران فعادهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه رجلان فقال: يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك نذرا ان الله عافاهما؟ فقال: أصوم ثلاثة أيام شكرا للهعزوجل ، وكذلك قالت فاطمةعليها‌السلام وقال الصبيان: ونحن أيضا نصوم ثلاثة أيام، وكذلك قالت جاريتهم فضة، فألبسهما الله عافية فأصبحوا صياما وليس عندهم طعام، فانطلق علىعليه‌السلام إلى جار له من اليهود يقال له شمعون يعالج الصوف، فقال: هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لك ابنة محمد بثلاثة أصوع من شعير؟ قال: نعم فأعطاه فجاء بالصوف والشعير فأخبر فاطمةعليها‌السلام فقبلت وأطاعت، ثم عمدت فغزلت ثلث الصوف ثم أخذت صاعا من الشعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لكل واحد قرصا، وصلى علىعليه‌السلام مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المغرب ثم أتى منزله فوضع الخوان وجلسوا خمستهم، فأول لقمة كسرها علىعليه‌السلام إذا مسكين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد أنا مسكين من مساكين المسلمين أطعمونى مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة فوضع اللقمة من يده ثم قال :

فاطم ذات المجد واليقين

يا بنت خير الناس أجمعين

أما ترين البائس المسكين

قد جاء إلى الباب له حنين

يشكو إلى الله ويستكين

يشكو إلينا جائعا حزين

كل امرئ بكسبه رهين

من يفعل الخير يقف سمين

٤٧٥

موعده في جنة دهين(١)

حرمها الله على الضنين

وصاحب النجل يقف حزين

تهوى به النار إلى سجين

شرابه الحميم والغسلين فأقبلت فاطمة تقول :

أمرك سمع يا ابن عم وطاعة

ما بى من لؤم ولا ضراعة(٢)

غذيت باللب وبالبراعة

أرجو إذا أشبعت من مجاعة

ان ألحق الأخيار والجماعة

وادخل الجنة في شفاعة

وعمدت إلى ما كان على الخوان فدفعته إلى المسكين وباتوا جياعا، وأصبحوا صياما لم يذوقوا إلّا الماء القراح، ثم عمدت إلى الثلث الثاني من الصوف فغزلته ثم أخذت صاعا من الشعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة اقراص لكل واحد قرصا، وصلى علىعليه‌السلام المغرب مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم أتى منزله، فلما وضع الخوان بين يديه وجلسوا خمستهم فأول لقمة كسرها علىعليه‌السلام إذا يتيم من يتامى المسلمين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد أنا يتيم من يتامى المسلمين أطعمونى مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة، فوضع علىعليه‌السلام اللقمة من يده ثم قال :

فاطم بنت السيد الكريم

بنت نبي ليس بالزنيم(٣)

قد جاءنا الله بذا اليتيم

من يرحم اليوم فهو رحيم

موعده في جنة النعيم

حرمها الله على اللئيم

وصاحب البخل يقف ذميم

تهوى به النار إلى الجحيم

شرابه الصديد والحميم

__________________

(١) قولهعليه‌السلام «دهين» كناية عن النضارة والطراوة كأنه صب عليه الدهن يقال «قوم مدهنون» عليهم آثار النعم.

(٢) الضراعة: الذل والاستكانة والضعف.

(٣) الزنيم: اللئيم الذي يعرف بلؤمه.

٤٧٦

فأقبلت فاطمةعليها‌السلام وهي تقول :

فسوف أعطيه ولا أبالي

وأوثر الله على عيالي

امسوا جياعا وهم أشبالى

أصغر هما يقتل في القتال

بكربلا يقتل باغتيال

لقاتليه الويل مع وبال

يهوى في النار إلى سفال

كبوله زادت على الأكبال

ثم عمدت فأعطته جميع ما على الخوان وباتوا جياعا لم يذوقوا إلّا الماء القراح، وأصبحوا صياما وعمدت فاطمةعليها‌السلام فغزلت الثلث الباقي من الصوف وطحنت الصاع الباقي وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص، لكل واحد قرصا، وصلى علىعليه‌السلام المغرب مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم أتى منزله فقرب إليه الخوان وجلسوا خمستهم، فأول لقمة كسرها علىعليه‌السلام إذا أسير من أسراء المشركين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد تأسروننا وتشدوننا ولا تطعمونا؟ فوضع علىعليه‌السلام اللقمة من يده ثم قال :

فاطم يا بنت النبي أحمد

بنت نبي سيد مسدد

قد جاءك الأسير ليس يهتدى

مكبلا في غله مقيد

يشكو إلينا الجوع قد تقدد

من يطعم اليوم يجده في غد

عند العليِّ الواحد الموحد

ما يزرع الزارع سوف يحصد

فأطعمى من غير من أنكد(١) فأقبلت فاطمةعليها‌السلام وهي تقول :

لم يبق مما كان غير صاع

قدد برت كفّي مع الذراع(٢)

شبلاي والله هما جياع

يا ربّ لا تتركهما ضياع

أبوهما للخير ذو اصطناع

عبل الذراعين طويل الباع

وما على رأسى من قناع

الا عبا نسجتها بصاع

__________________

(١) نكد عيشتهم: اشتد وعسر.

(٢) الدبر: الجرح.

٤٧٧

وعمدوا إلى ما كان على الخوان فأعطوه وباتوا جياعا وأصبحوا مفطرين، وليس عندهم شيء، قال شعيب في حديثه وأقبل على بالحسن والحسينعليهما‌السلام نحو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهما يرتعشان كالفراخ(١) من شدة الجوع، فلما بصر بهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: يا أبا الحسن شد ما يسوؤني ما ارى بكم انطلق إلى ابنتي فاطمة فانطلقوا وهي في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع، وغارت عيناها(٢) فلما رآها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ضمها إليه وقال: وا غوثاه بالله أنتم منذ ثلاث فيما أرى فهبط جبرئيلعليه‌السلام فقال: يا محمد خذ ما هيأ الله لك في أهل بيتك، فقال وما آخذ يا جبرئيل قال:( هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ) حتى بلغ( إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً، وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) وقال الحسن بن مهران في حديثه: فوثب النبي حتى دخل منزل فاطمةعليها‌السلام فرأى ما بهم فجمعهم ثم انكب عليهم يبكى ويقول: أنتم منذ ثلاث فيما أرى وأنا غافل عنكم؟! فهبط جبرئيلعليه‌السلام بهذه الآيات( إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً ) قال: هي عين في دار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تفجر إلى دور الأنبياء والمؤمنين يوفون بالنذر يعنى عليا وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام وجاريتهم( وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ) يقول عابسا كلوحا(٣)

٢٥ ـ في كتاب الخصال في احتجاج علىعليه‌السلام على أبي بكر قال: أنشدك بالله أنا صاحب الآية( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ) أم أنت؟ قال: بل أنت.

