سلسلة مجمع مصائب أهل البيت عليهم السلام الجزء ٢

سلسلة مجمع مصائب أهل البيت عليهم السلام21%

سلسلة مجمع مصائب أهل البيت عليهم السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 267

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 267 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 78835 / تحميل: 6037
الحجم الحجم الحجم
سلسلة مجمع مصائب أهل البيت عليهم السلام

سلسلة مجمع مصائب أهل البيت عليهم السلام الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

رسول الله: أفزعني خروجك إلى معسكر هذا الطاغي. فقال الحسينعليه‌السلام : اني خرجت أتفقد هذه التلاع والروابي، مخافة أن تكون مكمنا لهجوم الخيل يوم تحملون ويحملون.

ثم رجععليه‌السلام وهو قابض على يد نافع ويقول: هي هي والله وعد لا خلف فيه، ثم قال لنافع: ألا تسلك بين هذين الجبلين في جوف الليل، وتنجو بنفسك؟ فوقع نافع على قدميه يقبلهما وهو يقول: ثكلتني أمي، إن سيفي بألف، وفرسي مثله. فو الله الذي منَّ بك عليَّ لا فارقتك حتى يكلَّا عن فريٍ وجري.

ثم دخل الحسينعليه‌السلام خيمة زينبعليها‌السلام فوقف نافع بإزاء الخيمة ينتظر الحسينعليه‌السلام وجلس الحسينعليه‌السلام يحدث أخته زينب، فما لبثت أن اختنقت بعبرتها، وصاحت وا أخاه أشهد مصرعك، وأبتلي برعاية هذه المذاعير من النساء، والقوم كما تعلم ما هم عليه من الحقد القديم، يعز عليَّ مصرع هؤلاء الفتية من بني هاشم، والصفوة من أصحابك، ثم قالت أخي هل استعلمت أصحابك؟ فإني أخشى أن يسلموك عند الوثبة. فقال لها: والله لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلا الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنية دوني استيناس الطفل إلي محالب أمه. قال نافع: فلما سمعت هذا منه بكيت، وأتيت حبيب بن مظاهر وحكيت ما سمعت منه، ومن أخته زينب.

قال حبيب: والله لولا انتظار أمره لعاجلتهم بسيفي هذه الليلة. قال نافع: إني خلفته عند أخته، وأظن النساء أفقن وشاركنها في الحسرة فهل لك أن تجمع أصحابك وتواجهوهن بكلام يطيب قلوبهن؟

٤١

فقال حبيب ونادى: يا أصحاب الحمية وليوث الكريهة، فتطالعوا من مظاربهم كالأسود الضارية فقال لبني هاشم: ارجعوا إلى مضاربكم لا سهرت عيونكم، ثم التفت إلى أصحابه، وحكى لهم ما شاهده وسمعه نافع، فقالوا بأجمعهم: والله الذي منَّ علينا بهذا الموقف لولا انتظار أمره، لعاجلناهم بسيوفنا الساعة، فطب نفسا وقرّ عينا. فجزّاهم خيرا، وقال هلموا معي لنواجه النسوة، ونطيّب خاطرهن.

فجاء حبيب، ومعه أصحابه، وصاح: يا معشر حرائر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هذه صوارم فتيانكم آلوا ألا يغمدوها إلا في رقاب من يريد السوء فيكم، وهذه أسنة غلمانكم أقسموا أن لا يركزوها إلا في صدور من يفرق ناديكم.

فخرجت النساء إليهم ببكاء وعويل، وقلن أيها الطيبون حاموا عن بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحرائر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فضج القوم البكاء، حتى كأن الأرض تميد بهم(١) .

(مجردات)

يهل الشيم هذا محلكم

او للموزمه تذخر هممكم

مهي امناسبة يكرام منكم

تخلون بالذله حرمكم

ولسان حالهم:

(أبوذية)

يبن بيت العليه الوحي ينزال

عنك يا جدم يحسين ينزال

____________________

(١) - معالي السبطين ج١. ثمرات الأعواد ج١ ص١٩٠.

٤٢

ابلهفه ننتظر هل ليل ينزال

او نسجل ملحمه بالغاضريه

(أبوذية)

الحرب يحسين فرحتنه وعدنه

او ما نرجع اولا نخلف وعدنه

نضحي ارواحنه دونك وعدنه

رجه انحصل رضه حامي الحميه

أقول: أين كان هؤلاء الحماة عن بنات رسول الله عندما هجم القوم على المخيم وانتهبوا ما فيه، وسلبوا بنات رسول الله وأشعلوا النار في أخبيتهن؟ نعم كانوا مجزرين كالأضاحي مضرجين بدمائهم.

(نصاري)

گضوا حگ العليهم دون الخيام

او لا خلوا خوات احسين تنضام

لما طاحوا تفايض منهم الهام

او تهاووا مثل مهوى النجم من خر

نظرت إليهم زينب، فرأتهم جميعا صرعى على وجه الأرض. صرخت ونادت بلسان الحال:

(مجردات)

انخى واعتابكم يلحيود

يلبلمراجل جزتوا الحدود

بخيامنه صاحوا الفرهود

عتبي على مگطوع الزنود

چي يبگه فوگ الارض ممدود

ما ينتهض ويگوم مجهود

رگبته على ايفكها من الگيود

ياريت اخونه لينه ايعود

ويشوفنه ومتونه سود

***

وكريمةُ الحسينِ باسمِ زعيمِها

هتفتْ عشيةَ لا يُجيبُ زعيمُ

٤٣

هتكوا الحريمَ وأنت أمنعُ جانبا

بحميِّة فيها يُصانُ حريمُ

ترتاعُ من فَزَعِ العدوِّ يتيمةٌ

ويئِنُّ من أَلَمِ السياطِ يتيمُ

٤٤

المجلس السادس

القصيدة: للمرحوم الشيخ محمد بن حماد الحلي

توفي في أواخر القرن التاسع الهجري

ان يومَ الطفوفِ لم يُبقِ لي مِنْ

لذةِ العيشِ والرُقادِ نصيبا

يومَ سارتْ إلى الحسين بنو حر

بٍ بجيشٍ فَنازلوه الحروبا

وحمَوهُ عن الفرات فما ذا

قَ سِوى الموتِ دونَه مشروبا

في رجالٍ باعوا النفوسَ على اللهِ

فنالوا ببيعِها المرغوبا

لستُ أنساه حين أيقن بالمو

تِ دعاهمْ فقام فيهم خطيبا

ثم قال الحَقوا بأهاليكمُ إذ

ليس غيري أنا لهم مطلوبا

فأجابوا ما وَفَينا إنْ نحن

تركناك بالطفوف غريبا

حاش الله بل نواسيك أو يأ

خذَ كلٌ من المنون نصيبا

فبكى ثم قال جوزيتُم الخيرَ

فما كان سعيُكم أن يَخيبا

وغدا في يوم عاشورا

فأبدى طعنا وضربا مُصيبا

فكأني بصحبه حوله صر

عى لدى كربلا شبابا وشِيبا

فكأني أراه فردا وحيدا

ظامياً بينهم يُلاقي الكروبا

وكأني أراه إذ خرَّ مطعو

نا على حَرِّ وجهِه مكبوبا

فكأني بزينبٍ إذ رأتْه

عاريا داميَ الجبينِ تريبا

٤٥

ثم خرّتْ عليه تلثم فيه

وقد صار دمعُها مسكوبا

وتنادي يا أخي لو رأت عيـ

ـناكَ حالي رأيت أمرا عجيبا

يا أخي لا حَيِيْتُ بعدك هيهاتُ

حياتي من بعدِكم لن تطيبا

يا هلالا لما استتم كمالا

غاله خسفه فأبدى غروبا(١)

(مجردات)

يحسين عدمن ودعتني

ابيوم الرحت عني او عفتني

چا ليش خويه ضيَّعتني

والدهر عن الوطن شتني

والشمر عن جثّتك عتني

وسوطه ايتلوه فوگ متني

اويلي على البلوه البلتني

الغاضريه امنين اجتني

منِّ اخوتي واهلي احرمتني

او عمّت عل اعيوني او عمتني

السيدة زينب مع أخيها الحسين (عليهما‌السلام )

قال المفيد: قال علي بن الحسين (عليهما‌السلام ): إني جالس في تلك الليلة التي قتل أبي في صبيحتها وعندي عمتي تمرضني، إذ اعتزل أبي في خباء له، وعنده جون مولى أبي ذر الغفاري، وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول:

يا دهرُ اُفٍّ لك من خليلِ

كم لك بالإشراق والأصيلِ

من صاحبٍ وطالبٍ قتيلِ

والدهرُ لا يقنع بالبديل

وإنما الأمرُ إلى الجليلِ

وكلُّ حي سالكٌ سبيلي

____________________

(١) - أدب الطف ج٤، ص٣٠٩.

