سلسلة مجمع مصائب أهل البيت عليهم السلام الجزء ٤

سلسلة مجمع مصائب أهل البيت عليهم السلام13%

سلسلة مجمع مصائب أهل البيت عليهم السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 122662 / تحميل: 7979
الحجم الحجم الحجم
سلسلة مجمع مصائب أهل البيت عليهم السلام

سلسلة مجمع مصائب أهل البيت عليهم السلام الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

وأقول :

لا تنفعهم الاصطلاحات الصرفة ، وأنّ الخلق غير الفعل ـ كما سبق(١) ـ.

ولو سلّم ، فالمصنّف يلزمهم بأنّه إذا كان الله تعالى خالقا للقبائح كالظلم والعبث ، فقد جاز أن تكون مخلوقاته كلّها منها ، فلا يكون في الكون إلّا ما هو من جنس العبث والظلم واللواط والزنا والقيادة والفساد في الأرض ونحوها ، فإذا جاز ذلك عندهم ، فقد جوّزوا أن يكون الله سبحانه عابثا ظالما ، إذ لا شكّ لكلّ عاقل أنّ من تكون مخلوقاته هكذا لا غير ، يكون عابثا ظالما ؛ تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

وقوله : « لا قبيح بالنسبة إليه » ؛ قد عرفت أنّه باللغو أشبه(٢) .

وأمّا ما زعمه من أنّ خالق الصفة غير المتّصف بها

ففيه : إنّه عليه لا يصحّ وصف الله تعالى بالصفات الفعلية ، فلا يقال له : هاد ورحمن ورازق ؛ لأنّ الهداية والرحمة والرزق مخلوقة له ، ولا محيي ولا مميت ولا معزّ ولا مذلّ إلى غير ذلك.

فالحقّ أنّ الصفات منها ما يكون التلبّس بمبدئها باعتبار إيجاده ، كالظالم والعابث والأبيض والهادي والمحيي والضارب ، ونحوها.

ومنها : ما يكون التلبّس به باعتبار قيامه وحلوله بالموصوف ،

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٩ من هذا الجزء.

(٢) انظر ردّ الفضل في الصفحة ٧ وردّ الشيخ المظفّر1 عليه في الصفحة ٩ من هذا الجزء ، وانظر كذلك ردّ الشيخ المظفّر في ج ٢ / ٢٦١ وما بعدها.

٢٢١

كالحيّ والميّت والأبيض والأسود ، ونحوها.

ومنها : غير ذلك كما سبق بيانه(١) .

فحينئذ لا وجه لنقض الخصم بالأسود في محلّ الكلام ، من نحو الظالم والعابث واللاعب ، كما لا ريب في صدق هذه المشتقّات على من أوجد مبادئها ، وهي الظلم والعبث واللعب ، لا سيّما إذا اختصّت مصنوعاته بهذه المبادئ.

وأمّا ما أورده من النقض بخلق الخنزير ونحوه ، بدعوى أنّها قبائح ، فقد مرّ أنّها لم تخلق إلّا لحكم ومصالح فيها ، فلا توصف بالقبح واقعا وإن وصفت به تسامحا وببعض الجهات(٢)

على أنّ القبح المتنازع فيه هو القبح في الأفعال ، وهو المعنى الثالث الذي ذكره(٣) ، والقبح في الأعيان لا يكون إلّا بالمعنى الثاني ، وهو معنى الملاءمة والمنافرة الذي ليس هو محلّا للنزاع باعترافهم.

* * *

__________________

(١) انظر ج ٢ / ٢٣٣.

(٢) انظر الصفحة ٢٦ من هذا الجزء.

(٣) راجع ردّ الفضل في ج ٢ / ٣٢٧.

٢٢٢

قال المصنّف ـ عطّر الله ضريحه ـ(١) :

ومنها : إنّه يلزم إلحاق الله تعالى بالسفهاء والجهّال ، تعالى الله عن ذلك ؛ لأنّ من جملة أفعال العباد الشرك بالله تعالى ، ووصفه بالأضداد والأنداد والأولاد ، وشتمه وسبّه.

فلو كان الله تعالى فاعلا لأفعال العباد ، لكان فاعلا للأفعال كلّها ولكلّ هذه الأمور ، وذلك يبطل حكمته ؛ لأنّ الحكيم لا يشتم نفسه ، وفي نفي الحكمة إلحاقه بالسفهاء ، نعوذ بالله من هذه المقالات الرديّة.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٦.

٢٢٣

وقال الفضل(١) :

ونحن نقول : نعوذ بالله من هذه المقالة المزخرفة الباطلة ، وهذا شيء نشأ له لعدم الفرق بين الخالق والفاعل ، فإنّ الله يخلق الأشياء ، فالسبّ والشتم له ـ وإن كانا مخلوقين لله تعالى ـ فبما فعل العبد ، والمذمّة للفعل لا للخلق ، فلا يلزم كونه شاتما لنفسه.

وخلق هذه الأفعال ليس سفها حتّى يلزم إلحاقه تعالى بالسفهاء ، نعوذ بالله من هذا ؛ لأنّ الله تعالى قدّر في الأزل شقاوة الشاتم له ، والسابّ له ، وأراد إدخاله النار ، فيخلق فيه هذه الأفعال ، لتحصل الغاية التي هي دخول الشاتم النار ، فأيّ سفه في هذا؟!

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٧٢.

٢٢٤

وأقول :

لو سلّم أنّ الخالق غير الفاعل فلا يرتفع السفه ؛ لأنّه إنّما ينشأ من إيجاد الشخص سبّ نفسه وما ينقصه ، سواء سمّي خلقا أم فعلا ، فإنّ مجرّد الاصطلاح لا يدفع المحذور.

ولكنّ هذا ليس بأعظم من قوله بإرادة الله سبحانه إدخال عبده النار ، فيتسبّب إليه بجعله محلّا لسبّه وسائر القبائح ، مع عجزه عن الدفع لتحصل الغاية ، وهي تعذيب عبده الضعيف الأسير بأشدّ العذاب!

