ديوان فوز الفائز

ديوان فوز الفائز14%

ديوان فوز الفائز مؤلف:
تصنيف: دواوين
الصفحات: 418

ديوان فوز الفائز
  • البداية
  • السابق
  • 418 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84393 / تحميل: 14139
الحجم الحجم الحجم
ديوان فوز الفائز

ديوان فوز الفائز

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

كان موقف سيد الشهداء الامام الحسين (ع) من قضية الصلح كموقف أخيه الحسن (ع) ، فكان يرى ضرورة المهادنة ، ولزوم المسالمة ، وانه ليس من الحكمة ، ولا من الصالح فتح باب الحرب مع معاوية ، فانه يعود بالمضاعفات السيئة على الإسلام ، ويجر الويلات والخطوب للمسلمين وذلك لتفلل الجيش الذي نزح معهم ، فقد ذكرنا فى البحوث السابقة الخيانات المفضوحة التي ظهرت من أغلب الأمراء والوجوه ، والتحاقهم بمعسكر معاوية ، وضمانهم له الفتك بالامام الحسن ، أو تسليمه أسيرا له ، فكيف يحاربه بهذه القوى الغادرة التي تبغي له الغوائل ، وتتربص به الفرص للفتك به؟

إن الإمام الحسين (ع) كان من رأيه أن يستجيب أخوه للصلح ، ولا يناجز معاوية نظرا للعوامل المريرة التي أحاطت به حتى جعلت من المستحيل التغلب على معاوية ، والانتصار عليه ، فما عمله الامام الحسن من الصلح كان أمرا متعينا ، ولا سبيل لغيره ـ كما أوضحنا ذلك في أسباب الصلح ـ ، فكيف يخالف الإمام الحسين أخاه في ذلك ، ولا يقره عليه.

وزعم بعض المؤرخين ان الإمام الحسين (ع) كان كارها لما فعله أخوه ، وانه قال له :

« أنشدك الله أن تصدق احدوثة معاوية ، وتكذب احدوثة أبيك!! » فأجابه الحسن :

« أنا أعلم بهذا الأمر منك »(1) .

ورووا أيضا : « ان الحسن (ع) قال لابن عمه عبد الله بن جعفر :

« إني رأيت رأيا أحب أن تتابعني عليه » فانبرى إليه ابن جعفر قائلا :

__________________

(1) أسد الغابة وغيره.

٢٤١

« ما هو »؟

« رأيت أن أعمد الى المدينة فأنزلها ، وأخلي بين معاوية ، وبين هذا الحديث ، فقد طالت الفتنة ، وسفكت فيها الدماء ، وقطعت الأرحام ، وعطلت الفروج »(1) .

فأيد ابن جعفر رأيه قائلا :

« جزاك الله عن أمّة محمد خيرا ، وأنا معك ».

ثم بعث نحو الحسين ، فلما مثل بين يديه قال له :

« إني رأيت رأيا ، وأحب أن تتابعني عليه ».

« ما هو؟ »

فذكر له رأيه في ذلك.

فانبرى الحسين وهو غضبان قائلا :

« أعيذك بالله أن تكذب عليا في قبره ، وتصدق معاوية ».

فتأثر الحسن من كلامه ، وقال له :

« والله ما أردت أمرا إلا خالفتني عليه الى غيره ، والله لقد هممت أن أقذفك فى بيت فأطينه عليك ، حتى أقضى أمري ».

فلما رأى الحسين غضب أخيه وجدّه في الأمر انسحب عن فكرته وتنازل عن رأيه وقال له بصوت خافت : « أنت أكبر ولد عليّ ، وأنت خليفتي ، وأمرنا لأمرك متبع ، فافعل ما بدا لك »(2) .

لا شك في افتعال ذلك كله وانه من الموضوعات لأن الامام الحسينعليه‌السلام كان عالما بالعلل والأسباب التي الجأت أخاه الى الصلح والزمته

__________________

(1) الفروج : الثغور.

(2) تأريخ ابن عساكر الكبير 4 / 21.

٢٤٢

بالمسالمة ، فان رأيه في الصلح كان موافقا لرأي أخيه لا يخالفه ولا يختلف عنه ، ويدل على ذلك ان الإمام الحسن لما أبرم الصلح أقبلت الى الامام الحسين طائفة من الزعماء والوجوه يطلبون منه أن ينقض ما أبرمه أخوه ويناجز معاوية فأبى (ع) وامتنع ، ولو كان رأيه مخالفا لرأي أخيه لأجابهم الى ذلك ، ولما انتقل الإمام الحسن (ع) الى حظيرة القدس رفعت إليه طوائف من زعماء العراق عدة رسائل يطلبون منه اعلان الثورة على معاوية فامتنع من اجابتهم وقال لهم :

« ما دام معاوية في قيد الحياة فلا اتحرك بكل شيء ، وإذا مات نظرت في الأمر »(1) .

إن امتناعه من القيام بالأمر ما دام معاوية حيا يدل بصراحة أنه كان يرى ضرورة المهادنة والمسالمة المؤقتة ، فان الثورة لا تنتج ولا التضحية تجدي شيئا مع وجود معاوية لأنه يلبسها ثوبا يخرجها عن اطار الإصلاح كما أوضحنا ذلك فيما تقدم ، نعم لا شك ان الصلح قد ترك في نفس الحسين أسى مريرا وحزنا مرهقا كما ترك في نفس الحسن أيضا لوعة وحزنا ، ولكنهما سلام الله عليهما ما ذا يصنعان والظروف لم تكن مواتية لهما حتى يقوما بمناجزة معاوية.

ومما يدل على وضع ذلك وعدم صحته انه جاء في الرواية الثانية ان الإمام قال لأخيه الحسين.

« ما أردت أمرا إلا خالفتني عليه ».

ان هذا الكلام شاهد على الافتعال والوضع لأن الإمام الحسينعليه‌السلام تصده مثله العليا عن مخالفة أخيه وعدم طاعته له فقد تربيا معا

__________________

(1) الارشاد ص 206 وغيره.

٢٤٣

في حجر المشرع الأعظم ، وأفاض عليهما مثله وتهذيبه وهديه حتى صارا صورة صادقة عنه ، فكيف يخالف أوامر أخيه ولا يطيعه فى أمر يعود بالصالح العام لجميع المسلمين ، إن الامام الحسين كان يكبر أخاه ويجله ولا يخالف له أمرا. فقد روى حفيده الإمام الباقر (ع) عن مدى اجلاله وتعظيمه له قال :

« ما تكلم الحسين بين يدي الحسن اعظاما له »(1) .

وبعد هذا التقدير والإكبار هل يصح أن يقول الحسن لأخيه ما أردت أمرا إلا خالفتني عليه.

وانجرف الدكتور طه حسين بهذه الرواية المفتعلة فقال :

« كره صلح أخيه وهمّ أن يعارض ، فأنذره أخوه بأن يشدّه في الحديد حتى يتم الصلح ».

وقال : « وكان الحسين يعيب الصلح لأنه إنكار لسيرة أبيه ».

وقال أيضا : « رأى الوفاء لأخيه حقا فوفى له ، وأطاعه كما أطاع أباه من قبله. وما أشك في أنه أثناء هذه السنين التي قضاها فى المدينة بعد صلح أخيه كان يتحرق تشوقا الى الفرصة التي تتيح له استئناف الجهاد حيث تركه أبوه »(2) .

أما قوله : « كره صلح أخيه وهمّ بالمعارضة ، فأنذره أخوه بأن يوثقه في الحديد ، وانه كان يعيب عليه لأنه إنكار لسيرة أبيه » ، فيرده انه لو كان كارها لذلك لأجاب الكوفيين الى مناجزة معاوية بعد ما جرى

__________________

(1) مناقب ابن شهر اشوب 2 / 143.

(2) الفتنة الكبرى 2 / 213 وعول على الروايات المصطنعة الاستاذ محمود العقاد في أبي الشهداء.

٢٤٤

الصلح ، ولأعلن الثورة عليه بعد موت أخيه ، مضافا الى انه لو كان الصلح مخالفا لسيرة أمير المؤمنين (ع) لما سكت الحسين لحظة واحدة لأن السكوت عن الحق جبن ومعصية ، ولو كان مخالفا لسيرة أمير المؤمنين التي هي سيرة رسول الله (ص) لما أبرم الحسن (ع) الصلح ونفذه ، نعم كان الحسين يتحرق شوقا الى الجهاد تحرق الظمان الى الماء ، قد انطوى قلبه على شجى مكتوم وحزن مرهق ولكنه لم ينفرد بذلك ، فقد شاركه أخوه في جميع محنه وأشجانه ، وكانا معا يترقبان بفارغ الصبر الفرصة السانحة للثورة على حكومة أميّة ، ولكن الفرصة التي يؤمل بها النصر والفتح كانت معدومة ما دام معاوية حيا ، فان فتح باب الحرب معه يعود بالضرر البالغ على الإسلام والمسلمين.

