المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة الجزء ٤

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة37%

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 142

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 142 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41262 / تحميل: 4992
الحجم الحجم الحجم
المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

دينك(١) وإنْ قرُبت قرابته ؛ فإنّك إذا فعلت ذلك لم تزل وجلاً ، وكان المستَودَع بالخيار في الوفاء بالعهد , وكنتَ له عبداً ما بقيت , فإنْ جنى عليك كنت أولى بذلك ، وإنْ وفى كان الممدوح دونك. وكان قسٌّ لا يستودع دينه أحداً.

وروى ابن عيّاش في مقتضب الأثر ، بسنده عن الجارود بن المنذر العبدي , قال : وفدتُ على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في رجال من عبد القيس , فأقبل علينا النّبيُّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , وقال : (( أفيكم مَن يعرف قسَّ بن ساعدة الأيادي ؟ )). قُلتُ : يا رسول الله , كُلّنا نعرفه ، غير أنّي من بينهم عارف بخبره واقف على أثره , وهو القائل بسوق عُكاظ : شرقٌ وغرب ، ويابسٌ ورطب , وأجاجٌ وعذب ، وحبٌّ ونبات , وجمعٌ وأشتات ، وذهابٌ وممات , وآباء واُمّهات ، وسرورُ مولودٍ ورزءُ مفقود. بؤساً لأرباب الغفلة ! ليُصلحنَّ العامل عمله قبل أنْ يفقد أجله.

ثمّ أنشأ يقول :

ذَكَّرَ القلبَ منْ جَواهُ ادّكارُ

وليالٍ خلا لهُنَّ نهارُ

وشموشٌ منْ تحتِها قمرُ اللّيـ

ـلِ وكلُّ متابعٍ موَّارُ

وجبالٌ شَوامخٌ راسياتٌ

وبحارٌ مياههُنَّ غِزارُ

وصغيرٌ وأشمطٌ ورضيعٌ

كلُّهُمْ في الصَّعيدِ يوماً بوارُ

كلُّ هذا هو الدَّليلُ على اللـ

ـهِ ففيهِ لنا هُدىً واعتبارُ

ثمّ صاح قسٌّ ، فقال : يا معشر إياد , أين ثمود ، وأين عاد ؟ وأين الآباء والأجداد ؟ فويلٌ لـمَنْ صدف عن الحقّ الأشهر ، وكذّب بيوم المحشر ! ثمّ آب يُكفكف دمعه ، وهو يقول :

____________________

(١) قال الصّدوق : أمر بالتّقيّة في دينه. - المؤلّف -

٢١

أقسمَ قسٌّ قسما

ليسَ بهِ مُكتتمَا

لو عاشَ ألفَي سنةٍ

لمْ يلقَ منها سَأمَا

حتَّى يُلاقي أحمَداً

والنُّقباءَ الحُكمَا

هُمْ أوصياءُ أحمدٍ

أكرمَ مَنْ تحتَ السَّما

يَعمَى العبادُ عنهُمُ

وهُمْ جلاءٌ للعَمَى

لستُ بناسٍ ذِكرَهُمْ

حتّى أحلَّ الرَّجما

لقد صدق قسٌّ في قوله :

يَعمَى العبادُ عنهُمُ

وهُمْ جلاءٌ للعَمَى

فقد عمي العباد عن أهل البيت (عليهم‌السلام ) ولم يعرفوا حقّهم , وأخروهم عن مقامهم وهم أحد الثّقلين اللذين لا يضلّ المتمسك بهما , ومثل باب حطّةٍ الذي مَن دَخله كان آمناً , ومثل سفينة نوح التي مَنْ رَكبها نجا ومَن تخلف عنها هوى. فياويل اُمّةٍ لم ترعَ لهم حقوقهم ، وعادتهم ونابذتهم حتّى أصبحوا وهم :

مُحلَّؤون فأصفَى شُربِهمْ وشلٌ

عند الورودِ وأوفَى وِردِهمْ لممُ

ولم تكتفِ بذلك حتّى قاتلتهم ؛ فحاربت سيّدهم علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) , ثمّ قتلته وهو يُصلّي لربّه في محرابه , وأنخت على ولديه الحسن والحسين (عليهما‌السلام ) بالظّلم والجور , فحاربت الحسن (عليه‌السلام ) واضطرّته إلى ترك حقّه , ثمّ دسّت إليه السّمَّ حتّى مات شهيداً مسموماً , ومنعت من دفنه عند جدّه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , ونازعت أخاه الحسين (عليه‌السلام ) حقّه وأخافته حتّى اضطرّته إلى مفارقة مدينة جدّه خائفاً يترقّب , ودسّت إليه الرّجال لتغتاله في حرم الله الذي يأمن فيه الوحش , فاضطرّته إلى الخروج للعراق , وغدر به أهل الكوفة ، وجرّدوا لقتاله ثلاثين ألفاً ,

٢٢

وأحاطوا به حتّى منعوه التّوجه في بلاد الله العريضة , ومنعوه وأطفاله ونساءه وصبيته من ماء الفرات الجاري حتّى قتلوه عطشان ظامياً.

فعلتُمْ بأبناءِ النَّبيِّ ورهطهِ

أفاعيلَ أدناها الخيانةُ والغدرُ

المجلس السّابع عشر بعد المئتين

قال الله تعالى في سورة البقرة :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ ) إلى قوله تعالى :( شَهْرُ رَمَضَانَ الّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنّاسِ وَبَيّنَاتٍ مِنَ الْهُدى‏ وَالْفُرْقَانِ ) (١) .

قال الإمام الباقر (عليه‌السلام ) : (( خطب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) النّاس في آخر جمعة من شعبان , فحمد الله وأثنى عليه , ثمّ قال : أيّها النّاس , قد أظلّكم شهرٌ فيه ليلةُ القدرِ خيرٌ من ألفِ شهرٍ ، وهو شهر رمضان ؛ فرض الله صيامه ، وجعل قيام ليلة فيه بتطوِّعٍ صلاة سبعين ليلة , فمَن تطوَّع فيها كان كمَن تطوَّع بصلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشّهور , وجعل لِمَن تطوّع فيه بخصلةٍ من خصال الخير والبرِّ كأجر مَنْ أدّى فريضةً من فرائضِ الله , ومَن أدّى فيه فريضةً من فرائضِ الله كان كمَنْ أدّى سبعين فريضة فيما سواه من الشّهور ، وهو شهرٌ يزيد الله فيه رزق المؤمنين. ومَنْ فطّر فيه مؤمناً صائماً كان له بذلك عند الله عزّ وجل عتقُ رقبةٍ ، ومغفرةُ الذّنوب فيما مضى.

فقيل : يا رسول الله , ليس كلّنا نقدر أنْ نُفطّر صائماً. فقال : إنّ الله تبارك وتعالى كريم , يُعطي هذا الثّواب منكم مَنْ لم يقدر إلّا على مذقةٍ من لبن ففطّر بها صائماً ، أو شربةِ ماءٍ عذبٍ، أو تُميراتٍ لا يقدر على أكثر من ذلك. ومَن خفَّف فيه عن مملوكه ، خُفِّف عنه حسابه.

____________________

(١) سورة البقرة / ١٨٣ - ١٨٥.

٢٣

وهو شهر أوّله رحمة ، ووسطه مغفرة ، وآخره إجابة والعتق من النّار. ولا غنى بكم فيه عن أربع خصال : خصلتين ترضون الله بهما , وخصلتين لا غنى بكم عنهما ؛ أمّا اللتان ترضون الله بهما ، فشهادة أنْ لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله ؛ وأمّا اللتان لا غنى بكم عنهما ، فتسألون الله حوائجكم والجنّة , وتسألون فيه العافية , وتتعوذون فيه من النّار )).

ألا لعن الله ابن ملجم الذي فجع الإسلام والمسلمين بسيّد الأوصياء في شهر رمضان , فضربه وهو يُصلّي في محرابه ضربة وصلت إلى موضع سجوده.

أفي شهرِ الصِّيامِ فجَعْتمُونا

بخيرِ النَّاسِ طُرّاً أجمعينَا

ومنْ بعدِ النَّبيِّ فخيرُ نفس

أبو حسنٍ وخيرُ الصَّالحينَا

لقدْ علمتَ قريشٌ حيثُ كانتْ

بأنّكَ خيرُها حسَباً ودينَا

المجلس الثّامن عشر بعد المئتين

قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) : (( خطَبنا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فقال : أيّها النّاس , إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرّحمة والمغفرة , شهر هو عند الله أفضل الشّهور ، وأيّامه أفضل الأيّام ، ولياليه أفضل الليالي ، وساعاته أفضل السّاعات. [ شهرٌ ] دُعيتم فيه إلى ضيافة الله وجُعلتم فيه من أهل كرامته ؛ أنفاسكم فيه تسبيح ، ونومكم فيه عبادة ، وعملكم فيه مقبول ، ودعاؤكم فيه مُستجاب , فاسألوا ربّكم بنيّات صادقة وقلوب طاهرة أنْ يُوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه ؛ فإنّ الشّقي مَن حُرم غفران الله في هذا الشّهر العظيم. واذكروا بجُوعكم وعطشكم فيه جُوعَ يوم القيامة وعطشه , وتصدّقوا على فقرائكم ومساكنيكم , ووقّروا

٢٤

كباركم ، وارحموا صغاركم ، وصلوا أرحامكم ، واحفظوا ألسنتكم , وغضّوا عمّا لا يحلُّ النّظر إليه أبصاركم ، وعمّا لا يحلُّ الاستماع إليه أسماعكم ، وتحنَّنوا على أيتام النّاس يُتحنَّن على أيتامكم , وتوبوا إلى الله من ذنوبكم , وارفعوا إليه أيديكم بالدّعاء في أوقات صلواتكم ؛ فإنّها أفضل السّاعات ، ينظر الله عزَّ وجل فيها بالرّحمة إلى عباده , يُجيبهم إذا ناجوه ، ويُلبِّيهم إذا نادوه ، ويُعطيهم إذا سألوه ، ويستجيبُ لهم إذا دعوه.

يا أيّها النّاس , إنّ أنفسكم مرهونةٌ بأعمالِكم ففكّوها باستغفاركم , وظهورَكم ثقيلةٌ من أوزاركم فخفِّفوا عنها بطول سُجودكم. واعلموا أنّ الله تعالى ذكرُه أقسم بعزَّته أنْ لا يُعذِّب الـمُصلِّين والسّاجدين , وأنْ لا يُروِّعهم بالنّار يوم يقومُ النّاس لربِّ العالمين.

أيّها النّاس , مَن فطّر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشّهر كان له بذلك عتق رقبة ، ومغفرة لِما مضى من ذنوبه. فقيل : يا رسول الله , وليس كُلّنا يقدر على ذلك. فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : اتّقوا الله ولو بشق تمرة , اتّقوا الله ولو بشربة من ماء.