والحال أنّه لا حاجة إلى هذا التسبّب المستهجن ؛ لأنّه يصحّ عندهم أن يعذّب عبده ابتداء وبلا سبب ، فما أعجب أقوال هؤلاء وما أقبحها وما أجرأهم على الله العظيم!

* * *

٢٢٥

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

ومنها : إنّه يلزم مخالفة الضرورة ؛ لأنّه لو جاز أن يخلق الزنا واللواط ، لجاز أن يبعث رسولا هذا دينه.

ولو جاز ذلك لجوّزنا أن يكون في ما سلف من الأنبياء من لم يبعث إلّا للدعوة إلى السرقة ، والزنا ، واللواط ، وكلّ القبائح ، ومدح الشيطان وعبادته ، والاستخفاف بالله تعالى ، والشتم له ، وسبّ رسوله ، وعقوق الوالدين ، وذمّ المحسن ، ومدح المسيء.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٦.

٢٢٦

وقال الفضل(١) :

لو أراد من نفي جواز بعثه الرسول بهذه الأشياء الوجوب على الله تعالى ، فنحن نمنعه ؛ لأنّه لا يجب على الله شيء.

وإن أراد بنفي هذا الجواز الامتناع عقلا ، فهو لا يمتنع عقلا.

وإن أراد الوقوع ، فنحن نمنع هذا ؛ لأنّ العلم العادي يفيدنا عدم وقوع هذا ، فهو محال عادة ، والتجويز العقلي لا يوجب وقوع هذه الأشياء كما عرفته مرارا(٢) .

ثمّ إنّه صدّر كلامه بلزوم مخالفة الضرورة ، وأيّ مخالفة للضرورة في هذا المبحث؟!

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٧٤.

(٢) انظر الصفحات ٧ و ٦٥ و ٩٩ من هذا الجزء.

٢٢٧

وأقول :

يمكن اختيار الشقّ الأوّل ؛ لأنّ الله سبحانه أوجب على نفسه الهدى وقصد السبيل حيث قال :( إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى ) (١) ( وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) (٢) .

ولا ريب أنّ إرسال الرسول بتلك الفواحش والقبائح وقطع السبيل ، مناف للهدى وقصد السبيل.

ويمكن اختيار الشقّ الثاني ؛ لحكم العقل(٣) بامتناع أن يبعث الله تعالى رسولا بهذا الدين ؛ لأنّه من أظهر منافيات الحكمة وأعظم النقص بالملك العدل ، فهو ممتنع عقلا بالغير ، بل مثله نقص في حقّ أقلّ العقلاء.

ويمكن اختيار الشقّ الثالث ، أعني الوقوع احتمالا ؛ لأنّه إذا جاز أن يخلق الله سبحانه تلك القبائح ، احتملنا أن يكون قد بعث بها رسولا.

ودعوى العلم العادي بالعدم ممنوعة ، إذ لم يطّلع أحدنا على جميع الأنبياء وشرائعهم ، ولم نعرف منهم إلّا النادر ، فلعلّ هناك نبيّ أو أنبياء هذه شريعتهم لم يتّبعهم أحد ، أو اندرست أممهم.

ولا عجب من الخصم إذ أنكر على دعوى الضرورة ، فإنّ أمرهم مبنيّ على إنكار الضروريات!

__________________

(١) سورة الليل ٩٢ : ١٢.

(٢) سورة النحل ١٦ : ٩.

(٣) كذا في المخطوط ، وفي المطبوعتين : الكلّ.

٢٢٨

قال المصنّف ـ شرّف الله منزلته ـ(١) :

ومنها : إنّه يلزم أن يكون الله سبحانه أشدّ ضررا من الشيطان ؛ لأنّ الله لو خلق الكفر في العبد ثمّ يعذّبه عليه لكان أضرّ من الشيطان ؛ لأنّ الشيطان لا يمكن أن يلجئه إلى القبائح ، بل يدعوهم إليها كما قال الله تعالى :( وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ) (٢) .

ولأنّ دعاء الشيطان هو أيضا من فعل الله تعالى ، وأمّا الله سبحانه فإنّه يضطرّهم إلى القبائح!

ولو كان كذلك لحسن من الكافر أن يمدح الشيطان وأن يذمّ الله ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٦.

(٢) سورة إبراهيم ١٤ : ٢٢.

٢٢٩

وقال الفضل(١) :

نعوذ بالله من التفوّه بهذه المقالة ، والاستجراء على تصوير أمثال هذه الترّهات ، فإنّ الله تعالى يخلق كلّ شيء ، والتعذيب مرتّب على المباشرة والكسب ، وخلق الكفر ليس بقبيح ؛ لأنّ غايته دخول الشقي النار ، كما يقتضيه نظام عالم الوجود.

والتصرّف في العبد بما شاء ليس بظلم ؛ لأنّه تصرّف في ملكه ، وقد عرفت أنّ تصرّف المالك في الملك بما شاء ليس بظلم(٢) ، والله تعالى وإن خلق الكفر في العبد ، ولكنّ العبد هو يباشره ويكسبه.

والله تعالى بعث الأنبياء ، وخلق أيضا قوّة النظر ، وبثّ دلائل الوحدانية في الآفاق والأنفس.

فهذه كلّها ألطاف من الله تعالى ، والشيطان يضرّ بالإغواء والوسوسة ، فأين نسبة اللطيف الهادي ـ وهو الله تعالى ـ بالشيطان الضارّ المضلّ؟! ومن أين لزم هذا؟!

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٧٥.

(٢) تقدّم في الصفحة ٩٣.

٢٣٠

وأقول :

قد خرج بكلامه عن المقصود ، وتشبّث بالتمويهات الصرفة ، فإن كانت غايته من كلامه جعل أثر للعبد والشيطان في الفعل أو الكسب ، فقد خرج عن مذهبه ، وإلّا لم يكن له مناص عن إلزام المصنّف لهم.