بقي هنا شيء لم نذكره في أسباب الصلح ، وهو انه لما ذا لم يفتح الإمام الحسن باب الحرب مع معاوية ، وإن عدم الناصر والمعين فيستشهد كما استشهد أخوه سيد الشهداء الإمام الحسينعليه‌السلام ، وهذه الشبهة قد ذهب إليها بعض الناقدين للصلح ، ولندع الجواب الى إمام من أئمة المسلمين وهو آية الله المغفور له السيد عبد الحسين شرف الدين فقد كشف الغطاء عنها في مقال عنوانه ( ثورة الحسين صدى لصلح الحسن ) وقد نشر في أغلب الصحف المحلية ، نذكره بأسره لما فيه من مزيد الفائدة قالرحمه‌الله :

« كان بنفسي من قديم أن أعني ببحث هذه المسألة بحثا يدفع هذه الشبهة عن أبي محمد ، فى نفوس غير المتمكنين فى فهم التأريخ فهما صحيحا وكثير من هؤلاء لا يرجعون الى مصدر علمي في وزن هؤلاء النفر من أهل البيت ، واخضاع حركاتهم في حالتي مدها وجزرها للمبدإ الأسمى ،

٢٤٥

الذي طوعهم لخدمته ، وأفنى ذواتهم في ذاته ، فكانوا ينقبضون حين يشاء لهم الانقباض ، وينبسطون حين يشاء لهم الانبساط كذلك ...

كان بنفسي أن أرد هذه الشبهة عن أبي محمد السبط باقامة هذا الميزان العلمي الذي يجلو هذه الحقيقة ، ويكشف خدرها ، غير أن واردا ثقيلا من المشاغل التي تنتهي كان يصرفني عما بنفسي من ذلك ، فها أنا الآن أوجز الإشارة الى هذه الشبهة ودفعها ، وعسى أن تعود هذه النواة غرسا أتعهده أنا بما ينميه إن سنحت الفرصة أولا فينميه قلم من هذه الأقلام الصقيلة ، المغموسة بقلوب الأحرار ، وعقول العلماء من خدام الحقائق.

أما الشبهة فقديمة كقدم النظر القاصر فيمن يأخذون من الأشياء بالظاهر والملمون بتأريخ الحسن (ع) يعرفون أن قوما من صحابته أخذوا عليه قعوده عن حرب معاوية ، ومناجزته إياه القتال ، حتى لأوشك أن يذهب يومئذ ضحية هذه الفتنة ، وحتى دخل عليه خاصته بسلام غليظ يقولون فيه : « السلام عليك يا مذل المؤمنين » ..!

وقد يكون لهؤلاء عذر بحماستهم التي نعرفها لذوي النجدة من فتيان الايمان الذين تغلب فيهم عاطفة الحماسة ، واستقرار الروية وبعد النظر.

وقد يكون ذلك ولكنا لا نقصد الآن الى الاعتذار لهم بل نريد أن نثبت طرف هذه الشبهة عن الأول لنراها تتسلسل منه فتظهر بين حين وآخر طورا على لسان أوليائه ، وتارة على لسان أعدائه ، وهي هنا وهناك لا تظهر إلا لتدل على جهل هؤلاء وأولئك.

فنحن حين نزن صلحهعليه‌السلام وحربه ترجح كفة الصلح من حيث اعتبرت المعايير المرعية ، وكن إن شئت ( ماديا ) ، أو كن ( روحيا )

٢٤٦

تتجاوز بايمانك وفهمك مدى المحسوسات المرئية.

كن أول الأمر ماديا وناقش حرب الحسن في جيش حكم على نفسه بالهزيمة ، قبل أن يخوض المعركة ، وغزاه معاوية الذي ثبت لعلي من قبل ولعلي معنوية عسكرية ترجف الأرض من خيفتها ، مضافا الى معنوياته الأخرى التي لم يكن الحس يتمتع بمثلها فى نفوس معاصريه ، بحكم انضوائه الى لواء أبيه.

نعم لك أن تقول كان على الحسن أن يستشهد فيموت عزيزا ، ولكن أعد النظر في تاريخ هذه الفترة لترى أن الاستشهاد فيها ينمسخ الى معنى من معاني ( الخروج ) فلم تكن يومئذ حقيقة وطنية ثابتة ، ولا روح مبدئية مستقرة لتكون التضحية تضحية مقررة القواعد وليس أتفه ـ فى هذه الحال ـ من الموت يعين على صاحبه ويميته مرة أخرى فى معناه.

كانت الحياة الإسلامية تنتكس حقا ، وتتحول الى ملك عضوض وكانت المطامع تتجند في ركاب الملك هاربة من حواشي الخلافة ولكنها كانت ما تزال تحتفظ بوسيلة الإسلام وظاهر مبادئه في ( وصولية ) صاغها معاوية بدهائه ، وكان هذا وحده عذرا للحسن من ناحيتين.

1 ـ كان عذره في الصلح لأن ( الدنيا ) كانت تظاهر معاوية فتستلب منه ابن عمه وقائد عسكره.

2 ـ ثم كان عذره في القعود عن الشهادة لأن ذلك بعينه ليس ظرف الشهادة ، لأنه كان قادرا على مسخها.

فأي ربح مادي في الموت لو اختاره الحسن كما يريد هؤلاء ، غير انه يعين معاوية على نفسه حيا وميتا.

إننى لا أرى شيئا أدل على عظمة الحسن من هذه السياسة المادية التي

٢٤٧

حددت موقفه على هذا النحو في أخطر دور مرّ به الإسلام. فكانت نواة لقلب الحكم الأموي ، وفضح ، كما كانت مادة ذلك البارود الجبار الذي انفجر في مصرع الحسين (ع) ذلك الانفجار ، ولو لم يكن موقف الحسن هذا لأتيح لمعاوية سلطان لا يعرف الناس منطوياته ، ولما اتيح للحسين أن يكون الفداء الخالد للمبدإ الخالد.

وبعد إن كنت ماديا فكن ( روحيا ) وناقش حرب الحسن لتجتمع لك الاعتبارات كلها على رجحان كفة الصلح.

الحسن (ع) ليس من طلاب ( الامرة ) لذات الامرة ، بل هو ممن يريدون الخلافة وسيلة للإصلاح ، وإقامة العدل والسلام بين الناس ، وما أظن هذه العقيدة الروحية تعدم دليلها المادي ، فأبوه وجده أثبتا فى الإسلام انهما كذلك ، وله قبل الإسلام إرث ينهض دليلا على انه من معدن مصلح لا يطلب النفوذ إذا استغنى عن فعل الخير.

ومن هنا كان سهلا عليه أن يتنازل عن الخلافة لأنه في فترة لا تقدر هي على ابداء الخير في ظل ذلك الجيل المكبوت المشتاق الى الشهوات يصيب منها فوق كفايته على موائد معاوية ، بل لقد كان الواجب عليه أن يتنازل مع عدم القدرة على تذليل العقبة من اخضاع ( الأموية ) المندفعة ، لأن تنازله يأتي وفق الخطة التي رسمتها له مبادئه.

وليس عائبو تنازله أشد احساسا منه بالام التنازل وهو المجروح ، ولكنها التضحية الضخمة فرضت عليه أن يتحمل آلام القعود التي كتبتها عليه مثله العليا ، ومبادئه الحسنى.

وهي تضحية لا تقل قدرا ـ إن لم تزد ـ عن تضحية الحسين (ع) وكن الآن ما شئت ، كن ماديا ، أو كن روحيا فستنتهي آخر الأمر

٢٤٨

الى نتيجة رائعة ، وهي ان صلح الحسن مصدر من أكبر مصادر ثورة الحسين التحريرية ، والى أن جوهر التضحية واحد عند الاماميين وإن اختلف مظهرهما.

والحق ان يوم الطف كان صدى ليوم المدائن صلى الله على سيدي شباب أهل الجنة ، ونفع المسلمين بذكرياتهما المجددة المتجددة ، ووفق العرب والمسلمين الى الاهتداء بهديهما فى مرحلتهم الصعبة هذه »(1) .

