مقتل الحسين وأنصاره

مقتل الحسين وأنصاره14%

مقتل الحسين وأنصاره مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 402

مقتل الحسين وأنصاره
  • البداية
  • السابق
  • 402 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38487 / تحميل: 5204
الحجم الحجم الحجم
مقتل الحسين وأنصاره

مقتل الحسين وأنصاره

مؤلف:
العربية

مقتل الحسين وأنصاره

العلامة المحقق الدكتور نجاح الطائي

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الإهداء

أهدي رحلتي هذه الى سيد الشهداء وسفينة النجاة الإمام الحسين بن علي (عليه‌السلام ).

الذي علَّم المتقين طريق الجهاد بالنفس والمال والأهل والأنصار، مفضلا الآخرة على الدنيا،كما قال سيد المرسلين محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):إنما الدنيا فناء.

راجياً من الله تعالى القبول فهو نعم المولى ونعم النصير.

الشيخ الدكتور نجاح الطائي

٣

٤

الـمُقدمة

حركة الامام الحسين (عليه‌السلام ) حركة الهية حضارية رائدة ارادها الباري عزَّ وجل لتكون نبراساً للانسانية ومشعلا للبشرية ومصباحاً يضيء الدرب للضائعين.

كما قال سيد الانبياء محمد :الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة.

فكان المشروع الهياً بوجوب التضحية بالغالي والرخيص في سبيل اسقاط الطاغوت وافشال مخططاته الابليسية ،وكشف ألاعيبه الجاهلية.

ومن جهة أخرى بيان النظرية الاسلامية الطاهرة بعدالتها البينة ومساواتها النبيلة وأهدافها الحقة.

وكان المشروع الحسيني لوحة رائعة من لوحات المدنية تدعو الى الغايات الرائدة في الحياة كما قال لاحسين فى كربلاء مخاطباً الامويين الكافرين :

ان لم يكن عندكم دين فكونوا أحراراً في دنياكم.

وهذه قمة الحضارة والعقلانية في الحياة بعيداً عن الظلم والاستبداد والانحراف.

وفي سبيل الوصول الى الاهداف السامية نحتاج تضحيات فتمثلت هذه التضحيات في الحسين (عليه‌السلام )ونسائه وأنصاره كما قال النبي الاكرم :

شاء الله أن يراك قتيلا وأن يراهن سبايا.

فكانت تلك التضحيات الجمة فى المال والنفس والدماء من النبي محمد وأهل بيته دليلا على صدق المباديء الاسلامية العالية

وبيان لعدم اهتمام الانبياء والاوصياء بالدنيا الزائلة الفانية ،انما رغبتهم في.

٥

ارساء دعائم الحق والمساواة والامن.

وتسهيل عبادة الله تعالى فى ارضه طبقاً لقوله تعالى:

( وَ مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) .

وكان هذا السفر قد كتب مسيرة الامام الحسين (عليه‌السلام )وأنصاره من مكة الى كربلاء ،وثبات هؤلاء أمام الموجة العدوانية للامويين ،التي تقتل الرجال ،وتذبح الاطفال وتسبي النساء.

فاهتم البحث ببيان تمسك هؤلاء باصولهم الدينية في الثورة والجهاد، والحاحهم في تطبيق منهجهم، وانجاح مشروعهم، وتهذيب نفوسهم.

فسعى الكتاب لتوضوح أسمائهم وعددهم وأهدافهم وأصولهم والمصادر التي ذكرتهم وأبرزتهم.

وبيَّن البحث التصحيف الحاصل في أسمائهم وعددهم ،لابعاد الشبهة عن عددهم وشخصياتهم.

وفي الكتاب التفاتات كثيرة في عالم الدلائل والعبر والحكمة والايات القرآنية الواردة فى حق أهل البيت.

والاحاديث النبوية فى اهل البيت وفي الحسين خاصة.

أما عن مصادر الكتاب فهي :

أهم مستند يعتمد عليه هو الزيارة المنسوبة الى الناحية المقدسة فهى النص الاقدم فى هذا الموضوع.

ومن النصوص المعتمدة رجال الشيخ الطوسي.

وتاريخ الطبري، والمناقب، ابن شهر آشوب، ومثير الأحزان، والزّيارة

الرَّجبيّة، واللُّهُوف.

٦

القسم الاول :حركة الحسين(عليه‌السلام ) الحضارية

الباب الاول :الحسين(عليه‌السلام ) ومنزلته

الفصل الاول :الولادة المباركة

ولادة الحسين (عليه‌السلام )

بعد سنة على ولادة الإمام الحسن (عليه‌السلام ) ولد الإمام الحسين (عليه‌السلام ) في الثالث من شعبان من السنة الرابعة للهجرة في المدينة المنوّرة(١) .

وأذّن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في أُذنه اليمنى وأقام في أُذنه اليسرى ، وبكى عليه وسمّاه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حسيناً وعقّ عنه كبشاً ، وحلق شعره وتصدّق بوزنه فضّة ، وختنه في اليوم السابع من ولادته ، ولم يسمّ الناس في الجاهلية أولادهم بالحسن والحسين(عليهما‌السلام ) فاسماهما من أسماء الجنّة(٢) ،ولم يولد مولود لستّة أشهر عاش غير عيسى والامام الحسين(عليهما‌السلام )(٣) .

____________________

(١) الإصابة ١ / ٣٣٢ ، أُسد الغابة ٢ / ١٨ ، الإستيعاب بهامش الإصابة ١ / ٣٧٨ ، تاريخ دمشق ، ترجمة الإمام الحسين ١٢ ، ٢٣ ، ٢٥ ، ٢٨٨ ، صفة الصفوة ١ / ٧٦٢ ، تذكرة الخواص ٢٣٢ ، المناقب ، ابن شهر آشوب ٤ / ٧٦ ، مقتل الحسين ، الخوارزمي ١ / ١٤٣ ، تاريخ بغداد ١ / ١٤١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٦٤ ، الإرشاد ، المفيد ٢١٨.

(٢) ذخائر العقبى ١١٩ ، تاريخ الخميس ١ / ٤١٧ ، ٤١٨ ، مسند أحمد ٢ / ٥٥٧ ، البحار ٤٣ / ٢٥٢.

(٣) المناقب ، ابن شهر آشوب ٤ / ٥٠.

٧

وكان الامام الحسين (عليه‌السلام ) مثالا للتضحية في سبيل الإسلام ، إذ قدّم في هذا الطريق دمه وماله وولده وأهله وصحبه.

فتأثّر بحركته المسلمون والكافرون فقال غاندي زعيم الهند : تعلّمت من ثورة الإمام الحسين (عليه‌السلام ) كيف أكون مظلوماً فانتصر.

وقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فيه : « حسين منّي وأنا من حسين »(١) و « حسين أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء»(٢) .

وأخبر جبريل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بمقتل الامام الحسين (عليه‌السلام ) والأرض التي يقتل فيها وأعطاه تربة حمراء من تربة كربلاء(٣) وأعطى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) تلك التربة لأُمّ سلمة قائلاً : « إذا تحوّلت هذه التربة دماً فاعلمي أنّ ابني الامام الحسين قد قتل»(٤) .

اسم الحسين (عليه‌السلام ) وسنه

جاءت فاطمة بنت رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى أبيها بوليدها فسمّاه الامام الحسين ، وعقّ عنه كبشاً، وبقي في بطن أُمّه ستّة أشهر كيحيى بن زكريّا كما تواترت الأخبار، وبقي مع جدّه ثماني سنين، وبعد أخيه عشر سنين، وقتل صلوات الله عليه سنة إحدى وستّين; فيكون عمره ثماني وخمسين سنة إلّا ثمانية أشهر تنقص أيّاما قال الشيخ السماوي :وكان حبيباً إلى جدّه وأبيه وأُمّه، لمحبّة أبيه له لم يدعه ولَا.

____________________

(١) سنن الترمذي ٢ / ٣٠٧ ، أُسد الغابة ٢ / ٢٠ ، سنن ابن ماجة ١ / ٥١ ، مستدرك الحاكم ٣ / ١٩٤.

(٢) أُسد الغابة ٣ / ٢٣٤ ، كنز العمّال ٦ / ٨٦ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٨٦ ، الإصابة ١ / ١٥.

(٣) مستدرك الصحيحين ٤ / ٣٩٨ ، كنز العمّال ٦ / ٢٢٣ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٨٨.

(٤) تهذيب التهذيب ٢ / ٣٤٧ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٨٩ ، سنن الترمذي ٢ / ٣٠٦ ، مستدرك الصحيحين ٤ / ٣٩٧ ، الإجابة ٢ / ١٧.

٨

أخاه الحسن يحاربان في البصرة ولا في صفّين ولا في النهروان، وقد حضرا الجميع.

هذا الرأى غير صحيح ومخالف لسيرة المعصومين.

مشاركة الانبياء والاوصياء فى الحروب

أقول: كلام السماوي بعدم مشاركة الحسنين في حروب الجمل وصفين والنهروان يخالف سيرة الانبياء والاوصياء.

فالفرار من الحروب قضية مخالفة لسيرة النبي والامام علي اذ كانا يحضران الحروب ويحاربان بل هما في مقدمة المقاتلين.وهكذا كان حمزة وجعفر بن أبى طالب.

أما أعداء أهل البيت فكانا يلتمسان طرق الهروب من الحروب بوسائل شتى فكانوا تارة يفرون منها وتارة يحضرون ولا يحاربون.

فأصبح عندنا منهجان منهج المجاهدين ومنهج الفارين وكان سيد الانبياء محمد وعلي والحسن والحسين وباقي الائمة المعصومين من أتباع المنهج الاول.

وكان أعداء أهل البيت من طلاب المنهج الثاني.

إمامة الحسين (عليه‌السلام )

وكانت إمامته(عليه‌السلام ) ثابتة بالنص الصريح من جدّه رسول الله(عليه‌السلام ) حيث قال فيه وفي أخيه: الحسن والامام الحسين إمامان; قاما أو قعدا.

والنصوص على امامة الحسين أحد الائمة الاثني عشر كثيرة من القرآن الكريم والسيرة النبوية.

