المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء ١

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)0%

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 220

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

مؤلف: الإمام الكبير والـمُصنّف الشّهير الشّيخ فخر الدّين الطريحي النّجفي
تصنيف:

الصفحات: 220
المشاهدات: 34959
تحميل: 4544


توضيحات:

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 220 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 34959 / تحميل: 4544
الحجم الحجم الحجم
المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء 1

مؤلف:
العربية

ويبيت جسم ابن النّبي مرملاً

ترباً يوطئ الخيل والأقدم

وإلى ابن آكلة الكبود برأسه

يسري بعين الواحد العلام

ويمكن الرجس القضيب بجهله

وبضغنة من ثغره البسام

لكنه أملى لهم فتمردوا

في الكفر وازدادوا من الآثام

يا سادة شرف الكتاب بما حوى

فيهم من الإجلال والإعظام

يا من إذا ذكر اللبيب مصابهم

هانت عليه مصائب الأيام

قسماً بمن فرض الولاء على الورى

لكم وذلك أعظم الأقسام

ما أطمع الأرجاس فيما أبدعوا

فيكم وجرأهم على الأقدام

إلّا الذين تعاقدوا أن ينقضوا

ما أحكم الهادي من الإبرام

يا قاسم النيران يا من حبه

فرض عليّ مؤكد الإلزام

أنا عبدك الخلعي لا أخشى لظى

وعليك معتمدي وأنت عصامي

فلقد عرفت بغير نكر خالقي

ونبي الهادي معاً وإمامي

ولقد دللت على وجوب رئاسة

المعصوم لا حصر ولا متعامي

فلتعطفن على يوم تقول للأشياع

طبتم فادخلو بسلام

وتقاد أعداء الرسول إلى الردى

عصب الخنا والرجس والآثام

ويعجل الله العذاب لمعشر

غدروا فأبلغ من عداك مرامي

٤١

المجلس الثّالث

في الليلة الثّانية من عشر الـمُحرّم

وفيه أبواب ثلاثة

الباب الأوّل

اعلموا أعزّكم الله بقيام الدّين واحياكم واماتكم على سنّة سيّد الـمُرسلين , إنّ نور الإسلام ما ظهر ولا استقام إلّا بعليّ (عليه الصّلاة والسّلام) ، وجهاده بين يدي سيّد الأنام لاظهار الإسلام ، فقتل الرّجال وجدّل الأبطال في حومة النّزال ، فلم يبق بيت من قُريش إلّا وعمل صليل حسامه في جوانبه ، وأخنى على أهله وأقاربه ، لا جرم بغضه أهل الشّقاق , فأبطنوا الخلاف وأظهروا الوفاق , فحين عرف النّبي ذلك من ضمائرهم - إذ هو الـمُطّلع على ما في سرائرهم - قام فيهم بالوصية فيه وفي ذرّيّته وبنيه , مقاماً بعد مقام حتّى أسمع كافة الإسلام , فلم يسعهم إلّا القبول في الظّاهر لما يقول , فلمّا توفي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , ارتدّوا وقصدوه وأساءوا إلى وصيه وقتلوه , وثنوا ببنيه وأشياعه ومواليه , فحقّت عليهم كلمة الكفر ؛ بالإرتداد التي وعدهم بها ربّ العباد.

روي عن ابن عبّاس قال : حضرت مسألة فعجز عمر عن ردّها ، فقال ما تقولون يا صحابة رسول الله , مَن ترون يقوم بجواب هذه المسألة ؟ فقالوا : أنت أعرف منّا قال : كُلّنا والله يعلم ابن بجدتها والخبير بها فقالوا : لعلّك أردت عليّ بن أبي طالب قال : وإنّى يعدل بي عنه قالوا : لوبعثت إليه لأتاك قال : هيهات هُناك شمخ من هاشم وأثره من علم يؤتى لا يأتي ، قوموا بنا إليه فقام القوم بأجمعهم , فإذا هو (عليه‌السلام ) في حائط له مُتّك على مسحاة في يده ,

٤٢

يتلو قوله تعالى :( أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ) (١) . ودموعه تجري على خدّيه , فأجهش القوم لبكائه ثمّ سكن وسكنوا ، فأصدر إليه عمر مسألته وأدّى عليّ جوابها ، فقال : يا أبا الحسن , لقد أرادك الحقّ ولكن أبى قومك فقال (ع) : (( يا أبا حفص , خفّظ عليك من هُنا ومن هُناك :( إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا ) (٢) )) فلمّا أراد عمر الإنصراف , قال : أؤنسك يابن عباس ؟ قال ابن عبّاس : فأخذ بيدي وقال : يابن عبّاس , لقد كان ابن عمّك أحقّ بهذا الأمر لو لا ثلاث قُلت : وما هي ؟ قال : حداثة سنّه ومحبّته لأهل بيته وبغض قُريش له قال , فقلت : يا أمير المؤمنين , أتأذن لي في الجواب ؟ فقال : قُل فقلت : أمّا حداثة سنّه , فوالله ما استحدثه الله حين جعله أخاً لنبيّه , وجعل نفسه كنفسه ، وأمّا محبّته لأهل بيته , فقد عمل بقول الله تعالى فيهم :( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى ) (٣) وأمّا بغض قُريش له , فعلى مَن نقمت قُريش , أعلى الله حيث أمر رسوله بحربها ؟ أم على رسوله حيث أمر عليّاً بقتالها ؟ أم على عليّ حيث أطاع رسوله فيها ؟ قال : فجذب يده وقال : يابن عبّاس , إنّك لتغرق من بحر.

فانظروا يا إخواني إلى ما في ضمائرهم من الأحقاد , حيث قتل بسيفه منهم الآباء والأولاد ؛ امتثالاً لأمر ربّ العباد ، طلبوا نيل مفاخرة الجميلة , فعجزوا عنها وأعيتهم وجوه الحيلة , فلمّا صارت أزمة الاُمور إليهم ووردوها عليهم , صوّبوا صوائب المصائب في ذرّيّته وبنيه وشيعته ومُحبّيه , فلا ترى إلاّ قتيلاً على وجه الثّرى , أو مأسوراً قد أضربه طول السّرى , أو نسوة حواسر على أقتاب الجمال , تصفح وجوههم الرّجال , يندبن جدّهم الـمُصطفى وأباهم الـمُرتضى واُمّهم الزّهراء , يُسار بهم بالعنف الشّديد إلى أشر العبيد , كأنّهم اُسارى بعض اليهود والنّصارى ، ولله درّ مَن قال من الرّجال :

يا للرجال لعظم هول مصيبة

جلّت مصيبتها وخطب هايل

الشمس كاسفة لفقد إمامنا

خير الخلائق والإمام العادل

يا خير من ركب المطى ومن مشى

فوق الثرى من محتف أو ناعل

يابن النّبي لرزءكم هدم الهدى

والحق أصبح خاضعاً للباطل

روي عن أبي سلمة قال : حججت مع عمر بن الخطاب , فلمّا صرنا بالأبطح , فإذا بأعرابي قد أقبل علينا فقال: يا عمر , إنّي خرجت من منزلي وأنا حاج

____________________

(١) سورة القيامة / ٣٧.