٤٦

فأعادها مرتين أو ثلاثا، حتى فهمتها، وعلمت ما أراد فخنقتني العبرة، فرددتها ولزمت السكوت، وعلمت أن البلاء قد نزل، وأما عمتي، فلما سمعتْ ما سمعتُ، فلم تملك نفسها، ان وثبت تجر ثوبها وهي حاسرة حتى انتهت إليه، وقالت وا ثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة اليوم ماتت أمي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن، يا خليفة الماضي، وثمال الباقي.

فنظر إليها الحسينعليه‌السلام : وقال لها: يا أخية لا يُذهبنَّ حلمك الشيطان، وترقرقت عيناه بالدموع، وقال: لو ترك القطا لنام، فقالت يا ويلتاه أفتغتصب نفسك اغتصابا فذلك أقرح لقلبي وأشد على نفسي ثم لطمت وجهها وأهوت إلى جيبها وشقته وخرت مغشيا عليها فقام إليها الحسينعليه‌السلام فصب على وجهها الماء وقال لها: يا أختاه اتقي الله وتعزي بالعزاء واعلمي أن أهل الأرض يموتون وأهل السماء لا يبقون وان كل شيء هالك إلا وجه الله تعالى الذي خلق الخلق بقدرته ويبعث الخلق ويعودون وهو فرد وحده. جدي خير مني وأبي خير مني وأمي خير مني وأخي خير مني ولي ولكل مسلم برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسوة فعزّاها بهذا ونحوه وقال لها: يا أختاه اني أقسمت عليك فابرِّي قسمي، لا تشقي عليَّ جيبا ولا تخمشي عليَّ وجها ولا تدعي عليَّ بالويل والثبور إذا أناهلكت، فلما سمعت زينبعليها‌السلام ذلك قالت يا أخي هذا كلام من أيقن بالقتل فقال: نعم يا أختاه، فقالت زينب، وا ثكلاه هذا الحسين ينعى إليَّ نفسه وبكت وبكى النسوة ولطمن الخدود وجعلت أم كلثوم تنادي: وا محمداه وا علياه وا إماماه وا أخاه وا حسيناه وا ضيعتاه بعدك يا أبا عبد الله.

٤٧

فقال لهن الحسينعليه‌السلام : يا أم كلثوم ويا زينب ويا فاطمة ويا رباب انظرن إذا أنا قتلت فلا تشققن علي جيبا ولا تخمشن علي وجها ولا تقلن هجرا(١) .

(نصاري)

يزينب هلَّةٍ هَلَّه بالأطفال

عگب عيناي انتي الهاذي العيال

يوم اهدعش حادي الضعن لو شال

غيرچ ما ابهلعيله ايتوزم

من سمعت وصيته احسين طاحت

او من عدها يويلي الروح راحت

گامت علوجه تلطم او صاحت

عسن وياك ياخذني المحتم

يخويه اشلون اشوفنك رميه

طريح او يكت دمك علوطيه

يبو السجاد گلي اشلون بيه

اشيصبرني اعله فگدك يا مشيم

تحاچي الليل زينب غدت بعويل

وعبرات الدمع وديان واتسيل

عسنَّك لا طلعلك صبح يا ليل

ونهارك مثل ليلك يصبح اظلم

يليل افراگهم هوِّن للوداع

فجرك لا يطر او يطلع ابساع

تره العيله ابصباحك تصبح اضياع

ويتشتت شملها الچان ملتم

***

هذه ليلةُ الوداعِ فقوموا

بعد لَبْسِ القلوبِ فوقَ الدروعِ

ودّعوا الطاهراتِ وابكوا عليها

وهي تبكيكمُ بحُمرِ الدموعِ

____________________

(١) - الإرشاد للمفيد. تظلم الزهراء. الدمعة الساكبة. مقتل الحسين لبحر العلوم.

٤٨

المجلس السابع

القصيدة: للشيخ محمد سعيد المنصوري

تشُبُّ بقلبيْ نارُ وجدي وتَضرِمُ

لذكراكَ يا ليلَ الوداعِ مُتيَّمُ

وهيهات أنْ أسلو مصائبَ كربلا

وتلك بَكاها قبلُ طه المكرَّمُ

فما زلتُ في بحرٍ من الحزنِ والشَجا

أعوم وطرفي بالكَرى لا يُهوَّم

مدى العمرِ لا أنسى عقيلةَ حيدرٍ

عشيةَ أمستْ والقضاءُ مخيِّم

تودِّع أهليها الكرامَ وتنثني

مع الليل من فرطِ الأسى تتكلم

تقول له يا ليلُ رفقا بحالِنا

فأنت بنا من شمسِ صبحِك أرحم

بربِّك لا تُبدِ الصباحَ فإنه

صباحٌ به جيشُ الضلالةِ يهجم

أَطِلْ لوداع الطاهراتِ حماتَها

فصبحُكَ فيه منهمُ يُهرَقُ الدم

أنا زينبُ الكبرى سليلةُ أحمدٍ

وهذا حسينٌ والزمانُ محرَّم

وهذي جيوشُ الظالمين تراكمت

علينا فهل فيما يريدون تعلم

يريدون قتلَ ابنِ النبيِّ وصحبَه

وإنك تدري من حسينٍ ومَن همُ

شكت همَّها للّيلِ والليلُ أخرسٌ

وزينبُ حيرى والفؤادُ مكلَّم

ومرّ عليها وقتُه وتصرَّمت

دقائقُه والصبحُ بالشرِّ مفعَم

ولاقت مصابا لو اُصيب ببعضِه

أشَمُّ الرواسي الشامخاتُ يُهدَّم

٤٩

لقد شاهدت قتلَ الحسينِ بعينها

وهل منه أدهى في الزمان وأعظم(١)

(مجردات)

گومن يسكنه او يا ام كلثوم

إنودْع اخوتي او لا ينفع اللوم

تدرونْهم خطار هليوم

او باچر يصير افراگنه دوم

او عگبكم علينه العسكر ايحوم

يساره نصير ابلوية الگوم

او مدري زماني اشظاملي اهموم

وكأني بزينبعليها‌السلام تخاطب اخوتها:

(مجردات)

لو رحتوا عنه يالنشامه

يهل المراجل والشهامه

ياهو اليباري هليتامه

وكأني بالجواب من اخوتها:

(مجردات)

بطلي البواچي او گومي الحين

جمعي ابها الخيمه النساوين

يتودعن ويه الميامين

وخلي النواعي وطول الحنين

بعد الطفوف او فجعة البين

الإمام الحسينعليه‌السلام يكشف عن مصائب يوم عاشوراء

عن الإمام علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام قال: قم إن أبي أرسل في

____________________

(١) - ديوان ميراث المنبر ص٣٢١ محمد سعيد المنصوري.

٥٠

تلك الليلة - ليلة عاشوراء - ولده علي الأكبر مع خمسين من أصحابه ما بين فارس وراجل وبعث معهم عدة قِرَب إلى الماء فجاءوا به بعد جهد شديد.