ورأي سماحة الامام شرف الدين رأي وثيق تعضده الأدلة ويسنده المنطق العلمي من جميع جهاته ، والحق إنه (ع) لو ضحّى بنفسه لذهبت تضحيته معدومة الأثر ، لا تقيم حقا ، ولا تغير باطلا ، لأن معاوية بمكره وخداعه ، يلقي المسئولية على الحسن ، ويبرئ نفسه عن ارتكاب الجريمة ، فيقول للناس : « إني دعوت الحسن للصلح ، ولكن الحسن أبى إلا الحرب وكنت اريد له الحياة ، ولكنه أراد لي القتل ، وأردت حقن الدماء ، ولكنه أراد هلاك الناس بينى وبينه » ومعاوية له هذه القابليات التي يظهر بها نفسه مظهر العادل المنصف ، وبذلك تكون التضحية مسلوبة الأثر معدومة الفائدة.

وأما الحسين (ع) فقد جاءت تضحيته الخالدة موافقة لظرفها الملائم ومنسجمة مع مقتضيات الزمن ، لأن الأثيم يزيد ليس معه من يدير شئونه ويردعه عن طيشه وغروره ، فقد هلكت تلك العصابة التي كان يعتمد عليها معاوية في تدبير شئونه كابن العاص ، والمغيرة وأمثالهما من دهاة العرب ،

__________________

(1) جريدة الساعة الغراء عددها الخاص بسيد الشهداء (ع) من السنة 4 بعدد 908 ، ونشرتها مجلة الغرى الزاهرة بعددها الخاص بالامام الحسين (ع) من السنة 9 العدد 11.

٢٤٩

ولم يبق منهم معه أحد ، فلذا نهض الامام الحسينعليه‌السلام بتلك النهضة الموفقة التي جاءت بالنهاية المحتومة لدولة أميّة.

وبالجملة إن مهادنة الحسن وشهادة الحسينعليهما‌السلام قائمتان على فكرة عميقة منبعثة من وحي جدهما الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولو لا صلح الامام الحسن ، وشهادة أخيه سيد الشهداء لما بقي للإسلام اسم ولا رسم ، وقد صرّح بهذا الامام كاشف الغطاء في مقدمته للجزء الأول من هذا الكتاب ، قالرحمه‌الله :

« إنه كما كان الواجب والمتعين الذي لا محيص عنه في الظروف التي ثار بها الحسين سلام الله عليه على طاغوت زمانه أن يحارب ويقاتل حتى يقتل هو وأصحابه ، وتسبى عياله ودائع رسول الله (ص) كما كان هذا هو المتعين فى فن السياسة ، وقوانين الغلبة والكياسة مع قطع النظر عن الأوامر الالهية ، والمشيئة الأزلية ، كذلك كان المتعين والواجب الذي لا محيص عنه في ظروف الحسن (ع) وملابساته هو الصلح مع فرعون زمانه ، ولو لا صلح الحسن ، وشهادة الحسينعليهما‌السلام لما بقي للإسلام اسم ، ولا رسم ، ولضاعت كل جهود محمد (ص) وما جاء به للناس من خير وبركة ورحمة ».

نعم : لو لا صلح الحسن ، وشهادة الحسين لقضي على الاسلام ولف لواؤه ، فإن الحسنعليه‌السلام بصلحه فضح معاوية وأظهر عداءه السافر للإسلام والمسلمين ، والحسينعليه‌السلام بتضحيته وشهادته فتك بدولة أميّة وقضى عليها وعلى كل ظالم مستبد ، وأعطى الدروس الخلاقة لكل مصلح يريد أن يثور على الظلم والطغيان والاستغلال.

٢٥٠

اجتماع الإمام بمعاوية

٢٥١
٢٥٢

لعل أقسى محنة اجتازتها نفس أي انسان كان هي التي ألمّت بالامام الحسن (ع) حينما اجتمع بابن أبي سفيان ، فقد أودع ذلك الاجتماع ألما مرهقا ، وأسى مرّا ، استوعب نفسه الشريفة ، ذلك لأنه رأى باطل معاوية قد استحكم وجوره قد انتصر ، وزاد في أساه ما ستعانيه الأمّة في دور هذا الطاغية من الماسي والشجون ، فترك ذلك أعمق الألم والحزن في نفسه.

لقد اجتمع الامام ـ على كره ـ بمعاوية ، وكان الاجتماع بالنخيلة(1) وقيل بالكوفة(2) ، وقد حضرته جموع حاشدة من المسلمين ، تنتظر بفارغ الصبر ما يفوه به الملك الظافر من الأمن والرفاهية وما يبسطه على الناس من العدل ، وما عسى معاوية أن يفعل في هذه الساعة الرهيبة ، إنه اعتلى المنبر فأظهر خبث ذاته ، وسوء سريرته ، واعلن ما يضمره للمسلمين من الشر والارهاق ، كما أظهر لهم السر في الحرب التي أثارها على أمير المؤمنين وولده الحسن قائلا :

« أيها الناس ، ما اختلف أمر أمّة بعد نبيها إلا وظهر أهل باطلها على أهل حقها ».

ولما افتتح خطابه بهذا القول الذي حكى فيه الواقع التفت الى أنه قد عنى به نفسه فندم على ذلك فاستدرك قائلا :

« إلا هذه الأمّة ».

ثم وجه خطابه القاسي الى العراقيين معربا لهم عن حقيقة الحرب التي أثارها عليهم ، وإن الهدف الأقصى الذي ينشده من وراء ذلك إنما هو

__________________

(1) ابن أبي الحديد 4 / 16 وذكر ان خطبة معاوية الآتية القاها في النخيلة

(2) اليعقوبي 2 / 192 الارشاد 170.

٢٥٣

الملك ، لا الطلب بدم عثمان قائلا :

« والله إني ما قاتلتكم لتصلوا ، ولا لتصوموا ، ولا لتحجوا ، ولا لتزكوا ، إنكم لتفعلون ذلك ، وإنما قاتلتكم لأتأمّر عليكم ، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون ».

ثم صرح بعد ذلك بعدم التزامه ووفائه بالشروط التي أعطاها للإمام فقال :

« ألا إن كل دم أصيب في هذه الفتنة مطلول ، وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين(1) ولا يصلح الناس إلا ثلاث : اخراج العطاء عند محله ، وإقفال الجنود لوقتها ، وغزو العدو في داره ، فان لم تغزوهم غزوكم ».

حقا ان هذا هو التمادي في الإثم ، وكان عبد الرحمن بن شريك(2) إذا حدّث بذلك يقول : « والله هذا هو التهتك ». ويقول أبو اسحاق السبيعي ، وهو ممن روى خطاب معاوية : « كان والله غدارا ».

وأخذ معاوية يكيل السب والشتم الى أمير المؤمنين (ع) وولده الحسن غير مستأثم من ذلك ولا متحرج ، وقد خرق بذلك أبرز بنود المعاهدة التي وقع عليها.

__________________

(1) وفى رواية أبي اسحاق السبيعي : « ألا وإن كل شيء اعطيت الحسن ابن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به » ، ذكر ذلك ابن أبي الحديد فى النهج ، وقريب منه ذكره المفيد في الارشاد.

(2) عبد الرحمن بن شريك النخعي الكوفي ، روى عن أبيه ، وروى عنه البخاري فى كتاب الأدب ، عدّه ابن حبان فى الثقات ، وقال : ربما أخطأ ، توفى سنة 227 ه‍ جاء ذلك في تهذيب التهذيب 6 / 194.

٢٥٤

خطاب الامام الحسن :

وطلب معاوية من الإمام أن يعتلي منصة الخطابة ليبين للناس تنازله عن الأمر. وقيل ان ابن العاص أشار عليه بذلك ليظهر للناس ـ بحسب زعمه ـ عي الإمام وعدم مقدرته على الخطاب ، وقد أخطأ في ذلك ، فان الإمام قد خطب الناس غير مرة في حياة أبيه ، وبعد وفاته ولم يعرف عنه العي والحصر ، لأنه من أهل بيت كانوا معدن الفصاحة والبلاغة ، وفصل الخطاب ، وانبرى الإمام الى أعواد المنبر والناس كلهم أذن صاغية وهم ما بين راغب وراغم ، فخطبهم خطبة طويلة كانت فى منتهى الروعة والبلاغة ، وعظ فيها الناس ، ودعاهم الى الالفة والمحبة ، وصوّر فيها الأحداث الرهيبة التي جرت على أهل البيت بعد وفاة النبيّ (ص) وعزى ما جرى عليهم من المحن والخطوب الى الصدر الأول الذين نزعوا الخلافة منهم ، وردّ في آخر خطابه على معاوية ، وهذا نص خطابه :

« الحمد لله كلما حمده حامد ، وأشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ، وائتمنه على الوحيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

أما بعد : فو الله إني لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنّه وأنا أنصح خلق الله لخلقه ، وما أصبحت محتملا على مسلم ضغينة ، ولا مريدا له سوءا ، ولا غائلة. ألا وإن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة ألا وإني ناظر لكم خير من نظركم لأنفسكم ، فلا تخالفوا أمري ، ولا تردوا عليّ رأي غفر الله لي ولكم ، وأرشدني وإياكم لما فيه

٢٥٥

المحبة والرضا. »(1)

ثم التفت الى الجماهير فقال لها :

« أيها الناس ، إن أكيس الكيس التقى ، وأحمق الحمق الفجور ، والله لو طلبتم ما بين جابلق(2) وجابرس(3) رجلا جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما وجدتموه غيري وغير أخي الحسين ، وقد علمتم أن الله هداكم بجدي محمد (ص) فأنقذكم به من الضلالة ، ورفعكم به من الجهالة ، وأعزكم به بعد الذلة ، وكثركم به بعد القلة ، إن معاوية نازعني حقا هو لي دونه ، فنظرت لصلاح الأمّة ، وقطع الفتنة ، وقد كنتم بايعتموني على أن تسالمون من سالمت ، وتحاربون من حاربت ، فرأيت أن أسالم معاوية ، واضع الحرب بيني وبينه ، وقد بايعته ، وقد رأيت أن حقن الدماء خير من سفكها ، ولم أرد بذلك إلا صلاحكم وبقاءكم ، وإن أدرى لعله فتنة لكم ومتاع الى حين »(4) .