(٢) سورة النّبأ / ١٧.

(٣) سورة الشّورى / ٢٣.

٤٣

مُحرم , فأصبت بيض النّعام فاجتنيت وشويت وأكلت , فما يجب عليّ ؟ قال : ما يحضرني في ذلك شيء فاجلس , لعلّ الله يُفرّج عنك ببعض أصحاب مُحمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فإذا بأمير المؤمنين (عليه‌السلام ) قد أقبل والحُسين يتلوه , فقال عمر : يا أعرابي , هذا عليّ بن أبي طالب فدونك ومسألتك فقام الأعرابي فسأله , فقال عليّ (عليه‌السلام ) : (( يا أعرابي , سل هذا الغلام عندك )) ( يعني : الحُسين (عليه‌السلام ) ) فقال الأعرابي : إنّما يحيلني كلّ واحد منكم على الآخر فأشار النّاس إليه : ويحك ! هذا ابن رسول الله فاسأله فقال الأعرابي : يابن رسول الله , إنّي خرجت من بيتي حاجّاً مُحرماً وقصّ عليه القصّة فقال الحُسين (عليه‌السلام ) : (( ألك إبل ؟ )) قال : نعم قال : (( خُذ بعدد البيض الذي أصبت نوقاً , فاضربها بالفحولة , فما فضلت فاهدها إلى بيت الله الحرام )) فقال عمر : يا حُسين , النّوق يزلقن فقال الحُسين : (( يا عمر , إنّ البيض يمرقن )) فقال : صدقت وبررت فقام عليّ (عليه‌السلام ) وضمّه إلى صدره , وقال :( ذُرّيّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (١) .

فوا عجباه من قوم عرفوا فضائلهم الكريمة وارتكبوا منهم هذه الأفعال العظيمة ! ولكنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصّدور , ولله درّ مَن قال :

مطهرون نقيات ثيابهم

تجري الصلاة عليهم أين ما ذُكروا

من لم يكن علوياً حين تنسبه

فما له من قديم الدهر مفتخر

والله لما بدأ خلقاً فأتقنه

صفاكم واصطفاكم أيها البشر

فأنتم الملأ الأعلا وعندكم

علم الكتاب وما جاءت به السور

روى بشّار بن عبد الله قال : دخلت على مولاي الصّادق (عليه‌السلام ) وهو يومئذٍ مُقيم بالكوفة , فرأيت قدّامه طبقاً فيه رطب وهو يأكل منه , فقال لي : (( يا بشّار , ادن فكلّ معي من هذا الرّطب )) فقلت : هنّاك الله به وجعلني فداك فقال لي : (( لِمَ لا تأكُل ؟ )) فقلت : إنّي في همّ عظيم من شيء رأيته الآن في طريقي هذا , قد أوجع قلبي وأهاج حزني , فقال لي : (( بحقّي عليك , إلاّ ما أخبرتني بما رأيت )) فقلت : يا مولاي , رأيت ظالماً يضرب امرأة ويسوقها إلى الحبس , وهي تنادي : الـمُستغاث بالله وبرسول الله ولم يغثها أحد من النّاس ، فقال : (( ولِمَ فُعل بها ذلك ؟ )) فقلت : سمعت من النّاس يقولون : إنّها عثرت بحجر وهي تمشي , فقالت : لعن الله ظالميك يا فاطمة

____________________

(١) سورة آل عمران / ٣٤.

٤٤

الزّهراء فسمعها هذا الجلواز فصنع بها ما سمعت ، قال : فقطع الصّادق (عليه‌السلام ) أكله وتظاهر حزنه , ولم يزل يبكي حتّى ابتلّ منديله ولحيته , وقال لي : (( نغّصت عليّ يا بشّار , قُم بنا إلى مسجد سهيل ؛ لندعوا الله عزّ وجلّ ونسأله خلاص هذه المرأة )) قال : ووجّه بعض أصحابه إلى باب السّلطان , وقال له : (( لا تبرح حتّى تأتيني بالخبر الصّحيح , فإن حدث في المرأة حدث , سر إلينا حيث كُنّا )) فسرنا إلى مسجد السّهلة , وصلّى كلّ منّا ركعتين لله عزّ وجلّ ، ثمّ رفع الصّادق (عليه‌السلام ) يديه بالدُعاء , وابتهل إلى الله تعالى بالثّناء , ثمّ خرّ ساجداً لله ساعة ثمّ رفع رأسه , وقال : (( الحمد لله ، قُم يا بشّار اُطلقت المرأة )) فبينما نحن على الطّريق , إذ أتانا الرّجل الذي وجهه الصّادق إلى باب السّلطان , فقال له : (( ما الخبر ؟ )) فقال : اُطلقت المرأة فقال (( كيف كان إطلاقها ؟ )) قال : كنت واقفاً عند باب السّلطان , إذ خرج الحاجب فدعا المرأة وقال لها : ما الذي تكلّمت به ؟ قالت: عثرت بحجر فقلت : لعن الله ظالميك يا فاطمة الزّهراء ففُعل بي ما ترون قال : فناولها مئتي درهم وقال : خُذي هذا المال واجعلى السّلطان في حلّ فأبت أن تأخذها وانصرفت إلى منزلها , فقال الصّادق (عليه‌السلام ) : (( أبت أن تأخذها وهي والله محتاجة إليها )) ثمّ إنّه (عليه‌السلام ) أخرج من جيبه صرّة فيها سبعة دنانير لم يكن عنده غيرها ، وقال لي : (( اذهب أنت يا بشّار إلى منزلها , واقرأها عنّي السّلام وادفع إليها هذه الدّنانير )) فقال : فمضيت إليها واقرأتها منه السّلام , فقالت : بالله عليك , اقرأني مولاي الصّادق السّلام ؟ فقلت : أي والله فخرّت ساجدة لله ساعة ورفعت رأسها , وقالت : اقرأني مولاي السّلام ؟ فقلت : نعم فسجدت لله شكراً حتّى فعلت ذلك ثلاث مرّات ، فقلت لها : يا أمة الله , خُذي ما أرسله إليك سيدي وابشري بالجنّة فأخذت واستبشرت وشكرته على ذلك , وقالت : يا بشّار , اسأله أن يستوهب أمة الله من الله تعالى قال فرجعت إليه وحدّثته بما جرى , فجعل يبكي ويقول : (( غفر الله لها )).

