المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء ١

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)0%

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 220

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

مؤلف: الإمام الكبير والـمُصنّف الشّهير الشّيخ فخر الدّين الطريحي النّجفي
تصنيف:

الصفحات: 220
المشاهدات: 34962
تحميل: 4544


توضيحات:

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 220 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 34962 / تحميل: 4544
الحجم الحجم الحجم
المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء 1

مؤلف:
العربية

المجلس الرّابع

في اليوم الثّاني من عشر الـمُحرّم

وفيه أبواب ثلاثة

الباب الأوّل

أيّها المؤمنون , ألم تسمعوا بمصائب آل الرّسول وأولاد الزّهراء البتول ؟ أم سمعتم وأنتم غافلون بإهراق الدّموع متباخلون ؟ ليس هذا من فعل الـمُحبّين ولا من دأب الـمُريدين , وكيف لا يحزن على مثلهم وهم اُمناء الرّحمن , ومَن شهد بفضلهم القرآن , وبكى عليهم كلّ مخلوق كان , والمخدومون والملائكة الكرام , والـمُباهي بفضلهم النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ؟! تركهم الأعداء بين مقتول بالسّم , وشهيد مضرّج بالدّم , وفقيد لا يُعرف قبره وإلى أيّ شيء آل أمره , وبين رأس على سنان , وبدن بلا رأس بين الأبدان , وبين شيبة بالدّماء مخضوبة , وبنت لرسول الله مسلوبة , وحرمة الرّسول مهتوكة , وطريدة بالعلى منهوكة فيا شوهاً لطوائف الأدعياء وقُبحاً لأولئك الأشقياء , كيف ترونهم ينظر إليهم النّبي أو يسقيهم من الحوض الوصي ؟! وكيف بهم إذا أتت بنت سيّد الثّقلين , مصبوغة ثيابها بدماء الحُسين , وتعلّقت بقائمة العرش وهي تقول : (( يا عدل يا حكيم , احكم بيني وبين قاتل ولدي )) فهنالك حقّت عليهم كلمة العذاب , ولهم عذاب شديد غير مبيد , ولله درّ بعض ذوي العقول حيث يقول :

بنفسي طريحاً نازحاً عن دياره

تريب المحيا عاري الجسم مجتلا

بنفسي نساء السبط يبكين حوله

ظمايا حيارى حاسرات وثكلا

٦١

بنفسي عليّ بن الحُسين مقيداً

بقيد ثقيل بالحديد مكبلا

تناديه بالشجو العظيم سكينة

أيا أبتا ماذا دهانا وأثكلا

وزينب تدعو جدها يا مُحمّد

أيا جدنا صفوة الله ذي العلا

أيا جدنا يعزز عليك بأن يرى

حبيبك مقتولاً عفيراً مجدلا

وساقوا السايا حاسرات أذلة

وقادوا عليّ بن الحُسين مغللا

وساروا برأس الطاهرين وخلفوا

حسيناً بأرض الطف شلواً مجدلا

تجر عليه العاصفات ذيولها

ويبكي عليه الوحش والطير في الفلا

الا لعن الرّحمن آل اُميّة

وعجلهم ثمّ الدلام ونعثلا

وأشياعهم أو من رضي بفعالهم

واتبعهم أو من لهم كان قد تلا

عليكم سلام الله ما در شارق

وما أن حدي الحادي وركب تحملا

روى شرحبيل بن أبي عون , أنّه قال : لـمّا ولد الحُسين (عليه‌السلام ) , هبط ملك من ملائكة الفردوس الأعلى ونزل إلى البحر الأعظم , ونادى في أقطار السّموات والأرض : يا عباد الله , البسوا ثوب الأحزان واظهروا التّفجع والأشجان ؛ فإنّ فرخ مُحمّد مذبوح مظلوم مقهور ثمّ جاء ذلك الملك إلى النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , وقال : يا حبيب الله , يُقتل على هذه الأرض قوم من أهل بيتك , تقتلهم فرقة باغية من اُمّتك , ظالمة معتدية فاسقة , يقتلون فرخك الحُسين ابن ابنتك الطّاهرة , يقتلوه بأرض كربلاء وهذه تربته ثمّ ناوله قبضة من أرض كربلاء , وقال له : يا مُحمّد , احفظ هذه التّربة عندك حتّى تراها وقد تغيّرت واحمرّت وصارت كالدّم , فاعلم أنّ ولدك الحُسين قد قُتل.

ثمّ إنّ ذلك الملك , حمل من تربة الحُسين (عليه‌السلام ) على بعض أجنحته وصعد إلى السّماء بها , فلم يبق ملك في السّماء إلّا وشمّ تربة الحُسين (عليه‌السلام ) وتبرّك بها , قال : ولـمّا أخذ النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) تربة الحُسين (عليه‌السلام ) , جعل يشمّها ويبكي وهو يقول : (( قتل الله قاتلك يا حُسين , وأصلاه في نار الجحيم ، اللّهمّ لا تُبارك في قاتله , واصله حرّ نار جهنّم وبئس المصير )) ثمّ دفع تلك التّربة من تربة الحُسين إلى زوجته اُمّ سلمة , وأخبرها بقتل الحُسين (عليه‌السلام ) بطفّ كربلاء , وقال لها : (( يا اُمّ سلمة , خُذي هذه التّربة إليك وتعاهديها بعد وفاتي , فإذا رأيتيها وقد تغيّرت واحمرّت وصارت دماً عبيطاً , فاعلمي أنّ ولدي الحُسين قد قُتل بطفّ كربلاء )) فلمّا أتى للحُسين سنة

٦٢

كاملة من مولده , هبط إلى رسول الله اثني عشر ألف ملك على صور شتّى , محمرّة وجوههم باكية عيونهم , ونشروا أجنحتهم بين يدي رسول الله وهم يقولون : يا مُحمّد , إنّه سينزل بولدك الحُسين مثل ما نزل بهابيل من قابيل.

قال : ولم يبق ملك في السّماء إلّا ونزل على رسول الله ؛ يُعزّيه بولده الحُسين , ويخبره بما يُعطى من الأجر لزائره والباكي عليه , والنّبي مع ذلك يبكي ويقول : (( اللهمّ اخذل من خذله واقتل من قتله , ولا تمتعه بما أمله في الدّنيا , واصله حرّ نارك في الآخرة )) ولله درّ مَن قال :