فكان سكوته عن حقّه في زمن الحسن لأنّ الحسن إمام عليه، وبعده استمراراً للعهد المذكور الذي عاهد معاوية الحسن(عليه‌السلام )فوفى به (عليه‌السلام ).

٩

أقول: الحسين غير مشمول شرعياً بنصوص وقَّعها الحسن مع معاوية فى حياته ،ان أراد أمضاها وان أراد نقضها تبعاً للظروف والاحوال التى كان يعيشها ،شأنه فى ذلك شأن باقي الأئمة مع باقي الطغاة.

ولـمّا توفّي الطاغية معاوية في منتصف رجب من سنة ستّين للهجرة وخلّف ولده يزيد،وراثة فى الحكم كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان - وكان والياً على ا لمدينة من قبل معاوية - أن يأخذ له البيعة من الامام الحسين (عليه‌السلام )وعبدالله بن الزبير وعبدالله بن عمر، ففرّ ابن الزبير وابن عمر وامتنع الامام الحسين (عليه‌السلام )، وكان ذلك في أواخر رجب.

لكن مروان بن الحكم الموجود فى المدينة والناصب العداء لاهل بيت النبوة ألحَّ على الوليد بأخذ البيعة من الامام الحسين (عليه‌السلام )،فاضطر الامام الحسين (عليه‌السلام )للخروج من المدينة ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب، نحو مكة وخرج معه بنوه وبنو أخيه الحسن وإخوته وجلّ أهل بيته إلّا محمّد بن الحنفيّة، وهو يتلو:

( فَخَرجَ مِنها خائفاً يترقبُ قال ربِّ نجِّني مِنَ القومِ الظّالمين ) (١) .

وسار على الطريق الأعظم، الذي يسير فيه الناس فقال له أهل بيته:

لو تنكّبت كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب.

فقال: لا والله لا اُفارقه حتّى يقضي الله ما هو قاض. ودخل مكة لثلاث مضين من شعبان وهو يتلو( ولـمَّا توجّه تلقاء مدينَ قال عسى ربِّي أن يهديني سواء السَّبيلِ ) (١) .

ثمّ نزل الأبطح فجعل أهل مكة ومن كان بها من المعتمرين يختلفون عليه وفيهم :

____________________

(١) - سورة القصص: ٢١.

(٢) - سورة القصص: ٢٢.

١٠

ابن الزبير.

قال أهل السير: ولـمّا بلغ هلاك معاوية أهل الكوفة أرجفوا بيزيد وعرفوا خبر الامام الحسين (عليه‌السلام ) وامتناعه وخروجه إلى مكّة، فاجتمعت الشيعة في دار سليمان بن صرد(١) الخزاعي فذكروا ما كان واتفقوا على أن يكتبوا للحسين بالقدوم إليهم، وخطبت بذلك خطباؤهم، فكتبوا إليه كتباً وسرّحوها مع عبدالله بن مسمع(٢) وعبدالله بن وال(٣) وأمروهما بالنجاء(٤) ،، فجدّا حتّى دخلا مكة لعشر مضين من شهر رمضان، ثمّ كتبوا إليه بعد يومين وسرّحوا الكتب مع قيس بن مسهر الصيداوي وعبدالرحمن بن عبدالله الأرحبي، ثمّ كتبوا إليه بعد يومين آخرين وسرّحوا الكتب مع هاني بن هاني السبيعي(٥) وسعيد بعد عبدالله الحنفي حتّى بلغت الكتب إثني عشر ألفاً، وهي تنطوي على الاستبشار بهلاك معاوية والاستخفاف بيزيد وطلب قدومه والعهد له ببذلهم النفس والنفيس دونه.

وكان من المكاتبين: حبيب بن مُظاهر، ومسلم بن عوسجة، وسليمان بن صرد، ورفاعة بن شداد، والمسيّب بن نجبة، وشبث بن ربعي، وحجّار بن ابجر، ويزيد بن الحرث بن رويم، وعزرة بن قيس، وعمرو بن الحجاج، ومحمّد بنعمير(٦) ، وأمثالهم من الوجوه.

وبلغ أهل البصرة ما عليه أهل الكوفة، فاجتمعت الشيعة في دار مارية بنت

____________________

(١) - بضمّ السين وفتح الراء - الخزاعي، من مشايخ الشيعة التوابين، قتل بعين الوردة.

(٢) - بوزن المنبر - الهمداني السيعي، له ذكر في التوابين.

(٣) - التيمي، من تيم بكر وائل، له شرف، قتل بعين الوردة في التوابين مع سليمان بن صرد.

(٤) - النجا: السرعة.

(٥) - بضم السين مصغر سبع - بطن من همدان، وله ذكر في التوابين.

(٦) - بن عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي، وحاجب هو صاحب القوس المرهون عند كسرى.

١١

منقذ العبدي وكانت من الشيعة فتذاكروا أمر الإمامة وما آل إليه الأمر، فأجمع رأي بعض على الخروج فخرج، وكتب بعض بطلب القدوم.

ولما اجتمعت هذه الكتب عند الامام الحسين (عليه‌السلام ) المتظافرة على نصرته وتطبيق الدين ،دعا مسلم بن عقيل وأمره بالرحيل إلى الكوفة والياً له اليهم ،وأوصاه بما يجب، وكتب معه كتاباً إلى أهل الكوفة:

أمّا بعد; فإنّ هانياً وسعيداً قدما عليّ بكتبكم وكان آخر من قَدِمَ عليّ من رُسُلكم، وقد فهمت ما اقتصصتم من مقالة جُلّكم أنّه وليت عليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل; فإن كتب إليّ أنّه قد اجتمع رأي مَلَئكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدّمت به رُسُلُكم وقرأت في كتبكم فإنّي أقدم إليكم وشيكاً إن شاء الله، فلَعَمري ما الإمام إلّا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسطِ، الدائن بدين الحق، الحابسُ نفسه على ذات الله، والسلام.

وسرّح مع مسلم قيس بن مسهّر وعبدالرحمن بن عبدالله وجملة من الرسل منهم عمارة بن عبدالله، فرحل مسلم بن عقيل من مكة ومرّ بالمدينة ثمّ خرج منها إلى العراق وأخذ معه دليلين من قيس، فجارا عن الطريق(١) حتّى عطشا ثمّ أومئا له على السنن وماتا عطشاً، فتطيّر مسلم وكتب بذلك إلى الامام الحسين من المضيق(٢) . وسرّح كتابه مع قيس بن مُسَهّر، فأجابه الامام الحسين بالحث على المسير، فسار حتّى دخل الكوفة فنزل على المختار بن أبي عبيدة الثقفي، فهرع إليه أهل الكوفة وبايعه ثمانية عشر ألفاً، فكتب بذلك إلى الامام الحسين مع قيس بن مسهّر

____________________

(١) - جار بالجيم أي ضلّ وعدل عن الاستقامة من الجور.

(٢) - ماء لكلب وهو في الأصل ما ضاق من الوادي المتّسع، وهذا الماء في ذلك الموضع من بطن خبت - بفتح خاء خبت المعجمة وسكون بائها المفردة تحت والتاء المثناة فوق - وأصل خبت واقع حوالي المدينة إلى جهة مكة، فكان الدليلين ضلاّ حتّى مالا إلى جهة مكة.

١٢

وكتب الامام الحسين إلى رؤساء الأخماس(١) في البصرة وإلى أشرافها مع سليمان مولاه، فكتب إلى مالك بن مسمع البَكري(٢) ، وإلى الأحنف بن قيس(٣) ، وإلى المنذر بن الجارود(٤) ، وإلى مسعود بن عمرو(٥) ، وإلى قيس بن الهيثم(٦) ، وإلى عمرو بن عبيدالله بن معمر(٧) بنسخة واحدة:

أمّا بعد; فإنّ الله اصطفى محمّداً(صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على خلقه، وأكرمه بنبوّته، واختاره لرسالته، ثمّ قبضه الله إليه وقد نصح لعباده وبلّغ ما اُرسل به (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وكنّا أهله وأولياؤه وأوصياؤه وورثته وأحقّ الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك فأغضينا كراهيةً للفرقة ومحبّة للعافية، ونحن نعلم أنّا أحقّ بذلك الحقّ المستحق علينا ممّن تولاّه، وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فإنّ السنّة قد اُميتت وإنّ البدعة قد

اُحييت; فإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد، والسلام.

فوصل الخبر الى المنذر بن الجارود ، وأتى بالرسول إلى ابن زياد، وكان ابن زياد في البصرة والنعمان بن بشير الأنصاري في الكوفة عاملين عليها ليزيد، فتعتع الشيعة عند ورود مسلم الكوفة لكن النعمان لم يحبّ الشدّة وتحرّج، فكتب جماعة من

____________________

(١) - أخماس البصرة العالية وبكر بن وائل وتميم وعبد قيس والأزد.

(٢) - بوزن منبر - الكبري - سيّد بكر بن وائل.

(٣) - المشهور بالحلم التميمي، سيّد تميم.

(٤) - العبدى، سيّد عبد قيس، وكان عبيدالله بن زياد تزوّج أخته بحرية، وله شرف وذكر في الحروب والمغازي.

(٥) - الأزدي الفهمي، سيّد الأزد، وبسبب قتله قامت حرب البصرة بعد هلاك يزيد، وهو الذي منع من قتل عبيدالله بن زياد يومئذ، ويكنى بأبي قيس، وله شرف، وهو الذي جمع الناس وخطبهم لنصرة الحسين فلم يتوفق. ويمضي في كتب المقاتل أنّه يزيد بن مسعود النهشلي وهذا تميمي يكنى بأبي خالد وليس من رؤساء الأخماس، ولعلّه مكتوب إليه أيضاً، والذي يستظهر من الخطبة والكتاب إلى الحسين(عليه‌السلام )أنّ الذي جمع الناس هذا لا مسعود، ولكن الطبري وغيره من المؤرخين لم يذكروا الثاني.

(٦) - بفتح هاء هيثم وسكون الياء المثناة تحت وبالثاء المثلثة - بن أسماء بن الصلت السلمي، سيّد أهل العالية، وله شرف وذكر في حرب البصرة.