فتفكّروا يا إخواني بمصائب سادة النّاس وما حلّ بهم من الكفرة الأرجاس , أزالوهم عن مناصبهم التي أحلّهم الله فيها , ودفعوهم عن الدّرجة التي لم يصلوا إليها ، فهذه القضية أصل كلّ بليّة إن كنت تعيها , ولأن علا نحيبي من هذا المصاب ؛ فلعظم ما في قلبي من الحزن والاكتئاب , وعظم شوقي وتزايد زفرتي , غير خفيّ على مواليّ وسادتي , ولله درّ مَن قال :

٤٥

سلوا ضمائركم عني فإن وجدت

غير الصفا فلوموني على الكدر

فإن وفت فأنا ذاك الوفي على

ما تعهدون إلى أن ينقضي عمري

فعلى الأطائب من أهل بيت الرّسول فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون , أولا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ الخليعي (رحمه‌الله )

العين عبرى دمعها مسفوح

والقلب من ألم الأسى مقروح

ما عذر مثلي يوم عاشورا إذا

لم أبك آل محمّد وأنوح

أم كيف لا أبكي الحُسين وقد غدا

شلواً بأرض الطف وهو ذبيح

والطاهرات حواسر من حوله

كل تنوح ودمعها مسفوح

هذي تقول أخي وهذي والدي

ومن الرزية قلبها مقروح

أسفي لذاك الشيب وهو مضمخ

بدمائه والوجه فيه قروح

ولفاطم تبكي عليه بحرقة

وتقبل الوجنات هي تصيح

ظلت تلعلع حاسراً مسبية

وسكينة ولهى عليه تنوح

يا والدي لا كان يومك إنه

يوم لباب مصائبي مفتوح

اليوم مات محمّد يا والدي

والطهر موسى والمسيح ونوح

اليوم آدم في العزاء وعرسه

حوى وقد جل المصاب جموح

اليوم تبكيك السماء بأدمع

مثل الدماء أسفاً ويكسف نوح

لهفي عليه مرملاً بدمائه

ومن السوافي كفنته الريح

لهفي له يبغى النصيح وماله

في كربلاء من الأنام نصوح

لهفي له والجسم مه مجدلا

فوق الثرى حتّى حواه ضريح

لهفي لرأس ابن النّبي محمّد

كالبدر من فوق السنان يلوح

والطهر زين العابدين مقيد

يمشي وقد أردى به التبريح

والطاهرات على المطايا حسر

تغدوا العداة عليهم وتروح

قد أقفلوهن الشئام بلا وطا

وعلى الجسوم لباسهن مسفوح

وإلى الذبول جيوبهن وقد غدت

تلك الجسوم بها القروح تسيح

٤٦

والجو معتكر الظلام بلا ضحى

باد وفي وجه الثراء كلوح

والأرض ترجف من رزية أحمد

وعليه وحش الفلا مقروح

وعلى الزمان من الكآبة ذلة

وإليه طرف الحادثات لموح

يا آل أحمد أن شعري فيكم

والمدح ما طال المدى تسبيح

شرفي بكم وبمدحكم ولطال ما

في الناس شرف مادحاً ممدوح

أترى أرى المهدي يظهر قبل ما

يوماً على جسدي يضم ضريح

فهنالك الخلعي يبلغ ما نوى

وبظاهر السر الخفي يبيح

وإليكم مرثية ما أنشدت

إلّا ومنها المسك ظلٍ يفوح

شعر الورى في غير آل محمّد

جسم بلا روح وشعري روح

ولقد روى عن جعفر بن محمّد

خبر أتى والنقل عنه صحيح

إن الولاء بلا براء ما ينفع المولى

وهذا واضح مشروح

صلّى الإله عليكم يا سادتي

ما غاب نجم في السماء يلوح

الباب الثّاني

أيّها المؤمنون , اجروا ماء العيون ، ويا أيّها الباكون , سلوا لذيذ الرّقاد من جفون الجفون ، أما تنظرون إلى هذا الخطب الفادح وهذا المصاب الفادح ؟ أما تستحقّ مواليكم أهل العُلا الممادح بكاء باك ونوح نائح ؟ بلى والله ؛ لأنّه خطب تذلّ له النّفوس وتحلّ بين أطباق الثّرى والرّموس مصاب أبكى فاطمة البتول وأحزن قلب الـمُصطفى الرّسول , مصاب بكت عليه السّماء دماً واُقيم له فوق الطّباق مأتماً ، افيُعذر أحدٌ من ذوي الألباب في ترك الحزن والإكتئاب على المصاب ، كيف ؟ وهم الذين فيهم قال بعض مادحيهم :

أمحب آل محمّد جد بالبكا

إن كنت من يهوى النبي المرسلا

واسكب شآبيب الدموع فإن تكن

فيه الأخير فقد تبعت الأولا

وابك الفروع الطيبات تفرعت

من دوحة لمحمّد فسقت علا

وابك الغصون الناظرات ومن علا

ذرواتها ناحت حمامات البلا

وابك البدور الطالعات كواملا

حاق المحاق بها فأمست أفلا

وابك البحور الزاخرات ووردها

قد كان للوارد عذباً سلسلا

٤٧

وأبك الجبال الراسخات ومن بنى

مجداً أسمى سما العلاء مؤثلا

فمصابه أبكى السماء كأبة

والشهب حزناً والسماك الأعزلا

من أجل ذلك أن قلبي لم يزل

متقلقاً لمصابهم متقلقلا

والعيش في الدنيا إذا ما نغصوا

فيها فما يحلو فكيف وما حلا

روي : أنّ آدم (عليه‌السلام ) لـمّا هبط إلى الأرض , لم ير حواء فصار يطوف الأرض في طلبها , فمرّ بكربلاء , فاعتلّ وأعاق وضاق صدره من غير سبب , وعثر في الموضع الذي قُتل فيه الحُسين (عليه‌السلام ) حتّى سال الدّم من رجله , فرفع رأسه إلى السّماء وقال : إلهي هل حدث منّي ذنب آخر فعاقبتني به , فإنّي طفت جميع الأرض ما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض ؟ فأوحى الله إليه : (( يا آدم , ما حدث منك ذنب , ولكن يُقتل في هذه الأرض ولدك الحُسين (عليه‌السلام ) ظُلماً , فسال دمك موافقة لدمه )) فقال آدم : يا ربّ , أيكون الحُسين نبيّاً ؟ قال : (( لا , ولكنّه سبط النّبي مُحمّد )) فقال : ومَن القاتل له ؟ قال : (( قاتله يزيد )) فقال آدم : فأيّ شيء أصنع يا جبرائيل ؟ فقال : العنه يا آدم فلعنه أربع مرّات , ومشى خطوات إلى جبل عرفات , فوجد حواء هُناك.