فقال الحسينعليه‌السلام لأصحابه: قوموا واشربوا من هذا الماء وتطهروا وغسلوا أثوابكم فإنها ستكون أكفانكم(١) .

وتنادبتْ للذبِّ عنه عُصبةٌ

ورِثوا المعالي أَشيبا وشبابا

من يَنتدبْهم للكريهة يَنتدبْ

منهم ضراغمةَ الأسودِ غضابا

خفُّوا لداعي الحربِ حينَ دعاهمُ

ورَسَوا بعرصةِ كربلاءَ هضابا

اُسدٌ قد اتخذوا الصوارمَ حِليةٌ

وتسربلوا حَلَقَ الدروعِ ثيابا

وجدوا الردى من دون آلِ محمدٍ

عَذْبا وبعدهمُ الحياةُ عذابا

قال الراوي: وبات الحسينعليه‌السلام وأصحابه وأهل بيته تلك الليلة ولهم دويٌّ كدويّ النحل ما بين قائم وقاعد وراكع وساجد(٢) .

سِمَةُ العبيدِ من الخشوعِ عليهمُ

لله إن ضمتْهمُ الأسحارُ

فإذا ترجلتِ الضحى شهدت لهم

بيضُ القواضبِ أنهم أحرار

قال الراوي: ولما كان وقت السحر من تلك الليلة خفق الحسينعليه‌السلام برأسه خفقة ثم استيقظ فقال لأصحابه:

رأيت كأن كلابا شدت علي تناهشني وفيها كلب أبقع أشد عليَّ، وأظن أن الذي يتولى قتلي رجل أبرص من بيض هؤلاء القوم.

____________________

(١) - نفس المهموم عباس القمي. مقتل الحسين ص٢٨٣ بحر العلوم.

(٢) - اللهوف ص٤٠ ابن طاووس.

٥١

أقول: لقد ذكر المؤرخون: أن ابن سعد لما صاح بأصحابه ويحكم انزلوا إليه - الحسينعليه‌السلام - فأريحوه، نزل إليه شمر بن ذي الجوشن فرفس الحسين برجله وألقاء على قفاه ثم أخذ بكريمته المقدسة.

فقال له الحسينعليه‌السلام أنت الكلب الأبقع الذي رأيته في منامي فغضب الشمر وقال له: أتشبهني بالكلاب؟ فجعل يضربه بالسيف والحسين يلوك لسانه من شدة العطش... فرمقه الحسين ببصره وقال له: أتقتلني أو لا تعلم من أنا؟ فقال الشمر: أعرفك حق المعرفة أمك فاطمة الزهراء وأبوك علي المرتضى وجدك محمد المصطفى وخصمي العلي الأعلى وأقتلك ولا أبالي. ولله در القائل:

وجاءت لشمرٍ زينبُ ابنةِ فاطمٍ

تُعنِّفُه عن أمرِه وتُعذِّلُ

تدافعُه بالكفِّ طورا وتارةً

إليه بطه جدِّها تتوسل

أيا شمرُ لا تعجلْ على ابنِ محمدٍ

فذو تِرةٍ في أمرِه ليس يَعجَل

أيا شمرُ مهما كنتَ في الناس جاهلا

فمثلُ حسينٍ لستَ يا شمرُ تجهل

أيا شمرُ هذا حجةُ اللهِ في الورى

أعِدْ نظرا يا شمر إن كنتَ تعقل

ومضى يَحُزُّ النحرَ غيرَ مراقبٍ

من الله لا يخشى ولا يتوجل

(نصاري)

گامت للشمر زينب تگلَّه

لعد هاي اليتامه احسين خلَّه

يظالم من تذبحه اشتِگل لله

ويصير اهناك خصمك جده الأعظم

يخايب شوف اصاويب البصدره

تسع ميه او ألف طعنه او طبره

٥٢

غير اللي تعده الخرز ظهره

شبچ فوگه او لعند الخرز فصَّم

دفع زينب او سل السيف بيده

او تربَّع فوگ صدره او حز وريده

گطع راسه او غدت ظلمه او رعيده

او خيل الگوم هجمت علمخيم

(أبوذية)

مرَّه اگطع طريج الصبر مرَّات

او شفت عگبك يخويه غصص مرات

مو مره صحت يحسين مرات

وانته ما ترد اجواب ليه

***

ونادت زينبُ منها بصوتٍ

يُصدِّعُ جانبَ الصخرِ الصليبِ

فديتُك لو تعاينُ ما اُلاقي

لعزَّ عليك ذُلِّي يا حبيبي

٥٣

المجلس الثامن

القصيدة: للسيد جواد بن السيد محمد الحسيني الأصفهاني الحائري

الشهير بالهندي ت ١٣٣٣ه

اُقاسي من الدهر الخؤونِ الدواهيا

ولم تَرنِ يوما من الدهر شاكيا

لمن اُظهرُ الشكوى ولم أرَ في الورى

صديقا يواسي او حميما محاميا

وإني لَإِنْ اُغضي الجفونَ على القذى

واُمسي وجيشُ الهمِّ يغزو فؤاديا

لأجدرُ من أنْ أشتكي الدهر ضارعاً

لقوم بهم يشتدُّ في القلب دائيا

واني من الأمجاد أبناءِ غالبٍ

سلالةِ فِهرٍ قد ورثتُ إبائيا

أباةُ أبوا للضيمِ تُلوى رقابُهم؟

وقد صافحوا بيضَ الضُبا والعواليا

غداة حسينٍ حاربتْه عبيدُه

وربَّ عبيدٍ قد أعقَّت مواليا

فناجزها حلفُ المنايا بفتيةٍ

كرامٍ يَعدُّون المنايا أمانيا

بحيثُ غدت بيضُ الظبا في أكُفِّهمْ

بقاني دمِ الأبطالِ حُمراً قوانيا

إلى أنْ ثووا صرعى ملبِّين داعيا

من الله في حر الهجير أضاحيا

وراح أخو الهيجا وقطبُ رجائِها

بأبيضَ ما في الحدِّ يلقى الأعاديا

وصال عليهمْ ثابتَ الجأشِ ظاميا

كما حال ليثٍ في البهائمِ ضاريا

وأورد في ماءِ الطُلى حدَّ سيفِه

وأحشاهُ من حرِّ الظَماءِ كما هيا

إلى أنْ رُمِيْ سهما فأضحى فؤادُه

ويا ليت ذاك السهمَ أصمى فؤاديا

٥٤

فخرَّ على وجهِ الصعيدِ لوجهِه

تريبَ المـُحيَّا للإلهِ مناجيا

وكادت له الأفلاكُ تهوي على الثرى

بأملاكِها إذ خرّ في الأرض هاويا

فلهفي عليه داميَ النحرِ قد ثوى

ثلاثَ ليالٍ في البسيطةِ عاريا(١)

(موشح)

احسين يوم الطاح مصيوب ابسهم

وگع ظامي او ما يشوف امن الألم

وگع يتگلب على حرِّ الثره

او محَّد امن الأهل عنده او ينظره

استخرج الذاك السهم من اظهره

والچبد وياه خرج ينزف الدم

عمت عيني اشلون صارت حالته

بالشمس طايح يعالج علته

والتراب الحار صار اوسادته

او توسدها يعالج للسهم

نوب يتگلب على حر التراب

او نوب يغشه اعليه من عظم الصواب

اولنه يسمع صوت عالي امن الاطناب

حرگوا العدوان يبن امي الخيم

من سمع صوت العقيلة اوديعته

راد ينهض بالمروَّه او غيرته

لاكن اصواباته كلهه بهضته

وما گدر ينهض تره راعي الشيم

يگصر الساني امن اسولف بالجره

ركب صدره او صار يگطع منحره

گطع راسه او عين زينب تنظره

صرخت او سبها الشمر ويلي او شتم

اغتسال الإمام الحسينعليه‌السلام ليلة عاشوراء

قال التستري في الخصائص: اغتسل الحسينعليه‌السلام ليلة عاشوراء بماء أتى به ولده علي الأكبر مع علمه بأنهم يضطرون إليه.