وقد عرفت تفصيل ما في هذه الكلمات الفارغة عن التحصيل(١) .

وأمّا الاجتراء على الله سبحانه فهو ممّن قال بما يستلزم هذا الكفر ، لا ممّن صوّره للردع عنه.

وما باله إذا كان يتعوّذ من التفوّه بهذه الكلمات يعتقد بحقيقتها ، ويعلم أنّ جوابه عنها يشتمل على الإقرار بها ، لكن بشيء من التمويه!

* * *

__________________

(١) راجع الصفحة ٩٥ من هذا الجزء وج ٢ / ٣٣٦.

٢٣١

قال المصنّفـ ضاعف الله ثوابه ـ (١) :

ومنها : إنّه يلزم مخالفة العقل والنقل ؛ لأنّ العبد لو لم يكن موجدا لأفعاله لم يستحقّ ثوابا ولا عقابا ، بل يكون الله تعالى مبتدئا بالثواب والعقاب من غير استحقاق منهم.

ولو جاز ذلك لجاز منه تعذيب الأنبياءعليهم‌السلام ، وإثابة الفراعنة والأبالسة ، فيكون الله تعالى أسفه السفهاء ، وقد نزّه الله تعالى نفسه عن ذلك فقال :( أَ فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٢) ( أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) (٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٧.

(٢) سورة القلم ٦٨ : ٣٥ و ٣٦.

(٣) سورة ص ٣٨ : ٢٨.

٢٣٢

وقال الفضل(١) :

جوابه : إنّ استحقاق العبد للثواب والعقاب بواسطة المباشرة والكسب ، وهو يستحقّ الثواب والعقاب بالمباشرة ، لا أنّه يجب على الله إثابته.

فالله متعال عن أن يكون إثابة المطيع وتعذيب العاصي واجبا عليه ، بل جرى عادة الله تعالى بإعطاء الثواب عقيب العمل الصالح ، والتعذيب عقيب الكفر والعصيان.

وجواز تعذيب الأنبياء وإثابة الفراعنة والأبالسة المراد به نفي الوجوب على الله تعالى ، وهو لا يستلزم الوقوع ، بل وقوعه محال عادة ـ كما ذكرناه مرارا(٢) ـ فلا يلزم المحذور.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٧٦.

(٢) راجع الصفحة ٢١٤ من هذا الجزء وج ٢ / ٣٥٧ و ٤٢٨.

٢٣٣

وأقول :

الكسب والمباشرة أثر صادر عن الله تعالى وحده بزعمهم ، كأصل الفعل ، لأنّه خالق كلّ شيء ، فكيف يستحقّ العبد الثواب والعقاب على الكسب؟!

وكيف يتّجه تخصيص الاستحقاق عليه دون أصل الفعل ، وكلاهما من الله وحده ، والعبد محلّ بالاضطرار؟!

ثمّ إنّه إذا كان العبد مستحقّا للثواب بواسطة الكسب ، كان حكمه بعدم وجوب إثابته مناقضا له ، إذ كيف يكون حقّا له على الله تعالى ولا يجب عليه أداؤه له ، وهو العدل؟!

نعم ، لمّا كان العقاب حقّا لله تعالى ، كان له العفو عنه ، كما سبق(١) ويأتي إن شاء الله تعالى.

وأمّا دعوى العادة ، فباطلة ؛ لأنّ الثواب والعقاب غيب ومتأخّران ، فما وجه العادة والعلم بها؟! إلّا أن يدّعي العلم العادي بأخبار الله تعالى في كتابه المجيد ، وهو مع توقّفه على ثبوت صدق كلامه تعالى على مذهبهم غير تامّ ؛ لأنّه تعالى أيضا أخبر بأنّه يمحو ما يشاء ويثبت(٢) .

وأمّا قوله : « وهو لا يستلزم الوقوع » فمسلّم ؛ لكن لا يستلزم أيضا عدم الوقوع ، ويكفينا الاحتمال ، إذ لا يجوز على غير السفيه تعذيب

__________________

(١) تقدّم في ج ٢ / ٣٩٨.

(٢) في قوله تعالى :( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) سورة الرعد ١٣ : ٣٩.

٢٣٤

الأنبياء وإثابة الفراعنة والأبالسة ؛ تعالى الله عن ذلك.

وقد أنكر عليه سبحانه هذا الحكم فقال :( ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (١) .

* * *

__________________

(١) سورة الصافّات ٣٧ : ١٥٤ ، سورة القلم ٦٨ : ٣٦.

٢٣٥

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

ومنها : يلزم مخالفة الكتاب العزيز من انتفاء النعمة عن الكافر ؛ لأنّه تعالى إذا خلق الكفر في الكافر لزم أن يكون قد خلقه للعذاب في نار جهنّم.

ولو كان كذلك لم يكن له عليه نعمة أصلا ، فإنّ نعمة الدنيا مع عقاب الآخرة لا تعدّ نعمة ، كمن جعل لغيره سمّا في حلواء وأطعمه ، فإنّه لا تعدّ اللذّة الحاصلة من تناوله نعمة.

والقرآن قد دلّ على أنّه تعالى منعم على الكفّار ، قال الله تعالى :

( أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً ) (٢) ( وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ ) (٣) .

وأيضا : قد علم بالضرورة من دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه ما من عبد إلّا ولله عليه نعمة ، كافرا كان أو مسلما.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٧.

(٢) سورة إبراهيم ١٤ : ٢٨.

(٣) سورة القصص ٢٨ : ٧٧.

٢٣٦

وقال الفضل(١) :

هذا أيضا من غرائب الاستدلالات ، فإنّ نعمة الله تعالى على الكافر محسوسة ، والهداية أعظم النعم.