__________________

(1) الارشاد ص 169.

(2) جابلق : بالباء الموحدة المفتوحة واللام المسكنة ، روي عن ابن عباس أنها بأقصى المغرب واهلها من ولد عاد ، جاء ذلك في المعجم 3 / 32.

(3) جابرس : مدينة بأقصى المشرق ، زعم اليهود أن أولاد نبيهم موسىعليه‌السلام هربوا اما فى حرب طالوت أو في حرب بخت نصر ، فسيرهم الله وأنزلهم فى هذا الموضع فلا يصل إليهم أحد ، وقد طويت لهم الأرض وجعل عليهم الليل والنهار سواء حتى انتهوا الى ( جابرس ) فسكنوا فيها ، ولا يحصي عددهم إلا الله ، فاذا قصدهم أحد من اليهود قتلوه وقالوا : ( لم تصل إلينا حتى أفسدت سنتك ) ، وبهذا الاعتبار يستحلون دمه جاء ذلك في المعجم 3 / 33.

(4) كشف الغمة ص 170.

٢٥٦

وأخذ (ع) يبين ظلامة أهل البيت فقال :

« وإن معاوية زعم لكم أني رأيته للخلافة أهلا ولم أر نفسي لها أهلا ، فكذب معاوية. نحن أولى الناس بالناس في كتاب الله عز وجل وعلى لسان نبيه ، ولم نزل ـ أهل البيت ـ مظلومين منذ قبض الله نبيه ، فالله بيننا وبين من ظلمنا ، وتوثب على رقابنا ، وحمل الناس علينا ، ومنعنا سهمنا من الفيء ، ومنع أمّنا ما جعل لها رسول الله ، واقسم بالله لو أن الناس بايعوا أبي حين فارقهم رسول الله لأعطتهم السماء قطرها ، والأرض بركتها ، ولما طمعت فيها يا معاوية ، فلما خرجت من معدنها تنازعتها قريش بينها ، فطمع فيها الطلقاء وأبناء الطلقاء ، أنت وأصحابك. وقد قال رسول الله : ما ولت أمّة أمرها رجلا وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا الى ما تركوا. فقد ترك بنو اسرائيل هارون وهم يعلمون أنه خليفة موسى فيهم واتبعوا السامري ، وتركت هذه الأمّة أبي وبايعوا غيره ، وقد سمعوا رسول الله يقول له : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة ، وقد رأوا رسول الله نصب أبي يوم غدير خم ، وأمرهم أن يبلغ أمره الشاهد الغائب ، وهرب رسول الله من قومه وهو يدعوهم الى الله حتى دخل الغار ، ولو انه وجد أعوانا لما هرب ، كفّ أبي يده حين ناشدهم ، واستغاث فلم يغث. فجعل الله هارون في سعة حين استضعفوه ، وكادوا يقتلونه ، وجعل الله النبي في سعة حين دخل الغار ولم يجد أعوانا. وكذلك أبي وأنا في سعة من الله حين خذلتنا هذه الأمّة. وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضا. »(1)

والتفت الى حضار الحفل فقال لهم.

__________________

(1) البحار 10 / 114.

٢٥٧

« فو الذي بعث محمدا بالحق ، لا ينقص من حقنا ـ أهل البيت ـ أحد إلا نقصه الله من عمله ، ولا تكون علينا دولة إلا وتكون لنا العاقبة ولتعلمن نبأه بعد حين. »

والتفت (ع) الى معاوية فردّ عليه سبه لأبيه فقال له :

« أيها الذاكر عليا أنا الحسن وأبي علي ، وأنت معاوية وأبوك صخر وأمىّ فاطمة ، وأمك هند ، وجدي رسول الله ، وجدك عتبة بن ربيعة ، وجدتي خديجة ، وجدتك فتيلة ، فلعن الله أخملنا ذكرا ، وألأمنا حسبا ، وشرنا قديما وحديثا ، وأقدمنا كفرا ونفاقا!! »

وارتفعت الأصوات من جميع جنبات الحفل بقول :

« آمين آمين ».

وما سمع أحد هذا الخطاب إلا شاركهم بقول : آمين ونحن نقول : آمين آمين.

وهذه الخطبة أبلغ خطبة عرفها التأريخ ، فقد وضع الإمام فيها النقاط على الحروف ـ كما يقولون ـ وصوّر الموقف الدقيق الذي هو فيه ، وربط بين الأحداث التي واجهها ، وبين الأحداث التي جرت على أبيه وانها جميعا تستند الى من تقمص الخلافة بعد وفاة النبي (ص) ، فلولاهم لما طمع معاوية في الخلافة ونازعه فيها.

موقف الزعيم قيس :

ولما سمع الزعيم الحديدي قيس بن سعد بالنبإ المؤلم جمد دمه واستولت عليه موجة من الهموم ، وغشيته سحب من الأحزان حتى تمنى مفارقة الحياة وجعل يردد في دخيلة نفسه :

كيف سالم أمير الحق أمير الباطل؟!!!

٢٥٨

ووقف وهو حائر اللب ، خائر القوى يريد أن ينقل قدمه من الأرض فلم يتمكن ، قد مشت الرعدة بأوصاله ، والحيرة بصدره ، وسرى الألم العاصف في محيّاه ، ثم انفجر باكيا وهو ينظم ذوب الحشا قائلا :

أتاني بأرض العال من أرض مسكن

بأن إمام الحق أضحى مسالما

فما زلت مذ بينته متلددا

أراعي نجوما خاشع القلب واجما(1)

والتفت الى الجيش وقد علاه الانكسار واستولى عليه الجزع والذهول قائلا بصوت خافت حزين النبرات :

« اختاروا إحدى اثنتين ، اما قتال بغير إمام ، واما أن تبايعوا بيعة ضلال؟!! »

فأجابوه وقد علاهم الذل والهوان قائلين :

« بل نقاتل بغير إمام ».

وزحفوا الى جموع أهل الشام فضربوهم حتى أرجعوهم الى مصافهم واضطرب معاوية من ذلك أشد الاضطراب ، فراسل قيسا يمنّيه ويتوعّده

فأجابه قيس :

« لا والله ، لا تلقاني إلا وبيني وبينك السيف أو الرمح ».

ولما يئس منه معاوية أرسل إليه رسالة يشتمه فيها ويتوعّده وهذا نصها :

« أما بعد : فإنك يهودي تشقى نفسك ، وتقتلها فيما ليس لك ، فإن ظهر أحب الفريقين إليك نبذك وغدرك ، وإن ظهر أبغضهم إليك ، نكّل بك وقتلك ، وقد كان أبوك أوتر غير قوسه ، ورمى غير غرضه ، فأكثر الجذ ، وأخطأ المفصل ، فخذله قومه ، وأدركه يومه ، فمات بحوران غريبا والسلام ».

فاجابه قيس :

__________________

(1) المناقب 2 / 167.

٢٥٩

« أما بعد : فإنما أنت وثن ابن وثن ، دخلت في الإسلام كرها ، واقمت فيه فرقا ، وخرجت منه طوعا ، ولم يجعل الله لك فيه نصيبا ، لم يقدم إسلامك ، ولم يحدث نفاقك ، ولم تزل حربا لله ولرسوله ، وحزبا من أحزاب المشركين ، وعدوّا لله ولنبيه وللمؤمنين من عباده. وذكرت أبي فلعمري ما أوتر إلا قوسه ، ولا رمى إلا غرضه ، فشغب عليه من لا تشق غباره ، ولا تبلغ كعبه ، وزعمت أني يهودي ابن يهودي وقد علمت وعلم الناس أني وأبي أعداء الدين الذي خرجت منه ، وانصار الدين الذي دخلت فيه وصرت إليه والسلام ».