(٧) - بن معمر - بوزن مقعد - التيمي، تيم قريش، وهذا كان في البصرة، وله شرف.

١٣

العثمانيّة إلى يزيد بحاله فعزله عن الكوفة وأعطى المصرين إلى عبيدالله بن زياد، ، وجعل أخاه عثمان على البصرة وتوعّدها، وخرج من الكوفة ومعه شريك بن الأعور(١) - وكان قد جاء من خراسان معزولاً عن عمله عليها - ومسلم بن عمر الباهلي(٢) - وكان رسول يزيد إلى عبيدالله بولاية المصرين - حصين بن تميم التميمي(٣) - وكان صاحبه الذي يعتمد عليه - وجعل شريك يتمارض في الطريق ليحبسه عن الجدّ فيدخل الامام الحسين الكوفة قبل ابن زياد ، فلم يهتم به وتقدّم نحو الكوفة حتّى دخلها ونظَّم مسالحها على ضفة الطف(٤) من البصرة إلى القادسيّة(٥) .

وكان معاوية قد أوصى يزيد بالاستفادة من عبيد الله بن زياد فى أيام الشدة، فسار يزيد على نهجه.وان ابن زياد كأبيه سفَّاكاً للدماء زاهقاً للانفس ،هادماً للدور السكنية حارقاً للبساتين والزروع، وبخلاصة لا يتورع عن حرام ولا يلتزم بشرع

____________________

(١) - بفتح شين شريك، - بن الحرث الهمداني، من المعروفين بالتشيّع، ومن أصحاب أميرالمؤمنين(عليه‌السلام )والمقاتلين بين يديه في حروبه، ولي الأعمال بعده لآل اُميّة، فأمّا أبوه الحرث الأعور فمن خواصّ أميرالمؤمنين(عليه‌السلام ) كما هو معلوم.

(٢) - الباهلي، هذا أبو قتيبة بن مسلم صاحب خراسان وفارس الحرون الذي جلّ خيل العرب من نسله إلى مدّة مأتي سنة، وكان مسلم رسول يزيد لعبيد الله في ولاية المصرين وعزل النعمان، فاستصحبه. ويمضي في بعض الكتب أنّه مسلم بن عقبة المرّي وهو غلط فإنّ ذلك شامي لم يكن له في حرب الكوفة يد وإنّما تولّى حرب المدينة المعروف بحرب الحرّة ليزيد.

(٣) - بضم الحاء المهملة وفتح الصاد والياء آخر الحروف والنون - بن تميم ابن اُسامة بن زهير بن دريد التميمي، صاحب شرطة عبيدالله. ويمضي في بعض الكتب حصين بن نمير السكوني وهو غلط فاحش فإنّ ذلك عند يزيد حارب به أهل المدينة ومكة وله في محاربة عين الوردة رياسة أهل الشام وسمعة.

(٤) - بفتح الضاد وتشديد الفاء - جانبة، والطف شاطىء النهر ويطلق على جانب نهر الفرات الجنوبي من البصرة إلى هيت، ويخضّ بالموضع الذي قتل فيه الحسين(عليه‌السلام ).

(٥) - موضع معروف من منازل الحاج عند الكوفة، بينه وبينها خمسة عشر فرسخاً.

١٤

الفصل الثاني: الآيات والاحاديث

الآيات النازلة فى أهل البيت

الحسن والامام الحسين (عليهما‌السلام ) من ذريّة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بمصداق من كتاب الله نزل فيهما :

( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى... وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسي وَإِلْيَاسَ ) (١) .

فعيسى من ذرّية إبراهيم بأُمّه والحسن و الحسين من ذرّية محمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله )بأُمهما(٢) .

ويوم مقتل الامام الحسين (عليه‌السلام ) لم يقلب حجر إلاّ وجد تحته دم عبيط(٣) .

وقد نزلت في أهل بيت محمّد والإمام علي وفاطمة والحسن و الحسين (عليه‌السلام )آية التطهير :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) بإجماع المسلمين(٤) .

وآية المباهلة :( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (١) .

وإليك بعض الآيات النازلة في حقهم والمبيِّنة لمسيرتهم الأنسانية :

____________________

(١) الأنعام ٨٤، ٨٥.

(٢) - المستدرك ،الحاكم ٣ / ١٨٠ ح ٤٧٧٢ ،سنن البيهقي ٦ / ١٦٦ ،تفسير الرازي ٨ / ٨١ ،تفسير ابن كثير ٢ / ١٥٦.

(٣) تهذيب التهذيب ٢٠ / ٣٠٥، تاريخ دمشق، ترجمة الإمام الحسين ٢٤٧.

(٤) الأحزاب ٣٣، سنن الترمذي ٥/٣٢٨، مستدرك الحاكم٣/١٧٢، مسند أحمد٤/ ١٦٧ ، تفسير الطبري ١٢/٦.

(٥) آل عمران ٦١ ،تفسير الزمخشري ١ / ٤٣٤، تفسير الفخر الرازي ٨ / ٨٠، الدر المنثور ٣ / ٣١١.

١٥

( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ.... وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى ) (١) .

ومعلوم أنّ عيسى إنّما انتسب إلى إبراهيم بالأُمّ لا بالأب فثبت أنّ ابن البنت قد يسمّى ابناً فتدلّ الآية على أنّ الحسن والامام الحسين (عليهما‌السلام ) من ذرّية رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله )(٢) .

( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا ) (٣) .

أخرج الثعلبي في تفسيرها عن الإمام جعفر الصادق (عليه‌السلام ) أنّه قال : « نحن حبل الله »(٤) .

( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ) .

النازلة في حقّ أهل البيت (عليهم‌السلام )(٥) .

( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) .

وهي نازلة في حقّ أهل البيت (عليهم‌السلام )(٦) .

وقوله تعالى :( قُل لَّا أَسْلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا ا لْمَوَدَّةَ فِى ا لْقُرْبَى ) (٧) .

وإنّ ذا القربى علي وفاطمة والحسن و الحسين (عليهم‌السلام )(٨) .

____________________

(١) الأنعام ٨٤، ٨٥.

(٢) تفسير الزمخشري ١/٤٣٤، تفسير الفخر الرازي ٨/٨٠، الدر المنثور ٣/٣١١، تفسير الخازن ١ /٣٤٣، الصواعق المحرقة ١٥٦، الاستيعاب ٣ / ٣٥.

(٣) آل عمران: ١٠٣.

(٤) نور الأبصار، الشبلنجي ١١٢، الصواعق المحرقة ١٥١ - ١٥٢.

(٥) الفتح ٨ ، أُسد الغابة ٧ / ٢٣٦ - ٢٣٧ ، تفسير الزمخشري ٤ / ١٩٧ ، أسباب النزول ، الواحدي ٢٩٦ ، تفسير الرازي ٣٠ / ٢٤٤ ، نور الأبصار ، الشبلنجي ١١٢.

(٦) الشورى ٢٣ ، كنز العمّال ١ / ٢٥١ ، المستدرك على الصحيحين ، الحاكم ٣ / ١٨٨ ح٤٨٠٢ ، المعجم الأوسط ، الطبراني ٣ / ٨٧ ، الفصول المهمّة ، ابن الصبّاغ المالكي ١٥٨.

(٧) الشورى ٢٣.

(٨) شواهد التنزيل، الحسكاني ١ / ٣٤١ الآية، تفسير السيوطي ٤ / ١٧٧، تفسير الفيض الكاشاني ٣ / ١٨٧، تأويل ما أنزل من القرآن، محمّد بن العباس، سعد السعود ١٠٢، الطرائف=

١٦

وروى الحاكم في المستدرك قول علي بن الحسين زين العابدين (عليه‌السلام ): « أنا من أهل البيت الذي افترض الله تعالى مودّتهم على كل مسلم » فقال الآية.

وقوله تعالى :( وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً ) (١) فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت.

وقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : « احفظوني في قرابتي »(٢) .

وقوله تعالى:( فَوَرَبِّكَ لَنَسْلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) (٣) .

السؤال عن ولاية علي بن أبي طالب (عليه‌السلام )(٤) .

وقوله تعالى:( وَعَلَى الْاَعْرَافِ رِجَالٌ يَعرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ ) (٥) .

____________________

= ٢٥٤، مجمع الزوائد، الهيثمي ٧ / ٤٩، كنز العمال ٢ / ١٥٨، شرح النهج، المعتزلي ٤ / ٨٤٢ ط بيروت، كشف الاستار، البزار ٣ / ٥٥، مسند أبي يعلى الموصلي ٢ / ٣٣٤، مسند أبي سعيد ٢ / ٥٣٤، معجم البلدان ٤ / ٢٣٨، شرح المختار ٤٤، فضائل فاطمة (عليهما‌السلام )، الخوارزمي ٥٦، مقتل الإمام الحسين(عليه‌السلام )١ / ٧٠، حلية الأولياء، ابو نعيم الأصبهاني ٣ / ٢٠١، مسند الصحابة، الهيثم بن كليب ٢ / ١٣٧، الكافي، الكليني ١ / ٢٩٤، البحار ٢٩ / ٢٠٥، كشف الغمة ٢ / ١٠٥، الخرائج ١ / ١١٣، ١١٨.

(١) الشورى ٢٣.

(٢) حلية الاولياء ٣ / ٢٠١، ترجمة الإمام الصادق(عليه‌السلام )، مسند الصحابة، الهيثم بن كليب ج٠ / ٧١، المعجم الاوسط، الطبراني ٤ / ٥١٥ ،المستدرك ، الحاكم ٣ / ١٧٢ ، ذخائر العقبى ، المحبّ الطبري ١٣٨ ، مجمع الزوائد، ابن حجر الهيثمي ٩ / ١٤٦، الصواعق المحرقة ٢٥٩، اسد الغابة، ابن الاثير ٥ / ٦٣٧، نور الابصار ١١٢، فضائل الصحابة ٢ / ٦٦٩، حلية الاولياء ٣ / ٢٠١، تحفة الأحوذي ١٠ / ٢٩٢، مسند أحمد ١ / ٧٧، سنن الترمذي ٥ / ٦٥٦، سنن أبن ماجة في باب فضل الحسن والحسين، رسالة فضل أهل البيت، أبن تيمية ٢٣ جدة ط أولى ١٤٠٥، تفسير السيوطي ٦ / ٧، الآية، تفسير الثعلبي، الآية، تفسير ابن كثير ٤ / ١٦٩، تفسير القرطبي، الآية، تفسير الزمخشري، الآية، تفسير الكشاف ٢ / ٣٣٩، تفسير الطبري ٢٥ / ١٦، تفسير الفخر الرازي، الآية، تفسير البغوي، الآية.