أزالوهم بالقهر عن إرث جدهم

عناداً وما شاءوا أحلوا وحرموا

وقادوا علياً في حمائل سيفه

وعمار دقوا ضلعه وتهجموا

على بيت بنت الـمُصطفى وإمامهم

ينادي ألا في بيتها النار فاضرم

فو الله ما أدري الحُسين ورهطه

وصبرهم فيئاً يحاز ويقسم

سوى حبتر ثم الدلام ونعثل

لأنهم في كلّ ظلم تقدموا

وتلك التي جاءت تقود عسكراً

على جمل يحدوا بها المترنم

أبوها يولي الدبر في كلّ موقف

وابنته عند اللقا تتقدم

ألا لعن الله المهيمن حبترا

وابنته تعداد ما الله يعلم

روي في بعض الأخبار عن ثقاة الأخيار : أنّ نصرانياً أتى رسولاً من ملك الرّوم إلى يزيد , وقد حضر في مجلسه الذي أتى فيه برأس الحُسين (عليه‌السلام ) , فلمّا رأى النّصراني رأس الحُسين , بكى وصاح وناح حتّى ابتلّت لحيته بالدّموع , ثمّ قال : اعلم يا يزيد , إنّي دخلت المدينة تاجراً في أيّام حياة النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , وقد أردت أن آتيه بهدية , فسألت من أصحابه : أيّ شيء أحبّ إليه من الهدايا ؟ فقالوا : الطّيب أحبّ إليه من كُلّ شيء , وإنّ له رغبة فيه قال : فحملت من المسك فارتين , وقدراً من العنبر الأشهب , وجئت به إليه وهو يومئذ في بيت زوجته اُمّ سلمة (رضي‌الله‌عنه ) , فلمّا شاهدت جماله , أزاد لعيني من لقائه نوراً ساطعاً , وزادني منه سروراً , وقد تعلّق قلبي بمحبّته , فسلّمت عليه ووضعت العطر بين يديه , فقال : (( ما هذا ؟ )) قُلت : هدية محقرة أتيت بها إلى حضرتك فقال لي : (( ما اسمك ؟ )) فقلت : اسمي عبد شمس فقال لي : (( بدّل اسمك , فأنا أسمّيك عبد الوهاب إن قبلت منّي الإسلام قبلت منك الهدية )) قال : فنظرته وتأمّلته , فعلمت أنّه نبيّ وهو الذي أخبرنا عنه عيسى , حيث قال : إنّي

٦٣

مبشر لكم برسول يأتي من بعدي , اسمه أحمد فاعتقدت ذلك وأسلمت على يده في تلك السّاعة , ورجعت إلى الرّوم وأنا أخفي الإسلام , ولي مدّة من السّنين وأنا مُسلم مع خمس من البنين وأربع من البنات , وأنا اليوم وزير ملك الرّوم , وليس لأحد من النّصارى اطلاع على حالنا.

واعلم يا يزيد , إنّي يوم كنت في حضرة النّبي وهو في بيت اُمّ سلمة , رأيت هذا العزيز الذي رأسه وضع بين يديك مُهاناً حقيراً , قد دخل على جدّه من باب الحجرة , والنّبي فاتح بابه ليتناوله , وهو يقول : (( مرحباً بك يا حبيبي )) حتّى أنّه تناوله واجلسه في حجره , وجعل يُقبّل شفتيه ويرشف ثناياه , وهو يقول : (( بُعداً , لا رحمه ‌الله م َن قتلك يا حسين وأعان على قتلك )) والنّبي مع ذلك يبكي , فلمّا كان اليوم الثّاني , كنت مع النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في مسجده , إذ أتاه الحسن (عليه‌السلام ) مع أخيه الحُسين (عليه‌السلام ) , وقال : (( يا جدّاه , قد تصارعت مع أخي الحُسين (عليه‌السلام ) , ولم يغلب أحدنا الآخر , وإنّما نريد أن نعلم أيّنا أشدّ قوّة من الآخر )) فقال لهُما النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( يا حبيبي ويا مهجتي , إنّ التّصارع لا يليق لكما , اذهبا فتكاتبا , فمَن كان خطّه أحسن , كذلك تكون قوّته أكثر )) قال : فمضيا وكتب كُلّ واحد منهما سطراً , وأتيا إلى جدّهما النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فأعطياه اللوح ليقضي بينهما , فنظر النّبي إليهما ساعة ولم يرد أن يكسر قلب أحدهما , فقال لهما : (( يا حبيبي , إنّي اُمّيّ لا أعرف الخط , اذهبا إلى أبيكما ليحكم بينكما , وينظر أيّكما أحسن خطّاً )) قال : فمضيا إليه وقام النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أيضاً معهما , ودخلوا جميعاً إلى منزل فاطمة (عليها‌السلام ) , فما كان إلّا ساعة وإذا النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مُقبل وسلمان الفارسي معه , وكان بيني وبين سلمان صداقة ومودّة , فسألته : كيف حكم أبوهما , وخطّ أيّهما أحسن ؟ قال سلمان (رضي‌الله‌عنه ) : إنّ النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم يجبهما بشيء ؛ لأنّه تأمّل أمرهما وقال : (( لو قُلت خطّ الحسن أحسن كان يغتمّ الحُسين , ولو قُلت خطّ الحُسين أحسن كان يغتمّ الحسن , فوجهتهما إلى أبيهما )) فقلت : يا سلمان , بحقّ الصّداقة والإخوّة التي بيني وبينك , وبحقّ دين الإسلام , إلّا ما أخبرتني كيف حكم أبوهما بينهما ؟ فقال : لـمّا أتيا إلى أبيهما وتأمّل حالهما , رقّ لهما ولم يرد أن يكسر قلب أحدهما , قال لهما : (( امضيا إلى اُمّكما فهي تحكم بينكما )) فأتيا إلى اُمّهما وعرضوا عليها ما كتبا في اللوح وقالا : (( يا اُمّاه , إنّ جدّنا أمرنا أن نتكاتب , فكلّ مَن كان خطّه أحسن تكون قوّته أكثر , فتكاتبنا وجئنا إليه , فوجّهنا إلى أبينا فلم

٦٤

يحكم بيننا , ووجّهنا إلى عندك )) فتفكّرت فاطمة (عليها‌السلام ) بأنّ جدّهما وأباهما ما أرادا كسر خاطرهما , أنا ما أصنع وكيف أحكم بينهما , فقالت لهما : (( يا قرّتي عيني , إنّي أقطع قلادتي على رأسكما , فأيّكما يلتقط من لؤلؤها أكثر , كان خطّه أحسن وتكون قوّته أكثر )) قال : وكان في قلادتها سبع لؤلؤات ثمّ إنّها قامت فقطعت قلادتها على رأسهما , فالتقط الحسن ثلاث لؤلؤات , والتقط الحُسين ثلاث لؤلؤات وبقيت الاُخرى , فأراد كُلّ منهما تناولها , فأمر الله تعالى جبرائيل (عليه‌السلام ) بنزوله إلى الأرض , وأن يضرب بجناحيه تلك اللؤلؤة ويقدّها نصفين بالسّوية , ليأخذ كُلّ منهما نصفاً ؛ لئلا يغتمّ قلب أحدهما , فنزل جبرائيل (عليه‌السلام ) كطرفة عين وقدّ اللؤلؤة نصفين , فأخذ كُلّ منهما نصفاً فانظر يا يزيد , إنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم يدخل على أحدهما ألم التّرجيح في الكتابة , ولم يرد كسر قلبهما , وكذلك أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) وفاطمة (عليها‌السلام ) , وكذلك ربّ العزّة لم يرد كسر قلب أحدهما , بل أمر مَن يقسم اللؤلؤة بينهما ؛ لجبر قلبهما , وأنت هكذا تفعل بابن بنت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ؟! أفّ لك ولدينك يا يزيد.