وروي : أنّ نوحاً (عليه‌السلام ) لـمّا ركب في السّفينة , طافت به جميع الدُنيا , فلمّا مرّت بكربلاء , أخذته الأرض وخاف نوح الغرق , فدعا ربّه وقال : إلهي طفت جميع الدّنيا وما أصابني فزع مثل ما أصابني في هذه الأرض فنزل جبرائيل وقال : يا نوح , في هذا الموضع يُقتل الحُسين (عليه‌السلام ) سبط مُحمّد خاتم الأنبياء وابن خاتم الأوصياء فقال : ومَن القاتل له يا جبرائيل ؟ قال : قاتله لعين أهل سبع سماوات وسبع أرضين فلعنه نوح أربع مرّات , فسارت السّفينة حتّى بلغت الجودي واستقرّت عليه.

وروي : أنّ إبراهيم مرّ في أرض كربلاء وهو راكب فرساً , فعثرت به وسقط إبراهيم (عليه‌السلام ) وشج رأسه وسال دمه , فأخذ في الاستغفار وقال : إلهي أيّ شيء حدث منّي ؟ فنزل إليه جبرائيل وقال : يا إبراهيم , ما حدث منك ذنب , ولكن هُنا يُقتل سبط خاتم الأنبياء وابن خاتم الأوصياء ؛ فسال دمك موافقة لدمه قال : يا جبرائيل , ومَن يكون قاتله ؟ قال : لعين أهل السّماوات والأرض , والقلم جرى على اللوح بلعنه بغير إذن ربّه , فأوحى الله تعالى إلى القلم : أنّك استحقّيت الثّناء بهذا اللعن فرفع إبراهيم (عليه‌السلام ) يديه ولعن يزيداً لعناً كثيراً ,

٤٨

وأمّن فرسه بلسان فصيح , فقال إبراهيم لفرسه : أيّ شيء عرفت حتّى تؤمّن على دُعائي ؟ فقال : يا إبراهيم , أنا أفتخر بركوبك عليّ , فلمّا عثرت وسقطت عن ظهري , عظمت خجلتي , وكان سبب ذلك من يزيد.

وروي : أنّ إسماعيل (عليه‌السلام ) كانت أغنامه ترعى بشط الفرات , فأخبره الرّاعي أنّها لا تشرب الماء من هذه المشرعة منذ كذا يوماً , فسأل ربّه عن سبب ذلك , فنزل جبرائيل (عليه‌السلام ) , وقال : يا إسماعيل , سل غنمك فإنّها تجيبك عن سبب ذلك فقال : لِمَ لا تشربين من هذا الماء ؟ فقالت بلسان فصيح : قد بلغنا أنّ ولدك الحُسين (عليه‌السلام ) سبط مُحمّد يُقتل عطشاناً , فحن لا نشرب من هذه المشرعة حُزناً عليه فسألها عن قاتله , فقالت : يقتله لعين أهل السّماوات والأرضين والخلائق أجمعين فقال إسماعيل : اللهمّ العن قاتل الحُسين.

وروي : أنّ موسى كان ذات يوم سائراً ومعه يوشع بن نون , فلمّا جاء إلى أرض كربلاء , انخرق نعله وانقطع شراكه ودخل الحسك في رجليه وسال دمه , فقال : إلهي ! أيّ شيء حدث منّي ؟ فأوحى الله إليه : (( إنّ هُنا يُقتل الحُسين , وهُنا يُسفك دمك موافقة لدمه )) فقال : ربّ ومَن يكون الحُسين ؟ فقيل له : (( هو سبط مُحمّد الـمُصطفى وابن عليّ الـمُرتضى )) فقال : ومَن يكون قاتله ؟ فقيل : (( هو لعين السّمك في البحار , والوحوش في القفار , والطّير في الهواء )) فرفع موسى يديه ولعن يزيد ودعى عليه , وأمّن يوشع بن نون على دعائه ومضى لشأنه.

وروي : أنّ سُليمان (عليه‌السلام ) كان يجلس على بساطه ويسير في الهواء , فمرّ ذات يوم وهو سائر في أرض كربلاء , فأدارت الرّيح بساطه ثلاث دورات حتّى خافوا السّقوط , فسكنت الرّيح ونزل البساط في أرض كربلاء , فقال سُليمان للريح : لِمَ سكنتي ؟ فقالت : إنّ هُنا يُقتل الحُسين (عليه‌السلام ) فقال : ومَن يكون الحُسين ؟ قال : هو سبط مُحمّد الـمُختار وابن عليّ الكرار فقال : ومَن قاتله ؟ قالت : لعين أهل السّماوات والأرض يزيد فرفع سُليمان يديه ولعنه ودعى عليه , وأمّن دعائه الإنس والجن , فهبّت الرّيح وسار البساط.

وروي : أنّ عيسى (عليه‌السلام ) كان سائحاً في البراري ومعه الحواريون , فمرّوا بكربلاء , فرأوا أسداً كاسراً قد أخذ الطّريق , فتقدّم عيسى إلى الأسد , وقال له : لِمَ جلست في هذا الطّريق ولا تدعنا نمرّ فيه ؟ فقال الأسد بلسان فصيح : إنّي لم أدع لكم الطّريق حتّى تلعنوا يزيد قاتل الحُسين فقال عيسى

٤٩

ومَن يكون الحُسين ؟ قال : سبط مُحمّد النّبي الاُمّي وابن عليّ الوليّ قال : ومَن قاتله ؟ قال: قاتله لعين الوحوش والذّئاب والسّباع أجمع خصوصاً أيّام عاشوراء فرفع عيسى (عليه‌السلام ) يديه ولعن يزيد ودعى عليه , وأمّن الحواريون على دعائه , فتنحّى الأسد عن طريقهم ومشوا لشأنهم.

فيا إخواني الذين اقتدوا بالأنبياء والمرسلين والملائكة الـمُقرّبين , باللعن على يزيد الغوي العنيد , ألا لعنة الله على الظّالمين ولله درّ مَن قال :

إذا جاء عاشوراء تضاعف حسرتي

لآل رسول الله وانهل عبرتي

هو اليوم فيه اغبرت الأرض كلها

وجوماً عليهم والسماء اقشعرت

مصائب ساءت كل من كان مسلماً

ولكن عيون الفاجرات أقرت

إذا ذكرت نفسي مصيبة كربلا

وأشلاء سادات بها قد تفرت

أضاقت فؤادي واستباحت تجارتي

وعظم كربي ثمّ عيشي أمرت

أريقت دماء الفاطميات بالملا

فلو عقلت شمس النهار لخرت

ألا بأبي تلك الدماء التي جرت

بأيدي كلاب في الجحيم استقرت

توابيت من نار عليهم قد أطبقت

لهم زفرة في جوفها بعد زفرة

فشتان من في النار قد كان هكذا

ومن هو في الفردوس فوق الأسرة

روي عن طريق الخصم ، مما صح روايته عن أبي هريرة , قال : خرج علينا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ومعه حسن وحُسين (عليهما‌السلام ) , هذا على عاتقه الأيمن وهذا على عاتقه الأيسر , وهو يلثم هذا مرّة وهذا اُخرى حتّى انتهى إلينا , فقال له رجل : إنّك لتحبّهما ؟ قال : (( ومَن أحبّهما فقد أحبّني ، ومَن أبغضهما فقد أبغضني )).