(٣) الحجر: ٩٢.

(٤) شواهد التنزيل، الحسكاني ١ / ٣٢٥، الصواعق المحرقة ٨٩، تفسير السدي، الآية ح٤٢٥، تفسير الرازي، الآية.

(٥) الاعراف ٤٦.

١٧

قال علي(عليه‌السلام ): نحن الأعراف.

يعرفون محبّيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسواد الوجوه(١) .

وقوله تعالى:( فَسْلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (٢) .

قال علي (عليه‌السلام ) نحن اهل الذكر.

وهو الماثور عن سائر أئمة الهدى من أهل البيت (عليهم‌السلام )(٣) .

وقوله تعالى:( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) (٤) .

قال زيد الشهيد من رضا جدي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )ان يدخل أهل بيته الجنة(٥) .

وقوله تعالى:( وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ ا لْقَوْلِ ) (٦) .

قال ابو سعيد الخدري كنّا نعرف المنافقين ببغض علي بن أبي طالب (عليه‌السلام )(٧) .

____________________

(١) شواهد التنزيل، الحسكاني بثلاثة اسانيد ١ / ٢٦٣، الصواعق المحرقة ١٠١، أواسط الذكر، السمهودي ١١، مختصر بصائر الدرجات، الحلي ٥٢، البحار ٢٤ / ٢٤٩، الاحتجاج، الطبرسي ١ / ٣٢٨، زاد المسير، ابن الجوزي ٧ / ٢٦٦، كشف اليقين، الحلي ٤٠٢، تفسير الثعلبي، الآية، تفسير الحويزي ٢ / ٢٤، تفسير الميزان ٨ / ١٤٥، تفسير ابن كثير ٢ / ٢٢٧.

(٢) النحل ٤٣.

(٣) شواهد التنزيل، الحسكاني ١ / ٣٣٥،٤٣٤، تفسير الطبري ١٤ / ١٠٨، البحار ج ص١٢٥، العمدة ١٥٠، دعائم الإسلام، القاضي النعماني ١ / ٢٥٨، تفسير الثعلبي في تفسير الآية الكريمة، مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب ٢ / ٢٩٣، بصائر الدرجات ح٣٨، ٤٠، الكافي ١ / ٢١٠، دعائم الإسلام ١ / ٢٨، روضة الواعظين ٢٠٣، تفسير الحويزي ٣ / ٤، تفسير ابن كثير ٢ / ٨٨٥.

(٤) الضحى ٥.

(٥) مناقب الإمام علي(عليه‌السلام ) ابن المغازلي ٣١٦، شواهد التنزيل، الحسكاني ج٢ ص١٤٧، تاريخ دمشق، ترجمة زيد الشهيد ج١٩ ص٤٦٠، تفسير السدي، الآية، تفسير القمي ج٢ ص٤٢٧، تفسير الطبرسي ج١٠ ص٣٨٢.

(٦) محمّد: ٣٠.

(٧) تفسير البرهان ج٤ ص١٨٨، تفسير السيوطي الآية ج٧ ص٥٠٤، تفسير الصافي ج٥ ص٣٠، تفسير السيوطي، الآية، ما نزل من القرآن في علي(عليه‌السلام )، ابو نعيم الاصبهاني ٧٩، النور المشتعل ٢٢٧، كشف الغمة ج١ ص٣٢٠، مناقب الإمام علي(عليه‌السلام ) ابن المغازلي ٣٥٩ ، تاريخ=

١٨

قوله تعالى:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْولُونَ ) (١) .

عن ابي سعيد الخدري عن النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قوله وقفوهم انهم مسؤولون عن ولاية علي والائمة فيسألون في القنطرة الاولى عن ولاية علي(عليه‌السلام )(٢) .

قوله تعالى:( قُل لَّا أَسْلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى ) (٣) .

قالوا يا رسول الله أي قرابتك الذي افترض الله تعالى علينا مودتهم؟

قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): علي وفاطمة وولدهم يقولها ثلاث مرّات(٤) .

قوله تعالى:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الاْسْلَمَ

____________________

=دمشق ، ابن عساكر ، ترجمة الإمام علي(عليه‌السلام ) ٢ / ٤٢١، الخصائص، ابن بطريق ٩٠، شواهد التنزيل ج٢ ص٢٤٨، مناقب آل ابي طالب، ابن شهر أشوب ج٣ ص٨، الصراط المستقيم، العاملي ج١ ص٢٩٤، كشف الغمة ٩٤، شرح الأخبار ٥٢ فتح القدير، الشوكاني ج٥ ص٤٠، تاريخ دمشق ج٤٢ ص٣٦٠، البحار ج٢٦ ص١٣٢.

(١) الصافات: ٢٤.

(٢) تفسير الطبري ج١٠ ص٩٦، تفسير السيوطي ج٣ ص٢٩٠، تفسير الثعلبي، الآية، تفسير القشيري، تفسير الحبري، الآية ٢٧، ما نزل من القرآن في علي، ابو نعيم الاصبهاني ١٣١، تفسير البرهان ج٤ ص١٧، تفسير العياشي، الآية، النور المشتعل ج٩٨ باب١٧، كفاية الطالب ٦١، شواهد التنزيل ج٢ ص١٦١، فرائد السمطين ج١ ص٧٩، الصواعق المحرقة ٨٩، ميزان الاعتدال ج٣ ص١١٨، درر السمطين ١٠٩ ط ١، الصواعق المحرقة ٢٢٩، اسباب النزول، الواحدي، مناقب آل ابي طالب ج٢ ص٤، البحار ج٣٩ ص٢٢٨، روضة الكافي ٩، الصواعق المحرقة ١٤٩، الآية، أماني الطوسي ج١١ ص٢٩٦، ينابيع المودة، القندوزي ج٢ ص٣١٤، مودة القربى ج٢٩، تاريخ بغداد ج٨ ص٩٥.

(٣) الشورى: ٢٣.

(٤) الوسيط، الواحدي ج٢ ص١٩٦، الصواعق، ابن حجر١٠٢ مناقب الشافعي، شواهد التنزيل ج٢ ص١٩٦، التفسير الوسيط للواحدي ج٤ ص٥١، تفسير فرات ٥١٧، تفسير الرازي ج١٠ ص٣٢٧٦، تاريخ دمشق، ابن عساكر ج٣ ص١٥٠، ينابيع المودّة ٢٤٩، التبيان، الطوسي ج٩ ص١٥٨، تفسير القمي ج١ ص١٥٥، تفسير العياشي ج١ ص٢٧٩ والسيوطي في تفسير ه وابن المنذر وابن ابى حاتم وابن مردويه في تفاسيرهم والطبراني في المعجم الكبير، والثعلبي في تفسيره، وتفسير الكشف والبيان ج٤ ص٣٢٨ وخصائص الوحيى المبين ٥٣، غاية المرام، للبحراني ٣٠٦، ومسند ابن راهويه ١٤٤، تاريخ ابن عساكر ج٥٠ ترجمة مروان.

١٩

دِينًا ) (١) .

عن ابي سعيد الخدري دعا النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) الناس في غدير خم اليه فأخذ بظبع علي (عليه‌السلام ) حتّى بان بياض ابطي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ثم لم يتفرقوا حتى نزلت تلك الآية.

فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) الله أكبر على اكمال الدين واتمام النعمة ورضى الرب برسالتي وبالولاية لعلي من بعدي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله(٢) .

وبدأ الله تعالى بالخليفة قبل الخليقة(٣) وتدل تلك الآية على انّ الخليفة منصب سماوي ينتخب الله تعالى له من يشاء، فكان كل إمام يبين للناس خليفته(٤) .

وحرَّف القرشيّون الخلافة فحصروها فى رجال السقيفة الذين اغتصبوا ذلك المنصب الالهى من الخليفة علي بن أبى طالب (عليه‌السلام ).

وجاء قوله تعالى :

( وَ كَذَلِكَ جَعَلْنَكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَ مَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِى كُنتَ عَلَيْهَآ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَنَكُمْإِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) (٥) .

واتفق العلماء على نزولها في أهل البيت(عليهم‌السلام )

____________________

(١) المائدة: ٣.

(٢) تاريخ دمشق، ابن عساكر ج٢ ص٨٥، الخصائص، ابن بطريق، فرائد السمطين ج١ ص٧٤، شواهد التنزيل ج١ ص٢٠١، ٢١١، كتاب السقيفه، سليم بن قيس ح٣٩، ما نزل من القرآن في علي(عليه‌السلام )، ابو نعيم الاصفهاني ح٤، خصائص الوحي المبين ٣٦.

(٣) كمال الدين، الصدوق ٤.

(٤) الارشاد، المفيد ٢٤٩، البحار ج٤٩ ص٢٤، الكافي ج١ ص٣١١، الصراط المستقيم ج٢ ص١٦٤، الغيبة، الطوسي ٣٥.

(٥) البقرة: ١٤٣.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

ونخرج من هذه النقاط بالنتائج التالية :

أوّلاً : أنّ المدرسة المادّية تفترق عن المدرسة الإلهية في ناحية سلبية ، أي : الإنكار لما هو خارج الحقل التجريبي

ثانياً : أنّ المادّية مسئولة عن الاستدلال على النفي ، كما يجب على الإلهية الاستدلال على الإثبات

ثالثاً : أنّ التجربة لا يمكن أن تُعتَبر برهاناً على النفي ؛ لأنّ عدم وجدان السبب الأعلى في ميدان التجربة ، لا يبرهن على عدم وجوده في مجال أعلى لا تمتدّ إليه يد التجربة المباشرة

رابعاً : أنّ الأسلوب الذي تتّخذه المدرسة الإلهية للاستدلال على مفهومها الإلهي ، هو نفس الأسلوب الذي نثبت به علمياً جميع الحقائق والقوانين العلمية

الاتّجاه الديالكتيكي للمفهوم المادّي :

قلنا : إنّ للمادّية اتّجاهين : أحدهما اتّجاه الآلية الميكانيكية ، والآخر اتّجاه المادّية الديالكتيكية.