٢٦ ـ في أصول الكافي أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد عن يعقوب بن يزيد عن ابن محبوب عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسنعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) الذي أخذ عليهم من ولايتنا.

__________________

(١) الفراخ جمع الفرخ: ولد الطائر.

(٢) غارت عينه: دخلت في الرأس وانحسفت.

(٣) الكلوح بمعنى العبوس.

٤٧٨

على بن محمد عن بعض أصحابنا عن ابن محبوب عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضيعليه‌السلام قال: قلت قوله:( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) قال: يوفون بالنذر الذي أخذ عليهم في الميثاق من ولايتنا.

٢٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ) قال: المستطير العظيم.

٢٩ ـ في الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن أبي المغرا عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت: قوله: و( يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ) قال: ليس من الزكاة والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٣٠ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن معمر بن خلاد عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: ينبغي للرجل ان يوسع على عياله لئلا يتمنوا موته، وتلا هذه الآية( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ) قال: الأسير عيال: الرجل ينبغي للرجل إذا زيد في النعمة ان يزيد أسرائه في السعة عليهم، ثم قال: إنّ فلانا أنعم الله عليه بنعمة فمنعها أسراء وجعلها عند فلان فذهب بها قال معمر: وكان فلان حاضرا.

٣١ ـ في كتاب الخصال عن المنكدر باسناده قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : خيركم من أطعم الطعام وأفشى السلام وصلى والناس نيام.

٣٢ ـ عن أحمد بن عمر الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أي الخصال بالمرء أجمل؟ قال: وقار بلا مهانة وسماح بلا طلب مكافاة، وتشاغل بغير متاع الدنيا.

٣٣ ـ في مجمع البيان( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ ) أي على حب الطعام، وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ما من مسلم أطعم مسلما على جوع إلّا أطعمه الله من ثمار الجنة، وما من مسلم كسا أخاه على عرى إلّا كساه الله من خضر الجنة، ومن سقى مسلما على ظمأ سقاه الله من الرحيق.

٤٧٩

٣٤ ـ وفيه وقال أهل التحقيق، القرض الحسن يجمع عشرة أوصاف، إلى قوله: وان يتصدق وهو يحب المال ويرجو الحياة، لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لـمّا سئل عن أفضل الصدقة ان تعطيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت التراقي قلت: لفلان كذا ولفلان كذا.

٣٥ ـ في أمالي الصدوق (ره) متصل بآخر ما نقلنا عنه سابقا اعنى قوله: عابسا كلوحا:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً ) يقول: على شهواتهم للطعام وإيثارهم له مسكينا من مساكين المسلمين، ويتيما من يتامى المسلمين، وأسيرا من أسارى المشركين، ويقولون إذا أطعموهم:( إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً ) قال: والله ما قالوا هذا لهم ولكنهم أضمروه في أنفسهم فأخبر الله بإضمارهم، يقولون: لا نريد جزاء تكافوننا به، ولا شكورا تثنون علينا به، ولكنا انما أطعمناكم لوجه الله وطلب ثوابه.

٣٦ ـ في كتاب الخصال عن أحمد بن عمران الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أي الخصال بالمرء أجمل؟ قال: وقار بلا مهابة، وسماح بلا طلب مكافاة، وتشاغل بغير متاع الدنيا.

٣٧ ـ في الكافي علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى بن عبيد عن أبي الحسن علي بن يحيى عن أيوب بن أعين عن أبي حمزة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يؤتى يوم القيامة برجل فيقال له: احتج فيقول: يا رب خلقتني وهديتني فأوسعت على، فلم أزل أوسع على خلقك وأيسر عليهم لكي تنشر على هذا اليوم رحمتك وتيسره؟ فيقول الرب جل ثناؤه وتعالى ذكره: صدق عبدي أدخلوه الجنة.

٣٨ ـ في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن عمرو بن عثمان عن علي بن عيسى رفعه قال: إنّ موسى ناجاه الله تبارك وتعالى فقال له في مناجاته: يا موسى لا يطول في الدنيا أملك وذكر حديثا قدسيا طويلا وفيه يقولعزوجل : فاعمل كأنك ترى ثواب عملك لكي يكون أطمع لك في الاخرة لا محالة.

٤٨٠

فخضوع أحد أمام موجود وتكريمه ـ مبالغاً في ذلك ـ دون أن ينبع من الاعتقاد بالوهيته لا يكون شركاً ولا عبادة لهذا الموجود، وإن كان من الممكن أن يكون حراماً، مثل سجود العاشق للمعشوقة أو المرأة لزوجها، فإنّها وإن كانت حراماً في الشريعة الإسلامية، لكنها ليست عبادة، فكون شيء حراماً، غير القول بأنّه عبادة، فإنّ حرمة السجود أمام بشر من غير اعتقاد بالوهيته وربوبيته إنّما هي لوجه آخر.

من هذا البيان يتضح جواب سؤال يطرح نفسه في هذا المقام، وهو إذا كان الاعتقاد بالإلوهية أو الربوبية أو التفويض، شرطاً في تحقق العبادة، فيلزم أن يكون السجود لأحد دون ضم هذه النيّة جائزاً ؟

ويجاب على هذا: بأنّ السجود حيث إنّه وسيلة عامة للعبادة، وحيث إنّ بها يعبد الله عند جميع الأقوام والملل والشعوب وصار بحيث لا يراد منه إلّا العبادة، لذلك لم يسمح الإسلام بأن يستفاد من هذه الوسيلة العالمية حتى في الموارد التي لا تكون عبادة، وهذا التحريم إنّما هو من خصائص الإسلام إذ لم يكن حراماً قبله، وإلاّ لما سجد يعقوب وأبناؤه ليوسفعليه‌السلام ، إذ يقول:( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَىٰ العَرْشِ وَخَرُُّّوا لَهُ سُجَّداً ) (١) .