____________________

(١) - أدب الطف ج٨، ص٢٦٤.

٥٥

ثم تطهر يوم عاشوراء بطهور خاص وهو دم كبده فتوضأ منه بغسل الوجه، وذلك عندما أصيب بسهم مثلث محدد وقع في كبده الشريف فانتزعه من قفاه وانبعث الدم كالميزاب، وهذا السهم هو الذي أوقعه من على ظهر جواده إلى الأرض صريعا، فأخذ الإمامعليه‌السلام يخضب وجهه وليحته من دمه وهو يقول: هكذا أكون حتى ألقى الله تعالى وجدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا مخضب بدمي مغصوب علي حقي، ثم اغتسل غسل الترتيب بدمائه فغسل بها رأسه ثم بدنه ثم اغتسل غسل إرتماس وذلك عندما كان صريعا على الأرض تجري دماه من كل ناحية من جسده الشريف من كثرة الجراح ونزف الدماء.

تقول الرواة: إن الحسين لكثرة جراحاته ما رفع قدما إلا وامتلأ موضع قدمه دما.

(نصاري) (١)

مصايب يا خلگ تدمي العينين

احسين اغتسل يا ناس غسلين

إغتسل بالماي واصحابه الطيبين

او گال الهه استعدوا اليوم أعظم

او لمـَّن طاح اويلي على الغبره

والمثلث تعده الخرز ظهره

غسل بالدم لجل جده ينظره

وهو سابح يويلي ابّحر من دم

امصاب احسين ابد ما مثله امصاب

عزيز المصطفى امعفر بالاتراب

واخته اتنوح يمه ابدمع سچاب

واعليها يويلي اتراكم الهم

قال مسلم بن رياح مولى الحسينعليه‌السلام كنت مع الحسين يوم قتل فرمي

____________________

(١) - للمؤلف.

٥٦

في وجهه نشابة، (وا إماماه، وا سيداه، وا حسيناه)، فقال: يا مسلم أدنِ يديك من الدم فأدنيتهما فلما امتلأتا قال: اسكبه في يديَّ فنضح بهما إلى السماء وقال الهم أطلب بدم ابن بنت نبيك(١) .

(تخميس)

لم أنس زينبَ إذ وافتْه منعفرا

وعن اجابة من يدعوه معتذرا

فمذ رأت ضعنَها نحو الشِآمِ سرى

همت لتقضيَ من توديعِه وَطَرَا

وقد أبى سوطُ شمرٍ أنْ تودِعَهُ

(تخميس)

كم دافعتْه وضربُ السوطِ لوَّعَها

وللرحيلِ منادي القومِ أفزعها

فمِن بعيدٍ بلحظِ الطرفِ ودعها

ففارقتْه ولكن رأسُه معها

وغاب عنها ولكن قلبُها معه

____________________

(١) - مع الحسين في نهضته ص٢٨١.

٥٧

المجلس التاسع

القصيدة: للشيخ محمد سعيد المنصوري

صاح دهري ولم أكنْ بالجَزوعِ

قد رماني بكل خطب مَضيعِ

وسقاني كؤوسَ همٍّ وحزنٍ

سلبتْ راحتي واُحنتْ ظلوعي

ذا لكم حين صاح ليلا حسينٌ

يا بني هاشمٍ بصوت رفيع

هذه ليلةُ الوداعِ فقوموا

بعد لَبسِ القلوبِ فوقَ الدروع

ودعوا الطاهراتِ وابكوا عليها

وهي تبكيكمُ بحُمرِ الدموع

حرَّ قلبي لزينبِ الطهرِ لمـّا

أقبل الطاهرون للتوديع

رأت الأمَّ تلثم الابنَ شوقا

وكذا الابنُ ينحني بخضوع

يلثم الوالدَ الحنونَ فيحنو

فوقه من أسىً بقلبٍ وجيع

لست أسطيعُ وصفَ حالة سبطِ الـ

ـمصطفى صاحبِ المقامِ الرفيع

فهو طورا يرنوا العيال وطورا

يرسل الطرفَ نحوَ مهد الرضيع

حيث يدري بطفله سوف يُرمى

وعن الماء يرتوي بالنجيع(١)

(مجردات)

باچر تصير اشلون شدَّه

تتسلبن وحدةٍ وحده

يحچي او رفع طفله إبيَدَّه

ايگلها او هذا ابني المفدَّه

____________________

(١) - ديوان ميراث المنبر ص٢٢٤.

٥٨

اشيله او يسعر جمر چبده

ايذبحوه الماعدهم مودَّه

إيطوگوه بسهام او أرِدَّه

او وسط الخيم بس يظل مهده

او كلمن تشوفه امه تنشدَه

نايم أظن عبد الله بعده

اتنادي او گلبها ايفور وجده

عون اليشم ابنه ابخدَّه

(أبوذية)

مصايب كربله كلها يليله

او دموم التنسفك بيها يليله

ابظلامچ منّي اعلينه يليله

تره ابصبحچ تروح اهلي امن اديه

الإمامعليه‌السلام يخبر أصحابه وأهل بيته بمقتلهم

روي عن الإمام علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام أنه قال - ليلة عاشوراء - ثم إن أبي قال لأصحابه اني غدا أقتل وتقتلون كلكم ولا يبقى منكم احد إلا ولدي علي زين العابدين لأن الله لم يقطع نسله منه هو أبو أئمة ثمانية.

فقالوا بأجمعهم: الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك وشرفنا بالقتل معك أولا نرضى أن نكون معك في درجتك.

وقال له القاسم بن الحسن: وأنا فيمن يقتل يا عم؟

فأشفق عليه الحسينعليه‌السلام وقال: يا ابن أخي كيف تجد طعم الموت عندك؟

قال: يا عم أحلى من العسل.

فقال له الحسينعليه‌السلام : أي - والله - فداك عمك انك لأحد من يقتل معي

٥٩

بعد أن تبلو ببلاء عظيم.

ثم قال الحسينعليه‌السلام : وممن يقتل غدا ولدي الرضيع.

فقال القاسم: يا عم أيصل العدو إلى مخيمنا حتى يقتل الرضيع عند أمه؟

فقال الحسينعليه‌السلام : إذا اشتد بي العطش أجيء إلى باب الخيمة وأطلب طفلي وأجعل لساني في فمه فعند ذلك يجيء مع العدو سهم فيصيب رقبته فتفارق روحه الدنيا(١) .

(مجردات) (٢)

ليلة العاشر ليلة احزان

بمصباحها تچتل الشبان

وتتذبح النوبه الرضعان

واحسين يبگه اوحيد عطشان

مجروح نايم على التربان

ويشوف لوعتها النسوان

من تهجم اعليها العدوان

او تفزع المصرع عالي الشان

لن الشمر عد فخر عدنان

ايحز منحره الآية الرحمن

أحا على عينة الأعيان

مذبوح عاري او ماله اكفان

(وتلعب عليه الخيل ميدان)

وفي بعض الأخبار ان العباس بن علي (عليهما‌السلام ) قد بكى ليلة عاشوراء وهذا من العجائب فقيل له: ما يبكيك يا أبا الفضل؟ قال: إني لما دخلت خيمة النساء ورأيت الأطفال نائمين فقلت في نفسي: من لهؤلاء الأطفال في الليلة الآتية غذا قتلنا يوم غد؟

____________________

(١) - مقتل الحسينعليه‌السلام ص٢٨٢ بحر العلوم.

