ديوان فوز الفائز

ديوان فوز الفائز14%

ديوان فوز الفائز مؤلف:
تصنيف: دواوين
الصفحات: 418

ديوان فوز الفائز
  • البداية
  • السابق
  • 418 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84364 / تحميل: 14099
الحجم الحجم الحجم
ديوان فوز الفائز

ديوان فوز الفائز

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

حتّى تجاهد دونه في ساعة الزعزاعه

هذا عزيز الزهرا ليت السلامه فاله

يابني وهب مرو بي في نصر اُوعز اودوله

عنده هوادج يابني فيها نساء محموله

اوعبّاس بيده الرايه اُوفتيان هاشم حوله

واسمعت زينب تنعى وادموعها هماله

واتقول انا يابن اُمّي عن كربلا ردوني

خوفي العدى ايذبحونك اُومن بعدك اسلبوني

لمن سمعهابوالفضل قال العدى ايعرفوني

لطوي اصفوف العسكر في ملتقى الخيّاله

ياوهب شيل اظعونك عن ترب هذاالوادي

والحق عزيز الزهرا سبط النّبي الهادي

هيا اُوشد اظعونك يا مهجتي وافّادى

وانصراسرورالزهرا اُوروحك فدى له جعلها!!

مر بالمخيم فارس شع بالمحل انواره

ويا اخوته وولاده اُو حوله جميع انصاره

اوعنده حرم باخدورهم وادموعهم نثاره

وسط الهوادج ضجه من نسوته واعياله

سلم عليك ووصاني ذاك الشفيع الهادي

ان كان تبغي الرتبه اُو تدرك اجوار الهادي

ايقلك ترى هو ظعنه للغاضريّةغادي

جارت عليه الاُمّة كلها تريد اقتاله

ان كان ظني صادق ظعنه يريد الكوفه

الله يرشد حالك واتعاينه واتشوفه

حين رأيته ظلت امدامعى مذروفه

شبه البدر بانواره اسباع الحريبه اقباله

شد الظعينة يابني واتبع اسرور الزهرا

فوز اُو شهاده يابني اتنال الفخر بالنصره

كني اشوفك مرمي يابني ابحر الغبرا

جسمك عفير ابدمه واتدوسه الخياله

في طاعتك يايمه واليوم اناله رايح

الله لطب العركه وسط الحرب والصايح

١٤١

اولدعي ابوسط العركة كمٍّ سميدع طايح

في الحال قوّض ظعنه واُمّه معه شيّاله

* * *

يا وهب قوم انهض ابهمه للحرب ثور

شوف العساكر دايره واِحسين محصور

يا وهب عاين حالته يضرب الافكار

واقف على باب الخيم يا وهب محتار

تكسر الخاطر وحدته ما عنده انصار

نكثوا مواعيده اُوطاعوا شارب اخمور

الله يمعظم صولته يوم سمعها

اُوعاين على وجناتها تجري دمعها

عرسه الزمت ذيله اُونظر ليها اُودفعها

اُوقلهااقصري امن اللوم اُوردي وسط لخدور

واتبسم ابلفراح لمن صال بالقوم

مثل الصقر حول يحوم اعلى العدى حوم

اوروى اتراب الغاضريّة ابفيض لدموم

سيل الدماء في الأرض يشبه سيل لبحور

واختجل يوم اللي نظر عرسه اقباله

لعمود بيديها خوف الخجاله

ويشوفها تحمل على ايمينه اُو شماله

واتقول جاهد لا يبين امنك اقصور

ردي لخدرك قالت ارجوعي مهو زين

للخدر ما اقدر اعود واسمع احسين

اجرى ادموعي يطلب الناصر ولمعين

نفسك ابذلها يا وهب واتصير ماجور

ردهاالشهيداُوهب في اجموع العدى صال

اتقول هذي زلزله حلت من اجبال

لكن عليه الجيش مثل الرمل مهتال

ويموج ذاك الجيش مثل امواج لبحور

وسفه اُوحاطت به العدى يمنى اويسرى

ذبوا لجسمه بالثرى اُوراسه امبرى

والحزن لمه يوم نظرت له امعرى

وقفت على جسمه اُوظلت حوله اتدور

* * *

صول وهب في جيش عدوان الملاعين

قطعوا يساره القوم في المعركه وليمين

ساعة ولنه زوجته تبذل المجهود

اتجاهد امامه شايله في كفها اعمود

من شافها اجرى المدامع فوق لخدود

اُوجاها الشهيد اِحسين ردها للصياوين

١٤٢

قلها تردي للخبا وابكي علينا

لجهاد ما هو اعليك مفروض علينا

ما التمت القيمان اُوجت تزحف الينا

قالت تخلني بانذبح فدواك يحسين

ويلي ضعف قوة وهب من نزف لدموم

ابراسه الشفيّة صوبوه اصواب ميشوم

في وسط حجر امه وهب راسه رمو القوم

حضنت كريمه اُوشالته والدمع بالعين

قامت تشم نحره اُوعنه اتزيح لتراب

اُو تلطم بياديها اُو تصب الدمع سكاب

واتقول واحزني على طود انمحى اوذاب

مالي ولد غيره وشوفه بالثرى اطعين

يا بني توعى يا وهب يا نور عيني

يا ليت سيف اللي وصل لك حزونيني

والله ونينك يا وهب زيد ونيني

لك تنتحب حرات طاها بالصياوين

يا وهب جسمك بالثرى والراس عندي

اُوسهم الذي صابك يليته صاب كبدي

اتمنيت يابني كان تدفني ابلحدي

واتشيل نعشي للقبر ويا المحبين

يا لولد ربّيتك إلى ضربات لسيوف

بعد الربى يا بني سقوك القوم لحتوف

جسمك رميّة بالثرى مقطوع لكفوف

ماخاب تعبي فيك رحت افدى إلى احسين

* * *

يا وهب شدّ الظعن والحق سيدك احسين

وانصر عزيز المصطفى يا قرّة العين

يا وهب شد الظعن واتوكل على الله

والحق عزيز الهاشميّه ايعينك الله

مهجة رسول الله اُوحيدر حجة الله

هذا الشفيع ابن الشفيع امشيد الدين

يا وهب يا بني بالعجل شد الظعينة

والحق أبو السجّاد قبل ايحين حينه

هذا الذي اتربى ابحجر ذيك الامينه

اُوقله لفينا لك يبو السجّاد يحسين

اياك ترجف يا ولدي في وقت لطراد

يوم على اخيام السبط تلتم لجناد

لا يسبقونك للذبح صحبة الأمجاد

ذوق المنيّة قبل اخوانه والبنين

لا يكون يوم الزعزعه ترجف يصنديد

واتهاب كثر القوم اُوعن نصر الولي اتحيد

١٤٣

للموت لَحد يسبقك من هالا ماجيد

اتصيبك الحسره من تفوتك نصرة احسين

نادى عليها والدمع في الخد بداد

هيهات يسبقني احد في يوم لطراد

لازم تشوفي جثتي من فوق لوهاد

يا لوالده راجي من الله انصر احسين

ما جيت في هالبر اُوحطيت الظعينة

الا احارس ظعن ابو سكنه يجينا

واصير فدوه لخوته ويا بنينه

وانتي يصيبك ما يصيب احريم لحسين

اوساق الظعينة اُولحق بوسكنه اُو رجاله

شاف الخلق تسعى عن ايمينه اُو شماله

حتّى ابظعنهم حطّوا ابمنزل زباله

اُو فيها خبر مسلم وصل للطاهر احسين

* * *

١٤٤

هذا فصل فيه ما يشتمل على مسيره (عليه‌السلام ) من بعد خبر مسلم إلى أن وصل كربلاء :