* * *

لقد استدل بعض المحقّقين(٢) بالآيات التالية على حرمة السجود لغير الله مطلقاً حتى لو لم يكن بعنوان العبادة :

( لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا للهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ

__________________

(١) يوسف: ١٠٠.

(٢) البيان: ٥٠٤.

٤٨١

تَعْبُدونَ ) (١) .

( وَأنَّ المَسَاجِدَ للهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدَاً ) (٢) .

ولكن الإمعان في هاتين الآيتين يفيد أنّ الهدف هو: تحريم السجدة التي تكون بقصد العبادة لا ما كان بقصد التعظيم، إذ يقول في أُولى الآيتين:( إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدونَ ) ويقول في ثانيتهما:( فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدَاً ) على أنَّنا سنقول في المستقبل إنّ المقصود بالدعوة ـ هنا ـ هو: العبادة، لذلك فالأفضل ـ في هذا المجال ـ أن نستدل بالإجماع والأحاديث، ولذلك استدل هو بنفسه بعد الاستدلال بالآيتين الآنفتين بالإجماع، إذ قال: « فقد أجمع المسلمون على حرمة السجود لغير الله ».

قال الجصاص: قد كان السجود جائزاً في شريعة آدمعليه‌السلام ، للمخلوقين ويشبه أن يكون قد كان باقياً إلى زمان يوسفعليه‌السلام ، فكان فيما بينهم لمن يستحق ضرباً من التعظيم ويراد إكرامه وتبجيله بمنزلة المصافحة والمعانقة فيما بيننا، وبمنزلة تقبيل اليد، قد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في إباحة تقبيل اليد أخبار، وقد روي الكراهة، إلّا أنّ السجود لغير الله على وجه التكرمة والتحية منسوخ بما روت عائشة وجابر وأنس أنّ النبي قال: « ما ينبغي لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقّه عليها »(٣) .

* * *

__________________

(١) فصلت: ٣٧.

(٢) الجن: ١٨.

(٣) أحكام القرآن: ١ / ٣٢، لأبي بكر أحمد بن علي الرازي المعروف بالجصاص ( المتوفّى عام ٣٧٠ ه‍ ).

٤٨٢

إلى هنا استطعنا ـ بشكل واضح ـ أن نتعرف على حقيقة « العبادة » و « الشرك » ويلزم أن نستنتج من هذا البحث فنقول: إذا خضع أحد أمام آخرين وتواضع لهم، لا باعتقاد أنّهم « آلهة » أو « أرباب » أو « مصادر للأفعال والشؤون الإلهية » بل لأنّ المخضوع لهم إنّما يستوجبون التعظيم، لأنّهم( عِبَادٌ مُكَرَمُونَ *لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (١) فإنّ هذا الخضوع والتعظيم والتواضع والتكريم لن يكون عبادة قطعاً، فقد مدح الله فريقاً من عباده بصفات تستحق التعظيم عندما قال :

( إِنَّ اللهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَىٰ العَالَمِينَ ) (٢) .

وفي موضع آخر من القرآن صرح الله تعالى باصطفاء إبراهيم لمقام الإمامة، إذ يقول تعالى :

( قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ) (٣) .

وكل هذه الأوصاف العظيمة التي مدح الله بها: نوحاً وإبراهيم وداود وسليمان وموسى وعيسى ومحمداً ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ أُمور توجب نفوذهم في القلوب والأفئدة، وتستوجب محبتهم واحترامهم حتى أنّ مودة بعض الأولياء فرضت علينا بنصِّ القرآن(٤) .

فإذا احترم أحد هؤلاء، في حياتهم أو بعد وفاتهم، لا لشيء إلّا لأنّهم عباد الله المكرمون، وأولياؤه المقربون، وعظمهم دون أن يعتقد بأنّهم « آلهة » أو « أرباب »

__________________

(١) الأنبياء: ٢٦ ـ ٢٧.

(٢) آل عمران: ٣٣.

(٣) البقرة: ١٢٤.

(٤)( قُل لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلّا المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) ( الشورى: ٢٣ ).

٤٨٣

أو « مصادر للشؤون الإلهية » لا يعد فعله عبادة ـ مطلقاً ـ ولا هو مشركاً أبداً.

وعلى هذا لا يكون تقبيل يد النبي أو الإمام أو المعلم، أو الوالدين، أو تقبيل القرآن أو الكتب الدينية، أو أضرحة الأولياء وما يتعلّق بهم من آثار، إلّا تعظيماً وتكريماً لا عبادة.

نحن ومؤلّف تفسير المنار

وفي ختام هذا البحث يجدر بنا أن نلفت نظر القارئ الكريم إلى طائفة من التعاريف للعبادة، ونذكر بعض ما فيها من الضعف :

١. قال في المنار: العبادة ضرب من الخضوع، بالغ حد النهاية، ناشئ عن استشعار القلب عظمة المعبود لا يعرف منشؤها واعتقاده بسلطة لا يدرك كنهها وماهيتها.(١)

وهذا التعريف لا يخلو عن قصور، إذ بعض مصاديق العبادة، لا تكون خضوعاً شديداً، ولا يكون بالغاً حد النهاية كبعض الصلوات الفاقدة للخشوع، ثم ربما يكون خضوع العاشق أمام معشوقته والجندي أمام آمره، أشدَّ خضوعاً مما يفعله كثير من المؤمنين بالله تجاه ربّهم في مقام الدعاء والصلاة والعبادة، ومع ذلك لا يقال لخضوعهما بأنّه عبادة، في حين يكون خضوع المؤمنين تجاه ربهم عبادة وإن كان أخف من الخضوع الأوّل.