أيّها النّاس ، مَن حسّنَ منكم في هذا الشّهر خُلقَه , كان له جواز على الصّراط يوم تزلُّ فيه الأقدام ، ومَن خفّف في هذا الشّهر عمّا ملكت يمينه , خفّف الله عنه حسابه ، ومَن كفّ فيه شرّه , كفّ الله عنه غضبه يوم يلقاه ، ومَن أكرم فيه يتيماً , أكرمه الله يوم يلقاه ، ومَن وصل فيه رحِمه , وصله الله برحمته يوم يلقاه ، ومَن قطع فيه رحمه , قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه ، ومَن تطوَّع فيه بصلاة , كتب الله له براءة من النّار ، ومَن أدّى فيه فرضاً , كان له ثواب مَن أدّى سبعين فريضة فيما سواه من الشّهور ، ومَن أكثر فيه من الصّلاة عليَّ , أثقل الله ميزانه يوم تخفُّ الموازين ، ومَن تلا فيه آية من القرآن , كان له مثلُ أجرِ مَن ختم القرآن في غيره من الشّهور.

أيّها النّاس , إنّ أبواب الجنان في هذا الشّهر مُفتَّحةٌ , فاسألوا ربّكم أنْ لا يغلقها عنكم ، والشّياطين مغلولةٌ , فاسألوا ربّكم أنْ لا يُسلِّطها عليكم )).

فقال أمير

٢٥

المؤمنين (عليه‌السلام ) : (( فقمت وقلتُ : يا رسول الله , ما أفضل الأعمال في هذا الشّهر ؟ فقال : يا أبا الحسن , أفضلُ الأعمال في هذا الشّهر الورع عن محارم الله. ثمّ بكى ، فقلتُ : يا رسول الله, ما يُبكيك ؟ قال : يا علي , أبكي لِما يُستحلُّ منك في هذا الشّهر ؛ كأنّي بك وأنت تُصلِّي لربّك وقد [ انبعث ] أشقى الأوّلين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود , فضربك ضربةً على قرنك فخضب منها لحيتك )). قال أمير المؤمنين (ع ) : (( فقلتُ : يا رسول الله , وذلك في سلامة من ديني ؟ فقال : في سلامة من دينك. ثمّ قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : يا علي , مَن قتلك فقد قتلني ، ومَن أبغضك فقد أبغضني ، ومَن سبّك فقد سبّني ؛ لأنّك منّي كنفسي ، روحك من روحي وطينتك من طينتي. إنّ الله خلقني واصطفاني وإيّاك ، واختارني للنّبوة واختارك للإمامة )).

لقد أراقُوا ليلةَ القدرِ دماً

دماؤُها انصببن بانصبابِهِ

غادرُهُ ابنُ مُلجمٍ ووجهُهُ

مُخضَّبٌ بالدَّمِ في محْرابِهِ

قتلتُمُ الصَّلاةَ في مِحْرابِها

يا قاتلِيهِ وهوَ في محرابِهِ

المجلس التاسع عشر بعد المئتين

جاء أعرابي إلى النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في عام جدب , فقال : أتيناك ولم يبقَ لنا صبيٌّ يرتضع ، ولاشارف ( أي : ناقة ) تجتر.

ثمّ أنشد :

أتيناكَ والعذراءُ يَدمَى لبانُها

وقد شُغِلتْ اُمُّ الرَّضيعِ عن الطَّفلِ

وألفَى بكفَّيهِ الفتَى لاستكانةٍ

من الجُوعِ حتّى ما يُمِرُّ ولا يُحلي

وليسَ لنا إلّا إليكَ فِرارُنا

وأينَ فرارُ النَّاسِ إلّا إلى الرُّسْلِ

فقام النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يجرّ رداءه حتّى صعد المنبر ، فحمد

٢٦

الله وأثنى عليه , وقال : (( اللهمّ , اسقنا غيثاً مغيثاً ، مريئاً هنيئاً ، مريعاً سحّاً ، سجّالاً غدقاً , تُحيي به الأرض وتُنبتُ به الزّرع وتدرُّ به الضّرع , واجعله سقياً نافعاً عاجلاً غير رائث )). فما ردّ يده إلى نحره حتّى ألقت السّماء أرواقها ، وجاء النّاس يضجون : الغرق الغرق يا رسول الله ! فقال: (( اللهمّ ، حوالينا ولا علينا )). فانجاب السّحاب عن المدينة حتّى استدار حولها كالإكليل, فضحك رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حتّى بدت نواجذه , ثمّ قال : (( لله درّ أبي طالب ! لو كان حيّاً لقرّت عينُه. مَن يُنشدنا قوله ؟ )). فقام علي (عليه‌السلام ) , فقال : (( يا رسول الله , لعلك أردت : وأبيضَ يُستسقَى الغَمامُ بوجهِهِ ؟ )). فقال : (( أجل )). فأنشده أبياتاً من هذه القصيدة , ورسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يستغفر لأبي طالب على المنبر.

وفي هذه القصيدة يقول أبو طالب :

وأبيضَ يُستسقَى الغَمامُ بوجهِه

ثِمالُ اليَتامَى عصمةٌ للأراملِ

تلوذُ بهِ الهُلاّكِ منْ آلِ هاشم

فهُمْ عندَهُ في نعمة ٍوفواضلِ

كذبتُمْ وبيتِ اللهِ نُخْلي محمَّداً

ولـمّا نُطاعنْ دونَهُ ونُناضلِ

وننصرُهُ حتّى نُصرَّعَ حولَهُ

ونذهلُ عن أبنائِنا والحلائِل

ثمّ قام رجل من كنانة فأنشده :

لك الحمدُ والحمدُ ممَّنْ شَكَرْ

سُقينا بوَجهِ النَّبيِّ الـمَطرْ

دعا اللهَ خالقَهُ دعْوةً

إليهِ وأشخصَ منهُ البصَرْ

فما كانَ إلّا كما ساعةٍ

أو اقْصرَ حتّى رأينا الدِّرَرْ

فكانَ كما قالَهُ عمُّهُ

أبو طالبٍ ذو رواءٍ غَزَرْ

به يسَّرَ اللهُ صوتَ الغَمامْ

فهذا العيانُ وذاك الخَبَرْ

فمَنْ يشْكُرِ اللهَ يلقَ المزيدَ

ومَنْ يكفُرِ اللهَ يلقَ الغِيَرْ

فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( إنْ يكُ شاعرٌ أحسنَ فقدْ أحسنتْ )).

وللشعر في

٢٧

مدح النّبي وآله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مزيّة عالية.

قال الإمام الصّادق (عليه‌السلام ) لأبي عمارة المنشد : (( أنشدني في الحسين بن علي )). قال : فأنشدتُه فبكى , ثمّ أنشدتُه فبكى ، فوالله , ما زلتُ أنشده فيبكي حتّى سمعت البكاء من الدّار.

وأنشد دعبل [ الخُزاعي الإمامَ ] الرّضا (عليه‌السلام ) قصيدته التّائية التي يقول فيها :

مدارسُ آياتٍ خَلَتْ منْ تلاوةٍ

ومنزلُ وحيٍ مُقفَرُ العَرَصاتِ

فلمّا بلغ إلى قوله :

لقدْ خفتُ في الدُّنيا وأيّام سَعْيها

وإنّي لأرجُو الأمنَ بعدَ وفاتي

قال الرّضا (عليه‌السلام ) : (( آمنك الله يوم الفزَعِ الأكبر )). وحسبُ دعبلٍ هذا الدّعاء من الرّضا (عليه‌السلام ).

بكَتْ السَّماءُ دماً عليهِ فليسَ منْ

عُذرٍ لذي طرفٍ بدمعٍ يبخَلُ

المجلس العشرون بعد المئتين

قال الله تعالى مُخاطباً نبيّه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) :( فَأَمّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ) (١) . أي : لا تقهره على ما له فتذهب بحقّه لضعفه كما كانت تفعل العرب في أمر اليتامى. والخطابُ للنبيِّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) والمراد جميع الـمُكلّفين. وكان النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يُحسن إلى اليتامى ويبرّهم ويُوصي بهم.

وأتى النّبيَّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) غلامٌ , فقال : غلامٌ يتيمٌ ، واُخت لي يتيمة ، واُمّ لي أرمَلة , أطعمنا ممّا أطعمك الله ، أعطاك الله ممّا عنده حتّى ترضى. قال : (( ما أحسن ما قلتَ يا غُلام ! اذهب يا بلال فائتنا بما كان عندنا )). فجاء بواحدة وعشرين تمرة , فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( سبعٌ لك ، وسبعٌ لاُختك ، وسبعٌ لاُمّك )).

____________________

(١) سورة الضّحى / ٩.

٢٨

فقام إليه معاذ بن جبل فمسح رأسه , وقال : جَبرَ اللهُ يتمك ، وجعلك خلفاً من أبيك - وكان من أبناء المهاجرين -. فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( رأيتُك يا معاذ وما صنعت )). قال : رحمته. قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( لا يلي أحدٌ منكم يتيماً فيُحسن ولايته ، ووضع يده على رأسه إلّا كتب الله له بكلِّ شعرةٍ حسنة , ومحى عنه بكلِّ شعرةٍ سيئة , ورفع له بكلِّ شعرة درجة )). وعنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( مَن مسح على رأس يتيم , كان له بكلِّ شعرةٍ تمرُّ على يده نورٌ يوم القيامة )). وقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنّة إذا اتّقى الله عزّ وجل )). وأشار بالسّبابة والوسطى. وعنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( إنّ اليتيم إذا بكى اهتزّ لبكائه عرش الرّحمن )).

فليت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لا غاب عن يتامى ولده أبي عبد الله الحسين (عليه‌السلام ) ليلة الحادي عشر من الـمُحرّم حين باتوا عطاشى جياعى ، بلا محامٍ ولا كفيل ، قد علا بكاؤهم وارتفع صراخهم لفقد الكافل والمحامي , وهم يرون كافلهم والمحامي عنهم ملقىً على وجه الصّعيد جثّة بلا رأس , وكفيلهم بعده زين العابدين (عليه‌السلام ) عليل مريض لا يستطيع النّهوض , وليس عندهم غير نساء دأبهنَّ النّوح والبكاء ، ولكن زينب العقيلة ، لبوة أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) ، قامت باُمورهم, فمرّضت العليل ، وسكّتت الطّفل ، وسلّت الحزين ، وقامت في ذلك مقام الرّجال.