وقد استعرضنا الاتّجاه الأوّل استعراضاً سريعاً في الجزء الثاني من نظرية المعرفة ، حين تناولنا بالدرس والتمحيص المثالية الفيزيائية التي قامت على

____________________

(*)

الذاتي للمعرفة ، وفي ضوء هذا المذهب وإن كنّا بحاجة إلى ضمّ بعض المعارف العقليّة التي لا مناص عنها إلى التجربة ، كالمعرفة العقليّة القائلة باستحالة اجتماع النقيضين ، ولكن يمكن أن ينتقل الذهن ـ في ضوء المذهب المذكور ـ من استقراء الموضوعات الجزئيّة الخاضعة للتجربة إلى قواعد وقوانين عامّة ، بحيث يكون السير الفكري فيها من الخاصّ إلى العامّ ، ولا حاجة فيها إلى ضمّ المعارف العقليّة القبليّة التي تحوّل السير الفكري فيها من العامّ إلى الخاصّ ، كما يدّعيه أصحاب المذهب العقلي للمعرفة(لجنة التحقيق)

٢٤١

حطام المادّية الميكانيكية

وأمّا الاتّجاه المادّي الآخر الذي يفسّر العالم تفسيراً مادّياً بقوانين الديالكتيك ، فهو الاتّجاه الذي اتّخذته المدرس الماركسية ، فوضعت مفهومها المادّي عن العالم على أساس هذا الاتّجاه

قال ستالين :

(تسير مادّية ماركس الفلسفيّة من المبدأ القائل : إنّ العالم بطبيعته مادّي ، وإنّ حوادث العالم المتعدّدة هي مظاهر مختلفة للمادّة المتحرّكة ، وإنّ العلاقات المتبادلة بين الحوادث وتكييف بعضها بعضاً بصورة متبادلة كما تقرّرها الطريقة الديالكتيكية ، هي قوانين ضرورية لتطوّر المادّة المتحرّكة ، وإنّ العالم يتطوّر تبعاً لقوانين حركة المادّة ، وهو ليس بحاجة لأيّ عقل كلّي)(١)

ويُعتبر المفهوم المادّي (المادّة = الوجود) هو النقطة المركزية في الفلسفة الماركسية ؛ لأنّها التي تحدّد نظرة الماركسية إلى الحياة ، وتنشئ لها فهماً خاصّاً للواقع وقيمه ، ومن دونها لا يمكن أن تقام الأسس المادّية الخالصة للمجتمع والحياة

وقد فرضت هذه النقطة على المذهب الماركسي تسلسلاً فكرياً خاصّاً ، واقتضت منه أن يقيم شتّى جوانبه الفلسفية لصالحها فلأجل أن تملك الماركسية الحقّ في تقرير النقطة المركزية تقريراً نهائياً ، اختارت أن تكون يقينية ، كما عرفنا في نظرية المعرفة ، وأعلنت أنّ لدى الإنسان من الطاقات العلمية ما يتيح له الجزم بفلسفة معيّنة عن الحياة ، واستكناه أسرار

____________________

(١) المادّية الديالكتيكية والمادّية التاريخية : ٢٨

٢٤٢

الوجود والعالم ، ورفضت مذهب الشكّ المطلق ، وحتّى النسبية الجامدة ، وحاولت بذلك أن تعطي صفة قطعية للمحور الرئيسي ، أي : المفهوم المادّي

ووضعت بعد ذلك المقياس العامّ للمعرفة والحقيقة في التجربة ، واستبعدت المعارف العقلية الضرورية ، وأنكرت وجود منطق عقلي مستقلّ عن التجربة ؛ كلّ ذلك حذراً من إمكان محو النقطة المركزية بالمنطق العقلي ، وحدّاً للطاقة البشرية بالميدان التجريبي خاصّة

وواجهت الماركسية في هذه المرحلة مشكلة جديدة ، وهي : أنّ الميزان الفكري للإنسان إذا كان هو الحسّ والتجربة ، فلا بدّ أن تكون المعلومات التي يكوّنها عن طريق الحسّ والتجربة صحيحة دائماً ، ليمكن اعتبارها ميزاناً أوّلياً توزن به الأفكار والمعارف ، فهل نتائج الحسّ العلمي كذلك حقّاً ؟ وهل النظريات القائمة على التجربة مضمونة الصدق أبداً ؟

وهكذا وقعت الماركسية بين خطرين :

فإن اعترفت بأنّ المعلومات القائمة على أساس التجربة ليست معصومة من الخطأ ، فقد سقطت التجربة عن كونها ميزاناً أوّلياً للحقائق والمعارف

وإن ادّعى الماركسيون أنّ النظرية المستمدّة من التجربة والتطبيق فوق الخطأ والاشتباه ، اصطدموا بالواقع الذي لا يسع لأحد إنكاره ، وهو : أنّ كثيراً من النظريات العلمية ، بل القوانين التي توصّل إليها الإنسان عن طريق درس الظواهر المحسوسة ، قد ظهر خطؤها وعدم مطابقتها للواقع ، فسقطت عن عرشها العلمي بعد أن تربّعت عليه مئات السنين

وإذا كانت المفاهيم العلمية التجريبية قد تخطئ ، وكان المنطق العقلي ساقطاً من الحساب ، فكيف يُعلَن عن فلسفة يقينية ؟! أو تشاد مدرسة ذات صفة جزمية في أفكارها ؟!

٢٤٣

وقد أصرّت الماركسية على وضع التجربة مقياساً أعلى ، وتخلّصت من هذا المأزق بوضع قانون الحركة والتطوّر في العلوم والأفكار ؛ نظراً إلى أنّ الفكر جزء من الطبيعة ، وهو بهذا الاعتبار يحقّق قوانين الطبيعة كاملة ، فيتطوّر وينمو كما تتطوّر الطبيعة وليس التطوّر العلمي يعني سقوط المفهوم العلمي السابق ، وإنّما يعبّر عن حركة تكاملية في الحقيقة والمعرفة فالحقيقة والمعرفة هي الحقيقة والمعرفة ، غير أنّها تنمو وتتحرّك وتتصاعد بصورة مستمرّة

وهكذا قضى بذلك على جميع البدهيات والحقائق ؛ لأنّ كلّ فكر سائر في صراط التطوّر والتغيّر ، فليست توجد حقيقة ثابتة في دنيا الفكر مطلقاً ، ولا يؤمن على ما ندركه الآن من البديهيات ـ نظير إدراكنا : أنّ الكلّ أكبر من الجزء ، وأنّ ٢ + ٢ = ٤ ـ أن يكتسب شكلاً آخر في حركته التطوّرية ، فندرك الحقيقة عند ذاك على وجه آخر

ولمّا كانت الحركة التي وضعتها الماركسية كقانون للفكر وللطبيعة بصورة عامّة لا تنبثق إلاّ عن قوّة وسبب ، ولم تكن في العالم حقيقة إلاّ المادّة في زعمها ، فقد قالت : إنّ الحركة حصيلة تناقضات في المحتوى الداخلي للمادّة ، وإنّ هذه المتناقضات تتصارع فتدفع بالمادّة وتطوّرها ؛ ولهذا ألغت الماركسية مبدأ عدم التناقض ، واتّخذت من الديالكتيك طريقة لفهم العالم ، ووضعت مفهومها المادّي في إطاره وهكذا يتّضح : أنّ جميع الجوانب الفلسفية للمادّية الديالكتيكية ، مرتبطة بالنقطة المركزية (المفهوم المادّي) ، وقد صيغت لأجل تركيزها والحفاظ عليها وليس إسقاط البديهيات وجعلها عرضةً للتغيّر ، أو الإيمان بالتناقض واعتباره قانوناً عاماً للطبيعة ، وما إليها من النتائج الغريبة التي انتهت إليها الماركسية ، إلاّ تسلسلاً حتمياً للانطلاق الذي بدأ من المفهوم المادّي الماركسي ، وتبريراً له في المجال الفلسفي

٢٤٤

المفهوم الفلسفي للعالم / ٢

الديالكتيك أو الجدل

١- حركة التطوّر

٢- تناقضات التطوّر

٣- قفزات التطوّر

٤- الارتباط العامّ

٢٤٥

٢٤٦

إنّ الجدل كان يعني في المنطق الكلاسيكي طريقة خاصّة في البحث ، وأسلوباً من أساليب المناظرة التي تطرح فيها المتناقضات الفكرية ووجهات النظر المتعارضة بقصد أن تحاول كلّ واحدة منها أن تظهر ما في نقيضها من نقاط الضعف ومواطن الخطأ على ضوء المعارف المسلّمة والقضايا المعترف بها سلفاً وهكذا يقوم الصراع بين النفي والإثبات في ميدان البحث والجدل حتّى ينتهي إلى نتيجة تتقرّر فيها إحدى وجهات النظر المتصارعة ، أو تنبثق عن الصراع الفكري بين المتناقضات وجهة رأي جديدة توفّق بين الوجهات كلّها ، بعد إسقاط تناقضاتها ، وإفراز نقاط الضعف من كلّ واحدة منها

ولكنّ الجدل في الديالكتيك الجديد ، أو الجدل الجديد ، لم يعد منهجاً في البحث وأسلوباً لتبادل الآراء ، بل أصبح طريقة لتفسير الواقع ، وقانوناً كونياً عاماً ينطبق على مختلف الحقائق وألوان الوجود فالتناقض ليس بين الآراء ووجهات النظر فحسب ، بل هو ثابت في صميم كلّ واقع وحقيقة ، فما من قضية إلاّ وهي تنطوي في ذاتها على نقيضها ونفيها