(٢) - للمؤلف.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

تاريخ بغداد للخطيب :

حدّثنا الحسن بن أحمد بن سليمان السراج ، حدّثنا عبد السلام بن صالح ، حدّثنا علي بن هاشم بن البريد ، عن أبيه ، عن أبي سعيد التميمي ، عن أبي ثابت مولى أبي ذر قال : ( دخلت على أم سلمة فرأيتها تبكي وتذكر علياً ، وقالت : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : علي مع الحق والحق مع علي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض يوم القيامة )(1) .

مجمع الزوائد :

( فإنّي سمعت : رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : علي مع الحق ، أو : الحق مع علي حيث كان. قال : من سمع ذلك؟ قال : قاله في بيت أم سلمة ، قال : فأرسل إلى أم سلمة فسألها ، فقالت : قد قاله رسول الله في بيتي ، فقال الرجل لسعد : ما كنت عندي قط ألوم منك الآن ، فقال ولم؟ قال : لو سمعت هذا من النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم أزل خادماً لعلي حتّى أموت )(2) .

( وعن أم سلمة أنّها كانت تقول : كان علي على الحق ، من اتّبعه اتّبع الحق ، ومن تركه ترك الحق ، عهد معهود قبل يومه هذا )(3) .

الإمامة والسياسة :

__________________

1 ـ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج 14 / 321 ، ونحوه في ترجمة الإمام علي بن أبي طالب tat من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج 3 / 119 ، والإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 tat / 73 ، وفرائد السمطين للحمويني ج 1 / 177 ، أرجح المطالب لعبيد الله الحنفي ص tat 598 ط لاهور.

2 ـ مجمع الزوائد 7 : 235.

3 ـ مجمع الزوائد 9 : 134.

٢٢١

( فدخل [ محمّد بن أبي بكر ] على أخته عائشة ، قال لها : أما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : علي مع الحق والحق مع علي )(1) .

ربيع الأبرار للزمخشري :

( استأذن أبو ثابت مولى علي على أم سلمة رضي الله عنها فقالت : مرحباً بك يا أبا ثابت ، أين طار قلبك حين طارت القلوب مطائرها؟ قال : تبع علي بن أبي طالب. قالت : وفقت والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : علي مع الحق والقرآن ، والحق والقرآن مع علي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض )(2) .

تفسير الرازي :

( وأمّا أنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يجهر بالتسمية فقد ثبت بالتواتر ، ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى ، والدليل عليه قوله عليه السلام : اللهم أدر الحق مع علي حيث دار )(3) .

مناقب ابن مردويه :

__________________

1 ـ الإمامة والسياسة : 73.

2 ـ ربيع الأبرار للزمخشري ، وبهذا اللفظ أخرجه الخوارزمي في ( المناقب ) من طريق tat الحافظ ابن مردويه ، والحموي في ( فرائد السمطين ) في الباب السابع والعشرين عن tat طريق الحافظين أبي بكر البيهقي والحاكم أبي عبد الله النيسابوري.

3 ـ تفسير الرازي 1 : 205 ، ومستدرك الحاكم 3 ص 125 ، جامع الترمذي 2 ص 213 ، tat كنز العمال 6 ص 157 ، نزل الأبرار 24 ، مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي 7 ص 35 ، tat وقال : رواه أبو يعلى ، ورجاله ثقات.

٢٢٢

( عن أبي ذر أنّه سئل عن اختلاف الناس فقال : عليك بكتاب الله والشيخ علي بن أبي طالب عليه السلام ، فإنّي سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : علي مع الحق والحق معه وعلى لسانه ، والحق يدور حيثما دار علي )(1) .

ولا عجب أن يكون الحقّ معه يدور حيثما دار ، وهو من وصفه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه بمنزلة رأسه من بدنه وأنّه كنفسه ، وأنّه معيار الحقّ ولو كان لوحده وكلّ الناس في صفّ آخر و

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( علي منّي بمنزلة رأسي من بدني )(2) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( والذي نفسي بيده لتقيمن الصلاة ، ولتؤتن الزكاة ، أو لأبعثن إليكم رجلاً منّي أو كنفسي فأخذ بيد علي فقال هو هذا )(3) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( يا عمار إذا رأيت علياً قد سلك وادياً ، وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع علي ، ودع الناس ، فإنّه لن يدلك على ردى ، ولن يخرجك من

__________________

1 ـ انظر : مناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه : 113 ـ 118.

2 ـ المناقب للخوارزمي ص 87 و 91 ط الحيدرية ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 92 حديث 135 و 136 ، الجامع الصغير للسيوطي ج 2 / 56 ط الميمنية ، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 30 ، الرياض النضرة للطبري ج 2 / 172 و214 ، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج 7 / 12 ط السعادة بمصر ، ذخائر العقبى للمحب الطبري ص 63.

3 ـ المستدرك على الصحيحين ج 2 / 120 ، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق ج 2 / 368 ح 867 ، مجمع الزوائد ج 9 / 163 ، الصواعق المحرقة ص 75 ط الميمنية ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 40 ، 285 ط اسلامبول ، كنز العمال ج 15 / 144 حديث 412 ط 2 ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 89 ط الحيدرية وص 32 ط بيروت ، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي ص 40 ط الحيدرية ، المناقب للخوارزمي الحنفي ص 81.

٢٢٣

هدى )(1) .

وفي رواية : ( يا عمار إذا رأيت علياً قد سلك وادياً ، يا عمار ، إنّ طاعة علي من طاعتي ، وطاعتي من طاعة الله عزّ وجلّ.

وفي رواية : ( يا عمار إذا رأيت علياً قد سلك وادياً ، من تقلّد سيفاً أعان به علياً على عدّوه ، قلّده الله يوم القيامة وشاحين من در ، ومن تقلّد سيفاً أعان به عدو علي عليه ، قلّده الله يوم القيامة وشاحين من نار ، فقال علقمة والأسود لأبي أيوب : يا هذا حسبك! حسبك رحمك الله! حسبك رحمك الله )(2) .

هذه كلمات عربية يفهمها كلّ من عرف العربية ، وهي عمن لا ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحي يوحى ، فلابدّ من أخذ كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله بجدّية وتدبّر ؛ لأنّه كلام مرشد الأمّة.

وقفة مع بعض العبارات في النصوص السابقة :

1 ـ قول عائشة : فأقبل عليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم غضباناً محمرّاً وجهه ، فقال : والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي وغيرهم إلّا خرج من الإيمان ، وإنّه مع الحق والحق معه.

2 ـ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أعيذك بالله أن تكوني منبحة كلاب الحوأب ).

3 ـ أترين يا حميراء أنّي لا أعرفك إن لأمتي منك يوماً مراً.

__________________

1 ـ ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق ج 3 / 170 ح 1208 ، المناقب للخوارزمي ص 57 وص 105 ح 110.

2 ـ تاريخ بغداد 13 / 186 ، كنز العمال 12 / 212 ، فرائد السمطين 1 / 178 ، مناقب الخوارزمي : 57 و 124 رواه ابن عساكرعن أبي صادق ، والخطيب البغدادي في البداية والنهاية : 7 / 307 ، وابن جرير في كنز العمال : 11 / 352.

٢٢٤

4 ـ أما أنّي قد أرى مكانه ولو فعلت لنفرتم عنه كما نفرت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران.

5 ـ شهادة أم سلمة وعمار وسعد و بمقام عليعليه‌السلام .

6 ـ ألا وأنّه ليس أحد أفقه في دين الله ، ولا أعلم بكتاب الله ، ولا أقرب من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فانفروا إلى أمير المؤمنين وسيّد المسلمين

7 ـ لو سمعت هذا من النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم أزل خادماً لعلي حتّى أموت.

8 ـ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : علي مع الحق.

علي مع القرآن.

علي نفسي.

علي بمنزلة رأسي من بدني.

يا عمار ، إذا رأيت علياً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع علي.