وإرسال الرسل وبثّ الدلائل العقليّة كلّها نعم عظام ، والكافر استحقّ دخول النار بالمباشرة والكسب ، والخلق من الله تعالى ليس بقبيح.

ثمّ ما ذكره من لزوم عدم كون الكافر منعما عليه ، يلزمه أيضا بإدخاله النار ، فإنّ الله تعالى يدخل الكافر النار ألبتّة ، فيلزم أن لا يكون عليه نعمة.

فإن قال : إدخاله لكونه آثر الكفر ورجّحه واختاره.

قلنا : في مذهبنا أيضا كذلك ، وإدخاله لكونه باشر الكفر ، وكسبه ، وعمل به.

ولو كان الواجب على الله تعالى أن ينعم على الكافر ـ وهو المفهوم من ضرورة الدين ـ لكان الواجب عليه أن لا يدخل النار ، بأيّ وصف كان الكافر ؛ لأنّه يلزم أن لا يكون منعما عليه ، وهو خلاف ضرورة الدين.

وأمثال هذه الاستدلالات ترّهات ومزخرفات.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٧٨.

٢٣٧

وأقول :

لا ينكر أنّ الهداية والرسل والدلائل نعم عظام على العباد ، لكن إذا خلق الله سبحانه الكفر في الكافر وأعجزه عن اتّباع الرسل والدلائل لم تكن في حقّه نعمة بالضرورة ، وإنّما تكون نعمة عليه إذا مكّنه من اتّباعها ، وأهّله لتحصيل الثواب بعمله الميسور له ، وإن فوّت على نفسه بكفره الاختياري نعمة الثواب.

وهذا هو الجواب عن نقض الخصم على المصنّفرحمه‌الله بأنّه إذا أدخل الله الكافر النار لم تكن له نعمة عليه ، لا ما ذكره بقوله : « فإن قال : إدخاله لكونه آثر الكفر ورجّحه واختاره » فإنّ هذا إنّما يكون مصحّحا لعقابه ، لا لإثبات كونه منعما عليه كما هو محلّ الكلام ، وقد بيّنّا ثبوته على مذهبنا فيكون هو الجواب.

ولعلّ الخصم إنّما أجاب بهذا ليتمكّن بزعمه من الجواب بمثله! ويقول : « قلنا : في مذهبنا أيضا كذلك ، وإدخاله لكونه باشر الكفر » إلى آخره.

وفيه : مع ما ظهر لك من أنّ مثل هذا لا يصلح أن يكون جوابا عن إشكال عدم النعمة على الكافر ، ليس صحيحا في نفسه ؛ لما سبق مرارا من أنّ الكسب ليس ممّا للعبد فيه أثر ـ على قولهم(١) ـ فلا يكون مصحّحا للعقاب.

__________________

(١) انظر قول الفضل في ص ٩٣ ، وردّ الشيخ المظفّر عليه في ص ٩٥ من هذا الجزء.

٢٣٨

وأمّا قوله : « ولو كان الواجب على الله تعالى أن ينعم على الكافر لكان الواجب عليه أن لا يدخل النار ».

ففيه : إنّ المصنّف إنّما قال : « قد علم بالضرورة من دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه ما من عبد إلّا ولله تعالى عليه نعمة ، كافرا أو مسلما » وهذا لا يدلّ على أصل وجوب الإنعام على الكافر ، فضلا عن أن يجب على الله تعالى أن يجعل الكافر محلّا لكلّ نعمة ، وأن لا يدخله النار.

* * *

٢٣٩

قال المصنّف ـ طيّب الله ثراه ـ(١) :

ومنها : صحّة وصف الله تعالى بأنّه ظالم وجائر ؛ لأنّه لا معنى للظالم إلّا فاعل الظلم ، ولا الجائر إلّا فاعل الجور ، ولا المفسد إلّا فاعل الفساد ؛ ولهذا لا يصحّ إثبات أحدها إلّا حال نفي الآخر(٢) .

ولأنّه لمّا فعل العدل سمّي عادلا ، فكذا لو فعل الظلم سمّي ظالما.

ويلزم أن لا يسمّى العبد ظالما ولا سفيها ؛ لأنّه لم يصدر عنه شيء من هذه.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٧.

(٢) أي إنّ ثبوت الصفة يستلزم نفي ضدّها ، فكونه عادلا يستلزم أن لا يكون ظالما.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

(فائزي)

يا أهل يثرب لا مُقامِ الكم ابطيبه

انذبح سبط المصطفى وانخضب شيبه

جسمه صفه ميدان في وسط الحريبه

او راسه ابراس الرمح داروا بيه ملاعين

وابنه او خواته اركبوهم فوگ الجمال

من غير ظل اولا ستر ما بين الانذال

بعد الخدر والصون صاروا في أذل حال

من بعد عزتهم بگوا اسرى ذليلين

***

مثلُ الحسينِ على الصعيدِ مجردٌ

ويزيدُ يرفُلُ بالبرود الضافيه

مثل الحسين على الصعيد موسدٌ

ويزيدُ تحمله الكراسي العاليه

ونساءُ نذلِ سميةٍ محجوبةٌ

والسبطُ نسوتُه سوافرَ باديه

٣٠١

المجلس الثالث

القصيدة: للسيد مهدي الأعرجي

إنْ أردتَ النجاةَ يومَ المعادِ

جُدْ بدمعٍ على الإمامِ الجوادِ

لستُ أنساه حين أشخصه

المأمونُ من يثربٍ إلى بغداد

قد قضى ببغدادَ وهو غريبٌ

بفؤاد من شُعلةِ السمِ صادي

والتي قدمت له السمَّ أمُ الفضلِ

بغضا منها لأمِّ الهادي

تركوا نعشَه بقَنطرة الريَّانِ

ملقىً آلُ الشِقا والعناد

فاستماتت أشياعه نحوَ حملِ

النعش كي لا يبقى رهينَ الوهاد

وسرى فيهمُ الحماسُ إلى أنْ

حملوه رفعا على الأجياد

ما بقيْ مثلَ جدِّه السبطِ عاري

الجسمِ تعدو على قِراه العوادي

تركوا جسمَه ثلاثا وعلَّوا

رأسَه في رؤوسِ سمرِ الصِعاد

وسروا في نسائه حاسراتٍ

يالقومي بين الرجال بوادي

لو تراها يا خِيرةَ اللهِ في السبي

وسُتر الوجوهِ منها الأيادي(١)

(مجردات) (٢)

بالسوط زينب روّعوها

او كل اليتامه عذّبوها

____________________

(١) - المطالب المهمة ص٢٧٤.