وكان (هيجل) أوّل من أشاد منطقاً كاملاً على هذا الأساس ، فكان التناقض الديالكتيكي هو النقطة المركزية في ذلك المنطق ، والقاعدة الأساسية التي يقوم

٢٤٧

عليها فهم جديد للعالم ، وتنشأ [ بها ](١) نظرية جديدة نحوه ، تختلف كلّ الاختلاف عن النظرة الكلاسيكية التي اعتادها البشر منذ قُدّر له أن يدرِك ويفكّر

وليس (هيجل) هو الذي ابتدع أصول الديالكتيك ابتداعاً ، فإنّ لتلك الأصول جذوراً وأعماقاً في عدّة من الأفكار التي كانت تظهر بين حين وآخر على مسرح العقل البشري ، غير أنّها لم تتبلور على أسلوب منطق كامل واضح في تفسيره ونظرته ، محدّد في خططه وقواعده ، إلاّ على يد (هيجل) فقد أنشأ (هيجل) فلسفته المثالية كلّها على أساس هذا الديالكتيك ، وجعله تفسيراً كافياً للمجتمع والتاريخ والدولة وكلّ مظاهر الحياة ، وتبنّاه بعده (ماركس) فوضع فلسفته المادّية في تصميم ديالكتيكي خالص

فالجدل الجديد في زعم الديالكتيكيين قانون للفكر والواقع على السواء ؛ ولذلك فهو طريقة للتفكير ، ومبدأ يرتكز عليه الواقع في وجوده وتطوّره

قال لينين :

(فإذا كان ثمة تناقضات في أفكار الناس ؛ فذلك لأنّ الواقع الذي يعكسه فكرنا يحوي تناقضات فجدل الأشياء ينتج جدل الأفكار ، وليس العكس)(٢)

وقال ماركس :

(ليست حركة الفكر إلاّ انعكاساً لحركة الواقع ، منقولة ومحوّلة في مخ الإنسان)(٣)

والمنطق (الهيجلي) بما قام عليه من أساس الديالكتيك والتناقض ، يعتبر في النقطة المقابلة للمنطق الكلاسيكي ، أو المنطق البشري العامّ تماماً ؛ ذلك أنّ

____________________

(١) في الطبعة الأُولى : به ، والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه(لجنة التحقيق)

(٢) و (٣) المادّية والمثالية في الفلسفة : ٨٣

٢٤٨

المنطق العام يؤمن بمبدأ عدم التناقض ، ويعتبره المبدأ الأوّل الذي يجب أن تقوم كلّ معرفة على أساسه ، والمبدأ الضروري الذي لا يشذّ عنه شيء في دنيا الوجود ، ولا يمكن أن يبرهن على حقيقة مهما كانت لولاه

ويرفض المنطق (الهيجلي) هذا المبدأ كلّ الرفض ، ولا يكتفي بالتأكيد على إمكان التناقض ، بل يجعل التناقض ـ بدلاً عن سلبه ـ المبدأ الأوّل لكلّ معرفة صحيحة عن العالم ، والقانون العامّ الذي يفسّر الكون كلّه بمجموعة من التناقضات فكلّ قضية في الكون تعتبر إثباتاً ، وتثير نفيها في نفس الوقت ، ويأتلف الإثبات والنفي في إثبات جديد فالنهج المتناقض للديالكتيك أو الجدل الذي يحكم العالم ، يتضمّن ثلاث مراحل تُدعى : الأطروحة ، والطباق ، والتركيب وفي تعبير آخر : الإثبات ، والنفي ، ونفي النفي(١) وبحكم هذا النهج الجدلي يكون كلّ شيء مجتمعاً مع نقيضه ، فهو ثابت ومنفي ، وموجود ومعدوم في وقت واحد

وقد ادّعى المنطق (الهيجلي) أنّه قضى ـ بما زعمه للوجود من جدل ـ على الخطوط الرئيسية للمنطق الكلاسيكي ، وهي ـ في زعمه ـ كما يأتي :

أوّلاً- مبدأ عدم التناقض وهو يعني : أنّ الشيء الواحد لا يمكن أن يتّصف بصفة وبنقيض تلك الصفة في وقت واحد

ثانياً- مبدأ الهوية وهو المبدأ القائل : إنّ كلّ ماهية فهي ما هي بالضرورة ، ولا يمكن سلب الشيء عن ذاته

ثالثاً- مبدأ السكون والجمود في الطبيعة الذي يرى سلبية الطبيعة وثباتها ، وينفي الديناميكية عن دنيا المادّة

____________________

(١) Thesis ـ Antihesis ـ Synthesis

٢٤٩

فالمبدأ الأوّل لا موضع له في المنطق الجديد ما دام كلّ شيء قائماً في حقيقته على التناقض وإذا ساد التناقض كقانون عام ، فمن الطبيعي أن يسقط المبدأ الثاني للمنطق الكلاسيكي أيضاً ؛ فإنّ كلّ شيء تسلب عنه هويته في لحظة الإثبات بالذات ؛ لأنّه في صيرورة مستمرّة ، وما دام التناقض هو الجذر الأساسي لكلّ حقيقة ، فلا غرو فيما إذا كانت الحقيقة تعني شيئين متناقضين على طول الخطّ ولمّا كان هذا التناقض المركز في صميم كلّ حقيقة مثيراً لصراع دائم في جميع الأشياء ، والصراع يعني : الحركة والاندفاع ، فالطبيعة في نشاط وتطوّر دائم ، وفي اندفاعة وصيرورة مستمرّة

هذه هي الضربات التي زعم المنطق الديالكتيكي أنّه سدّدها إلى المنطق الإنساني العام ، والمفهوم المألوف للعالم الذي ارتكزت عليه الميتافيزيقية آلاف السنين

وتتلخّص الطريقة الجدلية لفهم الوجود في افتراض قضية أُولى ، وجعلها أصلاً ، ثمّ ينقلب هذا الأصل إلى نقيضه بحكم الصراع في المحتوى الداخلي بين المتناقضات ، ثمّ يأتلف النقيضان في وحدة ، وتصبح هذه الوحدة بدورها أصلاً ونقطة انطلاق جديد ، وهكذا يتكرّر هذا التطوّر الثلاثي تطوّراً لا نهاية له ولا حدّ ، يتسلسل مع الوجود ، ويمتدّ ما امتدّت ظواهره وحوادثه

وقد بدأ (هيجل) بالمفاهيم والمقولات العامّة ، فطبّق عليها الديالكتيك ، واستنبطها بطريقة جدلية قائمة على التناقض المتمثّل في الأطروحة ، والطباق ، والتركيب وأشهر ثواليثه في هذا المجال وأوّلها هو : الثالوث الذي يبدأ من أبسط تلك المفاهيم وأعمّها ، وهو : مفهوم الوجود فالوجود موجود ، وهذا هو الإثبات أو الأطروحة ، بيد أنّه ليس شيئاً ؛ لأنّه قابل لأن يكون كلّ شيء فالدائرة وجود ، والمربّع ، والأبيض ، والأسود ، والنبات ، والحجر ، كلّ هذا هو موجود فليس

٢٥٠

- إذن- شيئاً محدّداً ، وهو بالتالي ليس موجوداً ، وهذا هو الطباق الذي أثارته الأطروحة ، وهكذا حصل التناقض في مفهوم الوجود ، ويحلّ هذا التناقض في التركيب بين الوجود واللاوجود الذي ينتج موجوداً لا يوجد على التمام ، أي : صيرورة وحركة ، وهكذا ينتج أنّ الوجود الحقّ هو الصيرورة

هذا مثال سقناه لنوضّح كيف يتسلسل أبو الجدل الحديث في استنباط المفاهيم العامّة من الأعمّ إلى الأخصّ ، ومن الأكثر خواءً وضعفاً ، إلى الأكثر ثراءً والأقرب إلى الواقع الخارجي

وليس هذا الجدل في استنباط المفاهيم عنده إلاّ انعاكساً لجدل الأشياء بذاتها في الواقع ، فإذا استثارت فكرة من الأفكار فكرة مقابلة لها ، فلأنّ الواقع الذي تمثّله هذه الفكرة يتطلّب الواقع المضادّ(١)

ونظرة بسيطة على الأطروحة ، والطباق والتركيب ، في قضية الوجود التي هي أشهر ثواليثه ، تدلّنا بوضوح على أنّ (هيجل) لم يفهم مبدأ عدم التناقض حق الفهم حين ألغاه ، ووضع موضعه مبدأ التناقض ولا أدري كيف يستطيع (هيجل) أن يشرح لنا التناقض ، أو النفي والإثبات المجتمعين في مفهوم الوجود ؟ إنّ مفهوم الوجود مفهوم عام دون شكّ ، وهو لذلك قابل لأن يكون كلّ شيء ، قابل لأن يكون نباتاً أو جماداً ، أبيض أو أسود ، دائرة أو مربّعاً ولكن هل معنى هذا : أنّ هذه الأضداد والأشياء المتقابلة مجتمعة كلّها في هذا المفهوم ، ليكون ملتقىً للنقائض والأضداد ؟ طبعاً لا ؛ فإنّ اجتماع الأمور المتقابلة في موضوع واحد شيء ، وإمكان صدق مفهوم واحد عليها شيء آخر فالوجود مفهوم ليس فيه من نقائض

____________________

(١) انظر للتفصيل : زكريا إبراهيم ، هيجل ، أو المثاليّة المطلقة : ١٣٨ ـ ١٧٢ إمام عبد الفتّاح إمام : هيجل / ج ١ (= المنهج الجدلي عند هيجل)

٢٥١

السواد والبياض ، أو النبات والجماد شيء ، وإنّما يصحّ أن يكون هذا أو ذاك ، لا أنّه هو هذا وذاك معاً في وقت واحد(١)

ولندع مقولات هيجل ، لندرس الجدل الماركسي في خطوطه العريضة التي وضع تصميمها الأساسي هيجل نفسه

والخطوط الأساسية أربعة ، وهي : حركة التطوّر ، وتناقضات التطوّر ، وقفزات التطوّر ، والإقرار بالارتباط العام