وبالطّريق المذكور عن ابن عبّاس : إنّ النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , قال للحسن والحُسين : (( مَن أحبّكما كان معي في الجنّة , ومَن أبغضكما ففي النّار )).

فيا عاذلي خل عن عذلي

أيحسن أن يسلو مثلهم مثلي

أتروم ويحك سلواني ، أو تحاول إطفاء نيراني وتبريد وجدي وأشجاني ؟ هيهات هيهات هذا لا يكون ، وحيل بينهم وبين ما يشتهون ، فيا حرقي تزايدي ويا نار وجدي توقّدي ، ويا فؤادي القريح من الحزن والكآبة لا يستريح ، ويا

٥٠

قلبي الولهان دم في العناء والأحزان ، ولله درّ مَن قال :

لا أضحك الله سن الدهر إن ضحكت

وآل أحمد مظلومون قد قهروا

مشردون نفوا عن عقر دارهم

كأنهم قد جنوا ما ليس يغتفر

روي عن بعض الأخبار : أنّ النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أجلس يوماً الحُسين (عليه‌السلام ) على فخذه الأيمن , وولده إبراهيم على فخذه الأيسر , وجعل يلثم هذا مرّة وهذا اُخرى ؛ من شدّة شغفه بهما , فهبط جبرائيل من ربّ العالمين , وقال : يا مُحمّد , إنّ الله لم يكُن ليجمع لك بينهما , فاختر من شئت منهما ؛ فإنّ الله قد أمر بقبض روح واحد منهما فقال : (( يا أخي جبرائيل , إن مات الحُسين , بكى عليه عليّ وفاطمة والحسن وأنا ، وإن مات ولدي إبراهيم بكيت أنا وحدي , فسل ربّك إليه يقبض إبراهيم ولدي )) فمات إبراهيم بعد ثلاثة أيّام ، فكان النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إذا رأى حُسيناً مُقبلاً إليه , يقول له : (( مرحباً بمن فديته بابني إبراهيم )).

فانظروا يا إخوتي إلى هذا الشّخص العظيم الرّباني , أيفديه سيّد الـمُرسلين بولده الذي هو من فلذة أحشائه وكبده ؟ ويقتله أولاد الزّواني وتخون فيه الأماني , اُولئك هم الخاسرون :( وَسَيَعْلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (١) .

فعلى الأطائب من أهل بيت الرّسول فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون , أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان وتتابعت عليه الأشجان , فنظم فيهم وقال :

القصيدة للخليعي (رحمه‌الله )

جفون لا تمل من الهمول

وجسم لا يفك من النحول

وقلب لا يفيق من الرزايا

لتذكار القتيل ابن القتيل

قتيل بالطفوف أطال نوحي

وأسلمني إلى الحزن الطويل

قتيل أورث المختار حزناً

وأذكى النار في قلب البتول

بنفسي وهو يسري والمنايا

أمام الركب تسري بالحمول

بنفسي وهو يسري مستدلا

وضوء سناه نهج هذا الدليل

يقول ألا أخبروني ما اسم أرض

أراني كارهاً فيها نزولي

أبينوا ما اسمها المشهور عنها؟

فقالوا كربلا يابن الرسول

____________________

(١) سورة الشّعراء / ٢٢٧.

٥١

فقال هي البلا وفي ثراها

تريق دماؤنا أيدي النغول

بها تضحى أعزتنا أسارى

يلوح عليهم كسر الذليل

بها تسبى كرائمنا وفيها

يتامانا تعثر في الذيول

إلى الرحمن أستعدي وأشكو

على عضب رموني بالذحول

أضاعوا عهد جدي عن قريب

وساقوني إلى الورد الوبيل

ألا حطوا رحالكم وقيلوا

فليس من المنية من مقيل

ومن رام النجاة وحاد عني

إلى الدنيا ففي دعة الجليل

فقالوا ما لنا فيها خلود

وليس متاعها غير القليل

وكيف يلذ بعدك طيب عيش

لأرباب البصائر والعقول

أنا وأبيك لا نلوي وظل

سيوف مظنة الظل الظليل

فمر إلى المضارب غير وأن

بقلب عاطف بر وصول

ونادى زينباً يا أخت قومي

إلى التوديع من قبل الرحيل

أوصيكم بتقوى الله إنا

قبيل مُحمّد خير القبيل

عليك بطاعة السجاد بعدي

محل الذكر والعلم الجزيل

وإن نودي بقتل أخيك بين

الورى فعليك بالصبر الجميل

وقولي في سبيلي الله إني

رزيت فإنه خير السبيل

ولطم الخد يقبح بالموالي

وشق الجيب يرزي بالأصيل

ومر مشمراً للحرب يسطو

على الأبطال بالسيف الصقيل

فلما أثخنوا وخر ملقى

وراح المهر يعلن بالصهيل

برزن الطاهرات مهتكات

حيارى لا يفقن من العويل

ونادت زينب لما رأته

يجود بنفسه تحت الخيول

أخي هل للسبايا من ولي

أخي هل لليتامى من كفيل

وخرت فوقه تلقي دماءاً

براحتها على الخد الأسيل

وتدعو أمها الزّهراء وتطفي

بسح دموعها حر الغليل

ألا يا اُم قومي وساعديني

على نكبات دهري واندبي لي

ترى هل أنت عالمة بأنا

نجرر بالحزون وبالسهول

٥٢

وهل أخبرت بالسجاد أضحى

مع الأعداء في قيد ثقيل

عليلا يشتكي مرضاً وأسراً

فوا أسفي على العاني العليل

ويدعو السبط وهو لقي رميل

يلاحظها بناظره الكليل

فيا لله من نوب رمتنا

بأسهمها ومن خطب جليل

أيحمل رأس مولى الخلق طراً

إلى الأمصار في رمح طويل

وتهدى الطاهرات إلى يزيد

سبايا بالمذلة والخمول

ألا يابن النّبي ومن هداني

بحبكم إلى نهج السبيل

مصابك يا قتيل الطف أدمى

جفوني لا البكاء على الطلول

وبعدي عن مزار ثراك أضنى

فؤادي لا مفارقة الخليل

وإن وليك الخلعي يرجو

الشفاعة منك في اليوم المهول

محبكم وعارفكم يقيناً

بإيضاح المحجة والدليل

يواليكم ويبرئ من عداكم

ولا يصغي إلى عذل العذول

ينوح عليكم ما دام حيا

ويبكيكم وما هو بالملول

لقد بلغ المنى عبد عطفتم

عليه وفاز منكم بالقبول

الباب الثّالث

أيّها الإخوان , ألا تستنهضون مُضمرات الأحزان , فتجرونها في ميادين الأشجان ؟ ألا تمتطون كواهل عوامل الأشواق وتحثونها في ميادين السّباق , فتحوزوا قصب السّبق التي أنتم أولى بها وأحقّ ؟ أما علمتم أنّ الـمُقصّر عن هذه الغاية بنفسه قصّر , والـمُتأخر عن بلوغ النّهاية لحظة اُخرى :( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ ) (١) ؟ ولئن سحت من جفوني الدّموع , فإنّها عن نيران بين الضّلوع ، ولئن جزعت من هذا المصاب , فلعظم ما في قلبي من الوجد والاكتئاب ولله درّ مَن قال من الرّجال :