(٢) - للمؤلف.

٣٠٢

وبالخيل شي منها اسحگوها

او للشام لمن سيروها

(خوارج يصيحون السبوها)

گوموا يهلها ما تجوها

(امنيد الأعادي اتخلصوها)

(تخميس)

تلك أطفالُكم مذابحُ جمعا

تلك نسوانُكم على النِيبِ تنعى

تلك شُبّانُكم إلى السيف مرعا

تلك أشياخُكم على الترب صرعى

لم يبلَّ الشفاهَ منها الزلالُ

تفاصيل أخرى عن كيفية شهادة

الإمام محمد الجوادعليه‌السلام

قال الشيخ حسين الدرازي في كتابه وفاة الإمام محمد الجوادعليه‌السلام : وكان يجري السم في بدنه فلم تطل لذلك مدة له حتى قضى به شهيدا وقامت الواعية في داره وعلا الضجيج والبكاء والعويل من الهاشميين والعلويين فهم بين نادب ونادبة وباك وباكية بأصوات عالية ونوح وعويل وصارت الشيعة في حزن شديد وكل منهم ينادي: وا إماماه، وا سيداه، وا محمداه، وا كفيل اليتامى والمساكين وثمال المنقطعين ومأوى الضائعات والضائعين.

مضى الجوادُ فوا لهفي على الدينِ

خذوا حدادَكمُ يا آلَ ياسينِ

فإنَّ مولى الورى قد قام نادبُه

يقول مَن ليتيم أو لمسكين

ثم إن ابنه أبا الحسن علي الهاديعليه‌السلام قام في جهازه وتغسيله وتحنيطه وتكفينه ثم صلى عليه في جماعة من شيعته ومواليه فلما فرغوا من الصلاة عليه

٣٠٣

حملوه على سريره وساروا به وهم يبكون ويلطمون عليه الخدود ويندبونه في حزن إلى مقابر قريش ثم انهم دفنوه إلى جنب جده موسى بن جعفرعليه‌السلام فوقف ابن علي الهاديعليه‌السلام على قبره قائلا: وا أبتاه، وا محمداه، وا وحدتناه، وا قلة ناصراه، وا انقطاع ظهراه، ليتني كنت لك الفدا، يا أبتاه من لنا بعدك، وا وحشتاه، فراقك قد هيج حزني وقطع نياط قلبي، يا أبتاه أقرِأ آبائك عني السلام وأخبرهم بما نحن فيه من الهوان، يا أبتاه مضيت عنا ولم يطل لك العمر في الحياة ثم انكفأ عنه سخين العين باكي النواظر وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون(١) .

البَسي يا قلوبُ ثوبَ الحدادِ

واقبَعي بالأسى لفقد الجوادِ

لهفَ نفسي بالسم يُقتَل عمدا

ظاميَ القلبِ أشرفُ الأحفادِ

(مجردات) (٢)

مات الجواد اليوم مسموم

عگب الهظيمه او كل الهموم

والهادي يبچي ابگلب مالوم

وايصيح بويه اهنا يمحروم

شنهو السبب سمتك هلگوم

والشيعه تبچي دمه ابهليوم

لجل الجواد الراح مظلوم

***

أمثلُ ابنِ الرضا يبقى ثلاثا

رهينَ الدارِ في كُرَبٍ شِدادِ

____________________

(١) - المصدر السابق المذكور ص٣١/٣٣.

(٢) - للمؤلف.

٣٠٤

ويقضي فوق سطحِ الدار فردا

وأنتِ(١) من الغواية في تمادي

إلا أن الخطب يهون عندما نتذكر مصيبة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام وما جرى على أهل بيته حيث قتلوا جميعا ثم عمد أعداء الله وأعداء رسوله إلى النساء فسلبوا ما عليهن من حلي وانتهبوا ما في الخيام ثم أحرقوها على النساء والأطفال فهربن مخدرات الرسالة في تلك البيداء نادبات صائحات: وا محمداه ولا محمد لنا اليوم، وا علياه ولا علي لنا اليوم.

(تخميس)

سافراتٍ للقيدِ والغلِّ عانت

بعد خدرٍ به الصيانةُ بانت

فتمنَّت أن المنيةَ حانت

هذه زينبُ ومن قبلُ كانت

بفِنا دارِها تُحَطُّ الرحالُ

____________________

(١) - الشاعر يخاطب أم الفضل بنت المأمون التي دست السم إلى الإمام الجوادعليه‌السلام .