ثمّ إنّ النّصراني نهض إلى رأس الحُسين (عليه‌السلام ) , واحتضنه وجعل يُقبّله , وهو يبكي ويقول : يا حُسين , اشهد لي عند جدّك مُحمّد الـمُصطفى , وعند أبيك الـمُرتضى , وعند اُمّك فاطمة الزّهراء (صلوات الله عليهم أجمعين).

فيا إخواني , أديموا رحمكم الله الحزن الطّويل , وواظبوا على النّدب والعويل , فعلى مثل أهل البيت فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون , أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان وتتابعت عليه الأشجان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للخليعي (رحمه‌الله )

لم أبك ربعاً دارس العرصات

أضحت معارفه من النكرات

درست معاهده وغيرها البلى

ونأت بساكنها يد الغربات

عفت الوقوف على الديار تجنبي

منها الصدى بتردد الكلمات

لكن بكيت على حريم مُحمّد

يشهرن فوق غوارب البدنات

وتذكري رفع الكريم أعاد لي

حزناً كيوم مصارع السادات

بأبي ربيبات البتول نوادباً

من عظم أحزان وطول شتات

لما قفلن إلى الشآم قريحة

أجفانهن سواكب العبرات

٦٥

والرأس منتصب وزينب عنده

ودموعها تجري على الوجنات

تشكو إليه ووجهه متوقد

كالبدر يجلو حندس الظلمات

وتصيح وا حزاني وتدعو يا أخي

وخليفتي لعظائم النكبات

لهفي عليك وأنت ثاو بالعرى

ملقى على الرمضاء في الفلوات

لهفي عليك وأنت تشتكي

حر الظما وتلهب الزفرات

لهفي على ما نيل منك بكربلا

من قتل أبناء وسبي بنات

لهفي لهن مسلبات حسرا

فواضل الأردان مختمرات

لهفي لما أودعت قلب مُحمّد

وفؤاد فاطمة من الحسرات

يا واحدي لو كنت شاهد ما جرى

من ذلنا وتعزز الشمات

صبت علي مصائب لا تنقضي

من فقد أحباب وقتل حمات

وتعج والأيام سكرى حولها

قرحى الجفون خوافت الأصوات

ولرأس مولاي الحُسين ترنّم

في الليل يتلو محكم الآيات

والسيد السجاد يدعوها ألا

اصطبري فإت كلما هو آت

وكفي الدموع ورأفتي رب العلا

فعليك منه أفضل الصلوات

وتيقني أن الشهيد مخلد

لا تحسبيه يعد في الأموات

واستبشري يا عمتي فلك الهنا

بقيام دولة آخذ الثارات

والقائم المهدي والمولى الذي

يستأصل الأعداء بالنقمات

يا سادتي يا من بنور هداهم

وسناهم يجلي دجى الظلمات

بولاكم يا خير وطأ الثرى

نيل المنى وتقبل الطاعات

وكذا البراءة من أعاديكم بها

يعفو الإله غدا من الزلات

واليتكم ونصبت حرب عداكم

فرفعتم فوق العلى درجات

وتناوشوني حاسد ومعاند

وتظاهرا بالحقد والأحنات

يا رب فاشهد أنني متبرء

منهم وممن خان عقد ولات

من معشر جحدوا النّبي حقوقه

وتحاملوا ظلما على مولاتي

نال الخليعي الأمان بحبكم

ونجا من النيران أي نجات

لا تحسب الشعراء إن قد أدركوا

تحديد فضلكم بكنه صفات

٦٦

لكنهم نظروا الكتاب فضمنوا

من مدحكم ما جاء في الآيات

ليبدلن الله خوف وليكم

أمناً ويجزيه على الحسنات

ويمكن الدين الذي لكم ارتضى

جهراً على رغم الزنيم العات

الباب الثّاني

اعلموا تقبّل الله أعمالكم وأحسن لديه آلكم , إنّ الله تعالى لا يقبل الأعذار في ترك المآتم على الآل الأطهار ؛ لأنّه تعالى جرت عادته بتكليف العباد بعد إلهامهم الرّشاد ؛ ليفيض عليهم من الخيرات فيصلون إلى الكمالات , ولا شيء لعمري , اُدّعى لحصول الثّواب العظيم وإزالة العذاب الأليم , من إظهار شعائر الأحزان وإجراء الدّموع الهتان , على ما أصابهم في ذلك الزّمان من أهل الغدر والخذلان , فكم من دم مسفوح وطفل مذبوح وقلب مقروح , ومرمّل بالدّماء ومسلوب للرداء , ومنبوذ بالعرى ومذبوح من القفا , وقرّة عين الـمُصطفى , وثمرة فؤاد الزّهراء بنت خاتم الأنبياء , فيا لله ! ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حُرمة الرّسول , فنوحوا أيّها الإخوان , وضجّوا بالعويل وعجّوا بالبكاء على هذا الرّزء الجليل , ولله در مَن قال من الرّجال :

بنفسي خدوداً في التراب تعفرت

بنفسي جسوماً بالعراء تعرت

بنفسي رؤوساً معليات على القنا

إلى الشام تهدي بارقات الأسنتى

بنفسي شفات ذابلات من الظما

ولم تحظ من ماء الفرات بقطرة

بنفسي عيونا غابرات شواهرا

الى الماء منها نظرة بعد نظرة

بنفسي من آل النّبي خرائد

حواسر لم تغدف عليهم بسترة

تفيض دموعاً بالدماء مشوبة

كقطر الغوادي من مدامع ثرت

على خير جيل من كهول وفتية

مصاليت انجاد إذا الخيل كرت

ربيع اليتامى والأرامل فابكها

مدارس للقرآن في كل سحرة

وأعلام دين الـمُصطفى وولاته

وأصحاب قربان وحج وعمرة

ينادون يا جداه أية محنة

نراها علينا من اُمية مرّت

ضغائن بدر بعد ستين أظهرت

وكانت أجنت في الحشا وأسرت

٦٧

كأني ببنت الـمُصطفى قد تعلقت

يداها بساق العرش والدمع أذرت

وفي حجرها ثوب الحُسين مضمخا

وعنها جميع العالمين بحسرت

تقول أيا عدل أقض بيني وبين من

تعدى على ابني بعد قهر وقسرت

أجالوا عليه بالصوارم والقنا

وأسقوه كأس الموتّ طعم الممرت

هم أول العادين ظلماً على الورى

ومن سار فيهم بالأذى والمضرت

مضوا وانقضت أيامهم وعهودهم

سوى لعنة باءوا بها واستمرت

روي عن السّيد السّعيد عبد الحميد يرفعه إلى مشايخه , عن منذر الثّوري , عن أبيه , عمّن أخبره , قال : قال الحُسين (عليه‌السلام ) : (( أنا قتيل العبرة , ما ذُكرت عند مؤمن إلّا بكى واغتمّ لمصابي )).