____________________

(١) أضف إلى ذلك : أنّ هذا التناقض المزعوم في ثالوث الوجود ، يرتكز على خلط آخر بين فكرة الشيء ، والواقع الموضوعي لذلك الشيء ؛ فإنّ مفهوم الوجود ليس إلاّ عبارة عن فكرة الوجود في أذهاننا ، وهي غير الواقع الموضوعي للوجود وإذا ميّزنا بين فكرة الوجود وواقع الوجود زال التناقض ؛ فإنّ واقع الوجود معيّن ومحدود لا يمكن سلب صفة الوجود عنه مطلقاً ، وأمّا فكرتنا عن الوجود فهي ليست وجوداً واقعياً ، وإنّما هي المفهوم الذهني المأخوذ عنه (المؤلّف قدس‌سره )

٢٥٢

١- حركة التطوّر

قال ستالين :

(إنّ الديالكتيك ـ خلافاً للميتافيزية ـ لا يعتبر الطبيعة حالة سكون وجمود ، حالة ركود واستقرار ، بل يعتبرها حالة حركة وتغيّر دائمين ، حالة تجدّد وتطوّر لا ينقطعان ، ففيها دائماً شيء يولد ويتطوّر وشيء ينحلّ ويضمحلّ ولهذا تريد الطريقة الديالكتيكية أن لا يكتفى بالنظر إلى الحوادث من حيث علاقات بعضها ببعض ، ومن حيث تكييف بعضها لبعض بصورة متقابلة ، بل أن ينظر إليها ـ أيضاً ـ من حيث حركتها ، من حيث تغيّرها وتطوّرها ، من حيث ظهورها واختفائها)(١)

وقال أنجلز :

(ينبغي لنا ألاّ ننظر إلى العالم وكأنّه مركّب من أشياء ناجزة ، بل ينبغي أن ننظر إليه وكأنّه مركّب في أدمغتنا إنّ هذا المرور ينمّ عن تغيّر لا ينقطع من الصيرورة والانحلال ، حيث يشرق نهار النمو المتقدّم في النهاية رغم جميع الصدف الظاهرة والعودات إلى الوراء)(٢)

____________________

(١) المادّية الديالكتيكية والمادّية التاريخية : ١٦

(٢) هذه هي الديالكتيكية : ٩٧ ـ ٩٨

٢٥٣

فكلّ شيء خاضع لقوانين التطوّر والصيرورة ، وليس لهذا التطوّر أو الصيرورة حدّ يتوقّف عنده ؛ لأنّ الحركة هي المسألة اللامتناهية للوجود كلّه

ويزعم الديالكتيكيون أنّهم وحدهم الذين يعتبرون الطبيعة حالة حركة وتغيّر دائمين وينعون على المنطق الميتافيزيقي والأسلوب التقليدي للتفكير طريقة دراسته للأشياء وفهمها ؛ إذ يفترض الطبيعة في حالة سكون وجمود مطلقين ، فهو لا يعكس الطبيعة على واقعها المتطوّر المتحرّك فالفرق بين المنطق الجدلي الذي يعتقد في الطبيعة حركة دائمة وصاعدة أبداً ، والمنطق الشكلي ـ في زعمهم ـ كالفرق بين شخصين أرادا أن يسبرا أغوار كائن حيّ في شتّى أدواره ، فأجرى كلّ منهما تجاربه عليه ، ثمّ وقف أحدهما يراقب تطوّره وحركته المستمرّة ، ويدرسه على ضوء تطوّراته كلّها ، واكتفى الآخر بالتجربة الأُولى معتقداً أنّ ذلك الكائن جامد في كيانه ، ثابت في هويّته وواقعه فالطبيعة برمّتها شأنها شأن هذا الكائن الحيّ ، من النبات أو الحيوان في تطوّره ونموّه ، فلا يواكبها الفكر إلاّ إذا جاراها في حركتها وتطوّرها

والواقع : أنّ قانون التطوّر الديالكتيكي الذي يعتبره الجدل الحديث من مميّزاته الأساسية ليس شيئاً جديداً في الفكر الإنساني ، وإنّما الجديد طابعه الديالكتيكي الذي يجب نزعه عنه ، كما سنعرف فهو في حدوده الصحيحة ينسجم مع المنطق العامّ ، ولا صلة له بالديالكتيك ، ولا فضل للديالكتيك في اكتشافه ، فليس علينا لأجل أن نقبل هذا القانون ، ونعرف سبق الميتافيزيقا إليه ، إلاّ أن نجرّده عن قالب التناقض ، وأساس الجدل القائم عليه في عرف الديالكتيك

إنّ الميتافيزيقي في زعم الديالكتيكي يعقتد أنّ الطبيعة جامدة يخيّم عليها السكون ، وأنّ كلّ شيء فيها ثابت لا يتغيّر ولا يتبدّل ، كأنّ الميتافيزيقي المسكين قد حُرِم من كلّ ألوان الإدراك ، وسُلِب منه الشعور والحسّ معاً ، فأصبح لا يحسّ

٢٥٤

ولا يشعر بما يشعر به جميع الناس وحتّى الأطفال من ضروب التغيّر والتبدّل في دنيا الطبيعة

ومن الواضح لدى كلّ أحد : أنّ الإيمان بوجود التغيّر في عالم الطبيعة مسألة لا تحتاج إلى دراسات علمية سابقة ، وليست موضعاً لخلاف أو نقاش ، وإنّما الجدير بالدرس هو ماهية هذا التغيّر ، ومدى عمقه وعمومه ؛ فإنّ التغيّر نحوان : أحدهما التعاقب البحت ، والآخر الحركة والتاريخ الفلسفي يروي صراعاً حادّاً لا في مسألة التغيّر بصورة عامّة ، بل في كنهه وتفسيره الفلسفي الدقيق ويدور الصراع حول الجواب عن الأسئلة التالية :

هل التغيّر الذي يطرأ على الجسم حين يطوي مسافةً ما ، عبارة عن وقفات متعدّدة في أماكن متعدّدة تعاقبت بسرعة ، فتكوّنت في الذهن فكرة الحركة ؟ أو أنّ مردّ هذا التغيّر إلى سير واحد متدرّج لا وقوف فيه ولا سكون ؟ وهل التغيّر الذي يطرأ على الماء حين تتضاعف حرارته وتشتدّ ، يعني مجموعة من الحرارات المتعاقبة ، يتلو بعضها بعضاً ؟ أو أنّه يعبّر عن حرارة واحدة تتكامل وتتحرّك وتترقّى درجتها ؟

وهكذا نواجه هذا السؤال في كلّ لون من ألوان التغيّر التي تحتاج إلى شرح فلسفي بأحد الوجهين الذين يقدّمهما السؤال

والتاريخ الإغريقي يحدّث عن بعض المدارس الفلسفية : أنّها أنكرت الحركة ، وأخذت بالتفسير الآخر للتغيّر الذي يردّ التغيّر إلى تعاقب أمور ساكنة ومن رجالات تلك المدرسة (زينون) الذي أكّد على أنّ حركة المسافر من أقصى الأرض إلى أقصاها ليست إلاّ سلسلة من سكنّات متعاقبة فهو لا يتصوّر التدرج في الوجود والتكامل فيه ، بل يرى كلّ ظاهرة ثابتة ، وأنّ التغيّر يحصل بتعاقب الأمور الثابتة ، لا بتطوّر الأمر الواحد وتدرّجه وعلى هذا تكون حركة الإنسان

٢٥٥

في مسافة ما عبارة عن وقوفه في المنطقة الأولى من تلك المسافة ، فوقوفه في النقطة الثانية ، ففي الثالثة ، وهكذا فإذا رأينا شخصين أحدهما واقف في نقطة معيّنة ، والآخر يمشي نحو اتّجاه خاصّ ، فكلاهما في رأي (زينون) واقف ساكن ، غير أنّ الأوّل ساكن في نقطة معيّنة على طول الخطّ ، وأمّا الآخر فله سكنات متعدّدة ؛ لتعدّد النقاط التي يطويها ، وله في كلّ لحظة مكانيّة خاصّة ، وهو في كلّ تلك اللحظات لا يختلف مطلقاً عن الشخص الأوّل الواقف في نقطة معيّنة ، فهما معاً ساكنان ، وإن كان سكون الأوّل مستمرّاً ، وسكون الثاني يتبدّل بسرعة إلى سكون آخر في نقطة أخرى من المسافة فالاختلاف بينهما هو الاختلاف بين سكون قصير الأمد وسكون طويل الأمد

هذا ما كان يحاوله (زينون) وبعض فلاسفة الإغريق وقد برهن على وجهه نظره بالأدلّة الأربعة المشهورة عنه التي لم يقدّر لها النجاح والتوفيق في الميدان الفلسفي ؛ لأنّ مدرسة أرسطو ـ وهي المدرسة الفلسفية الكبرى في العهد الإغريقي ـ آمنت بالحركة ، وردّت على تلك الأدلّة وزيّفتها ، وبرهنت على وجود الحركة والتطوّر في ظواهر الطبيعة وصفاتها ، بمعنى : أنّ الظاهرة الطبيعية قد لا توجد على التمام في لحظة ، بل توجد على التدريج وتستنفذ إمكاناتها شيئاً فشيئاً ، وبذلك يحصل التطوّر ويوجد التكامل فالماء حين تتضاعف حرارته لا يعني ذلك : أنّه في كلّ لحظة يستقبل حرارة بدرجة معيّنة ، توجد على التمام ثمّ تُفنى وتُخلق من جديد حرارة أخرى بدرجة جديدة ، بل محتوى تلك المضاعفة : أنّ حرارة واحدة وجدت في الماء ، ولكنّها لم توجد على التمام ، بمعنى : أنّها لم تستنفذ في لحظتها الأُولى كلّ طاقاتها وإمكاناتها ، ولذلك أخذت تستنفذ إمكاناتها بالتدريج ، وتترقّى بعد ذلك وتتطوّر وبالتعبير الفلسفي : أنّها حركة مستمرّة متصاعدة.