٣٠٥

٣٠٦

الإمام

علي الهادي

عليه‌السلام

٣٠٧

٣٠٨

المجلس الأول

القصيدة: للسيد صالح القزويني

لقد مُني الهادي على ظلمِ جعفرٍ

بمعتمِدٍ(١) في ظلمه والجرائمِ

أتاحت له غدرا يدا متوكلٍ

ومعتمِدٍ في الجور غاشٍ وغاشم

وأُشخص رغماً عن مدينة جدّهِ

إلى الرجسِ إشخاصَ العدوِّ المخاصم

ولاقى كما لاقى من القوم أهلُه

جفاءً وغدرا وانتهاكَ محارم

وعاش بسامراءَ عشرينَ حجةً

يُجرَّعُ من أعداهُ سمَّ الأراقم

بنفسيَ مسجونا غريبا مشاهِدا

ضريحا له شقَّته أيدي الغواشم

بنفسيَ مسموما قضى وهو نازح

عن الأهل والأوطانِ جمَّ المهاضم

فهل علم الهاديْ إلى الدين والهدى

بما لقيَ الهادي ابنُه من مظالم

وهل علم المولى عليٌّ قضى ابنُه

عليٌّ بسمّ بعد هتك المحارم

وهل علمتْ بنتُ النبيِّ محمدٍ

رمتها الأعادي في ابنِها بالقواصم

سقى أرضَ سامراء منهمرُ الحيا

وحيّى مغانيها هبوبُ النسائم

معالم قد ضُمّن أعلام حكمة

بنور هداه يهتدي كلُّ عالم

لئن أظلمت حزنا لكم فلقُربما

تُضيء هنا منكم بأكرمِ قائم

____________________

(١) - لعل الشاعر يقصد بالمعتمد الأمير وولي العهد الذي كان يتولى إيذاء الإمامعليه‌السلام في ظل خلافة المعتز الخليفة الذي استشهد الإمام الهاديعليه‌السلام في زمانه.

٣٠٩

به تُدرك الأوتارُ من كلّ واترٍ

ويُنتصفُ المظلومُ من كلّ ظالم(١)

(نصاري)

غريب الدار أبو العسكري العابد

قضى عشرين عام ابلد واحد

گلي اشچان ذنبه اشچان رايد

تسمونه غدر يلمالكم دين

غريب ابن الجواد اشتطلبونه

شنهو كان ذنبه تِسِمّونه

آه الله اكبر تخلونه

يون الليل ما طبّگ الجفنين

شلك وياه يا معتز تظلمه

دوم دوم بالمجلس تهظمه

ما يجزيك تاليها تسمَّه

غريب ابداركم جاوركم اسنين

ثگل حاله وضعف منه ونينه

شبح للعسكري الزاكي ابعينه

الله اوياك يا بويه گضينه

يبويه اتعب بعد عيني على الدين

(أبوذية)

الهاي امن المدينه الدهر داره

او يسمونه او تظل للحزن داره

اشكثر بيها حرم وايتام داره

او غدت ظلمه الگبل چانت ضويه

الإمام الهاديعليه‌السلام يؤتى به إلى سامراء

بقي الإمام علي الهاديعليه‌السلام بعد أبيه في المدينة ثلاث عشرة سنة فأحبه الناس واجتمعوا عليه والتف حوله العلماء وطلاب العلم كما كان يتصل به الشيعة وكانوا في عصره أكثر من أي زمان مضى يتصلون معه بالمباشرة ومن

____________________

(١) - المجالس السنية ج٢.

٣١٠

خلال المراسلة يستفتونه في أمور دينهم ويسألونه الحلول لأمورهم ومشاكلهم ويحملون إليه أموالهم فأحس جهاز السلطة حينئذٍ بالخطر فكتب بريحة العباسي أحد أنصار المتوكل إليه: إن كان لك بالحرمين حاجة فاخرج منها على بن محمد فإنه دعا الناس إلى نفسه وتبعه خلق كثير.

ورفعوا تقارير إلى المتوكل على أن علي ابن محمد يجمع السلاح في بيته وهو يعد للثورة على الحكم فما كان من المتوكل إلا أن بعث قائده يحيى بن هرثمة إلى دار الإمامعليه‌السلام وأمره بتفتيش البيت تفتيشا دقيقا وأمر بترحيله إلى سامراء.

يقول يحيى بن هرثمة: دخلت منزله فتشته كما أمرني المتوكل فلم أجد إلا مصباحا وكتب العلم فعظم في عيني ولما تجهر وخرجنا من المدينة توليت خدمته إلى أن قدمت به بغداد ثم أخذوه إلى سامراء فانزل في خان يعرف بخان الصعاليك فأقام فيه يومه وفي اليوم الثاني أذن له بالدخول على المتوكل وأفرد له دارا ليسكن فيها.

وفي تلك الفترة كان الحاقدون على الإمام الهادي يشحنون المتوكل بالحقد على الإمام فقالوا له يوما: إن في منزل علي بن محد سلاحا وأموالا وكتباً من شيعته يستحثونه فيه على الثورة وهو يعد العدة لذلك.

فوجه إليه جماعة من الأتراك وغيرهم من قساة القلب فهاجموا دار الإمامعليه‌السلام في جوف الليل فوجدوه في بيته وحده مغلقا عليه وعليه مدرعة من شعر ولا بساط في البيت إلا الرمل والحصى وعلى رأسه ملحفة من الصوف وهو يترنم بآيات القرآن في الوعد والوعيد فأخذوه إلى المتوكل على الحالة التي

٣١١

وجدوه عليها فمثل بين يديه والمتوكل على مائدة الخمر وفي يده كأس فلما رآه أعظمه وأجلسه إلى جنبه وقال من أتى به: يا أمير المؤمنين لم يكن في منزله شيء مما قيل فيه ولا حالة يتعلل عليه بها فناوله الكأس الذي في يده فقال الإمامعليه‌السلام : والله ما خامر لحمي ودمي، فقال له: أنشدني شعرا استحسنه فاعتذر الإمامعليه‌السلام وقال: إني لقليل الرواية للشعر، فألح عليه ولم يقبل له عذرا فانشده:

باتوا على قُلَلِ الأحبالِ تَحرسُهم

غُلبُ الرجالِ فما أغنتهم القُلَلُ

واستُنزلوا بعد عزٍ من معاقلهم

فاُودعوا حفرا يا بئسَ ما نزلوا

ناداهمُ صارخٌ من بعد ما قُبروا

أين الأسرَّةُ والتيجانُ والحُلَلُ

أين الوجوهُ التي كانت منعَّمةً

من دونها تُضربُ الأستارُ والكِلَلُ

فأفصح القبرُ عنهم حين ساءلهم

تلك الوجوهُ عليها الدودُ يقتتل

قد طالما أَكلوا دهرا وقد شَرِبوا

فأصبحوا بعد طولِ الأكلِ قد أُكلوا

وطالما عمَّروا دورا لتحصنَهم

ففارقوا الدورَ والأهلينَ وانتقلوا

وطالما كنزوا الأموالَ وادخروا

فخلَّفوا على الأعداء وارتحلوا

أضحت منازلُهم قَفْرا معطَّلةً

وساكنوها إلى الأجداث قد وصلوا

فأشفق من حضر على أبي الحسن الهاديعليه‌السلام وبكى المتوكل بكاء شديدا حتى بَلَّت دموعه لحيته وبكى من حضر ثم أمر برفع الشراب وقال: أعليك يا أبا الحسن دين؟ قال: نعم أربعة آلاف دينار فأمر بدفعها إليه ورده إلى منزله من ساعته مكرما.

٣١٢

وهكذا كان المتوكل يستدعيه بين الحين والآخر بقصد الإساءة إليه وربما ليقتله ولكن الله سبحانه كان يصرف كيده عنه.

وكان المتوكل يقول: والله لأقتلن هذا المرائي... الذي يدعي الكذب ويطعن في دولتي... والله لأحرقنه بعد قتله.

وبعد وفاة المتوكل الذي جرَّع الإمام الغصص طيلة أربعة عشر عاما عاش الإمام بقية عمره مع حكام عرفوا بالظلم فقد أجبروه على البقاء في سامراء فعاش سبعة أعوام مع المنتصر والمستعين والمعتز في سامراء.

بقيعليه‌السلام ملازما بيته كاظما غيظه صابرا على ما مسه من الأذى من حكام زمانه حتى قضى نحبه ولقي ربه شهيدا مسموماً، رحم الله من نادى وا إماماه، وا سيداه، وا مسموماه، وكانت وفاته في خلافة المعتز وذلك يوم الاثنين لثلاث خلت من رجب سنة ٢٥٤ه متأثرا بسم دسه إليه المعتز وسمعت جارية له تقول - أثناء تشييعهعليه‌السلام - : ماذا لقينا من يوم الاثنين قديما وحديثا.

وفي إثبات الوصية قال: وقد اجتمع في دار أبي الحسن الهادي جل بني هاشم من الطالبين والعباسيين واجتمع خلق كثير من الشيعة ثم فتح من صدر الرواق باب وخرج خادم أسود ثم خرج من بعده أبو محمدعليه‌السلام حاسرا مكشوف الرأس مشقوق الثياب وكأني به ينادي: وا أبتاه، وا علياه، وا مسموماه، فأجابته الشيعة: وا إماماه، وا عظم مصيبتاه.

(نصاري)

سگاه السم يويلي او مرد كبده

اولا راقب الباري او هاب جده

ظل ابنه الحسن يبكي اعله فگده

اشيفيد النوح لو يجري الدمع دم

٣١٣

(أبوذية)

على الهادي مياتم حزن تنصب

الدموع ادموم عالمسموم تنصب

المرد چبدك چبدته ريت تنصب

ولا اشوفك تلوج اعله الوطيه

(أبوذية)

يناعي اشبيك گلي اشصار شدهاك

دگلي يا مصاب الذي شدهاك

علي الهادي لون مجروح شدهاك

جرح اولا تصيح ابهل رزيه

ثم أخرجت الجنازة وخرج الإمام العسكري يمشي خلفها والناس من خلفه وكان الإمام صلى عليه قبل أن يخرج إلى الناس وصلى عليه لما خرج المعتمد ثم دفنعليه‌السلام في دار من دوره بسر من رأي(١) .

(تجليبة)

شبله يغسله او تتصارخ اعياله

او شاله او نزله او فوگه الترب هاله

بس احسين محد غسله او شاله

ثلث تيام ظل مطروح بالوادي

(تخميس)

طبت يا مدلجاً جسور المِهارِ

عج على طيبةٍ ربوع الفخار

ناد فيها بلوعة وانكسار

قوضي يا خيام عليا نزار

فلقد قُوِّض العماد الرفيعُ

____________________

(١) - المجالس السنية ج٢ للسيد محسن الأمين. نور الأبصار للحائري. مثير الأحزان للشيخ شريف الجواهري. سيرة الأئمة الاثني عشر للسيد هاشم معروف الحسني.

٣١٤

المجلس الثاني

القصيدة: للسيد محمد جمال الهاشمي النجفي

رمزُ الأسى ذكرى الإمامِ الهادي

عادت لتَغمُرَ بالشجون فؤادي

عادت لتوقضَ روحنا من بعدما

قد خدَّرتْه مطامعُ الأجساج

عادت لتُلهبَنا بعَرضِ مصيبةٍ

تَصلى القرونَ بجمرها الوقّاد

فشهادةُ الهادي تُسيلُ دموعَنا

حزنا وتُدمي قُرحةَ الأكباد

مَن سمَّه المعتزُّ بغياً تابعاً

فيه خطى الآباءِ والأجداد

قد رام أنْ يُطفي شُعاعَ مواقفٍ

أَعمت بذلك كلَّ عينِ معادي

ظَنّت بأنَّ السمَّ يُطفيء للهدى

نورا يَشُعُّ من الإمام الهادي

خابت فذاك النورُ أصبحَ جَذوةً

تُوري القلوبَ بأَعتقِ الأحقاد

يا عاشرَ الأمناءِ يومُك هزَّني

فبكَيتُ في شعري وفي إنشادي

أفمثلُ شخصِك تنطفيْ أيامُه

برقابةٍ وكآبةٍ وطِراد

وتضايق المعتزُّ فيك فدسَّه

سما يدُكُّ شوامخَ الأطواد(١)

(بحر طويل)

مصايب هلك يالمحجوب

من عدها تشوغ الروح

وحده اتزود عن وحده

البلسم مات والمذبوح

____________________

(١) - ديوان مع النبي وآله ص٢٩٣.