طاعة علي من طاعتي ، وطاعتي من طاعة الله

إذن ثبت أنّ علياًعليه‌السلام هو ممثل الحق ، وفرقته هي صاحبة الحق في كلّ عصر ، وقد بيّنا أنّ أتباعه من نصروه في الجمل وصفين والنهروان ، ومن وفى له في ذريته في كربلاء وغيرها ، ومن نهج نهجه ، وأخذ عنه ومنه ، وتمسّك بحبله عبر الخط الرسالي المستمر في ذرّيته الذين لا تخلو الأرض من حجّة منهم كي لا تبطل

٢٢٥

حجج الله وبيّناته :( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيم ) (1) .

__________________

1 ـ الأنفال : 47.

٢٢٦
٢٢٧

الدليل الثاني عشر : آية المباهلة

قوله تعالى :( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَة اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (1) .

المباهلة : مفاعلة من البهلة ، وهي : اللعنة ، ومأخذها من الإبهال ، وهو : الإهمال والتخلية ؛ لأن اللعن والطرد والإهمال من واد واحد ، ومعنى المباهلة أنّ يجتمعوا إذا اختلفوا ، فيقولوا بهلة الله على الظالم منّا )(2) .

بهل : أصل البهل كون الشيء غير مراعى ، والباهل البعير المخلى عن قيده أو عن سمة أو المخلّى ضرعها عن صرار. قالت امرأة : أتيتك باهلاً غير ذات صرار ، أي : أبحت لك جميع ما كنت أملكه لم استأثر بشيء دونه ، وأبهلت فلاناً خليته وإرادته تشبيهاً بالبعير الباهل.

والبهل والابتهال في الدعاء الاسترسال فيه والتضرّع ، نحو قوله عزّ وجلّ :( ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) ، ومن فسر الابتهال باللعن فلأجل أنّ الاسترسال في هذا المكان لأجل اللعن ، قال الشاعر : نظر الدهر إليهم فابتهل ، أي : استرسل فيهم فأفناهم )(3) .

__________________

1 ـ آل عمران (3) : 61

2 ـ الفائق في غريب الحديث 1 : 125.

3 ـ مفردات غريب القرآن : 63.

٢٢٨

قصّة المباهلة :

نصّ ماجاء في معرفة علوم الحديث للنيسابوري :

حدّثنا علي بن عبد الرحمن بن عيسى الدهقان بالكوفة ، قال : حدّثنا الحسين ابن الحكم الحبري ، قال : ثنا الحسن بن الحسين العرني ، قال ثنا حبّان بن علي العنزي ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وفي قوله عزّ وجلّ :( قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ) إلى قوله( الكاذبين ) نزلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى نفسه ، ونساءنا ونساءكم في فاطمة ، وأبناءنا وأبناءكم في حسن وحسين ، والدعاء على الكاذبين نزلت في العاقب والسيّد وعبد المسيح وأصحابهم.

قال الحاكم : وقد تواترت الأخبار في التفاسير عن عبد الله بن عباس وغيره أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ يوم المباهلة بيد علي وحسن وحسين ، وجعلوا فاطمة وراءهم ، ثمّ قال هؤلاء أبناءنا وأنفسنا ونساءنا ، فهلمّوا أنفسكم وأبناءكم ونساءكم ، ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين )(1) .

أحكام القرآن للجصّاص :

ونصّه مايلي : ( مطلب : في المباهلة وما رواه أصحاب السير في شأنها.

قوله تعالى( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) الاحتجاج المتقدّم لهذه الآية على النصارى في قولهم : إنّ المسيح هو ابن الله ، وهم وفد نجران ، وفيهم السيّد والعاقب قالا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل رأيت ولداً من غير ذكر؟ فأنزل الله تعالى( إن مثل عيسى عند الله

__________________

1 ـ معرفة علوم الحديث : 49.

٢٢٩

كمثل آدم ) ، روي ذلك عن ابن عباس والحسن وقتادة.

وقال قبل ذلك فيما حكي عن المسيح( ولأحلّ لكم بعض الذي حرم عليكم ) إلى قوله تعالى :( إنّ الله ربي وربكم فاعبدوه ) ، وهذا موجود في الإنجيل ؛ لأنّ فيه : ( إنّي ذاهب إلى أبي وأبيكم ، وإلهي وإلهكم ). والأب السيّد في تلك اللغة ألا تراه قال : ( وأبي وأبيكم ) فعلمت أنّه لم يرد به الأبوّة المقتضية للبنوّة فلمّا قامت الحجّة عليهم بما عرفوه واعترفوا به وأبطل شبهتهم في قولهم : إنّه ولد من غير ذكر بأمر آدم عليه السلام ، دعاهم حينئذ إلى المباهلة ، فقال تعالى :( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) الآية ، فنقل رواة السير ونقلة الأثر لم يختلفوا فيه : ( أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ بيد الحسن والحسين وعلي وفاطمة رضي الله عنهم ، ثمّ دعا النصارى الذين حاجّوه إلى المباهلة ، فأحجموا عنها ، وقال بعضهم لبعض : ( إن باهلتموه اضطرم الوادي عليكم ناراً ، ولم يبق نصراني ولا نصرانية إلى يوم القيامة ).

وفي هذه الآيات دحض شبه النصارى في أنّه إله أو ابن الإله ، وفيه دلالة على صحّة نبوّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لولا أنّهم عرفوا يقيناً أنّه نبي ما الذي كان يمنعهم من المباهلة؟ فلمّا أحجموا وامتنعوا عنها دلّ أنّهم قد كانوا عرفوا صحّة نبوّته بالدلائل المعجزات ، وبما وجدوا من نعته في كتب الأنبياء المتقدّمين.

وفيه الدلالة على أنّ الحسن والحسين ابنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأنه أخذ بيد الحسن والحسين حين أراد حضور المباهلة وقال :( تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) ولم يكن هناك للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بنون غيرهما ، وقد

٢٣٠

روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال للحسن رضي الله عنه : ( إن ابني هذا سيّد ). وقال حين بال عليه أحدهما وهو صغير : ( لا تزرموا ابني ). وهما من ذريته أيضاً ، كما جعل الله تعالى عيسى من ذرية إبراهيم عليهما السلام بقوله تعالى :( ومن ذريته داود وسليمان ) إلى قوله تعالى :( وزكريا ويحيى وعيسى ) وإنما نسبته إليه من جهة أمّه ؛ لأنه لا أب له.

مطلب : في أنّ ولد البنت هل ينسب إلى قوم أبيه أو قوم أمّه.

ومن الناس من يقول : إنّ هذا مخصوص في الحسن والحسين رضي الله عنهما أنّ يسمّيا ابني النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم دون غيرهما ، وقد روي في ذلك خبر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يدلّ على خصوص إطلاق اسم ذلك فيهما دون غيرهما من الناس ؛ لأنه روي عنه أنّه قال : ( كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلّا سببي ونسبي ). وقال محمّد فيمن أوصى لولد فلان ولم يكن له ولد لصلبه وله ولد ابن وولد ابنة : ( إنّ الوصيّة لولد الابن دون ولد الابنة ). وقد روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنّ ولد الابنة يدخلون فيه. وهذا يدّل على أنّ قوله تعالى وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك مخصوص به الحسن والحسين في جواز نسبتهما على الإطلاق إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم دون غيره من الناس لما ورد فيه من الأثر ، وأنّ غيرهما من الناس إنّما ينسبون إلى الآباء وقومهم دون قوم الأم ، ألا ترى أنّ الهاشمي إذا استولد جارية رومية أو حبشية أنّ ابنه يكون هاشمياً منسوباً إلى قوم أبيه دون أمّه ، وكذلك قال الشاعر :

بنونا بنو أبنائنا ، وبناتنا

بنوهن أبناء الرجال الأباعد

فنسبة الحسن والحسين رضي الله عنهما إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالبنوة

٢٣١

على الإطلاق مخصوص بهما لا يدخل فيه غيرهما ، هذا هو الظاهر المتعارف من كلام الناس فيمن سواهما )(1) .