٢٥٦

ومن الواضح : أنّ التكامل ـ أو الحركة التطوّرية ـ لا يمكن أن يُفهم إلاّ على هذا الأساس ، وأمّا تتابع ظواهر متعدّدة يوجد كلّ واحدة منها بعد الظاهرة السابقة ، وتفسح المجال بفنائها لظاهرة جديدة ، فليس هذا نموّاً وتكاملاً ، وبالتالي ليس حركة ، وإنّما هو لون من التغيّر العامّ

فالحركة سير تدريجي للوجود ، وتطوّر للشيء في الدرجات التي تتّسع لها إمكاناته ؛ ولذلك حدّد المفهوم الفلسفي للحركة بأنّها خروج الشيء من القوّة إلى الفعل تدريجياً(١)

ويتركز هذا التحديد على الفكرة التي قدّمناها عن الحركة ، فإنّ الحركة ـ كما عرفنا ـ ليست عبارة عن فناء الشيء فناءً مطلقاً ووجود شيء آخر جديد ، وإنّما هي تطوّر الشيء في درجات الوجود فيجب ـ إذن ـ أن تحتوي كلّ حركة على وجود واحد مستمرّ منذ تنطلق إلى أن تتوقّف ، وهذا الوجود هو الذي يتحرّك ، بمعنى : أنّه يتدرّج ويثرى بصورة مستمرّة ، وكلّ درجة تعبّر عن مرحلة من مراحل ذلك الوجود الواحد ، وهذه المراحل إنّما توجد بالحركة ، فالشيء المتحرّك أو الوجود المتطوّر لا يملكها قبل الحركة وإلاّ لما وجدت حركة ، بل هو في لحظة الانطلاق يتمثّل لنا في قوىً وإمكانات ، وبالحركة تستنفذ تلك الإمكانات ، ويُستبدَل في كلّ درجة من درجات الحركة الإمكانُ بالواقع والقوّةُ بالفعليّة

فالماء قبل وضعه على النار لا يملك من الحرارة المحسوسة إلاّ إمكانها ، وهذا الإمكان الذي يملكه ليس إمكاناً لدرجة معيّنة من الحرارة ، بل هي بجميع درجاتها ـ التي تؤدّي إلى الحالة الغازية في النهاية ـ ممكنة للماء ، وحين يبدأ

____________________

(١) القوّة : عبارة عن إمكان الشيء ، والفعل : عبارة عن وجوده حقيقة (المؤلّف قدس‌سره )

٢٥٧

الماء بالانفعال والتأثّر بحرارة النار تبدأ حرارته بالحركة والتطوّر ، بمعنى : أنّ القوى والإمكانات التي كانت تملكها تتبدّل إلى حقيقة ، والماء في كلّ مرحلة من مراحل الحركة يخرج من إمكان إلى فعلية ، ولذلك تكون القوّة والفعلية متشابكتين في جميع أدوار الحركة ، وفي اللحظة التي تستنفذ جميع الإمكانات تقف الحركة

فالحركة ـ إذن ـ في كلّ مرحلة ذات لونين : فهي من ناحية فعلية وواقعية ؛ لأنّ الدرجة التي تسجّلها المرحلة موجودة بصورة واقعية وفعلية ومن ناحية أخرى هي إمكان وقوّة للدرجات الأخرى الصاعدة التي ينتظر من الحركة أن تسجّلها في مراحلها الجديدة فالماء في مثالنا إذا لاحظناه في لحظة معيّنة من الحركة ، نجد أنّه ساخن بالفعل بدرجة ثمانين مثلاً ، ولكنّه في نفس الوقت ينطوي على إمكان تخطّي هذه الدرجة ، وقوّة تطوّر للحرارة إلى أعلى ففعلية كلّ درجة في مرحلتها الخاصّة مقارنة لقوّة فنائها

ولنأخذ مثالاً أعمق للحركة ، وهو الكائن الحيّ الذي يتطوّر بحركة تدريجية ، فهو بويضة ، فنطفة ، فجنين ، فطفل ، فمراهق ، فراشد إنّ هذا الكائن في مرحلة محدودة من حركته هو نطفة بالفعل ، ولكنّه في نفس الوقت شيء آخر مقابل للنطفة وأرقى منها ، فهو جنين بالقوّة ، ومعنى هذا : أنّ الحركة في هذا الكائن قد ازدوجت فيها الفعلية والقوّة معاً فلو لم يكن في الكائن الحيّ قوّة درجة جديدة وإمكاناتها لما وجدت حركة ، ولو لم يكن شيئاً من الأشياء بالفعل لكان عدماً محضاً ، فلا توجد حركة أيضاً فالتطوّر يأتلف دائماً من شيء بالفعل وشيء بالقوّة وهكذا تستمرّ الحركة ما دام الشيء يحتوي على الفعلية والقوّة معاً ، على الوجود والإمكان معاً ، فإذا نفذ الإمكان ، ولم تبقَ في الشيء طاقة على درجة جديدة ، انتهى عمر الحركة

هذا هو معنى خروج الشيء من القوّة إلى الفعل تدريجاً ، أو تشابك القوّة

٢٥٨

والفعل أو اتّحادهما في الحركة

وهذا هو المفهوم الفلسفي الدقيق الذي تعطيه الفلسفة الميتافيزيقية للحركة ، وقد أخذته المادّية الديالكتيكية فلم تفهمه ولم تتبيّنه على وجهه الصحيح ، فزعمت أنّ الحركة لا تتمّ إلاّ بالتناقض ، التناقض المستمرّ في صميم الأشياء ، كما سوف نعرف عن قريب

وجاء بعد ذلك دور الفلسفة الإسلامية على يد الفيلسوف الإسلامي الكبير (صدر الدين الشيرازي) ، فوضع نظرية الحركة العامّة ، وبرهن فلسفياً على أنّ الحركة بمفهومها الدقيق الذي عرضناه ، لا تمسّ ظواهر الطبيعة وسطحها العرضي فحسب ، بل الحركة في تلك الظواهر ليست إلاّ جانباً من التطوّر يكشف عن جانب أعمق ، وهو التطوّر في صميم الطبيعة وحركتها الجوهرية ؛ ذلك أنّ الحركة السطحية في الظواهر لمّا كان معناها التجدّد والانقضاء ، فيجب لهذا أن تكون علّتها المباشرة أمراً متجدّداً غير ثابت الذات أيضاً ؛ لأنّ علّة الثابت ثابتة ، وعلّة المتغيّر المتجدّد متغيّرة متجدّدة ، فلا يمكن أن يكون السبب المباشر للحركة أمراً ثابتاً ، وإلاّ لم تنعدم أجزاء الحركة ، بل تصبح قراراً وسكوناً(١)

____________________

(١) ويتلخّص الاستدلال الرئيسي على الحركة الجوهرية بالأمرين التاليين :

الأوّل : أنّ العلّة المباشر للحركات العرضية والسطحية في الأجسام ـ من الميكانيكية والطبيعية ـ قوّة خاصّة قائمة بالجسم ، وهذا المعنى صادق حتّى على الحركات الآلية التي يبدو لأوّل وهلة أنّها منبثقة عن قوّة منفصلة ، كما إذا دفعت بجسم في خطّ أُفقي أو عمودي ، فإنّ المفهوم البدائي من هذه الحركة أنّها معلولة للدفعة الخارجية والعامل المنفصل ، ولكنّ الواقع غير هذا ؛ فإنّ العامل الخارجي لم يكن إلاّ شرطاً من شروط الحركة وأمّا المحرّك الحقيقي فهو : القوّة القائمة بالجسم ، ولأجل ذلك كانت الحركة تستمرّ بعد انفصال الجسم

(*)

٢٥٩

.............................................

____________________

(*)

المتحرّك عن الدفعة الخارجية والعامل المنفصل ، وكان الجهاز الميكانيكي المتحرّك يسير مقداراً ما بعد بطلان العامل الآلي المحرّك ، وعلى هذا الأساس وضع الميكانيك الحديث قانون القصور الذاتي القائل : إنّ الجسم إذا حُرِّك استمرّ في حركته ما لم يمنعه شيء خارجي عن مواصلة نشاطه الحركي غير أنّ هذا القانون أسيء استخدامه ؛ إذ اعتبر دليلاً على أنّ الحركة حين تنطلق لا تحتاج بعد ذلك إلى سبب خاصّ وعلّة معيّنة ، واتّخذ أداة للردّ على مبدأ العلّية وقوانينها

ولكنّ الصحيح : أنّ التجارب العلمية في الميكانيك الحديث ، إنّما تدلّ على أنّ العامل الخارجي المنفصل ليس هو العلّة الحقيقية للحركة ، وإلاّ لما استمرّت حركة الجسم بعد انفصال الجسم المتحرّك عن العامل الخارجي المستقلّ ويجب لهذا أن تكون العلّة المباشرة للحركة قوّة قائمة بالجسم ، وأن تكون العوامل الخارجية شرائط ومثيرات لتلك القوّة

الثاني : أنّ المعلول يجب أن يكون مناسباً للعلّة في الثبات والتجدّد ، فإذا كانت العلّة ثابتة كان المعلول ثابتاً ، وإذا كان المعلول متجدّداً ومتطوّراً كانت العلّة متجدّدة ومتطوّرة ومن الضروري على هذا الضوء أن تكون علّة الحركة متحرّكة ومتجدّدة ، طبقاً لتجدّد الحركة وتطوّرها نفسها ؛ إذ لو كانت علّة الحركة ثابتة ومستقرّة ، لكان كلّ ما يصدر منها ثابتاً ومستقرّاً ، فتعود الحركة سكوناً واستقراراً ، وهو يناقض معنى الحركة والتطوّر

وعلى أساس هذين الأمرين نستنتج :

أوّلاً : أنّ القوّة القائمة بالجسم والمحرّكة له ، قوّة متحرّكة ومتطوّرة ، فهذه القوّة بسبب تطوّرها تكون علّة للحركات العرضية والسطحية جميعاً ، وهي قوّة جوهرية ؛ إذ لا بدّ أن تنتهي إلى قوّة جوهرية ؛ لأنّ العرض يتقوّم بالجوهر وهكذا ثبتت الحركة الجوهرية في الطبيعة

ثانياً : أنّ الجسم يأتلف دائماً من مادّة تعرضها الحركات ، وقوّة جوهرية متطوّرة ،

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402