وروى أيضاً عبد الحميد يرفعه إلى مشايخه إلى جابر الجعفي , يرويه عن أبي عبد الله , ثمّ قال : (( يا جابر , كم بينكم وبين قبر الحُسين (عليه‌السلام ) ؟ )) قال , قُلت : يوم وبعض آخر قال , فقال لي : (( أتزوره ؟ )) قال , قلت : نعم قال : (( ألا اُفرّحك ألا اُبشرّك بثوابه ؟ )) قلت : بلى جعلت فداك ! قال : (( إنّ الرّجل منكم ليتهيأ لزيارته , فتباشر به أهل السّماء , فإذا خرج من باب منزله راكباً أو ماشياً , وكّل الله عزّ وجلّ به أربعين ألفاً من الملائكة , يُصلّون عليه حتّى يوافي قبر الحُسين (عليه‌السلام ) , وثواب كُلّ قدم يرفعها , كثواب المتشحّط بدمه في سبيل الله , فإذا سلّمت على القبر , فاستلمه بيدك وقُل : السّلام عليك يا حُجّة الله في أرضه ثمّ انهض إلى صلاتك , فإنّ الله تعالى يُصلّي عليك وملائكته حتّى تفرغ من صلاتك , ولك بكُلّ ركعة تركعها عنده ؛ ثواب مَن حجّ ألف حجّة , واعتمر ألف عُمرة , وأعتق ألف رقبة , وكمَن وقف في سبيل الله ألف مرّة مع نبي مرسل , فإذا أنت قمت من عند القبر , نادى مناد لو سمعت مقالته , لأفنيت عمرك عند قبر الحُسين (عليه‌السلام ) , وهو يقول : طوبى لك أيّها العبد , لقد غنمت وسلمت , قد غفر الله لك ما سلف فاستأنف العمل )) قال : (( فإن مات من عامه أو من ليلته أو من يومه , لم يقبض روحه إلّا الله تعالى )) قال : (( ويقوم معه الملائكة يُسبّحون ويُصلّون عليه حتّى يوافي منزله , فتقول الملائكة : ربّنا , عبدك وافى قبر وليّك وقد وافى منزله , فأين نذهب ؟ فيأتيهم النّداء من قبل السّماء : يا ملائكتي , قفوا بباب عبدي , فسبّحوني وقدّسوني وهلّلوني , واكتبوا ذلك في حسناته إلى يوم وفاته فإذا توفّي ذلك العبد , شهدوا غسله

٦٨

وكفنه والصّلاة عليه , ثمّ يقولون : ربّنا , وكلتنا بباب عبدك وتوفّي , فأين نذهب ؟ فيأتيهم النّداء : يا ملائكتي , قفوا بقبر عبدي , فسبّحوني وقدّسوني وهلّلوني , واكتبوا ذلك في حسناته إلى يوم القيامة )).

فيا طوبى لـمَن أحبّهم ووالاهم , ويا خسران مَن أبغضهم وعاداهم :

عدوي عن محبتكم فنادى

وموتي تحت أرجلكم صلاحي

هواكم قبلة تهوي إليها

قلوب الناس من كلّ النواحي

فلا والله لا أسلو هواكم

ولا أصبو إلى قول اللواحي

فلعمري , لو تضاعفت أحزاني فتزايدت أشجاني , واُجريت عوض الدّموع دماً , وجعلت عمري كلّه مأتماً , وبقيت من شدّة الجزع والاكتئاب كالخلال , لم أوف ببعض ما يجب عليّ من حقّ الآل.

روي عن عاصم , عن أبي عبدالله (عليه‌السلام ) قال : (( يا عاصم , مَن زار الحُسين (عليه‌السلام ) وهو مغموم , أذهب الله غمّه , ومَن زاره وهو فقير , أذهب الله الفقر عنه , ومَن كانت به عاهة فدعى الله أن يذهبها , اُستجيبت دعوته وفرّج همّه وغمّه , فلا تدع زيارته , فكأنّك كُلمّا أتيته , كتب الله لك بكُلّ خطوة تخطوها عشر حسنات , ومحى عنك عشر سيئات , وكتب لك ثواب شهيد في سبيل الله أهريق دمه , فإيّاك أن تفوتك زيارته , وأمّا في الآخرة , فبولايتهم يحصل الفوز بالنّعيم الدّائم الـمُقيم , وبحبّهم يحصل الخلاص من العذاب الأليم )).

وعن الإمام أبي عبد الله (ع) قال : (( قال الحُسين (عليه‌السلام ) : مَن زارني بعد موتي , زرته يوم القيامة ولو لم يكُن إلّا في النّار لأخرجته )) :

يا عترة الهادي النّبي ومن هم

عزي وكنزي والرجا والمفزع

واليتكم وبرئت من أعدائكم

فأنا بغير ولاكم لا أقنع

صلّى الإله عليكم ما أحييت

فكروا وقضت العيون الهجع

روي عن إسحاق بن عمّار , عن أبي عبد الله (عليه‌السلام ) , قال : (( ما بين قبر الحُسين (عليه‌السلام ) إلى السّماء مُختلف الملائكة )) وعن بشير الدّهان قال , قُلت لأبي عبدالله : ربّما فاتني الحجّ وأعرف عند قبر الحُسين قال : (( أحسنت يا بشير , أيما مؤمن أتى قبر الحُسين (عليه‌السلام ) , عارفاً بحقّه في غير يوم عيد , كتب الله له عشرين حجّة وعشرين

٦٩

عمرة مبرورات مُتقبّلات , وألف غزوة مع نبيّ مُرسل أو إمام عادل )) قال , قلت : وكيف لي مثل الموقف ؟ قال : فنظر إليّ شبه الـمُغضب , ثمّ قال : (( يا بشير , إنّ المؤمن إذا أتى قبر الحُسين يوم عرفة , فاغتسل بالفُرات ثمّ توجّه إليه , كتب الله عزّ وجلّ له بكُلّ خطوة حجّة بمناسكها )) ولا أعلمه إلّا وقال : (( عمرة )).

وعن أبي جعفر الباقر (عليه‌السلام ) , أنّه قال : (( خلق الله تعالى كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام , ثمّ قدّسها وبارك فيها , فما زالت أرض كربلاء مُقدّسة مباركة طاهرة , قبل أن يخلق الله الخلق وقبل أن يكون الكون , ولم تزل كذلك حتّى جعلها الله أفضل أرض في الجنّة , وأفضل منزل ومسكن يسكن الله أولياءه في الجنّة , وهي أعلا وأرفع مساكن الجنّة , وأنّها إذا زلزل الله الأرض وسيّرها , رُفعت كما هي بتربتها نورانية صافية , فجُعلت أوّل روضة من رياض الجنّة , وأفضل مسكن في الجنّة , لا يسكنها إلّا النّبيون والمرسلون وأولوا العزم من الرّسل , وأنّها لتزهو بين رياض الجنّة , كما يزهو الكوكب الدّرّي لأهل الأرض , يغشي نورها أبصار أهل الجنّة جميعاً , وهي تُنادي: أنا الأرض الـمُقدّسة والطّينة الـمُباركة التي تضمّنت جسد سيّد الشُهداء , وسيّد شباب أهل الجنّة أبا عبد الله الحُسين )).