شواهد التنزيل :

ونصّه ما يلي : ( قوله عزّ اسمه :( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) .

حدّثني الحاكم الوالد رحمه الله ، عن أبي حفص بن شاهين في تفسيره ، [ عن ] موسى بن القاسم ، [ عن ] محمّد بن إبراهيم بن هاشم ، قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثني أبو عبد الله محمّد بن عمر بن واقد الأسلمي ، عن عتبة بن جبيرة ، عن حصين بن عبد الرحمن عن عمرو بن سعد بن معاذ قال قدم وفد نجران العاقب والسيد فقالا : يا محمّد إنك تذكر صاحبنا؟ فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : ومن صاحبكم؟ قالوا : عيسى بن مريم. فقال النبي : هو عبد الله ورسوله. قالا : فأرنا فيمن خلق الله مثله وفيما رأيت وسمعت. فأعرض النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) عنهما يومئذ ونزل [ عليه ] جبرئيل [ بقوله تعالى ] :( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ) (2) الآية.

فعادا وقالا : يا محمّد هل سمعت بمثل صاحبنا قط؟ قال : نعم. قالا : من هو؟ قال : آدم ، ثمّ قرأ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) :( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ) الآية. قالا : فإنّه ليس كما تقول. فقال لهم رسول الله [ صلّى

__________________

1 ـ أحكام القرآن 2 : 18.

2 ـ آل عمران (3) : 59.

٢٣٢

الله عليه وآله وسلم ] :( تعالوا ندع ابناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ) الآية ، فأخذ رسول الله بيد علي ومعه فاطمة وحسن وحسين [ و ] قال : هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا. فهمّا أنّ يفعلا ، ثمّ إنّ السيّد قال للعاقب : ما تصنع بملاعنته؟ لئن كان كاذباً ما تصنع بملاعنته ، ولئن كان صادقاً لنهلكن!! فصالحوه على الجزية ، فقال النبي [صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] يومئذ : والذي نفسي بيده لو لاعنوني ما حال الحول وبحضرتهم منهم أحد )(1) .

فتح الباري :

( ووقع في رواية عامر بن سعد بن أبي وقاص عند مسلم والترمذي قال قال معاوية لسعد : ما منعك ان تسب أبا تراب؟ قال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فلن أسبّه ، فذكر هذا الحديث [ حديث المنزلة ] وقوله : لأعطين الراية رجلاً يحبّه الله ورسوله ، وقوله لما نزلت :( فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ) دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين فقال : اللهم هؤلاء أهلي )(2) .

تفسير ابن كثير :

( قال : ( والذي بعثني بالحق لقد أتوني المرّة الأولى وإنّ إبليس لمعهم ) ، ثمّ سألهم وسألوه ، فلم تزل به وبهم المسألة حتّى قالوا له : ما تقول في عيسى فإنا نرجع إلى قومنا ونحن نصارى يسرّنا إن كنت نبيّا أنّ نسمع ما تقول فيه؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ( ما عندي فيه شيء يومي هذا ، فأقيموا حتّى

__________________

1 ـ شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت 1 : 155.

2 ـ فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني 7 : 60.

٢٣٣

أخبركم بما يقول لي ربّي في عيسى ).

فأصبح الغد وقد أنزل الله هذه الآية :( إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم ـ إلى قوله ـ الكاذبين ) فأبوا أنّ يقرّوا بذلك.

فلمّا أصبح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم الغد بعد ما أخبرهم الخبر أقبل مشتملاً على الحسن والحسين في خميل له وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة وله يومئذ عدّة نسوة ، فقال شرحبيل لصاحبيه : لقد علمتما أنّ الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يردوا ولم يصدروا إلّا عن رأيي ، وإنّي والله أرى أمراً ثقيلا ، والله لئن كان هذا الرجل مبعوثاً فكنّا أوّل العرب طعناً في عينيه وردّاً عليه أمره لا يذهب لنا من صدره ولا من صدور أصحابه حتّى يصيبنا بجائحة وأنا لأدنى العرب منهما جواراً ، ولئن كان هذا الرجل نبيّاً مرسلاً فلاعنّاه لا يبقى منّا على وجه الأرض شعر ولا ظفر إلّا هلك ، فقال صاحباه : فما الرأي يا أبا مريم؟ فقال : أرى أنّ أحكمه فإنّي أرى رجلاً لا يحكم شططاً أبداً ، فقالا له : أنت وذاك.

قال : فتلّقى شرحبيل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له : إنّي قد رأيت خيراً من ملاعنتك فقال : ( وما هو )؟ فقال : حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح فمهما حكمت فينا فهو جائز ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ( لعلّ وراءك أحداً يثرب عليك )؟ فقال شرحبيل : سل صاحبي ، فسألهما فقالا : ما يرد الوادي ولا يصدر إلّا عن رأي شرحبيل ، فرجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يلاعنهم حتّى إذا كان من الغد أتوه فكتب لهم هذا الكتاب.

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما كتب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لنجران ـ إن كان عليهم حكمه ـ في كلّ ثمرة وكلّ صفراء وبيضاء وسوداء ورقيق فاضل

٢٣٤

عليهم وترك ذلك كلّه لهم على ألفي حلّة ، في كلّ رجب ألف حلّة ، وفي كلّ صفر ألف حلة. وذكر تمام الشروط وبقية السياق.

والغرض أنّ وفودهم كان في سنة تسع لأنّ الزهري قال : كان أهل نجران أوّل من أدّى الجزية إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وآية الجزية إنّما أنزلت بعد الفتح وهي قوله تعالى :( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) الآية.

وقال أبو بكر بن مردويه : حدّثنا سليمان بن أحمد ، حدّثنا أحمد بن داود المكي ، حدّثنا بشر بن مهران ، حدّثنا محمّد بن دينار ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن جابر قال : قدم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم العاقب والطيّب فدعاهما إلى الملاعنة ، فواعداه على أنّ يلاعناه الغداة. قال : فغدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين ، ثمّ أرسل إليهما فأبيا أنّ يجيبا ، وأقرّا له بالخراج. قال : فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( والذي بعثني بالحق لو قالا : لا ، لأمطر عليهم الوادي ناراً ).

قال جابر : وفيهم نزلت( ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) قال جابر( أنفسنا وأنفسكم ) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلي بن أبي طالب ،( وأبناءنا ) الحسن والحسين( ونساءنا ) فاطمة.

وهكذا رواه الحاكم في مستدركه ، عن علي بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن الأزهري ، عن علي بن حجر ، عن علي بن مسهر ، عن داود بن أبي هند به بمعناه. ثمّ قال : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه هكذا )(1) .

__________________

1 ـ تفسير القرآن العظيم 1 : 379.

٢٣٥

جامع البيان ، الطبري :

عن قتادة في قوله :( فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) قال : بلغنا أنّ نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج ليلاً عن أهل نجران ، فلمّا رأوه خرج ، هابوا وفرقوا ، فرجعوا. قال معمر ، قال قتادة : لما أراد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أهل نجران أخذ بيد حسن وحسين وقال لفاطمة : ( اتّبعينا ) ، فلمّا رأى ذلك أعداء الله رجعوا.

حدّثنا الحسن بن يحيى ، قال : ( أخبرنا ) عبد الرزاق ، قال : ( أخبرنا ) معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لو خرج الذين يباهلون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لرجعوا لا يجدون أهلاً ولا مالاً.

حدّثنا أبو كريب ، قال : ثنا زكريا ، عن عدّي قال : ثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مثله.

حدّثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( والذي نفسي بيده لو لاعنوني ما حال الحول وبحضرتهم منهم أحد إلّا أهلك الله الكاذبين ).

حدّثني يونس ، قال : ( أخبرنا ) ابن وهب ، قال : ثنا ابن زيد ، قال : قيل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو لاعنت القوم بمن كنت تأتي حين قلت( أبناءنا وأبناءكم ) ؟ قال : ( حسن وحسين ).