وحكت هذه الرسالة حقيقة معاوية وواقعه ، ولمّا قرأها انتفخت أوداجه ، وورم أنفه ، فأراد أن يجيبه ، ولكن الداهية الماكر وزيره ابن العاص نهاه عن ذلك قائلا له :

«!! فإنك إن كاتبته أجابك بأشد من هذا ، وإن تركته دخل فيما دخل فيه الناس ».

واستصوب معاوية رأي ابن العاص فأعرض عن الشدة والعنف(1) وبعث إليه رسالة جاء فيها :

« على طاعة من تقاتل؟ وقد بايعني الذي أعطيته طاعتك ».

ولم يقتنع قيس بذلك وبقي مصرا على رأيه ، ولكن معاوية خاف من الفتنة ومن تطور الأحداث فبعث إليه طومارا ختم في أسفله ، وقال للرسول قل له فليكتب فيه ما شاء وغاظ ذلك ابن العاص ، لأن فيه نوعا

__________________

(1) شرح ابن أبي الحديد 4 / 15 ، وذكر المسعودي في مروج الذهب 2 / 319 ، إن هذا الحديث دار بين معاوية وقيس في حياة أمير المؤمنين (ع) حينما كان قيس عاملا له على مصر.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

من هالسفر ماليك جيّه

تبقى منازلكُم خليّه

وداع الحسين (عليه‌السلام ) للمنازل :

في داعة الله يا منازل

يا دور حلّا ل المشاكل

ترى اِحسين عنّك اليوم شايل

في داعة الله دار جدّي

حِسبي لطلعتنا اُو عدّي

اُو فرشي البسط لي واستعدّي

جواب الدار للحسين (عليه‌السلام ) :

الدار ردّت تسأل اِحسين

اُو تسمع لها ضجّات واحنين

عطني الخبر يا قرّة العين

قلّي تجي لو يفجع البين

جوابه (عليه‌السلام ) للدار :

قلّها اُودمع العين ناثر

لازم يجي لك طير طاير

والدم من جنحاه قاطر

يا دورنا واحنا رحلنا

إلى كربلا ماشي ظعنّا

ما ظنّتي نرجع وطنا

حطّي العزاء اُو نوحي لجلنا

اُمّ سلمة لما سمعت عن عزمه على الخروج أتته تخاطبه :

يحسين لك عندي وصيّه

موصي ابها جدّك عليّه

تربة عطاني يا شفيّه

اُوقلّي احفظيها يا زكيّه

لمّا يروح الغاضريّه

اِحسين واَصحاب الحميّه

اُو نظري لها صبح اُومسيّه

وانا بخبرك بالقضيّه

جبريل جايبها إليّه

من وسط اَراضي الغاضريّه

اُوقلّي أبوصيك اِبوصيّه

ذي تستوي ادموم جريّه

ترى اِحسين واَصحاب الحميّه

ذبحوا بارض الغاضريّه

يحسين يا نسل المغاوير

جدك وصاني بالتدابير

تربه عطاني اُوجذب تزفير

اُوقلّي احفظيها بالقوارير

واِحسين لا عزم على السير

إلى كربلا عملي تفاكير

٣٢١

ترى هي دماً تنقلب واتصير

يحسين يا بني يا حبيبي

هي طلعتك من غير طيبي

قلّي تجي لو أشق جيبي

ترى حالتك فتّت إقليبي

نادت اُودمع العين كالعين

في داعة الله يا بني اِحسين

افرقك علي يصعب يلحنين

يمتى تجي يا قرة العين

أنا شوف حولي يجدّي البين

نادى اُومنّه تجري العين

إلى كربلا بالظعن ناوين

في تربها نبقى مطاعين

ثلاثة بلا غسل اُو تكفين

اُو بعدي يحرقون الصياوين

اُو تبقى حرمنا ما لها امعين

بين الأعادي مستذلّين

من حين سمعت حكوة اِحسين

لطمت على الهامة بليدين

على اِحسين وا حزني على اِحسين

محمّد يودع أخاه الحسين (عليه‌السلام ) :

في داعة الله يا ولينا

عقبك ترى وحشة المدينه

واشمتت العدوان بينا

متى اتعود يالوالي علينا

اِخذوني معاكُم يا شفايا

معكُم باطراف الحنايا

إلى كربلا أرض البلايا

لو ننذبح كلنا ظمايا

اِخذوني معاكُم يالولي اِحسين

عقبك ترى احنا حزينين

بارض المدينة مالنا امعين

كلهم يبو سكنة نساوين

اِخذوني معاكُم سيف دوله

انا الموت ما اخشى انزوله

اُو قدامك البيرق بشيله

انا محمّد اتعرفوا فعوله

أولى في الحرب صولة اُوجوله

يحسين خويّه النقد ليّه

اُوخذني معاكُم يا شفيّه

معاكُم لارض الغاضريّه

ترى توحش اديارك عليّه

من عقب عينك يا شفيّه

منهو الذي تلجي ابفيّه

ولاتم لي منكُم تچيّه

يحسين يا باقي البقيّه

متى اتعود يا لوالي عليّه

٣٢٢

لما عزم الحسين (عليه‌السلام ) على الخروج من المدينة.

اُمّ القاسم تخاطب ابنها :

اِلزم الهودج لي يجسّام

يصدر الفزع جاسم يضرغام

يمن دوم بالشدات قدام

ترضى يبن زرّاق لرخام

أغدي أسيرة بيد أقوام

ولا كافل يحمي لي اِذمام

بس روسكُم بارماح قدّام

إلزم الهودج لي اُوتاكيه

يمن دوم للشدّات أرجيه

مثلك ترى يقوى العزم بيه

جسّام يا لطابت معانيه

اُمّ الأكبر ليلى تخاطب ابنها :

إلزم الهودج زين ليميل

يا كبر اُو يا قوم الرجاجيل

ترضى يبن ركابة الخيل

نغدي أسارى بيد أراذيل

ولا من ولي لينا ولا اكفيل

بس العليل امقيّد انحيل

شد لي الهودج والزمه زين

أكبر علي يا ضنوة اِحسين

ترضى يبن من شيّد الدين

أغدي أسيرة للملاعين

ولا كافل عندي ولا معين

زينب تخاطب قائد هودجها العبّاس (عليه‌السلام ) :

إلزم الهودج لي يعبّاس

يحزام ظهري اُو معصب الراس

يلاهوت منت ابساير الناس

اُوعلى كُل فارس شارب الكاس

ماشوف انا مثلك يعبّاس

انت البطل وانت قوي الباس

خوفي يفارس كُل فراس

لمشي ذليله امهبطه الراس

الزم الهودج يا غشمشم

باسوري اُوباسور كلثم

يا عماد يا عز المحرّم

واللي ابكل شده مقدم

ليتك من الشدات تسلم

دنهض يبعد اهلي اُو تقدم

بعدك ترى يعليني الهم

٣٢٣

يعبّاس يا عزنا اُودرانا

يعمود خيمتنا اُوحمانا

يرداد بالخطي عدانا

يابن الفحل حيدر ابانا

خوفي تسلبنا اعدانا

يعبّاس يا ذخري اُو ملاذي

يمن بالعمر لحسين فادي

خوفي يخويه اُويا سنادي

انخاك اُو تحدي بي الحوادي

واحريمكُم حسرى اُو تنادي

خويه براقعها الايادي

الحسين (عليه‌السلام ) يأمر العبّاس أن يُركب الحرم :

يعبّاس من للثقل شيّال

ركب حرمنا اُوكل لعيال

ولا اتكون عنهم شاغل البال

نادى عليه اُوفرع اُوقال

بامرك يبو سكنة يمفضال

جينما وصلت الكتب إلى الحسين (عليه‌السلام ) :

لمن قرى للكتب سما

اُونادى ابعبّاس المسمى

خل الاباعر تورد الما

اُو ركب خواتك يامسمى

العبّاس (عليه‌السلام ) يخاطب الحرم :

عبّاس نادى يا حرمنا

قوموا اركبوا في الظعن معنا

اكتب هل الكوفة لفتنا

إلى كربلا ماشي ظعنا

بيها ترى حاين أجلنا

هذا به الهادي وعدنا

نذبح بها اُو تسبى حرمنا

اُو يبقون بالذلّة بعدنا

واتظل بالرمضا جثثنا

الحرم تجاوب العبّاس (عليه‌السلام ) :