وفي بعض الأخبار : إنّ الله تعالى لـمّا خلق أرض الكعبة , افتخرت وابتهجت وقالت : مَن مثلي وقد بُني بيت الله على ظهري , ويأتيني النّاس من كلّ فجّ عميق , وجُعلت حرم الله وأمنه ؟! فاوحى الله تعالى إليها : (( يا أرض الكعبة , كفّي وقرّي , فوعزّتي وجلالي , ما فضّلتك به فيما أعطيت كربلاء , إلّا بمنزلة الإبرة التي اُغمست في البحر , ولو لا تربة كربلاء ما فضّلتك , ولو لا ما تضمّنته أرض كربلاء , ما خلقتك ولا خلقت البيت الذي افتخرت به , فقرّي واستقرّي وكوني متواضعة ذليلة مهينة , غير مستنكفة ولا مستكبرة على أرض كربلاء , وإلّا سخت بك وأهويت بك في نار جهنّم )) كلّ ذلك تعظيماً للحُسين (عليه‌السلام ) وإجلالاً له :

ما لي إذا وضع الحساب وسيلة

أنجو بها من حر نار الموعد

إلّا اعترافي بالذنوب وانني

متمسك بولاء آل مُحمّد

روي في بعض الأخبار , إنّ رجلاً جاء إلى الصّادق (عليه‌السلام ) وشكا إليه من علّة أردته , فقال له الصّادق (عليه‌السلام ) : (( يا هذا , استعمل تربة جدّي الحُسين (عليه‌السلام ) , فإنّ الله

٧٠

تعالى جعل الشّفاء فيها من جميع الأمراض , وأماناً من جميع الخوف , وإذا أراد أن يستعملها للشفاء , فليأخذ من تلك التّربة , ثمّ يقبّلها ويضعها على وجهه وعينيه وينزلها على جميع بدنه , ويقول : اللّهمّ بحقّ هذه التّربة وبحقّ مَن حلّ بها وثوى فيها , وبحقّ جدّه وأبيه واُمّه وأخيه والأئمة من ولده , بحقّ الملائكة الحافّين به , إلّا جعلتها شفاء من كلّ داء , وبرء من كلّ مرض , ونجاة من كلّ خوف , وحرزاً مما أخاف وأحذر , برحمتك يا أرحم الرّاحمين ثمّ استعمل من تلك التّربة أقل من الحمّصة , فإنّك تبرئ بإذن الله تعالى )) قال الرّجل : فو الله , إنّي فعلت ذلك فشفيت من علّتي في وقتي وساعتي , من بركات سيدي وابن سيدي أبي عبد الله الحُسين (عليه‌السلام ).

وعن إسحاق بن إسماعيل , أنّه قال : سمعت من الصّادق (عليه‌السلام ) , يقول : (( إنّ لموضع قبر الحُسين (عليه‌السلام ) حرمة معروفة , مَن عرفها واستجار بها اُجير )) فقلت : يا مولاي , فصف لي موضعها جعلت فداك ! فقال : (( امسح من موضع قبره الآن خمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رأسه , ومن ناحية رجليه كذلك , وعن يمينه كذلك وعن شماله , واعلم أنّ ذلك روضة من رياض الجنّة , ومنه معراج الملائكة تعرج فيه إلى السّماء بأعمال زوّاره , وليس ملك في السّموات ولا في الأرض , إلّا وهم يسألون الله عزّ وجلّ في زيارة قبر الحُسين , ففوج منهم ينزل وفوج يعرج إلى يوم القيامة )).

يا جوهر قام الوجود به

والناس بعدك كلهم عرض

أسهرت عيناً أنت قرتها

ولهي عليك وليس تغمض

وأتهت قلباً أنت منيته

القصوى بحزن فيك يعترض

روي : أنّ الصّادق (عليه‌السلام ) أصابه مرض , فأمر مولى أن يستأجر له أجيراً يدعو له بالعافية عند قبر الحُسين (عليه‌السلام ) , فخرج المولى فوجد رجلاً مؤمناً على الباب , فحكى له ما أمر به الصّادق , فقال الرّجل : أنا أمضي , لكنّ الحُسين إمام مُفترض الطّاعة , والصّادق إمام مُفترض الطّاعة , فكيف ذلك ؟! فرجع مولاه وعرّفه بمقالة الرّجل، فقال الصّادق : (( صدق الرّجل في مقالته , لكنّ لله بقاعاً يُستجاب فيها الدُعاء , فتلك البقعة من تلك البقاع , وإنّ الله عزّ وجلّ عوّض الحُسين (عليه‌السلام ) من قتله بثلاثة أشياء ؛ إجابة الدُعاء تحت قُبّته والشّفاء في تُربته والأئمّة من ذُرّيّته )) :

يا بفعة مات بها سيد

ما مثله في الناس من سيد

٧١

مات الهدى من بعده والندا

والعلم والحلم مع السؤدد

روي في بعض الأخبار : إنّ رجُلاً صالحاً , قال : رفعت إليّ امرأة غزلاً أبيض , فقالت لي : ادفع هذا الغزل إلى سدنة مكّة , ليخيط بها كسوة الكعبة فكرهت أن أدفعه إلى الحجبة , فقال (عليه‌السلام ) : (( اشتر به عسلاً وزعفراناً , وخُذ قليلاً من طين قبر الحُسين (عليه‌السلام ) , واعجنه بماء السّماء , واجعل فيه العسل والزّعفران , وفرّقه على أوليائنا المؤمنين ليداووا به مرضاهم )) ففعلت ما أمرني مولاي , فكلّ مريض أخذ منه شفي بإذن الله تعالى.

فيا إخواني , ما أطيب نشر فضائلهم الفاضلة , وما أعذب ذكر مدائحهم الكاملة , تقدست أنفس امتنعت عليهم من الهجوع , وطهرت أعين أسبلت عليهم شآبيب الدّموع , وظفر بالنّصيب الوافر مَن والاهم , وحصل الشّرف الظّاهر مَن مال عمّن عاداهم ، ما ضرّهم ما تجرّعوه من الآلام , لم تكن لحظة واحدة فيحلّون دار السّلم جوار الملك العلام فيا عيني سحّي دموعي ويا جفوني وافقي وأطيعي.