لأي مصاب يذرف الشان ماءه

وتقضي نفوس أو تفت كبود

لأعظم من هذا المصاب وخطبه

عظيم على أهل السّماء شديد

مصاب له في قلب كلّ مصيبة

سهام لحبات القلوب تبيد

وللهم هم والرزايا رزية

وللحزن حزن زايد ويزيد

____________________

(١) سورة فصلّت / ٤٦.

٥٣

روي في بعض الأخبار عن الصّحابة الأخيار , قال : رأيت النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , يمصّ لعاب الحُسين كما يمصّ الرّجل السّكرة , وهو يقول : (( حُسين منّي وأنا من حُسين , أحبّ الله مَن أحبّ حُسيناً , وأبغض الله مَن أبغض حُسيناً ، حُسين سبط من الأسباط لعن الله قاتله )) فنزل جبرائيل , وقال : يا مُحمّد , إنّ الله قتل بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً من الـمُنافقين , وسيقتل بابن ابنتك الحُسين , سبعين ألفاً من الكافرين وسبعين ألفاً من الـمُعتدين , وإنّ قاتل الحُسين في تابوت من نار , ويكون عليه نصف عذاب أهل الدّنيا , وقد شُدّت يداه ورجلاه بسلاسل من نار , وهو منكس على اُمّ رأسه في قعر جهنّم , وله ريح يتعوذ أهل النّار من شدّة نتنها , وهو فيها خالد ذائق العذاب الأليم لا يفتر عنه , ويسقى من حميم جهنم.

وروي عن الصّادق (عليه‌السلام ) أيضاً في بعض الأخبار : (( أنّ ملكاً من ملائكة الصّف الأعلى , اشتاق لرؤية النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , واستأذن ربّه بالنّزول إلى الأرض لزيارته , وكان ذلك الملك لم ينزل إلى الأرض أبداً مُنذ خُلق , فلمّا أراد النّزول , أوحى الله تعالى إليه يقول : أيّها الملك , أخبر مُحمّداً أنّ رجلاً من اُمّته اسمه يزيد , يقتل فرخه الطّاهر بن الطّاهرة , نظيرة البتول مريم بنت عمران فقال الملك : لقد نزلت إلى الأرض وأنا مسرور برؤية نبيك مُحمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فكيف أخبره بهذا الخبر الفظيع , وإنّني لاستحي منه أن أفجعه بقتل ولده , فليتني لم أنزل إلى الأرض ، قال فنودي الملك من فوق رأسه : أن أفعل ما اُمرت به فدخل الملك إلى رسول الله ونشر أجنحته بين يديه , وقال: يا رسول الله , اعلم أنّي أستأذنت ربّي في النّزول إلى الأرض ؛ شوقاً لرؤيتك وزيارتك , فليت ربّي كان حطّم أجنحتي ولم آتك بهذا الخبر , ولكن لا بدّ من إنفاذ أمر ربّي عزّ وجلّ ، اعلم يا مُحمّد , إنّ رجُلاً من اُمّتك اسمه يزيد , ( زاده الله لعناً في الدُنيا وعذاباً في الآخرة ) , يقتل فرخك الطّاهر ابن الطّاهرة , ولن يتمتّع قاتله في الدُنيا من بعده إلّا قليلاً , ويأخذه الله مُقاصّاً له على سوء عمله , ويكون مُخلّداً في النّار فبكى النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بُكاءاً شديداً , وقال: أيّها الملك , هل تفلح اُمّة تقتل ولدي وفرخ ابنتي ؟ قال : لا يا مُحمّد , بل يرميهم الله باختلاف قلوبهم وألسنتهم في دار الدّنيا , ولهم في الآخرة عذاب أليم )).

وعن كعب الأحبار حين أسلم في أيّام خلافة عمر بن الخطاب , وجعل النّاس يسألونه عن الملاحم التي تظهر في آخر الزّمان ,

٥٤

فصار كعب يخبرهم بأنواع الأخبار والملاحكم والفتن التي تظهر في العالم , ثمّ قال : وأعظمها فتنة وأشدّها مصيبة لا تنسى إلى أبد الآبدين , مصيبة الحُسين (عليه‌السلام ) , وهي الفساد الذي ذكره الله تعالى في كتابه المجيد , حيث قال :( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ ) (١) وإنّما فُتح الفساد بقتل هابيل بن آدم , وخُتم بقتل الحُسين (عليه‌السلام ) , أو لا تعلمون أنّه تُفتح يوم قتله أبواب السّماوات , ويؤذن للسماء بالبكاء فتبكي دماً , فرأيتم الحمرة في السّماء قد ارتفعت , فاعلموا أنّ السّماء تبكي حُسيناً.

فقيل : يا كعب , لِمَ لا تفعل السّماء كذلك ولا تبكي دماً لقتل الأنبياء ممّن كان أفضل من الحُسين ؟ فقال : ويحكم ! إنّ قتل الحُسين أمر عظيم , وإنّه ابن سيّد الـمُرسلين , وإنّه يُقتل علانية مبارزة ظُلماً وعدواناً , ولا تُحفظ فيه وصيّة جدّه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , وهو مزاج مائه وبضعة من لحمه , يُذبح بعرصة كربلاء ، فو الذي نفس كعب بيده , لتبكينّه زمرة من الملائكة في السّماوات السّبع , لا يقطعون بكاءهم عليه إلى آخر الدّهر ، وإنّ البقعة التي يُدفن فيها خير البقاع , وما من نبيّ إلّا ويأتي إليها ويزورها ويبكي على مصابه , ولكربلاء في كلّ يوم زيارة من الملائكة والجن والإنس , فإذا كانت ليلة الجُمُعة , ينزل إليها تسعون ألف ملك , يبكون على الحُسين ويذكرون فضله، وإنّه يُسمّى في السّماء حُسيناً المذبوح , وفي الأرض أبا عبد الله المقتول - وفي البحار : الفرخ الأزهر المظلوم - وإنّه يوم قتله , تنكسف الشّمس بالنّهار , ومن الليل ينخسف القمر , وتدوم الظُلمة على النّاس ثلاثة أيّام , وتمطر السّماء دماً , وتدكدك الجال وتغطمط البحار ؛ ولو لا بقية من ذرّيّته وطائفة من شيعته الذين يطلبون بدمه ويأخذون بثاره , لصبّ الله عليهم ناراً من السّماء , أحرقت الأرض ومَن عليها.