نعم لقد ذكر هذا المؤلف نفسه ـ في حنايا كلامه ـ ما يمكن أن يكون معرّفاً صحيحاً للعبادة ومتفقاً ـ في محتواه ـ مع ما قلناه حيث قال :

للعبادة صور كثيرة في كل دين من الأديان شرِّعت لتذكير الإنسان بذلك

__________________

(١) تفسير المنار: ١ / ٥٧.

٤٨٤

الشعور بالسلطان الإلهي الأعلى الذي هو روح العبادة، وسرها(١) .

إنّ عبارة: « الشعور بالسلطان الإلهي » حاكية عن أنّ الفرد العابد حيث إنّه يعتقد بالوهية المعبود، لذلك يكون عمله عبادة وما لم يتوفر مثل هذا الاعتقاد في عمله لا يتصف بالعبادة.

٢. وقد جاء شيخ الأزهر الأسبق الشيخ محمود شلتوت بتعريف يتحد مع ما ذكره صاحب المنار معنى ويختلف معه لفظاً، فقال :

العبادة خضوع لا يحد لعظمة لا تحد(٢) .

فالتعريفان متحدان نقداً وإشكالاً، فليلاحظ، وان كان تفسير المنار يختص بإشكال آخر، حيث إنّه يقول: « العبادة ناشئة عن استشعار القلب عظمة لا يعرف منشؤها » في حين أنّ العابد يعلم أنّ علة العظمة هي: السلطة الإلهية، التي هي الوهية المعبود والإحساس بالحاجة الشديدة إليه، وأنّ بيده مصير العابد، وغير ذلك من الدوافع، فكيف لا يعرف منشؤها ؟(٣) .

٣. وأكثر التعاريف عرضة للإشكال هو تعريف ابن تيمية، إذ قال :

العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنية والظاهرية كالصلاة، والزكاة والصيام، والحج، وصدق الحديث، وإداء الأمانة وبر الوالدين، وصلة الأرحام(٤) .

وهذا الكاتب لم يفرق ـ في الحقيقة ـ بين العبادة، وبين التقرّب، وتصوّر أنّ

__________________

(١) تفسير المنار: ١ / ٥٧.

(٢) تفسير القرآن الكريم: ٣٧.

(٣) آلاء الرحمن: ٥٩.

(٤) مجلة البحوث الإسلامية: العدد٢ / ١٨٧ نقلاً عن كتاب « العبودية »: ٣٨.

٤٨٥

كل عمل يوجب القربى إلى الله فهو عبادة له تعالى أيضاً، في حين أنّ الأمر ليس كذلك، فهناك أُمور توجب رضا الله، وتستوجب ثوابه قد تكون عبادة كالصوم والصلاة والحج، وقد تكون موجبة للقربى إليه دون أن تعد عبادة كالإحسان إلى الوالدين وإعطاء الزكاة والخمس، فكل هذه الأُمور ( الأخيرة ) توجب القربى إلى الله في حين لا تكون عبادة، وإن سميت في مصطلح أهل الحديث عبادة فيراد منها كونها نظير العبادة في ترتب الثواب عليها.

وبعبارة أُخرى: إنّ الإتيان بهذه الأعمال يعد طاعة لله، ولكن ليس كل طاعة عبادة.

وإن شئت قلت: إنّ هناك أُموراً عبادية، وأُموراً قربية، وكل عبادة قربة، وليس كل قربة عبادة، فدعوة الفقير إلى الطعام والعطف على اليتيم ـ مثلاً ـ توجب القرب ولكنها ليست عبادة، بمعنى أن يكون الآتي بها عابداً بعمله لله تعالى.

٤٨٦

٥

ما هو معنى الإلوهية

وما هو ملاكها ؟

إذا كانت العبادة هي الخضوع أمام أحد بما هو « إله »(١) ، فيقع الكلام في معنى ال‍: « إله » فنقول: لا نظن أنّ القارئ الكريم يحتاج في فهم معنى: « إله » إلى التعريف، فإنّ لفظي: « إله » و « الله » من باب واحد، فما هو المتفاهم من الثاني « أي الله » هو المتفاهم من الأوّل « أي إله »، وإن كانا يختلفان في المفهوم اختلاف الكلي والفرد.

غير أنّ لفظ الجلالة علم لفرد من ذاك الكلي ولمصداق منه، دون ال‍: « إله » فهو باق على كلّيته وإن لم يوجد عند الموحّدين مصداق آخر له، بل انحصر فيه.

__________________

(١) هذا هو أحد التعاريف الماضية في البحث السابق، وكانت هناك تعاريف أُخرى من كونها: الخضوع أمام أحد بما هو رب، أو بما هو غني في فعله عن غيره، أو بما هو مصدر للشؤون الإلهية كالشفاعة والمغفرة، فراجع. وقد أوضحنا أنّ هذه القيود جيء بها للإشارة إلى أنّها ليست مطلق الخضوع بل هو قسمٌ خاصٌّ منه وإنّ دخول هذه القيود في مفهوم العبادة على غرار دخول الدائرة في مفهوم القوس وإنّه من باب زيادة الحد على المحدود فراجع.

٤٨٧

فكما أنّه لا يحتاج أحد في الوقوف على معنى لفظ الجلالة إلى التعريف فلفظة « إله » مثله أيضاً، إذ ليس ثمة من فارق بين اللفظتين إلّا فارق الجزئية والكلية، فهما على وجه كزيد وإنسان، بل أولى منهما لاختلاف الأخيرين ( زيد وإنسان ) في مادة اللفظ بخلاف « إله » و « الله »، فهما متحدان في تلك الجهة، وليس لفظ الجلالة إلّا نفس إله حذفت همزته وأُضيفت إليه « الألف واللام » فقط، وذلك لا يخرجه عن الاتحاد، لفظاً ومعنى.

وإن شئت قلت: إنّ ها هنا اسماً عاماً وهو « إله » ويجمع على « آلهة »، واسماً خاصاً وهو « الله » ولا يجمع أبداً، ويرادفه في الفارسية « خدا » وفي التركية « تاري » وفي الانجليزية « گاد » غير أنّ الاسم العام والخاص في اللغة الفارسية واحد وهو « خدا » ويعلم المراد منه بالقرينة، غير أنّ « خداوند » لا يطلق إلّا على الاسم الخاص، وأمّا « گاد » في اللغة الانجليزية فكلما أُريد منه الاسم العام كتب على صورة « god » وأمّا إذا أُريد الاسم الخاص فيأتي على صورة « God » وبذلك يشخص المراد منه.