قالوا له سمع اُوطاعه

في كُل حين اُوكل ساعه

يابن الذي بيده الشفاعه

يعبّاس يا راعي الشجاعه

كل اتخذ منهم اقناعه

زينب تخاطب العبّاس (عليه‌السلام ) :

يسبع اُو متولد من اِسباع

يا سوري العالي المنّاع

٣٢٤

خل الخلق تنفرج هالساع

خوفي على شخصي يمتاع

جواب العبّاس (عليه‌السلام ) لها :

نادى اُومنّه القلب مسعور

يبنت الكليم ابجانب الطور

كتبهم لفت لينا بلسطور

اقدم على جنات واقصور

اُوحق الضلعها راح مكسور

واللي قضى والراس مطرور

حتّى لوانهم عدة اكرور

لخلي دماهم مثل البحور

والروس مثل الورق منثور

ميلي على زندي وانا السور

أنا خوك أنا العبّاس مذكور

أجابته زينب :

اُو نعمين يا بدر الحموله

يطايل اُومن شانك الطوله

يخويه وانا ماني ابجهوله

ولا تهمني نظرة هذولا

ولكن يسردال الحموله

شبّان اطالعهم ابدوله

لو كان الله لا يقوله

يجري عليهم إيه لولا

هالحرم منهو يرجعوله

أجابها أبو فاضل (عليه‌السلام ) :

لتبكين يا زينب لتبكين

ويش هلظنون اللي تظنين

يحميك هالصارم وليمين

بعدي انا ميلي على اِحسين

رجعت تاخذ بخاطره

لتلومني في شدّة الخوف

ماهو على نفسي يموصوف

هلقمار اخاف ايصيبها اخسوف

مختافه من ذكر لطفوف

فاطمة تخاطب أباها الحسين (عليه‌السلام ) :

يا ياب أريد أشم خدّك

أقسم عليك اِبجاه جدّك

خذني مع اِخواني اُولدك

شالسبب تفرقني عن أهلي

ترحل ولا اتدبر الطرف لي

بعدك يبويه ايضيع شملي

ماحد رزاه الدهر مثلي

٣٢٥

چني غريبة واجنبيّه

يا ياب دير الطرف ليّه

وانظر إلى اللي صار بيّه

ابانصب على افراقك عزيّه

بعدك محد يلتفت ليّه

اشوفك يبويه طاردني

واعن الحموله امباعدني

بعد لخلي النوح فنّي

ليلي اُو نهاري ما أونّي

يحسين ابويه يا غضنفر

سالم اُو متعدي من الشر

حالي بعدكُم حال أكشر

إتصيح فاطمة الكبيره

طرفك الي يحسين ديره

اُوخذني مع هذي العشيره

بنتك ترى ابشدة اُوحيره

وامصيبتي بعدك كبيره

يا ياب دير الطرف منّي

بنتك اُو كيف اتروح عنّي

والدهر باهمومه نحلني

امن النوح بعدك ما أونّي

جواب الحسين (عليه‌السلام ) لفاطمة الكبرى :

ردّي لدارك واحنا بانجيك

بنيتي غريبة ما نخليك

لابد من اِخوانك حد ايجيك

لازم يفاطم نرسل إليك

لو عمّك العبّاس ياتيك

قامت تودع للضحايا

اُو نزلوا عن اظهور المطايا

اُو تجري الدمع أكبر حرايا

قالت فاطمة :

يا بويه تتركني ذليله

يا والدي وانا عليله

عليكُم يبوسكنة دخيله

خل لي أخي عندي أشيله

يابويه ليّه اليوم حاجه

خل الطفل عندي اسراجه

ليضوي واَفرح بابتهاجه

فاطمة بعد ما رجعت :

يا دورهم ذيك المضيّه

رحلوا وخلّوها خليّه

٣٢٦

متى ترجعوا يا ياب ليّه

واتعود أوقاتي هنيّه

يا دورهم والله ماوطيك

واحلف يمين الشرع ماجيك

حتّى يجي يا دار راعيك

يا دورهم لغلق ابوابك

وحثي التراب اعلا اعتابك

واعتابك واكثر اعتابك

حتّى انا اسمع جوابك

يا دور وين اهلك اُوناسك

اُوين الذي علوا اساسك

ارى بعدهم مكسور باسك

انا شفت دار اهلي خليّه

جرت دمعتي غصب عليّه

واِمسيت في شدّة قويّه

اُونيران في قلبي لظيّه

وازدادت اهمومي عليّه

باسايلك يا دار جدّي

عن عزوتي بالله ردي

لعله تبرد نار كبدي

تراني على اهلي زاد وجدي

يا دار وين اهل المعالي

اُوين الذي يرفق ابحالي

ابن النّبي مولى الموالي

باسايلك ردي سؤالي

باعاتبك واكثر للعتاب

يا دور حيدر داحي الباب

في وين اهلي اهل لكتاب

فاطم بقت ما بين لجناب

انا كيف ما تبكي اعيوني

اُوهل كيف ما يصفر لوني

هلي سافروا ما ودعوني

شالوا هلي عنّي اُوجفوني

فريت لن الظعن شايل

وبويه ينخي للقبايل

ناديت أبويه وين شايل

قلّي اُودمع العين سايل

إلى كربلا هاليوم راحل

فيها انا امقيم اُونازل

فريت من نادي للمنادي

والضغن صاحت به الحوادي

ناديتهم والقلب صادي

والدمع بالخدّين غادي

بكى ناظري من يوم شدوا

اُو ركبوا اظهور الخيل مدوا

اُو عافوا ارض طيبة اُو تعدوا

اُو ساقوا الظعن سرعة اُوبعدوا

٣٢٧

اُو للغاضريّة ما تعدّوا

بس من غدوا ما عاد ردّوا

ساقوا الظعن واني توانيت

ولا ريضوا لي يوم فزيت

تبعت الأثر والصوت علّيت

واعثرت باثيابي اُوخرّيت

وبالحال قمت اُولا توانيت

جرى مدمعي والجيب شقيت

باسايلك يا دور عنهم

اهلك حموله اشظل منهم

في داعة الله يا ظعنهم

بسايل انا الركبان عنهم

أجابتها الدار :

قالت هلك لا ترقبيهم

يخلف عليك الله فيهم

شيلي البسط لا ترتجيهم

مامن اطروش اللي تصلهم

عن ضيم أحوالي تقلهم

يا ناس فاجعني محلهم

ولا ادري اباي بلدة نزلهم

غلق اِدياره اُوسافر اِحسين

ماشي اباخوانه ولبنين

اُو تبرى اله ذيك النساوين

ودوا كتب ليّه الملاعين

اِقدم يبن طاها اُوياسين

إنريدك تجي واتشيد الدين

انته خليفتنا اُوراضين

اُو زينب تقله نيتك وين

ابصحبتك لاوين ناوين

انا امنين جتني كربلا امنين

غلق منازلنا ولوطان

وقصده اراضي الشوم واحزان

طلعنا ابمعزة اُو قلب فرحان

اُو تبرى لنا بالدرب شبّان

اُوجات الكتب من اهل كوفان

اقدم يبن طاها اُوعدنان

غيرك لنا ما نريد سلطان

عجل تدارك دين ليمان

غلق ادياره ابن الزكيّه

شايل لارض الغاضريّه

واديارنا امست خليّه

وانا امسيت من اهلي خليّه

ولاظل لي منهم تكيّه

انا امنين جتني هالرزيّه

يها لناس شنهو البصر بيّه

راح الأبو من بين ايديّه

ولاظل من يحمي عليّه

متى اتعود بالوالي عليّه

٣٢٨

هِي روحتك لو بعد جيّه

اِبهذا الشهر غلّق انزوله

اُوهذي الأعادي كاتبوله

إنريدك علينا اِتصير مولى

مشى الكربلا اُوسرّج اِخيوله

بالدرب من حوله اشبوله

يابوي هالطلعة إلى وين

روعت قلبي اُوهملت العين

شايل ابنسوانك ولبنين

اُوخلّيت فاطم مالها امعين

مدري تجي لو يفجع البين

ما تخبروني يمته اتجون

والى منازلكُم تعودون

قطعنا الرجا منكُم ولظنون

اُو قلبي عليكُم صار محزون

بالدار ترموني اُو تمشون

على ويش يابويه تقطعون

يهلي تجوا لو اقطع الياس

ابقلبي على فرقاك هوجاس

إبعث إلي يا ياب عبّاس

ليت الزمان ايعود بيكُم

اُو يفرح اقليبي من مجيكُم

ولا طارش منّي يجيكُم

أبعث إليكُم لو اجيكُم

يا دورهم مالك خليّه

في وين اهلك هالعشيّه

وين الابو راعي الحميّه

ماحد لفى منهم اليّه

بالدار لنصب للعزيّه

اُواما تجي ليه المنيّه

اُو ترجع ارجالي عليّه

عنّي هلي شالوا ظعنهم

اُو شالوا حريم العز معهم

في داعة الله يا ظعنهم

الله ايساعد من فقدهم

علمي بهم من شدوا النوق

اُو قوّض ظعنهم بيهم ايسوق

واتبعتهم والجيب ممزوق

حرمه بلا ولينا ما تلوق

عنّي هلي شدوا على الخيل

اُوقام الظعن ماشي بهم شيل

ما بين تكبير اُو تهليل

واتبعتهم من غير تمهيل

شالت اسبوعي والرجاجيل

٣٢٩

يا دورهم كنتين مصباح

واليوم فيكُم اتهب لرياح

درسك يغبرا اتبدل انياح

راح الولي يا محنتي راح

واَمسى الدمع بالخدِّ سفّاح

بعدك لصك الراح بالرياح

٣٣٠

فيما يشتمل على مجيء الوفّاد على عاداتهم وسؤالهم عن الحسين (عليه‌السلام ) ، وجواب محمّد لهم :