هذي يتاماكُمْ تلوذُ ببعضِها

ولكمْ نساءٌ تلتجي لنِساءِ

المجلس الواحد والعشرون بعد المئتين

روى المدائني قال : لـمّا كان زمن علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) , ولي زياد بن أبيه بلاد فارس فضبطها ضبطاً صالحاً ، وجبى خراجها وحماها , وعرف

٢٩

ذلك معاوية فكتب إليه : وأمّا بعد , فإنّه غرّتك قلاع تأوي إليها ليلاً كما تأوي الطّير إلى وكرها، وأيم الله , لولا انتظاري بك ما الله أعلم به لكان لك منّي ما قاله العبد الصّالح ( أي : سُليمانعليه‌السلام )( فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ) (١) .

فلمّا ورد الكتاب على زياد , قام فخطب النّاس وقال : العجب من ابن آكلة الأكباد ورأس النّفاق ، يُهددني وبيني وبينه ابن عمِّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , وزوج سيّدة نساء العالمين ، وأبو السّبطين , وصاحب الولاية والمنزلة والإخاء في مئة ألف من المهاجرين والأنصار ، والتّابعين لهم بإحسان ! أما والله , لو تخطَّى هؤلاء أجمعين إليّ لوجدني ضرّاباً بالسّيف. ثمّ كتب إلى أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) بذلك ، وبعث بكتاب معاوية في كتابه.

فكتب أليه أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) : (( أمّا بعد , فإنّي قد ولّيتُكَ ما ولّيتك وأنا أراك لذلك أهلاً, وإنّ معاوية كالشّيطان الرّجيم يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه وعن شماله , فاحذره ثمّ احذره , والسّلام )).

فلم يزل زياد في عمله حتّى قُتل علي (عليه‌السلام ) ، فخاف معاوية جانبه وأشفق من ممالأته الحسنَ بن علي (عليهما‌السلام ) , فكتب إليه : من أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان إلى زياد بن عبيد : أمّا بعد , فإنّك عبدٌ كفرت النّعمة , وظننت أنّك تخرج من قبضتي ولا ينالك سلطاني ، هيهات ! ما كلّ ذي لبٍّ يُصيب رأيه ، ولا كلّ ذي رأي ينصح في مشورته. أمس عبد واليوم أمير ، خطّة ما ارتقاها مثلك يابن سُميّة , فإذا أتاك كتابي هذا , فخُذ النّاس بالطّاعة والبيعة , والسّلام.

فلمّا ورد الكتاب على زياد , غضب غضباً شديداً ، وجمع النّاس وصعد المنبر ، فحمد الله ، ثمّ قال : ابن آكلة الأكباد وقاتلة أسد الله , ومظهر الخلاف ومسرّ النّفاق ورئيس الأحزاب , ومَن أنفق ماله في إطفاء نور الله , كتب إليّ

____________________

(١) سورة النّمل / ٣٧.

٣٠

يرعد ويبرق عن سحابة جفل(١) لا ماء فيها , وعمّا قليل تُصيّرها الرّياح فزعاً(٢) , كيف أرهبه وبيني وبينه ابن بنت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ( يعني : الحسنعليه‌السلام ) ، وابن ابن عمّه في مئة ألف من المهاجرين والأنصار ؟! والله , لو أذن لي فيه أو ندبني إليه لأريته الكواكب نهاراً. الكلام اليوم ، والجمع غداً ، والمشورة بعد ذلك إن شاء الله.

ثمّ نزل وكتب إلى معاوية : أمّا بعد , فقد وصل إليّ كتابك يا معاوية , وفهمت ما فيه , فوجدتك كالغريق يُغطّيه الموج فيتشبث بالطُحلُب(٣) ( وهو : الخضرة التي تعلو الماء المزن ) ، ويتعلّق بأرجل الضّفادع طمعاً في الحياة , فامض الآن لطيّتك(٤) ، واجتهد جهدك , ولا أجتهد إلّا فيما يسوؤك , والسّلام.

فلمّا ورد كتاب زياد على معاوية غمّه وأحزنه , وبعث إلى المغيرة بن شعبة فخلا به , وقال : يا مغيرة , إنّي اُريد مشاورتك في أمر أهمّني. قال المغيرة : وما ذاك ؟ قال : إنّ زياداً قد أقام بفارس , وهو رجل ثاقب الرّأي ، ماضي العزيمة ، جوّال الفكر , وقد خفت منه الآن ما كنت آمنُه إذ كان صاحبه حيّاً ، وأخشى ممالأته حسناً , فكيف السّبيل إليه ؟ قال المغيرة : أنا له إنْ لم أمت ، إنّ زياداً رجل يُحب الشّرف والذّكر وصعود المنابر , فلو لاطفته المسألة وألنت له الكتاب , لكان لك أميل وبك أوثق , فاكتب إليه وأنا الرّسول.

فكتب إليه معاوية : من معاوية بن أبي سفيان إلى زياد بن أبي سفيان ، أمّا بعد ، فإنّ المرء ربما طرحه الهوى في مطارح العطب , وحملك سوء ظنّك بي وبغضك لي على أنْ عققت قرابتي ، وقطعت رحمي ، وبتّت نسبي حتّى كأنّك لست

____________________

(١) سحابة جَفْل ، بالفتح فالسكون : أي أمطرت ماءها.

(٢) القزع ، بفتحتين : قطع من السّحاب.

(٣) بضم الطّاء واللام أو كسرهما أو بضم الطّاء وفتح اللام.

(٤) لحاجتك. - المولّف -

٣١

أخي ، وليس صخر بن حرب أباك وأبي , وشتّان ما بيني وبينك ؛ أطلب بدم ابن أبي العاص ( يعني عثمان ) وأنت تُقاتلني ؟! فاعلم أبا المغيرة , إنّك لو خضت البحر في طاعة القوم ، فتضرب بالسّيف حتّى ينقطع متنه لما ازددت منهم إلّا بُعداً ؛ فإنّ بني عبد شمس أبغض إلى بني هاشم من الشّفرة إلى الثّور الصّريع وقد اُوثق للذبح ، فارجع إلى أصلك واتّصل بقومك. ووعده بالإمرة والصّلة.

فرحل المغيرة بكتاب معاوية حتّى قدم على زياد , فدفع إليه الكتاب فجعل يتأمّله ويضحك , ثمّ جمع النّاس بعد يومين أو ثلاثة , فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أيّها النّاس , ادفعوا البلاء ما اندفع عنكم , وارغبوا إلى الله في دوام العافية لكم , فقد نظرتُ في اُمور النّاس منذ قُتل عثمان وفكّرت فيهم ، فوجدتهم كالأضاحي في كلّ عيد يُذبحون , ولقد أفنى هذا اليومان - يوم الجمل وصفّين - ما ينيف على مئة ألف , كلّهم يزعم أنّه طالب حقٍّ وتابع إمام وعلى بصيرة من أمره , فإنْ كان الأمر هكذا , فالقاتل والمقتول في الجنّة. كلاّ ليس كذلك ، ولكن أشكل الأمر والتبس على القوم , وإنّي لخائف أنْ يرجع الأمر كما بدأ , وقد نظرت في أمر النّاس فوجدتُ أحمَدَ العاقبتين العافية , وسأعمل في اُموركم ما تحمدون عاقبته ومغبّته إنشاء الله. ثمّ نزل، وكتب إلى معاوية :

أمّا بعد ، فقد وصل كتابك مع المغيرة بن شعبة وفهمت ما فيه , فالحمد لله الذي عرّفك الحقَّ وردّك إلى الصّلة , ولقد قمتُ يوم قرأتُ كتابك مقاماً يعبأ به الخطيب الـمِدْرَه ( أي : الـمُقدِم في اللسان ) , فتركت مَن حضر لا أهلَ وردٍ ولا صدر , كالمتحيرين بمهمهٍ ضلَّ بهم الدّليل , وأنا على أمثال ذلك قدير.

وكتب في أسفل الكتاب :

إذا معشَري لمْ ينْصفُوني وجدْتَني

اُدافعُ عنِّي الضَّيمَ ما دُمْتُ باقيا

اُدافعُ بالحلمِ الجَهولَ مكيدةً

واُخفي له تحتَ العَصاةِ الدَّواهيا

٣٢

فإنْ تدنُ منِّي أدنُ منكَ وإنْ تَبنْ

تجدْني إذا لمْ تدنُ منِّي نائيا

فكتب إليه معاوية بخطِّ يده ما وثق به.

فدخل زياد الشّام ، فقرّبه معاوية وأدناه ، واستلحقه فجعله أخاه ؛ لأنّ أبا سفيان كان زنى باُمّه سُميّة وهي تحت عبيد , وولدته على فراش عبيد , وأثبت ذلك بشهادة جماعة , منهم : أبو مريم السّلوي ، وكان خمّاراً في الجاهليّة ، وخالف قول النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( الولد للفراشِ وللعاهر الحَجَر )). وأقرّه على ولايته بفارس , ثمّ استعمله بعد ذلك والياً على العراق وضمّ إليه البصرة , فكان يتتبع الشّيعة كما أمره معاوية ، وهو بهم عارف ؛ لأنّه كان منهم أيّام أمير المؤمنين (ع ) , فقتلهم تحت كلّ حجر ومدر , وأخافهم وهدم دورهم , وقطع الأيدي والأرجل , وسمل العيون وصلبهم على جذوع النّخل , وطردهم وشرّدهم عن العراق , فلم يبقَ بها معروف منهم.

ولم يزل الأمر على ذلك حتّى ولي العراقَين نغله عبيد الله بن زياد , فاقتدى بأبيه في بغض أهل البيت (عليهم‌السلام ) وقتلِ شيعتهم وإيذائهم , حتّى كان ما كان من قتله مسلم بن عقيل بإلقائه من أعلى القصر حتّى تكسّرت عظامه , وقتل هاني بن عروة في حُبّ أهل البيت (عليهم‌السلام ) ، حتّى تجرّأ على ما هو أعظم من ذلك وأفضع ؛ من تجييش الجيوش لقتال الحسين ابن بنت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

وبلغ به الخُبث والعداوة لأهل البيت (عليهم‌السلام ) إلى أنْ منع الحسين (ع ) ، وأطفاله وعياله من شرب الماء حتّى قتله وأهل بيته عطاشى ، ولم يكتفِ بذلك حتّى كتب إلى عمر بن سعد : فإنْ قتلت حسيناً , فأوطئ الخيل صدره وظهره ؛ فإنّه عاقٌّ شاقٌّ قاطعٌ ظلوم , ولست أرى أنّ هذا يضرّ بعد الموت شيئاً ، ولكن على قول قد قُلتُه : لو قد قتلتُه لفعلت هذا به.