ولعل اختصاص هذا الاسم بالله بخالق الكون كان بهذا النحو: وهو أنّ العرب عندما كانت في محاوراتها تريد أن تتحدث عن الخالق كانت تشير إليه ب‍ « الإله » أي الخالق، والألف واللام المضافتان إلى هذه الكلمة كانتا لأجل الاشارة الذهنية ( أي الإشارة إلى المعهود الذهني )، يعني ذاك الإله الذي تعهده في ذهنك، وهو ما يسمّى في النحو بلام العهد، ثم أصبحت كلمة « الإله » مختصة في محاورات العرب بخالق الكون، ومع مرور الزمن انمحت الهمزة الكائنة بين اللامين وسقطت من الألسن وتطورت الكلمة من « الإله » إلى « الله » التي ظهرتفي صورة كلمة جديدة واسم خاص بخالق الكون تعالى وعلماً له

٤٨٨

سبحانه(١) .

وإلى ما ذكرنا يشير العلاّمة الزمخشري في « كشّافه »: الله أصله: الإله، قال الشاعر :

معاذ الإله أن تكون كظبية

ولا دمية ولا عقيلة ربرب(٢)

ونظيره: الناس أصله، الاناس، فحذفت الهمزة، وعوض عنها حرف التعريف، ولذلك قيل في النداء يا الله بالقطع، كما يقال: يا إله، والإله من أسماء الأجناس كرجل وفرس(٣) .

وينقل العلامة الطبرسي في « تفسيره » عن سيبويه أنّ « الله » أصله « إله » على وزن فعال، فحذفت فاء فعله، وهي الهمزة، وجعلت الألف واللام عوضاً لازماً عنها، بدلالة استجازتهم قطع هذه الهمزة الداخلة على لام التعريف في القسم والنداء في قوله: يا الله اغفر لي، ولو كانت غير عوض لم تثبت الهمزة في غير هذا الاسم(٤) .

وقال الراغب في « مفرداته »: « الله أصله إله، فحذفت همزته وأُدخل عليه الألف واللام، فخصّ بالباري تعالى ولتخصّصه به قال تعالى:( هَلْ تَعْلَمْ لَهُ سَمِّياً ) (٥) .

وعلى ذلك فلا نحتاج في تفسير إله إلى شيء وراء تصوّر أنّ هذا اللفظ كلي

__________________

(١) في هذا الصدد نظريات أُخرى أيضاً راجع لمعرفتها تاج العروس: ٩ مادة « أله ».

(٢) استعاذ الشاعر بالله من تشبيه حبيبته بالظبية أو الدمية، والربرب: هو السرب من الوحش.

(٣) الكشّاف: ١ / ٣٠ تفسير البسملة.

(٤) مجمع البيان: ١ / ١٩ طبعة صيدا.

(٥) مفردات الراغب: ٣١ مادة « إله ».

٤٨٩

لما وضع عليه لفظ الجلالة، وبما أنّ هذا اللفظ من أوضح المفاهيم، وأظهرها فلا نحتاج في فهم اللفظ الموضوع للكلي إلى شيء أبداً، نعم إنّ لفظ الجلالة وإن كان علماً للذات المستجمعة لجميع صفات الكمال، أو الخالق للأشياء، إلّا أنّ كون الذات مستجمعة لصفات الكمال، أو خالقاً للأشياء ليسا من مقومات معنى الإله، بل من الخصوصيات الفردية التي بها يمتاز الفرد عمّن سواه من الأفراد، وأمّا الجامع بينه وبين سائر الأفراد، أو التي ربما تفرض ( لا المحقّقة ) فهو أمر سواه سنشير إليه.

ويؤيد وحدة مفهومهما، بالذات، مضافاً إلى ما ذكرناه من وحدة مادتهما أنّه ربّما يستعمل لفظ الجلالة مكان الإله(١) ، أي على وجه الكلية والوصفية، دون العلميّة فيصح وضع أحدهما مكان الآخر، كما في قوله سبحانه :

( وَهُوَ اللهُ فِي السَّمٰوَاتِ وَفِي الأرضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ) (٢) .

فإنّ وزان هذه الآية وزان قوله سبحانه :

( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأرضِ إِلهٌ وَهُوَ الحَكِيمُ العَلِيمُ ) (٣) .

( وَلا تَقُولُوا ثَلاَثَةٌ انتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ) (٤) .

( هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إلّا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلاَمُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ

__________________

(١) استعمالاً مجازياً مثل قول القائل: هذا حاتم قومه ويوسف أبنائه.

(٢) الأنعام: ٣.

(٣) الزخرف: ٨٤.

(٤) النساء: ١٧١.

٤٩٠

العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (١) .

( هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأسْمَاءُ الحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمٰوَاتِ والأرضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ) (٢) .

ولا يخفى أنّ لفظ الجلالة في هذه الموارد وما يشابهها يراد منه ما يرادف الإله على وجه الكلية، ( أي ما معناه أنّه هو الإله الذي يتصف بكذا وكذا ).

ويقرب من الآية الأُولى قوله سبحانه :

( قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيَّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الحُسْنَىٰ ) (٣) .

فإنّ جعل لفظ الجلالة في عداد سائر الأسماء والأمر بدعوة أي منها ربّما يشعر بخلوه عن معنى العلمية، وتضمّنه معنى الوصفية الموجودة في لفظ: « الإله » وغيره، ومثله قوله سبحانه :

( هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأسْمَاءُ الحُسْنَىٰ ) (٤) .

فلا يبعد في هاتين الآيتين أن يكون لفظ الجلالة ملحوظاً على وجه الكلية لا العلميّة الجزئية، كما هو الظاهر لمن أمعن فيها.