فعلى الأطائب من أهل البيت فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون ، أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ مُحمّد السمين (رحمه‌الله )

بان صبري وبان خافي شجوني

واستهلت بالدمع مني جفوني

واستهلت لما استهلت بدمع

حين جادت به شؤون شؤوني

وقلت مقلتي الرقاد ارتقاباً

بالسهي والسهاد ألف عيوني

وأستسرت مسرت السر لما

بان خوفي من سرها المكنون

فتبدت مصونة الحزن من قلبي

المعنى المتيم المحزون

ثمّ قالت للطرف أبرز ما كان

مصاناً من دمعك المسجون

واستمد الدماء أن نفد الدمع

فبالدمع أنت غير ضنين

واندب السبط في الطفوف فريداً

قد تخلا من مسعد ومعين

يتمنى لكي يبل غليلاً

وشربه من مباح ماء معين

فسقاه العدو كأساً دهاقا

من كؤوس الردى وماء المنون

لهف قلبي عليه وهو فؤول

يهدو في قوله وسكون

٧٢

ويحكم لا تهونوا بقتل حسين

فتذوقوا طعم العذاب المهين

لا تقولوا يوم القيامة إنا

ما علمنا وإنكم تجهلوني

تعرفوني بأنني خير خلق الله

قدماً وآنفاً تنكروني

تنكروني فلم بغير اجترام

تقتلوني وأنتم تعرفوني

إن جدي النّبي أشرف خلق الله

ذو الفضل والفخار المبين

وأبي المرتضى الوصي عليّ

وهو رب الإمكان والتمكين

والبتول الزّهراء بنت رسول الله

أمي لأجلها راقبوني

فأجابوه قد علمنا يقيناً

أن هذا الكلام حق اليقين

غير أنا نروم منك مراماً

فاعطياه بالطوع يابن الأمين

قل رضينا يزيد مولا ولياً

والياً حاكماً بحق مبين

فمتى قلت أنت في دعة الله

وحرز من بأسنا بيقين

عندما أفحشوا الجواب اجتراءاً

آب عنهم بصفقة المغبون

ثمّ نادى أهل الخيام ودمع العين

جازية برقة وبلين

أم كلثوم يا سكينة يا زينب

يا بنت فاطمة جاوبيني

أنت في عترتي وفي أهل بيتي

وعيالي وصبيتي تخلفيني

ثمّ قومي إذا أردت وداعاً

ودعيني من قبل أن تفقديني

إن هذا الأوان آن انتقالي

وارتحالي وحان يا أخت حيني

أخت ابني عليّ بعد وليي

وإمام هاد لدنيا ودين

أخت صبراً صبراً فليس يضيع

الله أجر الصبور والمستكين

لا تشقي جيباً عليّ وابكي

كلّ حين بفيض دمع هتون

وإذا ما مررت بالجسد الملقى

على الأرض شاحباً فاندبيني

وإذا ما تلوت نافلة الذكر

وصلّيت دائماً فاذكريني

والعني ما شربت ماء فرات

من عن الماء ظامياً منعوني

فأجابته عزّ والله ما قلت

علينا وليس ذاك بهون

لو قدرنا على الفداء فديناك

وبأرواحنا وبالمخزون

وشربنا من شربك كاسات

المنايا من كف ساقي المنون

٧٣

ثمّ لما رأته ملقى على الترب

تريب الخدين دامي الجبين

صرخت صرخة وقالت أجدة

العيس رفقاً هنية أوقفوني

لأودعه كي أبل غليلي

بوداعي منه ولا تمنعوني

فهو روحي فأين عنه رواحي

وهو قلبي فعنه لا تقلبوني

وهو شخصي فأين عنه شخوصي

فاشخصوا ثمّ عنه لا تشخصوني

وهو عدلي فأين عنه عدولي

فاعدلوا ثمّ عنه لا تعدلوني

فأجابوا صوت الشجي بسوط

وبضرب يبدي خفي الأنين

فاستغاثت بجدها وأبيها

وأخيها الزاكي الإمام المبين

بدموع على الخدود تجاري

من جفون قرحى وقلب حزين

ثمّ قالت يا موئلي يا مآلي

يا حصوني وأين مني حصوني

آه يا كسرتي لفقد حماتي

آه يا خذلتي لفقد معين

آه يا حسرتي ويا طول وحدي

أه يا ذلتي ويا طول هوان

جدي هذا القناع يسلب مني

ثم بالسوط بعد قنعوني

جدي هذا صدر الحُسين فقد ديس

عناداً له بقب البطون

رضضوه بغير إفراض غسل

جامع للحنوط والتكفين

جدي هذا الكريم فوق سنان

وسنان يغله باليمين

جدي هذي الرؤوس فوق قناها

وهي تهدي إلى يزيد اللعين

جدي هذي سكينة أسكنوها

بعد دار الأعزاز في دار هون

والسبايا على المطايا عرايا

مبديات لكل وجه مصون

سائرات بنا بغير وطاء

في سهول من بيدها وحزون

وإذا قلت للحداء رويداً

أزعجوا العيس عامداً وأزعجوني

وإذا قلت استروني بثوب

سلبوني ثوبي وما ستروني

وإذا قلت احجبوني عن الناس

تعدوا كفراً وما حجبوني

وإذا ما شكوت ضراً وبؤساً

رجموني بغياً وما رحموني

وإلى الله مشتكانا وما نلقاه

فيه من الأذى والهون

يا ذوي البيت والمشاعر والأركان

والحجر والصفا والحجون

يا ذوي الذاريات والطور

والأعراف والنحل والنساء ونون

٧٤

فاز من مكن اليدين من الود

وفازت يداه بالتمكين

فاز بالصدق في الولاء كما

فاز بصدق الولاء نجل السمين

عبدكم أهدى إليكم نظاماً

فاق في نظمه نظام الثمين

فعليكم من ربكم صلوات

وسلام في كل وقت وحين

الباب الثّالث

تفكّروا يا إخواني في الدّين ، فيما قدم عليه الأنصار من إخوانكم المؤمنين , لكنّهم ظهر لهم السّر المكنون فعلموا ما كان وما يكون ، ورضوا عن الرّحمن فسمحوا في محبته بالأرواح ، وغضبوا الملك الدّيان فأجادوا في سبيله بالكفاح , آساد غيل غرير عرينها قليل قرينها ، جاهدوا في سبيل ذي الجلال وبذلوا نفوسهم في محاربة أهل الزّيغ والضّلال ، رموهم بالجياد حتّى انطوين , وضربوهم بالسّيوف حتّى انحنين ، وطعنوهم بالرّماح حتّى ارتوين , أو ليس هم القوم الذين إذا دعوا لم يقولوا أين أين ولم يخافوا الحين ، ولا سقطوا بين بين وأين ؟ لكم مثل أنصار مولاكم الحُسين أين ؟ ولله درّ مَن قال فيهم من الرّجال :

هم القوم أقيال مناجيد سادة

مذ أو يد أبطال لها الحرب منزل

كماة حماة يرهب الموت بأسهم

وليس لهم عن حومة الضرب معدل

فكم غادروا من غادر في كريهة

وكم عقلوا من كافر ليس يعقل

وحادوا وجادوا بالنفوس أمامه

وذاك من الجود العظيم المؤمل

وسادوا فشادوا منزلاً متطاولاً

دعائمه فوق السماكين أطول

وحاموا فحاموا دون سبط محمد

إلى أن تداعوا للمنايا وقتلوا

فلهفي لهم صرعى أمام إمامهم

ومن دمهم وجهه الثرى متبلل

وقد نسجت أيدي الرياح من الثرى

لهم حللاً من فوقهم تتجلل

فلو أنني شاهدت مشهد كربلا

وسيفي بكفي كنت للنفس أبذل

وواسيتهم بالطعن والضرب والقنا

فذاك المنى لو أن ذلك يحصل

روي من طريق الخصم ، وعن أنس بن مالك , قال : قرأ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) :( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ

٧٥

لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللّهِ ) (١) . فقام إليه رجل , فقال : أيّ بيوت هذه يا رسول الله ؟ فقال : (( بيوت الأنبياء )) فقام الأوّل فقال : يا رسول الله , هذا البيت منها - يعني بيت عليّ وفاطمة - ؟ قال : (( نعم ، من أفاضلها )).