فامتثل عمر بن سعد أمره ، ونادى في أصحابه لـمّا قُتل الحسين (ع ) : مَن ينتدب للحسين فيوطئ الخيل ظهره وصدره ؟ فانتدب منهم عشرة فوارس ، فداسوا الحسين (ع ) بحوافر خيلهم حتّى

٣٣

رضّوا ظهره وصدره ، وجاء هؤلاء العشرة حتّى وقفوا على ابن زياد , فقال أحدهم :

نحنُ رضَضْنا الصَّدرَ بعدَ الظَّهرِ

بكلِّ يَعْبوبٍ شديدِ الأسرِ

* * *

تطَأُ الصَّواهلُ جسْمَهُ وعلى القنا

منْ رأسِهِ المرفوعِ بدرُ سماءِ

المجلس الثّاني والعشرون بعد المئتين

في شرح النّهج لابن أبي الحديد : كان سعيد بن سرح شيعةً لعلي بن أبي طالب (ع ) , فلمّا قدم زياد الكوفة والياً عليها أيّام معاوية , طلب سعيدَ بنَ سرح وأخافه , فأتى سعيدٌ الحسنَ بن علي (عليهما‌السلام ) مستجيراً به , فوثب زياد على أخيه وولده وامرأته فحبسهم ، وأخذ ماله ونقض داره.

فكتب الحسن بن علي (عليهما‌السلام ) إلى زياد : (( من الحسن بن علي إلى زياد : أمّا بعد , فإنّك عمدتَ إلى رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم , فهدمت داره وأخذت ماله ، وحبست أهله وعياله , فإذا أتاك كتابي هذا ، فابني له داره واردد عليه عياله وشفّعني فيه ؛ فقد أجرته , والسّلام )).

فلمّا ورد الكتاب على زياد , كتب إلى الحسن (ع ) : من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة , أمّا بعد ، فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي وأنت طالب حاجة ، وأنا سلطان وأنت سوقة ( أي : رعية ) , وتأمرني فيه بأمر الـمُطاع الـمُسلّط على رعيته. كتبت إليّ في فاسق آويته ؛ إقامة منك على سوء الرّأي ورضاً منك بذلك. وأيم الله , لا تسبقني به ولو كان بين

٣٤

جلدك ولحمك , وإنْ نلت بعضك غير رفيق بك ولا مرع عليك(١) ؛ فإنَّ أحبّ لحم إليّ أنْ آكله اللحم الذي أنت منه , فسلّمه بجريرته إلى مَن هو أولى به منك , فإنْ عفوتُ عنه لم أكن شفّعتك فيه , وإنْ قتلتُه لم أقتله إلّا لحبّه أباك , والسّلام.

فلمّا ورد الكتاب على الحسن (ع ) , قرأه وتبسّم ، وكتب جواب كتابه كلمتين لا ثالثة لهما : (( من الحسن بن فاطمة إلى زياد بن سُميّة : أمّا بعد ، فإنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال : الولد للفراش وللعاهر الحجر , والسّلام )).

وقد اقتدى بزياد بن سُميّة في بغضه لعلي (عليه‌السلام ) وشيعته نغلُه عبيد الله بن مرجانة , فقد قتل ميثم التّمار على حبّه لعلي (ع ) ؛ فإنّه لـمّا اُدخل عليه , قيل له : هذا كان من آثرِ النّاس عند علي (ع ). فأخذه وصلبه ، ثمّ فعل ما فعل بسبط رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) الحسين بن علي (ع ) , فجيّش عليه الجيوش , ومنعه وأهله من شرب الماء حتّى قُتل عطشان بشطِّ الفرات , ولم يكتفِ بذلك حتّى أمر أن يُداس جسده الشّريف بحوافر الخيل , وطاف برأسه الشّريف في سكك الكوفة وشوارعها , وطاف به في البلدان.

سُميّةُ أمسَى نسلُها عددَ الحصَى

وبنتُ رسولِ اللهِ ليس لها نسلُ

المجلس الثّالث والعشرون بعد المئتين

في كامل ابن الأثير قال : في سنة ستٍّ وخمسين بايع النّاس يزيد بن

____________________

(١) أي : غير مشفق عليك ولا راحم لك.

٣٥

معاوية بولاية عهد أبيه , وكان أوّل ذلك من المغيرة بن شعبة ؛ فإنّ معاوية أراد أن يعزله عن الكوفة ويولّيها سعيد بن العاص , فقال المغيرة : الرّأي أنْ أذهب إلى معاوية فاستعفيه ليظهر للناس كراهتي للولاية. فدخل على يزيد , وقال : ما يمنع أمير المؤمنين أن يعقد لك البيعة ؟ قال : أترى ذلك يتم ؟ قال : نعم. فدخل يزيد على أبيه وأخبره , فأحضر المغيرة فأشار عليه ببيعة يزيد, قال معاوية : ومَن لي بهذا ؟ قال المغيرة : أنا أكفيك أهل الكوفة , ويكفيك زياد أهل البصرة. قال : ارجع إلى عملك. فرجع إلى أصحابه , فقالوا : مه. قال : لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية على اُمّة محمَّد ( والغرز : ركاب من جلد ) , وفتقت عليهم فتقاً لا يُرتق أبداً , وأنشد:

بمثلِي شاهدِي النَّجْوى وغالَى

بيَ الأعداءُ والخصمُ الغِضابا

وقد صدق المغيرة في أنّه فتق على اُمّة محمَّد فتقاً لا يُرتق أبداً ؛ جرأة منه على الله تعالى واتّباعاً للهوى. وقدم المغيرة الكوفة وذاكر شيعة بني اُميّة بذلك فأجابوه , فأوفد منهم عشرة وأعطاهم ثلاثين ألف درهم وجعل عليهم ابنه , فقدموا على معاوية وزيّنوا له بيعة يزيد , وادّعوا أنّه إنّما استخفّهم إليه النّظر لاُمّة محمَّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ). فقال معاوية : لا تعجلوا بإظهار هذا. وقال لابن المغيرة سرّاً عنهم : بِكَم اشترى أبوك من هؤلاء دينهم ؟ فقال : بثلاثين ألف درهم. فقال : لقد هان عليهم دينهم , ولقد وجد أبوك دينهم عندهم رخيصاً. واستشار معاوية زياداً فأشار بالتؤدة.

وكتب معاوية إلى مروان : إنّي قد كبرت سنِّي ، وخشيت الاختلاف على الاُمّة بعدي , وقد رأيت أن أتخيّر لهم مَن يقوم بعدي , فأعرض ذلك وأخبرني بما يردّون عليك. فأخبرهم ، فقالوا : أصاب. فكتب إلى معاوية بذلك ، فأجابه بأنّه اختار لهم يزيد. فقال عبد الرّحمن بن أبي بكر : كذبت يا مروان , وكذب معاوية ، ما الخيار أردتما لاُمّة محمَّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، ولكنّكم

٣٦

تُريدون أنْ تجعلوها هرقلية. فقال مروان : هذا الذي أنزل الله فيه :( وَ الَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا ) (١) . فقالت عائشة : كذبت ، والله ما هو به ، ولكنّك أنت فضض من لعنة نبي الله. ( أي : أَنّ النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لعن أباك وأنت فضض من لعنته. أي : قطعة وطائفة منها ). وقام الحسين بن علي (عليه‌السلام ) فأنكر ذلك ، وفعل مثله ابن عمر وابن الزّبير.

فكتب مروان بذلك إلى معاوية ، وكان معاوية قد كتب إلى عمّاله بمدح يزيد وأنْ يُوفدوا إليه الوفود , فكان فيمن أتاه الأحنف بن قيس في وفد أهل البصرة , فقال معاوية للضّحاك بن قيس الفهري لـمّا اجتمع الوفود عنده : كُن أنت الذي تدعو إلى بيعة يزيد. فقام الضّحاك فمدح يزيد ودعا معاوية إلى بيعته ، وتكلّم مَن حضر من الوفود , فقال معاوية للأحنف : ما تقول يا أبا بحر؟ فقال : نخافكم إنْ صدقنا , ونخاف الله إنْ كذبنا. وتفرّق النّاس يحكون قول الأحنف.

وكان معاوية يُعطي المقارب ويداري المُباعد حتّى استوسق له أكثر النّاس , فلمّا بايعه أهل العراق والشّام , سار إلى الحجاز في ألف فارس , فلمّا دنا من المدينة , لقيه الحسين بن علي (عليه‌السلام ) ، ثمّ لقيه ابن الزّبير ، ثمّ عبد الرّحمن بن أبي بكر وعبد الله بن عمر فجفاهم ووبّخهم , فخرجوا إلى مكّة فأقاموا بها.

وخطب معاوية بالمدينة ومدح يزيد , ثمّ خرج إلى مكّة فجمع هؤلاء الأربعة , وقال لهم : قد اُعذر من أنذر ، إنّي قائم بمقالةٍ فاُقسم بالله , لئن ردّ عليَّ أحدكم كلمة في مقامي هذا , لا ترجع إليه كلمة غيرها حتّى يسبقها السّيف إلى رأسه. ثمّ دعا صاحب حرسه , فقال : أقم على رأس كلّ رجل من هؤلاء رجلين ، ومع كلّ واحد سيف , فإنْ ذهب رجل منهم يردّ عليَّ , فليضرباه بسيفهما. ثمّ قال : إنّ هؤلاء الرّهط سادة المسلمين وخيارهم , وأنّهم قد رضوا وبايعوا يزيداً ، فبايعوا على اسم الله. فبايع النّاس ، ثمّ ركب رواحله وانصرف إلى المدينة , وبايعه أهل المدينة ، وانصرف إلى الشّام.

وجفا بني هاشم ، فأتاه ابن عباس , فقال له : ما بالك جفوتنا ؟ قال : إنّ

____________________

(١) سورة الأحقاف / ١٧.

٣٧

صاحبكم لم يُبايع ليزيد , فلم تنكروا ذلك عليه. فقال : يا معاوية , إنّي لخليق أنْ أنحاز إلى بعض السّواحل فاُقيم به , ثمّ أنطلق حتّى أدع النّاس كلّهم خوارج عليك. قال : يا أبا العبّاس , تعطون وترضون.

هكذا كانت بيعة يزيد بالقهر والغلبة ، وتأميره على اُمّة محمَّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) - كما كانت بيعة أبيه - وهو يشرب الخمور ويرتكب الفجور ، ويلعب بالقرود والفهود , وأصبح أمر الخلافة كما قال الأمير أبو فراس الحمداني :

حتَّى إذا أصبحتْ في غيرِ صاحبِها

باتتْ تُنازعُها الذؤبانُ والرَّخمُ

وكما قال أبو العلاء المعرِّي :

دعِ الأيّام تفعلُ ما تُريد

فما أنا في العجائبِ مستزيدُ

أليس قريشكُمْ قتلتْ حُسيناً

وكان على خلافتِكُمْ يزيدُ

فلمّا مات معاوية , كتب يزيد إلى ابن عمّه الوليد بن عتبة - أمير المدينة - بأخذ البيعة على الحسين (ع ) , ويقول : إنْ أبى عليك ، فاضرب عنقه وابعث إليّ برأسه.