ثمّ قال كعب : يا قوم , كأنّكم تتعجبون بما اُحدّثكم فيه من أمر الحُسين (عليه‌السلام ) , وإنّ الله تعالى لم يترك شيئاً كان أو يكون من أوّل الدّهر إلى آخره , إلّا وقد فسّره لموسى (عليه‌السلام ) , وما نسمة خُلقت إلّا وقد رُفعت إلى آدم (عليه‌السلام ) في عالم الذّر وعُرضت عليه ، ولقد عُرضت عليه هذه الاُمّة , ونظر إليها وإلى اختلافها وتكالبها على هذه الدّنيا الدّنية ، فقال آدم : يا ربّ , ما لهذه الاُمّة الزّكية وبلاء الدّنيا وهم أفضل الاُمم ؟ فقال له : (( يا آدم , إنّهم اختلفوا فاختلفت قلوبهم , وسيظهرون الفساد في الأرض , كفساد قابيل حين قتل هابيل , وأنّهم يقتلون فرخ

____________________

(١) سورة الرّوم / ٤١.

٥٥

حبيبي مُحمّد الـمُصطفى )) ثمّ مثّل لآدم (عليه‌السلام ) مقتل الحُسين ومصرعه , ووثوب اُمّة جدّه عليه , فنظر إليهم فرآهم مسودّة وجوههم ، فقال : يا ربّ , أبسط عليهم الانتقام , كما قتلوا فرخ نبيك الكريم عليه أفضل الصّلاة ولله درّ مَن قال من الرّجال :

إذا أبصرتك العين من بعد غاية

وعارض فيك الشك أثبتك القلب

ولو أن قوماً يمموك لقادهم

باسمك حتّى يستدل بك الركب

وروي عن ريان بن شبيب , قال : دخلت على الرّضا (عليه‌السلام ) في أوّل يوم من الـمُحرّم , فقال لي : (( يابن شبيب , أصائم أنت ؟ )) فقلت : لا فقال : (( إنّ هذا اليوم هو اليوم الذي دعا زكريا ربّه عزّ وجلّ , فقال :( رَبّ هَبْ لِي مِن لَدُنْكَ ذُرّيّةً طَيّبَةً إِنّكَ سَمِيعُ الدّعَاءِ ) (١) فاستجاب الله تعالى له , وأمر الملائكة فنادت زكريا :( وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى ) (٢) فمن صام هذا اليوم ثمّ دعا الله تعالى , استجاب الله له كما استجاب لزكريا يابن شبيب , إنّ الـمُحرّم هو الشّهر الذي كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال لحُرمته , فما عرفت هذه الاُمّة حُرمة شهرها ولا حُرمة نبيّها , لقد قتلوا في هذا الشّهر ذرّيّته , وسبوا نساءه وانتهبوا ثقله , فلا غفر الله لهم ذلك أبداً يابن شبيب , إن كُنت باكياً لشيء , فابك للحُسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم‌السلام ) , فإنّه ذُبح كما يُذبح الكبش , وقُتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجُلاً ما لهم في الأرض شبيه , ولقد بكت السّماء والأرض لقتله , ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصرته فلم يؤذن لهم , فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم (عليه‌السلام ) فيكونون من أنصاره , وشعارهم يا لثارات الحُسين (عليه‌السلام ) يابن شبيب , لقد حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه (عليه‌السلام ) , أنّه لـمّا قُتل جدّي الحُسين (عليه‌السلام ) , أمطرت السّماء دماً وتراباً أحمراً.

يابن شبيب , إن بكيت على الحُسين , ثمّ تصير دموعك على خدّيك , غفر الله لك كُلّ ذنب أذنبته صغيراً كان أو كبيراً يابن شبيب , إن سرّك أن تلقى الله ولا ذنب عليك , فزر الحُسين (عليه‌السلام ) يابن شبيب , إن سرّك أن تسكن الغرف المبنية في الجنّة مع النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فالعن قاتل الحُسين يابن شبيب , إن سرّك أن يكون لك من الثّواب مثل ما لمن استشهد مع الحُسين (عليه‌السلام ) , فقُل متى ما ذكرته : يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً ! يابن شبيب , إن سرّك أن تكون معنا في الدّرجات العُلى من الجنات , فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا

____________________

(١) سورة آل عمران / ٣٨.

(٢) سورة آل عمران / ٣٩.

٥٦

وعليك بولايتنا , فلو أنّ رجُلاً أحبّ حجراً , لحشره الله معه يوم القيامة )).

فيا أيّها الأبرار , لا تبخلوا بالدّموع الغزار على عترة النّبي الـمُختار , ألا تحبّون أن يغفر الله لكم ويجزل ثوابكم ؟ أليس هم شفعاءكم يوم المعاد إذا وقفتم بين يدي ربّ العباد ؟ أليس بهم تحطّ الأوزار ؟ أليس هم الجنن الواقية من النّار ؟ فسارعوا رحمكم الله إلى النّوح والبكاء عليهم , فإنّ ذلك من أعظم القرب إلى الله وإليهم ، فيا عجباً ممّن يطيل النّوح على الدّيار , ويندب الرّبوع المقفرة والآثار , ولا يبكي لمصاب السّادة الأطهار وأولاد عليّ الكرّار ! ولكنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القُلوب التي في الصّدور.

فعلى الأطائب من أهل بيت الرّسول فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون , أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان , فنظم فيهم وقال :

القصيدة للنيلي (رحمه‌الله )