ومن طريقهم أيضاً في الصّحيحين , قال : لـمّا نزل قوله تعالى :( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى‏ ) (٢) قالوا : يا رسول الله , ومَن قرابتك التي أوجبت علينا مودتهم ؟ فقال : (( عليّ وفاطمة وابناهما )).

ومن طريقهم أيضاً , ما رواه الفقيه المغازلي الشّافعي , بإسناده عن ابن عبّاس , قال : سُئل النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه فقال : (( سأله بمُحمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحُسين إلّا تبت عليّ , فتاب عليه )) :

آل طه يا من بهم يغفر الله

ذنوبي وما جنته يميني

وإمامي في يوم بعثي وأمني

عند خوفي في كلّ خطب وضيني

أنتموا قبلتي وحجي وفرضي

وصلاتي وأصل نسكي وديني

من تمسك بكم وأم إليكم

قد نجا والتجا بحصن حصين

لا أبالي وإن تعاظم ذنبي

يوم بعثي لكن يقيني يقيني

كل عزى بين الأنام وفخري

يوم أخشى بابكم تقبلوني

أنا منكم لكم بكم واليكم

فرط وجدي وذا حنين أنيني

فعليكم من الإله صلاة

كلما ناح طائر بالغصون

يا إخواني , مَن علق بحبّهم سلم , والتجأ إلى كهف عزّهم ربح وغنم , ومَن اقتفى أثرهم حصل على سواء الطّريق، ومَن تنكّب عن سمتهم وقع في المضيق بالتّحقيق , إذا أحبّ الله عبداً القى حجّتهم عليه ، وإن أبغض عبداً ألقى الشّيطان بغضهم إليه ، فمحبّتهم المقرّبة إلى الملك العلام , المؤدّية إلى أعظم المرام , لا تحصل بمجرّد الكلام ما لم تفترق بإعتقاد يحصل به برد الإيمان , وتشبّ به على مصابهم نيران الأحزان.

روى قتادة : أنّ أروى بنت الحارث بن عبد الملك , دخلت على معاوية بن أبي سفيان وقد قدم المدينة - وهي عجوز كبيرة - , فلمّا رآها معاوية , قال : مرحباً بك يا خالة , كيف كنت بعدي ؟ قالت : كيف أنت يابن أختي , لقد كفرت النّعمة وأسأت لابن عمّك الصّحبة , وتسمّيت بغير اسمك

____________________

(١) سورة النّور / ٣٦ - ٣٧.

(٢) سورة الشّورى / ٢٣.

٧٦

, واخذت غير حقّك بلا بلاء كان منك ولا من آبائك في ديننا , ولا سابقة كانت لكم , بل كفرتم بما جاء به مُحمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فانغس الله الخدود , وأصغر منكم الخدود , وردّ الحقّ إلى أهله ، فكانت كلمتنا هي العليا , ونبينا هو المنصور على مَن ناواه ، فوثبت قُريش علينا من بعده حسداً لنا وبغياً , فكنّا بحمد الله ونعمته , أهل بيت فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون ، وكان سيّدنا فيكم بعد نبيّنا (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , بمنزلة هارون من موسى ، غايتنا الجنّة وغايتكم النّار.

فقال لها عمرو بن العاص : كفّى أيّتها العجوز الضّالة , واقصري من قولك مع ذهاب عقلك , إذ لا تجوز شهادتك وحدك فقالت : وأنت يا بن الباغية , تتكلّم واُمّك أشهر بغي بمكّة وأقلّهم أجرة , وادعاك خمسة من قُريش , فسألت اُمّك عن ذلك , فقالت : كلّ أتاها فانظروا أشبههم به فالحقوه به , فغلب شبه العاص بن وايل جزار قُريش , ألأمهم مكراً وأبهتهم خبراً , فما ألومك ببغضاً.

قال مروان بن الحكم : كفّى أيّتها العجوز واقصدي لما جئت له فقالت : وأنت يابن الزّرقاء تتكلّم , والله وأنت ببشير مولى ابن كلدة أشبه منك بالحكم بن العاص , وقد رأيت الحكم سبط الشّعر مديد القامة , وما بينكما قرابة إلّا كقرابة الفرس الضّامر من الأتان المقرف ، فاسأل عمّا أخبرتك به اُمّك , فإنّها ستخبرك بذلك.

ثمّ التفتت إلى معاوية , فقالت : والله , ما جرّأ هؤلاء غيرك , وإنّ اُمّك القائلة في قتل حمزة :

نحن جزيناكم بيوم بدر

والحرب بعد الحرب ذات السعر

إلى آخر الأبيات , فأجابتها ابنة عمّي :

خزيت في بدر وغير بدري

يا بنت وقاح عظيم الكفر

إلى آخر الأبيات.

فالتفت معاوية إلى مروان وعمرو , وقال : والله , ما جرّأها عليّ غيركما , ولا أسمعني هذا الكلام سواكما ، ثمّ قال : يا خالة , اقصدي ودعي أساطير النّساء عنك قالت : تعطيني ألفي دينار وألفي دينار وألفي دينار قال : ما تصنعين بألفي دينار ؟ قالت : أزوّج فقراء بني الحارث بن عبد الـمُطلب قال : هي لك ، فما تصنعين بألفي دينار ؟ قالت : أستعين بها على شدّة الزّمان وزيارة بيت الله الحرام قال : قد أمرت بها لك قال : فما تصنعين بألفي دينار ؟ قالت :

٧٧

أشتري بها عيناً خرّارة في أرض خوّارة , تكون لفقراء بني الحارث بن عبد الملك قال : هي لك يا خالة ، أما والله لو كان ابن عمّك على ما أمر لك بها قالت : تذكر عليّاً فضّ الله فاك وأجهد بلاك ثمّ علا نحيبها وبكاؤها وجعلت تقول :

ألا يا عين ويحك فاسعدينا

ألا فابكي أمير المؤمنينا

رزينا خير من ركب المطايا

وجال بها ومن رب السفينا

ومن لبس النعال ومن حذاها

ومن قرأ المثاني والمبينا

إذا استقبلت وجه أبي حسين

رأيت البدر راق الناظرينا

ألا فابلغ معاوية بن حرب

فلا قرت عيون الشامتينا

أفي الشهر الحرام فجعتمونا

بخير الخلق طراً أجمعينا

مضى بعد النّبي فدته نفسي

أبو حسن وخير الصالحينا

كأن الناس إذ فقدوا علياً

نعام جال في بلد سنينا

فلا والله لا أنسى علياً

وحسن صلاته في الراكعينا

لقد علمت قريش حيث كانت

بأنك خيرها حسباً ودينا

فلا يفرح معاوية بن حرب

فإن بقية الخلفاء فينا

قال : فبكى معاوية ثمّ قال : يا خالة , لقد كان كما قُلت وأفضل.