شبّان ما محلاكم اُومشيتكم سويّه

عمّي عسى عنهم اعيونك يا منيّه

واِحسين رتبهم عن ايمينه اُو شماله

اُو عبّاس في ايده اللوه ياضي جماله

زاهر كانه البدر في ليلة كماله

عميى عسى عنه اعيونك يا منيّه

شايل لوى اعضيده اُوفي ايده الحوارب

عنه تنحى لا تصيح اليوم يغراب

لا تصيح تفجعنا لنا شبّان غياب

غايب لنا ضرغام نترقب مجيّه

هذا عمد صيواننا واللي على به

اُوهذا اخوه اِحسين يترقب ايابه

يا ناعي الشبان لا تنعى شبابه

خوفي بدرنا ايغيب بارض الغاضريّه

او زينب على فرقى ابو فاضل جزعوعه

رايح يجيب الماء اُو تترجى ارجوعه

مثل البدر تترقب العالم اطلوعه

الله يدومه لي أبو نفس الأبيّه

يحسين سردال الحرب ابطى علينا

بالعجل شوفه والخبر جيبه الينا

هذي خواته ترقبه اُوبنتك اسكينه

خله يجيني بانظره قبل المنيّه

خلّه يجي يحسين والماء ما نريده

والماي ما نبغيه نبغى الا وجوده

باسأل عسى الله يرجعه لينا اويعوده

ما ظن ينساني ولا يرجع عليّه

إتفطّرت أكبادنا من قل شوفه

ايقولون دارت به كتايب هل الكوفه

قلها يزينب بوالفضل قطعة اكفوفه

قطعوا رجاكم وايسوا منه الجيّه

* * *

عن دولتي وارجالي عن دولتي وارجالي

عين المنايا صدي عن دولتي وارجالي

١٤٥

كلما مشينا اشويّه طيرك علينا غنّى

والله فجعتي اقلوبنا صدّي يغبرة عنّا

واُم الولد خليّها باوليدها تتهنّى

ردّي عسى مردودة عن دولتي وارجالي

قالت معاكم رايحه مثل الظعن والحادي

كلما صعدتوا تلعه اُوكلما نزلتوا ابوادي

عنكم فلااقبل فدوه اُومنكم فلااقبل فادي

قالت دفعتك بالله عن دولتي وارجالي

يا ما علم لفيته اُويا ما علم بالفّه

اُويا ما شباب منكم وسط القبر بازفّه

قالت دفعتك بالله اُومنك طلبت العفّه

ردّي عسى مردوده عن دولتي وارجالي

يا ما بدر غيبته وياما بدر باغيب

اُوياما فتاة منكم قبل الممشيب اتشيب

قالت جوابك هذا ما هو كلام طيب

عينك عسى مردودة عن دولتي وارجالي

انا ورى سلطان ما امشي الا ابامره

عايف حياة الدنيا اُوراضي ابقصارة عمره

اولا بد الك من يوم على السما بالحمره

قالت دفعتك بالله عن دولتي وارجالي

امشي ابامر سلطان ما افعل الا ابقوله

وانتي ابخدر وامعزّة اُو كلمتك مقبوله

لا بدّ الك من يوم تخلين من هالدوله

قالت دفعتك بالله عن دولتي وارجالي

* * *

طب لطفوف اليوم ريحانة المختار

اُوراد الشهيد ايسير ميمونه ولا سار

اولاح ابظهر سابح سبوق ايسابق الريح

مشدود يسمع صايحه ابأذنه من ايصيح

اوراده ايتخطى من مكانه اُوهبك ما يزيح

حتّى ركب ستة افراس اُولا فرس سار

اوعبت اتشيل الخيل حافرها عن القاع

اُو كانت تفوح الريح يوم ايصير مفزاع

من شاف حالتها يويلي حلو لطباع

قال اخبروني ما تسمى هاي لديار

اشوف خيلي اي صحب وقفت برضها

نعم الخبير ابغاية الخيل اُو غرضها

قالوا يبو السجّاد تسأل عن أرضها

تدعى اطفوف الغاضريّة واَرض لعقار

١٤٦

سمها شفيّة نينوى يعزيز حيدر

قال اُوضحولي عن اسمّهااُوكنت انا اخبر

صاحوا فرد صيحة الصحب الله أكبر

هذي تسمّى كربلا يحسين بجهار

اُو ريحانة الهادي جرت بالدم دموعه

من حين ذكروا كربلا اتحنّت اضلوعه

اُوصاح ابقلب موجوع وايّس من رجوعه

لديار جدّه اُوقال حطّوا ابعجل ينصار

اِنكان اسمها كربلا هاي الفيافي

ملزوم تلف ارواحنا فيها نوافي

واحريمنا تسبى عقبا الله الكافي

ليزيد تمشي امسلبه من فوق لكوار

حطوا ولا تخطوا ترى وعد النّبي حان

جدّي وعدني ابها الأرض انذبح عطشان

اوفيها ترض صدري حوافر خيل سفيان

اُو فيها العدى ايسلبوا حرم صفوة الجبار

* * *

في الغاضريّة حطّ أبو سكنة الصياوين

اُودارت عساكرهم عن اشماله وليمين

شافت العسكر واقبلت زينب حزينه

اُو قالت يبو السجّاد يا نور المدينة

هالقوم ياخويه الينا لوعلينا

قلبي ارتجف من شفت هالعسكر مقبلين

قلها يزينب خانت العدوان بينا

شوفي العساكر اقبلت يختي علينا

حتّى زلال الماي علينا ما نعينه

واتذكروا ثاراتهم في يوم صفّين

يختي على قتلي النموا يازكيّه

اُونكروا مكاتيب ارسلوها قبل ليه

مكتوب يختي انذبح في الغاضريّه

اُوكل اخوتي اُوقومي اُوبني عمي الميامين

اوتبقين بعدي يا حزينة في اذل حال

انتين والنسوة تركبي هزل الجمال

حتّى العليل ايقيّدوا ايمينه ولشمال

اتروحين للكوفة بلا ناصر ولا امعين

انكبت على راسه اُوقالت قوم ردنا

عن كربلا لرض المدينة ابلاد جدنا

ترضى مع العدوان نمشي احنا وحدنا

اُوبعد المعزه نركب اظهور البعارين

نادى عليها اُودمعته ابخده جريه

انكان بعدي خايفه اتروحي هديّه

١٤٧

أوديك طيبة وارجع ارض الغاضريّه

قالت عساني فدوتك يا نور كُل عين

يا ليتني قبلك متت يا بدر سعدي

يا ليت جثتي امواريه في وسط لحدي

بعدك لشق الجيب والطم فوق خدي

وانصب عزاكم يا خليصي طول لسنين

* * *

حطّوا على هالوادي حطّوا على هالوادي

يا عزوتي يا رجالي حطّوا على هالوادي

يا قوم انا باسألكم وانا خبير باسماها

هذي أراضي جدّي كر البلا سمّاها

يشرب ثراها دمي اُوتبخل علينا ابماها

راضي انا ابهالتربة اُوحطّوا على هالوادي

هي تربة من دوني احد فلا يملكها

ربّ السما طهّرها اُوربّ السما باركها

مبخوت من يسكنهااُومبخوث من يملكها

هذي الأرض نادتني حطّواعلى هالوادي

عنها فلانا غادي اُوعنها فلانا رايح

فيها بجاهد شده والمكر به والصايح

او فيها العدى تذبحني وابقى عفير طايح

راضي انا ابها لتربة اُوحطوا على هالوادي

وابها الأرض يصحابي نصبوا الأظلّة فيها

وابهاالأرض يصحابي تسفك دمانا فيها

وابها الأرض يصحابي تهتك حرمنا بيها

راضي انا ابها لتربة اُوحطّوا على هالوادي

فيها بقاسي بلوى اُوفيها بقاسي كربه

اُوفيهابجاهدلعدى امن الماي ماحصل شربه

ماجيت اناامن ابلادي اُوعفت الوطن والمربى

إلّا ابنزل فيها اُوحطّوا على هالوادي

كُل من يشيله حظّه اُوكل من يشيله سعده

واللي يريد الروحه واللي يريد القعده

١٤٨

اُوأمّا أنا ابها لتربة بانزل اُو باقضي مدّه

حتّى الأرض نادتني حطّوا على هالوادي

هذي خبرها عندي منك لَحد يسألني

فيها الاعادي لازم في عزوتي تفجعني

اوفيها يجيني سهم في لبتي اويصرعني

اُوبيهاهتف بي هاتف حطّواعلى هالوادي

اُوفيها بشوف اِبعيني مثل الضحايا ارجالي

اُوفيها حرمنا تبقى حسراء ابليّا والي

بين العدى اتحاكيني ضيعتني يالوالي

نصبوا الأظلّة فيا اُوحطّوا على هالوادي

* * *

طنّب اخيامه اُوحامة اطيور المنيّه

من حوله العدوان حلقة مستويه

في الليل جمعهم اُوقال الليل ممدود

روحوا ولا للقوم غيري أبد مقصود

ثاروا ما بين ايديه كُلهم ثورة اسود

اُوقالوا صلح العيد يوم الغاضريّه

أمّر علينا كلنا الأمرك فلا انحود

إحنا اَطناب امخيمك وانته لها اعمود

بارواحنا نفديك يا غاية المقصود

وانته الظلال اُونلتجي كلنا ابفيّه

اتمطى أبو فاضل على الراية اُو حملها

اُوهزها اُوطنها اُوفي اصدور القوم فلها

اوحدر على القيمان والعسكر ذهلها

والقوم زلزلها ابصولة حيدريّه

اُولكبر مثل طير السعد حايم على القوم

ياما اسباع البر دعاهم تشبع الحوم

والشمس غابت واظهرت للناس لنجوم

اينادي يحي الموت بارض الغاضريّه

اُو زينب اتعاينهم اُوتصفق راح ابراح

واتقول يا دهر حلو وياهم ارواح

افراح يا ربي لا تبدلها بلتراح

الله يعود اَهلي امن ارض الغاضريّه

* * *

كنّك سفينة نوح يارض الغاضريّه

لمن لفاك اِحسين باصحاب الحميّه

جاك ابحريمه اُو عزوته ايحث الظعينه

جلك يحث السير من ارض المدينه

اُودارت عساكرها عن اِشماله اُويمينه

اُونادى على العبّاس خويه يا شفيّه

اوقله يخويّه بالعجل طنّب الخيمه

اُونادى على اصحابه الشفايا هل الشيمه

١٤٩

كُل من يثور إلى الحرب يحمي حريمه

اُوأمّا البطل عبّاس نادى ابصوت هيّه

اُونادى يفرسان الحرب علقوا النيران

شوفوا حوالي اخيامكم دارت القيمان

نصروا امام اللي بقى ابلطف حيران

واحموا ذمامه واشربوا دونه المنيّه

اُو زينب لفت تنعى اُودمع العين هاطل

تنخى البطل عبّاس اُومنها الدمع سايل

بعدك يخويه وين تمضي هالأ رامل

شيلوا بنا من كربلا قبل المسيّه

نادى عليها والدمع جاري ابتبديد

يمخدره بويه علي حيدر الصنديد

يختي تروحي امسلبه للشام ليزيد

انتي اُوراس اِحسين للطاغي هديّه

نادت يبو فاضل تردوني المدينه

قبل السبى يوقع اُواقبل الذل بينا

ترضى علينا بالسبا ترضى علينا

يا ليت يحضرنا علي ناغر عليّه

* * *

بالله عن الشبان صدّي يا منيّه

خلي لنا العبّاس في الدّنيا بقيّه

شبّان محلاهم اذا ركبوا على الخيل

اُوياما حلاهم في المساجد تالي الليل

اشتاقوا إلى الجنّة اُوراحوا الها ابتعجيل

ويلي عليهم يوم وصلوا الغاضريّه

شبّان صدّي يا منيّة عنهم ابصوب

لا تقشعين العمد خلّي البيت منصوب

قالت ابفنيهم قبل ما يجيك لغروب

اُوتالي النهار اخيامهم تبقى خليّه

ويّاك هالليله اُوبس تالي هلنهار

اُوباكر فلا اتشوفين في هالخيم ديّار

الله يعينك من عقب غيبت هلقمار

بشري ابشد احبال واركوب المطيّه

الله يعينك عاد لا جابوا البعارين

واطفالكم يبكون فوق النوق غادين

اتسيرون ما تدرون لا ايّ البلادين

اتسيروا وحثيث ابليل معْ صبح اُومسيّه

شبّان محلاهم وراء واِحسين قدّام

والخيل مسروجه اُو عليها اترفرف اعلام

والقوم ممتدة من الكوفة إلى الشام

لو من ذكرت اِفراقهم يغشى عليّه

١٥٠

بس يا منيّة بس كثرتي اجراحي

ظلّيت مثل الطير مكسور الجناحي

زايد علي نوح الحمايم في مناحي

ونه ايطوحها ويون ونه خفيّه

لحد يجاسم يالولد يا نسل الطهار

بعده شباب صار عمره اقصر الاعمار

دوب التيامى ما تبتلي اصغار اكبار

عرّيس ولا تهنى ابيوم الغاضريّه

شبّان ما نبتت الحاهم كلهم اولاد

ما ظل لي منهم سوى بس زين العباد

مطروح بالخيمة يون اطريح لوساد

ونّة يطوّحها اُويون ونّة خفيّه

شبّان طلعوا امن المدينة اصغار واكبار

اُوراحوا يجدون المسير ابليل وانهار

ويلي عليهم يوم هاذاك الظعن سار

اُوطنّب اخيامه بو علي في الغاضريّه

* * *

١٥١

هذا فصل يشتمل على توبة الحُرِّ ورجوعه للحسين (عليه‌السلام ) :