حدّثني محمّد بن سنان ، قال : ثنا أبو بكر الحنفي ، قال : ثنا المنذر بن ثعلبة ، قال : ثنا علباء بن أحمر اليشكري ، قال : لما نزلت هذه الآية :( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ) الآية ، أرسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين ، ودعا اليهود ليلاعنهم فقال شاب من اليهود :

٢٣٦

ويحكم أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير؟ لا تلاعنوا! فانتهوا )(1) .

صحيح مسلم :

( ولما نزلت هذه الآية( فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ) دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال اللهم هؤلاء أهلي )(2) .

وقفة مع شاهد في كلامهم يجب الالتفات إليه :

1 ـ عبارة : ( الدلالة على أنّ الحسن والحسين ابنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأنه أخذ بيد الحسن والحسين حين أراد حضور المباهلة وقال تعالوا : ندع أبناءنا وأبناءكم ، ولم يكن هناك للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بنون غيرهما ).

2 ـ عبارة : ( وقد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال للحسن رضي الله عنه : إنّ ابني هذا سيّد وقال حين بال عليه أحدهما وهو صغير : لا تزرموا ابني. وهما من ذريته أيضاً كما جعل الله تعالى عيسى من ذرية إبراهيم عليهما السلام ).

3 ـ قال معاوية لسعد : ما منعك ان تسبّ أبا تراب؟ قال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فلن أسبّه ( معاوية يأمر بسبّ علي ، وعليك التعليق ).

4 ـ( أنفسنا وأنفسكم ) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلي بن أبي

__________________

1 ـ جامع البيان عن تأويل آي القرآن لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري3 : 409.

2 ـ صحيح مسلم 7 : 120 ، باب فضائل عليعليه‌السلام ، مسند أحمد 1 : 185 ، مسند أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص.

٢٣٧

طالب( وأبناءنا ) الحسن والحسين( ونساءنا ) فاطمة.

5 ـ فقال اللهم هؤلاء أهلي.

6 ـ عبارة : ( وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة وله يومئذ عدّة نسوة ).

7 ـ لو لم يكن من دليل إلّا احتجاج أمير المؤمنينعليه‌السلام في الشورى على الحاضرين بجملة من فضائله ومناقبه ، فكان من احتجاجه آية المباهلة ، وهذه القصّة مشهورة ، وكلّهم أقروا بما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام وصدقوه في ما قال ، وهذا الاحتجاج في الشورى مروي من طرق السنة أنفسهم ، كما في الصواعق المحرقة لابن حجر : ( أخرج الدارقطني ان علياً يوم الشورى احتجّ على أهلها ، فقال لهم : أنشدكم بالله ، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الرحم منّي ، ومن جعلهصلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه وأبناءه أبناءه ونساءه نساءه غيري؟ قالوا : اللهم لا )(1) .

وكذلك هناك روايات كثيرة في احتجاج أبناء الإمام عليعليه‌السلام ، ومن ذلك ما روي أنّ المأمون العباسي سأل الإمام الرضاعليه‌السلام بقوله : هل لك دليل من القرآن الكريم على إمامة علي ، أو أفضلية علي؟ فذكرله الإمامعليه‌السلام آية المباهلة ، واستدل بكلمة :( وأنفسنا ) ، كما جاء في الفصول المختارة للشيخ المفيد ما هذا نصّه.

وحدّثني الشيخ أدام الله عزّه أيضاً قال : قال المأمون يوماً للرضا عليه السلام : أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام يدلّ عليها القرآن قال : فقال له الرضا عليه السلام : فضيلته في المباهلة ، قال الله جلّ جلاله :( فمن حاجّك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا

__________________

1 ـ الصواعق المحرقة 2 : 454 ، الباب الحادي عشر ، الآية التاسعة.

٢٣٨

ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذببن ) ، فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحسن والحسين عليهما السلام فكانا ابنيه ، ودعا فاطمة عليها السلام فكانت في هذا الموضع نساءه ، ودعا أمير المؤمنين عليه السلام فكان نفسه بحكم الله عزوجل ، وقد ثبت أنّه ليس أحد من خلق الله سبحانه أجل من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأفضل فوجب أنّ لا يكون أحد أفضل من نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحكم الله عزّ وجلّ.

قال : فقال له المأمون : أليس قد ذكر الله الأبناء بلفظ الجمع وإنّما دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ابنيه خاصّة ، وذكر النساء بلفظ الجمع وإنّما دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ابنته وحدها ، فلم لا جاز أنّ يذكر الدعاء لمن هو نفسه ويكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره فلا يكون لأمير المؤمنين عليه السلام ما ذكرت من الفضل؟ قال : فقال له الرضا عليه السلام : ليس بصحيح ما ذكرت يا أمير المؤمنين ؛ وذلك أنّ الداعي إنّما يكون داعياً لغيره ، كما يكون الآمرآمراً لغيره ، ولا يصح أنّ يكون داعياً لنفسه في الحقيقة ، كما لا يكون آمراً لها في الحقيقة ، وإذا لم يدع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجلاً في المباهلة إلّا أمير المؤمنين عليه السلام ، فقد ثبت أنّه نفسه التي عناها الله تعالى في كتابه ، وجعل حكمه ذلك في تنزيله. قال : فقال المأمون : إذا ورد الجواب سقط السؤال )(1) .

8 ـ اعتراف ابن تيمية ـ الذي من طبيعته تكذيب فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ـ بعدم خروج أحد مع رسول الله صلى الله عليه وآله في قضية المباهلة غير هؤلاء

__________________

1 ـ عن الفصول المختارة للشيخ المفيد : 38.

٢٣٩

الأربعة إلّا أنّه يقول بأن عادة العرب في المباهلة كانت أنّ يخرجوا الأقرب نسباً وإن لم يكن ذا فضيلة ، وإن لم يكن ذا تقوى ، وإن لم يكن ذا منزلة خاصّة أو مرتبة عند الله سبحانه وتعالى. لكنه يعترض على نفسه ويقول : إن كان كذلك ، فلم لم يخرج العباس عمه معه ، والعباس أقرب إلى رسول الله من علي؟ ويقول في الجواب على نفسه : بأنّ العباس لم يكن في تلك المرتبة لأن يحضر مثل هذه القضية ، فلذا يكون لعلي في هذه القضية نوع فضيلة(1) .

ونجيبه على قوله : إنّ العرب تأخذ الأقرب في المباهلة بقولنا :

أوّلاً : أنّ الرسول هو القدوة الحسنة لكلّ مسلم ، وكلامه وفعله ليس عن الهوى ، ولا يقلّد العرب ، ولا غيرهم في شيء ، وأنّ كلامه وأفعاله ما هي إلّا وحي يوحى.

ثانياً : أنّ العباس ( رضي الله عنه ) هو أقرب من عليعليه‌السلام ، إذ بالإجماع أنّ العم أقرب من ابن العم ، فلِمَ لم يأخذ إلّا عليعليه‌السلام ؟ وقد اعترف بذلك بنفسه.

ثالثاً : أنّ الإمام عليعليه‌السلام له فضائل ودلائل غير آية المباهلة تدلّ على أولويته بالخلافة ، بل ثبت وجوب اتّباعه من الصحاح والمسانيد والتفاسير السنية المعتبرة ، مضافاً إلى اجماع الشيعة.

رابعاً : يعترض ابن تيمية بقوله : ( لم تكن الفضيلة هذه لعلي فقط ، وإنّما كانت لفاطمة والحسنين أيضاً ، إذن ، لم تختص هذه الفضيلة بعلي ).

نقول : إنّ البحث لم يكن في تفضيل علي على فاطمة والحسنين عليهم

__________________

1 ـ منهاج السنّة 7 : 122 ـ 130.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267