فانظروا يا إخوان الدّين إلى هؤلاء الكفرة الملاعين , يعترفون بالحقّ ويرغبون عنه , ويتطلّعون إليه ويفرّون منه , استحوذ عليهم الشّيطان فسلك بهم في أودية الهوان , وقادتهم أزمّة الباطل وأرخت لهم العنان , فباءوا بالخيبة والخسران واستحقّوا عذاب النّيران :( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (١) .

روي عن بعض الصّادقين , أنّه قال : دخلت إلى جامع بني اُميّة لاُصلّي صلاة الصّبح , وإذا أنا برجل من بني اُميّة جاء ووقف يصلّي قريباً منّي , فلمّا طأطأ رأسه للسجود , سقطت عمامته عن رأسه , فإذا رأسه ووجهه كرأس الخنزير وشعره كشعر الخنزير , فلمّا نظرته , طار عقلي وطاش لبّي , ولم اعلم ما صلّيت ولا ما قلت في صلاتي , فلمّا فرغ من الصّلاة , تنفّس الصّعداء وقال : لا حول ولا قوة إلّا بالله ، يا أخي , إنّي أخبرك بقصّتي وأظهرك على حالي. ثمّ إنّه كشف عن رأسه ونزع قميصه , فإذا رأسه ووجهه كالخنزير , وبدنه وشعره مثل جلد الخنزير , فتعجبت منه وقلت له : ما الذي أرى

____________________

(١) سورة النّحل / ١١٨.

٧٨

بك من البلاء ؟ فقال : اعلم أنّي كنت مؤذّناً لبني اُميّة , وكنت كلّ يوم العن عليّ بن أبي طالب ألف مرّة بين الأذان والإقامة , وإذا كان يوم الجُمُعة العنه أربعين ألف مرّة , فبينما أنا نائم ليلة الجُمُعة , رأيت في منامي كأنّ القيامة قد قامت , ورأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وعليّاً والحسن والحُسين وماء الكوثر مترع , وبيد الحسن (عليه‌السلام ) إبريق من نور , وبيد الحُسين (عليه‌السلام ) كأس من نورهما , يسقيان النّاس كافّة وأنا في عطش شديد , فدنوت من الحُسين (عليه‌السلام ) وقلت له : اسقني يابن رسول الله فقال لي : (( ستشرب من حميم جهنّم )) فقال له النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( لِمَ لا تسقيه ؟ )) فقال : (( يا جدّاه , كيف اسقيه وهو يلعن أبي كلّ يوم ألف مرّة ؟ )) فالتفت إليّ النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , وقال لي : (( ما لك يا لعين يا شقي ! أتلعن أخي وخليفتي وابن عمّي عليّ بن أبي طالب ؟! )) ثمّ بصق في وجهي , وقال : (( غيّر الله ما بك من نعمة )) فانتبهت من منامي مرعوباً وإذا هو قد مُسخ كما ترى , وصار عبرة لمن يسمع ويرى , وأنا أحمد الله تعالى مما كان منّي , وواليت عليّ بن أبي طالب وتبرأت من أعدائه :

أيا من هم فلك النجاة ومن هم

هداة وغوث للأنام وجود

ولولاهم ما كان نور ولا دجا

ظلام ولا للخلق كان وجود

عليكم سلام الله حيث ثناءكم

حكى نشره نداً يضوع وعود

وحيث بكم هبت نسيم ونسمة

هبوب وللعيدان رنح عود

وأزهر من زهر البروج زواهر

وورد من زهر المروج ورود

فالويل الدّائم لمن عاداهم ! والخيبة لمن ضلّ عن هُداهم وما والاهم !

روي : أنّه دخل أبو أمامة الباهلي على معاوية , فقرّبه وأدناه ثمّ دعا بالطّعام ، فجعل يطعم أبا أمامة بيده , ثمّ أوسع رأسه ولحيته طيباً بيده , وأمر له ببدرة من دنانير فدفعها إليه , ثمّ قال : يا أبا أمامة , أبالله أنا خير أم عليّ بن أبي طالب ؟ فقال أبو أمامة : نعم ولا كذب , ولو بغير الله سألتني لصدقت ، عليّ والله خير منك وأكرم , وأقدم إسلاماً وأقرب إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قرابة , وأشدّ في الـمُشركين نكاية ، وأعظم عند الاُمّة غناء , أتدري مَن عليّ يا معاوية ؟ عليّ ابن عمّ رسول الله وزوج ابنته سيّدة نساء العالمين ، وأبو الحسن والحُسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، وابن أخي حمزة سيّد الشّهداء , وأخو جعفر ذي الجناحين ، فأين تقع أنت من

٧٩

هذا يا معاوية ؟! أظننت أنّي اخترك على عليّ بألطافك وإطعامك وعطائك , فأدخل إليك مؤمناً وأخرج منك كافراً، بئس ما سوّلت لك نفسك يا معاوية ! ثمّ نهض وخرج من عنده , فاتبعه بالمال , فقال : لا والله , لا أقبل منك ديناراً واحداً.

فهذه هي المحبّة النّاصحة والمودّة الرّائقة الخالصة ، وعلى مثل أهل البيت فليبك الباكون ، وإيّاهم فليندب النّادبون، ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون ، أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان , فنظم وقال :

القصيدة للشيخ الخليعي (رحمه‌ الله تعالى )

ألا ما لجفني بالسهاد توكل

وقلبي لأعباء الهوى يتحمل

وما بال عيني ليس ترقى دموعها

وقلبي بعبء السم يذوي فينحل

ولم يشجني فقد الأنيس ولم أطل

وقوفي على الربع الدريس فأسأل

ولا قلت للحادي ترفق هنيئة

وللركب لما سار أين ترحل

ولم ارتقيت طيف الخيال من الكرى

ولا أنا ممن بالمنى يتعلل

ولكن شجتني عصبة علوية

تداعوا جميعاً بالفتى ثمّ قتلوا

لهم طال حزني وأسكنت أظالعي

على جمرة في عشرة عاشور تشعل

ولم أنس مولاي الحُسين وقد غدا

يودع أهليه ويوصي ويعجل

ينادي ألا يا أهل بيت محمد

أصيخوا لما أوصيكموا وتقبلوا

عليكم بتقوى الله لا تتغيروا

لعظم رزاياكم ولا تتبدلوا

ودوموا على أعمالكم وابتهالكم

وقوموا إذا جن الدجى وتقبلوا

وإن نابكم خطب فلا تتضعضوا

لوقع الرزايا واصبروا وتحملوا

وفاطمة الصغرى تقول لاختها

هلمي إلى التوديع فالأمر مهول

أرى والدي يوصي بنا اخواته

وعيناه من حزن تفيض وتهمل

وتدعو ألا يا سيدي بلغ العدا

بنا ما تمنوا في النفوس واملوا

فيحنوا عليها باكياً ويضمها

ويدني إليه وجهها ويقبل

ومر إلى حرب الطغاة ولم يزل

يفلق هامات العدى ويقلّل

إلى أن هوى فوق التراب مجدلا

قتيلاً وراح المهر ينعي ويعول

فقمن النساء الفاطميات ولهاً

فأبصرن منه ما يسوء ويذهل

٨٠