أقبل من الميدان ايصيح الحرّ يحسين

يحسين تقبل توبتي يابن الميامين

يحسين آنااللي بالدرب سيدي حبستك

والله حسافة يا إمامي ما نصفتك

با ترد طيبة اديار جدّك ما تركتك

يا سيّدي اِقبل توبتي مولاي يحسين

يحسين دقبل توبتي وارحم لحالي

وانظر ادموعي فوق خدّي كاللآلي

كنت السبب في جيّتك يابن الموالي

يحسين دقبلني يبن خير النبيّين

قلّه قبلنا توبتك جاهد يفرّاس

قلّه على عيني يبو سكنة اُوعلى الراس

والتاح فوق المهر يفني اصفوف لرجاس

عشره تفر عنه اُو حوله اتطيح عشرين

اوروى احسامه من دما الفرسان في الحال

والقوم عنه اتفر اُولهم مع التال

والكل ما يندل يفر من صعب لمجال

اُو نعمين بالحر الرياحي ناصر احسين

انعقر مهره اُولا وقع نسل الرياحي

والجسم دمه ايسيل من كثر الجراحي

التمت عليّه القوم من اربع نواحي

ابنشاب وارماح اُوصخور اُوزان في الحين

ويلي ضعف حال الشفيّة اُوحان حينه

اُوحزني على الحر الرياحي امأسرينه

من بعد ما أسروه قطعوا لا ونينه

لمّن رآه اِحسين حاله زاد لونين

ظل يمسح ادموعه اُوهو يبكي لحاله

لمّن نظر جسم الشفيّة في رماله

يبكي على ذبحه اُوعلى قلّت ارجاله

ظل يصفق اليسرى من الوحدة بليمين

واِحسين عاين صحبته مثل الأضاحي

ازهير ويّا ابرير والحُرّ الرياحي

كُلهم سكارى ما يُرى فيهم الصاحي

اُوناس بليّا روس وا حزني ولا ايدين

* * *

١٥٢

وهذا فصل في خصوص حبيب بن مظاهر الأسدي بوّاب الحسين (عليه‌السلام ) :