نعم، ربما يقال من أنّ لفظ الجلالة من أله بمعنى عبد ; أو من أله بمعنى تحيّر، لأجل أنّ العبد إذا تفكر فيه تحيّر; أو من أله بمعنى فزع، لأنّ الخلق يفزعون إليه في حوائجهم ; أو من إله بمعنى سكن، لأنّ الخلق يسكنون إلى ذكره.

__________________

(١) الحشر: ٢٣.

(٢) الحشر: ٢٤.

(٣) الإسراء: ١١٠.

(٤) الحشر: ٢٣.

٤٩١

أو أنّه متخذ من لاه بمعنى احتجب لأنّه تعالى المحتجب عن الأوهام، أو غير ذلك مما ذكروه(١) ، ولكن ذلك مجرد احتمالات غير مدعمة بالدليل، وعلى فرض صحتها، أو صحة بعضها فلا تدل على أكثر من ملاحظة تلك المناسبات يوم وضع وأُطلق لفظ الجلالة أو لفظ الإله عليه سبحانه، وأمّا بقاء تلك المناسبات إلى زمان نزول القرآن، وانّ استعمال القرآن لهما كان برعاية هذه المناسبات فأمر لا دليل عليه مطلقاً.

والظاهر أنّ هذه المعاني من لوازم معنى الإله وآثاره، فإنّ من اتخذ أحداً إلهاً لنفسه فإنّه يعبده قهراً، ويفزع إليه عند الشدائد، ويسكن قلبه عند ذكره، إلى غير ذلك من اللوازم، والآثار التي تستلزمها صفة الإلوهية، ولو لاحظ القارئ الكريم الآيات التي ورد فيها لفظ الإله، وما احتف بها من القرائن لوجد أنّه لا يتبادر من الإله غير ما يتبادر من لفظ الجلالة، سوى كون الأوّل كلياً والثاني جزئياً.

هل الإله بمعنى المعبود ؟

نعم يظهر من كثير من المفسّرين بأنّ أله بمعنى عبد، ويستشهدون بقراءة شاذة في قوله سبحانه :

( لِيُفْسِدُوا فِي الأرضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ) (٢) .

حيث قرئ والاهتك، أي عبادتك.

ولعل منشأ هذا التصور هو كون الإله الحقيقي، أو الآلهة المصطنعة موضعاً للعبادة ـ دائماً ـ لدى جميع الأُمم والشعوب، ولأجل ذلك فسرت لفظة « الإله »

__________________

(١) راجع مجمع البيان: ٩ / ١٩.

(٢) الأعراف: ١٢٧.

٤٩٢

بالمعبود، وإلاّ فإنّ المعبودية هي لازم الإله وليست معناه البدوي.

والذي يدل ـ بوضوح ـ على أنّ الإله ليس بمعنى المعبود هو: كلمة الإخلاص: « لا إله إلّا الله » إذ لو كان المقصود من الإله « المعبود » لكانت هذه الجملة كذباً صراحاً، لأنّ من البديهي وجود آلاف المعبودات في هذه الدنيا، غير الله، ومع ذلك فكيف يمكن نفي أي معبود سوى الله ؟!

ولأجل ذلك اضطر القائل بأنّ الإله بمعنى المعبود أن يقدر كلمة « بحق » بعد إله لتكون الجملة هكذا: « لا إله [ بحقّ ] إلّا الله » ليتخلّص من هذا الإشكال، ولكن لا يخفى أنّ تقدير كلمة « بحق » هنا خلاف الظاهر، وأنّ هدف كلمة الإخلاص هو نفي أيّ إله في الكون سوى الله، وانّه ليس لهذا المفهوم ( أي الإله ) مصداق بتاتاً سواه سبحانه، وهذا لا يجتمع مع القول بأنّ « الإله » بمعنى « المعبود »، لوجود المعبودات الأُخرى في العالم وإن كانت مصطنعة.

وأمّا جمعه على الآلهة فليس على أساس أنّه بمعنى المعبود، بل لأجل اعتقاد العرب بأنّ هاهنا آلهة غير الله سبحانه، قال تعالى :

( أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا ) (١) .

وإن شئت أن تفرغ ما نفهمه من لفظ الإله في قالب التعريف فارجع إلى الأُمور التي تعد عند الناس من شؤون الربوبية ولوازمها فالقائم بتلك الشؤون ـ كلها أو بعضها ـ هو: الإله، فالخلق والتدبير والإحياء والإماتة والتقنين والتشريع والمغفرة والشفاعة بالاستقلال كلّها من شؤون الربوبية، فالقائم بهذه الشؤون حقيقة أو تصوراً: إله، واقعاً أو عند المتصوّر.

__________________

(١) الأنبياء: ٤٣.

٤٩٣

وهنا آيات تدل بوضوح على أنّ الإله ليس بمعنى المعبود، بل بمعنى المتصرّف المدبّر، أو من بيده أزمّة الأُمور، أو ما يقرب من ذلك مما يعد فعلاً له تعالى، وإليك بعض هذه الآيات :

١.( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلّا اللهُ لَفَسَدَتَا ) (١) ، فإنّ البرهان على نفي تعدد الآلهة لا يتم إلّا إذا جعلنا « الإله » في الآية بمعنى المتصرّف المدبّر، أو من بيده أزمّة الأُمور أو ما يقرب من هذين، ولو جعلنا الإله بمعنى المعبود لانتقض البرهان، لبداهة تعدد المعبودين في هذا العالم، مع عدم الفساد في النظام الكوني، وقد كانت الحجاز يوم نزول هذه الآية مزدحم الآلهة، ومركزها مع كون العالم منتظماً، غير فاسد.

وعندئذ يجب على من يجعل « الإله » بمعنى المعبود أن يقيده بلفظ « بالحق » أي لو كان فيهما معبودات ـ بالحق ـ لفسدتا، ولـمّا كان المعبود بالحق مدبّراً ومتصرفاً لزم من تعدده فساد النظام وهذا كله تكلّف لا مبرر له.

٢.( مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذَاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بعْضٍ ) (٢) .