جينا على ابيوت الرفيعين

بيت النّبي خير النبيين

اُو بيت الوصي حيدر أبو اِحسين

اُو بعد الذي بقيوا كريمين

مات الحسن بالسم واِحسين

شال ابهله مدري القصد وين

على اِحسين وا حزني على اِحسين

نادى اُو دمعاته بلخدود

في وين سافر راعي الجود

باقي البقيّة اُو خير مقصود

من بالوفا والكرم معدود

عسى بو علي لدياره ايعود

متى ايعود يا روحي متى ايعود

انا جيت ابغي بيت لكرام

قالوا إلى سافر من ايام

ولا تجي يوافد عقب هالعام

لَحد يمن للكرم قوام

ضاعت عقب عينك هليتام

جواب محمّد لهم :

نادى اُو دمع العين همّاي

مهو جاي يا وافد مهو جاي

سؤالك يوافد فتّت اِحشاي

نحل جثتي اُو زيد لِبلواي

ظلما المدارس والمساجد

على الباب لا توقف يوافد

وانكان لهل الكرم قاصد

روحوا اُوخلّوا شهر واحد

اُو طلبوا من الباري الواحد

يجي اِحسين واتعود العوايد

نادى اُو دمعاته جريّه

شدّوا رحلكُم عجل هيّه

اُوقصدوا أبو اكفوف السخيّه

ترى هو مشى للغاضريّه

٣٣١

من طلعته ما ليه جيّه

أطلب أنا ربّ البريّه

عسى الله يعود اِحسين ليّه

واتصير اُوقاتي هنيّه

واترد دولة لوليّه

متى ترجع اخواني عليّه

عنك الحكي والقول خله

انا ابغيك لكتابي تحمله

انكان يا وافد تدله

إلى عند ابو سكنة توصله

والى جيت لاعنده تسأله

في وين شال اُوحط رحله

عسى الله ايعود اِحسين بهله

اهل الكرم ذيك الأجله

شالوا لأرض الطفِّ جمله

اُو بيت الكرم اخلا محله

اُمّ البنين تخاطب محمّداً :

انته تون واني اجيبك

اباشق جيبي اُوشق جيبك

واطلب من الله كي يجيبك

يرجع حبيبي لي اُو حبيبك

أجابها محمّد :

نادى اُو منّه الدمع منثور

أنا نذر على جيّة هلي انذور

اُو قلبه من الأحزان مسعور

إنكان جوني هلك يا دور

لفرح وعيد وامتلي اسرور

وانحر نحاير وابسط الدور

عسى الله يرد هذيار لبدور

ليته ما هل اهلال عاشور

اُوخوفي اعلى عزي ابروح منحور

اُوصدره ايغدي بالخيل مكسور

اُوراسه ايغدي بالرمح مشهور

زينب تخاطب الحسين (عليه‌السلام ) حينما اعترضه ابن عبّاس :

يحسين خويه يا ولينا

يا نور مكّة والمدينه

منهو الذي بعدك الينا

ترضى يبعد أهلي علينا

نبقى غرايب بالمدينه

واتروح عنّا يا ولينا

قلها اُوصب ادموع عينه

عزيزك أبد متفارقيه

حتّى على الرمضا ترينه

عريان مقطوع وتينه

بلا راس اُو مقطوعة يمنه

اُوراسه ابرمح شايلينه

٣٣٢

حنّت اُوقالت يا ولينا

متى ترجعوا خويه المدينه

يحسين خويه يا شفيّه

باتروح لارض الغاضريّه

خوفي يرد دهري عليّه

وابقى غريبه واجنبيّه

قلها اُو دمعاته جريّه

ما فارقك يا هاشميّه

إلّا ابأرض الغاضريّه

أبقى على الرمضا رميّه

اُو صدري تدوسه الأعوجيّه

اُوراسي يعلا ابسمهريّه

وانتي تركبين المطيّه

اُو تمشي للطاغي هديّه

حنت اُو قالت وبه عليّه

يا سفرة القشرة عليّه

جتني المصايب طبق تلتم

أوّل مصيبة جدّي لكرم

اُوثاني امصيبه امصيبة الام

والثالثة بويه الغشمشم

والرابعه المقتول بالسم

وامصيبتك ياخوي اعظم

تبكي لها السبع العلى دم

امام شرع للدين منهج

شال ابهله بالسرع عجج

اُو لقلوبنا بالحزن اجج

كنها ابسهم البين تنزج

سافر ولينا قاصد الحج

يوم درى بالأمر أولج

شاف الأمر حاين اُو ملتج

طاف اُو سعى ما تمم الحج

ترى ضاق به رحب البسيطه

ما تمم الحج اُو شروطه

طاف اُو سعى

والبس مخيطه

* * *

٣٣٣

في أحوال مسلم بن عقيل (عليه‌السلام ) ووقوفه على باب طوعة بعدما خرج هائماً على وجهه من دار هاني بن عروة المذحجي.

طوعة تخاطبه :

اتنحى يها لواقف على الباب

وامضي لاشغالك ولسباب

نادى عليها بادمع سكّاب

انا غريب ضيفيني لك اثواب

اجازيك به في يوم لحساب

قالت اليه ابقلب لهاب

يهاذا اثار انته امن لعراب

نادى اُودمع العين سكّاب

يحرمه انا من بيت انجاب

اُو اصولنا طابت ولنساب

عمّي علي دحاي لبواب

لمضروب في وسطة المحراب

اُو طبّيت بلدتكُم على احساب

ابايع إلى بن داحي الباب

اُو خانوا ابعهدي كُل لصحاب

اُو ظلّيت انا ما بين اجناب

ولا لي ابهذي البلده احباب

اباقول واسمع ويش اقلك

اخبرني يهذا امنين اصلك

من اي محله كان اهلك

ابعث لهم حتّى يجوا لك

ويجون ويشوفون ذلك

أجابها مسلم :

نادى اُو يهمل مدمع العين

واصفق على اليسرى بليمين

أنا وين يا حرّة اُوهلي وين

هلي في مدينة آل ياسين

وانا ابلدكُم مالي امعين

واللي نحلني واهمل العين

كلّه يحرّة اِفراق لحسين

نقله اُودمع العين يسجم

انا شوف حالك يجلب الهم

٣٣٤

قلها اُوزاد ابقلبه الغم

اسمي يحره كان مسلم

أجابته طوعة :

اِشعلمك يمسلم قال تعبان

والجوع لاحقني اُوعطشان

جتنا الكتب من اهل كوفان

اقدم يبن طاها اُو عدنان

غيرك لنا ما نريد سلطان

والكل منهم للعهد خان

اُوبانت حقايدهم ولضغان

وانا اخاف اقتل برض كوفان

نادت اُو منها القلب وقاد

والدمع في الخدّين بداد

ادخل يمسلم يابن لمجاد

هالساع اجيب افراش ووساد

واتيك بالحاضر من الزاد

ولما رآها سألها عن ذلك :

يمه دهشني فعلك الحين

دايم ابا لحجره تدشّين

قالت اُو منها تهمل العين

يابني لا تسألني مهو زين

قلها دخبريني ولا تخفين

قالت ترى مسلم اتى الحين

يطلب الملجأ ماله امعين

أجابها بعد أن أصبح :

انا بطلع الساعة ولا عود

ولا عود ليكُم إلّا باجنود

نادت عليه ابقلب ممرود

قولك الي موقول محمود

هي نطفتك وانته من ايهود

طوعة تُخبر مسلماً عمّا قال ابنها :