شانك رفيع اُوعالي شانك رفيع اوعالي

جاتك ابشارة دانهض شانك رفيع اوعالي

يحبيب شفت الزهرا بنت النّبي اتحيي بك

اُوبالتحيّة اتخصك واتقول خضب شيبك

واتقول لك رب السمافي هالخضاب ايثيبك

لكن شفتها يا حبيب ابحال دهش بالي

ما جيتها إلّا جالسة من حول ماي جاري

اُوتبكي اُوتنادي والدمع فوق الوجن نثّارى

او عندها قميص اخضر بالسم كنّه ساري

كلماتشوفه اتنادي اُو تصرخ ابصوت عالي

اوعندها قميص احمر متخضب بادموعه

سايلتها عن هالامر وامدامعي مسجومه

قالت اُولادي راحت من امّةٍ ميشومه

واتشتتوا في كُل بلد اُوها لحال ادهش بالي

واحد قضى من سمّه اُوتاح منّه كبده

اُو واحد عفير بالثرى والترب صار لوساده

اسمعتون يعقوب ابتلى مثلي ابمصاب اُولاده

واُمّ الكليم ما صابها حتّى عشير امثالي

ناديتها يا سيدتي عن هالذبيح انبيني

شيصيرلك قالت لي قطعت حشاي اجنيني

كنّي اشوفه ابسهم في لبّته ايفجعوني

اُو تبقى حريمه ضايعه نسوه بليا والي

* * *

١٥٣

لاحد يشيل الراية لَحد يشيل الرايه

يا سيوف حربي منكم لا حد يشيل الرايه

بس ما طواها ولفها ثارت جميع اِرجاله

كلمن يريد ايشيلها كلهم كفو خيّاله

قلهم عزيز الزهرا بامدامع همّاله

يسيوف حربي منكم لَحد يشيل الرايه

ايقلهم عزيز الزهرا وامدامعه يجريها

لَحد يشيل الراية حتّى يجي راعيها

ابصدر العدى يركزها اُونار الحرب يوريها

يسبوع حربي منكم لَحد يشيل الرايه

قالوا له يا بوعلي منهو الذي تعني له

اُومن هالذي بالكوفة مكتوب باتودي له

قلهم حبيب اسنادي باكتب الههالليله

لازم يجي امن الكوفة لينا يشيل الرايه

أعني حبيب اِسنادي هاي رايتهملفوفه

باكتب اله هالليلة لازم يجي امن الكوفه

خطّ الكتاب ابن النّبي وامدامعه مذروفه

ينخى حبيب ايقول له عجّل اُوشيل الرايه

اُولو من وصلك اكتابي يحبيب لا تتوانا

احنا ابعرصة كربلا حاطت علينا اعدانا

وانكان تبغي الجنّة سرعك تعال ويانا

في السير لا تتوانا عجّل اُوشيل الرايه

هاي رايتك مطويّة يحبيب عجّل ليها

الدّنيا الدنية اتركها اُو لجنانبادر ليها

وانكان تبغي الجنّة يحبيب عجّل ليها

في السير لا تتوانا عجّل اُوشيل الرايه

عنّى الرسول ابن النّبي لحبيب ويّا اكتابه

واحبيب بارض الكوفة وإلّا الرسول ابابه

فضّ الكتاب اُوعاينه وامدامعه سكّابه

اُوعاين كلام ابن النّبي عجّل اُوشيل الرايه

في الحال جر الونّة اُودمعه جرى في خدّه

الله اُولحّديابن النّبي حاطت عليك الاعدا

وانا ابارض الكوفة تهنا إليّه القعده

لازم انا باغدي له اُوياه اشيل الرايه

* * *

١٥٤

يحبيب عقدوا رايتك يا فحل لرجال

يا حي شوفك جاي يم اِحسين حيّال

يحبيب هذي راية العزّ اعقدوها

اُونظموا ذوايبها اُو بالخيمة اسندوها

يمتى تجي اُو تنظر إلى زينب وخوها

اُو تنظر إلى السجّاد ويّا ذيك لطفال

اُو زينب لفت تسأل اخوها اتقول يامن

لا لاذ به لمخيف والمظلوم آمن

هالراية اللي ابجانب الخيمة إلى من

قلها اخوها حق حبيب شيخ لرجال

نادت على اخوها اُودمعتها ذروفه

هلي توصفونه يخويه ما نشوفه

في وين نازل قال في بلدة الكوفه

لازم يزينب تنظرينه جاي خيّال

نادت على خوها اُودمع العين سكّاب

يا ليت هاللي تذكرونه ويا لصحاب

قلها يزينب ها انا بارسل له اكتاب

يختي اُو يجينا حي منه ذاك لقبال

استدعى ابدواة اُوكتب له في الخط اسطار

يحبيب يا راس القبيلة اُو شيخ لنصار

انكان تبغي الفوز في الجنّة ولجوار

اجوار النّبي المصطفى المبعوث والآل

سرعك لنا يحبيب بالقوم الشفيّه

وانظر إلى القيمان ملتمه عليّه

ايريدون دبحي في اطفوف الغاضرية

حاطوا علينا اُوسددوا اليمنى ولشمال

والأسدية اتخاطبه واتقول يحبيب

البارحة شفت البتولة اُمّ لغريب

اتسلّم عليك واتقول منك خضّبالشيب

لكن شفتها تنتحب والدمع همّال

* * *

فارس اتى لينا يعمّة ينصر احسين

مدري يعمّة جيّته هالساع منوين

من أرض مكّة لو يعمّة امن البوادي

لو من ارض طيبة بلد جدنا الهادي

ايده على راسه اُودمع العين بادي

ويقول قصدي لك يبن خير النبيين

انكان هذا جيته قاصد الينا

بانسايله انكان من ارض المدينه

مدري محمّد طاب لو زايد انينه

ليته يجينا بالعجل يلحق على احسين

قولك يسكنة هيج احزاني عليّه

ايقولون هذا حبيب سردال السريّه

١٥٥

اوجيّته ابينصر غريب الغاضريّه

ويقول نفسي والأهل فدوة إلى احسين

احبيب جاها اُو بالعجل سلّم عليها

ايده على راسه وضعها اجلال ليها

ويقول يامن تخضع الأملاك ليها

جيتي انا طايع يزينب لا تخافين

نادت اُودمع العين فوق الخد سايل

يحبيب يا مسمي الي عندك مسائل

في يوم مسلم وين عنّه كنت نازل

يوم اينادي ماله امحامي ولا امعين

احبيب قلها اُودمعته ابخد ذروفه

في يوم مسلم ما كنت حاضر الكوفه

لو كنت حاضر ما احد منهم يشوفه

ابروحي انا افديه يا بنت الميامين

* * *

جينا اُوطلقنا الحلايل يا شفيّه

لجلك اُوعفنا لذة الدّنيا الدنيّه

جيناك باقلوب على الشدات صلبه

والقصد نكشف عن جنابك كُل كربه

بارواحنا نفديك كي نحضى ابشربه

من كف ابوك المرتضى زين السجيّه

عفنا تلوطن لجلك اُوطلقنا الحلايل

واقلوبنا امضى من اسيوف الصقايل

آمر على الخدام يا شيخ القبايل

بارواحنا نفديك يا شمس المضيّه

حاشا ينالك ضيم واحنا حولك اُوقوف

نحميك باطراف الاسنه اُوحد لسيوف

اوهذا عذرنا عنه جدك يوم لوقوف

يوم تصيح الغوث كُل نفس ابيّه

ما جينا إلّا للمنايا اُو تلف لرواح

نحميك باطراف الاسنه اُوحد لصفاح

بالأخص لين اجسادنا تحنة بلجراح

يوم سعيد فيه اهوال المنيّه

عطنا الاذن يا صاحب السؤدد المنعوت

نركب نجايبنا اُو على عدواننا انفوت

يا حي يوم فيه دونك نجرع الموت

فيه الشهادة والسعادة الأبديّه

يحبيب دنهض وانقل الراية عن احسين

عاين اُوشوف الخيل وصلت للصياوين

شوف العدى والخيل وصلت يم لرحال

وانظر ولينا اِحسين حاير بين لنذال

قلها يزينب لا تقولين ابها لمقال

الله يسلمنا ويسلم رأس لحسين

قالت اله اُو نعمين يحبيب الغضنفر

لكن شوف اِحسين وحده بين عسكر

١٥٦

اِنهض مع العبّاس والجاسم ولكبر

اُوحملوا على جيش الضلالة اشمال ويمين

انهض ابهمة يا حبيب اشهر البتّار

إنته وبو فاضل اُومعْكم كُلّ لنصار

اُوحملوا على جيش الأعادي واشعلوا النار

قلها يزينب بس ليّه لا تقولين

قالت ثلاثتنعام منك وافى الباس

انته مع النذب البطل جاسم اُو عبّاس

اِنظر إلى اِحسين الشفيّة بين لرجاس

قلها حبيب اُو بالمدامع هلت العين

ما دام أبو السجّاد والعبّاس موجود

لحمل على جيش العدى وادرك المقصود

والله يزينب انا ابهذا اليوم موعود

جتني الزهرا وامرتني اخضب ابحين

قالت صدق يحبيب جاتك بنت لطياب

من قبل انته عندنا مرفوع لجناب

جت لك الزهرا وامرتك استعمل اخضاب

قلها نعم معلوم يا بنت الميامين

* * *

يحبيب شوف العسكرقامت تجول اعلينا

من كربلا ردونا لا ينذبح والينا

يحبيب شوف العسكر قامت لنا تتلافا

كلما نظرت اجموعهم يحبيب انا مختافه

يمتى يجينا ابو الحسن ابعسكره والآفه

حتّى تصير امقابله اما لهم لولينا

قلها اخوك يا زينب لا ترقبي له عوده

وانتين عن هالوقعه يخت السبط موعوده

من يوم ابوك امطبر واعصابته مشدوده

قول الذي قاله لك هاليوم باتلاقينه

واحيات امك فاطم والتربة المخفيّه

ما عندنا ويّاكم يوم اجتمعنا نيّه

والله لولا اقلوبنا فيها لكم حنيّه

ما جيت انا واغلامي في كربلا اتعنينا

عبدك وانا اتعرفيني لك في السمع والطاعه

وانكان ما شفتيني في أوّل الفزّاعه

معلوم باتشوفيني في حومة الزعزاعه

خفي العتب يا زينب كثر العتب يزرينا

* * *

١٥٧

شيل العلم يحبيب يا لقوم الشفيّه

واحمل على العدوان يوم الغاضريّه

خل الاعادي بالثرى صرعى بلا روس

اُوصول على الابطال يا صاحب الناموس

نادى ابرفيع الصوت اُومنه القلب محموس

امرك على عيني يبنت الهاشميّه

نادى عليها والدمع يجري من العين

أمرك يمصيونة على رأسى اُوعلى العين

اُوأمّا الفخر يمخدرة ما يظهر الحين

الفخر لا صلنا ابارض الغاضريّه

قلها يزينب والدمع بالخد مسجوم

احياة ابوك المرتضى خزان لعلوم

لا تحمشي قلبي ولا تزيديني اهموم

باطلب الرخصه امن الولي يا هاشميّه

الزوجات طلقنا يبنت خير الموالي

اُو لموال عفناها اُوعفنا كُل غالي

او لعمار بعناها على عزنا الموالي

كلنا فدى له ننذبح في الغاضريّه

* * *

اقبل حبيب الليث واتقدم إلى احسين

اُو نادى ابعبرة اُوداعة الله يا ضيا العين

في داعة الله يا حبيب أحمد المختار

يسرور قلب المرتضى حيدر الكرّار

يا مهجة الزهرا يحاوي كُلّ لسرار

يا كافل الأيتام يا نور المسلمين

ودّي أنا اصلّي معك اخر صلاتي

لكن اشوف القوم سدت كُل جهاتي

اشلون أصلّي يا لولي اُوحانت وفاتي

راجي أصلّي عند جدّك يا ضيا العين

واقول سبطك يا رسول الله حاطوه

في كربلا جيش الدعي والماي منعوه

نكثوا مواعيده اُو مواثيقه اوخانوه

اُو تنفطر كبدك لو ترى حال الرضيعين

صول حبيب اُو فرق القيمان بالسيف

اُوفرت من اقباله مداهيش مراجيف

او نعمين بالطاهر حبيب الليث لمخيف

ناصر الهادي والحسن واخوه لحسين

لمن قرب يومه وله حتفه تدانا

لموا على قتله اُو ضربوا له ابزانه

واِحسين جالكن منهده اركانه

واحنا اضلوعه الموتته واصفق بليدين

سمعت بنات المصطفى ابذبح الشفيّه

ضجوا فرد ضجه ابارض الغاضريّه

كل تنادي ضاقت الدّنيا عليّه

والله حسافه راحت ارجال الولي احسين

اتغررت عين الشفيّة بالمدامع

واحنا على موت الشفيّة للاضالع

١٥٨

او نادى قضيتوا الفرض يا نجوم اللوامع

اُورحتوا اُو خليتوا عمدكم ماله امعين

* * *

١٥٩

هذا فصل في أنصار الحسين وإخوته وأولاده (عليهم‌السلام ) ، وحادثتهم وجوابهم له بالاشتياق :

الله يا هي نصرة فازت بها ارجال

مثل الهزبرا حبيب ويا الضيغم اهلال

اسباع ضريّة ما تهاب امن الرجاجيل

سلوا اسيوف ماضيّة والتسمو الخيل

واحتال وجه الصبح كنّه ظلمة الليل

ليل طويل اُوداجي اُو متضمن اهوال

واتزلزلت ارض البسيطة بالأراجيف

اُوفرّت هل الكوفة من الخيفة مخاويف

والشام ردّت راجعة من خيفة السيف

ايقولون ما شفنا ابدهرنا اُول اوتال

ياما من احروب حضرناها اُو مذابح

اُوياما ركبنا الخيل بايام الصوايح

ما هالنا امن اسيوف واخيول ضوابح

الاَرجال اِحسين عزّ يالها ارجال

يوم حمل عبّاس قيدوم السريّه

اُونادى على ارجاله يفرسان الضريّه

شدوا اُوصكّوا الخيل بارض الغاضريّه

حملوا على العدوان واحموا ذات لحجال

الله يهم فرسان ما فارس مثلهم

طاحوا على التربان والجاري غسلهم

إتمنّيت أنا بالطفِّ خيّال مثلهم

واكفانهم في كربلا من سافي ارمال

* * *

الله انتخبهم بالسعد من كُل قبيله

امطيعين جولة اُوكل فتى حظّه يشيله

فازت عبيد ابها اُو منها خابت احرار

اُو منهم نصارى والسعد سواهم أنصار

وامحمّد ايعوفه القضا بالمرض في الدار

اُوفي كُل وقعة ببرق الأكبر يشيله

مولى ابوذر الغفاري صار منهم

لعلام رفت والعبد بيده علمهم

حظّه نهض به واختلط دمه ابدمهم

ابعيد اُو قريب له لفوا من كُل قبيله

لحظوظ جلبتهم اُوجابتهم من ابعيد

عندهم املاقات المنيّة كنّه العيد

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

فيها أيّ لبس أو غموض.

البيعة للإمام:

وعقد المأمون لبيعة الإمام الرضاعليه‌السلام مهرجاناً شعبياً عاماً خضرته الوزراء، وكبار رجال الدولة، وقادة القوات المسلحة وبقيّة أبناء الشعب، وفي طليعتهم العلويون والعباسيون، وكان ذلك في يوم الثلاثاء في اليوم الثاني من شهر رمضان المبارك(1) سنة (201 ه‍)(2) .

وجلس المأمون على دست الخلافة، ووضع للإمام الرضاعليه‌السلام وسادتين عظيمتين حتى لحق بمجلس المأمون، وعليه عمامة، وقد تقلّد سيفاً، وأمر المأمون ولده العباس أن يبايع للإمام فكان أوّل مَن بايعه(3) ثم بايعه الناس.

كيفية البيعة:

أمّا كيفية بيعة الناس للإمامعليه‌السلام فكانت فريدة لم يألفها ملوك الأمويين والعباسيين، فقد رفععليه‌السلام يده، وتلقّى بظهرها وجهه الشريف،

وباطنها وجوه المبايعين، وبهر المأمون من ذلك، وراح يقول للإمام:

(ابسط يدك للبيعة...).

فأجابهعليه‌السلام :

(إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا كان يبايع)(4) ولعلّ ذلك يستند إلى

قوله تعالى:( يد الله فوق أيديهم ) فلا يصح أن تكون يد المبايع فوق يد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو فوق يد الإمامعليه‌السلام .

الإمام يخبر بعدم تمامية هذا الأمر:

ولـمّا جلس الإمام الرضاعليه‌السلام ذلك المجلس، وقد لبس الخلع، والخطباء والشعراء يشيدون بفضله، ويدعون الناس إلى مبايعته نظرعليه‌السلام

إلى بعض مواليه، وقد داخله السرور، وعمّته الأفراح، فأشار إليه فأسرع نحوه فأسرّ إليه قائلاً:

____________________

(1) عيون التواريخ 3 / ورقة 221.

(2) سر السلسلة العلوية (ص 38) مرآة الزمان 6 / ورقة 40 تأريخ القضاعي.

(3) البحار.

(4) مقاتل الطالبيين.

٢٨١

(لا تشعل قلبك بشيء ممّا ترى من هذا الأمر، ولا تستبشر فإنه لا يتم)(1)، وتحقّق ما أخبر به الإمامعليه‌السلام فإنّه لم تتم هذه البيعة للإمام، وخاس المأمون بعهده ووعده، فغدر بالإمام ودسّ إليه سمّاً فاغتاله.

خطبة المأمون:

ولـمّا انتهت مراسيم البيعة قام المأمون فاعتلى المنبر، وخطب الناس فقال في جملة خطابه:

(أيّها الناس جاءتكم بيعة علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، والله لو قرأت هذه الأسماء على الصم البكم لبرأوا بإذن الله عزّ وجل)(2) .

خطبة الإمام الرضا:

ولـمّا تمّت البيعة للإمام الرضاعليه‌السلام ، وطلب منه المأمون أن يعتلي المنبر، ويخطب الناس، فصعد المنبر وقال بعد حمد الله والثناء عليه:

(أيّها الناس إنّ لنا عليكم حقا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكم علينا حق به، فإذا أدّيتم إلينا ذلك وجب علينا الحق لكم...).

ولم يذكر الإمام غير هذه الكلمات(3) التي أعرب فيها عن حقّه على الناس؛ لأنّه ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي برّ بدينهم ودنياهم، وأخرجهم من حياة التيه والضياع، فإذا وفوا له بحقّه، وأقاموه خليفة عليهم فقد وجب عليه أن يقيم في ربوعهم الحق، بجميع رحابه ومفاهيمه.

خطبة العبّاس:

وانبرى العباس الخطيب، فخطب خطاباً رائعاً بليغاً، وختم خطابه بهذا البيت:

____________________

(1) الفضول المهمة (ص 238).

(2) عيون أخبار الرضا 2 / 147.

(3) عيون أخبار الرضا.

٢٨٢

لا بد للناس من شمس، ومن قمر

فأنت شمس، وهذا ذلك القمر(1)

الممتنعون من البيعة للإمام:

وامتنع جماعة من البيعة للإمامعليه‌السلام ، فقد حقدوا عليه، وكرهوه، ونقموا على المأمون ببيعته بولاية العهد للإمام وهم:

1 - عيسى الجلودي.

2 - علي بن عمران.

3 - أبو يونس(2) .

وأمر المأمون بإلقاء القبض عليهم وإيداعهم في السجن.