ويتم هذا البرهان أيضاً لو فسرنا الإله بما ذكرنا من أنّه كلّي ما يطلق عليه لفظ الجلالة، وإن شئت قلت: إنّه كناية عن الخالق أو المدبّر المتصرّف أو من يقوم بأفعاله وشؤونه، والمناسب في هذا المقام هو الخالق، ويلزم من تعدده ما رتب عليه في الآية من ذهاب كلِّ إله بما خلق واعتلاء بعضهم على بعض.

ولو جعلناه بمعنى المعبود لانتقض البرهان، ولا يلزم من تعدّده أيُّ اختلال

__________________

(١) الأنبياء: ٢٢.

(٢) المؤمنون: ٩١.

٤٩٤

في الكون، وأدل دليل على ذلك هو المشاهدة، فإنّ في العالم آلهة متعددة، وقد كان في أطراف الكعبة المشرفة ثلاثمائة وستون إلهاً ولم يقع أيُّ فساد واختلال في الكون.

فيلزم على من يفسّر « إله » بالمعبود ارتكاب التكلّف بما ذكرناه في الآية المتقدمة.

٣.( قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي العَرْشِ سَبِيلاً ) (١) ، فإنّ ابتغاء السبيل إلى ذي العرش من لوازم تعدد الخالق أو المدبّر المتصرف أو من بيده أزمّة أُمور الكون أو غير ذلك مما يرسمه في ذهننا معنى الإلوهية، وأمّا تعدّد المعبود فلا يلازم ذلك إلّا بالتكلّف الذي أشرنا إليه فيما سبق.

٤.( إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ *لَوْ كانَ هَؤُلاَءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا ) (٢) ، والآية تستدل من ورود الأصنام والأوثان في النار على كونها غير آلهة، إذ لو كانت آلهة ما وردت النار.

والاستدلال إنّما يتم لو فسرنا الآلهة بما أشرنا إليه فإنَّ خالق العالم أو مدبّره والمتصرف فيه أو من فوّض إليه أفعال الله أجل من أن يحكم عليه بالنار وأن يكون حصب جهنم.

وهذا بخلاف ما إذا جعلناه بمعنى المعبود فلا يتم البرهان لأنّ المفروض أنّها كانت معبودات وقد جعلت حصب جهنم، ولو أمعنت في الآيات التي ورد فيها لفظ الإله والآلهة لقدرت على استظهار ما اخترناه، وإليك مورداً منها :

( فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ المُخْبِتينَ ) (٣) .

__________________

(١) الإسراء: ٤٣.

(٢) الأنبياء: ٩٨ و ٩٩.

(٣) الحج: ٣٤.

٤٩٥

فلو فسّر الإله في الآية بالمعبود لزم الكذب، إذ المفروض تعدد المعبود في المجتمع البشري، ولأجل هذا ربما يقيد الإله هنا بلفظ « الحق » أي المعبود الحق إله واحد، ولو فسرناه بالمعنى البسيط الذي له آثار في الكون من التدبير والتصرف وإيصال النفع، ودفع الضرّ على نحو الاستقلال لصح حصر الإله ـ بهذا المعنى ـ في واحد بلا حاجة إلى تقدير كلمة بيانية محذوفة، إذ من المعلوم أنّه لا إله في الحياة البشرية والمجتمع البشري يتصف بهذه الصفات التي ذكرناها.

ولا نريد أن نقول: إنّ لفظ الإله بمعنى الخالق المدبّر المحيي المميت الشفيع الغافر، إذ لا يتبادر من لفظ الإله إلّا المعنى البسيط، بل هذه الصفات عناوين تشير إلى المعنى الموضوع له لفظ الإله، ومعلوم أنّ كون هذه الصفات عناوين مشيرة إلى ذلك المعنى البسيط، غير كونها معنى موضوعاً للفظ المذكور، كما أنّ كونه تعالى ذات سلطة على العالم كلِّه أو بعضه سلطة مستقلة غير معتمدة على غيره، وصف مشير إلى المعنى البسيط الذي نتلقاه من لفظ الإله، لا أنّه نفس معناه.

وبما أنّ بعض الكتاب المعاصرين خلط بين السلطة الغيبية المستقلّة التي يمكن أن تقع رمزاً للالوهية، والسلطة المستندة إلى الله غير المستقلة التي ربما توجد عند الأنبياء، والأولياء، وخيار الناس والصالحين من العباد، فلا بأس بأن نبحث في هذا الموضوع في البحث القادم.

٤٩٦

٦

هل الاعتقاد بالسلطة الغيبية

لغير الله موجب للشرك ؟

لا شك في أنّ طلب الحاجة من أحد ـ بصورة جدية ـ إنّما يصح إذا اعتقد طالب الحاجة بأنّه قادر على انجاز حاجته، وهذه القدرة قد تكون قدرة ظاهرية ومادية، كأن نطلب من أحد أن يسقينا ماءً، ويجعله تحت تصرفنا، وقد تكون القدرة قدرة غيبية، خارجة عن نطاق المجاري الطبيعية والقوانين المادية، كأن يعتقد أحد بأنّ الإمام علياًعليه‌السلام قلع باب « خيبر » بالقدرة الغيبية، كما جاء في الحديث.

أو أنّ المسيحعليه‌السلام كان يقدر، بقدرة غيبية على منح الشفاء لمن استعصي علاجه، دون دواء، أو إجراء عملية جراحية.

والاعتقاد بمثل هذه القدرة الغيبية إن كان ينطوي على الاعتقاد بأنّها مستندة إلى الإذن الإلهي، وإلى القدرة المكتسبة منه سبحانه، فهي حينئذ لا تختلف عن القدرة المادية الظاهرية، بل هي كالقدرة المادية التي لا يستلزم الاعتقاد بها الشرك، لأنّ الله الذي أعطى القدرة المادية لذلك الفرد، هو الذي أعطى القدرة

٤٩٧

الغيبية لآخر، دون أن يعد المخلوق خالقاً، وأن يتصور استغناء أحد عن الله.

فلو قام أحد بمعالجة المرضى عن طريق السلطة الغيبية، فقد قام بأمر الله وإذنه ومشيئته، ومثل ذلك لا يعد شركاً، وتمييز السلطة المستندة إلى الله عن السلطة المستقلة هو حجر الأساس لامتياز الشرك عن التوحيد، وبذلك يظهر خطأ كثير ممّن لم يفرقوا بين السلطة الغيبية المستندة، والسلطة الغيبية غير المستندة.