فامتنع الحسين (عليه‌السلام ) من بيعته ، ثمّ خرج ليلاً متوجّهاً إلى مكّة , فدسّ إليه يزيد بن معاوية مع الحاجّ في تلك السّنة ثلاثين رجلاً من شياطين بني اُميّة , وأمرهم بقتل الحسين (ع ) على أي حال اتّفق. فلمّا علم الحسين (ع ) بذلك ، وكان قد أحرم بالحجِّ , جعلها عمرة مفردة ؛ لأنّه لم يتمكّن من إتمام الحجِّ مخافة أنْ يُقبض عليه. فخرج من مكّة إلى العراق , فكان النّاس يخرجون إلى الحجِّ والحسين (ع ) خارج إلى العراق , فأرسل إليه ابن زياد الحُرَّ في ألف فارس , فأراد الحسين (عليه‌السلام ) الانصراف , فحال القوم بينه وبين الانصراف , ثمّ أخذ طريقاً لا يدخله الكوفة ولا يردّه إلى المدينة , ولم يزل سائراً حتّى انتهى إلى نينوى , فجاء رسول عبيد الله بن زياد إلى الحُرِّ يأمره بالتّضييق على الحسين (ع ) , وأنْ يُنزله بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء.

وذلك من

٣٨

هوان الدُّنيا على الله أنْ يكون عبيد الله - نغل مرجانة - ابن زياد نغل سُميّة يفعل هذا بابن بنت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فمنعه الحُرُّ من المسير , ولم يزل الحُرُّ يُسايره تارة ، ويمنعه اُخرى حتّى بلغ كربلاء , فلمّا بلغها قال : (( أهذه كربلاء ؟ )). قيل : نعم يابن رسول الله. فقال : (( هذا موضعُ كربٍ وبلاء. انزلوا ، ها هنا مناخُ ركابنا ومحطُّ رحالنا ، ومقتلُ رجالنا ومسفكُ دمائنا )).

ثمّ جمع ولده وإخوته وأهل بيته , ثمّ نظر إليهم فبكى ساعة , ثمّ قال : (( اللهمّ , إنّا عترة نبيّك وقد اُزعجنا وطُردنا واُخرجنا عن حرم جدِّنا , وتعدَّت بنو اُميّة علينا. اللهمّ , فخذ لنا بحقِّنا وانصرنا على القوم الظّالمين )).

ولم تزل الجيوش تأتي لقتاله إلى كربلاء حتّى بلغت ثلاثين ألفاً , وورد كتاب ابن زياد إلى ابن سعد : أنْ حِلْ بين الحسين وأصحابه وبين الماء , فلا يذوقوا منه قطرة. فبعث خمسمئة فارس فنزلوا على الشّريعة وحالوا بين الحسين (عليه‌السلام ) وأصحابه وبين الماء , ومنعوهم أنْ يستقوا منه قطرة , وذلك قبل قتل الحسين (ع ) بثلاثة أيّام , ثمّ زحفوا إليه فقتلوا أنصاره وأهل بيته واحداً بعد واحد، وجماعة بعد جماعة , بعدما أبلوا البلاء العظيم في نصرته , وأظهروا من الوفاء والشّجاعة الفائقة ما لا مزيد عليه.

ولـمّا بقي وحيداً فريداً نادى : (( هل مِن ذابٍّ يذبُّ عن حرم رسول الله ؟ هل مِن مُوحّدٍ يخاف الله فينا ؟ هل مِن مُغيث يرجو الله في إغاثتنا ؟ هل مِن مُعين يرجو ما عند الله في إعانتنا؟)). فارتفعت أصوات النّساء بالعويل , وقد اُثخن بالجراح في رأسه وبدنه , فجعل يُضاربهم بسيفه, وحمل النّاس عليه عن يمينه وشماله , فحمل على الذين عن يمينه فتفرّقوا , ثمّ حمل على الذين عن يساره فتفرّقوا.

قال بعض الرّواة : فوالله ، ما رأيت مكثوراً قطْ قد قُتل وُلده وأهل بيته وأصحابه ، أربط جأشاً ولا أمضى جناناً ولا أجرأ مقدماً منه. والله , ما رأيت قبله ولا بعده مثله ! وإنْ كانت الرجّالة لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه ، فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ

٣٩

فيها الذئب. ولقد كان يحمل فيهم ، وقد تكمّلوا ثلاثين ألفاً ، فينهزمون من بين يدَيه كأنّهم الجراد المنتشر ، ثمّ يرجع إلى مركزه وهو يقول : (( لا حول ولا قوّة إلّا بالله )). إلى أن قتلوه عطشان ظامياً ، واحتزّوا رأسه ورفعوه على رأس رمحٍ , وسلبوه ثيابه ودرعه ، وانتهبوا رحله وثقله , وداسوا جسده الشّريف بحوافر الخيل , ولم يدعوا من أمر فظيع حتّى فعلوه.

خلتِ الحميَّةُ يا اُميّةُ فاخلعي

حُللَ الحَيا وبثوبِ بغيكِ فارفُلِي

سوَّدتِ وجهَ حفائظِ العَرَبِ التي

كرُمتْ إذا ظفرتْ برجلٍ مُفضلِ

* * *

ليس هذا لرسولِ اللهِ يا

اُمّةَ الطُّغيانِ والبغي جزَا

المجلس الرّابع والعشرون بعد المئتين

روى ابن قتيبة في الإمامة والسّياسة ، وابن حجّة الحموي في ثمرات الأوراق وغيرهما من المؤرخين : أنّ يزيد بن معاوية شكا إلى وصيفٍ لأبيه , تركَ أبيه النّظر في شأنه , فأخبر الوصيفُ معاوية بذلك , فأرسل إلى يزيد فقال : ما الذي أضعنا من أمرك وقد علمت أنّي تخطّيتُ النّاس كلَّهم في تقديمك , ونصبتُك إماماً على أصحاب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ؟! فقال يزيد : قد كان ما تُحدّث به من جمال اُرينب بنت إسحاق , فرغبتُ إليك في نكاحها , فتركتَ ذلك حتّى تزوّجت. فقال معاوية : اكتم أمرك.

وكانت اُرينب مثلاً في جمالها وكثرة مالها , فتزوّجها ابن عمِّها عبد الله بن سلام , وكان من معاوية بالمنزلة

٤٠

عاماً كان ينقله فيها من حبس لحبس)(١) حتى لفظ آخر أنفاسه مسموما وهو في الحبس.

هذه الأحداث المؤسفة حركت سحابة قاتمة من الحزن داخل نفس الإمام الرضاعليه‌السلام . ومما يعظم الخطب أنه كان مغلوبا على أمره ليس له القدرة على الثأر أو الانتقام ممن عكروا صفو حياته، لقد (كتب له أن يعيش مأساة أبيه من بدايتها وحتى نهايتها، دون أن يملك القدرة على التخفيف من حدتها، حيث لاسبيل له إلى ذلك، وربما كان ينتظر المصير نفسه من عصابة الحكم)(٢) . كان يستشعر الخطر المحدق به، فقد كانت السلطة الحاكمة تضرب طوقا حديديا حوله، ترصد ردود فعله على اعتقال أبيه، فوجد أن الطريق الأسلم هو الاحتكام إلى السلم، منصرفا إلى نشر العلم والمعرفة.

المبحث الثالث: نسله الشريف

هناك اختلاف في كتب الأنساب والتراجم في عدد أولاده، وتحديد أسمائهم، ففي (عمدة الطالب) و (تهذيب الأنساب) نجد أن العقب من علي الرضا بن موسى الكاظمعليهما‌السلام في رجل واحد هو أبو جعفر محمد بن علي(٣) ، بينما نجد صاحب (المجدي في أنساب الطالبيين) يحصر عقبه في

__________________

(١) سيرة الأئمة الاثني عشر / هاشم معروف الحسني، القسم الثاني: ٣٤٢ - ٣٤٣.

(٢) الإمام الرضاعليه‌السلام / محمد جواد فضل اللّه، تاريخ ودراسة: ١٠.

(٣) اُنظر: عمدة الطالب / ابن عَنَبَة، وتهذيب الأنساب / العبيدي: ١٤٨.

٤١

ثلاثة، هم: موسى ومحمد وفاطمة - ويضيف: أما محمد هو أبو جعفر الثاني إمام الشيعة الاثني عشرية، لقبه التقيعليه‌السلام مات أبوه وله أربع سنين(١) . وفي كتاب (لباب الأنساب) أن للرضا ولدا اسمه علي بن علي الرضا(٢) .

ويذهب صاحب (الصواعق المحرقة) إلى أن الرضاعليه‌السلام : توفي عن خمسة ذكور وبنت، أجلُّهم محمد الجواد لكنه لم تطل حياته(٣) . ويذهب الصفدي والذهبي إلى هذا الرأي، ويسرد الصفدي وابن الصباغ أسماءهم، وهم: محمد، الحسن، جعفر، ابراهيم، الحسين، عائشة(٤) .

وعن (العُدد القوية): كان له ولدان محمد وموسى لم يترك غيرهما(٥) .

وقال الشيخ المفيد: مضى الرضاعليه‌السلام ولم يترك ولدا نعلمه إلاّ ابنه الإمام بعده أبا جعفر محمد بن عليعليهما‌السلام (٦) .

والذي يترجح في النظر ما ذكره المفيد، وبه جزم ابن شهرآشوب(٧) ، والطبرسي(٨) ، وأبو جعفر محمد بن جرير الطبري(٩) فالمعلوم لدينا من ابنائه هو الإمام محمد الجواد، واما غيره فلم يثبت، ويؤيد هذا الرأي

__________________

(١) المجدي في أنساب الطالبيين / علي بن محمد العلوي: ١٢٨.

(٢) لباب الأنساب والألقاب والأعقاب / ابن فندق ٢: ٤٤١.

(٣) الصواعق المحرقة / الهيتمي: ٣١١.

(٤) الوافي بالوفيات / الصفدي ٢٢: ٢٤٨، ترجمة رقم (١٨). سير أعلام النبلاء ٩: ٣٩٣، الترجمة ١٢٥، وأيضا: الفصول المهمة: ٢٦٠.

(٥) في رحاب أئمة أهل البيتعليهم‌السلام / السيد محسن الأمين ٤: ٢٦٤.

(٦) الإرشاد ٢: ٢٧١.

(٧) المناقب ٤: ٣٩٧.

(٨) اعلام الورى ٢: ٨٦.

(٩) دلائل الإمامة: ٣٥٩.