تنفيذ حكم الإعدام فيهم:

وأمر المأمون بإخراج هؤلاء الثلاثة الممتنعين من البيعة للإمام من السجن، فلمّا مثلوا عنده رأوا الإمام إلى جانبه فتميزوا غيظاً وغضباً، وانبرى علي بن أبي عمران فقال للمأمون:

(أعيذك بالله يا أمير المؤمنين أن تخرج هذا الأمر الذي جعله الله لكم، وخصكم به، وتجعله في أيدي أعدائكم، ومن كان آباؤك يقتلونهم، ويشردونهم في البلاد...).

فصاح المأمون: (يا بن الزانية، وأنت بعد على هذا؟...).

ثم أمر بضرب عنقه، فنفذ ذلك فيه، وأدخل عليه أبو يونس فلمّا رأى الإمام إلى جانب المأمون محاطاً بهالة من الحفاوة والتكريم ساءه ذلك، وخاطب المأمون قائلاً:

(يا أمير المؤمنين هذا الذي بجنبك، والله صنم يعبد من دون الله...).

فأمر المأمون بإعدامه فأعدم، ودخل عليه الجلودي، وكان من أعدي الناس لأهل البيتعليهم‌السلام ، وهو الذي بعثه الرشيد لسلب بنات رسول الله (ص) في

____________________

(1) تذكرة الخواص (ص 364).

(2) عيون أخبار الرضا.

٢٨٣

يثرب، ومصادرة ما عليهنّ من حلي وحلل، فجاء إلى بيت الإمام الرضاعليه‌السلام وأراد الهجوم على بيت الإمام، وسلب ما على العلويات من ثبات فأبى الإمام فلم يعن به الجلودي، وأخذ الإمام يتوسّل إليه، ويعده بأن يأتي ما أراد فانصاع لقوله، ودخل الإمام إلى بيته فجمع له كل ما على العلويات من حلي وحلل فجاء به إلى الجلودي فأخذه، وقد طلب الإمام من المأمون أن يهب له الجلودي، فقال المأمون:

(يا سيدي هذا الذي فعل ببنات محمد (ص) ما فعل من سلبهن؟...).

ونظر الجلودي إلى الإمام وهو يكلّم المأمون ويتوسّل إليه في العفو عنه فظن الغبي أنّه يريد الانتقام منه لما فعله معه، فقال للمأمون:

(يا أمير المؤمنين أسألك بالله، وبخدمتي للرشيد أن لا تقبل قول هذا في...).

والتفت المأمون إلى الإمام الرضا فقال له:

(يا أبا الحسن قد استعفى، ونحن نبرّ قسمه...).

وخاطب المأمون الجلودي فقال له:

(لا والله لا أقبل قوله فيك...).

ثم التفت إلى الشرطة، وقال لهم: ألحقوه بصاحبيه، فقُدّم وضربت عنقه(1) .

قرارات هامّة:

وأصدر المأمون قرارات هامّة بمناسبة عقده ولاية العهد للإمام الرضاعليه‌السلام ، وهي:

1 - إعطاء الجنود رواتبهم سنة كاملة.

2 - ترك لباس الأسود الذي كان لباس العباسيين(2) ولبس اللباس الأخضر؛ لأنّ ذلك فيما أحسب هو لباس أهل الجنة، قال تعالى:( وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ ) (3) .

____________________

(1) عيون أخبار الرضا 2 / 161 - 162.

(2) ورد في بعض الأخبار أنّ جبرئيل هبط على النبي (ص) في قباء أسود فقال (ص): له يا جبرئيل ما هذا الزي؟ فقال: زي ولد عمّك العبّاس، يا محمد ويل لولدك من ولد عمّك العباس، جاء ذلك في وسائل الشيعة 3 / 279.

(3) سورة الكهف: آية 31.

٢٨٤

3 - ضرب الدراهم والدنانير باسم الإمام الرضاعليه‌السلام وقد أورد السيد عبد القادر أحمد اليوسف نماذج من تلك النقود ما يلي:

(الدينار)

كتب في مركز وجهه: (لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له).

وكتب على النطاق: بسم الله ضرب هذا الدينار بسمرقند سنة اثني ومائتين.

وكتب على الطوق:( لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ ) .

وكتب في مركز القفا: الله، محمد رسول الله، المأمون خليفة الله، ممّا أمر الأمير الرضا ولي عهد المسلمين علي بن موسى بن علي بن أبي طالب.

وكتب على طوق مركز القفا: (محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون).

(الدرهم)

نقل عبد القادر صورة الدرهم من متحف برلين المرقّم (1295) صورة الكتابة في مركز الوجه: (لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له) سنة ثلاث ومائتين.

كتابة الطوق( لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ ) .

كتابة القفا: (الله، محمد رسول الله، المأمون خليفة الله، ممّا أمر به الرضا).

كتابة الطوق: (محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين ولو كره المشركون).

صورة أخرى من الدرهم الموجود في المتحف البريطاني في لندن تحت رقم (289).

مركز الوجه: كتب عليه (لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له).

النطاق: كتب عليه سنة اثنين.

الطوق: كتب عليه (لله الأمر من قبل ومن بعد).

مركز القفا: مر به...

... المسلمين علي بن موسى

... علي بن أبي طالب

٢٨٥

... ذو الرياستين.

الطوق: محمد رسول الله.

إنّ هذه النقاط هي حروف ممحاة لأنّها مصوّرة هكذا (الكتلوكات) العالمية، ومسحت هذه الكتابة نتيجة قدم هذه النقود، وتداولها الكثير، وتوجد نماذج من الدراهم ضربت سنة (704 ه‍) تيمّناً بسكّة الإمام، وقد كتب عليها ما كتب على السكّة الأصلية(1) .

زواج الإمام بابنة المأمون:

وعرض المأمون على الإمام الرضاعليه‌السلام أن يتزوّج الأميرة السيدة أم حبيب(2) فقبل الإمام ذلك وتزوّج بها، وإنّما عمد المأمون تقرّباً للإمام، وحتى تقوى العلاقة بينهما، ويرى بعض المحلّلين للأخبار أنّ سبب ذلك أن تكون ابنته عيناً لأبيها على جميع تصرّفات الإمام وتحرّكاته، وهذا ليس ببعيد عن سياسة المأمون ودهائه.

البيعة للإمام في جميع الأقطار:

وأمر المأمون جميع ولاته وعمّاله في جميع الأقطار والأقاليم الإسلامية بأخذهم البيعة للإمام الرضا بولاية العهد من جميع المواطنين، وهذه بعض الأقاليم التي أخذ منها البيعة.

1 - يثرب:

واستقبلت يثرب بجميع قطاعاتها الشعبية نبأ ولاية العهد للإمام الرضاعليه‌السلام بمزيد من الأفراح والابتهاج، وسارع والي يثرب عبد الجبار المساحقي إلى الجامع النبوي ليأخذ البيعة من أهالي المدينة إلى الإمام بعد أن أمره المأمون بذلك، واعتلى أعواد المنبر فخطب الناس وكان من جملة خطابه: أيّها الناس هذا الأمر الذي كنتم فيه ترغبون، والعدل الذي كنتم تنتظرون، والخير الذي كنتم ترجون، هذا على بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب سلام الله عليهم.

____________________

(1) الإمام علي الرضا ولي عهد المأمون (ص 62 - 65).

(2) ذكر أبو الفرج ان الإمام الرضا تزوج بابنة المأمون أم الفضل، وهو خطأ والصحيح انه تزوج بأم حبيب.

٢٨٦

ستة آباؤهم من خير من يشرب صوب الغمام(1) .

لقد كانت البيعة للإمام الرضا من أهم ما تصبوا إليه الأمة الإسلامية، ومن أغلى أمانيها، فهي تتقرّب بفارغ الصبر رجوع الحكم للإمام؛ ليقيم فيها العدل الخالص، وينشر الأمن والرخاء في ربوعها، وينقذها من جور العباسيين وظلمهم.

2 - مصر:

وكتب المأمون إلى عامله على مصر (السري) يأمره بأخذ البيعة من المصريين لولي عهده الإمام الرضا، وقد ورد الكتاب على (السري) في شهر محرّم سنة (202 ه‍) وقام (السري) بأخذ البيعة إلى الإمامعليه‌السلام ، إلاّ أنّ إبراهيم بن المهدي شيخ المغنّين ببغداد قام في إفساد هذه البيعة فقد كتب إلى وجوه الجند وقادتهم بمصر يأمرهم بخلع المأمون وولي عهده، وبالوثوب على (السري)، وقد استجاب له جماعة منهم الحارث بن زرعة بن محزم بالفسطاط، و عبد العزيز الوزير الجروي بأسفل الأرض، وسلامة بن عبد الملك الأزدي الطحاوي بالصعيد، وسليمان بن غالب بن جبريل، وعبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد الجبار الأزدي فناهضوا (السري)، ودعوا الناس إلى بيعة إبراهيم وجعلوا الوالي على مصر عبد العزيز الأزدي، فحاربهم (السري)، وظفر بعبد العزيز، وبجمع من أهل بيته فقتل بعضهم، وبعث ببعضهم مع ابنه عبد العزيز إلى المأمون فقتلهم، وهرب الباقون إلى الحروري وذلك لمنعته(2) وأخمدت بذلك الثورة، وبايع الناس إلى الإمام.

3 - مكّة:

ووجّه المأمون إلى مكّة المكرّمة عيسى الجلودي ليأخذ البيعة من أهلها للإمام، وكان في مكة مقيماً إبراهيم أخو الإمام الرضاعليه‌السلام ، ودعا عيسى المكيين إلى بيعة الإمام (علله السلام) والى لبس اللباس الأخضر، فاستجابوا له فرحين شاكرين، داعين للمأمون على تحقيق أمنيتهم، وأملهم في هذه البيعة(3).

4 - الكوفة:

وتلقّت الأكثرية الساحقة في الكوفة بمزيد من الفرح والسرور نبأ البيعة للإمام،

____________________

(1) العقد الفريد 5/226.

(2) الولاة وكتاب القضاء (ص 168).

(3) تاريخ اليعقوبي 3/277.

٢٨٧

وقد عهد المأمون لأخذ البيعة من الكوفيين العباس نجل الإمام موسىعليه‌السلام ، وأمدّه إبراهيم بن عبد الحميد بمائة ألف درهم، وقال له: قاتل عن أخيك فإنّ أهل الكوفة يجيبونك إلى ذلك، وأنا معك، وقام العباس بهذه المهمّة فاستجاب له جمهور كبير منهم، وقال له قوم: إن كنت تدعو للمأمون ثم من بعده لأخيك فلا حاجة لنا في دعوتك، وإن كنت تدعو إلى أخيك أو بعض أهل بيتك أو إلى نفسك أجبناك، فقال لهم العباس: أنا أدعو إلى المأمون أوّلاً، ثم من بعده لأخي الرضا.