وقالوا: لو أنّ أحداً طلب من أحد الصالحين ـ حيّاً كان أم ميتاً ـ شفاء علّته أو رد ضالّته، أو أداء دينه، فهذا ملازم لاعتقاد السلطة الغيبية في حق ذلك الصالح وإنّ له سلطة على الأنظمة الطبيعية، الحاكمة على الكون بحيث يكون قادراً على خرقها وتجاوزها، والاعتقاد بمثل هذه السلطة لغير الله عين الاعتقاد بالوهية ذلك المسؤول، وطلب الحاجة في هذا الحال يكون شركاً.

فلو طلب إنسان ظامئ الماء من خادمه فقد اتبع الأنظمة الطبيعية لتحقّق مطلبه، أمّا إذا طلب الماء من إمام أو نبيّ موارى تحت التراب، أو عائش في مكان ناء، فإنّ مثل هذا الطلب ملازم للاعتقاد بسلطة غيبية لهذا النبي، أو الإمام على نحو ما يكون لله سبحانه، ومثل هذا عين الاعتقاد بالوهية المسؤول !!

وممّن صرح بهذا الكلام الكاتب أبو الأعلى المودودي، إذ يقول :

صفوة القول إنّ التصور الذي لأجله يدعو الإنسان الإله، ويستغيثه، ويتضرّع إليه، هو ـ لا جرم ـ تصوّر كونه مالكاً للسلطة المهيمنة على قوانين الطبيعة وللقوى الخارجة عن دائرة نفوذ قوانين الطبيعة.(١)

__________________

(١) المصطلحات الأربعة: ١٧.

٤٩٨

وهذا الكلام صريح في أنّه جعل الاعتقاد بهذه السلطة المهيمنة ملاكاً للاعتقاد بالإلوهية، وقد صرّح بذلك في موضع آخر من كتابه حيث جعل ملاك الأمر في باب الإلوهية هو الاعتقاد بأنّ الموجود المسؤول قادر على أن ينفع أو يضر بشكل خارج عن إطار القوانين والسنن الطبيعية المألوفة، إذ قال :

فالذي يتخذ كائناً ما وليّاً له ونصيراً وكاشفاً عنه السوء، وقاضياً لحاجته، ومستجيباً لدعائه، وقادراً على أن ينفعه، كل ذلك بالمعاني الخارجة عن نطاق السنن الطبيعية، يكون السبب لاعتقاده ذلك ظنّه فيه أنّ له نوعاً من أنواع السلطة على نظام هذا العالم، وكذلك من يخاف أحداً ويتّقيه ويرى أنّ سخطه يجر عليه الضرر، ومرضاته تجلب له المنفعة لا يكون مصدر اعتقاده ذلك وعمله إلّا ما يكون في ذهنه من تصور أنّ له نوعاً من السلطة على هذا الكون، ثم إنّ الذي يدعو غير الله ويفزع إليه في حاجته بعد إيمانه بالله العلي الأعلى فلا يبعثه على ذلك إلّا اعتقاده فيه أنّه له شركاً في ناحية من نواحي السلطة الإلوهية(١) .

وصريح هذا الكلام هو التلازم بين القدرة على النفع والضرر، والاعتقاد بالسلطة الإلوهية، وإنّ كل قدرة على النفع والضرر من غير المجاري الطبيعية ينطوي على الإلوهية، بالملازمة.

وهذا جد عجيب من المودودي.

إذا مضافاً إلى أنّ الاعتقاد بالإلوهية لا يستلزم الاعتقاد بالسلطة في الطرف الآخر، بل يكفي الاعتقاد بكونه مالكاً للشفاعة والمغفرة كما كان عليه فريق من عرب الجاهلية، إذ كانوا يعتقدون في شأن أصنامهم بأنّها آلهتهم، لأنّها مالكة

__________________

(١) المصطلحات الأربعة: ٢٣، وفي موضع آخر صرح بهذا الاستلزام إذ قال في ص ٣٠: « انّ كلاّ من السلطة والالوهية تستلزم الأُخرى ».

٤٩٩

شفاعتهم ومغفرتهم، ومعلوم ـ جيداً ـ أنّ مالكية الشفاعة غير القول بوجود السلطة التي يراد منها: السلطة على عالم التكوين.

إنّ الاعتقاد بالسلطة الغيبية الخارجة عن إطار السنن الطبيعية لا يوجب الاعتقاد بالإلوهية.

إنّ السلطة على الكون بجميعه ـ فضلاً عن بعضه ـ إذا كانت بأقدار الله تعالى وبإذن منه ـ فهي بنفسها ـ لا تلازم الإلوهية، فكما أنّ الله أعطى لآحاد الناس قدرة محدودة في أُمورهم العادية، وفضل بعضهم على بعض في تلك القدرة، فكذلك لا مانع من أن يعطي لفرد أو أفراد من خيار عباده قدرة تامّة على جميع الكون، عادية أو غير عادية، وذلك بنفسه لا يستلزم الإلوهية، والذي يمكن أن يقع عليه الكلام هو البحث عن وجود تلك القدرة وانّه سبحانه هل أعطى ذلك أو لا ؟ والقرآن يصرح بذلك في عدة موارد، منها ما ورد في شأن يوسفعليه‌السلام :

١. يوسف عليه‌السلام والسلطة الغيبية

أمر يوسفعليه‌السلام إخوته بأن يأخذوا قميصه إلى أبيه ويلقوه على بصره ليرتد بصيراً، كما يقول القرآن الكريم في هذا الشأن :

( اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً ) (١) .

( فَلَمَّا أَنْ جَاءَ البَشِيرُ ألْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً ) (٢) .

إنّ ظاهر الآية يعطي أنّ رجوع البصر إلى يعقوب كان بإرادة يوسف، وأنّه لم يكن فعلاً مباشراً لله سبحانه، وإنّما فعل ما فعله يوسف بقدرة مكتسبة منه سبحانه.

__________________

(١) يوسف: ٩٣.

(٢) يوسف: ٩٦.

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749