٤٢

الرواية الواردة عن حنان بن سدير، قال: قلت لأبي الحسن الرضاعليه‌السلام : أيكون إمام ليس له عقب؟ فقال أبو الحسن: « اما أنه لا يولد لي إلاّ واحد، ولكن اللّه منشى ء منه ذرية كثيرة ». قال أبو خداش: سمعت هذا الحديث منذ ثلاثين سنة(١) .

واللّه أعلم بواقع الأمر.

* * *

__________________

(١) كشف الغمة ٣: ٩٥.

٤٣

الفصل الثالث

الإمام الرضاعليه‌السلام  بعد تول-يه الإمامة

تعتقد مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام أن الإمامة أمرٌ الهي وجعلٌ رباني لا رأي لأحد فيها من الأمة. وبأن الإمام يجب أن يكون منصوصا عليه من قبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . إذ الإمامةهي امتداد للنبوة، والدليل الذي يوجب إرسال الرسل وبعث الأنبياء هو نفسه أيضا يوجب نصب الإمام. وهي أيضاً لطف من اللّه كالنبوة فلابد من أن يكون في كل عصر إمام هادٍ يخلف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وظائفه في هداية البشر.

ولو تعمقنا في النظر قليلاً لوجدنا أن فكرة النص تقوم على دليلين:

الأول: عقلي: ويستدل به على استحالة أن يترك الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمة فوضى من بعده، وهو الحريص عليها، وقد بيّن لها صغائر الأمور، فكيف يترك مسألة الإمامة أو القيادة دون تعيين؟!. علما بأن الخليفة الأول والثاني قد عينا أشخاصا قبيل وفاتهم لأمر الخلافة.

الثاني: شرعي: حيث استُدلّ بالكثير من الآيات والروايات على ثبوت الإمامة في أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وأحد عشر من ولده من بعده.

وعرض جميع الادلة العقلية والنقلية على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام بحث طويل وعريض لامجال هنا لاستقصائه، ومن شاء فليراجع كتاب (الشافي

٤٤

في الإمامة) للسيد المرتضىقدس‌سره ، إذ يعد هذا الكتاب بشهادة أعلام الطائفة فريداً في بابه، بل هو كما يقول الشيخ محمد جواد مغنية في تقريظه: إنه صورة صادقة لمعارف المرتضى ومقدرته، أو لمعارف علماء الإمامية وعلومهم في زمنه - على الأصح - عالج المرتضى مسألة الإمامة من جميع جهاتها كمبدأ ديني واجتماعي وسياسي، وأثبت بدليل العقل والنقل الصحيح أنها ضرورة دينية واجتماعية، وأن علياًعليه‌السلام هو الخليفة الحق المنصوص عليه بعد الرسول، وأنه من عارض وعاند فقد عارض الحق والصالح العام. ذكر الشريف جميع الشبهات التي قيلت أو يمكن أن تُقال حول الإمامة وأبطلها بمنطق العقل والحجج الدامغة(١) .

لقد شغل موضوع الإمامة حيزا كبيرا من فكر أئمة أهل البيتعليهم‌السلام لكونها حجر الزاوية في الفكر الإسلامي عامة والشيعي على وجه الخصوص، إضافة إلى كثرة اختلاف الناس حولها، وحاجتهم الماسة إلى القول الفصل فيها، بغية الخروج من مرحلة الحيرة والتساؤل.

وقد حظيت هذه المسألة بأهمية استثنائية عند إمامنا الرضاعليه‌السلام فأجاب عن الاشكالات والشبهات المطروحة إجابةً شافيةً ووافية، نجدها في الرواية التالية: عن القاسم بن مسلم، عن أخيه عبد العزيز بن مسلم، كنا في أيام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام بمرو، فاجتمعنا في مسجد جامعها في يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فأدار الناس أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها فدخلت على سيدي ومولاي الرضاعليه‌السلام ، فأعلمته ما خاض الناس فيه، فتبسمعليه‌السلام ثم قال: « يا عبد العزيز، جهل القوم وخدعوا عن

__________________

(١) مقدمة تحقيق كتاب الشافي ١: ١٩ - ٢٠.

٤٥

أديانهم، ان اللّه تبارك وتعالى لم يقبض نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شيء بيّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه كملاً فقال عزّوجلّ:( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) (١) وأنزل في حجة الوداع وفي آخر عمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاْءِسْلاَمَ دِيناً ) (٢) وأمر الإمامة في تمام الدين، ولم يمضصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى بيّن لأمته معالم دينهم، وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد الحق وأقام لهم علياعليه‌السلام علما وإماما، وما ترك شيئا تحتاج إليه الأمة إلاّ بينه، فمن زعم أن اللّه عز وجل لم يكمل دينه، فقد ردّ كتاب اللّه عزّوجلّ، ومن ردّ كتاب اللّه تعالى فهو كافر، هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم؟ ان الإمامة أجلّ قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالونها بآرائهم أو يقيموا إماما باختيارهم - إلى أن يقول - فقلّدها علياعليه‌السلام بأمر اللّه عزّوجلّ على رسم ما فرضها اللّه عزّوجلّ، فصارت في ذريته الأصفياء الذين أتاهم اللّه العلم والإيمان بقوله عز وجل:( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالاْءِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللّه إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ ) (٣) فهي في ولد عليعليه‌السلام خاصة إلى يوم القيامة - إلى أن قال - ان الإمامة هي منزلة الأنبياء وإرث الاوصياء، ان الإمامة خلافة اللّه عز وجل وخلافة الرسول ومقام أمير المؤمنين وميراث الحسن والحسينعليهما‌السلام ، ان الإمامة زمام الدين ونظام

__________________

(١) سورة الأنعام: ٦ / ٣٨.

(٢) سورة المائدة: ٥ / ٣.

(٣) سورة الروم: ٣٠ / ٥٦.

٤٦

المسلمين وصلاح الدنيا وعز المؤمنين، ان الإمامة أُسّ الإسلام النامي وفرعه السامي ».

ثمّ يورد تشبيهات بليغة وبديعة، فيقول: « الإمام كالشمس الطالعة للعالم وهي بالافق بحيث لاتنالها الأيدي والابصار، الإمام البدر المنير، والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجى والبيد القفار ولجج البحار، الإمام الماء العذب على الظمأ، والدال على الهدى والمنجي من الردى ».

ثمّ يضيف قائلاً: « فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام ويمكنه اختياره؟ هيهات هيهات ..فكيف لهم باختيار الإمام؟! والإمام عالم لا يجهل، وراع لا ينكل، معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة والعلم والعبادة، مخصوص بدعوة الرسول وهو نسل المطهرة البتول، لا مغمز فيه في نسب، ولايدانيه ذو حسب، فالنسب من قريش والذروة من هاشم، والعترة من آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(١) .

لقد حاول الإمام الرضاعليه‌السلام أن يعيد الوعي الإسلامي الصحيح بشأن الإمامة سيّما بعد تفريط القسم الأعظم من الأمة بها، بحيث أنهعليه‌السلام لم يترك فرصة إلاّ واستغلها في بيان ضرورتها وأدلتها وكشف أبعادها، والطريق اللاحب في انعقادها، ولعلّ أوضح مثل على ذلك، ما جاء عن الحسن بن جهم، قال: حضرت مجلس المأمون يوما وعنده علي بن موسى الرضاعليه‌السلام وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام من الفرق المختلفة فسأله بعضهم، فقال له: يا ابن رسول اللّه بأي شيء تصح الإمامة لمدعيها؟ قال: « بالنص والدليل »،

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ١٩٥، ح ١، باب (٢٠).

٤٧

قال له: فدلالة الإمام فيما هي؟ قال: « في العلم واستجابة الدعوة »(١) .

ومن الواضح أن الإمام الرضاعليه‌السلام قد تصدّى للإمامة علناً، وقال بإمامة نفسه وأذعنت له قاعدته، وشهد بذلك خصمه. الأمر الذي يستوجب استجلاء هذه الأمور في ثلاثة مباحث، وهي:

المبحث الأول: النص على الإمام الرضاعليه‌السلام بالإمامة

أولاً: من النصوص الدالة على إمامتهعليه‌السلام :

هناك روايات عديدة من طرق الشيعة الإمامية تؤكد على سلسلة أسماء السلالة الطاهرة للأئمةعليهم‌السلام واحدا بعد الآخر، ويأتي ذكر الإمام الرضاعليه‌السلام في الترتيب الثامن: أخرج الشيخ الصدوق بسند صحيح عن الثقة عبد اللّه بن جندب عن موسى بن جعفرعليه‌السلام ما ينبغي أن يقال في سجدة الشكر وهذا نصّه: « اللهمّ إني أُشهدك وأُشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك أنك أنت اللّه ربّي والإسلام سلام ديني ومحمداً نبيي وعلياً والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمّد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجّة بن الحسن بن علي أئمتي بهم أتولى ومن أعدائهم أتبرأ »(٢) .

ويمكن الاستشهاد أيضاً بحديث اللوح المتواتر المروي من طرق

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ٢١٦، ح ١، باب (٤٦).

(٢) من لا يحضره الفقيه / الشيخ الصدوق ١: ٢١٧ باب (٤٧).

٤٨

جمّة، عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري، وكذلك عن الإمام السجاد والباقر والصادقعليهم‌السلام ، نكتفي منها برواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام ، قال: « قال أبيعليه‌السلام لجابر بن عبد اللّه الأنصاري: إن لي إليك حاجة، فمتى يخف عليك أن أخلو بك، فأسألك عنها؟ قال له جابر: في أي الأوقات شئت، فخلا به أبيعليه‌السلام فقال له: يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أُمي فاطمة بنت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما أخبرتك به أُمي أنه في ذلك اللوح مكتوب.