وامتنع هؤلاء من البيعة للإمام، وأخذوا يندّدون بمَن بايع، ويدعونهم إلى نكث البيعة، ولـمّا علم إبراهيم بن المهدي تخاذل أهل الكوفة أوعز إلى جيشه المقيم في النيل بقيادة سعيد، وأبي البيط، لإخضاع الكوفة، والقضاء على التمرّد، وسرت جيوش إبراهيم حتى انتهت إلى (القنطرة) قرب (دير الأعور) فاعترضتهم قوّة عسكرية بقيادة العلوية علي بن محمد بن جعفر، وأبي عبد الله شقيق الزعيم الكبير أبي السرايا فالتحمت معها، وأخيراً انتصرت جيوش إبراهيم بن مهدي.

وزحفت جيوش إبراهيم نحو (الكوفة)، وقد ارتدت اللباس الأسود، وكان شعارها (يا منصور لا طاعة للمأمون) وجبن أهل الكوفة من مناجزتهم فأرسلوا وفداً لطلب الأمان للعباس وجماعته من القائد العام لجيش إبراهيم فأجابهم إلى ذلك، وشرط عليهم أن يخرج العباس وأصحابه من الكوفة، وأقبل الوفد إلى العباس، وهو لا يعلم بذلك فقالوا له: إنّ عامة مَن معك غوغاء، وقد ترى ما يلقى الناس من الحرب والنهب والقتل فاخرج من بين أظهرنا لا حاجة لنا فيك(1) .

وخرج العباس من الكوفة وقد انطوت نفسه على حزن عميق وأسى مرير، واستبان له أنّ أهل الكوفة لا ذمّة لهم، ولا وفاء لهم بعهد ووعد ودخلت جيوش إبراهيم الكوفة، ولم تحدث أيّة مصادمات بينها وبين الجماعة التي بايعت الإمام بولاية العهد.

هذه بعض المناطق التي أخذت فيها البيعة للإمام الرضاعليه‌السلام بولاية العهد.

____________________

(1) تأريخ الطبري.

٢٨٨

ناقدون للإمام:

ووجّه جماعة من الشيعة وغيرهم نقداً للإمام الرضاعليه‌السلام على قبوله لولاية العهد من قبل المأمون العباسي كان منهم:

1 - محمد بن عرفة:

واقبل محمد بن عرفة نحو الإمام، وقال له: (يا بن رسول الله ما حملك على الدخول في ولاية العهد؟).

فأجابه الإمام:

(ما حمل جدّي أمير المؤمنينعليه‌السلام على الدخول في الشورى)(1)

لقد أرغم الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام على الدخول في الشورى التي عقدها عمر بن الخطاب لانتخاب الخليفة من بعده، وقد أعلن الإمام عن أساه

وحزنه لانضمامه مع أعضاء الشورى، قائلاً: (فيا لله وللشورى متى اعترض الريب في مع الأول حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر) وكما أرغم جده وأكره على الدخول في الشورى فكذلك أرغم هو على قبول ولاية العهد.

2 - رجل:

وأنكر عليه رجل تقلّده لولاية العهد قائلاً له:

(كيف صرت إلى ما صرت إليه من المأمون؟).

فقالعليه‌السلام له:

- أيّهما أفضل النبي أو الوصي؟

- النبي.

- أيّهما أفضل المسلم أو المشرك؟

- لا بل المسلم.

- إنّ العزيز (عزيز مصر) كان مشركاً، وكان يوسف نبياً، وإنّ المأمون مسلم، وأنا وصي، ويوسف سأل العزيز أن يولّيه حين قال له: اجعلني على خزائن الأرض، وأنا أُجبرت على ذلك(2) .

____________________

(1) وسائل الشيعة 12 / 148.

(2) وسائل الشيعة 12 / 146.

٢٨٩

3 - الريّان بن الصلت:

ودخل الريان بن الصلت على الإمام الرضاعليه‌السلام فقال له: (يا بن رسول الله إنّ الناس يقولون: إنّك قبلت ولاية العهد مع إظهارك الزهد في الدنيا؟)

فأجابه الإمام:

(قد علم الله كراهتي لذلك، فلمّا خيّرت بين قبول ذلك، وبين القتل اخترت القبول على القتل، ويحهم إنّ يوسف كان نبياً رسولاً، فلمّا دفعته الضرورة إلى تولّي خزائن العزيز، قال له: اجعلني على خزائن الأرض إنّي حفيظ عليم، ودفعتني الضرورة إلى قبول ذلك، على إكراه وإجبار بعد الإشراف على الهلاك، على أنّي ما دخلت في هذا الأمر إلاّ دخول خارج منه، فإلى الله المشتكى، وهو المستعان)(1) .

وأعرب الإمام عن كراهته البالغة وبغضه الشديد لهذا المنصب إلاّ أنّه أرغم وأجبر على ذلك.

4 - خارجي:

وأقبل خارجي يشتد نحو الإمام فقال له: أخبرني عن دخولك لهذا الطاغية فيما دخلت فيه، وهم عندك كفّار، وأنت ابن رسول الله (ص)، فما حملك على هذا؟

فقالعليه‌السلام :

وهؤلاء أكفر عندك أم عزيز مصر وأهل مملكته؟ أليس هؤلاء على حال يزعمون أنّهم موحِّدون، وأولئك لم يوحّدوا الله ولم يعرفوه، ويوسف بن يعقوب نبي ابن نبي، فسأل العزيز وهو كافر فقال:( اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) وكان يجلس مجلس الفراعنة، وإنّما أنا رجل من ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أجبرني على هذا الأمر، وأكرهني عليه، ما الذي أنكرت، ونقمت عليّ وراح الخارجي يقول: (أشهد أنّك ابن رسول الله، وانك صادق)(2) .

وأعرب الإمامعليه‌السلام في أحاديثه مع الناقدين له عن إرغامه على قبول ولاية العهد، فقد خيّر بينها وبين القتل فاختار ولاية العهد لإنقاذ نفسه من الهلاك الذي لا يعود بأيّة فائدة على القضية الإسلامية.

____________________

(1) وسائل الشيعة 12 / 147.

(2) وسائل الشيعة 12 / 149 - 150.

٢٩٠

الناقمون على المأمون:

ونقمت القوى المعادية لأهل البيتعليهم‌السلام على المأمون لعقده بولاية العهد للإمام الرضا، واعتبروا ذلك تحويلاً للخلافة عن الأسرة العباسية التي ينعمون في ظلالها.

وكان من أشد الناقمين على المأمون الأسرة العباسية، فقد اعتبرت ذلك خطراً على مملكتهم، وقد قامت قيامتهم، وورمت أنوفهم، وقاموا بما يلي من الإجراءات:

خلع المأمون:

وخلع العباسيون بيعة المأمون، واعتبروها لاغيه، وأعلنوا أمام الجماهير عصيانهم للمأمون، وطلبوا من المواطنين رفض بيعته، وبيعة ولي عهده، فاستجاب لهم خلق كثير، وبذلك فلم تعد بيعة للمأمون في أعناقهم.

البيعة لإبراهيم بن شكلة:

وعمد العباسيون إلى بيعة عميدهم إبراهيم بن شكلة(1) شيخ المغنّين، والموسيقين في بغداد، ودعي له بالخلافة، وسمّي بالمرضي(2) وكانت خلافته موضع استهزاء وسخرية من قبل الأوساط الواعية والمفكّرة؛ وذلك لاستهتاره، وتحلّله من جميع القيم والأعراف وفيه يقول الشاعر الاجتماعي الثائر دعبل الخزاعي:

نصر ابن شكلة بالعراق وأهله

فهفا إليه كل أطلس مائقِ(3)

إن كان إبراهيم مضطلعاً بها

فلتصلحن من بعده لمخارقِ

ولتصلحن من بعد ذاك لزلزلٍ

ولتصلحن من بعده للمارقِ

أنّى يكون وليس ذاك بكائنٍ

يرث الخلافة فاسقٌ عن فاسقِ(4)

لقد سخر دعبل من الخلافة التي تولاّها هذا المائق المتحلّل، وإذا صلحت له فلتصلح من بعده لأقرانه المغنّين أمثال: زلزل ومخارق، ومن سخرية الأقدار أن تؤول الخلافة الإسلامية لإبراهيم، ويتولّى شؤون المسلمين وكان إبراهيم - فيما يقول

____________________

(1) شكلة: أم إبراهيم وكانت جارية سوداء، وكان إبراهيم شديد عظيم الجثة حتى قيل له التنين، وفيات الأعيان 1 / 20.

(2) تأريخ اليعقوبي.

(3) نعر: صاح، والأطلس: الذئب، والمائق: المغيظ الباكي.

(4) وفيات الأعيان 1 / 21، تأريخ بغداد لطيفور (ص 160).

٢٩١

المؤرّخون - من أعدى الناس لآل عليعليه‌السلام ، وحينما علم بعقد ولاية العهد للإمام الرضاعليه‌السلام ورم أنفه وانتفخت أوداجه غيظاً وغضباً وأثر عنه من الشعر في ذلك هذه الأبيات:

فلا جزيت بنو العباس خيراً

على زعمي ولا اغتبطت بري

أتوني مهطعين وقد أتاهم

بوار الدهر بالخير الجلي

وحلّ عصائب الأملاك منها

وشدّت في رؤوس بني علي

فضجّت أن تشد على رؤوس

تطالبها بميراث النبي(1)

وفي عهده أصيبت الخزينة المركزية بالعجز، واجتمع الأجناد على بلاطه مطالبين بأرزاقهم، فخرج إليهم رسوله، وقال لهم: إنّه لا مال عنده، وطلب أحد الظرفاء، فقال: بدلاً من المال فليخرج الخليفة فيغنّي لأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات، ولأهل ذلك الجانب ثلاثة أصوات(2) .

ونظم دعبل هذه الصورة المضحكة بقوله:

يا معشر الأجناد لا تقنطوا

وارضوا بما كان ولا تسخطوا

فسوف تعطون حنينية

يلتذّها الأمرد والأشمط(3)

والمعبديات لقوادكم

لا تدخل الكيس ولا تربط(4)

وهكذا يرزق قوّاده

خليفة مصحفه البربط(5)

قد ختم الصك بأرزاقكم

وصحّح العزم فلا تسخطوا

بيعة إبراهيم مشؤومة

يقتل فيها الخلق أو يقحطوا(6)

رسالة المأمون للعبّاسيين:

وتبودلت رسائل السب والقذف بين المأمون وأعمامه وأقربائه العباسيين، وكان من بينها هذه الرسالة التي بعثها المأمون للعباسيين(7) ، وهذا نصّها بعد البسملة:

____________________

(1) الولاة وكتاب القضاة (ص 168).                              (2) وفيات الأعيان 1 / 21.

(3) الأمرد: الذي لا لحية له، الأشمط: الذي له لحية.

(4) المعبديات: أصوات من الغناء تنسب إلى معبد المغني.

(5) البربط: الطبل.                                                  (6) عصر المأمون 3 / 255 - 256

(7) وهي جواب عن رسائلهم التي بعثوها للمأمون، وطلبوا منه الإجابة عليها فأجابهم بهذه الرسالة التي جرّدتهم من كل محتوى نبيل وشريف.