٣١٥

لاچن هظمة الهادي

خلت كل گلب مجروح

من يثرب يجلبونه

امكان الذل يحطونه

مگصدهم يهينونه

خلّوه اعله هالذله

او خصمه ابوسط مگصوره

***

من يثرب السامره

الطاغي جاب ابو امحمد

حطه ابدار لاكن ليه

أبداً ما يطب أحد

حته الرجس جار اعليه

او سمه او كبده اتمرد

مات ابديرة الغربه

والسم مرّده الگلبه

عودك دمعه ايصبه

ينوح اعليه وادموعه

عالخدين منثوره

***

گام او غسله بيده

او شاله او نزله ابگبره

ما ظل بالفله مطروح

ثلث اليال عالغبره

لاكن سلوة الهادي

او مهجة آية الكُبره

جثته رميه اعلى الثره

او تجري الدمه من منحره

وابفيض دمها امعفره

٣١٦

واخيام الغريب احسين

بيها النار مسجوره

حالة سامراء عند موت الإمام علي الهاديعليه‌السلام

ذكر المؤرخون أن سر من رأى صاحب يوم موت أبي الحسن الهادي صيحة واحدة وهيج عواطف الناس أكثر من كل شيء الهيئة التي خرج عليها مولانا أبو محمد العسكريعليه‌السلام فقد خرج حاسرا مكشوف الرأس مشقوق الثياب وكان وجهه وجه أبيه لا يخطئ منه شيئا.

(نصاري) (١)

گضه الهادي او منّه الچبد مسموم

واهل بيته يتوح ابگلب مالوم

وهاذي شيعته والدمع مسجوم

او نار العسكري بالچبد تسعر

قيل: وعاب بعض الناس على الإمام هيئته قائلا: أرأيتم أحدا من الأئمة شق ثوبه في مثل هذه الحالة؟ فقالعليه‌السلام : يا أحمق ما يدريك ما هذا قد شق موسى على هارون، يعني وكيف لا أشق ثوبي وأنا قد أصبت بوالدي(٢) .

ثم نال المعتز ما شاء منه

إذ سقاه السم النقيع جهارا

فاستشاطت له البلاد وصارت

صيحة طبقت بها الأقطارا

وفي منتهى الآمال: ولم يكن عنده حين وفاته غير ابنه الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام فلما توفي حضر جميع الأشراف والأمراء ثم انصرف - الإمام

____________________

(١) - للمؤلف.

(٢) - المجالس السنية ج٢ للسيد محسن الأمين. نور الأبصار للحائري. نفس المهموم للشيخ عباس القمي.

٣١٧

العسكريعليه‌السلام - إلى غسله وتكفينه ودفنه في الحجرة التي كانت محلا لعبادته.

(أبوذية)

على الهادي يحادي صيح بالليل

او للمسموم خلي انشيعه بالليل

وعليه امن البواچي الدمع بليل

وصحت مات او بگت داره خليه

أقول ليت الذي حصل لأبي الحسن الهادي من دفن وتشييع مهيب كما تنقل الروايات انه من شدة الزحام في تشييعهعليه‌السلام اشتد الحر على أبي محمد العسكري، أقول ليت ذلك حصل لجده أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ويم يبق ثلاثة أيام على رمضاء كربلاء تصهره الشمس بحرارتها.

(مجردات)

أنه واجفه واتناك يحسين

واتربه الطريجك شابحه العين

صديت لن الفزع صوبين

خيل او زلم تركض ابصفين

يطلبون ثار ابدر واحنين

فزعوا فرد فزعه على احسين

امنين اجيب المرتضى امنين

وكأني بزينب لما وقفت على أخيها:

(مجردات)

يخويه ابحليب امي عليك

بطّل الونه او رفس رجليك

يا ماي عيني اشبيدي اعليك

خواتك اتريد المِعْتِنِه ليك

او لو جتّك ابيا حال تلگيك

عريان عدوانك مسلبيك

(تخميس)

يا واديَ الطف من وارى الحسين وهلْ

صُلِّي عليه ومن نعشَ الحسينِ حَمَلْ

٣١٨

أجابَني بانكسار لا وربيَ بل

عاري اللباس قطيعَ الرأسِ منخمدَ ال

أنفاسِ في جَندل كالجمرِ مضطَرمِ

٣١٩

المجلس الثالث

القصيدة: للشيخ حسن فرج العوامي

ت: ١٣٦٤ه

يا تقيَّ العبادِ يا ابنَ الجوادِ

رزؤُك اليومَ قد أذاب فؤادي

ودعت مقلتي تصبُّ دموعا

بالتهابٍ وزفرةٍ واتقاد

إنّ همّاً أذاب قلبيَ وجدا

ليس يُقضى وماله من نَفاد

كيف يقضي وفادحاتُ الليالي

مالهنَّ انتها بلْ في ازديار

حسبُك اللهُ يا صروفَ الليالي

قد تركتيَ جفِني حليفَ السُهاد

وتركتني قلبي يشب ضراما

للذي ناله عليُّ الهادي

أخرجوه من أرض طيبةَ كُرها

أَحرموه الجوار للأجداد

بعد ذا أنزلوه خانَ الصعاليكِ

ونالَوه بالأذى والعناد

صيَّروه في السجن كُرها يريـ

ـدون إطفاءَ نورهِ الوقَّاد

جرَّعوه سما فلهفي عليه

أَفتديه بالأهل والأولاد

فقضى نحبَه عليٌّ فأضحى

بعده الدينُ فاقدا للعماد

وله الكون كاسفُ اللون حزنا

وله المجد لابسٌ للسواد

وله العسكريُّ أصبح يدعو

آهِ وا والدي وا سِنادي(١)

____________________

(١) - شعراء القطيف ص٢٥٩.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460