قال جابر: أشهد باللّه، أني دخلت على أُمك فاطمة في حياة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهنئها بولادة الحسينعليه‌السلام فوجدت في يدها لوحاً أخضر ظننت أنه زُمرّد، ورأيت فيه كتاباً أبيض شبه نور الشمس، فقلت لها: بأبي أنتِ وأمي يا بنت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما هذا اللوح؟ فقالت: هذا اللوح أهداه اللّه عزّوجلّ إلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابنَيّ وأسماء الأوصياء من ولدي، فأعطانيه أبيعليه‌السلام ليسرّني بذلك، قال جابر: فأعطتنيه أمك فاطمة، فقرأته، وانتسخته فقال أبيعليه‌السلام : فهل لك يا جابر أن تعرضه عليّ، قال نعم، فمشى معه أبيعليه‌السلام حتى انتهى إلى منزل جابر، فأخرج أبيعليه‌السلام صحيفة من رق، قال جابر: فأشهد باللّه أني هكذا رأيته في اللوح مكتوباً: بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا كتاب من اللّه العزيز الحكيم لمحمد نوره وسفيره وحجابه ودليله نزل به الروح الأمين من عند ربّ العالمين، عظّم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي، ولا تجحد آلائي إني لم أبعث نبياً فأكملتُ أيامه وانقضت مدّته، ألا جعلت له وصيّاً، وأني فضلتك على الأنبياء وفضلت وصيك على الأوصياء، وأكرمتك بشبليك بعده وبسبطيك

٤٩

الحسن والحسين فجعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدّة أبيه، وجعلت حسيناً خازن وحيي وأكرمته بالشهادة، وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد، وأرفع الشهداء درجة عندي، وجعلت كلمتي التامة معه والحجّة البالغة عنده، بعترته أثيب وأعاقب: أولهم علي سيد العابدين وزين أوليائي الميامين، وابنه شبيه جدّه المحمود محمد الباقر لعلمي والمعدن لحكمي، سيهلك المرتابون في جعفر الراد عليه كالراد عليّ، حق القول مني لأكرمنّ مثوى جعفر ولاسرنّه في أشياعه وأنصاره وأوليائه، انتجبت بعده موسى وانتجبت بعده فتنة عمياء حندس لأن خيط فرضي لا ينقطع وحجتي لا تخفى وويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة عبدي موسى وحبيبي وخيرتي، إن المذكب بالثامن مكذب كل أوليائي، وعلي وليي وناصري، ومن أضع عليه أعباء النبوة وأمنحه بالاضطلاع، يقتله عفريت مستكبر، يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شر خلقي، حقّ القول مني لاقرنَّ عينيه بمحمد ابنه وخليفته من بعده، فهو وارث علمي ومعدن حكمي وموضع سرّي وحجتي على خلقي وأختم بالسعادة لابنه علي وليي وناصري والشاهد في خلقي، وأميني على وحيي، أخرج منه الداعي إلى سبيلي والخازن لعلمي الحسن، ثم أكمل ذلك بابنه رحمةً للعالمين، عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيوب أُولئك أوليائي حقاً بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس أُولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون » قال عبد الرحمن بن سالم: قال أبو بصير: لو لم تسمع في دهرك إلاّ هذا الحديث لكفاك، فصنه إلاّ عن أهله»(١) .

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٤٨، ح ٢ باب (٦).

٥٠

ثانياً: أساليب الإمام الكاظمعليه‌السلام في النصّ على إمامة ولده الرضاعليه‌السلام

مرّت الشيعة بعد وفاة الإمام الكاظمعليه‌السلام بمنعطف خطير. فقد كانعليه‌السلام يمر بظروف خانقة كما أسلفنا، ولذلك تمسك بالتقية وكان تحركه بمنتهى السرية، ومن ثم غيبته الطويلة في السجون، كل ذلك ساعد على انقطاعه عن قاعدته الجماهيرية، وكان الإمام الكاظمعليه‌السلام يدرك المقطع الزمني الحساس والعصيب الذي ستمر به إمامة ولده الرضاعليه‌السلام ، فهناك الأجواء السياسية الملبدة بالغيوم من قبل الحكام، وهناك ذوو الاطماع من علماء السوء الذين سوف يصنعون سياجا هائلاً من التعتيم والتكتم أو التشكيك بإمامة ولده، لذلك لم يأل جهدا ولم يدّخر وسعا في التبليغ لإمامة ولده الرضاعليه‌السلام ، مرة من خلال التلميح بفضائله وكمالاته وأهليته للإمامة، ومرة أخرى من خلال التصريح بها، وتارة يتصل مع أصحابه والثقات من شيعته بصورة فردية، وتارة أخرى يجتمع مع أقربائه وأهل المدينة بصورة جماعية، وأحيانا يشير إلى إمامة ولده بصورة شفوية، وأخرى بصورة كتب أو ألواح يشرح فيها أهلية ولده لمنصب الإمامة ويضمّنها وصاياه به. وبدا لنا من خلال البحث أن الإمام الكاظمعليه‌السلام قد سار حسب خطة مرسومة للتعريف بالرضاعليه‌السلام والإشادة بمنزلته، وقد هدد وأوعد كل من يسقط تحت حوافر الاطماع أو ينساق إلى مهاوي الضياع كالواقفية.

ونحن سوف نغوص في أعماق الروايات الدالة على إمامة الرضاعليه‌السلام ، نحاول أن ندرسها ونسبر أغوارها ونصنفها حسب الغاية التي توخيتْ منها.

٥١

وقد توصلنا من خلال البحث إلى أن الإمام الكاظمعليه‌السلام قد اتبع عدة أساليب للتعريف بإمامة ولده الرضاعليه‌السلام ، هي:

أولاً: أسلوب التلميح الشفوي:

يجد الباحث في هذا الصدد عدداً من الروايات لم تصرح بإمامة الرضاعليه‌السلام ، ولكنها تلمح إلى ذلك من خلال عبارات دقيقة موحية، ويبدو أنها قيلت بظرف خاص لا يساعد على التصريح، كما سنرى في العناوين التالية:

١ - السيادة وانتحال الكنية:

نجد روايات يشيد فيها الكاظمعليه‌السلام بولده الرضاعليه‌السلام بأنه سيد ولده، أو أنه نحله كنيته، فهكذا عبارات توحي - بدون شك - ضمنا إلى استحقاقه للإمامة، لاسيما أن الكناية عند ذوي الألباب أبلغ من التصريح، ويبدو أن أصحاب الإمام الكاظمعليه‌السلام ، كهشام بن الحكم، ممن يغنيهم التلميح عن التصريح قد أدركوا جيدا ماوراء هذه العبارات من دلالات ..

عن الحسين بن نعيم الصحاف، قال: كنت أنا وهشام بن الحكم وعلي ابن يقطين ببغداد فقال علي بن يقطين: كنت عند العبد الصالح موسى بن جعفرعليه‌السلام جالسا، فدخل عليه ابنه الرضاعليه‌السلام فقال: « يا علي، هذا سيد ولدي، وقد نحلته كنيتي »، فضرب هشام براحته جبهته! ثم قال: ويحك! كيف قلت؟ فقال علي بن يقطين: سمعت واللّه منه كما قلت لك، فقال هشام: أخبرك واللّه أن الامر فيه من بعده(١) .

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣١، ح ٣، باب (٤).

٥٢

وقد استخدم الإمام الكاظمعليه‌السلام عبارات ايحائية أخرى، منتقاة بدقة:

عن زياد بن مروان القندي، قال: دخلت على أبي ابراهيمعليه‌السلام وعنده علي ابنه، فقال لي: « يا زياد، هذا كتابه كتابي، وكلامه كلامي، ورسوله رسولي، وما قال فالقول قوله »(١) .

قال الشيخ الصدوق بعد رواية الخبر: إن زياد بن مروان القندي روى هذا الحديث ثم انكره بعد مضي موسىعليه‌السلام وقال بالوقف، وحبس ماكان عنده من مال موسى بن جعفر!

٢ - بيان منزلتهعليه‌السلام :

أولى الإمام الكاظمعليه‌السلام عناية خاصة بولده الرضاعليه‌السلام وأحاطه باهتمام ملحوظ منذ نعومة أظفاره مما جعل الانظار تتجه إليه والألسن تتحدث عنه، ومن الروايات الواردة في هذا الشأن، ما أخرجه الشيخ الصدوق: عن المفضل بن عمر، قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام وعلي ابنه في حجره وهو يقبّله ويمصّ لسانه، ويضعه على عاتقه ويضمه اليه، ويقول: « بأبي أنت وأمي، ما أطيب ريحك وأطهر خلقك وأبين فضلك! » قلت: جعلت فداك، لقد وقع في قلبي لهذا الغلام من المودة ما لم يقع لأحد إلاّ لك. فقال لي: « يا مفضل هو مني بمنزلتي من أبيعليه‌السلام ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢) »(٣) .

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٩، ح ٢٥، باب (٤)، أعلام الورى ٢: ٤٥.

(٢) سورة آل عمران: ٣ / ٣٤.

(٣) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٢٨٦، ح ٢٨، باب (٤).

٥٣

٣ - الوصية بدفع الحقوق لهعليه‌السلام :

وهي قرينة أخرى على إمامته، لأن الحقوق تعطى - كما هو معروف - للإمام الشرعي لكي يصرفها في مواردها. ولانريد أن نسترسل في إيراد الامثلة على ذلك، ونكتفي بعرض الروايتين التاليتين:

الرواية الأولى : عن الحسن بن علي الخزاز، قال: خرجنا إلى مكة ومعنا علي بن أبي حمزة ومعه مال ومتاع، فقلنا: ما هذا؟ قال: هذا للعبد الصالحعليه‌السلام أمرني أن أحمله إلى علي ابنهعليه‌السلام وقد أوصى اليه.

قال الشيخ الصدوق: إن علي بن أبي حمزة أنكر ذلك بعد وفاة موسى ابن جعفرعليه‌السلام وحبس المال عن الرضاعليه‌السلام (١) !

الرواية الثانية : عن داود بن زربي، قال: جئت إلى أبي ابراهيمعليه‌السلام بمال فأخذ بعضه وترك بعضه، فقلت: أصلحك اللّه، لأي شيء تركته عندي؟! فقال: « إنّ صاحب هذا الأمر يطلبه منك ».

فلمّا جاء نعيهعليه‌السلام بعث إليّ أبو الحسنعليه‌السلام فسألني ذلك المال، فدفعته إليه(٢) .

٤ - الإشارة إلى كون الإمام الرضاعليه‌السلام من الأوصياء:

وهي قرينة إيحائية قوية تضاف إلى سائر القرائن والعلامات الأخرى السابقة، يتضح لنا ذلك من متن الرواية التالية: عن نعيم القابوسي، عن

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٧، ح ٣٧، باب (٤).

(٢) المناقب / ابن شهرآشوب ٤: ٣٦٨، الكافي ١: ٢٥٠ / ١٣.

٥٤

أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال: « ابني عليّ أكبر ولدي، وآثرهم عندي، وأحبهم إليّ، وهو ينظر في الجفر ولم ينظر فيه إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ »(١) .

فهنا لم يصرح الإمام الكاظمعليه‌السلام علنا بإمامة ولده الرضاعليه‌السلام ولكن ذكر «الجفر» وكون النظر فيه من اختصاص النبي أو الوصي، فهذه الجملة تعطي إيماءة مهمة على إمامته، وخاصة بعد سبقها بذكر علامات أخرى، ككونه أكبر ولده وأحبهم اليه، وآثرهم عنده، وهي من صفات الإمام الذي يخلف أباه في الإمامة كما جاءت بهذا أحاديث صريحة كثيرة لا حصر لها.