٢٩٢

(الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمد وآل محمد على رغم أنف الراغمين، أمّا بعد:

عرف المأمون كتابكم، وتدبير أمركم، ومخض زبدتكم، وأشرف على قلوب صغيركم وكبيركم، وعرفكم مقبلين ومدبرين، وما آل إليه كتابكم قبل كتابكم في مراوضة الباطل، وصرف وجوه الحق عن مواضعها، ونبذكم كتاب الله والآثار، وكلّما جاءكم به الصادق محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى كأنّكم من الأمم السالفة، التي هلكت بالخسفة والغرق، والريح والصيحة والصواعق والرجم.

أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟ والذي هو أقرب إلى المأمون من حبل الوريد، لولا أن يقول قائل: إنّ المأمون ترك الجواب عجزاً لما أجبتكم، من سوء أخلاقكم، وقلّة أخطاركم وركاكة عقولكم، ومن سخافة ما تأوون إليه من آرائكم، فليستمع مستمع، فليبلغ شاهد غائباً...).

وحفل هذا المقطع من كلام المأمون بما يلي:

1 - إنّه ابتدأ رسالته بالصلاة على النبي، ثم عطف عليه آله فصلّى عليهم وعقّب ذلك بقوله: (على رغم الراغمين) وعنى الراغمين بني العباس الذين جهدوا على محو ذكر آل النبي (ص)، وإزالة أرصدتهم الروحية والفكرية من دنيا الإسلام.

2 - إنّ المأمون مطّلع على خفايا نفوس العباسيين، وعالم بدخائل قلوبهم، عرفهم مقبلين ومدبرين، عرفهم مندفعين نحو الباطل نابذين للحق، تاركين لكتاب الله، وما جاء به الرسول الأعظم (ص).

3 - إنّه إنّما أجابهم عن رسائلهم لا عناية بهم، وإنّما كي لا يقال إنّه عاجز عن الجواب... ولنعد لنقرأ الفصل الثاني من رسالة المأمون.

(أمّا بعد: فإنّ الله تعالى بعث محمداً (ص) على فترة من الرسل، وقريش في أنفسها وأموالها، لا يرون أحداً يساميهم، ولا يباريهم، فكان نبينا (ص) أميناً من أوسطهم بيتاً، وأقلّهم مالاً فكان أول مَن آمن به خديجة بنت خويلد، فواسته بمالها، ثم آمن به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهو ابن سبع سنين، لم يشرك بالله شيئاً طرفة عين، ولم يعبد وثناً، ولم يأكل رباً، ولم يشاكل الجاهلية في جهالاتهم، وكانت عمومة رسول الله إمّا مسلم مهين أو كافر معاند، إلاّ حمزة فإنّه لم يمتنع من الإسلام،

٢٩٣

ولا يمتنع الإسلام منه، فمضى لسبيله على بينة من ربّه.

وأمّا أبو طالب فإنّه كفله وربّاه، ولم يزل مدافعاً عنه، ومانعاً منه، فلمّا قبض الله أبا طالب فهم القوم، واجتمعوا عليه ليقتلوه فهاجر إلى القوم الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم، يحبون مَن هاجر إليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة ممّا أوتوا، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون...).

عرض هذا المقطع إلى بعثة الرسول الأعظم (ص) في مجتمع متكبّر يرى أنّه لا يدانيه، ولا يساويه أحد، وفي فجر الدعوة المشرقة ما آمن به إلاّ أم المؤمنين السيدة خديجة، وقد رصدت لدعوته جميع أموالها، ومن بعدها آمن به الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، وكان عمره الشريف سبع سنين، ولم يسجد لصنم ولم يعبد وثناً، وإنّما عبد الله تعالى عن إيمان وإخلاص.

أمّا أعمام النبي (ص) فكان فيهم المشرك والحاقد والضال، وهو أبو لهب.

وكان فيهم بطل الإسلام أسد الله الشهيد حمزة الذي أعزّ الله به الإسلام، ونافح عن الرسول بكل بسالة حتى استشهد.

وخيرة أعمام النبي (ص) هو أبو طالب الذي آمن بالإسلام واعتنق أهدافه ومبادئه، ووقف إلى جانب الرسول (ص) يحميه، ويدفع عنه كيد المعتدين، ولـمّا انتقل هذا العملاق العظيم إلى حظيرة القدس، فقد النبي (ص) المحامي والمدافع عنه، وهمّت قريش بقتله فخرج (ص) مهاجراً إلى (يثرب) فاتخذها مقرّاً لدعوته، وعاصمة لحكومته، فقد وجد فيها الصفوة الصادقة المتفانية في الذب عنه، ولنعد إلى فصل آخر من فصول هذه الرسالة:

(ولم يقم مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحد من المهاجرين كقيام علي بن أبي طالب، فإنه آزره، ووقاه بنفسه، ونام في مضجعه، ثم لم يزل بعد مستمسّكاً بأطراف الثغور، وينازل الأبطال، ولا ينكل عن قرن، ولا يولّي عن جيش، منيع القلب يؤمر على الجميع، ولا يؤمر عليه أحد، أشد الناس وطأة على المشركين، وأعظمهم جهادا في الله، وأفقههم في دين الله، وأقرأهم لكتاب الله وأعرفهم بالحلال

والحرام.

وهو صاحب الولاية في حديث (غدير خم) وصاحب قوله (ص): (أنت منّي

٢٩٤

بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبي بعدي) وصاحب يوم الطائف، وكان أحب الخلق إلى الله تعالى والى رسول الله (ص)، وصاحب الباب فتح له، وسد أبواب المسجد وهو صاحب الراية يوم خيبر، وصاحب عمرو بن عبد ود في المبارزة، وأخو رسول الله (ص) حين آخى بين المسلمين.

وهو منيع جزيل، وهو صاحب آية( ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ) وهو زوج فاطمة سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء أهل الجنة، وهو ختن خديجة، وهو ابن عم رسول الله (ص) رباه وكفله، وهو ابن أبي طالب في نصرته وجهاده، وهو نفس رسول الله (ص) في يوم المباهلة.

وهو الذي لم يكن أبو بكر وعمر يتقلدان أمرا حتى يسألانه عنه، فما رأى أنفذاه، ولم يره ردّاه، وهو دخل من بني هاشم في الشورى، ولعمري لو قدر أصحابه على دفعه عنه، كما دفع العباس رضوان الله عليه، ووجدوا إلى ذلك سبيلاً لدفعوه.

فأمّا تقديمكم العباس عليه، فإنّ الله تعالى يقول:( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ ) .

والله لو كان ما في أمير المؤمنين من المناقب والفضائل والآي المفسّرة في القرآن خلّة واحدة في رجل من رجالكم أو غيره؛ لكان مستأهلاً للخلافة، مقدّماً على أصحاب رسول الله (ص) بتلك الخلّة، ثم لم تزل الأمور تترقّى به إلى أن ولي أمور المسلمين فلم يعن بأحد من بني هاشم إلاّ بعبد الله بن عباس، تعظيماً لحقه، ووصلة لرحمه، وثقة به فكان من أمره الذي يغفر الله له...).

وعرض هذا المقطع إلى بعض فضائل الإمام أبي الحسين رائد الحكمة والعلم في دنيا الإسلام، والتي منها دفاعه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد آزره، ووقاه بنفسه ومهجته، وبات على فراشه حينما احتمت قريش على قتلهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد نازل الأبطال، فحصد رؤوسهم دفاعا عن الإسلام، فكان من أشدّ الناس وطأة على الكافرين والملحدين، فما أعظم عائدته على الإسلام!

ومن فضائله أنّه كان أعلم المسلمين، وأفقههم، وأكثرهم إحاطة ودراية بأحكام الدين، وشريعة سيد المرسلين وقد عقد النبي (ص) له الولاية، وجعله خليفة من بعده في (غدير خم) وقال مقالته الذائعة: (مَن كنت مولاه فهذا علي مولاه

٢٩٥

اللهم من والاه، وعاد من عاداه)، وأشاد النبي (ص) به مرّة أخرى فقال له: (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي).

وكان من سموّ منزلته، وعظيم شأنه عند النبي (ص) أنّه أمر بسد جميع الأبواب التي كانت على جامعه الأعظم، ولم يستثن منها إلاّ باب علي فإنّها ظلّت مفتوحة، لم تغلق، ومن مناقبه أنّه صاحب الراية (يوم خيبر )، فهو الذي فتح حصون (خيبر ) وقضى على اليهود، وهو صاحب عمرو بن عبد ود الذي جبن المسلمون عن منازلته، فلم يبرز إليه سوى بطل الإسلام وحاميه الإمامعليه‌السلام .

ومن مناقب الإمام أمير المؤمنين أنّ النبي (ص) لـمّا آخى بين المسلمين، فبقي علي وحده فآخاه النبي (ص) وقال له: يا علي أنت أخي في الدنيا والآخرة.

ومن مناقبه وفضائله أنّه نزلت فيه وفي ولديه وزوجته سيدة نساء العالمين الآية الكريمة( ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ) .

ومن مناقبه أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله زوّجه بسيدة نساء المسلمين وبضعته فاطمة الزهراءعليها‌السلام فلم يكن لها كفوء سواه.

ومن عظيم مناقبه أنّه نفس النبي (ص) كما دلّت على ذلك بوضوح آية المباهلة، فكان سلام الله عليه بمواهبه وعبقرياته امتداداً ذاتياً لشخصية الرسول

الكريم التي ملأت الآفاق نوراً.

ونظراً لسموّ ذاته، وعظيم مكانته كان أبو بكر وعمر لا ينفذان أمراً حتى يأخذا رأيه فيه، ومن الطبيعي أنّ ذلك الأمر ممّا يتعلّق بأحكام الدين.

وفي هذا المقطع أنّه لو وجدت بعض فضائل الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام في رجل من المسلمين لكان أهلاً ليتقلّد الخلافة والإمرة على المسلمين، هذا بعض ما قاله المأمون في هذا المقطع، ولنستمع إلى فصل آخر من هذه الرسالة يقول:

(ثم نحن وهم يد واحدة - كما زعمتم - حتى قضى الله تعالى بالأمر إلينا،

فأخفناهم، وضيّقنا عليهم، وقتلناهم أكثر من قتل بني أمية إيّاهم، ويحكم إنّ بني أمية إنّما قتلوا مَن سلّ منهم سيفاً، وإنّا معشر بني العباس قتلناهم جملاً فلتسألن أعظم الهاشمية، بأيّ ذنبٍ قتلت، ولتسألن نفوساً ألقيت في دجلة والفرات، ونفوس دفنت ببغداد والكوفة أحياء، هيهات، إنّه مَن عمل مثقال ذرة خير يره، ومَن يعمل مثقال

٢٩٦

ذرة شراً يره).