لا تنكري إن ألفت الهم والأرقا

وبت من بعدهم حلف الأسى قلقا

قد كنت آمل روحي أن تفارقني

ولا أرى شملنا الملتام مفترقا

ليث الركائب لازمت لبينهم

وليت ناعق يوم البين لا نعقا

كم هد ركني وكم أوهى قوى جلدي

وكم دم بمواضي جوره هرقا

لا تطلبوا أبداً مني البقاء فهل

يرجى مع البين من أهل الغرام بقا

يحق لي أن بكت عيني دماً لهم

وإن غدوت بنار الحزن محترقا

يا منزلا لعبت أيدي الشتات به

لعب النحول بجسمي إذ به علقا

مالي على ربعك البالي غدوت به

وظلت أسأل عن أهليه ما نطقا

أبكي عليه ولو أن البكاء على

سوى بني أحمد المختار ما خلقا

تحكمت فيهم الأعداء ويلهم

ومن نجيع الدما أسقوهم علقا

تداركت منهم الأعداء ثارهم

يوم الطفوف وداروا حولهم حلقا

ذادوهم عن ورود الماء ويلهم

ومن نجيعهم اسقوهم العلقا

تا لله كم قصموا ظهراً لحيدرة

وكم بروا للرسول الـمُصطفى عنقا

والله ما قبلوا بالطف يومهم

إلّا بما يوم (بدر) فيهم سبقا

وقد رواه حديثاً صادقاً لهم

زيد بن أرقم إذ كان أمره حذقا

٥٧

إذا قال كنت مقيماً في دمشق

جاءت سبايا حسين تذرف الأمقا

حتّى إذا أحضروهن الطغاة إلى

يزيد إذ زاده من كفره حنقا

حتّى إذا أبرزت للسبي جارية

كأنها البدر من حسن إذا اتسقا

فقال من هذه قالوا سكينة بنت

الخارجي الذي عن حكمنا أبقا

فقال كيف رأيت الله مكنني

رقابكم إذ لنا صرتم من العتقا

أخذت ثأري من ابن النّبي ومن

غدا من أسلافنا من جدكم سبقا

هناك قالت أمه أنى ثكلتك يا

أردى الأنام ويا من ليس فيه تقا

اسمع مناماً رأت عيناي بارحتّى

يزيد قلبك هماً عندما طفقا

فقال قصي لنا رؤياك فابتدرت

تقص والدمع منها يسبق النطقا

فبينما أنا إذ صلّيت نافلتي

أثنى عليّ خالقي والليل قد غسقا

إذ الحُسين أبي قد جاء ملتثماً

فرقى وقد مد لي كفيه معتنقا

وعاينت مقلتي من بعد ذاك إلى

قصر من النور يزهو أبيضاً يققا

عال شرانفه الياقوت حمرتها

للناظرين إليها يدهش الامقا

فبينما أنا نحو القصر ناظرة

إذ شرع الباب لي من بعدما غلقا

وعاينت مقلتي خمساً وقد برزوا

من المشايخ في ترتيبهم نسقا

ومن بين أيديهم شخص فقلت له

والقلب مني لما عاينت قد خفقا

لمن ترى يا فتى ذا القصر قالوا لمو

لاك الحُسين ولولاه لما خلقا

وهذه الخمسة الأشباح آدم

ثمّ الطهر نوح الذي في حبكم سقا

وذا الخليل وهناك الكليم وذا

عيسى النّبي الذي يبرئ بغير رقا

وعاينت مقلتي شخصاً لطلعته

نور علا الشمس لما تبلغ الأفقا

وكفه قابض من فوق لمته

باك بعبرته قد صار مختنقا

وقد قطعت زفرات الحزن مهجته

والقلب منه لما قد ناله حنقا

فقلت من ذا فقالوا يا سكينة ذا

النّبي جدك ينجو من به علقا

فقمت اسعى إليه ثمّ قلت له

يا جد لم يبق منا من به وثقا

يا جدنا لو ترى بالطف قد قتلت

رجالنا وإبنك السبط الشهيد لقا

يا جدنا لو ترانا نستغيث فلا

نغاث قد قطعوا من دوننا الطرقا

٥٨

يا جدنا لو ترانا إذ نحث على

الأقتاب نطلب من أعدائنا الرفقا

فعندها ضمني جدي وقبلني

وخر من عظم ما حدثته صعقا

ومد كفي وصيف القوم أدخلني

في القصر وهو بطيب المسك قد عبقا

وفيه خمس نساء لو برزن إلى

الشمس الظهيرة خلتا نورها شفقا

وبين تلك النساء الخمس باكية

قد أكثرت دونهن النوح والحرقا

أثوابها من سود قد صبغن وفي

أزياقها الدمع في الأردان قد خرقا

وشعرها فوق كتفيها تنشره

على الحُسين ومنها الجيب قد مزقا

فقلت أخبرني يا ذا الوصف فمن

هذي النساء فقل لي لا لقيت شقا

فقال هاتيك يا سكينة و

الاُخرى خديجة أو في العالمين تقا

وهذه مريم أيضاً وسارتها

مع هاجر قد ملكن الخلق والخلقا

وذي القميص الذي قد ضمخته دماً

بنت النّبي الذي فوق البراق رقا

فقمت أسعى إليها ثمّ قلت لها

أخبرك أن أبي بالبيض قد مزقا

يا جدنا لو ترى عيناك إبنك

بين الرأس منه وبين الجسم قد مزقا

يا جدنا لو رأيتنا وليس لنا

عن أعين الناس من فوق المطى وقا

فعندها صرخت في الحل فاطمة

حتّى لقد خلت أن القصر قد طبقا

وأقبلت وهي تشكي تستغيث على

قتل الحُسين وتذري الدمع مندفقا

والهفتاه لحزني فيك يا ولدي

وا حسرتا يا قتيل الصحب والرفقا

وا طول لهفي عليك اليوم يا ولدي

لأهجرن سهادي فيك والأرقا

وظل من حولها النسوان في ثكل

يندبن للسبط لا لهواً ولا ملقا

هنا قامت وضمتني براحتها

لصدرها فسكبت الدمع مندفقا

وأقبلت وهي تذري الدمع تسألني

عن الحُسين وعن طاغ به طرقا

وتستغيث وتدعو يا سكينة من

أضحى يغسل إبني من به رفقا

ويلاه ويلاه من أضحى يكفنه

ومن رأى وجهه والنحر والحدقا

ويلاه ويلاه من عبى الحنوط

ومن ترى سار حول النعش والنطلقا

ويلاه ويلاه من صلّى عليه ومن

أيضاً ترى للثرى في لحده طبقا

ومن ترى يكفل الأيتام ويحك بعد

ابني الحُسين ومن في حبنا صداقا

٥٩

وكيف خلف زين العابدين ومن

أوصى إليه من الأصحاب والرفقا

متى أرى القائم المهدي يقدم جيش

الله والسنجق المنصور قد خفقا

هناك أظهر عن ما لو أردت به

خرق السموات من دون الورى خرقا

يا آل طه لقد نال الأمان بكم

في البعث كلّ ولي مؤمن صدقا

أحب أعدائي فيكم إذ تحبكم

وإنني أهجر الأهلين والرفقا

فهانموها من النيلي رائقة

تحكي الحيا رقة لفظاً ومنتسقا

إذا تلا نائح يوماً محاسنها

أزرت على كلّ من بالشعر قد نطقا

من شاعر في مجال الشعر خاطره

إلى طريق العلا والمجد قد سبقا

بها سموت على من قال مقتدما

حي الفريق الحي فافترقا

وأزفت ما قال نصر في قصيدته

طيف لخنساء من بعد الكرى طرقا

بعد الصلاة على المختار سيدنا

خير الورى شرفاً ما مثله خلقا

٦٠