ثانيا: أسلوب التصريح الشفوي

وهنا نجد الإمام الكاظمعليه‌السلام يصرح بصورة لالبس فيها بإمامة ولده، ويحدد القول الفصل حول إمامته بوضوح لا يخفى، وهذا الأسلوب تتوضح خطوطه من خلال روايات عديدة، وبعد دراستنا لها، نلاحظ:

أولا: تصريحهعليه‌السلام بإمامة ولده الرضاعليه‌السلام :

اذ نلاحظ أن الإمام الكاظمعليه‌السلام يغتنم كل مناسبة لكشف النقاب عن إمامة ولده الرضاعليه‌السلام ، ويبدو أنه كان يركز على ثقات أصحابه وشيعته، من أجل تمهيد الطريق أمام إمامة ولده، حاملاً على كتفه عب ء إيصال هذه الأمانة الإلهية الخطيرة، ومدركا في الوقت نفسه بأن هناك من تسوّل له نفسه الخروج عن وصيته بإمامة ابنه، ففي اسناد ينتهي إلى غنام بن القاسم

__________________

(١) اعلام الورى ٢: ٤٤.

٥٥

قال: قال لي منصور بن يونس بن بزرج: دخلت على أبي الحسن - يعني موسى بن جعفرعليهما‌السلام - يوما، فقال لي: « يا منصور، أما علمت ما أحدثت في يومي هذا؟ » قلت: لا، قال: « قد صيّرت عليا ابني وصيي » وأشار بيده الى الرضاعليه‌السلام « وقد نحلته كنيتي، وهو الخلف من بعدي، فادخل عليه وهنّئه بذلك، واعلم أني أمرتك بهذا » قال: فدخلت عليه فهنّئته بذلك وأعلمته أنه أمرني بذلك ثمّ جحد منصور فأخذ الأموال التي كانت في يده وكسرها!(١) .

ثانيا: جواب الإمام الكاظمعليه‌السلام على سؤال (عمن سيخلفه في الإمامة):

كان بعض الشيعة ونتيجة مباشرة لظروف التقية لم تسمع من إمامها الكاظمعليه‌السلام من يخلفه على الإمامة، ولم تطرق سمعها النصوص السابقة من آبائهعليهم‌السلام ، أو سمعت بها وأحبّت التأكد من شخص الإمام كما تحكيه بعض الروايات في هذا المقام، خصوصاً وإن حديث « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » قد تواتر نقله عند الإمامية وصحّت طرقه عند غيرهم، الأمر الذي يؤدي إلى السؤال من الإمام عمن سيلي الأمر بعده ؛ لأجل قطع الظن الحاصل من السماع السابق أو عدمه، باليقين الحاصل من السماع من الإمام مباشرةً، ومن هنا وجهت بعض الشخصيات أسئلة صريحة للإمام الكاظمعليه‌السلام حول من سيخلفه بعد وفاته، فأجابهم الإمام بصورة صريحة لا لبس فيها أن الإمام من بعده علي الرضاعليه‌السلام ابنه، ومن الشواهد عليه، ما جاء عن داود الرقي، قال: قلت لأبي ابراهيم

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٢، ح ٥، باب (٤).

٥٦

- يعني موسى الكاظمعليه‌السلام : فداك أبي، إني قد كبرت وخفت أن يحدث بي حدثٌ ولا ألقاك، فأخبرني من الإمام من بعدك؟ فقال: « ابني عليعليه‌السلام »(١) .

ونظير هذه الرواية ما أسنده الصدوق إلى نصر بن قابوس. قال: قلت لأبي ابراهيم موسى بن جعفرعليهما‌السلام : اني سألت أباكعليه‌السلام من الذي يكون بعدك؟ فأخبرني أنك أنت هو، فأخبرني من الذي يكون بعدك؟ قال: « ابني عليعليه‌السلام »(٢) .

٢ - توسيعهعليه‌السلام دائرة التصريح بإمامة ولده الرضاعليه‌السلام :

لم تقتصر دعوة الإمام الكاظمعليه‌السلام لإمامة ولده الرضاعليه‌السلام على اللقاءات والاتصالات الفردية التي تتم عادة تحت ستار كثيف من الكتمان والسرية، بل جهد في إعلان إمامته أمام الجموع أو الملأ العام، لاسيما وأنه قد أدرك أن حصرها في نطاق ضيق قد لايحقق النتيجة المرجوة، فمن المحتمل أن تكون عرضة للتشكيك أو الإنكار، وقد تعطي مبررا لتنصل أهل الأهواء وملتمسي الأعذار وأصحاب المطامع بالأموال.

من أجل ذلك أخذ الإمام الكاظمعليه‌السلام يجمع في بداية الأمر من يخصه بالقرابة القريبة من ولد علي وفاطمةعليهم‌السلام : عن حيدر بن أيوب، قال: كنّا بالمدينة في موضع يعرف بالقبا، فيه محمد بن زيد بن علي، فجاء بعد الوقت الذي كان يجيئنا فيه، فقلنا له: جعلنا اللّه فداك،

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٣، ح ٨، باب (٤).

(٢) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٤٠، ح ٢٦، باب (٤).

٥٧

ما حبسك؟ قال: دعانا أبو ابراهيمعليه‌السلام اليوم سبعة عشر رجلاً من ولد علي وفاطمةعليهما‌السلام ، فأشهدنا لعلي ابنه بالوصية والوكالة في حياته وبعد موته، وأن أمره جائز عليه وله، ثم قال محمد بن زيد: واللّه يا حيدر لقد عقد له الإمامة اليوم وليقولن الشيعة به من بعده، قال: حيدر، قلت: بل يبقيه اللّه، وأي شيء هذا؟ قال: يا حيدر، إذا أوصى إليه فقد عقد له الإمامة(١) .

ومن ثم وسع نطاق الوصية إلى دائرة القرابة الأبعد كولد جعفر بن أبي طالب من الرجال والنساء، فعن عبد اللّه بن الحارث وأمه من ولد جعفر بن أبي طالب، قال: بعث إلينا أبو ابراهيمعليه‌السلام فجمعنا ثم قال: « أتدرون لم جمعتكم؟ » قلنا: لا، قال: « اشهدوا أنّ عليا ابني هذا وصيّي، والقيّم بأمري، وخليفتي من بعدي، من كان له عندي دَين فليأخذه من ابني هذا، ومن كانت له عندي عدة فليستنجزها منه، ومن لم يكن له بد من لقائي فلا يلقني إلاّ بكتابه »(٢) .

ويبدو من الرواية التالية أنه قد وسع من نطاق الدعوة لإمامة ولده الرضاعليه‌السلام ، بحيث شملت المدينة بصورة عامة، وبذلك انتقل إلى مدار جديد من أجل إشهاد أكبر عدد ممكن من الأفراد على استحقاق ابنه للإمامة، ليقطع الطريق على كل الأعذار، ويزيل جميع الشكوك التي تساور الأذهان المريضة في هذا الشأن: عن حسين بن بشير، قال: أقام لنا أبو الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام ابنه علياعليه‌السلام كما أقام رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياعليه‌السلام يوم

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٧، ح ١٦، باب (١).

(٢) اعلام الورى ٢: ٤٥، الكافي ١: ٢٤٩ / ٧، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٦، ح ١٤، باب (٤).

٥٨

غدير خم، فقال: « يا أهل المدينة » أو قال: « يا أهل المسجد، هذا وصيي من بعدي »(١) .

ثالثاً: أسلوب الكتابة

حشد الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام كل الحجج والادلة على إمامة ولده الرضاعليه‌السلام من بعده، ولم يقتصر على عرضها في اللقاءات الفردية والجماعية التي تكون عادة بصورة شفوية، من خلال كلامه المباشر مع الناس أفرادا أو جماعات، حيث يختار عبارات منتقاة بعناية حسب مايسمح به الظرف السياسي السائد، اذ يشير تلميحا أو تصريحا إلى إمامة الرضاعليه‌السلام ، ويظهر أنه لم يكتف بالأسلوب الشفوي كوسيلة اعلامية سائدة بل أردفه بأسلوب تحريري، من خلال كتابة الالواح والكتب، حتى تكون الحجة أبلغ. ولايخفى بان الكلام المكتوب يكون أكثر وقعا وتأثيرا في النفوس من الكلام الشفوي الذي يكون - احيانا - عرضة للتأويل والتزوير. يتضح لنا هذا الأسلوب من خلال الروايتين التاليتين:

الرواية الأولى : عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: أوصى أبو الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام إلى ابنه عليعليه‌السلام ، وكتب له كتابا أشهد فيه ستين رجلاً من وجوه أهل المدينة(٢) .

الرواية الثانية : عن الحسين بن المختار، قال: لما مرّ بنا أبو الحسنعليه‌السلام بالبصرة خرجت إلينا منه «ألواح» مكتوب فيها: « عهدي إلى أكبر

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٧، ح ١٧، باب (٤).

(٢) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٧، ح ١٧، باب (٤).

٥٩

ولدي »(١) . ومعلوم أن الإمام الرضاعليه‌السلام أكبر ولد الإمام الكاظمعليه‌السلام .

أسلوب الوصية:

جارى الإمام الكاظمعليه‌السلام الاسلوب المتَّبَع عند الأئمةعليهم‌السلام في الوصية لأولادهم من بعدهم، ويبدو أن الإمام الكاظمعليه‌السلام في وصيته لولده الرضاعليه‌السلام كان يخشى عليه من حسد إخوته ومنافستهم إيّاه، أو كان يخشى عليه من السلطات الحاكمة التي ترصد بدقة من يخلفه في أمره، لذلك كانت وصيته له اتخذت أسلوبين:

الأسلوب العام:

عندما أوصى لولده الرضاعليه‌السلام في الظاهر، ولأجل التمويه أشرك معه بنيه، حتى لا يتحسّسوا منه، ولا تكشف السلطة من يخلفه.

الأسلوب الخاص:

فقد أوصى الإمام الكاظمعليه‌السلام للرضاعليه‌السلام خاصة، وأفرده بالوصية وحده، يظهر كل من الشكلين في الرواية التالية ذات الدلالة:

عن يزيد بن سليط قال: لقيت أبا ابراهيمعليه‌السلام ونحن نريد العمرة في بعض الطريق ...قال: « أخبرك يا أبا عمارة، اني خرجت من منزلي فأوصيت إلى ابني فلان وأشركت معه بنيّ في الظاهر، وأوصيته في الباطن، وأفردته وحده، ولو كان الأمر إليّ لجعلته في القاسم لحبّي إيّاه ورأفتي عليه، ولكن ذاك إلى اللّه يجعله حيث يشاء ».

عند التمعّن في هذه الرواية نكتشف أن السبب في انتخاب الإمام

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٩، ح ٢٤، باب (٤)، وفي اعلام الورى ٢: ٤٦، الفصل الثاني: أن الالواح خرجت وهو في الحبس.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142