عرض هذا المقطع إلى بعض ما جرى على آل النبي (ص) من المأسي من حكّام بني العباس، فقد جهدوا على ظلمهم، وتصفيتهم جسدياً، يقول المنصور الدوانيقي للإمام الصادقعليه‌السلام : (لأقتلنّك، ولأقتلن أهلك، حتى لا أبقي منكم قامة سوط)(1) .

وقال المنصور: (قتلت من ذرّية فاطمة ألفاً أو يزيدون، وتركت سيّدهم ومولاهم جعفر بن محمد...)(2) .

وقال إسماعيل الديباج عندما هرب من المنصور:

لم يروه ما أراق البغي من دمنا

في كل أرض فلم يقصر من الطلبِ

وليس يشفي غليلاً في حشاه سوى

أن لا يرى فوقها ابنا لبنت نبي(3)

وقد عرض المأمون إلى ألوان رهيبة ممّا صبّه العباسيون على السادة العلويين من المآسي، والتي منها:

أ - إبادة العلويين جملاً.

ب - إلقاؤهم وهم أحياء في حوض دجلة والفرات حتى ماتوا غرقاً.

ج - دفنهم وهم أحياء في بغداد والكوفة.

إلى غير ذلك من صنوف الإرهاق والتنكيل الذي عاناه أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من العباسيين...

ولنستمع إلى فصل آخر من هذه الرسالة:

(وأمّا ما وصفتم في أمر المخلوع، وما كان فيه من لبس، فلعمري ما لبس عليه أحد غيركم، إذ هونتم عليه النكث، وزينتم له الغدر، وقلتم له: ما عسى أن يكون من أمر أخيك، وهو رجل مغرب، ومعك الأموال والرجال، نبعث إليه فيؤتى به، فكذبتم ودبرتم، ونسيتم قول الله تعالى:( ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ ) وأعرب المأمون - في هذا المقطع - عن الأحداث التي جرت بينه وبين أخيه الأمين، وإنّها

____________________

(1) المناقب 3 / 357، البحار 47 / 178.

(2) الأدب في ظل التشيع (ص 68).

(3) النزاع والتخاصم للمقريزي (ص 51).

٢٩٧

تستند إلى العباسيين فهم الذين حبّبوا إليه خلع المأمون والنكاية به، ولم يكن ما وقع عن رأي الأمين وتدبيره، وهذا فصل آخر من هذه الرسالة:

(وأمّا ما ذكرتم من استبصار المأمون في البيعة لأبي الحسن الرضا فما بايع له المأمون إلاّ مستبصراً في أمره، عالماً بأنّه لم يبق أحد على ظهرها أبين فضلاً، ولا أظهر عفّة، ولا أورع ورعاً، ولا أزهد زهداً في الدنيا، ولا أطلق نفساً، ولا أرضى في الخاصة والعامة، ولا أشد في ذات الله منه، وأنّ البيعة له لموافقة رضى الربّ عزّ وجل، ولقد جهدت وما أجد في الله لومة لائم.

ولعمري لو كانت بيعتي محاباة لكان العباس ابني وسائر ولدي أحبّ إلى قلبي، وأحلى في عيني، ولكن أردت أمراً، وأراد الله أمراً، فلم يسبق أمري أمر الله).

وحكى هذا المقطع بيعته للإمام الرضاعليه‌السلام بولاية العهد، وأنّها لم تكن محاباة، أو اندفاعاً وراء العواطف والأهواء، وإنّما كانت عن اجتهاد وتبصّر، وتدبّر في أمور المسلمين؛ وذلك لما يتمتّع به الإمام العظيم من الصفات الرفيعة، والتي منها:

أ - إنّ الإمام أفضل إنسان على وجه الأرض.

ب - إنّ الإمام أعفّ إنسان.

ج - الورع عن محارم الله.

د - إجماع المسلمين على تعظيمه، وتقديمه بالفضل على غيره.

ه‍ - إنّهعليه‌السلام لا تأخذه في الله لومة لائم.

وهذه الصفات هي التي دفعت المأمون إلى البيعة للإمام بولاية العهد، ولنستمع إلى فصل آخر من هذه الرسالة يقول:

(وأمّا ما ذكرتم ممّا مسّكم من الجفاء في ولايتي فلعمري ما كان ذلك إلاّ منكم بمظافرتكم علي، وممايلتكم إيّاه، فلمّا قتلته، وتفرّقتم عباديد فطوراً أتباعاً لابن أبي خالد، وطوراً أتباعاً لأعرابي، وطوراً أتباعاً لابن شكلة، ثم لكل مَن سلّ سيفاً عليّ، ولولا أنّ شيمتي العفو، وطبيعتي التجاوز ما تركت على وجهها منكم أحداً، فكلكم حلال الدم محل بنفسه).

وأعرب المأمون عن الجفاء والحرمان الذي لحق بالعباسيين في عهده، فإنّهم هم السبب في ذلك، فقد أيّدوا الأمين وناصروه، ولـمّا قُتل انضموا إلى كل مَن أعلن

٢٩٨

التمرّد على حكومته أمثال: إبراهيم بن شكلة، وغيره؛ وبذلك فقد ملأوا قلب المأمون حقداً عليهم، ولولا أنّ طبيعته التجاوز - كما يقول - لما أبقى عباسياً على وجه الأرض، وهذا فصل آخر من رسالته يقول:

(وأمّا ما سألتم من البيعة للعباس ابني... أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ ويلكم إنّ العباس غلام حدث السن، ولم يؤنس رشده، ولم يمهل وحده، ولم تحكمه التجارب، تدبّره النساء، وتكلّفه الإماء، ثم لم يتفقّه في الدين، ولم يعرف حلالاً من حرام إلاّ معرفة لا تأتي به رعية، ولا تقوم به حجّة، ولو كان مستأهلاً قد أحكمته التجارب، وتفقّه في الدين، وبلغ مبلغ أمير العدل في الزهد في الدنيا، وصرف النفس عنها ما كان له عندي إلاّ ما كان لرجل من عك وحمير، فلا تكثروا من هذا المقال فإنّ لساني لم يزل مخزوناً عن أمور وأنباء كراهية أن تخنث النفوس عندما تنكشف، علماً بأنّ الله بالغ أمره، ومظهر قضاه يوماً.

فإذا أبيتم إلاّ كشف الغطاء، وقشر العظاء، فالرشيد أخبرني عن آبائه، عمّا وجده في كتاب الدولة وغيرها، أنّ السابع من ولد العباس، لا يقوم لبني العباس بعده قائمة، ولا تزال النعمة متعلّقة عليهم بحياته، فإذا أودعت فودعها، إذا فقدتم شخصي فاطلبوا لأنفسكم معقلاً، وهيهات مالكم إلاّ السيف، يأتيكم الحسني الثائر البائر، فيحصدكم حصداً، أو السفياني المرغم، والقائم المهدي لا يحقن دماءكم إلاّ بحقّها...).

وحفل هذا المقطع بذكر الأسباب التي دعت المأمون إلى عدم ترشيح ولده العباس لولاية العهد، فإنّه لم يستجمع الشرائط التي ينبغي توفّرها في ولي العهد من العلم والفضل والتقوى وغيرها، فقد كان العباس غلاماً لم تهذّبه الأيام، ولم تصقله التجارب، ولم يقم على تكوينه علم أو ثقافة، وإنّما كان صبياً تدير أموره النسوان، وتدبّر شؤونه الأمهات، فكيف يصح أن يرشّحه لهذا المنصب الخطير؟

وأضاف المأمون بعد هذا إلى أنّ الرشيد أخبره عمّا وجده في كتاب الدولة من أنّ نهاية الدولة العباسية تكون بعد الملك السابع من بني العباس، وبعده لا تقوم للعباسيين قائمة.

وقد أخطأ الرشيد فقد استمرّت الدولة العباسية بعد السابع من ملوكهم، وكانت نهايتها على يد هولاكو التتار، فقد حصد رؤوس العباسيين، وأزال ملكهم

٢٩٩

وسلطانهم... ولنستمع إلى فصل آخر من هذه الرسالة يقول:

(وأمّا ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى بعد استحقاق لها في نفسه، واختيار منّي له، فما كان ذلك منّي إلاّ أن أكون الحاقن لدمائكم، والذائد عنكم، باستدامة المودّة بيننا وبينهم، وهي الطريق أسلكها في إكرام آل أبي طالب، ومواساتهم في الفيء بيسير ما يصيبهم منه...).

وأعرب المأمون أنّ بيعته للإمام الرضاعليه‌السلام كانت من أجل صالح العباسيين، ففي هذه البيعة قد حقن دماءهم، ولعلّ سبب ذلك هو انفجار البلاد

بثورات متصلة تنادي للرضا من آل محمد (ص) ليقيم في ربوع الوطن العدل السياسي والعدل الاجتماعي، وحينما جاء بالإمام الرضا ونصبه ولي عهده خمدت تلك الثورات، ولو استمرّت لقضت على الحكم العباسي، وقضت على العباسيين...

ونعود لفصل آخر من هذه الرسالة يقول:

(وإن تزعموا أنّي أردت أن يؤول إليهم عاقبة ومنفعة فإنّي في تدبيركم والنظر لكم ولعقبكم، وأبنائكم من بعدكم وأنتم ساهون، لاهون، تائهون، في غمرة تعمهون لا تعلمون ما يراد بكم، وما أظللتم عليه من النقمة، وابتزاز النعمة، همّة أحدكم أن يمسي مركوباً، ويصبح مخموراً، تباهون بالمعاصي، وتبتهجون بها، وآلهتكم البرابط، مخنّثون مأفونون، لا يتفكّر متفكّر منكم في إصلاح معيشة، ولا استدامه نعمة، ولا اصطناع مكرمة، ولا كسب حسنة يمد بها عنقه، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ مَن أتى الله بقلب سليم.

أضعتم الصلاة، واتبعتم الشهوات، وأكببتم على اللذات فسوف تلقون غيّاً، وأيم الله لربّما أفكر في أمركم فلا أجد أمّة من الأمم استحقوا العذاب حتى نزل بهم لخلّة من الخلال إلاّ أصبت تلك الخلّة بعينها فيكم، مع خلال كثيرة لم أكن أظن أنّ إبليس اهتدى إليها، ولا أمر بالعمل بها، وقد أخبر الله تعالى في كتابه العزيز عن قوم صالح أنّه كان فيهم تسعة رهط يفسدون في الأرض، وقد اتخذتموهم شعاراً ودثاراً، استخفافاً بالمعاد وقلّة يقين بالحساب، وأيّكم له رأي يتبع أو روية تنفع فشاهت الوجوه، وعفرت الخدود...).

لقد وصف المأمون أسرته بأقبح الصفات التي لا يتصف بها إلاّ أراذل البشر، وشذّاذ الآفاق، لقد صوّرهم بصورة تشمئز منها النفوس، ويترفّع عنها أقل الناس

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418