يمسلم فضحني هالنغل فيك

يا نور عيني وين انا اخفيك

لو تنفدى بالروح لفديك

طوعة تشجّع مسلماً :

نادت اُودمعتها جريّه

احمل يمسلم يا شفيّه

اُوصول ابصولات قويّه

والحرب لو يحصل اليّه

لفديك والمنه عليّه

٣٣٥

مسلم أجابها :

نادى عليها والدمع سال

اُو قلبه غدا بالغضب شعال

الحرب جايز حق لرجال

والنوح فن ربات الحجال

لكن انا متذكر اهوال

يجوكُم حريم ما لها ارجال

كلهن سبايا فوق لجمال

اُو فيهم يتيمة تدهش البال

بليا غطا طوعة اُوبلا اظلال

اُولا من رأيتيها ابها لحال

قولي لها والدمع همّال

من غير ان تبدي لك اسؤال

عزك وقع ما بين لنذال

اُو في وسط رجليه شدوا احبال

ابوصيك يا طوعة ابوصايا

لا من لفوا ليكُم سبايا

اقمار لكنهم عرايا

حسرا على اظهور المطايا

بلغي سلامي والوصايا

اُو قولي يهل بيت الولايه

خانت ابمسلكُم دعايا

اُو ذبحوه ظامي ابلا جنايا

يقلها اُو دمعاته حديره

فيهم الي بنت صغيره

تبكي اُو مدامعها نثوره

يمقتول في وسط الحفيره

يا ليت حاضر له نصيره

لحسين بن عمه يجيره

جواب طوعة لمسلم :

نادت اُو دمعتها تهلها

بنتك يمسلم ويش دلها

اُوكم سنها قلّي وجلها

قصدي اضفها واحضن الها

اُوحق بالنياحة اسعد الها

حتّى أعزّيها بهلها

ويش حال طفلة ابلا اهلها

تكثر هضيمتها اُوذلها

جواب مسلم لطوعة :

إنكان تبغي اتوصفيها

اُو بتعملي المعروف فيها

إنطيها اثياب اُوستريها

ترى هي يطوعة امسلّبيها

إلى من لفت ليك احضنيها

اُوعلى حفرتي طوعة ارشديها

جواب طوعة لمسلم :

٣٣٦

يمسلم وصاتك تشعب الروح

خوفي عليك اتروح مذبوح

يا ليتني أبذل لك الروح

نادت وادمعتها جريّه

ذوبتني ابهاذي الوصيّه

اُوخليت كبدي ملتظيّه

توصيني ابحال البنيّه

اتجي الكوفة اعلى المطيّه

ذكرها يزيد الحزن ليّه

إذا شفتها اتمنى المنيّه

ويش حال طفله ابها الأذيّه

مسلم يخبر طوعة :

اينادي اُومنه تهمل العين

لازم يطوعة ما تشوفين

يتامى اُو حرم فوق البعارين

كلهم اسارى ما لهم امعين

واللي نحلني اُوزاد همي

افراقي يطوعة لبن عمّي

على وحدته ياعين دهمي

يوم عبوس ايجيه علمي

يطوعة اُو قدّام الظعينه

باقي البقيّة امقيدينه

يحرق حشى اليسمع ونينه

ويّاه نسوة ايساعدونه

اينادون ضيعنا ولينا

منهو يردنا للمدينه

مسلم عند ابن زياد :

يمسلم سلم واحتشم زين

وقله يمير المؤمنين

احنا تحت أمرك امطيعين

مسلم تكلم واحلف ايمين

اُوحق الذي كون الكونين

ما لي امير غير لحسين

ذاك ابن عمّي اُوقرّة العين

لكن وين اللي لنا امعين

واجره على الإسلام والدين

ينقل وصاتي اُو يحتفظ زين

نهض ابن سعد وابدى التعلين

اُوقلّي على اَسرارك أمين

وصني تراني اِمن المحبين

قلّه اُوصيك ابوصيتين

تبيع الدرع والسيف لثمين

اُو تفضي المراد اُو توفي الدين

والثانية تبعث إلى اِحسين

يرجع ولا يجي للملاعين

لمن سمع نغل الخبيثين

قال اصعدوا به القصر هالحين

٣٣٧

وارموه مرضوض الجبينين

اُوصلت أخباره عند لحسين

نادى اُوظل يبكيه في الحين

يصفق على ايساره وليمين

راحت ارجالي ولمحبين

اُوخلصوا عمامي والمودين

ضجت خواته بالصياوين

اُوصارت لهم ضجات واحنين

اُو زينب تنادي يا ضيا العين

زينب تندب مسلماً :

علمك يبو طاهر لفاني

اُو حزنك على الصارم اُواني

اُوفرقاك ما هو بالهواني

ليت القبر قبلك حواني

ولا اسمع ابعلمك يا اماني

اشوف الدهر بيكُم رماني

اُوهبط لراسي وابتلاني

ترى امصيبتك هدت اركاني

واجرت دموعي من اجفاني

طاهر تزفر بالغضب زار

واهملت عينه ابدمع نثار

ويقول يا كشافة العار

نمتوا طبق من ياخذ الثار

بان اليتم واحنا ترى اصغار

بوجوهنا حلت الاكدار

علينا ولا مخلوق نغار

اُوكلمن يجينا طالب اُوثار

اُو زينب تصب الدمع مدرار

تجري مثل جاري الانهار

واتقول اخويه اِحسين بس صار

ابعرض الطريق اُوجاته اخبار

مسلم ذبح بالكوفة اجهار

واصفق على اليمنى بليسار

ياحيف بان الانكسار

بوجوهنا ووجوه لنصار

* * *

٣٣٨

زينب تخاطب أخاها الحسين (عليه‌السلام ) بعدما وصلهم خبر وفاة مسلم :

طلعنا اُو طلعتنا سويّه

ماشين لارض الغاضريّه

تحوي ابدوري بالسويّه

اُو تحوي لشموسي المضيّه

يا حالة القشرا عليّه

يحسين يا راعي الحميّه

ما رايحين لأرض الغاضريّه

اِنظر مدامعنا جريّه

انا خايفه تبقى رميّه

عاري اُوتدوسك لعوجيّه

اُوراسه ابراس السمهريّه

وانروح للطاغي هديّه

اُو ندخل على شر البريّه

يحسين ردنا للمدينه

اُوشوف العدا خانت علينا

ذبحوا لمسلم يا ولينا

اُوكنه الدهر جاير علينا

وانخاف خويه يسلبونا

بالعجل رد ابهالظعينه

نادى اُوصب ادموع عينه

قلها يزينب يا حزينه

ما اقدر اردك للمدينه

ارجوعها صعب علينا

حال القضا بيني اُو بينه

من صحة الاخبار واعلام

من ذبح مسلم نسل لكرام

عند السبط حجة العلام

حن اُوتزفر اُو بالعجل قام

من مجلسه واقصد للخيام

اُو كانت لمسلم بنت اكرام

عمرها ثمان اسنين وايام

دعاها اُو قربها يلسلام

على ناصيتها مسح والهام

بالشر حست والبكى قام

٣٣٩

والدمع فوق الخد سجام

قالت يعمّي اُو خير لعمام

خليفة علي زراق لرخام

اراك افعلت بي فعل ليتام

أظنّه اُبويه ضاق لحمام

وامن المنايا صابته اسهام

قلها اُو دمع العين سجام

انا ابوك وابناتي طبق عام

اخواتك اُو رب الجود وانعام

ولا خاطرك بالهم ينظام

واخوانها كُل من سمع قام

اُوذبوا العمايم والبكى قام

اُو صارت الضجه وسط لخيام

اُو زينب تصيح ابدمع سجام

اتقول مسلم يبن لعمام

علمك لفانا والقلب هام

داروا عليك ابخيل واعلام

كلهم كفر ما فيهم إسلام

واصبح علم ما هوه باحلام

الحسين (عليه‌السلام ) يكلّم بنت مسلم :

قلّها اُودمع العين كالعين

أبو السادة العز الميامين

إلى بنت مسلم يا محبّين

حميدة يبنتي ما تسمعين

كلامي اُو قولي لك ابا لحسين

وعدتك اُو قولي له تفهمين

بناتي خواتك واسمعي زين

تسكتي يبنتي لا تنوحين

واما البكى بطلي ولحنين

يبنتي اظن بس ما توثقين

قالت يعمّي ياضيا العين

انا واثقه لكن يحسين

خوفي انا من غدرة البين

نبقى بلا امحامي ولا امعين

وأبقى خليّة من الاثنين

بويه قتل وانته بعد حين

وأمسي يتيمة من هلثنين

اُو زينب تنادي اُو تذرف العين

واتنوح له من قلب احزين

على امصيبتك يا قرّة العين

* * *

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418